طبقات المجتمع الهندوسيّ من خلال "كتاب الهند" للبيروني
فئة : مقالات
تمهيد
تُحَدُّ الطّبقة (class) لغة بأنّها المرتبة، إذْ يُقال في وصف النّاس إنّهم طبقات؛ أي مراتب والطبقة القوم المتشابهون[1]. وتُعرّف كذلك بأنّها "عدد من النّاس أو أشياء تجتمع مع بعضها البعض وذلك بسبب بعض المتشابهات والصّفات العامة"[2]. وفي علم الاجتماع يُراد بمصطلح الطّبقات الاجتماعيّة (social classes) مختلف فئات المواطنين مع تمييزهم على أساس الثّروة أو الممتلكات أو الاقتصاد أو الدّين[3].
ويُعتبر التدرّج الطبقيّ ظاهرة شائعة وعامّة في كلّ المجتمعات قديمها وحديثها، إذ لا يوجد مجتمع غير طبقيّ أو غير متدرّج على الإطلاق، كما لا يمكن التسليم تماما بأنّ كلّ المجتمعات تتضمّن نسقا واحدا محدّدا من المراتب والمكافآت[4]. وقد كان أبو الرّيحان البيروني على وعي بهذه المُسلّمة؛ لذلك أشار في معرض حديثه عن طبقات أهل الهند بالقول: "قد كان الملوك القدامى يصرفون معظم اهتمامهم إلى تصنيف النّاس طبقات ومراتب يحفظونها عن التمازج والتهارج ويحظرون الاختلاط عليهم بسببها ويلزمون كل طبقة ما إليها من عمل أو صناعة وحرفة ولا يرخّصون لأحد في تجاوز رتبته."[5]
وفي بلاد الهند، يتألّف المجتمع من أربع طبقات مُتباينة، وكلّ طبقة من هذه الطّبقات الأربع تحتوي على مجموعة من الأفراد، وتقع على عاتق كلّ فرد واجبات مُعيّنة وله حقوق بعينها وفقا لمبدأ الطّبقة. غير أنّ هذه الحقوق والواجبات ليست متماثلة بين كلّ أفراد المجتمع، حيث إنّ ثمّة امتيازات ومسؤوليّات مُعيّنة تتمتّع بها طبقة دون أخرى، وهو ما يُفضي إلى ظهور مبدأ التفاضليّة أو التراتبيّة (Hierarchy)[6].
فماهي طبقات المجتمع الهندوسيّ؟ كيف تنتظم وتتراتب داخل المجتمع؟ وهل أنّ فكرة تقسيم المجتمع إلى طبقات جاءت نتيجة لقوانين وضعيّة صارمة، أم هي أمر طبيعيّ مُتأصّل في الجنس البشري ممّا يُكسبها الشرعيّة؟
اتّسم النظام الطبقيّ والطائفيّ في الهند بالانغلاق والتمايُز بين أفراد المجتمع الواحد ووجود حدود صارمة بين الطبقات، لابدّ من احترامها ولا يجوز تخطيها
* الترتيب التفاضليّ للطبقات في الهند وعلاقته بالمهن:
لقد بدأت فكرة الإشارة إلى التقسيم الطبقيّ الّتي قامت عليها الحياة الاجتماعيّة للهندوس في "الفيدا" (Veda). وهذا التقسيم جاء أوّلا، نتيجة طبيعيّة لتوزيع الأعمال على النّاس في المجتمع، فقد اقتضت حياتهم أن يقوم بعض الأعضاء بالطقوس الدينيّة والاهتمام بالتعاليم والأحكام والعبادات فتقمّص "البراهمـة" (The Brahmans) مثل هذه الأدوار، بينما يقوم بعض الأفراد الآخرين بمهمّة الحروب والشّأن السياسيّ، فأُحيلت المُهمّة "للكشتريين" (The Kshatriyas). وكان من الطبيعيّ أن توجد جماعة تقوم بالعمل في الحقول ومطالب الحياة الأخرى كالتجارة، فكان ذلك "لبيش" (The Vaishyas). وبالتدريج وُجدت الطّبقة الرّابعة، وهي طبقة "الشُّودر" (The Shudras) الّتي هي أقلّ الطّبقات قيمة وشأنا، والّتي عُرفت بالطّائفة المنبوذة.
1.1- طبقة البراهمة: "The Brahmans": العبادة وخدمة الديانة
في المجتمع الهندوسيّ يُمنح البراهمة موقعا فائق الحساسيّة لا يُضاهيه في هذه الصّفة أي موقع آخر، فهم الكهنة رجال الدّين والمعلّمون الّذين يُعَدُّونَ حملة ثقافة ومعرفة ومهمّتهم الحفاظ على الدّين وإرضاء الآلهة، بالإضافة إلى أمور العدالة والأخلاق، يذكر البيروني أنّ الحكيم "باسديو" (Pasdeo) حين سأله "أورجن" (Orgen) عن طباع البراهمة وما يجب أن يتخلّقوا به من الأخلاق أجابه: "يجب أن يكون البرهمن[7] وافر العقل، ساكن القلب، صادق اللهجة، ظاهر الاحتمال، ضابط الحواسّ، مُؤثرا للعدل، بادي النّظافة، مقبلا على العبادة، مصروف الهمّة إلى الدّيانة[8]."
* حياة البرهمان و"الخيط المقدّس" (Sacred thread):
يقسّم أبو الرّيحان حياة البرهمن إلى ثلاث مراحل؛ يبدأ التّقسيم بداية من سنّ الثّامنة؛ ففي هذا السنّ يجتمع إليه الكهنة والمعلّمون لتعليمه الواجبات الدينيّة، وما يجب أن يتخلّق به وتوصيته بالتزامها واعتناقها مادام حيّا[9]. ويدخل هذا الضرب من الالتزام والمسؤوليّة تحت يافطة شرعيّة يصطلح عليها الهندوس باسم الدّارما (Dharma) الّتي تُترجمُ غالبا بالدّين، ولكن الترجمة الأدقّ لها هي الحقيقة أو الواجبات أو الالتزام، والهدف منها الحفاظ على القيم الأخلاقيّة، وعلى تناغم العالم الطبيعيّ وتماسكه[10]. ثمّ في مرحلة تالية، يمنحه كبار البراهمة خيطا مفتولا من تسع قوى يُقلّدونه به ويُؤخذ من عاتقه الأيسر إلى جانبه الأيمن[11]، وتفيد المعاجم الأنثروبولوجيّة الحديثة بأنّ هذا الخيط "هو خيط مقدّس يحمله البرهمن رمزا لتمتّعه بمنزلة اجتماعيّة معيّنة وانتمائه إلى طائفة بعينها، ويُمنح هذا الخيط بعد مروره بطقوس التكريس ويظلّ يحمله بصفة مستمرّة"[12]، بل يُغالي ويُشدّد رجال الدّين في أمر هذا الخيط إذ وجب على البرهمن أن لا يُفارقه إطلاقا. يقول البيروني: "إنّ جُنجوى ممّا لا يُفارقه البتّة، فإن وضعه حتّى أكل وقضى حاجته خاليا عنه كان بذلك مذنبا لا يمحضه عنه غير الكفّارة بصوم أو صدقة."[13]
* اغتسال البراهمة اليومي وتقديم القرابين:
وفي بقيّة هذه المرحلة الأولى من عمره، تنصبّ حياة البرهمن بالأساس على الجانب التعليميّ الدينيّ، فمن الواجب عليه أن يتزهّد طيلة هذه الفترة، ويُقبل على تعلّم نصوص "الفيدا" (veda) بالإضافة إلى علم الكلام والشريعة، ويتولّى أستاذه تعليمه آناء الليل وأطراف النهار[14]. ويُشير عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر (1864 - 1920) Max weber إلى أنّ البراهمة يتعبّدون بتراتيل كتاب "الفيدا" (veda) المقدّس في صلواتهم كما يلجؤون إليه للعلاج والسحر، ويرى أنّه يحتوي على مزيج من السّحر والتجارب البشريّة الّتي يجب على كبار الكهنة والمعلّمين تعليمها للتلاميذ على سبيل الخلافة، وبالتّالي يتوارث تلاميذ البراهمة جلّ هذه الخصائص السحريّة جيلا بعد جيل[15]. ويُواصل البيروني ذكر نشاطات البرهمن، حيث يقوم كل يوم بالاغتسال ثلاث مرّات، ويقدّم قرابين النار بين طرفي النهار، لأنّ التضحيات بدون القرابين في نظرهم تجلب سوء الطّالع، ثم يسجد لأستاذه بعد الانتهاء من إقامة القربان، ويصوم يوما بعد يوم مع الامتناع عن أكل اللحم أصلا[16].
* البراهمة والزواج: التعاليم الواجبة
أمّا الفترة الثانية من عمر البرهمن من سن الخامسة والعشرين إلى الخمسين وفيها يتزوّج بعد أن يأذن له أستاذه بذلك ليقصد النّسل. ويُعدّد البيروني بعض التّعاليم الواجبة عليه، فمن المفروض على البرهمن أن لا يطأ زوجته في الشهر أكثر من مرّة عُقب تطهّرها من الحيض، كما لا يجوز أن يتزوّج بامرأة قد جاوز عمرها اثنتي عشرة عاما[17]. ويكون معاش البرهمن وزوجته من تعليم البراهمة، وكل ما يصل إليه من صدقات فهو على سبيل الإكرام لا الأجرة، وكذلك الهدايا الّتي تُهدى إليه بسبب ما يعمله لغيره من قرابين النار أو عطايا ينالها من كبار الملوك[18]. وقد وجد ماكس فيبر Max Weber في بحثه عن سرّ انتشار الهندوسية في صفوف المبشّرين الّذين يطلق عليهم البراهمة أنّ أهمّ دافع يبقى هو العامل المادّي وخاصّة العطايا الماليّة المتمثّلة في النّقود والهدايا الثمينة والأراضي، حيث إنّ البراهمة كان لهم الدّور الأساس في بروز الهندوسيّة، فهم يمثّلون الطبقة العالمة[19].
تسمح القوانين المنظّمة للطّبقات في الهند للبرهمن أن يدخل مجال التجارة والبيع، ومن الأفضل أن يُكلّف أحد أفراد طبقة "البيش" (The Vaishyas) بالمتاجرة له، لأنّ التّجارة في الأصل محظورة على البرهمن بسبب ما يُداخلها من غشّ وكذب. أمّا الرّبا، فهو محرّمً عليه بالإطلاق لأنّه رجل دين وعلم ومعرفة[20].
* المرحلة الثالثة في حياة البرهمن: الخروج من بيت الزوجية
تمتدّ الفترة الثالثة من عمر البرهمن من سنّ الخمسين إلى الخامسة والسبعين، فهي فترة التنسّك والعبادة والزّهد؛ فمن الواجب عليه طيلة هذه المدّة أن يخرج من بيت الزوجيّة بعد أن يسلّمه لزوجته[21]، ويستمرّ خارج العمران إلى الغابات والأحراش، ولا يَسْتَكِنُّ تحت سقف ولا ينام إلاّ على الأرض، ويكون معاشه من ثمر الأشجار والأعشاب لا غير ولا يلبس إلاّ ما يُواري سوءته لحاء الشجر[22]. ومتى جاز البرهمن هذه المرحلة الثالثة من عمره بنجاح تام، وبلغ سنّها المعينة انتقل إلى أسمى الدرجات، وهي المرحلة الأخيرة من عمره.
* المرحلة الأخيرة في حياة البرهمن: التحرّر من الدّنيا والتوبة إلى الآلهة
الفترة الأخيرة من عمر البرهمن تمتد إلى نهاية حياته، وتمثّل هذه الفترة درجة الفقير، فيخرج من حكم الجسد وتحكم فيه الروح فقط ويُحاول التقرّب ما أمكن إلى الآلهة، ثمّ يلبس لباسا أحمر ويأخذ بيده قضيبا من الحديد، ثمّ يقبل على الفكرة وتجريد القلب من العداوات والصداقات[23]. ويُؤكّد أبو الرّيحان حرص البرهمن في الفترة الأخيرة على الابتعاد عن التفكير في الشؤون الدنيويّة، وذلك بدعوتها إلى التحرّر من الشهوات والسيطرة على رغبات النفس وتطلّعاتها الماديّة. وهذه الدعوة جاءت من منطق أنّ التحرّر من الشهوات يُؤدّي إلى التحرّر من الألم والشقاء، ومن ثَمَّ كان التحرّر من الرّغبات وسيلة فذّة للتقليل من شقاء الحياة وهمومها ومتى التزم البرهمن بهذه
الأخلاق وصل إلى موكشا (Moksa)[24].
2.1- طبقة الكشتريا: "The Kshatriyas" حماة المجتمع والقائمون على أمنه
تتألّف طبقة الكشتر من حماة المجتمع والقائمين على إدارة شؤونه وأمنه وعلى تنفيذ القواعد المختلفة الّتي تقتضيها الوظائف الاجتماعيّة الضروريّة. وجاء في كتبهم الدينيّة المقدّسة أنّ البطولة والقوّة والاستقامة والحذق والقيادة تلك هي واجبات الكشتر الّتي تولّدت في طبيعته، قال الحكيم "باسديو" حين سأله "أورجن" عن طباع الكشتريّ: "يجب أن يكون الكشتر مهيبا في القلوب، شجاعا متعظّما، ذلق اللسان، سمح اليد، غير مبال بالشدائد، حريصا على تسيير الخطوب."[25]
وتندرج جلّ هذه الوظائف والواجبات الّتي يتعيّن على الكشتر القيام بها لمصلحة المجتمع تحت غطاء قداسيّ وأُلبست لبوسا دينيّا، فلا ينال رجل الكشتر الثواب والخلاص في الدنيا والآخرة، إلاّ إذا التزم بالواجبات المفروضة عليه، وأنّ مساهمته في الحروب والحفاظ على المجتمع ورفاهه، إنّما هو راجع بالأساس إلى كونه قد حفظ الكون الّذي خلقه الإله براهم وسوّاه. ومن ثمّ، فإنّه بمجرد أن حفظ هذا الكون وسهر على حمايته، فإنّه قد حفظ الإله الخالق وبالتّالي ينال الثواب الّذي وُعد في كتاب "الفيدا"، وينقل أبو الرّيحان من كتابهم المُؤسّس أنّ "باسديو" قال لـ "أورجن" (وهو أحد الكشتريّين) مشجّعا إيّاه على قتال العدوّ: "أما تعلم يا طول الباع أنّك كشتريّ وجنسك مجبول على الشجاعة والإقدام وقلّة الاكتراث لنوائب الأيّام، إذ لا يُنال الثواب إلاّ بذلك، فإن ظفرت فإلى المُلك والنّعمة، وإن هُلكت فإلى الجنّة والرّحمة، فإن كان الله أمرك وأهّل طبقتك بالقتال وخلقك له فأصدع بأمره وأنفذ بمشيئته بعزيمة مُجرّدة عن الأطماع ليكون عملك له."[26]
ارتبطت طبقة البراهمة بالمُقدّس وترسّخت في الأذهان أنّها تحكم وفق نظريّة التفويض الإلهي، وأن الآلهة اصطفتهم للحكم نيابة عنها
3.1- طبقتا البيش "The vaishyas" والشودر "The shudras"
أفراد طبقة "البيش" لديهم واجب يتمثّل في رعاية الحاجات الماديّة للمجتمع كالتجارة والفلاحة، ومن أدوارهم التقليديّة رعاية العمالة الرئيسة[27].
أمّا طبقة "الشودر"، فتتألّف من المنبوذين وأصحاب المهن الحقيرة وينحصر دورهم في أداء المهمّات الّتي لا يفكّر أحد من البشر بالقيام بها: مثل إزالة المخلّفات البشريّة أو دباغة الجلود أو كنس الشوارع بالإضافة إلى خدمة أفراد الطبقات العليا "ويكون الشّودر مجتهدا في الخدمة والتملّق متحبّبا لكلّ أحد بها"[28]. وتجدر الإشارة إلى أنّ الهندوسيين لا يهمّهم في الواقع أنْ يخرج عن ديانتهم هؤلاء المنبوذون؛ وذلك لأنّ التقاليد المحدّدة الّتي يسيرون عليها (الدّارما) تجعلهم غير قادرين على أنْ يتنازلوا عن امتيازاتهم الدينيّة لفائدة أعضاء هذه الطبقة. فليس يخفى على أحد منهم أنّ تنازلهم هذا إذا وقع يؤدّي إلى قلب كل تعاليم الديانة الهندوسيّة[29].
2- في مبدأ التمايز بين الطبقات:
1.2ـ نظام الطّبقات والتمايز بين أفراد المجتمع:
اتّسم النظام الطبقيّ والطائفيّ في الهند بالانغلاق والتمايُز بين أفراد المجتمع الواحد ووجود حدود صارمة بين الطبقات، لابدّ من احترامها ولا يجوز لأيّ شخص أو جماعة أن تتخطّاها. وهذا التّمايز لم يكن نتيجة لسلطة سياسيّة أو اجتماعيّة ظالمة، بل بمقتضى دينيّ وأمر محتوم إلهيّ. فالإله براهما قد خلق الخلق على هذا النحو الّذي هم فيه "وهذه الطّبقات في أوّل الأمر أربع، علياها "البراهمة" قد ذُكر في كتبهم أنّ خلقتهم من رأس براهم وأنّ هذا الاسم كناية عن القوّة المُسمّاة طبيعة والرّأس علاوة الحيوان؛ فالبراهمة نقاوة الجنس ولذلك صاروا عندهم خيرة الإنس، والطّبقة الّتي تتلوهم "كشتر" خُلقوا بزعمهم من مناكب براهم ويديه ورتبتهم عن رتبة البراهمة غير متباعدة جدّا، ودونهم "بيش" خُلقوا من فخذ براهم ودونهم "شودر" خُلقوا من رجلي براهم وهاتان المرتبتان الأخيرتان متقاربتان وعلى تمايزهم تُجمع المدن والقرى".[30]
* التصنيف التراتبي: طبقة البراهمة "طبقة النخبة المرتبطة بالمقدس"
وفقا لهذا التصنيف التراتبي الّذي تحدث عنه البيروني تتّضح طبيعة كل طبقة من الطبقات الأربع؛ فطبقة البراهمة قد شكّلت النُّخبة المتميّزة عن باقي الطبقات بامتلاكها لخاصيّة التفوّق والقدرة في المجال الدينيّ؛ أي أنّ هؤلاء البراهمة قد ارتبطوا بالمُقدّس وترسّخت في الأذهان أنّها تحكم وفق نظريّة التفويض الإلهي، وأن الآلهة اصطفتهم للحكم نيابة عنها، حتّى أضحت قراءة الكتاب المقدّس "الفيدا" (veda) من مهامّ البراهمة فحسب، ولا يجوز لطبقة الشودر Shudra مثلا تلاوته أو حتّى مجرّد الاقتراب منه، بل إنّ مهام الشّودر خدمة رجال البراهمة في سائر حياتهم اليوميّة ويتصرّفون تحت أمرهم كعبيد "أمّا شودر، فهو للبرهمن كعبد يتصرّفُ في أشغاله ويخدمه... وكلّ عمل يخصّ البرهمن من التسابيح وقراءة "بيذ" (Veda) فهو محظور عليه، حتّى أنّه إن صحّ عليه أنّه قرأ "بيذ" رفعه البراهمة إلى الوالي فقطع لسانه وأمّا ذكر الله وعمل البرّ والصدقة، فهو غير ممنوع عليه."[31] وأورد البيروني قصّة أحد ملوك البراهمة حين علم بأنّ أحد أفراد "جندال"[32] تجاوز ما إلى طبقته، فركب إليه ووجده على شطّ نهر الغانج المُقدّس يجتهد في العبادة وتهذيب النفس فضربه بالسّهم وأرداه قتيلا ثمّ قال: "هو ذا؟ أقتلك على خير ليس إليك فعله"[33]. ولنلاحظ هنا، كيف يُشكّل رجال الدين تميّزهم عن باقي الطبقات بفضل معرفتهم الدينيّة وتميّزهم في الالتزام بالتعاليم والأحكام والعبادات الّتي اكتسبوها وحرصوا على امتلاكها.
* توارث المنزلة الاجتماعية لدى البراهمة:
ويتابع البراهمة صعودهم وارتقاؤهم في السلم الاجتماعي، غير أنّ وضعهم الاجتماعي ينتقل بالوراثة، وهو ما أفضى إلى تمايز حاد وصلب بينهم وبين الطبقات الثلاث، حتّى وصل هذا التمايز إلى حدّ أنّ أية طبقة لا يستطيعُ أعضاؤها أن يصطفّوا في المُؤاكلة مع أفراد طبقة أخرى مختلفة عنهم "وكلّ طبقة من الأربع، فإنها تصطفّ في المؤاكلة على حدة، ولا يشتمل صفّ على نفرين مختلفي الطبقة، فإن كان في صفّ البراهمة مثلا نفران منهم متنافران وتقارب مجلساهما فُرّق بين المجلسين بلوح يُوضع بينهما أو ثوب يُمدّ أو شيء آخر، بل إن خُطّ بينهما تمايزا"[34].
* شروط زواج البراهمة والتمايز الطبقي:
ومن المجالات الاجتماعيّة الأخرى الّتي ترسّخت فيها فكرة التمايز الطبقيّ الحادّ عاداتهم في التزاوج، حيث يُؤكّد أنّ الرجل لا يتزوّج إلاّ من طائفته أو من طائفة أدنى منها، ولكن الرجل الّذي يتزوج من واحدة من طبقة الشّودر يُصبح مفضوحا مهتوك السّتر ويُطردُ من طائفته، فلا يتزوّج نساء الشّودر إلاّ رجال الشّودر، ويمكن للبرهمن أن يتزوّج امرأة من الطبقة الكشتريّة (الطبقة الثانية) أو من طبقة البيش (الطبقة الثالثة) ولا عكس، أي لا يصحّ للمرأة الّتي تنتمي إلى طبقة عُليا أن تتزوّج من طبقة أقلّ منها، لأنّها حين تلدُ يرث بنونها صفات أبيهم الّتي هي أقلّ من صفات أمّهم وفي هذا السياق يقول البيروني: "ويكون الولد منسوبا إلى طبقة الأمّ دون الأب، فإذا كانت امرأة البرهمن مثلا برهمنا كان الولد كذلك، وإن كانت شودرا كان شودرا، ولكنّ البراهمة في زماننا، وإن حلّ لهم ذلك لا يفعلونه ولا يتجاوزون في التزويج غير طبقتهم"[35].
* جنايات البرهمان وعقوباتها:
متعدّدة هي المفارقات الأخرى بين مختلف هذه الطوائف الهندوسية الّتي تبدو بمظهرها شرعية وفي جوهرها قسريّةً أو تعسّفيّة؛ فالبراهمة وبقية الطبقات الثلاث لا يتساوون في أمور العقوبات والكفّارات والأحكام الشرعيّة، يتحدث أبو الرّيحان عن عقوبة القتل في شريعتهم مُؤكّدا أنّه ثمّة هُوّةً شاسعة في حكم القاتل، فإن كان القاتل من طبقة البراهمة والمقتول من سائر الطبقات، فإن حكم البرهمن كفّارة، وتكون بالصّوم والصّلاة والصدقة، وإن كان المقتول من طبقة البراهمة والقاتل من سائر الطبقات أُحيل أمر القاتل إلى الآخرة ولم تُجزه الكفّارة "لأنّ الكفّارة تمحو الذنوب وليس شيء يمحو من قاتل البرهمن كبائر الآثام."[36] أمّا فيما يتعلّق بعقوبة السرقة في دعاواهم وأحكامهم، فإنّها تُقدّر حسب مقدارها وتتراوح بين القتل والتنكيل والتأديب والغرامة والفضيحة والتشهير. فإن كانت قيمة المسروق كبيرة والسّارق من طبقة البراهمة سمُل الولاّة عين البرهمن أو قطعوه من خلاف وإن كان السّارق كشتريّا قطعوه من خلاف، ولم يسمُلوا عينيه، وإن كان السّارق من سائر الطّبقات فحكمه القتل[37].
كرّس لويس دومون عمله لدراسة الإيديولوجيا في المجتمعين الهندوسيّ والمسيحيّ، وعقد بين هذين العالمين مقارنة تهمّ بالأساس الجانب القيميّ للفرد داخل المجتمع
وجدير بالذّكر هنا أن نُلفت النّظر إلى أنّ هذا التمايز الحادّ بين مختلف طبقات الهند قد استقطب جهود الباحثين في مختلف الاختصاصات والميادين. ويُعدّ الأنثروبولوجي الفرنسي لويس دومون (1911-1998) [38]Louis Dumont أحد هؤلاء، حيث كرّس عمله لدراسة الإيديولوجيا في المجتمعين الهندوسيّ والمسيحيّ، وعقد بين هذين العالمين مقارنة تهمّ بالأساس الجانب القيميّ للفرد داخل المجتمع مركّزا على دوره في نحت كيانه ورغباته كقيمة مستقلّة، وأكّد دومون أنّه إذا كانت الحضارة الهنديّة تتّصف بسيادة مفهوم التراتبيّة وبإيديولوجيا جماعيّة، فإنّ قيم المساواة والنزعة إلى الفردية تسيطر في المقابل على المجتمعات المسيحيّة، يقول: "إنّ ما لم تستطع أية ديانة هنديّة بلوغه بلوغا كاملا، وهو موجود منذ البدء في المسيحيّة، إنّما يكمن في الأخويّة النابعة من المحبّة الّتي تُمثل في يسوع المسيح والأخويّة بين كلّ النّاس وما ينتج عنها من مساواة بين الجميع، وهي مساواة لا وجود خالصا لها إلاّ في حضرة الله، وإن اعتمدنا مصطلحات علم الاجتماع، فإنّ في تحرّر الفرد عبر اعتبار كينونته الشخصيّة قيمة مُطلقة أو اتّحاد الفرد خارج العالم بجماعة تمشي على الأرض، وإن أبقت قلبها مُعلّقا بالسّماء هذا يكون ربّما صيغة تحديديّة مقبولة للمسيحية"[39]. ولئن نجح دومون في عقد هذه المقارنة بين الثّقافتين الهندوسيّة والمسيحيّة مركّزا على قيمة الفرد (Invidu) داخل كلّ منهما، حيث إنّ الهندوسيّ مُنقاد عبر جماعة اجتماعيّة ماصّة لفردانيّته[40]. وفي المقابل، نحت المسيحيّة منحى يعزّز هذه الفردانيّة، فإنّه تعسّف على الإيديولوجيا الهنديّة، وربّما فاته أنّ انتماء الفرد إلى طبقة محدّدة في الهند لا يأتي عن طريق الصدفة، ولكن لأنّ إيمانه الدّاخلي هو السبب وراء هذا الانتماء ولذلك نشاطر رأي ماكس فيبر حين ذهب إلى "أنّ الهندوسيّ حاول دائما معالجة الأخطاء الّتي ربّما يكون قد قام بها لكن هذا لا يشفع له من أجل الانتقال إلى طبقة أخرى، وهذا في نفس الوقت لا يُؤثّر على الأفراد، لأنّ لديهم الإيمان القويّ بأنّهم يستحقّون الانتماء إلى طبقتهم وهذا أيضا ما يُفسّر طابع الوفاء الّذي ساد داخل أعضاء الهندوسيّة"[41].
لعلّ ما يمكن أن نخرج به في خاتمة هذا البحث هو هيمنة طبقة البراهمة نخبة المجتمع وصفوته وتميّزها بنفوذها الكبير عن الحياة الاجتماعيّة الدينيّة في المجتمع الهندوسيّ. وهذا التّصوّر الانشطاري للمجتمع اتّخذ منه أبو الرّيحان البيروني موقف الناقد البصير، معتبرا نظام الطبقات هذا نظاما مخالفا للعقل ومجلبة للسّخرية "وهذه كلّها تفاضل الدرجات الّتي يتّخذ فيها بعضهم لبعض سُخريا... فإنّ طباعهم عن الطرق العقليّة نافرة، وإنّما يستعملون قهرا حتّى يعملوا بحسب ما يُثير لهم حواسّهم من الشهوة والغضب، ويكون العاقل العارف على خلافهم"[42]. ولا يذهبنّ في البال أنّ هذا الحسّ النّقدي المبثوث في هذا الشّاهد نابع من نظرة تحقيريّة تجاه الهنود، بل إنّ تعامل البيروني معهم كان لا يتعدّى حدود الوصف والمشاهدة، وأنّ ما قدّمه في نظامه المعرفيّ ما هو إلّا حقائق ووثائق، ثمّ إنّ البيروني كان واضحا منذ البداية؛ ففي مقدّمة كتابه عندما أرسى أسس منهجه في قراءة الهند - باعتبارها مغايرًا ثقافيًّا- ذكر: "وأنا في أكثر ما سأورده حاكٍ غير منتقد إلّا عن ضرورة ظاهرة"[43].
قائمة المصادر والمراجع
المصدر:
- البيروني، أبو الريحان: في تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة، تحقيق ادوارد سخاو، الهند، مطبعة دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد الدكن، 1905
المراجع:
باللّسان العربــــــي:
- دومون، لويس، مقالات في الفردانيّة: منظور أنثروبولوجي للأيديولوجية الحديثة، ترجمة بدر الدين عردوكي، ط1، بيروت، المنظمة العربية للترجمة، 2006
- عدنني، إكرام، سوسيولوجيا الدين والسياسة عند ماكس فيبر، ط1، بيروت، منتدى المعارف، 2013
- كولر، جون، الفكر الشرقــــي القديــــم، ترجمة كامل يوسف حسين، ط1، الكويت، ضمن سلسلة عالم المعرفة، 1995
ـ لوس، إدوارد، على الرغم من الآلهة: النهوض الغريب للهند الحديثة، تعريب معين الإمام، ط1، المملكة العربية السعودية، العبيكان للنشر، 2009
- مسعود، أحمد طاهر، المدخل إلى علم الاجتماع العام، ط1، الأردن، دار جليس الزمان للنشر والتوزيع، 2011
باللّسان الأعجمـــي:
- Jung, C.G, Two essays on analytical psychology, second edition, translated by R.F.C.Hull, London, Routledge, 1966, p173-174
- Tiwari, Kedar Nath, Classical Indian Ethical thought: A philosophical Study of Hindu, Jaina, and baudha morals, Delhi, 1998
- Weber, Max, The religion of India: The sociology of Hinduism and Buddhism, The united state of america, The free press, 1958.
القواميس والمعاجم:
- بونت، بيار وايزال، ميشال، معجم الإثنولوجيا والأنثروبولوجيا، ترجمة مصباح الصمد، ط2، بيروت، لبنان، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 2011
- الرّازي، محمّد بن أبي بكر، مختار الصّحاح، تحقيق مجموعة من الباحثين، ط1، بيروت، مكتبة لبنان، 1986
- سليم، شاكر، قاموس الأنثروبولوجيـــا، ط1، الكويت، جامعة الكويــت، 1981
- فيريول، جيل، معجم مصطلحات علم الاجتماع، ترجمة أنسام محمّد لسعد، ط1، بيروت، دار ومكتبة الهلال، د.ت.
- webster, Noah, New Twentieth century dictionary, Second edition, Unabridge (hard cover), 1970
[1] محمّد بن أبي بكر، الرّازي، مختار الصّحاح، تحقيق مجموعة من الباحثين، ط1، بيروت، مكتبة لبنان، 1986، ص163
[2] Noah, Webster, New twentieth century Dictionary, Second Edition, Unabridge (hard cover) 1970, p334
[3] جيل، فيريول، معجم مصطلحات علم الاجتماع، ترجمة أنسام محمّد لسعد، ط1، بيروت، دار ومكتبة الهلال، د.ت، ص49. 250
[4] أحمد طاهر، مسعود، المدخل إلى علم الاجتماع العام، ط1، عمان الأردن، دار جليس الزمان للنشر والتوزيع، 2011، ص ص 97-98
[5] أبو الريحان، البيروني، في تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة، تحقيق إدوارد سخاو، الهند، مطبعة دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد الدكن، 1905، ص 76
[6] جون، كولر، الفكر الشرقي القديم، ترجمة كامل يوسف حسين، ط1، الكويت، ضمن سلسلة عالم المعرفة، 1995، ص 74
[7] ثمّة صيغ كثيرة في تسمية هذه الطّائفة تصل إلى حدّ الاختلاف، ويبدو الاختلاف جليّا من خلال طرائق رسم الدّال (ابراهمان، براهمان، باراهمان، برهمن...)، لكنّ هذا لا يمسّ المدلول في شيء. أمّا عن هذه الورقة، فستنحو نحو البيروني في التّسمية وصيغة الرّسم المحيلة على التّسمية، وهي "برهمن" وينبع هذا الخيار من نظرة تأصيليّة للمصطلح في تربة العربيّة لغةً واستعمالاً.
[8] البيروني، المصدر السابق، ص 78
[9] البيروني، المصدر نفسه، ص 452
[10] 'Dharma is a Sanskrit expression of the widest import. There is no corresponding word in any other language. It would. also be futile to attempt to give any definition of the word. It can only be explained. It has a wide variety of meanings. A few of them would enable us to understand the range of that expression. For instance, the word 'Dharma' is used to mean Justice, what is right in a given circumstance, moral values of life, pious obligations of individuals, righteous conduct in every sphere of activity, being helpful to other living beings, giving charity to individuals in need of it or to a public cause or alms to the needy, natural qualities or characteristics or properties of living beings and things, duty and law as also constitutional law.
M. Rama Jois, Dharma the global ethic, Pendjab, Bharatiya Vidya Bhavan, 1997, p 5
[11] البيروني، المصدر السابق، ص 452
[12] سليم، شاكر، قاموس الأنثروبولوجيا، ط1، الكويت، جامعة الكويت، 1981، ص ص 337-338
[13] البيروني، المصدر السابق، ص 453
[14] البيروني، المصدر نفسه، ص 453
Weber, Max, The religion of India: The sociology of Hinduism and Buddhism, the United [15] State of America, the free press, 1958, p 58.
[16] البيروني، المصدر السابق، ص 453
[17] البيروني، المصدر نفسه، ص 454
[18] البيروني، المصدر نفسه، ص 454
[19] «Brahmanical activities consisted of sacrifice and instruction. Brahmans wereeconomically bound so rigidly and visibly by etiquette that they could not use their personal services to earn their livelihoods in the manner of a vocation. The Brahman accepted only gifts, not pay. The giving of gifts brought evil enchantement; moreover, his magical power enabled the Brahman to avenge severely the denial of gifts by curses or intentional ritualistic errors in the performance of the sacrifice. Bringing misfortune to the lord of the sacrifice.»
Weber, Max, The religion of India: the sociology of Hinduism and Buddhism, p 60
[20] البيروني، المصدر السابق، ص 454
[21] البيروني، المصدر نفسه، ص 454
[22] البيروني، المصدر نفسه، ص455
[23] البيروني، المصدر نفسه، ص455
[24] الموكشـا Moksa: هو مصطلح يُستخدم في الديانات والفلسفة الهنديّة، ويعني الانعتاق أو التحرّر أو الإطلاق ويرى الأنثروبولوجيّ كيدار ناث تيواري Kedar Nath Tiwari (1936-1967) أن الحياة في الهندوسيّة لا تُعطى لها أهمية كبرى، وأنّ الموكشا هي أعلى الدرجات في سلّم الحياة الهندوسي ويصل إلى تعريف محدّد لها، فالموكشا في نظره هي حالة من الهدوء يعيشها الفرد في فسيح الجنة والنعيم، وهي بمثابة الحدّ من كل المعاناة والألم التي هي مسكن أبديّ في القرب إلى الله. يُنظر في:
Tiwari, Kedar Nath, Classical Indian Ethical thought (a philosophical study of hindu, Jaina and Baudha morals), Delhi, first edition, 1998, p 159
[25] البيروني، المصدر السابق، ص 78
[26] البيروني، المصدر السابق، ص 79
[27] البيروني، المصدر نفسه، ص 78
[28] البيروني، المصدر نفسه.
[29] إدوارد، لوس، على الرغم من الآلهة: النهوض الغريب للهند الحديثة، تعريب معين الإمام، ط1، المملكة العربية السعودية، العبيكان للنشر، 2009، ص ص119- 120
[30] البيروني، المصدر السابق، ص ص 76-77
[31] البيروني، المصدر السابق، ص 457
[32] يتبع طبقة الشودر المنبوذة
[33] البيروني، المصدر السابق، ص 458
[34] البيروني، المصدر نفسه، ص 78
[35] البيروني، المصدر السابق، ص ص 470-471
[36] البيروني، المصدر نفسه، ص ص 474-475
[37] البيروني، المصدر نفسه، ص 475
[38] لويس دومون Louis Dumont: هو أنثروبولوجيّ فرنسيّ ولد في سالونيك (اليونان) عام 1911، تابع دروسه في باريس وبالتّحديد في معهد الإثنولوجيا. مهتم بالفنون والتقاليد الشعبيّة والدراسات الدينيّة (المسيحيّة-الهندوسيّة). تعلّم اللّغة السنسكريتيّة وسافر إلى جنوب الهند عام 1948، فقدّمت له أبحاثه الميدانيّة لدى شعب "برامالاي كالار" المادة الأساسيّة لتحضير أطروحة دكتوراه دولة حول طائفة من جنوب الهند عام 1957، وكان متابعا لأبحاث عن القرابة والنسب في الهند.
يُنظر فيه: بيار، بونت & ميشال، ايزال، معجم الإثنولوجيا والأنثروبولوجيا، ترجمة دكتور مصباح الصمد، ط2، بيروت، لبنان، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع "مجد"، 2011، ص 480
[39] لويس، دومون، مقالات في الفردانيّة: منظور أنثروبولوجي للأيديولوجية الحديثة، ترجمة بدر الدين عردوكي، ط1، بيروت، المنظمة العربية للترجمة، 2006، ص 48
[40] كان كارل غوستاف يونغ (1857-1961) C.G.Jung قد استعار هذا المصطلح الّذي استخدمه الفلاسفة في العصور الوسطى للدلالة على المبدأ الّذي يجعل موجودا يتميّز من كل الموجودات الأخرى من النوع نفسه ليميز تحقيق المرء ذاته. وينمو الموجود الإنساني حسب يونغ نموّا بطيئا بالتمايز السيكولوجي البيولوجي التدريجي وينتهي إلى أن يصبح موجودا مركبا متناغما ذا قرار حر مستقل ويتكلم يونغ على تحقيق الذات بوصفها كيانا يشمل الشعور واللاّ شعور على عكس الأنانية. فالفردانية هي صيرورة المرء فردا، هي الخاصية الصميمية الفريدة والنهائية التي لا تضاهي بلوغ المرء ذاته.
يُنظر في:
C.G, Jung, Two essays on analytical psychology, second edition, translated by R.F.C.Hull, London, Routledge, 1966, p173-174.
[41] إكرام، عدنني، سيسيولوجيا الدين والسياسة عند ماكس فيبر، ط1، بيروت، منتدى المعارف، 2013، ص ص 223-224
[42] البيروني، المصدر نفسه، ص ص 458-459
[43] البيروني، المصدر نفسه، ص 19