سرديات التأطير المُهادِنة -تتمة-


فئة :  أبحاث محكمة

سرديات التأطير المُهادِنة  -تتمة-

سرديات التأطير المُهادِنة[1]

-تتمة-

[1] - البحث مقتطف من كتاب "جينالوجيا الاختلاف أنساق الجندر في سرديات الثقافة العربية"، سامي كريم موشي، مؤسسة مؤمنون بلاحدود للنشر والتوزيع.

ومن الطبيعي أنْ تسعى المنظومة الجندرية إلى خلق العديد من الأخبار التي تسهم في عملية إخضاع المرأة إلى الرجل بصورة كلّية، بما يجعلها مستلبة الإرادة والقيمة والحقوق إلا بما أرادته المنظومة الذكورية أن تمنحها إياها، فليس من الغريب أن نجدها مستلبة حتى على مستوى ممارساتها العبادية، فضلاً عن حق المبادرة والطلب أو الرفض؛ لأن ذلك بحسب العقلية المجندرة سيحل عليها اللّعن الإلهي، فهي ليست سوى هدية تهدى إلى الرجل وهي بمنزلة الأسيرة، كما جاء في أحد الأخبار: «اتقوا الله في النساء؛ فإنَّهنَّ في أيديكم عوان»[1]، فإذا كان هذا الحديث يوصي بالنساء فذلك مما يدل صراحة على أنَّ المرأة قد وقعت عوانا أي أسيرة في يد الرجل، وستقوم المنظومة الجندرية على تعزيز الخبر وشرحه وتقديمه، بل وإدخاله إلى المدونة الدينية، ليصبح جزءاً من الدين والسلوك والممارسة، فتقول: «لأنه عليه الصلاة والسلام جعل النساء عند أزواجهنَّ بمنزلة الأُسَراء، وذلك لأن المرأة تجري على أحكام الرجل في الصدود والورود، والوقوف والخفوف، فهي راسفة في أقياد حصره، وناشبة في حبائل نهيه وأمره، ومن هنا قيل: فلانة في حبائل فلان- إذا كان بعلها- للعلة المقدم ذكرها»[2]، ولا تكتفي إلى هذا الحد فحسب، بل تتعداه إلى ما يجهز على مجمل الوجود الأنثوي بإزاء الذكوري بكل ما أوتيت تلك المنظومة من بلاغات وسلطة في صناعة النص الديني: «إنما سميت المرأة المنقولة إلى زوجها: هدياً؛ لأنَّها بمنزلة الأسيرة عنده' وقيل: بل سميت بذلك لأنها تُهدى إلى زوجها، فهي فعيل في موضع مفعول، فهديّ في مكان مهدي، يقال: هديتُ المرأةَ إلى زوجها أُهديها هِداء. وهو من الهَدَاة»[3]، فتتعدد الأقوال أيَّهما يضع القيمة المناسبة للوضع الثقافي الراهن، فهي تهدى لأنَّها هدية للذكورة، وقيل إنَّها هداة من الهَدي؛ لأنَّها ستحصل على شرف الرجل وقوامته وقيمه وتنضوي تحت عرشه، فتكون مهدية ومُرشَدة ومهداة، بل لم تدون المنظومة الفقهية المجندرة أفظع من هذا الخبر: بإسناد نوادر الراوندي «عن موسى بن جعفر، عن آبائه (ع)... وبهذا الإسناد قال: إنَّ فاطمة دخل عليها علي بن أبي طالب (ع) وبه كآبة شديدة فقالت فاطمة (ع): يا علي ما هذه الكآبة؟ فقال علي (ع) سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة ماهي؟ فقلنا عورة، فقال: فمتى تكون أدنى من ربها؟ فلم ندر فقالت فاطمة لعلي (ع): ارجع إليه فأعلمه أنَّ أدنى ما تكون من ربَّها أن تلزم قعر بيتها، فانطلق فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قالت فاطمة (ع)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ فاطمة بضعة مني... وبهذا الإسناد قال: قال علي (ع) أقبلت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن لي زوجاً وله عليَّ غلظة وأني صنعت به شيئاً لأعطفه عليَّ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أُفٌ لك كدرت دينك، لعنتك الملائكة الأخيار، لعنتك ملائكة السماء لعنتك ملائكة الأرض فصامت نهارها وقامت لياليها ولبست المسوح ثمَّ حلقت رأسها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ حلق الرأس لا يقبل منها إلا أن يرضى الزوج»[4].

للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا

[1] - الشريف الرضي، المجازات النبوية، سبق ذكره: 224-225

[2] - المصدر نفسه: 225

[3] - المصدر نفسه: 225

[4] - المجلسي، بحار الأنوار، سبق ذكره: ج100/ ب4/ ح39، ح40، ح41: 352. ومثله: «جماعة عن ابي المفضل، عن جعفر بن محمد الحسني، عن موسى ابن عبد الله الحسني، عن جده موسى بن عبد الله، عن ابيه عبد الله بن الحسن وعمّيه إبراهيم والحسن ابني الحسن، عن امهم فاطمة بنت الحسين، عن ابيها، عن جدها علي بن ابي طالب (ع) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: النساء عيّ وعورات فداروا عيّهنَّ بالسكوت وعوراتهنَّ بالبيوت». المجلسي، بحار الأنوار، سبق ذكره: ج100/ ب4/ ح48: 352