سعيد النورسي والمعرفة الحديثة


فئة :  مقالات

سعيد النورسي والمعرفة الحديثة

سعيد النورسي والمعرفة الحديثة

مناهج المعرفة الحديثة

دعا سعيد النورسي (1877م/1960م) إلى العودة لنور القرآن والأخذ بمعارفه، بدل السعي وراء مناهج المعرفة الحديثة التي تشكلت مفصولة عن الدين، فحاولت العديد من المحاولات نفي الدين وإضفاء صبغة الخرافة عليه، خاصة مع الفيلسوف - "أوغست كونت" 1798م/1857م - حيث "توهم أن تطور العقل البشري بدأ باللاهوت ثم الميتافيزيقا ثم الوضعية. هذا التصديق يستند إلى نمطية التفكير وليس إلى - تطور- التفكير. فتفكير "كونت" - ذرائعي وبمنهج ميتافيزيقي - بأكبر من أنه فلسفي وعلمي؛ لأنه انطلق من محاولة دحض التفكير - الأسطوري الخرافي - المرتبط بما حرف بموروث التوراة والإنجيل، فلم يميز بين النص الإلهي في - مطلقه - والتزييف التراثي البشري لهذه النصوص، فأدرجها ضمن الحقبة اللاهوتية. ومن هنا يرتكب كونت الأخطاء التالية:

أولا - أنه يحاكم نصوص الوحي بالمنطق الوضعي، فلا يميز بين الإنتاج البشري... وبين النص الإلهي ...

ثانيا - أنه بحث في الموروث الديني من خلال الإرث الديني الإسرائيلي / اليهودي المفارق للحقائق التاريخية...

ثالثا - أنه لم يدرك - المرحلة البابلية الأولى - في تكوين الحضارة الإنسانية، والتي اجتمعت لديها قدرات - الإنس والملائكة والجن - وهي المرحلة التي انتهت بإقلاع - نوح - وفلكه المشحون، ومن تلك الحضارة البابلية تفرعت كل الحضارات التاريخية الكبرى من - عاد - و- ثمود - و-الفرعونية - وغيرها والتي لازالت أسرارها تحير العلماء".[1]

بعد هذا، جاءت الفلسفة الماركسية كمنهج ينفي الغيب، ويقصي الدين من كل مجالات الحياة "فقادة التطور الأوروبي إلى بناء نظري متكامل للاهوت الأرض، نافية بحدة لاهوت السماء ومقاتلة مستقتلة ضد كل آثار الغيب في الحركة والجود"[2]. وهذا يقودنا إلى القول إن "الحضارة الحديثة حضارة أرضية بشرية، ترى أنه لم ينزل من السماء شيء، وأن الإنسان وحده سيد الكون، وأن الحضارة هي الجديرة بالعناية، وأن الموت شيء مؤسف، لكن، ماذا نصنع له؟ فلنستعمل ما قبله فليس بعده ما يعنينا! وربما بقيت ظلال الأديان الهزيلة التي يتوارثها البعض! فما تجدي هذه الظلال؟ إنها تشبه أدخنة بعض المصانع التي تغير الجو ثم تبددها الريح"[3]. و"الواقع الحقيقي أن الدين يعتبر في - عصر العلوم الطبيعية - صورة متواترة للتخلف العقلي وعجز الإنسان عن حل مشكلاته أو التغلب عليها، لقد أراد - "نيتشه" (Nietzsche)- أن يُعْدِم الإله، فباءت محاولته بالفشل وكان لزاما أن يفشل، أما - البعض من- علماء الطبيعة فقد تعمدوا قتل الإيمان به"[4].

التكامل بين عالم الغيب وعالم الشهادة

لقد أفضت المعرفة الحديثة إلى الفصل بين عالم الغيب والشهادة، بل أنكرت عالم الغيب (الوحي)[5]، وبهذا فوتت على نفسها نور الهداية المنزل من السماء، فالحضارة الحديثة وللانحرافات الحاصلة في الفكر الديني اليهودي والمسيحي لم تعط الفرصة لنفسها بالبحث عن الدين الحق الذي يكتمل فيه العلم والإيمان، ويركب فيه العلم مركب الهداية والفضيلة والإصلاح بدل الفساد، قال تعالى: "وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)" (الأعراف) بدل أي يبقى العلم مجردا عن الهداية والتوجيه الإلهي، وينتج حضارة قد تنزلق إلى دمار الإنسان وهلاك الحرث والنسل قال تعالى: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)" (سورة الروم) فالغاية من الوجود الإنساني هي القيام بالخلافة في الأرض وفقا لنور الهداية الرباني.

لقد تنبه سعيد النورسي لهذا الداء المتصل بالفكر والنفس والوجدان، الذي يهدد الإنسانية ككل، وتحمل على عاتقه مسؤولية حماية المعرفة الإيمانية المتكاملة والتي يحضر فيها التكامل بين الإيمان والعلم وبين العقل والقلب وبين الوحي والكون، فالعلم ليس إلا طريقا للإيمان بخالق الأسباب ومجريها "فهذه المعرفة الإيمانية التي رسم النورسي ملامحها, وخط حدودها منبثقة من فهمه لقوله تعالى : "سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)" (سورة فصلت)، فهو يرى في ضوء هذه الآية العظيمة أن ما من معرفة مما تتبادلها العقول في ما بينها إلا وترجع في أصولها الأولى إلى واحدة من المعارف الثلاث الآتية:

1 - معرفة كونية تشمل علوم ما في السماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى.

2- معرفة إنسانية تشمل الكينونة الإنسانية وكل ما يتعلق بالإنسان فردًا ونوعا ظاهرا وباطنا.

3- معرفة إلهية ترتبط بوجود الله تعالى وبربوبيته وشؤونه في خلقه.

وهذه المعارف الثلاث متلازمة يلازم بعضها بعضا، ويسند بعضها بعضا، ويدل بعضها على بعض، وهي في تعاشق دائم لا ينقطع، فليس ثمة معرفة متفردة ومستقلة ومنعزلة في هذا العالم".[6]

هذا التكامل في نظرية المعرفة عند سعيد النورسي بين المعرفة الكونية والإنسانية والإلهية تبسط القول بأن رسالة التوحيد تعم عالم الكائنات بما فيها الإنسان وعالم الجماد أي الكون؛ فآيات الله التي بثها في الكون والأنفس تتكامل مع آياته المنزلة في كتابه عز وجل المبينة لأسمائه وصفاته جل وعلا، يقول النورسي: "إن الإعجاز الباهر الظاهر في النظام والتناسق والاطراد المشاهد في كتاب الكون الكبير يظهر بوضوح تام كالشمس الساطعة أن الكون وما فيه ليس إلا آثار قدرة مطلقة وعلم لا يتناهى وإرادة أزلية"[7] تعالى: "أَمِ اتَّخَذُوا آَلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)" (سورة الأنبياء) فمن الملاحظ أن سعيد النورسي في بسطه لمنج المعرفة الإيمانية التي تتوسل بالغيب (الوحي) بدل المعرفة المادية التي تعرض عنه قد عمل على استحضار ما أبعده وتجاهلته المعرفة الحديثة خاصة مع "أوغست كونت" الذي أشرنا له سابقا وبهذا فمجال التغيير عند سعيد النورسي يأخذ بالمدخل الكوني في تغيير ما بالأنفس، وهذا أمر طبيعي ومسلم به في فكر سعيد النورسي لارتباطه بالمنهج القرآني ذي الطابع الكوني والعالمي؛ بمعنى أن النورسي يواجه الأيديولوجيات الفكرية التي اتخذت لنفسها صبغة العالمية والكونية في الحضارة الغربية بمنهج كوني وعالمي.

ومن البديهي وفقا للمنهج الذي سار عليه سعيد النورسي أن يتنبأ أنه سيأتي قريبا اليوم الذي تتلاحم فيه عوالم المعرفة وينفذ بعضها ببعض، مكونة عالماً معرفياً واحدًا يخترق بنوره جدران الكون والحياة والإنسان، وسيعود العلم ليلقي بنفسه المتعبة المرتابة في أحضان بيته الروحي المؤمن الذي غادره مجافياً منذ ما يُسمى بعصر التنوير الأوروبي، وسيؤوب من رحلته الارتيابية في مجاهيل العالم بذراته ومجراته، برؤية ايمانية أكثر عمقًا، وأشد تصديقًا واكثر تواضعًا وخشية[8] قال تعالى: "انَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)" (فاطر).

العلم في محراب الإيمان

هذا الاستشراف المستقبلي في عودة العلم الحديث إلى محراب الإيمان الذي قال به سعيد النورسي، يجد مصداقيته اليوم بعد انهيار النظريات الإيديولوجية خاصة النظرية الماركسية الموغلة في المادية، فسيرورة الزمن كشفت عن طبيعة التوظيف الإيديولوجي الذي قام به الماديون في تعاطيهم مع الحقائق العلمية؛ إذ أثبت العلم اليوم أن عالم المادة غير متناه في الصغر وغير متناه في الكبر[9]، لقد دفع تطور العلم الحديث، والكشوفات التي ولدها وأفصح عنها، والتقدمات العلمية التي أنتجها بسؤال الميتافيزيقا وجعل منه إشكالية مركزية تلقي بظلالها على المذاهب الفكرية والتيارات الفلسفية [10] في الوقت الحاضر، فالعودة إلى الميتافزيقا هنا فيها عودة إلى اللا متناهي وإلى العرفان والتصوف وكل أنماط التدين رغم علاتها، ونحن لا يراودنا شك في أن الوحي الذي جاء به محمد عليه السلام كفيل بأن يقدم للبشرية البديل المعرفي المنتظر اليوم في تكامل العلوم بين عالم الغيب وعالم الشهادة، وهنا تكمن أهمية مشروع ورسائل بديع الزمان سعيد النورسي بحتا وقراءة واكتشافا.

وحقيقة الأمر أن العلم والدين طالما عاشا متعاونين في حل معضلات الحياة، بل الفضل الكبير للدين الذي جاء به الأنبياء والرسل في رقي الإنسان الروحي والعلمي؛ فالدّين هو المصدر الأساسيّ للأخلاق والفضائل وكلّ ما يعين الإنسان في سعيه إلى الكمال الرّوحانيّ، بينما يسمح العلم للإنسان أن يلج أسرار الطّبيعة ويهديه إلى كيفيّة الاستفادة من قوانينها في النّهوض بمقوّمات حياته وتحسين ظروفها. فبهما معًا تجتمع للإنسان وسائل الرّاحة والرّخاء والرّقي مادّيًّا وروحانيًّا. فهما للإنسان بمثابة جناحي الطّير، على تعادلهما يتوقّف عروجه في عالم المعرفة، فمعرفة الخلق مسلك لمعرفة الخالق ومعرفة الخالق مسلك للعناية بالخلق.

الإنسان المستلب

فعندما يكون الإنسان مستلبا باسم الغيب، ينظر إلى الدين نظرة مفصولة عن السنن التي بثها الخالق في الكون، وبذلك تستحوذ عليه نظرة الخوارق والعجائب في فهم الظواهر والأشياء، وتنتشر الأوهام والخرافات باسم الدين، وهذه هي مشكلة الكنيسة في القرون الوسطى، وبعدها وهي مشكلة الكثير من المسلمين الذين يعترضون على الاجتهاد ويقفون ضده، أما إن استلبته الطبيعة، ينطلق منها ويعود إليها، ولا يرى نفسه إلا من خلا لها في هروب عن عالم الغيب الذي يحيط بالطبيعة وبالإنسان من كل جانب، فيحصل له نوع من الطغيان والجبروت والفساد، بدل السلم والسلام والأمان التي جاء الدين من أجلها، قال تعالى: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8)" (سورة العلق)[11]، وهذه من مشكلة أوروبا الإمبريالية والاستعمارية، منذ خروجها الى العالم، بدءا من القرن الخامس عشر الميلادي؛ إذ عانت الإنسانية الكثير من الآلام والمحن ولازالت تعاني، من قسوة الرجل الأبيض الأوربي، خاصة في إفريقيا السوداء وغيرها.

قال تعالى: "وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)" (سورة الأعراف) وقال أيضا "وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)" (سورة التين)

الجمع بين قراءة كتابين

كان سعيد النورسي من السباقين الأوائل في فهم المشكلة المعرفية والمنهجية التي تعترض مناهج المعرفة الحديثة الدارسة للكون بمعزل عن الوحي، فجزء كبير من أفكاره يفضي إلى الوعي الحاصل لديه بالضرورة المنهجية في الجمع بين القراءتين أي النظر في الكتابين معا (الكتاب المسطور والكتاب المنظور) وقد بين من خلال رسائل النور "ماهية العلاقة المتكاملة بين القرآن الذي هو "كتاب صفة الكلام" وبين الكون الذي هو "كتاب صفة القدرة". إذ يُحَوِّلُ بديع الزمان أنظار قرائه إلى الكون على الدوام ويدلهم على كيفية قراءة كتاب الكون على الطريقة القرآنية، كما يدلّهم في الوقت نفسه على كيفية فهم دلالة جميع المخلوقات على المعاني التي لا تعد ولا تحصى، ليستخرجوا الدروس التي يشير إليها القرآن الكريم[12]. ولهذا، فسعيد النورسي لم يكن من المفتونين والمعجبين بما كان عليه الغرب، كما أنه لم يكن من الذين يعترضون على البحث العلمي والنظر العقلي.

ولنقف مع هذا النص الذي يلخص ما ذهبنا إليه يرى سعيد النورسي مفسرا قوله تعالى: "سَبِّحْ اِسْمَ رَبِّكَ الاَعلى * اَلذَّى خَلَقَ فَسَوّى * وَالّذىِ قَدَّرَ فَهَدى"

هذه الآيات الكريمة ترشدنا إلى أن جميع الأشياء ولا سيما الأحياء تظهر إلى الوجود وكأنها خرجت من قالب مصمَّم تصميماً حكيماً يَهَبُ لكلّ شيء مقداراً منتظماً وصورةً بديعة يشفّان عن حكمة واضحة. فنرى في الجسم خطوطاً متعرجة، وانحناءات وانعطافات تنشأ عنها فوائد شتى للجسم، ومنافع عديدة تسهل له أمر أداء وظيفته التي خلق من أجلها على أتم وجه.

فالموجود له صورة معنوية في علم الله تمثل مقدراته الحياتية، وهي تلازم الصورة المادية وتنتقل معها في مراحل نموها، ثم تتبدل تلك الصورة والمقادير في مسيرة حياته تبدلاً يلائم الحكمة في خلقه وينسجم كلياً مع المصالح المركبة عليه، مما يدل بالبداهة على ان صور تلك الاجسام ومقاديرها تُفصَّل وتُقدَّر تقديراً معيناً في دائرة القدر الإلهي، الجليل الحكيم ذي الكمال، وتُنظَّم تلك الصور وتُنسَّق بيد القدرة الإلهية وتمنحها الوجود المعيّن المقدّر.

فتلك الموجودات غير المحدودة تدل على الواجب الوجود، وتشهد بألسنةٍ لا تحد على وحدانيته وكمال قدرته.

تأمّل فيما يحويه جسمك وأعضاؤك أيها الإنسان من حدود متعرجة والتواءات دقيقة.. وتأمل في فوائدها ونتائج خدماتها وشاهد كمال القدرة في كمال الحكمة"[13]

كل ما جاء في هذا النص، يجد مصداقيته في الأخذ بمجرى البحث العلمي بكل تخصصاته، فيما يتعلق بجسم الإنسان؛ فالمرتبط بهذا المنهج في التعاطي مع الآيات القرآنية، لا شك أن نظره سينصرف إلى الوعي بأن المعرفة الدينية (القرآنية) والمعرفة العلمية (في الكون بأكمله) شيآن متكاملان، وعليه فمناهج المعرفة اليوم ينبغي أن تأخذ بالهدي القرآني. يقول سعيد النورسي بهذا الخصوص: "إنّ القرآن المعجز البيان: الذي بيّن بقواعده - من كتاب العالم- قوانين الله العميقة الجارية بيد القدر، المسطّرة بقلم الحكمة على صفحة الوجود، فيحقق بأحكامه العادلة رقي البشرية وسمو نظامها ودقة اتزانها، فأصبح حقاً مرشداً وهادياً إلى سواء السبيل."[14]

[1] إبستمولوجية المعرفة الكونية: إسلامية المعرفة والمنهج، محمد أبو القاسم حاج حمد، ص. 42/43 دار الهادي، ط. 1، 2004

[2] أبو القاسم حاج حمد، العالمية الإسلامية الثانية، دار الهادي، ط.1. ص.17

[3] المحاور الخمسة للقرآن الكريم، محمد الغزالي، ص. 84، دار القلم، ط. 2، 2000

[4] الإسلام كبديل مراد هوفمان، ص.75، مجلة النور الكويتية، مؤسسة بڤاريا، الطبعة الأولى، 1993

[5] جعلنا كلمة الوحي في مقابل كلمة الغيب، لأن الوحي هو الذي أخبرنا بأمور وقضايا عالم الغيب وبالوحي نصل إلى اليقين فيما تعلق من أسئلة الغيب.

[6] أديب إبراهيم الدباغ، مطارحات في المعرفة الإيمانية عند النورسي، ط1, القاهرة: مركز الكتاب للنشر, 1997م، ص 41

[7] بديع الزمان سعيد النورسي، المثنوي العربي النوري، ط2، إستانبول ـ تركيا، دار سوزلر للنشر، 1994م ص. 426

[8] أديب إبراهيم الدباغ، نظرية المعرفة عند بديع الزمان النورسي، http://www.bediuzzamansaidnursi.org

[9] انظر المجهود الجبار الذي قام به المفكر التركي هارون يحيا في الكشف عن طبيعة التداخل الحاصل بين الحقيقة العلمية والحقيقة الدينية     http://ar.harunyahya.com

[10] خنجر حميّة، إشكالية الميتافزيقا وأزمة تجاوزها في فلسفة العلم المعاصر، مجلة المحجة، عدد، 21، سنة 2010، ص.21

[11] انظر كتاب، العالمية الإسلامية الثانية لأبو القاسم حاج حمد، الذي جعل من هذه الآية وغيرها دعوة قرآنية للجمع بين القراءتين.

[12] شكران واحدة، كتاب الكون قراءته وموقعه وتطوره في فكر بديع الزمان، كتاب الكون قراءته وموقعه وتطوره في فكر بديع الزمان، http://www.nurmajalla.com/article.php?c=2&cid=2&id=243

[13] انظر سعيد النورسي، الكلمات، ص. 794

[14] بديع الزمان سعيد النورسي، صيقل الإسلام - محاكمات، دار سوزلر للنشر، 1992، ص: 24