رؤى متباينة لعلاقة العنف بالمقدَّس: (قراءة تحليليَّة في كتاب العنف والمقدَّس)
فئة : قراءات في كتب
رؤى متباينة لعلاقة العنف بالمقدَّس([1])
(قراءة تحليليَّة في كتاب العنف والمقدَّس)
كتاب (العنف والمقدَّس، دار الثقافة، بيروت، 1996) جاء في (152صفحة) من القطع المتوسط، وقام بتحريره المفكّر المصري مراد وهبة، يُعدُّ هذا الكتاب من أهمّ الكتابات الجادَّة التي قُدّمت حول هذه الظاهرة؛ ظاهرة ارتباط العنف بالمقدَّس، أو العنف الذي يبحث عن مبرّر قوي يتخذه ذريعة لتنفيذ رؤاه وأغراضه البرجماتيَّة، ووراء هذا الخطاب المُبَرَّر تقف تلك المفارقة العجيبة حيث نجد القاتل والمقتول كليهما يصيح "الله أكبر"؛ الأول قاتل باسم المقدَّس، والمقتول أيضاً مقتول باسم المقدَّس. فكان لزاماً على سائر المتخصّصين في العلوم الإنسانيَّة والاجتماعيَّة وأهل الفكر على العموم ضرورة الوقوف على البُنى الإيديولوجيَّة المُفسّرة لظاهرة اقتران العنف بالقداسة. ومن ثمَّ جاء هذا الكتاب الذي يضمُّ تسع دراسات ومقدّمة دار النشر ومدخلاً بقلم المحرّر الذي لاحظَ الاهتمام بدراسة العنف بمعزلٍ عن المُقدَّس من خلال متابعته لما كتبه سارتر في (نقد العقل الديالكتيكي)، أو ما كُتِبَ في الكتاب الذي حرَّره كلٌّ من ريناتوس هارتجز وإريك أرتزث بعنوان (العنف: أسباب وحلول)، حتى كتاب رينيه جيرار عن (العنف والمقدَّس) الذي بحث عن جذور العنف والمقدَّس في الحضارة الإنسانيَّة، منتهياً إلى أنَّ الأضحية فعلٌ إجرامي!! الأمر الذي يجعل لكتابه أهميَّة في هذا المجال. وفي الحقيقة اهتمَّ مراد وهبة بقضيَّة العنف والمقدَّس اهتماماً كبيراً، خاصَّة في عدد من كتبه، ومنها (مُلّاك الحقيقة المطلقة - الأصوليَّة والعلمانيَّة - جرثومة التخلف - مفارقة ابن رشد - قصة الديالكتيك).
وكتاب "العنف والمقدَّس" عبارة عن مجموعة أبحاث منتقاة بعناية من أعمال المؤتمر الرابع للمجموعة الأوروبيَّة العربيَّة للبحوث الاجتماعيَّة (**) الذي أشرفت علي تنظيمه في أبريل 1981 في مدينة روما بإيطاليا، تحت عنوان "الشباب والعنف والدين". ولمَّا كانت هذه الدراسات المنتقاة تنصبُّ حول "العنف والمقدَّس" فقد آثر المحرّر أن يجمعها وينشرها في كتاب يحمل الاسم نفسه؛ وهي في الحقيقة تمثل تسعة أقلام مختلفة من حيث وجهات النظر والخلفيَّات الثقافيَّة والمنطلقات الإيديولوجيَّة، ممَّا يجعله يُقدّم رؤى جديرة بالتوقف عندها لرؤية المضامين المختلفة التي تحملها.
ترى "مقدّمة الدار" أنَّ العنف من أهمّ الظواهر التي ميَّزت النصف الأخير من القرن العشرين، فقد ارتبط العنف بالمقدَّس فوجد مبرراته الدينيَّة التي تدعمه للدرجة التي أصبح فيها العنف أحد مظاهر التدين. والحقيقة أنَّ هذه السطور تعكس واقعاً ملموساً في البيئة الإسلاميَّة؛ حيث ظهرت الجماعات الإسلامويَّة على السطح في جُلّ دول العالم الإسلامي من أدناه إلى أقصاه. والملاحظ أنَّ جُلَّ هذه الجماعات قد اتخذت من المقدَّس الديني تبريراً لممارسة العنف تجاه الآخر، علماً بأنَّ الأديان جميعها جاءت للمحافظة على دماء البشر وعلى حرياتهم في اختيار العقيدة الدينيَّة انطلاقاً من الشعار القرآني "لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ" (الكافرون: 6) حيث يمثل مظلة كبرى تظهر أكثر وضوحاً في قوله تعالى: "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ" (البقرة 256).
وتنطلق الدراسة الأولى وهي بعنوان "منطق العنف" - التي قام بها المحرّر الدكتور مراد وهبة - من مقولة شائكة، تنصُّ على أنَّ "ما لم يوجد بعد هو الحق"، وهي عبارة تبدو متناقضة إلى حدٍ كبير مع عبارة هيجل الشهيرة في كتابه "فلسفة الحق"، إنَّ مهمَّة الفلسفة هي فهم ما هو كائن، لأنَّ ما هو كائن هو العقل"([2]). ومعنى ذلك أنَّه إذا كان هيجل يضع العقل في مستوى أفقي مع الواقع، وأنَّ العقل يبدأ ممَّا هو كائن، فإنَّ مُراد وهبة يرى أنَّ العقل يبدأ بما سيكون وليس بما هو كائن؛ بل يرى أنَّ تلك البداية هي التي تميّزه عن الحيوان الذي يبدأ ممَّا هو كائن، فنشاط الإنسان ينطوي على فكرة الغاية؛ تلك الفكرة التي تتجاوز الواقع من أجل تغييره، ويستشهد وهبة بمقولة ماركس: "في نهاية أيّ عمل يصل الإنسان إلى نتيجة كانت قائمة في مخيلته عند بدء العمل"([3]). فالعقل عند وهبة يتحرك ممَّا هو ممكن إلى ما هو كائن، وهذه الحركة من شأنها أن تحدث تغييراً في الواقع من خلال الممارسة العمليَّة؛ لينتهي بنا إلى القول إنَّ العقل عنيف، وبالتالي يكون العنف فعلاً عقلانياً([4]). وهو الأمر الذي يُخالف فيه رؤية الفيلسوف الإنجليزي "كارل بوبر" الذي كان يرى أنَّ العُنف ضدّ العقل، وأنَّ العقلانيَّة هي البديل للعُنف. وهذا يعني أنَّ العقل عاجز بحكم طبيعته عن مجاوزة الواقع من أجل تغييره تغييراً جذرياً على أُسس علميَّة وعقلانيَّة، وتأسيساً على ذلك فإنَّ وظيفة العقل محصورة في مجرَّد النفي، وليس في نفي النفي([5]). ولكنَّ مخالفة وهبة لبوبر لا تعني أنَّ كلَّ عنف عقلاني، ولكنَّ العنف العقلاني هو الذي يهدف إلى تغيير الواقع الاجتماعي تغييراً جذريَّاً، وهذا هو العنف الثوري، وليس العُنف لمجرَّد العنف. ومن ثمَّ ينتقد وهبة تلك الرؤية الفوضويَّة التي ترى أنَّ العنف يلزم عنه نجاح الثورات وقمع وإزاحة الأنظمة الاستبداديَّة، وبلا عنف لا تتحقق أيَّة نجاحات ولا تتغير الأوضاع السياسيَّة السيئة، وعلى ذلك يكون منطق اليساريين الجدد هو أنَّ العنف يُعدُّ القوَّة المبدعة في التاريخ. وهذا الاستخدام للعنف كوسيلة للتغيير هو ما يرفضه وهبة، حيث يجعله مرادفاً للفوضى والإرهاب، وإنَّما العنف العقلاني الذي يبرّره وهبة هو ما يقوم على رؤية مستقبليَّة أساسها القوانين العلميَّة لتطوُّر المجتمع. أي أنَّ العنف العقلاني أو العنف الثوري هو ما يقوم على قاعدتي العلميَّة والمستقبليَّة.
ثم تأتي الدراسة الثانية بعنوان "الشباب والعنف والمقدَّس - تناول مقارن للمجال الاجتماعي الإسلامي والمسيحي" للباحث التونسي رضا بوكرع، الذي يعبّر عن وجود صعوبات في التحديد الجامع المانع لمقاصد المفاهيم الثلاثة (الشباب ـ العنف - المقدَّس)؛ فالشباب مسألة سن، ولكنَّه يُصبح إشكاليَّة اجتماعيَّة في المجتمعات التي تعاني التمزُّق الاجتماعي دون أن يقابله تضامن فعَّال على المستوى الاجتماعي العام. والواقع أنَّ الشباب هو لحظة عبور أو انتظار أو فراغ، إذ في وقت واحد عجز ومطلب ونداء. ومن ثمَّ فهو مهيَّأ للتحريك من قِبل المجتمع برمَّته الذي هو قادر على إشباع مطالبه والاستجابة لندائه. فالشباب طاقة إيجابيَّة لا تتحوَّل إلى طاقة سلبيَّة إلا عندما يحلُّ الصراع والشقاق محل الوفاق في إدارة هذه الفترة من الحياة. والعنف موجود أيضاً بين المجتمعات والأعمار المتصارعة ليتضح في نهاية التحليل أنَّ الآخر هو العنيف. وعلى أساس هذا المسار يتحدَّد معنى المفهوم الثالث، وهو مفهوم المقدَّس الذي يتحدَّد من خلال مفهوم الدنيوي عندما يسيطر الأول على كافة المناحي الثقافيَّة لحياة المجتمع. ومن ثمَّ تظهر العلمانيَّة لتحرير المجتمع من سيطرة المقدَّس الديني.
ويبزغ العنف عندما تصبح مشروعيَّة احتكار العنف مرفوضة ([6]). ويناسب مزاج الشباب حيث يسير العنف والشباب نحو الفوضى والاضطراب، إذن هناك علاقة قويَّة بين الفئة العمريَّة، عند بوكرع، وبين ممارسة السلوك العنيف، ومن ثمَّ يتوجَّب على المجتمع لتفادي القوَّة التدميريَّة لتلاحم الشباب والعنف أن يهيّئ الشباب لتجاوز المرحلة العنيفة للاستقرار والوصول بسلام إلى مرحلة الرجولة.
ويتعامل الشباب مع المُقدَّس إمَّا بالتعصُّب للمقدَّس التقليدي أو يبتكر مقدَّساً جديداً أو مقدَّساً متوحشاً يتعصَّب له. ويرى بوكرع أنَّ الشباب يُدافع عن مقدَّسه أيَّاً كان بعنف، لأنَّه لا ينغمس في ممارسة المفاهيم السائدة في المجتمع. وينشأ بحث الشباب عن المقدَّس في المجتمع الغربي نتيجة لسيادة العلمانيَّة في المجتمع الغربي مع فراغ الجانب الروحي وعدم إشباعه في المجتمعات الصناعيَّة وعدم دفع الشباب إلى المشاركة في الحياة الاجتماعيَّة ونشاطاتها المختلفة. بينما يتجلَّى العنف في المجتمعات الإسلاميَّة نتيجة للصراع بين الغرب والإسلام كنتيجة لصراع الهويَّة والتغريب.
وتأتي المداخلة الثالثة للدكتور حسن الساعاتي بعنوان "الشباب والعنف والدّين"، وهو عنوان يساوي حرفياً عنوان المؤتمر وهي دراسة تستند ـ في جزءٍ منها - إلى نتائج أبحاث تجريبيَّة أجريت في مصر، أوَّلها عن جماعة الإخوان المسلمين، تلك الجماعة التي بدأت كجماعة دينية روحيَّة تدعو إلى الإصلاح الشامل بالعودة إلى الاعتقاد السنّي للمجتمع الإسلامي كما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وحوارييه، ثم بدأت تنغمس في السياسة رويداً رويدا حتى اصطدمت اصطداماً عنيفاً كاد أن يقضي عليها. أمَّا الثاني فيتناول حال مصر في عهد القائد الملهم جمال عبدالناصر، أمَّا الثالث فيتناول دراسة لحالة المثقفين الشبان في مصر بعد الحرب العالميَّة الثانية، ويأتى رابعها عن سيرة سيّد قطب المفكر الديني الذي شغل مكانة مهمَّة بين صفوف جماعة الإخوان المسلمين، وخاصَّة أفكاره عن الحاكمية. فقد ألهمت نتائج تلك الأبحاث الأربعة الكاتب على أن يتناول موضوعه من منظور ثلاثي: الشباب والعنف، والدين والعنف، والشباب والدين.
تناول في المنظور الأوَّل الذي جاء تحت العنوان الفرعي الشباب والعنف، حيث يرى أنَّ الشباب المصري لا يتمتع بشبابه لفترة طويلة، فما يكاد يعبر مرحلة المراهقة حتى يطالب بأن يسلك مسلكاً رجولياً، إلا أنَّهم لا يلجؤون إلى العنف الثوري بسهولة، إلا إذا تمَّت استثارتهم من قبل مناضلين متحمسين للتغيير الثوري([7]).... وهذا ما صدق بالفعل بعدما استثار جموع الشباب في ثورة الخامس والعشرين من يناير من قبل بعض النشطاء السياسيين على مواقع التواصل الاجتماعي، فقامت الثورة التي أطاحت برأس النظام حينذاك وبحزبه المستبد. وقاد عبدالناصر -من قبل- في مرحلة الشباب المظاهرات ضدَّ المستعمر الإنجليزي، ومن قبله شباب مصر في ثورة 1919. وقد رأى حسن البنا أنَّ هذا الجيل قد ورث إيماناً فاسداً حيَّر عقولهم وملأهم بالشك؛ ومن ثمَّ ارتأى أن يكون الطريق الأمثل أن يلتف هؤلاء الشباب حول مرشد ومعلم، حرص أن يقوم البنا نفسه بهذا الدور، ولأجل هذا أسَّس جماعة الإخوان المسلمين 1928 التي نمت تدريجياً حتى صارت نداً حقيقياً لحزب الوفد حزب الأغلبيَّة في ذلك الحين، وقد أسفرت الضغوط السياسيَّة والاجتماعيَّة عن اتجاه سلوك هذه الجماعة إلى العنف الذي وصل إلى قتل قاضٍ (أحمد الخازندار)، بل إلى اغتيال رئيس وزراء مصر (محمود فهمي النقراشي باشا)، كما حاولت تلك الجماعة قتل عبد الناصر نفسه مرّتين: مرَّة وهو رئيس للوزراء عام 1954 ومرَّة أخرى في حادثة المنشيَّة بالإسكندريَّة وهو رئيس للجمهوريَّة. وازداد سخط الشباب بعد نكسة يونيو 1967، وازداد إحساسه بالقهر والفساد والتضخم، فظهرت الجماعات الإسلاميَّة المتطرفة التي قامت بتفجير الفنيَّة العسكريَّة، وتمَّ اغتيال وزير سابق وهو الشيخ الذهبي، وقامت مظاهرات في عموم البلاد احتجاجاً على غلاء المعيشة وزيادة أسعار المواد الغذائيَّة. ورغم ذلك يرى الكاتب أنَّ الشباب المصري غير ميَّالٍ إلى العنف الرهيب، بل يميل عند الحاجة إلى العنف المعتدل. وفي نهاية هذا المبحث يقارن الكاتب بين العنف لدى العسكريين الذي يستخدم قوة السلاح، أمَّا العنف عند الجماعات الإسلاميَّة فيكون بالدعوة الروحيَّة ضدَّ أعداء الدين، التي تدعو إلى إعداد ما في الاستطاعة لإرهاب عدو الله وعدو المؤمنين.
وذلك يقودنا إلى الجزء الثاني من الدراسة، وهو العنف والدّين؛ فالدّين، أيّ دين، ينشد إحداث تغيير جذري للأوضاع السيئة القائمة والضارَّة بالحياة الطيبة، وعند مقاومة الكفار، لذلك ليس غريباً أن نعثر على العنف في الدّين. ففي العهد القديم قال الربُّ لموسى وشعبه إنَّهم إذا أطاعوا وصاياه "تطردون أعداءكم الذين يسقطون أمامكم بالسيف". وفي العهد الجديد تبدو المقاومة السلبيَّة سبيلاً للانتصار، "فإذا لطمك على خدك الأيمن فحوّل له الآخر أيضاً. ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء، ومن سخَّرك ميلاً واحداً فاذهب معه اثنين". ففي المقاومة السلبيَّة يتمُّ كبت الاستجابة فيفضي ذلك إلى انقطاع الدائرة السيكولوجيَّة للمنبّه والاستجابة، فيصاب التوقع بالإحباط ويؤدي إلى كبت مرير. فإذا ما تكرَّر حدث انهيار عصبي واستسلام للعدو، هذا هو الأسلوب الذي أدَّى إلى هزيمة الرومان العتاة وتحوّلهم للمسيحيَّة([8]). وقابل الإسلام عنف الكفار بعنف مثله، انصياعاً لأوامر الله في قوله تعالى: "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ" (الأنفال 60). ومن ثمَّ كان من السهل على الجماعات المتطرّفة أن تجد مبرّرات دينيَّة كثيرة لعنفها وعدوانيتها. ومن ثمَّ يصبح من الصعب ـ كما يرى الكاتب- على الحكومات مقابلة هذا العنف الذي تغطيه المسوح الدينيَّة بالتسامح([9]).
وبعد مقتل حسن البنا أصبح سيّد قطب من أشهر كُتّاب الجماعة، وكتب كتابه الأشهر الذي يُعدُّ بمثابة دستور للعنف الديني لكافة الجماعات الإسلامويَّة، وهو كتاب "معالم في الطريق"، الذي تناول فيه فكرة الحاكميَّة وتقسيم المجتمع إلى مجتمع مؤمن ومجتمع جاهلي أو إلى دار حرب ودار إسلام، ومن ثمَّ رأى ضرورة محاربة المجتمع الجاهلي بلا هوادة وسحقه طبقاً لقوانين الله. ثم فصَّل قطب القول في تصوُّره للخطَّة الإلهيَّة التي تنطوي على إجراءات عمليَّة عنيفة، وهي الخطَّة السريَّة لاغتيال عبد الناصر، الأمر الذي كلَّف قطب حياته.
أمَّا القسم الثالث من دراسة الساعاتي فجاء بعنوان "الشباب والدّين"، ويرى أنَّ الجامعات المصريَّة مليئة بالشباب من الجنسين الذين ينتمون إلى جمعيات دينيَّة متعدّدة، ويتميزون بلباسهم ولباسهن المميز عن بقية الطلاب والطالبات، وهم أكثر في الكليَّات العمليَّة عنها في الكليَّات النظريَّة، ويرى أنَّ الشباب قد يكون التزامه الديني في الغالب مسالماً، إلا إذا تمثل النظريَّة وامتلأ بالكراهية والانتقام والروح العسكريَّة في سبيل الله والأمَّة الإسلاميَّة، فإنَّه في هذه الحالة، وفيها وحدها، يتطرَّف ويكون مستعداً للموت من أجل اعتقاده الديني.
وتأتي الدراسة الرابعة للألماني "جورج شتوت" بعنوان "الكفاف والإيديولوجيا - النظام والاعتقاد في ثقافات الفقر". ويقصد بثقافة الفقر ذلك النشاط التجاري الصغير الموجود في أزقة الشوارع ونواصيها. ويقصد بها أنَّ الناس يبنون أبنيتهم الخاصَّة بهم، ويبتكرون أنظمة ومعتقدات لحماية أنفسهم بعيداً عن سيطرة الأبنية المهيمنة. مثل هذا التاجر الصغير الذي لا يستطيع مجاراة المؤسسات الرأسماليَّة المهيمنة على السوق فيلجأ إلى تجارة صغيرة على الهامش يستطيع أن يحيا على ريعها البسيط. هذا النتوء التجاري الصغير يدعو "شتوت" للحفاظ عليه لتكوين إيديولوجيات جديدة أو الحفاظ على إيديولوجيات قديمة. ومن هذا النتوء يمكن فهم وظائف الدّين. وهنا يقوم "شتوت" بتفصيل مقصده من خلال سبع نقاط: تنطلق النقطة الأولى من الآمال الاجتماعيَّة إلى الفرديَّة، فهناك عداوة بين الكلّ الاجتماعي واحتياج الأفراد، فالفرد بعد أن رأى نفسه وحيداً مع مشكلاته وبحثه عن الكفاف الذي من أجله يعمل، أخذ يبحث عن وسائل للخلاص وللخروج من الهامش المجتمعي أو للبقاء في الحياة، ومن ثمَّ تتكوَّن لديه "ثقافة الفقر"، وهي أنماط فكريَّة وإيديولوجيَّة مختلفة. بينما تتناول النقطة الثانية "علاقة العمل من المأجور إلى اللَّامأجور". إنَّ زيادة الإنتاج تؤدي إلى القضاء على الفقر، وعلى المأجور أن يكون حريصاً على الإنتاج من خلال النظام الرأسمالي الذي يكون فيه العامل أكثر إيجابيَّة عنه في الأنظمة الأخرى. في حين تتناول النقطة الثالثة "من الرسمي إلى غير الرسمي علاقات النمو العنصري"، حيث تقصد الهجرة من الريف إلى المدينة العمل والمأوى، ونظاماً جديداً للحياة بعيداً عن ظروف القرى الفوضويَّة والمتقلبة والمتوتّرة، ومن ثمَّ فليس من الميسور الاقتناع بأنَّ النمو الحضري هو علامة التقدُّم والحداثة. في حين تشير النقطة الرابعة "من الطبقة إلى ثقافة الفقر"، يرى فيها أنَّ الطبقة العاملة في الشرق الأوسط بوجه خاص ليس لها أيُّ تأثير اجتماعي أو سياسي. وفي الخامسة ينتقل "من الوعي الطبقي إلى الدفاع الرمزي عن الكفاف"، ومن المؤسسة إلى جماعات التضامن الطقوسية في السادسة، تلك الجماعات التي تتحول إلى وسيط بين الثقافة الحاكمة وثقافة الفقر. وفي النقطة السابعة والأخيرة يتناول شتوت "المقاومة والإسلام"؛ حيث يعزي التوسع الكمي والكيفي للإسلام حول العالم إلى الكيفيَّة التي يواجه بها "ثقافات الفقر".
وفي المقالة الخامسة التي يتناولها الإنجليزي ديفيد بوزويل بعنوان "الدين والتغير الاجتماعي ـ العلاقة بين المنظمات الدينيَّة والسياسيَّة في الأمم الجديدة" يقرّر منذ البداية صعوبة تحديد مصطلح الشباب لتباين مدلولاته في البيئات المختلفة، ولكنه يقول بتعريف عام للشباب يبدأ بنهاية المراهقة وينتهي إلى النضج الاجتماعي وتحمُّل المسؤوليَّة. ويتمحور هذا البحث حول استجابة الشباب للأفكار الدينيَّة في فترات التغير الاجتماعي والاقتصادي، ومدى مشاركتهم في التنظيمات الدينيَّة والسياسيَّة، وكيف تتمُّ أدلجة الرؤى الدينيَّة لمجموعة ما لمواجهة مجموعة أخرى تقف ضدَّها وتريد استبعادها، وكيف يمكن استغلال الديني لما هو سياسي. ويعطي بوزويل حالة زامبيا مثالاً لتفاعل الديني والسياسي، هذه الدولة التي كانت محكومة من العرب المستعبدين ثمَّ من المبشرين المسيحيين ثمَّ من المستوطنين الأوروبيين من القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، واصفاً الدور الكبير الذي لعبه السحر في حياة المجتمع الزامبي، وكيف أفضى الدور العاطفي للأفراد والهيمنة الأجنبيَّة للسلطات الكنسيَّة، وتصادم السياسات، إلى التمهيد للتمرُّد والتغيير، وإن كانا في حاجة إلى منسق.
ثم تأتي المقالة السادسة للمصريَّة الدكتورة منى أبو سنة، بعنوان "ديالكتيك العنف والمقدَّس ـ دراسة مقارنة للنصوص الأدبيَّة العربيَّة والبريطانيَّة"، حيث تبدأ من نتائج تحليلات فرويد الذي يرى أنَّ الميل إلى العدوان استعداد أصيل وغريزي في الإنسان، وهو يشكّل أعظم عقبة في تاريخ الحضارة. أي أنَّ فرويد يفرّق بين العدوان من حيث هو استعداد طبيعي إنساني وبين العنف، فالعنف شكل محدَّد من العدوان ومكتسب عند مرحلة معيَّنة من مراحل تطوُّر الحضارة، لينقلب بعد ذلك مع أنجلز وماركس ليصبح العمل وليس غريزة الحب والموت، وعند حنة آرنت يُعدُّ العنف أداة للمحافظة على السُّلطة الاقتصاديَّة والسياسيَّة، رغم أنَّه في حالة اصطدام العنف بالسُّلطة فإنَّه يدمِّر السُّلطة([10]).
وترى أبو سنة أنَّ دوركايم يقسّم كافة الأشياء الواقعيَّة والمثاليَّة حسب المعتقدات الدينيَّة إلى مقدَّس ودنيوي، كلُّ ما يتعلق بالمقدَّس ينتمي إلى دائرة الدّين، وما هو خارج الدين ينتمي إلى الدنيوي، وهما عالمان متضادَّان، لنلاحظ أنَّ المقدَّس أعمّ من الدّين. وقد حرص دوركايم على إبقاء المقدَّس ليرفع به التناقض بين الديني والعلماني الدنيوي إلى مستوى أعلى. ثمَّ تعمد الكاتبة إلى تعريف العنف والمقدَّس من خلال تحليل النصوص الأدبيَّة العربيَّة والإنجليزية، فمن خلال مسرحيَّة "الفرافير" أي العبيد ليوسف إدريس، تناقش مسألة العبوديَّة، أي العنف الذي يقع من الإنسان على الإنسان من خلال الاستعباد؛ حيث يمكن القول إنَّ إدريس يبدأ من حيث انتهى دانيال ديفو في "روبنسون كروزو"، أي من حال العبوديَّة، فهو (إدريس) يسلّم بحالة الخضوع ويقبلها كواقع، ثمَّ يتجاوز إلى حد إنكار إمكان التخلص من العبوديَّة. فحسب المسرحيَّة عندما مات السيد والعبد وتحوَّلا إلى ذرتين، أصبح السيّد هو البروتون بينما تحوَّل العبد إلى إلكترون دائر على البروتون، وبناءً عليه يمجّد إدريس العنف، ويرى أنَّ الدولة التي تتسبب فيه مقدَّسة. وعليه حوَّل إدريس العبوديَّة من كونها واقعة تاريخيَّة إلى واقعة دينيَّة مقدَّسة لا يمكن أن تتغير! ونسي إدريس أنَّ العنف من الممكن أن يكون وسيلة لتحرير الإنسان وليس مجرَّد أداة لعبوديته. كما تتناول قصة الأديب السوداني الطيب صالح "موسم الهجرة إلى الشمال" قضية الخضوع في العلاقة بين السيّد والعبد في إطار حضاري أرحب، من خلال مناقشة الخضوع الحضاري والمواجهة بين الحضارات في فترة ما بعد الاستعمار، وفصل بين الغرب والشرق. ثم تتناول من خلال نموذجين غربيين مواصلة فكرتها، من خلال رواية "ربّ الذباب" لوليم جولدنج، الذي يرى أنَّ الإنسان يصنع الشر مثلما تصنع النحلة العسل، واعتقد أنَّ الإنسان مخلوق عادي وليس فذاً، فهو، كما يرى اللاهوت، خاطئ ومحكوم بالخطيئة الأصليَّة. وهذا ما تحكيه الرواية عن مجموعة الطلاب الذين وجدوا أنفسهم على جزيرة الفردوس، فيها ما لذَّ وطاب، ولكنَّهم لم ينعموا بالملذات، ولكن عاثوا فيها الفساد فقتل بعضهم بعضاً، وتحوَّلت جزيرة الفردوس إلى جزيرة الجحيم، ومن ثمَّ تأتي أهميَّة المؤسسات القانونيَّة لفرض النظام، ومن ثمَّ تصبح السُّلطة هي التي تمنع الإنسان من ممارسة غريزة العنف، وغيابها يؤدي إلى الفوضى والدمار. وهكذا يبرّر جولدنج العنف كوسيلة للمحافظة على الوضع القائم. ثمَّ تعرَّض لمسرحية "إدوارد بوند" (الطريق الضيق إلى الشمال العميق) المناهضة لرؤية جولدنج، حيث يتعرَّض صاحبها لنقد التأثير الهدام للتحالف بين الدّين والسُّلطة السياسيَّة، فبوند لا يرى في الدّين إلا خرافات وخيالات أنتجتها بعض العقول المريضة. وأنَّ عنف الإنسان وعدوانيته ليس ضرورة حتميَّة، وإنَّما هو استعداد يستخدمه الإنسان إمَّا للهجوم وإمَّا للدفاع. وبذلك يحاول بوند الاستجابة العدوانيَّة استناداً إلى الاغتراب. لتنتهي إلى أنَّ الحضارة العربيَّة في تناولها لثنائيَّة العنف والمقدَّس ليست حضارة جدليَّة، في حين أنَّ الحضارة الغربيَّة جدليَّة لولبيَّة.
وتأتي المقالة السابعة بعنوان "تسييس المقدَّس ونشأة الصراعات الطائفيَّة" للباحث اللبناني "أنطوان نصري مسره" الذي يضعنا مباشرة في قلب المشكلة، حيث يقرُّ بأنَّه إذا كانت هناك مشكلة في الفصل بين الزمني والمقدَّس فإنَّ هناك أيضاً مشكلة في الاستغلال الزمني للروحي سياسياً، وهو استغلال قد يولِّد صراعات حتى لو كان الفصل بينهما مقنناً ([11]). ثم يجعل من قضية تسييس المقدَّس قضيَّة محوريَّة لبحثه، ويعني بها استغلال المقدَّس من أجل أغراض وأهداف سياسيَّة، فهي من قبل "أنطوان مسره" قضيَّة مولدة للعنف بسبب الخاصيَّة الأساسيَّة للمقدَّس. وكلُّ شيء يمكن تسييسه بصورة أو بأخرى: الدين والفن والأخلاق والعلم والعلاقات العائليَّة والحياة الخاصَّة. فالتسييس أمر مصطنع لاستغلال الشحنة الإشكاليَّة، ليس من أجل تنظيمها، ولكن من أجل المنافسة على السُّلطة. ويعتبر الدّين السلاح الرئيس في التسييس، رغم أنَّ الدّين والعلم يناهضان التسييس، وأنَّ الذي يقوم بالتسييس هم النخبة السياسيَّة والدينيَّة والسياسيَّة الدينيَّة وعلية القوم في الطوائف الدينيَّة. رغم أنَّ المسيح قد قدَّم القول الفصل في الفصل بين ما هو روحي وما هو زمني بقوله: "اعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله". ومن ثمَّ ينتهي مسرة إلى محاولة للقضاء على التسييس من خلال العلم والتعليم، فعالم المقدَّس مطلق وعالم السياسة واقعي نسبي، والمواجهة لا يمكن علاجها إذا ما تقدَّست السياسة. ثمَّ عن طريق المؤسسات من خلال عدم خلط ما هو ديني بما هو سياسي. لأنَّ تسييس الدّين ليس خادماً للسياسة ولا للدّين، ولكنَّه خادم للتعصُّب والعداء والعنف ومُولّد للإحباط.
ثم تأتي المداخلة الثامنة للبناني سليم نصر، وهي بعنوان "تحريك طائفي رمزي ديني وعنف في حركة الإمام الصدر، لبنان 1970-1975". حيث يبدأ مقالته بتعدّد مسمَّيات حركة الإمام الصدر مثل: حركة المحرومين، حركة استعادة حقوق الشيعة، حركة الشيعة. وهي الحركة التي تأسَّست قبل الحرب الأهليَّة عام 1975 من أجل استعادة الحقوق السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة التي أحدثت تغييراً قوياً في التوازن الطائفي، وفي إدارة النظام السياسي، وفي ممارسات الدولة اللبنانيَّة، وقد بزغت هذه الحركة بفضل الممارسات الشخصيَّة القوميَّة للقائد الملهم موسى الصدر التي تجاوبت مع المشاركة الشعبيَّة التلقائيَّة بصورة لم تكن متوقعة([12]). وقد حدَّدت خصمها في الحكَّام الذين يستغلون الجماهير، فهم المسؤولون العاجزون والباكون، والحكومة الطاغية، والطغاة المعاصرون. وأحياناً يُعرف الخصم على الصعيد الوطني بأنَّه إسرائيل. وتتصدى هذه الحركة بقوَّة لكلّ محاولة تستهدف تدمير الشيعة كطائفة أو كأفراد أو تهميشهم اجتماعياً أو استبعادهم من السُّلطة أو حرمانهم من تكافؤ الفرص بينهم وبين الآخرين. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف ومقاومة العدو تلجأ الحركة إلى أشكال متعدّدة من الأفعال الاجتماعيَّة السياسيَّة التي تنطوي على العنف البدني والرمزي، لكنَّها ترفض استخدام العنف مع العدو الداخلي، وتوجّهه نحو العدو الخارجي (إسرائيل). وهكذا يرى الكاتب في نهاية مقاله أنَّ الوضوح العلمي والواقعيَّة السياسيَّة من شأنهما توجيه الانتباه إلى دراسة تكوين الحركات الطائفيَّة وجدليتها، والتي يتكوَّن منها تاريخ لبنان، ويستمرُّ إلى وقت غير معلوم.
أمَّا المقالة التاسعة التي تمثل المقالة الختاميَّة وأصغر المشاركات حجماً فهي للتونسي خليل زاميتي، وهي بعنوان: "صراع الأولياء والسمة التجاريَّة للعلاقات الاجتماعيَّة مع المقدَّس في تونس ـ نموذج سيدي حمادي". ويُعدُّ سيدي حمادي هذا ولياً من أولياء الله ـ حسب اعتقاد العامَّة الذين يزورون مقامه بقرية كريز بالجنوب التونسي، ويعدُّونه "سلطاناً للجن". وهذه السمة هي التي حبَّبت فيه الناس، فضلاً عن قيامه بشفاء المرضى وصنع المعجزات! وظهرت له دلالات وكرامات منها شفاء الطفل الذي ركله الجواد وأخرج مخه وكيف أعاده سيدي حمادي معافى، وكيف حوَّل النافورة إلى قطعة من الذهب. وبهذا يكشف لنا الباحث عن تدنّي المعتقدات العلمانيَّة الدائرة على الدين الرسمي بتأثير من العلاقات الماليَّة.
خاتمة
وهكذا ينتهي بنا هذا الكتاب الماتع بموضوعه، والذي انتقل بنا عبر تسع رؤى مختلفة تتناول علاقة العنف بالمقدَّس، تبدأ من رؤية مراد وهبة للتفرقة بين العنف الثوري المشروع والعنف الفوضوي؛ الأوَّل مشروع بالعلميَّة والمستقبليَّة، والثاني مرفوض لأنَّه عنف لأجل العنف من خلال ما أطلق عليه "منطق العنف". بينما يرى بوكرع العنف نتاجاً للصراع الناشئ عن سيطرة المقدَّس على الدنيوي، حيث يبزغ العنف عندما تصبح مشروعيَّة احتكار العنف مرفوضة. في حين يقرّر حسن الساعاتي أنَّ عنف الجماعات الدينيَّة يجد له ما يبرّره من نصوص دينيَّة لا تفلح معها محاولات التسامح التي يمكن أن تقوم بها الحكومات، رغم الطابع السلمي للشباب، ما لم يستثار من قبل ثوريين متحمّسين. في حين يعكس "شتوت" تلك العداوة بين الكلّ الاجتماعي واحتياج الأفراد، وأنَّ الإنسان الفرد في بحثه عن وسائل الخلاص من الممكن أن يكون عنيفاً، وأنَّ من ينجح في التعامل مع ثقافة الفقر يستتب له الآخر. أمَّا بوزويل فيتناول بوضوح كيف تتمُّ أدلجة أفكار ضدّ أخرى، ومن هذه الأدلجة من الممكن أن يبزغ ما نسميه العنف المقدَّس. في حين تقرّر منى أبو سنة مناهضة المقدَّس للدنيوي من خلال مقارنتها بين الحضارتين العربيَّة والغربيَّة؛ فالأولى في تناولها لثنائيَّة العنف والمقدَّس ليست حضارة جدليَّة في حين أنَّ الثانية جدليَّة لولبيَّة. ويعترض أنطوان مسرة على تسييس المقدَّس، لأنَّ مثل هذا التسييس لا يخدم السياسة أو الدين، ولكنه يخدم التعصُّب والعداء والعنف. أمَّا سليم نصر فيندّد بالعنف الطائفي ويرفضه داخلياً ويقرّه خارجياً (ضدَّ إسرائيل). وفي الختام يندّد خليل زاميتي بالسمة التجاريَّة للعلاقات الاجتماعيَّة من خلال صراع الأولياء.
وأخيراً تبقى كلُّ قراءة في كلّ كتاب مجرَّد رؤية سريعة لمضمونه الحقيقي قد تُشَبّع بمنظور نقدي، صريح أو ضمني. ولا أدَّعي لقراءتي هذه أكثر من كونها رؤية سريعة واشتباكاً نقدياً ضمنياً مع المضمون.
([1]) نشر هذا البحث في الملف البحثي "جدل المقدس والتاريخ"، بتاريخ 30 دجنبر 2016، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، تقديم ربوح البشير.
** تأسَّست المجموعة الأوروبيَّة العربيَّة للبحوث الاجتماعيَّة في ديسمبر عام 1975، لتكون جمعيَّة علميَّة مستقلة لعلماء الاجتماع من البلدان العربيَّة والأوروبيَّة. وكانت الغاية من تأسيسها عقد لقاءات بين علماء الاجتماع والمفكرين من مختلف التخصُّصات لدراسة الظواهر الاجتماعيَّة الحادثة في بلدانهم من أجل إقامة حوار ثقافي بين العرب والأوروبيين. وقد اُنتخب مراد وهبة، منذ تأسيسها، مسؤولاً عن الشرق العربي، حتى عام 1982
[2]ـ مراد وهبة، منطق العنف، ضمن كتاب العنف والمقدَّس، القاهرة، دار الثقافة، 1996، ص 9
[3]ـ المصدر السابق، الموضع نفسه.
[4]ـ المصدر السابق، ص 10
[5]ـ المصدر السابق، ص 11
[6]ـ رضا بوكرع، الشباب والعنف والمقدَّس - تناول مقارن للمجال الاجتماعي الإسلامي والمسيحي، ضمن كتاب العنف والمقدَّس، القاهرة، دار الثقافة، 1996، ص 19
[7]ـ حسن الساعاتي، الشباب والعنف والدين، ضمن كتاب العنف والمقدَّس، القاهرة، دار الثقافة، 1996، ص 27
[8]ـ المصدر السابق، ص 34
[9]ـ المصدر السابق، ص 36
[10]ـ حنة آرنت: في العنف، ترجمة إبراهيم العريس، بيروت، دار الساقي، الطبعة الأولى، 1992، ص 47
[11]ـ أنطوان نصري مسره، تسيس المقدَّس ونشأة الصراعات الطائفيَّة، ضمن كتاب العنف والمقدَّس، القاهرة، دار الثقافة، 1996، ص 110
[12]ـ سليم نصر، تحريك طائفي رمزي ديني وعنف في حركة الإمام الصدر، لبنان 1970-1975". ضمن كتاب العنف والمقدَّس، القاهرة، دار الثقافة، 1996، ص 126