صناعة الآخر المسلم في الفكر الغربي المعاصر من الاستشراق إلى الإسلاموفوبيا المبروك الشيباني المنصوري

فئة :  قراءات في كتب

صناعة الآخر المسلم في الفكر الغربي المعاصر من الاستشراق إلى الإسلاموفوبيا المبروك الشيباني المنصوري

صناعة الآخر المسلم في الفكر الغربي المعاصر

من الاستشراق إلى الإسلاموفوبيا

المبروك الشيباني المنصوري

فكرة الكتاب

يضم الكتاب قسمين: القسم الأول، فن التمثُّل وصناعة الآخرية الفكرية الاستشراق نموذجا. القسم الثاني، فن التمثُّل وصناعة الآخرية الإعلامية الإسلاموفوبيا نموذجا؛ فمن خلال هذا التقسم الذي عني بالجانب الفكري وبالجانب الإعلامي، سلط المؤلف الضوء على قضية ذات بعد راهني، وهي موضوع الآخر في الفكر الغربي، "الآخرية بصفتها مقولة فلسفية تعني في بعدها الفلسفي الوجودي، أن من ليس أنا فهو آخر بالنسبة إلي، وتتوسع الآخرية لتشمل كل ما يميز هذا الآخر عني من مأكل ومشرب وملبس وأنماط فكرية وثقافية مادية وروحية ورمزية تنطلق من كيفية الفعل: أكلا أو شربا أو مشيا أو كلاما، وتصل إلى الرؤى العامة حول الكون والوجود والمصير"[1] فالآخرية تغطي بشكل كبير الجانب الثقافي للإنسان، وهي مسألة طبيعية؛ إذ لا يمكن معرفة الذات وتمييزها عن غيرها إلا من خلال الوعي بالآخر، فالذات الإنسانية ذات واحدة من جهة ما هو بيولوجي وطبيعي في الإنسان، ولكن من جهة الثقافة والحضارة، فالذات الإنسانية يسري عليها التعدد، بالنظر لمختلف المعارف والتصورات والأفكار المكتسبة بمرور الوقت والطباع والسلوك...ومختلف الأدوات والوسائل في كسب العيش وتنظيم المجتمع الفرد منه والجماعة... الإنسان متعدد من جهة الثقافة والحضارة وواحد من جهة الكينونة والوجود.

المشكلة كل المشكلة، عندما تدعي ثقافة ما بأنها ثقافة فوق الثقافات، وتنظر لغيرها بنوع من الاستخفاف والاحتقار والدونية، وهذه هي المعضلة التي وقف الكاتب عندها في سياق نظرة الغرب للشرق، ففي سياق الحديث عن الآخر الثقافي، وفي ضوئه، برز في أوروبا الحديث عن الآخر غير المتحضر مقابل الذات المتحضرة، وهو خطاب تبلور في زحمة ما هو سياسي متحيز للذات، على حساب ما هو ثقافي، مع بروز الأيديولوجيات الكبرى في نظرة أوروبا إلى العالم أي الآخر المتخلف.

وقد تجسدت نزعة السيطرة على الآخر، والإحساس بالتمركز حول الذات، بدءا مما سمي باكتشاف العالم الجديد (أمريكا) بعد القرن 15م التي تم تصويرها بأنها أرض خالية من السكان، وقد أباد الأوروبيون ثقافة السكان الأصليين لأمريكا، وقد تكرست هذه النظرة الدونية للآخر المختلف بشكل عنيف مرة أخرى مع احتلال أوروبا للشرق بما فيه العالم الإسلامي.

يتوقف الكاتب عند مختلف الدراسات الاستشراقية التي انخرطت طيلة القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، في قراءة الشرق؛ أي الآخر، من خلال تصوراتها وتمثلاتها، في استجابة لطروحات أيديولوجية استعمارية، فالكثير من الدراسات والأبحاث حول ثقافة الشرق مفادها تبخيسه والحط من كل ما لديه من نظم ثقافية وحضارية، كل ذلك بهدف الاستحواذ عليه والسيطرة على مختلف مجالاته الاجتماعية والسياسية، بهدف الاستغلال الاقتصادي والمالي...صحيح أن هناك جزءا من الدراسات الاستشراقية التي هدفها يتصل بالعلمية ونوع من الموضوعية، ولكنها ليست هي الغالبة في تصوير الشرق كما هو علميا وموضوعيا، وقد توقف المؤلف عند مختلف الدراسات التي انتقدت الاستشراق على رأسها كتاب إدوارد سعيد، ولا شك أن التحولات التي عرفها العالم خاصة بعد الحرب العالمية الثانية 1945م، جعلت الاستشراق يدخل في أزمة وقد "ساهم النقد ما بعد الاستعماري، شأنه في ذلك شأن النقد ما بعد الحدثاوي، في تحدي قيم الحداثة الغربية ذاتها، فنفى الإطلاقية عن القيم الكونية والثقافة الغربية ونَسَّب مقولة الحقيقية المدعاة ونزع من الحداثة أبعادها الكونية، بعد أن أثبت هذه المراجعة المعرفية أن هذه المفاهيم والمقاربات الغيرية رؤى غربية مخصوصة صيغت وفق حاجات حضارية وأسس فلسفية غربية، ولا تنطبق آليا وحتميا على كل الثقافات والحضارات والشعوب، باعتماد مقولة النسبية الثقافية التي قامت نقيضا لمقولة المركزية الغربية ومقولة الآخرية التي قامت نقيضا لمقولة المركزية الذاتية"[2].

وعلى الرغم من هذا الوضع الفكري الغربي العام الذي سار يعتمد مقولة النسبية الثقافية ومقولة الآخرية، فالمشكلة لازالت تدور في تمثل الآخرية التي تحولت إلى صناعة حينما ترتبط بفن التمثل ولا ترتكز على المعطى الموضوعي، فتصير أنت آخر بالنسبة إلي لا انطلاقا بما يميزك ثقافيا، بل انطلاقا من خلال تمثلي الذهني وارتساماتي وانطباعاتي حولك، وقد تتحول مختلف معطياتك الذاتية والثقافية إلى صناعة صور نمطية عنك، يتم تركيبها من لدن وسائل الإعلام وتقدم عبر العالم على أنها هي الحقيقية.[3] فهناك اتجاه حاضر بقوة يصور الآخر المسلم بمنطق الخوف منه ومن الإسلام، ويستثمر الجانب السلبي في الدراسات الاستشراقية التي تنظر إلى الآخر بنوع من الدونية وبأنه متخلف وغير متحضر وغير ذلك.

مع الأسف تعريف المسلم في جزء كبير من جوانب الفكر الغربي المعاصر "لا يستند إلى الأسس المنطقية الثلاثة في التعريف: التعريف بالماهية، والتعريف بالوظائف، والتعريف بالمكونات، بل يعرف المسلم بالتَّمثل، فالمسلم في الفكر الغربي ليس ما هو عليه فعلا بل هو الهيئة التي يتمثَّله الغربي عليها"[4] ويتم استثمار مختلف المشاكل والمعضلات التي يعاني منها العالم الإسلامي، في عملية التمثُّل هذه من بينها، ظاهرة التشدد والتطرف الديني؛ وذلك باختزال الإسلام والمسلم في هذه المعضلة على حساب الإسلام بكونه حضارة وثقافة إنسانية. ولهذا، ينبغي التمييز بين الجانب الفلسفي والنظري لموضوع الآخرية في الغرب الذي يحث على معرفة الآخر كشرط لمعرفة الذات، وبين ما يجري في دوائر الإعلام والفن والسياسة... وقد توقف المؤلف عند كثير من النماذج من المؤلفات والكتب التي اتصف أصحابها بتكريس النظرة التمثُّلية للمسلم وإلى العالم الإسلامي.

الاستشراق الجديد وتكريس النظرة التمثُّلية للقرآن

من البيّن والواضح أن الدراسات الاستشراقية لم تعد كما كانت، بالأمس كان المستشرق يحكمه نفس حب معرفة الحقيقة من زاوية نظره، بمعزل عن الهدف منها، وقد يتفرغ لدراسة ومعرفة مختلف لغات الشرق، المستشرق بالأمس عالم كبير بثقافة كبيرة ومتسعة، صحيح قد يحكمه بقصد أو بدونه مطلب سياسي وخدمة سلطة سياسية معينة، وبمعزل عن هذا الأمر، فقد قدم المستشرقون قراءات فيها مساحات من العلمية لتراث الشرق، وهو تراث إنساني من حقهم قراءته وفق المناهج العلمية الحديثة. أما واقع اليوم، فقد تم إبعاد تسمية وصفة مستشرق، وحلت محلها تسمية وصفة خبير في الميدان، فدور الخبير أن يجمع ويتقصى معلومات هنا أو هناك، بهدف وغرض أني محدد، وقد تجده في أغلب الأحيان بعيد عن قضايا الفكر والأسئلة الحضارية الكبرى. فالخبير نفسه أمامه تراث الاستشراق قد يستعين به وقد يوظفه بشكل سيئ بقصد أو بدونه، وهي مسألة أصبحت واضحة حتى عند الغربيين الذين يقبلون على دراسة الشرق وتراث الشرق.

وفق هذا السياق، بالإمكان الحديث عن الاستشراق الجديد، وهو استشراق ذو منزع متسرع، ولا يهمه العمق بقدر ما يهمه السطح. تبعا لهذا المعطى، توقف المؤلف عند كتاب "قراءة سريانية آرامية للقرآن مساهمة في تفسير لغة القرآن" لصاحبه كريستوف لكسنبورغ وقد صدر سنة 2000م باللغة الألمانية.

فرضية الكتاب هي أن القران لم يكن في البداية مكتوبا بصورة كليّة باللغة العربية، ولكن بمزيج من العربية والسريانية (السورية القديمة)، اللغة المنطوقة والمكتوبة السائدة في الجزيرة العربية خلال القرن الثامن. يقترح لوكسنبرغ أيضا أن القرآن يعتمد على نصوص أقدم، بالتحديد كتب فصول (كتاب الفصول: كتاب متضمن فصولا من الكتاب المقدس للتلاوة في القدّاس) مستخدمة في الكنائس المسيحية في سوريا، وان تطويع هذه النصوص إلى القرآن الذي نعرفه اليوم كان عملا تطلب عدة أجيال. تبيان طريقة استخدام فقه اللغة التاريخي والمقارن (الفيلولوجيا).

أشار المؤلف بأن هذا الطرح لم يراع العلمية والجانب الموضوعي في قراءة التاريخ، وقد اعترض عليه مستشرقون آخرون في نفس المجال من بينهم انجيليا نويفرت، وفرنسوا دي بلوا، ودنيال مديفان.

[1] المبروك الشيباني المنصوري، صناعة الآخر المسلم في الفكر الغربي المعاصر من الاستشراق إلى الإسلاموفوبيا. مركز نماء، بيروت، لبنان، 2014م، ص.13

[2] نفسه، 13

[3] نفسه، ص.15

[4] نفسه، 301