صعود الطبقة الوسطى ومعركة تحرير الأسواق: نحو القضاء على التطرف


فئة :  قراءات في كتب

صعود الطبقة الوسطى ومعركة تحرير الأسواق: نحو القضاء على التطرف

صعود قوى الثروة، نهضة الطبقة الوسطى الجديدة في العالم الإسلامي، وانعكاساتها على عالمنا، كتاب لولي نصر، صدرت طبعته الإنجليزية عام 2009م، وصدرت نسخته المعربة من طرف هاني تابري، عام 2011م، يقع في 326 صفحة.

أولًا- حقيقة الأصولية: ضعف الدولة وانتشار التطرف

نجح التطرف القاتل في المناطق التي ضعفت فيها الدولة؛ كباكستان، وأفغانستان، والأراضي الفلسطينية، فعلى سبيل المثال؛ التوسع الإيراني، ودعم إيران للقوى المتطرفة في لبنان، وفلسطين، والعراق، والصومال، لم يبرز بشكل جلي، إلا بعد انهيار الدولة في هذه المناطق، في حين إن الكثير من الحركات المتطرفة، تحولت إلى حركات مدمجة في الدول التي تتوفر على سلطة قوية، أو حركات حولت منحاها المتطرف الدموي، وتخلت عن العنف الثوري، وهذا ما يفسر صعود إسلام محافظ تقي في تركيا، والخليج العربي، وعدد من الدول الأخرى، بقيادة فئات متدينة محافظة، تنبذ العنف والإرهاب، وتركز على رعاية الفقراء والعمل الاجتماعي.

ومن مساوئ الإسلام المتطرف؛ أنه يغطي على القيم والمبادئ الإسلامية، ويحجبها بدرجة تجعل الغرب يعتبر الإسلام دين عنف.

إن الإسلام لا يعارض الحداثة، كما أن الأصولية المتطرفة، لا تعارض الحداثة؛ بل تعارض العلمنة، وتسعى إلى بناء الحداثة على طريقة مخالفة لطريقة كمال أتاتورك، القائمة على الجمع بين الإسلام والحداثة، وهذا ما تركز عليه إيران، بشكل يثير جاذبية للأصولية في العالم الإسلامي؛ فالمؤلف يعتبر "الأصولية تتمثل العقلانية في الإسلام، والإسلام في العقلانية"[1].

يذهب المؤلف إلى أنه بعد الكمالية، وفشلها في عدد من الدول، والأصولية وبداية تراجعها؛ فإن مستقبل المنطقة والعالم الإسلامي، يتجه لاعتناق مبدأ مختلف، هو التعددية؛ الذي يعبر عن بداية تحرك نقاش حي في العالم الإسلامي، حول مختلف نواحي الحياة الاجتماعية، والسياسية، والديمقراطية، وحقيقة تعاليم الإسلام، والإصلاح الاقتصادي.

هذه التعددية تقودها فئات اجتماعية، تمجد التقوى والورع، وتنبذ العنف والتطرف، متنوعة في مشاربها؛ إذ يوجد فيها الإصلاحيون والمحافظون، كما يوجد فيها المهتمون بالسياسة، وغير المهتمين بها، وتبرز هذه التعددية، من خلال الجيل المكون من كتاب المدونات الإلكترونية، ومصممي الأزياء، والدعاة النجوم، وناشطي حقوق الإنسان، والمفكرين.

على الرغم من تنوع الأصوات، إلا أن رأس الحربة في هذه التعددية؛ هو الطبقة الوسطى الصاعدة، المقبلة على استهلاك وسائل الإعلام الحديثة، ويشكل ذلك ثورة صامتة، تجمع بين الإسلام والشوق إلى الحداثة، مازالت في بدايتها، ويصعب الحكم عليها.

ثانيًا- صعود الطبقة الوسطى والتجارة؛ التطرف "الإسلامي" ليس هو الحقيقة الوحيدة القائمة في العالم الإسلامي:

يركز المؤلف، في كتابه، على أطروحة مركزية، متمثلة في المقومات الواعدة التي تتصاعد في دول العالم الإسلامي، المهملة من طرف الكثير من علماء السياسة والمحللين، والمتمثلة في صعود الطبقة الوسطى، ونماء الأعمال الرأسمالية والتجارة، التي يمكن أن تشكل أهم العوامل للحد من التطرف، وأنصار الحركات المتطرفة؛ فنماء الأعمال التجارية والطبقة الوسطى، يعد ظاهرة متصاعدة في كثير من الدول التي تعرف الحركات الإرهابية والمتطرفة، وإذا كانت أغلب الدول الغربية، تركز على ضرورة مواجهتها عسكريًّا؛ فإن ولي نصر، ينبه إلى إتاحة الفضاء العام الإسلامي لإمكانية تبني خطط أخرى، بالاعتماد على تدعيم الطبقة الوسطى، والأعمال التجارية.

نعم، إن الولايات المتحدة انتبهت إلى أهمية التجارة في العالم الإسلامي، ودعمت الإصلاح الاقتصادي، والمبادرات التجارية فيه، لكن اهتمامها انحصر في النخب الكبرى، ورجال الأعمال الكبار، والنخب الحكومية، وحسب المؤلف؛ فإن ما ينبغي التركيز عليه، للتعامل مع المنطقة، هو؛ حركة التجارة والأعمال.

ويطرح المؤلف، في الفصل الأول، أهم مرتكز في أطروحته، المتمثل في رصد نماء التجارة في عدد من الدول الإسلامية، فإذا كانت الحركات الإسلامية، والإسلام السياسي المتطرف، قد اجتاح العالم الإسلامي، منذ نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، في كل من إيران، وباكستان، وأفغانستان، ومصر، وأدى إلى الإطاحة ببعض الأنظمة، وحروب دينية في المنطقة، كما أدى إلى انتشار نزاعات الامتداد، والغزو الديني المتطرف، لاسيما بعد ظهور القاعدة، وبعد انهيار نظام البعث بالإطاحة بصدام حسين في العراق، من طرف إيران، وتشجيعها ودعمها للحركات الدينية المتطرفة في لبنان، وفلسطين، والعراق؛ فإن ذلك أدى إلى تهديد المصالح الغربية في المنطقة عامة، والمصالح الأمريكية خاصة، وهو ما أدى إلى تركيز الولايات المتحدة الأمريكية، على احتواء الأصولية الإسلامية، والتغلب عليها بالتركيز على دعم حكام دكتاتوريين، أو تعزيز الديمقراطية، وكذا، بالتركيز على الوسائل العسكرية، وتحديد رؤيتها للأحداث والوقائع في الشرق الأوسط، على أساس الأصولية ومخاطرها.

يؤكد الباحث؛ أن التطرف الإسلامي، ليس هو الحقيقة الوحيدة القائمة في العالم الإسلامي؛ بل ثمة مسألة أساسية يجب الانتباه إليها ورصدها، تتمثل في صعود التجارة، والطبقة الوسطى، والتناقضات الداخلية التي تعرفها بعض الأنظمة السياسية، وعلى رأسها إيران، وأخذها بعين الاعتبار، قد يفيد لإعادة مراجعة التحديات الحقيقية التي تواجه أمريكا ومواجهتها.

على الرغم من تزايد التفوق الإقليمي لإيران، شرقًا وغربًا، منذ عام 2001م، بفضل وفرة البترودولار، وتقديم مساعدات عسكرية ومالية لعدد من حلفائها، إلّا أن وضعها الاقتصادي، لا يسمح بتصنيفها ضمن الدول التي سعت لتحقيق وضعية الدول الكبرى، ذلك أن اقتصاد إيران، يحتل المرتبة المئة وواحد وخمسين بين أكثر الاقتصاديات عزلة في العالم، من أصل مئة وستين بلدًا، والمرتبة السادسة عشرة بين أكثر الاقتصاديات عزلة في الشرق الأوسط، من أصل سبعة عشرة دولة، كما أن الناتج المحلي لإيران، يوازي، تقريبًا، الناتج المحلي الإجمالي في ولاية ماساتشوستس في أمريكا، ونفقاتها العسكرية، لا تتعدى الثلاثة بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو الأدنى في محيط إيران، كما أن نفوذ إيران الإقليمي يفتقر إلى قاعدة اقتصادية، وغياب قوة اقتصادية؛ إذ إن التفوق لا يبنى، فقط، بالإكراه؛ بل بالقوة الاقتصادية، وقوة الرأسمال البشري، وهذا ما تفتقده إيران إلى حد كبير.

ومن ثم؛ فإن التقييم الحقيقي لإيران، يكون حيث يكون نفوذها التجاري، وعلاقاتها الاقتصادية، "ونفوذ إيران يمتد على شكل قوس، من آسيا الوسطى في الشمال والغرب، نزولًا عبر غرب أفغانستان، وصولًا إلى الخليج العربي، وجنوب العراق في الجنوب والغرب"[2]، وهذه المنطقة تعد أهم منطقة في نفوذها، بالنظر إلى دورها الاقتصادي؛ حيث يرتفع حجم التجارة بين إيران ودول هذه المنطقة، منذ أواسط العشرية الأولى من الألفية.

كما يكون التقييم، كذلك، بالنظر إلى قوة رأسمالها البشري؛ حيث إيران، بالنظر إلى التعليم السائد فيها، والانتشار الواسع لوسائل التواصل المدنية، وتطور العلوم العسكرية والطبية فيها، يمكن أن تصبح لاعبًا فاعلًا في الاقتصاد العالمي التنافسي.

على الرغم من ذلك؛ فإن إيران تعرف تناقضات داخلية، تتمثل تجلياتها في التضخم، وسيطرة الدولة على الاقتصاد، بشكل فاسد وغير كفء، يكبل المبادرة الحرة لطبقة متوسطة صاعدة، تبلغ حوالي نصف السكان، البالغ عددهم أكثر من سبعين مليونًا.

إن إيران تعرف ركودًا اقتصاديًّا، يشكل موضوع معارضة قوية من طرف الطبقة الوسطى، هذه الأخيرة؛ التي رفعت شعار "أين صوتنا؟"، في احتجاجات يونيو 2009م.

إن الصراع اليوم في البلد، ليس حول الدين؛ بل حول التجارة والرأسمالية، وقوة إيران في المستقبل، لا تتمثل في الدين والتطرف، وامتلاك قدرة نووية؛ لأن القنبلة النووية لم تتسبب بتحول الهند إلى دولة كبيرة صاعدة؛ بل إن قوتها ونفوذها، مرتبط بمدى قوتها الاقتصادية، وبمدى تنميتها لاقتصاده، وهذا الأخير، يتوقف على التلاؤم مع الدينامية الاقتصادية الجديدة التي تعرفها المنطقة، والمتمثلة في ظهور طبقة وسطى جديدة، ستكون، دون شك، مدخلًا لاندماج الشرق الأوسط في الاقتصاد العالمي، وبناء أواصر الثقة مع الغرب.

وتعرف عدد من الدول في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، صعود التجارة، واقتصادًا قائم على المزج بين القيم المحلية والاستهلاك، وتثبت علاقات متينة مع الاقتصاد العالمي، سواء في دبي، أو في تركيا؛ حيث تعرف تحركات رجال الأعمال لحماية أصولهم المالية، وتزايد مراكز التسوق، وازدهار التوجه الرأسمالي، الذي كان له تأثير ثقافي واضح، وازدياد استخدام الإنترنت، ووسائل الإعلام الاجتماعي.

إن هذه الدول تعرف صعود طبقة وسطى، إضافة إلى صعود طبقة تستهلك الإسلام بقدر ما تمارسه، وهي طبقة المستهلكين الإسلاميين؛ التي تسعى مثلها مثل الطبقة الوسطى، للحصول على كافة أنواع السلع والخدمات المريحة، وهو ما ساهم في تزايد المنتوجات الإسلامية، والتمويلات الإسلامية، التي أصبحت تلعب دورًا أساسيًّا في السوق المالي، في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، وكذا في العالم، ويعبر هذا التنامي عن الذهنية المنفتحة للكثير من المسلمين.

إن هذه الحيوية الاقتصادية، تعبر عن دمج الإسلام والرأسمالية، وتزايده في العالم الإسلامي، ويعتبر صعود الطبقة الوسطى في عديد الدول الإسلامية، إحدى أهم تجلياته؛ طبقة وسطى تدفع النمو إلى الأمام، يزداد عددها، ونفوذها، وتأثيرها، وتتميز بتنوع منحدراتها؛ أبناء الطبقة البورجوازية العليا، سابقًا، وأفراد منحدرين من المناطق الريفية، وأفراد منحدرين من الطبقات الاجتماعية الدنيا، ومتميزة، كذلك، بتقبلها لمتطلبات الاقتصاد المعاصر، وتشبثها بالأسس الاقتصادية للحداثة الغربية، وبمبادئ الرأسمالية، سواء تعلق الأمر بالاستثمار، أو بالاستهلاك.

وهو ما يخلق مزيد من العلاقات المتشابكة مع المجتمع العالمي، لا سيما أن موقع الطبقة الوسطى، يزداد نفوذًا داخل المنطقة، ومرشحة لتزداد غنى في المستقبل، وذلك يفتح إمكانية كبرى أمام الغرب، لاستمالتها إلى جانبه، لا سيما أنها، على الرغم من اعتبارها الإسلام دعامة أساسية، إلّا أنها تريد الثروة الآن، والجنة لاحقًا.

فنمو الرأسمالية في هذه الدول، رهين برجال الأعمال الأتقياء، وليس بمبادرات الدولة، ولا بنخبة الاقتصاديين المستفيدين من رعاية الدولة، وهو القادر على تحقيق نقلة فعلية نحو الحداثة في العالم الإسلامي، غير أن نجاح ذلك، يتوقف على تحقيق تحول ديمقراطي حقيقي في الشرق الأوسط، وتطويق التطرف.

إن معركة مستقبل منطقة الشرق الأوسط، ليس معركة حول الدين، وليست معركة سياسية لنيل الحقوق السياسية؛ بل إن المعركة الحقيقية لمستقبل المنطقة، والمعركة الفاصلة؛ التي ستؤدي إلى هزم التطرف بشكل قاطع، وإلى التحرر الاجتماعي، هي معركة (تحرير الأسواق)، "فإذا كان النصر في المعركة، حليف رواد حركة التجارة في القطاع الخاص، والطبقة الوسطى الصاعدة المرتبطة بهذه المعركة؛ فإن التقدم على صعيد الحقوق السياسية، سوف يتبع ذلك"[3].

"إن دعم نشاطات الطبقة الوسطى الناشئة في الشرق الأوسط، والعمل على تعزيز اندماج اقتصاديات المنطقة في شبكة العولمة، كفيلان بأن يدفعا الوضع القائم إلى نقطة اللاعودة؛ حيث يضطر زعماء البلاد إلى تقبل التغيير، والاستفادة منه، قدر الإمكان، وهذه هي الخطوة الرئيسة الأولى نحو تحرير الأنظمة السياسية؛ فالطريق إلى حقوق الإنسان، والحريات الاجتماعية، والديمقراطية، تمر عبر نمو الأعمال والتجارة والتطور الاقتصادي"[4].

ومن خلال عودته إلى تاريخ الأصولية، في كل من؛ إيران، وباكستان، وأفغانستان، ومصر، والعراق، والسعودية، والجزائر، يخلص المؤلف إلى أنه؛ كلما اهتم الناس بالتجارة والأعمال، ازداد الدافع نحو الحداثة والنظام، والابتعاد عن التطرف والفوضى؛ إذ ليس هناك أصولية واحدة في المنطقة؛ بل أوصوليات، وخط الصراع في العالم الإسلامي، ليس بين العلمانية والإسلام؛ وإنما بين توجهات إسلامية مختلفة، وهو ما يجب أن تعيه أمريكا.

"كلما خفت حركة التجارة فيما بين الطبقات الدنيا، وكلما كان المجتمع فقيرًا، ازداد الإقبال على اعتناق المبادئ المتطرفة، وفي المقابل؛ فإن التطرف الثوري يتراجع؛ حيث تنسج التجارة علاقات اقتصادية بين أفراد الطبقتين (الوسطى والدنيا)، وتولد توقًا إلى الاستقرار الاجتماعي، وإذا لم يكن من المؤكد، دائمًا، أن التجارة تولد العلمانية؛ فهي، حتمًا، تشيع أجواء الاعتدال"[5].

إن مستقبل منطقة الشرق الأوسط، رهين بمستقبل الطبقة الوسطى، والتحديات التي تواجهها في بلدانها، ويميز المؤلف، بالنسبة إلى وضعية هاتين الطبقتين، بين نموذجين:

- نموذج تمثله بلدان، مثل؛ دبي وتركيا: يتميز بتقدم سريع، ونمو فائق.

- نموذج تمثله بلدان، مثل؛ إيران وباكستان: يتميز بتخبط بلدانه في تناقضات داخلية.

ثالثًا: التقدم السريع للطبقة الوسطى وتحدياته:

إن وضعية الطبقة الوسطى في بعض بلدان منطقة الشرق الأوسط، تتميز بتقدم سريع ونمو فائق، وتواجه تحديات قليلة، وهو ما تعرفه دبي وتركيا.

1- نموذج دبي: المزاوجة بين قيم الإسلام والرأسمالية:

إن التصرف بعقلية رجل الأعمال، من طرف أمير دبي (الشيخ راشد آل مكتوم)، منذ الستينيات من القرن الماضي، شكلت الانطلاقة لهذه الإمارة، لتصبح، في بداية الألفية، رائدة في التجارة، والتصدير، والاستيراد، والأسواق المالية، وأرض الذروة في كل شيء، بمعدل نمو يزيد عن 11%، وبزيادة متوسط الدخل الفردي بحوالي 126%، وبتوسيع صادراتها بـمعدل 575%، لتشكل، بذلك، عاصمة ترويج الاستهلاك في منطقة الشرق الأوسط، وما يشكله ذلك، من استقبال عدد كبير من السياح واختلاط الأجناس.

إن حجم الاستثمارات، والتحولات الاقتصادية والمالية التي جعلت دبي لا تعتمد على النفط، فقط، في اقتصادها؛ بل تعتمد على الأعمال المالية، والعقارات، والتعليم، ووسائل المواصلات، دفعت بهذه الإمارة لتغير جغرافية التجارة العالمية، من خلال شركاتها العملاقة؛ كشركات دبي القابضة، وموانئ دبي العالمية، وطيران الإمارات، وإعمار العقارية، ونخيل العقارية، وهو ما يجعلها تشكل أرض الأحلام للعالم الإسلامي، باعتبارها تجمع بين الأصالة والمعاصرة؛ أي بين الجو الاجتماعي الهادئ، والحياة الليلية النشطة، والاحترام المُلفت للآداب والأخلاق الإسلامية، وتمكن المسلمون من إشباع حاجتهم للاستهلاك على الطريقة الغربية، مع المحافظة على الإحساس بالوفاء للدين.

لذلك؛ يعبر تطور دبي السريع، عن المزاوجة بين قيم الإسلام والرأسمالية، كما يعبر عن أهمية الطاقة الاقتصادية، التي تقودها الطبقة الوسطى في العالم الإسلامي، في النماء والانخراط في الاقتصاد العالمي، وقد قدم نموذجها خدمة مهمة لغرس الرأسمالية في أذهان المسلمين؛ إذ لم يغير نجاح دبي الخريطة التجارية العالمية فقط، بل غير الخريطة الذهنية للمسلمين كذلك.

ومادامت دبي ترتبط بعلاقات تجارية قوية مع إيران عبر الموانئ، وإعادة التصدير، والقطاع الخاص الإيراني في قلب هذه الإمارة؛ فإن المؤلف يذهب إلى أن المدخل الأساسي للتأثير في إيران، بالنسبة إلى الولايات المتحدة؛ هو التأثير في الطبقة الوسطى الإسلامية الصاعدة.

2- النموذج التركي: نحو دولة ديمقراطية رأسمالية إسلامية:

إن تطور تركيا، خلال العقد الأخير، كان نتيجة إصلاحات السوق الحرة، التي تمخضت عنها قدرات كبيرة على الاستثمار في المشاريع، من لدن الطبقة الوسطى الصاعدة الريفية والمحافظة دينيًّا، كما كان نتيجة للتعديلات الدستورية التي فرضها الاتحاد الأوروبي، من ضمن الشروط التي فرضها لدخول تركيا إلى الاتحاد، على رأسها؛ الانتخابات المنتظمة والحكومة المدنية، وتحديد دور الجيش، وعدم تدخله في السياسة، وتحسين أوضاع حقوق الإنسان، والتي ساهمت في تخفيف تشدد العسكريين تجاه حزب العدالة والتنمية، وتخفيف حدة الأسلمة ونطاقها في تركيا؛ إذ إن الفوز الجارف لحزب العدالة والتنمية، لم يؤد إلى انخراطه في تديين الدولة والمجتمع على الشكل الإيراني؛ بل انخرط في تحقيق التنمية الاقتصادية، وتحرير السياسة، وبناء الديمقراطية، بشكل جعل منه ملاذًا لمحبذي حركة التجارة والأعمال، ومؤيدي الانخراط في العولمة الاقتصادية من رجال الأعمال، وملاذًا للساعين لبناء مجتمع قائم على الديمقراطية الليبرالية، والتطوير الاقتصادي على أساس الرأسمالية، لاسيما أن الحزب قد حقق نموًّا اقتصاديًّا مهمًّا خلال خمس سنوات؛ حيث تضاعف الناتج المحلي بين عامي [2002 - 2007م] ثلاثة أضعاف، أصبحت معه تركيا في المرتبة السابعة في أوروبا، من حيث حجم الاقتصاد، وفي المرتبة السادسة عشرة على مستوى العالم، كما أكد، من خلال تجربته في الحكم، على التعددية، وحماية علمانية الدولة، وعلى "الجمع بين القيم الوطنية- القومية، واحترام العائلة، والالتزام الديني، واحترام التقاليد العثمانية والمحلية"[6].

على الرغم من أن مستقبل نجاح حزب العدالة والتنمية في الحكم، ليس مضمونًا تمامًا، إلا أنه يبين ويظهر أن الإيديولوجية الكمالية، فقدت سيطرتها المعهودة على الشعب التركي، وتراجعت أمام صعود المدن الصغيرة، وقوة التجارة والرأسمالية التي انتصرت على نفوذ الدولة، وليّنت تشدد الإسلاميين، وعلى الرغم من التحديات الكثيرة التي تواجه تركيا؛ كالنزعة الكردية الانفصالية، وتزايد النزعة القومية ضد كل ما هو غير تركي، واحتمال فشل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، إلا أن تركيا تظهر بوادر واعدة مهمة، فإذا استمرت في مسارها الحالي، ستصبح، حتمًا، دولة ديمقراطية رأسمالية إسلامية، دون شك، وستشكل نموذجًا مؤثرًا في العالم الإسلامي.

ويدعو المؤلف الولايات المتحدة إلى تشجيع هذا النموذج؛ الذي يوفق بين الإسلام والرأسمالية، ويعتبر أساسيًّا للتقدم إلى الأمام، من أجل التوفيق بين الإسلام والديمقراطية.

رابعًا: تناقضات تخفي صعود طبقة وسطى مساندة للاندماج في النظام الرأسمالي العالمي:

إذا كان الأمر كذلك، بالنسبة إلى وضعية الطبقة الوسطى في النموذجين السابقين، فإن التناقضات الداخلية التي تعرفها بلدان شرق أوسطية أخرى، تخفي تصاعد محتشم للطبقة الوسطى، يمكن أن يكون واعدًا في المستقبل.

1- النموذج الإيراني؛ الطبقة الوسطى والثورة الإسلامية: مساندة معرقلة لدورها التحديثي:

إن تركيز الغرب على عداء إيران له، والسعي إلى امتلاك القوة النووية، وسحق المعارضة، يداري حقيقة إيران الداخلية والعميقة؛ إذ يوجد خلف الظاهر صراع مجتمعي، وضغوطات متنامية من داخل المجتمع، مصدرها الأساسي؛ هو المصاعب الاقتصادية، وهدفها؛ تخفيض القيود المفروضة من طرف النظام، على القطاع الخاص الرأسمالي، وهي ضغوطات تعبر عن تطلعات إصلاحية آخذة في التصاعد، تقودها الطبقة الوسطى الإيرانية.

على الرغم من الحكم الديني المشدد، هناك طاقات رأسمالية صاعدة في المجتمع الإيراني، وتعبر العلاقات الاقتصادية بين دبي وإيران، عن إحدى أوجه مساعي الرأسماليين الإيرانيين للتخلص من هذه القيود، وتوسيع نفوذهم في المنطقة لغايات النمو التجاري، وليس لرعاية الإرهاب، أو نشر الفكر المتطرف، والذين وسعوا من تجارتهم، كذلك، نحو شرق إيران، مع مدن غرب أفغانستان، لاسيما هراة، بشكل يجعل من إيران محور حركة التبادل التجاري مع آسيا الوسطى وأفغانستان.

وهو ما أدى إلى تزايد نفوذ إيران الاقتصادي في أفغانستان، وكذلك في العراق؛ حيث تغزو المنتجات الإيرانية، أو المصدرة من طرفها، مختلف المدن العراقية ليس الجنوبية فقط؛ بل حتى في بغداد وأربيل في الشمال الكردي.

إن الاقتصاد هو ما يشكل قوة إيران؛ لذلك يبقى نفوذها في جنوب لبنان، مرشحًا لسهولة الزوال؛ لأنه لا يعتمد على نفوذ اقتصادي؛ بل على نفوذ عسكري وديني فقط.

إن الواقع الداخلي لإيران، يتميز بضغوط داخلية متزايدة، ناجمة عن الطاقات الرأسمالية الصاعدة منذ زمن طويل، والتي سعى نظام الجمهورية الإسلامية، منذ عام 1979م، إلى السيطرة عليها واحتوائها، وما مواجهة الإصلاحيين منذ عام 2005م، إلّا تعبير عن رغبة رجال الدين في كبح القوة المتزايدة للطبقة الوسطى، الصاعدة في مختلف أنحاء المنطقة، كما أن التشبث بالعدائية للغرب، وقمع آراء المطالبين بالإصلاحات، الاقتصادية والسياسية، هو تعبير قوي عن رغبة النخبة في المحافظة على سلطتها، وإبقاء البلاد متخلفة حماية لمصالحها الاقتصادية.

إن النموذج الكمالي، بلغ في السبعينيات من القرن الماضي درجة كبيرة من التقهقر والفساد؛ حيث الدولة ظلت قوية ومسيطرة، غير أنها فقدت قدرتها على التحديث، وهو ما أدى إلى توقف الاندفاع نحو الإصلاح والتغيير والعلمنة، حول انتشار السخط بين الناس على السلطة وفسادها، خصوصًا في إيران، مثل هذا الوضع، أدى إلى صعود الأصولية في إيران بقيام الثورة، كما أدى إلى تراجع الطبقة الوسطى وانحسارها.

إن نموذج الكمالية التي عرف انتشارًا واسعًا في المنطقة، بعد نجاح كمال أتاتورك في بناء الدولة التركية الحديثة، في باكستان وإيران، ثم في مرحلة لاحقة في مصر، على الرغم من سلبياته، إلّا أنه يحظى بدرجة كبيرة من التقدير والاحترام، نظرًا لما حققه من منجزات، هذا التقدير يعبر عن العقلية المؤيدة للحداثة والرأسمالية، التي تتمتع بها الطبقة الوسطى الآخذة في الصعود.

وإذا كانت الكمالية قد حققت نجاحًا كبيرًا في تركيا؛ فإن في إيران واجهتها صعوبات جمة، ويذهب المؤلف في هذا الإطار، إلى أن صعود الخمينية، واستيلاء المتطرفين الإسلاميين على السلطة، كان سبب إخفاقات الكمالية في إيران.

إن الثورة الإيرانية جمعت بين تناقضات عدة، على رأسها؛ جهتين متناقضتين، توحدت تجاه الإطاحة بالشاه، فمن جهة؛ نجد أفراد الطبقة الوسطى، المثقفين والمتطرفين في علمانيتهم؛ طلابًا محامين، وموظفين حكومييون، ومن جهة أخرى؛ نجد أفراد الطبقة الدنيا، المتمسكين بالدين، ورجال الدين المتحلقين حول الخميني، حلف بين العلمانيين والمتدينين، وهو الذي صنع الثورة، غير أنه، على الرغم من ذلك؛ فإن الطبقة الوسطى العلمانية، بعد ازدياد زخم الثورة، لم تتمكن من استعادة زمام السيطرة، ودفعت ثمنًا غاليًا لهذا التحالف المتسرع؛ حيث لم تحافظ على مصالحها، أما أتباع الخميني؛ فإنهم سخروا الأعمال الحكومية لخدمة مصالحهم الخاصة.

إن أكبر خطأ وقعت فيه الطبقة الوسطى في إيران؛ هو اختيارها الثورة على حساب مصالحها، وهو ما أدى، فيما بعد، إلى ابتعاد الطبقات الوسطى العلمانية في الشرق الأوسط، عن أي تحالف مع القوى الإسلامية، كما أدّى إلى إضعاف دور هذه الطبقة في إمكانية تعزيز الإصلاح، الاقتصادي والسياسي، في المنطقة؛ حيث انخرط كبار القادة العلمانيين، في تقديم التنازلات للقوى الإسلامية، وتراجعت آمال الطبقة الوسطى العلمانية، وظهرت مساجد ضخمة جديدة في مختلف أرجاء العالم الإسلامي، وتكاثرت البرامج الدينية في شبكات التلفزيون الرسمية، وازداد حجم التمويل الحكومي للمشاريع الدينية.

فتسهيل الطبقة الوسطى لصعود الأصولية الإسلامية في إيران، وفتح المجال أمام سيطرة الطبقات الدنيا، والتنازلات التي قدمتها للقوى الإسلامية، جعل الطبقة الوسطى العلمانية في منطقة الشرق الأوسط، لا تقوم بدورها في التحديث، كما كان الشأن في أمريكا اللاتينية، وأوروبا الشرقية، وشرق آسيا.

وقد سمح تراجع الخمينية الراديكالية في صعود طبقة وسطى تقية، تجمع بين الإسلام، والأفكار الرأسمالية في التجارة، وإدارة الأعمال، والتحرر من القرب للدولة، تساند، بجد، اندماج الاقتصاديات الوطنية في النظام الرأسمالي العالمي.

2- النموذج الباكستاني: مساعدة القوى المعتدلة طريق أساسي لتجنب دولة جهادية نووية:

إن تاريخ باكستان؛ هو عبارة عن تناوب واقعي غير ديمقراطي، بين سيطرة دكتاتورية عسكرية على البلاد، بعد كل فترة حكم مدني ضعيف، وهو ما يفسر القضاء على أي تقدم بسيط، يتحقق في البناء الديمقراطي والقطاع التجاري الرأسمالي؛ فالتنمية في باكستان، انحصرت في صورة لولب انحداري؛ فكلما عاد الجيش إلى السلطة، "ينخفض مستوى إنجازاتهم، ويصبحون أكثر استغلالًا للسلطة، فيما يزداد أداء الحكم المدني سوءا"[7].

وإذا كانت عودتهم وبقاؤهم في السلطة، تفسر عادة بالصراع بين باكستان والهند، منذ عهد الانقسام، واستمرار عدة مناطق وقضايا مثيرة للصراع، وتحقيق الاستقرار؛ فإن دعم الدكتاتورين العسكريين للحركات المتطرفة، ورعايتهم للأصولية في أفغانستان، أدت إلى تزايد قوى التطرف داخل باكستان نفسها، بشكل أفضى إلى فوضى، وخراب، وتهجير لعدد كبير من الباكستانيين في عدة مناطق.

وإذا كان رهان الولايات المتحدة، قد انصب على دعم العسكريين لمواجهة الأصولية والتطرف في باكستان؛ فإن النتائج كانت كارثية على مستوى اقتصاد باكستان، وعلى مستوى مصالح الولايات المتحدة ومساعداتها، التي ذهبت سدى، لذلك؛ يؤكد المؤلف: أن أفضل حليف للغرب وأمريكا ضد الأصولية والتطرف، لا يمكن أن يكون المؤسستان العسكرية والاستخباراتية، اللتان يعشش فيهما الفساد؛ بل المجتمع المدني، والقوى المؤيدة للديمقراطية التي يقودها المحامون والقضاة، والتي تلقى قبولًا مهمًّا لدى مجموعات من المهنيين، والتجار، والطلاب، والناشطين السياسيين من كل الأطياف، والتي تدل على صعود طبقة وسطى مهمة في باكستان، يعبّر أغلبية أبنائها، سواء كانوا متدينين أو علمانيين، عن تأييدهم للديمقراطية، والأعمال الحرة.

إذا أرادت الولايات المتحدة أن تحول دون أن تتحول باكستان إلى دولة جهادية، مدججة بالأسلحة النووية؛ فعليها أن تعمل على مساعدة قوى الوسط المعتدل في البلاد، لتسير نحو تحقيق التنمية الاقتصادية، والبناء الديمقراطي.

خامسًا: ملاحظات:

تبدو أطروحة ولي نصر قريبة من تلك الأطروحات، المحكومة بنفس تقديم الخلاصات لصانع القرار الأمريكي، الموجهة والمدعمة للرؤية الأمريكية للعالم، لاسيما العالم الإسلامي والشرق الأوسط.

ويبدو المؤلف المزدان بإيران، والعارف بشؤونها، هنا، وكأنه يقدم خبرته إلى السياسي الأمريكي، ويُحكم بهاجس التوجيه، والحسم، وإقناع صانع القرار، من أجل تغيير استراتيجيته نحو الشرق الأوسط، أكثر من هاجس آخر، يقول المؤلف في هذا الإطار: "ستثبت الأيام، أن حافز الربح التجاري هو أعظم حلفائنا؛ فهو سيدفع الطبقة الوسطى الصاعدة، إلى الضغط من أجل تحقيق الإصلاحات الاقتصادية الملائمة للتجارة، والأعمال، وسيادة القانون، وانفتاح اقتصادات تلك البلدان على التجارة العالمية، كما سيدفع هؤلاء باتجاه تصحيح الحكم، تمامًا، كما ضغطت الأوساط التجارية في الهند والصين على حكومتيهما، للبدء بإصلاحات واسعة، والانفتاح على الاقتصاد العالمي"[8].

والمؤلف يسعى، من خلال كتابه هذا، إلى منافسة تلك الأطروحات الكبرى الواسعة الانتشار، التي تلقى قبولًا لدى الأمريكيين؛ إذ إن أطروحته تبدو قريبة من أطروحة فرانسيس فوكوياما، وأطروحات عدد من الكتاب الآخرين، المركزة على أهمية الاقتصاد الليبرالي في تغيير السلوك والمؤسسات، كما يسعى إلى تقديم رؤية تتجاوز بعض الأطروحات؛ كأطروحة صمويل هنتغتون حول صراع الحضارات؛ إذ يقول في هذا الصدد: "لقد آن الأوان لنقلع عن البحث في صراع الحضارات، ونعود إلى التفكير في قدرة الأسواق والتجارة على التغيير"[9]، بشكل يجعل الاقتصاد مركزيًّا في التفكير السياسي الأمريكي، وموازيًا في الأهمية لقوة الإكراه.

وقد سعى المنظر إلى دعم أطروحته، وتأسيس أرضية قبولها من طرف السياسيين الأمريكيين، من خلال تقديم خبرته الميدانية في سبيل ذلك؛ إذ يحوز المنظر تجربة ميدانية مهمة، فبالإضافة إلى ولادته بإيران، قام بعدة زيارات ميدانية لجميع البلدان المدروسة؛ دبي، وتركيا، والعراق، ويعود، في أثناء تحليله، إلى العديد من الشهادات الحية لشخصيات سياسية وعسكرية واقتصادية، وخبراء، ومواطنين عاديين، التي استقاها من خلال توظيفه لروح الملاحظة بالمشاركة، وتقنية المقابلات الانتقائية مع عدد من الشخصيات السياسية، والعسكرية، والاقتصادية[10].

كما يعود الكاتب إلى تاريخ المجتمعات المدروسة، بكثير من الحرفية والاطلاع والمقارنة بينها، وهو ما يمنح للكتاب الكثير من التميز، مقارنة بالدراسات التي تتناول ما يروجه الآخرون، أو ما تروجه تقارير المنظمات الدولية، أو المنظمات الوطنية الحكومية، أو غير الحكومية.

على الرغم من الجدية الواضحة في تحليل المنظر، وعمق أطروحته، إلا أن المؤلف لا يخلو من بعض الهفوات، يمكن التشديد من بينها على الآتي:

- في مختلف خطوات تحليله، لا يغيب عن المؤلف استحضار فكرة خدمة صانع القرار في الولايات المتحدة، فكلما تقدم في التحليل، ازداد اقتناعًا بأهمية تنبيه صانع القرار الأمريكي، إلى سوء تعامله مع الأصولية الإسلامية، يقول المؤلف في هذا الصدد: "والحقيقة الدامغة التي يجب ألا تغيب عن السياسة الأمريكية؛ هي أن خط المعركة الحالية في معظم المجتمعات الإسلامية، ليس بين الإسلام والعلمانية؛ وإنما هو بين توجهات إسلامية مختلفة"[11]، ودون شك، هذا الإصرار الذي تأكد في عدد من صفحات الكتاب، يخل بموضوعية الأطروحة.

- التسرع في التعميم، دون دراسة جميع الأنظمة الإسلامية؛ فباستثناء إشارات بسيطة عن الإسلام السياسي في الجزائر، في بداية التسعينيات[12]، يذهب المؤلف إلى تعميم في غير محله عن شمال إفريقيا؛ حيث يقول: "ونظرًا لأن الدول في شمال إفريقيا وشرق المتوسط، وصولًا إلى آسيا، تعاني من الأزمات المالية (...)، وغير قادرة على توفير فرص العمل، وتطوير التعليم، وخدمات الإسكان، ...إلخ"[13]، على ضوء ذلك؛ يذهب إلى أن الزلازل التي ضربت القاهرة في 1992م، وقرب إسطنبول في 1999م، وجبال كشمير في باكستان عام 2005م، كشفت عن عجز الدولة في تقديم المساعدات، وظهور الحركات الأصولية المنظمة، التي تتقن العمل الاجتماعي.

وفي الاعتقاد؛ أن هذه الظاهرة ليست عامة في العالم الإسلامي، فعلى سبيل المثال: الزلزال الذي ضرب إقليم الحسيمة شمال المغرب، عام 2004م، كان الدور الكبير لتقديم المساعدات فيه للدولة أولًا، ولجمعيات المجتمع المدني البعيدة عن الحركة الإسلامية ثانيًا، ولمواطنين متطوعين غير منظمين في إطارات جمعوية ثالثًا، ولعل أخذ قوة الدولة في المغرب بعين الاعتبار لقوة المجتمع المدني النشط؛ الذي من شأنه أن يقدم زاوية أخرى للتحليل، مخالفة لبعض ما تبناه المؤلف، خاصة أن هذا الأخير، يتناول المغرب، ويشير إلى نموذج حزب العدالة والتنمية في الكتاب[14].

- تركيز المؤلف على الحقيقة الاقتصادية، وإغفاله للعامل الثقافي ومدى أهميته في تغيير الذهنيات في الشرق الأوسط.


[1] نصر ولي، صعود قوى الثروة، نهضة الطبقة الوسطى الجديدة في العالم الإسلامي وانعكاساتها على عالمنا، ترجمة: هاني تبري، دار الكتاب العربي، بيروت، 2011م، ص 179

[2] المرجع نفسه، ص 15

[3] المرجع نفسه، ص 37

[4] المرجع نفسه، ص 39

[5] المرجع نفسه، ص 198

[6] المرجع نفسه، ص 282

[7] المرجع نفسه، ص 244

[8] المرجع نفسه، ص 305

[9] المرجع نفسه، ص 39

[10] انظر على سبيل المثال: ص 258، ص 271

[11] المرجع نفسه، ص 198

[12] نفسه.

[13] المرجع نفسه، ص ص 199 - 200

[14] المرجع نفسه، ص 205