طوفان الأنثروبوسين: مقالة في النقد الإيكولوجيّ
فئة : مقالات
طوفان الأنثروبوسين: مقالة في النقد الإيكولوجيّ
مُلخّص:
تُمارس هذه الورقة نقدًا إيكولوجيًّا غير مُجَرَّب بعد في فضائنا العربيّ – الإسلاميّ؛ وذلك من خلال الإصغاء إلى النُّذُر المروّعة الأخيرة عن نهاية حقبة الهولوسين ودخولنا في عصر الأنثروبوسين. وبناءً على افتراض أنّ النقد الإيكولوجيّ لم يتحوّل بعد إلى مبحث من المباحث النقديّة المعاصرة لفلسفة الدين لدينا على الأخصّ. لذا شرع هذا المقال في استشكال عائقَيْن ميتافيزيقيَّيْن – ثيولوجيَّيْن أمام التفكير الإيكولوجيّ المأمول. يتجسّد العائق الأوّل في مفهوم العناية الإلهيّة في اللاهوت الطبيعيّ؛ والثاني في فكرة التسخير الإلهيّ المُدعَّمة بأنطولوجيا الخَلْق التوحيديّة.
"أٌناشِدُكم أن تظلّوا أوفياء للأرض يا إخوتي؛ وألّا تصدّقوا أولئك الذين يحدّثونكم عن آمال فوقـ - أرضيّة! مُعِدّوا سُموم أولئك، سواء أكانوا يعلمون ذلك أو لا يعلمون. مُستخفّون بالحياة هم، مُحتَضَرون ومُتسمِّمون بدورهم، مَلَّتْهُم الحياة: فليرحلوا إذًا!
لقد مضى زمنٌ كان فيه الإثم تجاه الله أكبر الآثام، لكنّ الله مات، وبهذا مات أيضًا كلّ أولئك الآثمين.
أن يأثم امرؤٌ في حقّ الأرض ويمنح أحشاء ما لا يُدرِكه عقل ولا نظر تقديرًا أكثر من المعنى الذي في الأرض، فذلك هو أفظع آيات الكُفر الآن!".
فريدريش نيتشه Friedrich Nietzsche
"لم تٌصبح الأرض أرضًا – وطنًا لنا بعد!"
إدغار موران Edgar Morin
توطئة:
لا يحتاج التفكير الإيكولوجيّ المعاصر اليوم إلى أكثر من سماع دويّ إنذار شذرة، كان الفيلسوف الألماني فالتر بنيامين Walter Benjamin (1892 – 1940) قد سوَّد بها بعض أطروحاته في نقد المفهوم الأنواريّ للتقدُّم؛ يقول: "الكارثة هي التقدّم، والتقدّم هو الكارثة، وإنّما الكارثة هي متّصل التاريخ"[1]. لا شكّ أنّ بنيامين ينقض إيديولوجيا التقدّم التي أفرزت هيمنةً تقنيّةً قصوى على المحيط الحيويّ لكوكب الأرض بأسره. ولذلك، فهو يؤسّس مفهوم التقدّم على فكرة الكارثة؛ "فأنْ – يكتب بنيامين – تواصل وتيرة الأشياء مُجرياتها على النحو الحاليّ، إنّما ذلك لهو الكارثة (...) إنّ ذلك هو ما تعنيه فكرة شتريندبرغ Strindberg عن أنّ جهنّم ليست بالمرّة ما ينتظرنا، بل هي بالأحرى حياتنا هذه"[2]. وها نحن ذا على شفير أتون جهنّم التقدّم التي تؤجّجها سيرورة التدمير البشريّ للأنظمة البيئيّة المسؤولة بشكل رئيس عن جعل كوكبنا موئلًا وحيدًا – حتى هذه اللحظة – قابلًا للحياة.
إنّ أزمة التقدّم التي استشرفها بنيامين مرَدُّها إلى المفهوم الأداتيّ – الحِسابيّ – الكمّي للعقل الذي بوَّأ الإنسان سيّدًا ومالكًا للطبيعة. الهيمنة هي نموذج ذلك العقل ومصيره في هيمنته على الطبيعة والإنسان كليهما. وحيث تخضع الطبيعة للاستعمال الأداتيّ من قِبَل البريريّة التقدُّميّة، فهي تسعى من جهتها إلى الانتقام من هذا الإخضاع [3]. تبدو لنا استعارة انتقام الطبيعة ذات الشكل الإحيائيّ - الأنثروبومورفيّ anthropomorphism تكثيفًا دراميًّا ضروريًّا للنُّذُر التي يتّفق عليها علماء البيئة اليوم، ومفادُها أنّ مستقبلنا البيئيّ يتّجه نحو الكارثة [4]. معظمنا لا يدرك بعد خطورة اللحظة الاستثنائية التي نُشارِفُها. فـ "الحالة الراهنة تُنْذِرُ بتهديد وجوديّ، وهو مسار أوسع نطاقًا من مسار الأسلحة الذريّة"[5]. علينا أن نأخذ جديًّا فكرة أنّ كتابة "تاريخ مستقبلنا"[6] – بحسب عبارة ويليام فوغت William Vogt في كتابه الطريق نحو البقاء Road to Survival – هي في عُهدة الإيكولوجيّين هذه المرّة. هذا المستقبل لا يحتاج البتّة إلى ذوي التفاؤل الكسول.
أكثر من أيّ وقت مضى صار التفكير الجذريّ في مصير مستقبلنا الحيويّ مدعوًّا إلى أن يصبح "تفكيرًا كارثيًّا Catastrophic Thinking"[7]؛ كما جاء في عنوان أحد كتب مؤرّخ العلم الأمريكيّ ديفيد سيبكوسكي David Sepkoski. وتتعمّق لدينا الضرورة الراهنة لهذا الضرب من التفكير بتدبُّر الأطروحة الفلسفيّة القائلة إنّه لأوّل مرّة – وبالتحديد منذ القرن التاسع عشر – صار الإيمان بالمستقبل لا ينفصل عن الشعور بالذهاب نحو الهاوية. إنّنا بحاجة إلى أن نصبح – كما علَّم نيتشه وكيركيغارد – "أساتذة في تقريظ الوعي المُظلِم بالعصر؛ أي الوعي بحالة الخطر"[8].
ما معنى أن نفكّر – في مصيرنا الإيكولوجيّ – كارثيًّا؟ وإذا كانت أزمتنا البيئيّة المتفاقمة لا تعود جذورها إلى عصر الثورة الصناعيّة، وما تلا ذلك من هيمنة تقنيّة على الكوكب فحسب، بل هي تعود – كما سنناقش – إلى جذور لاهوتيّة – ميتافيزيقيّة؛ فما هي، إذن، العلاقة بين البربريّة البيئيّة الحالية والمعتقدات اللاهوتيّة (التوحيديّة خاصّةً)؟ كيف يكون تفاؤلنا البيئيّ الكسول سليلًا لمنظور لاهوتيّ – ميتافيزيقيّ قلّما نسائله؟ هناك تفاؤل لاهوتيّ – ميتافيزيقيّ متأهّب دومًا لطمس الوعي بحالة الخطر البيئيّ الذي يهدّد مركبتنا الفضائيّة – الأرض بأن تصبح سفينة تيتانيك Titanic أخرى؛ بحسب عبارة مرعبة للفيلسوف إدغار موران Edgar Morin[9]. لن يتهيّأ لنا تفكير جذريّ في الفلسفة الإيكولوجيّة دون الجهر بأنّ أزمة المحيط الحيويّ – الكوكبيّ ليست ربيبة العقل الحداثويّ – التقنيّ – الأداتيّ – الحسابيّ فحسب، بل هي تضرب بجذورها في عمق التصوّر التوحيديّ – الإبراهيميّ والميتافيزيقيّ على السواء. ومن هنا يتعيَّن علينا الوقوف على الكُنْه اللاهوتيّ – التوحيديّ للعقل الحداثويّ، وهذا ما سوف نستشكله في هذه الورقة.
أ- الكوارثيّة الانقراضيّة تدحض العِنائيّة الميتافيزيقيّة:
من المفاهيم اللاهوتيّة المتورّطة في تأخّر لا بل تقهقر وعينا بالخطر البيئيّ المُحدِق؛ المفهوم العِنائيّ – الربوبيّ في اللاهوت الطبيعيّ. بحسب مؤرّخ العلم ديفيد سيبكوسكي الرائد في دراسات علم الانقراض Extinction الجديد يتعرّض كوكبنا لفقدان هائل للتنوّع الحيويّ، والحقيقة هي أنّ "فقدان التنوّع البيولوجيّ الحاليّ يساهم في الانقراض الجماعيّ السادس"[10]؛ فقد وقعت إذن – بحسب العلماء الإيكولوجيّين – خمسة أحداث انقراض رئيسة منذ تطوّر الحيوانات المعقّدة؛ أي منذ أكثر من خمسمائة مليون سنة[11]، وها نحن اليوم لسنا شاهدين فقط على واحد من أندر الأحداث في تاريخ الحياة، بل نحن أيضًا صانعوه[12]. والسمة الوحيدة التي تميّز حدث الانقراض السادس – الجاري حاليًّا أمام أعيننا – هي أنّ مُسبِّبَه الرئيس تغيير البشريّة للمشهد البيئيّ[13]. ولكن – ويا للمفارقة! – فإنّ الإنسان المصنّع – العاقل قد لا يكون فقط العامل المسبّب للانقراض السادس ولكنّه يعرّض نفسه أيضًا لخطر أن يكون إحدى ضحاياه [14]. أصبح من المؤكّد الارتفاع غير المسبوق لمعدّلات الانقراض؛ فما كان يُفقَد من الأنواع على مدى ملايين السنين في ماضينا الجيولوجيّ صار يُفقَد في حاضرنا الجيولوجيّ في غضون عقود[15]. وهذا ما أدّى إلى ظهور فكرة التسارع العظيم في التغيّر البيئيّ؛ أي في الارتفاع المفاجئ في حجم تأثير الإنسان على البيئة منذ عام 1945[16]؛ فعندما يتغيّر العالم على نحو أسرع من قدرة الأنواع على التكيّف مع تلك التغييرات، فإنّ كثيرًا من الأنواع يستسلم وينقرض[17]. ومن ثم، يمكن أن تصل حالات الانقراض السنويّة إلى عشرات الآلاف من الأنواع[18].
إنّ جنسنا البشري يوشك أن يتسبّب بمفرده في أسوأ انقراض جماعيّ منذ 65 مليون سنة[19]؛ أي منذ كارثة ارتطام كويكب من الفضاء الخارجيّ بكوكب الأرض، وقد "شملت تداعيات هذا الحدث الانقراض التامّ لنحو 70 في المئة من جميع الأنواع الحيّة على الأرض؛ بما في ذلك الديناصورات"[20]. لذلك انبرى الإيكولوجيّون يطوّرون إطارًا جديدًا لفهم تأثير البشر على بيئتهم، حيث "يمكن فهم البشر – الحيوان العاقل/ المجنون – بوصفهم عوامل للتغيّر البيئيّ العالميّ، ربّما، على قدم المساواة مع القوى الجيولوجيّة أو الفلكيّة الآتية من خارج الكوكب"[21]. لا بل إنّ دفع الأنواع الأخرى نحو الانقراض – في ظلّ هذا العنف البيئيّ البشريّ المنشأ – يبيّن أنّ البشر الحاليّون يُمعِنون في قطع فرع الشجرة الذي يجثمون عليه[22].
إذا كانت حالات الانقراض الجماعيّ سمة مُنتظِمة لتاريخ الحياة[23]، وإذا كان مُرجَّحًا أنّ الحياة قد شهدت ما لا يقلّ عن عشرين حدث انقراض رئيس على مدى النصف مليار سنة الماضية [24]، وإذا كان الاضطراب لا التوازن هو الخاصيّة الأساسيّة للأنظمة البيئيّة[25]؛ فإنّه يترتَّب على ذلك ضرورة انبثاق فهم/ تفسير جديد لتاريخ الحياة يؤكّد على الاعتباطيّة الأساسيّة فيه؛ وهو ما يعني رفض تصوّر أنّ التاريخ يتقدّم نحو نماذج أفضل من أيّ وقت مضى[26]. الآن أصبح بإمكاننا أن نستوعب الظروف والأسباب اللاهوتيّة التي دفعت بعض علماء الطبيعة – في أواخر القرن الثامن عشر – إلى إنكار إمكانيّة الانقراض الجماعيّ للأنواع، بشكلٍ غير قابل للاسترداد، على أسس من علم اللاهوت العِنائي (أو لاهوت العناية الإلهيّة Divine Providence) في الغالب. ولم يبدأ العلماء في تقبُّل الانقراض كسمة أكثر عموميّة لتاريخ الحياة إلا بحلول منتصف القرن التاسع عشر. إذ "كان من المعتقد على نطاق واسع أنّ الطبيعة تحافظ على توازن ثابت، حيث دائمًا ما يُوازَن فقدان أيّ نوع بعينه بنفس القدر عن طريق ظهور نوع جديد في مكان آخر"[27]. وفي المقابل، ساهمت دراسات علم الانقراض والأحافير Paleontology، والجيولوجيا في إسكات استحضار فكرة قدرة الطبيعة على أن تجدّد نفسها إلى ما لا نهاية[28]. من الصحيح أنه يمكننا ان نحاول إبطاء وتيرة الانقراض، لكن لا يمكننا استعادة ما فقدناه! يقول سيبكوسكي في هذا الصدد: "ليس هناك سبيل للرجوع إلى الوراء؛ فالنهر سيأخذنا إلى الأمام، سواء أحببنا ذلك أم لا"[29]، حتى إنه ليس بمقدور التطوّرات التكنولوجيّة سوى تأجيل ما لا مفرّ منه[30]!
وهكذا، فقد حالت مفاهيم ميتافيزيقيّة – لاهوتيّة، ضاربة في القِدم، دون التفكير بشكل كارثيّ في مصيرنا الإيكولوجيّ، لا بل لا تزال – تلك المفاهيم – حائلًا بيننا وبين وعي بيئيّ بالخطر إلى يومنا هذا. عند أفلاطون وأرسطو، ثم لدى الأبيقوريّين والرواقيّين، كما عند أوغسطين وتوما الأكويني، تكرّس الاعتقاد بأنّ توازن الطبيعة الثابت هو سمة متأصّلة في العالم؛ وذلك اعتمادًا على مفاهيم مثل: الوَفْرة Plentitude الأفلاطوني – الأرسطيّ، والكرم الإلهيّ Divine Beneficence المسيحيّ؛ فـ "الطبيعة محفوظة في حالة مثاليةّ، وعندما يحدث تغيُّر ما فإنّه سيكون متوازنًا بدقّة بحيث تحافظ يد الله الخيّرة على تلك الحالة"[31]. وقد بلغ هذا المنظور اللاهوتيّ ذروته في القرن السابع عشر في تقليد علم اللاهوت الفيزيائي Physico-Theology؛ وكان الافتراض المحوريّ لهذا التقليد هو أنّ "أفعال الله العقلانيّة تضمن بشدّة أن تظلّ الطبيعة في حالة دائمة من الكمال، وتحقيقًا لهذه الغاية صُمِّمَ كلّ كائن حيّ ليؤدّي دورًا محدّدًا في اقتصاد طبيعيّ متوازن"[32]. مثّلت محاولات دمج مفهوم اقتصاد الطبيعة The Economy of Nature مع المفهوم المسيحيّ للعناية الإلهيّة خلفيّة كلّ الكتابات الأوروبيّة طوال القرن الثامن وأوائل القرن التاسع عشر.
لا يخفى أيضًا أنّ مفهوم الاطّراد أو مبدأ الوتيرة الواحدة Uniformitarianism كانت له اليد الطولى في تدعيم منظور اللاهوت العنائيّ؛ فالنموذج الاطّراديّ (على العكس من النموذج الكوارثيّ الفُجائيّ الاعتباطيّ اللاتدرُّجي لخطاب الانقراض) يعكس الانتشار المهيب للقوانين الطبيعيّة التي تتجسّد بأفضل صورة في رؤية نيوتنيّة وربوبيّة deistic للعالم[33]. شكّل مبدأ الاطّراد في علم الجيولوجيا الحديث توأمًا مفاهيميًّا مناسبًا للمعتقدات اللاهوتيّة للعصر الفيكتوريّ[34] – الربوبيّ – النيوتنيّ[35]. "كان التوازن المضبوط للاطّراد مريحًا أكثر لعلماء الطبيعة المؤمنين بلاهوت ربّانيّ يحكم فيه الله في الكون بموجب قوانين طبيعيّة ثابتة"[36].
ب- الأنثروبوسين بوصفه الطور الأقصى من الإنسان التوحيديّ:
بما أنّ تاريخ الحياة لم يعد يُشكّل تطوّرًا منتظمًا مستقيمًا، يتحتّم علينا في عصر انتشار السلاح النوويّ، وتردّي المحيط الحيويّ، أن نفهم أنّنا قد أصبحنا – بحسب إدغار موران – نشكّل إزاء أنفسنا مشكلة حياة و/أو موت. إنّ المسألة الإيكولوجيّة اليوم ليست مشكلة معرفة فحسب، بل هي مشكلة مصير[37]! ولهذا "أصبح المصير من الآن فصاعدًا إشكاليًّا وسيبقى هكذا إلى الأبد"[38]! لا يُصاحب علماء البيئة اليوم في تفكيرهم الإيكولوجيّ الجديد سوى مفاهيم: الكارثة، والأزمة، والتغيّر الفجائيّ؛ أي الخروج من الاعتقاد بالتغيّر التدريجيّ للمناخ، وقد أظهرت علوم الأرض مجتمعةً أنّ التنبُّؤ بالمناخ المستقبليّ بات أمرًا معقّدًا، وديناميكيًّا، وغير خَطيّ تمامًا[39].
في ضوء ذلك، لم يكن تحذير ووليس إس. بروكر Wallace S. Broecker – أستاذ العلوم البيئيّة والأرض بجامعة كولومبيا في نيويورك – في العام 1987 بأنّنا نلعب الروليت الروسيّ مع المناخ، ويُخشى أن توجد رصّاصات غير مُتوقَّعة مُخبَّأة في حُجرة بندقيّة المستقبل! سوى جزءًا من تحوّل عميق وشامل في التفكير البيئيّ الذي طالعنا بمفاجأة المناخ غير السارّة[40]. ولكنّ المفاجأة لم تنتهِ عند حدّ أزمة التغيُّر العالمي للمناخ، ففي العام 2009 نُشِرت ورقة بحثيّة بالغة الأهميّة والخطورة للعالم السويديّ يوهان روكستروم Johan Rockström وفريق من زملائه الباحثين من مركز ستوكهولم للمرونة Stockholm Resilience Center. وسرعان ما اكتسبت هذه الورقة أهميّة كبيرة في مناقشات التغيّر العالمي للمناخ، وسُمّيت بورقة "الحدود الكوكبيّة: مساحة عمل آمنة للبشرية بشأن نظام الأرض Planetary Boundaries: Exploring the safe operating space for humanity". الحدود الكوكبيّة هي فكرة مؤدّاها أنّ نظام الأرض يملك حواجز حماية مدمجة، أو حدودًا لا يجب تجاوزها لئلّا ينقلب نظام الأرض من وضعيّة استقراره الهولوسيني[41] وبذلك لن يبقى آمنًا للبشرية[42]. بدأ علماء الإيكولوجيا في منتصف القرن العشرين يدركون هشاشة النظم الإيكولوجيّة وترابطها [43]. ولكنّ هذا الإدراك أخذ يتعمّق بشكل أفضل في أطروحة الحدود الكوكبيّة. ومن المؤسف أنّنا قد تركنا العصر الهولوسيني وراءنا، وقد أعلن العلماء مؤخّرًا عن انقراض الهولوسين[44]؛ فالتغيّرات التي يسبّبها الإنسان في جوانب متعدّدة من أنظمة الأرض حملت عالم كيمياء الغلاف الجويّ الحائز جائزة نوبل بول كراتزن Paul Crutzen على التصريح بأنّنا لم نعد في عصر الهولوسين على الإطلاق[45]. نحن أمام احتمال زعزعة استقرار كوكب الأرض[46] وتراجع كبير في قدرته على التنمية البشرية كما عهدناها في العصر الهولوسيني الذي مكَّن المجتمعات الزراعيّة من الظهور والازدهار.
لا تهدف فكرة الحدود الكوكبيّة التأكيد على محدودية موارد الأرض التي تستنفدها مجمل الأنشطة البشرية وحسب، بل يُقصَد من ورائها بيان أنّ هناك حدودًا لحجم التأثير البشري الذي تستطيع أنظمة الأرض امتصاصه قبل أن تتعرّض وظائفها لتدهور كارثيّ. وقد مثَّل هذا خروجًا على وجهات النظر القديمة عن التلوّث والحدود، التي كانت تركّز إمّا على الضرر المحلّي وإمّا على شحّ الموارد. أمّا الآن، فقد أصبح التركيز على القدرة الاستيعابيّة، أو المرونة، في وجه اضطراب النظم واسع النطاق[47]. وقد قوَّم العلماء هذه الحدود في تسعة مجالات جرى بالفعل تجاوز أربعة منها، وما زلنا مندفعين في تجاوز الحدود الخمسة المتبقّية منها[48].
أفضى الوعيّ بكارثة نهاية عصر الهولوسين إلى إعلان أنّنا قد دخلنا عصر الأنثروبوسين Anthropocene؛ أي عصر الإنسان في القرن الحادي والعشرين. وإلى هذه اللحظة دارت – وما زالت تدور – مناقشات مُتَغايرة حول توقيت بداية الأنثروبوسين؛ فالبعض يحدّد بداية الزمن الجيولوجيّ الأنثروبوسيني مع اندلاع الثورة الصناعيّة؛ أو حتى نشوب التجارب النوويّة. إذن، بدأ الأنثروبوسين منذ بدء الحداثة التكنولوجيّة التي بلغت أوجها مع تفجير الطاقة الذريّة منذ منتصف القرن العشرين. "بينما دعا آخرون إلى بداية مبكّرة، مثل انتشار الامبراطوريّات السلاليّة في أوروبا، وآسيا، والأمريكيّتين منذ حوالي ألفَيْ سنة إلى ثلاثة آلاف سنة، أو حتى ظهور المجتمعات الزراعيّة قبل ستّة آلاف سنة (وفي هذه الحالة سيحلّ عصر الأنثروبوسين محلّ الهولوسين عمليًّا)"[49]. تُعزّز وجهة النظر هذه فكرة أنّ سيادة الأنثروبوسين ما كانت لتتمّ بدون انتشار المعتقدات التوحيديّة التي تشدّد على المركزية الإنسيّة، ومن ثمّ أفضليّة الأنثروبوس على سائر الطبيعة.
تتّسم أهميّة الأنثروبوسين الحاسمة في كونها اعتراف بحدوث تحوّل عميق في العلاقة بين البشر وبقيّة الطبيعة؛ فقد ظلّ الجنس البشريّ يمثّل قوّة جيولوجيّة رئيسة لآلاف وربّما ملايين السنين، وآن الأوان لإعادة توجيه جذريّ للعلاقة التي اعتاد البشر وجودها بينهم وبين بقيّة الطبيعة. "إنّ الفجوة المألوفة بين البشر والعالم الطبيعيّ لم تعد مفيدة أو دقيقة. [من هذا المنظور] ترمز فكرة الأنثروبوسين إلى حالة جديدة من الوعي بديمومة التدخّل البشريّ في العالم الطبيعيّ، وهي تبلور مجموعة من المخاوف والطموحات الجديدة وتلك الموجودة مسبقًا فيما يتعلّق بالتغيّر المناخيّ، والحفاظ على التنوُّع البيولوجيّ، والهندسة الجيولوجيّة، والتكنولوجيا الحيويّة، والتوسّع السكاني البشريّ، والعدالة البيئيّة والاقتصاديّة، ومستقبل البشرية على كوكب الأرض أو حتى فيما وراءه"[50].
كانت فكرة مركزيّة العامل البشريّ في تغيير الجغرافيا والبيئة وراء اقتراح تسمية الأنثروبوسين كعصر جيولوجيّ جديد؛ فهو عصر تتمتّع فيه أفعالنا بالأهميّة نفسها التي تتمتّع بها أي قوّة أخرى في إحداث التغيّر العالميّ[51]. إنّ فكرة الأنثروبوسين هي إدانة صريحة لـ "أولئك الذين حوَّلوا تاريخ الكوكب إلى تاريخ خاص بهم، أو عملوا في الواقع على إبراز لحظة في التاريخ البشريّ [11 ألف سنة من نصف مليار سنة ماضية بحسب السجلّ الجيولوجيّ The Geological Record] كأنّها تنطوي على أهميّة جيولوجيّة [قصوى لا مثيل لها]. فالأنثروبوسين نقاشٌ علميّ – ثقافي مفادُه أنّ التأثير البشريّ، وآثار ذلك التأثير، قد أدَّت إلى تغيير نظام الأرض على نحو لا رجعة فيه، وستستمرّ في ذلك سواء بقينا نحن البشر موجودين أو لا"[52].
ربّما النظرة الأكثر قتامة – في هذا الشأن – هي النظرة التي ترى أنّ الأنثروبوسين هو اللحظة النهائيّة للبشريّة، والتي تمثّل تتويجًا لغطرستنا الجماعيّة؛ ممّا سيسبّب انقلابًا كبيرًا في هيمنتنا على الكوكب، إن لم يكن انقراض جنسنا البشريّ[53]. إذا ما أخذنا فكرة الأنثروبوسين على مأخذ الجدّ، فمن الممكن أن توفّر حافزًا للتحرّر من الميل النرجسيّ (الذي غذّته روافد ميتافيزيقيّة – توحيدية/ لاهوتيّة – حداثويّة) لاعتبار أنفسنا منفصلين عن بقيّة الطبيعة[54]، ثمّ أسيادًا ومالكين عليها! من بين السمات المميّزة لعصر الأنثروبوسين هو أنّه استجابة لتجربة العيش في كارثة! لم يعد الإحساس بالعيش في ما بعد نهاية العالم مجرّد خيال سينمائيّ[55]؛ "لا يشير الاحترار العالميّ وفقدان التنوّع البيولوجيّ إلى كارثة مُتخيّلة. إنّها – كما كتب سيبكوسكي – الكارثة وقد حدثت بالفعل. لا يوجد شيء مجازيّ عن آلاف حالات انقراض الأنواع أو ذوبان القمم الجليديّة التي تحدث سنويًّا[56]!
وصف المدير العلميّ لمشروع مانهاتن Manhattan Project (1942 -1946)[57] جي. روبرت أوبنهايمر J.R.Oppenheimer مشاعره في ذلك الوقت: "كنّا نعلم أنّ العالم لن يكون كما كان من قبل"[58]. وعليه، فالمستقبل – هو أيضًا – لن يعود كما كان، لا سيما حينما تباشر في الظهور "أغوار مستقبل يعود فيه ماضي ما قبل الإنسان إلى الظهور في مستقبل ما بعد الانسان"[59]! تولّد ذلك الشعور القَلِق عند كثيرين – عقب أوّل تفجير لقنبلة نوويّة، فقد كان حدثًا غير مسبوق لدرجة أنّ بعض العلماء جازفوا – على طريقة المقامرين – بأخذ رهانات مروّعة حول ما إذا كان ذلك سيؤدّي إلى تفاعل كارثيّ متسلسل من شأنه أن يحرق الغلاف الجوّي بأكمله! علينا أن نعاين لحظة ذلك الاختبار على أنّه تتويج لمسيرة الأنثروبوسين على طريق إبادة نفسه!
يمكن اعتبار الفيلم الملحميّ Oppenheimer (2023) للمخرج العبقريّ الأمريكيّ كريستوفر نولان Christopher Nolan محطّة فريدة ومُلهمة تعينُنا على فتح إمكانات التفكير الكارثيّ في مستقبل ربّما سيتخلّى عنّا! والآن، أطروحتنا تقول: كما مثّلتْ القنبلة The Atomic Bomb ذروة غطرسة عصر الأنثروبوسين؛ فإنّ الأنثروبوسين يمثّل بدوره ذروة الفكرة اللاهوتيّة عن تسخير العوالم للإنسان! يستوقفنا بشدّة – في هذا المقام – مشهد يسأل فيه ليزلي غروفس Leslie Groves (شخصيّة Matt Damon في الفيلم) المدير الأمنيّ لمشروع مانهاتن روبرت أوبنهايمر (شخصيّة Cillian Murphy في الفيلم) عن التسمية التي ستُطلَق على مشروع الاختبار، فيجيب: "الثالوث الأقدس The Trinity"؛[60] لذلك فالتأمّل الفلسفيّ القائل إنّ الاستيلاء/ التصرّف التقنيّ اللامحدود على موارد الكون هو سيرورة دَنيَوة/ علمَنة secularisation لأطروحة الخلق من عدم creation ex nihilo، والتسخير الإلهيّ للموجودات تحت إِمْرة آدم المخلوق على صورة الربّ؛ القنبلة إذن، هي الطور الأقصى لأطروحة التسخير في اللاهوت التوحيديّ اللا-إيكولوجيّ!
لن يوقظنا من سُبات دوغمائيّتنا الإيكولوجيّة مواصلة انتقاد تأثير عصر التصنيع – في جميع مراحله منذ اختراع أوّل مُحرّك بُخاريّ حتى يومنا الرقميّ هذا – على الهلاك البيئيّ الذي نعيشه وحسب، بل لا بدّ من اجتراح سبيل فلسفيّ أكثر جذريّة من ذلك. وربّما تتمثّل هذه الجذريّة في الإقرار بأنّ مسار معاداة البيئة لم يبدأ من التقنيّة؛ بل – بحسب استبصارات هيدغريّة نافذة – من ماهيّتها. ويتأوَّل هيدغر ماهيّة التقنيّة بوصفها تكرارًا جوهريًّا لأنطولوجيا الخلق من عدم الثيولوجيّة[61] التوحيديّة، فالتقنيّة هي علميّة وثيولوجيّة، وعليه تنبثق معاداة البيئة من مسيرة طويلة الأمد في الإفساد الثيولوجيّ للبيئة. وهكذا، يبدو لنا أنّ المرور من الأفق التوحيديّ إلى الأفق الحداثويّ لم يُغيّر براديغم الهيمنة على الطبيعة! ما جرى هو الانتقال من العالَم – الآية بحسب السرد التوحيديّ إلى العالَم – الموضوع بحسب التَمَثُّل الحداثويّ.
يتوضَّح الكٌنه التوحيديّ للحداثة التقنية في نقد الحداثة عند الفيلسوف الألمانيّ مارتن هايدغر Martin Heidegger. "فإنّ المسيحيّة – وفقًا لهايدغر – لمّا كانت قد اعتبرتْ الكائن مخلوقًا للإله؛ أي شيئًا قد تمّ تصوّره مسبقًا تصوُّرًا عقلانيًّا [أي في عقل الإله] سَهُلَ على الفكر اللاحق أن يُصيّر فكرة المسيحيّة فكرةً دنيويّة، وذلك بأن يَحُلّ محلّ الخالق الإلهيّ العقل البشريّ بما هو المُطلَق [الجديد] الذي تنزَّل منزلة الإله. ففكرة الخَلْق هذه كانت أخطر ما أفادَتْ به المسيحيّة [واليهوديّة والإسلام تباعًا] العلم الحديث؛ ذلك أنّه إذا كانت صلة اليونان بالفوزيس physis [الطبيعة] صلةَ: دَعْها تتفتَّح فهي أبديّةٌ ما خلَقَها أحد، فإنّ المسيحيّة أوحتْ بفكرة الخلق؛ أي بالتصوُّر التعقيليّ المسبق الذي ألهم فكرة الحساب والضبط والدقّة. تحصَّل أن المسيحيّة إذن، بتأكيدها أنَّ ما من كائن إلّا وهو كائن مخلوق؛ أي متصوَّرًا تصوّرًا مسبقًا في العقل الإلهيّ، فإنّها جعلت من الأشياء أشياءً بقدر ما تكون مطابقةً لِخَلْقِها تكون حَقَّةً. ولمّا كان العقل الإنسانيّ أيضًا كائنًا مخلوقًا؛ أي مَلَكة وهبَها الله للإنسان، فإنّه كان عليه أن يكون مُطابِقًا لفكرته، وليس ذلك إلّا بتحقيقه [العقل] التطابق بين ما يتصوّره، والشيء الذي يلزمه بدوره أن يكون مطابِقًا للفكرة، ممّا جعل حقيقة المعرفة البشريّة متعلّقة بمطابقة الفكرة الإلهيّة. بهذا، صارت الحقيقة [ثيولوجيًّا] هي مطابقة الشيء المخلوق مع العقل الإلهيّ، وصارت هذه المطابقة هي التي تضمن الحقيقة [حداثويًّا] بما هي المطابقة بين الذهن البشريّ والشيء المخلوق. وكان أن عملت الحداثة على تصيير هذا التصوُّر تصييرًا دنيويًّا، وذلك عبر حذف فكرة الخلق اللاهوتيّة وتعويضها بفكرة النظام [الفيزيو – رياضيّ] الكونيّ، بحيث صار العقل الرياضيّ ناظم الأشياء التي استحالتْ إلى موضوعات. صار المطلوب: أن تتوافق الموضوعات مع معرفتنا بها، وأن تتطابق مع ذاتيّة subjectivité تقوم تِلْقاء العالم وتُصيِّرُه لها موضوعًا"[62].
أصبح واضحًا أنّ بنية كلّ تفسير ميتافيزيقيّ للذات والوجود تتمثَّل في عنصرَيْ: 1- القَبْليّة، و2- التأسيس. وكان المطلب الرئيس، في ميتافيزيقا الذاتيّة عند المحدَثين، تنصيب الإنسان ذاتًا مُؤسِّسَةً تُوضِّعُ الأشياء وتُذوّتُها على أرضيّة الفهم الكلاسيكيّ للحقيقة كتطابق للشيء مع العقل؛ بمعنى أنّ الوجود لا يمكن أن ينعطي إلينا إلّا على أساس مُطابقته لكيفيّة تقبُّلنا له. الخطير هو أن نعاين امتداد القَبْليَّة التعالويّة للذات المؤسِّسة (الخالِقة) إلى النزعة الأنثروبولوجيّة للإنسانويّة الحداثويّة[63] التي نصًّبت الإنسان سيّدًا ومالكًا على الطبيعة بوصفها موضوعًا خاضعًا خضوعًا قَبْليًّا لمقولاته، الأمر الذي دشّن بدء قدرة بشريّة على التدمير اللامحدود لبيئة الأنواع الحيّة. نستخلص مما سبق، أنّ الحداثة لم تستغنِ جذريًّا عن الأنثروبولوجيا الكِتابية؛ بل هي ذهبت بها إلى أقصاها، وفي النهاية نجح التسخير التوحيديّ في علمنة نفسه في الكوجيتو الحداثويّ. ما حدث هو تعويض مركزيّة الإله بمركزيّة الذات. لقد عُوِّضَ الإله المفارِق الحاكم على الأشياء والكون، بالذات المفكِّرة المُزوَّدة بجهاز قَبْليّ سابق على الأشياء وعلى كلّ وعي بها. في ضوء هذا التأويل، علينا التنبيه على الخيط الرفيع الذي تضعه اللغات الغربيّة بين الإخضاع subjection، ومعنى الذات subject[64]؛ التذويت subjectivation هو إخضاع تغيَّر محلّه من إله سيّد إلى ذات (أنانويّة) سيّدة. من أجل ذلك لا يكفي لتنوير إيكولوجيّ جديد الاستنجاد من ويلات الحداثة التقنية بالثيولوجيا التوحيديّة للديانات الإبراهيميّة![65]
خاتمة:
إنّ أهمّ ما يمكننا التوصُّل إليه في نهاية هذا المطاف، في المستوى الأوّل، هو اقتراح النقد الإيكولوجيّ مطرقة جديدة – لم نستلّها بعد – في المبحث النقديّ لفلسفة الدين. أمّا في المستوى الثاني، فقد صار لازمًا ابتكار براديغم إتيقيّ – إيكولوجيّ يُعيد تقييم موقع الجنس البشريّ في الطبيعة، وهو ما يعني مراجعة شرسة لمفهوم المركزيّة البشريّة anthropocentrism الذي بات يتعارض مع "إدراك أنّ البشر ليسوا إلّا نوعًا واحدًا من أنواع كثيرة [وليسوا النوع السيّد عليها والمالك لها]، وأنّ بقاءنا غير مضمون [بخلاص أو عناية إلهية]، وأنّ المسيرة الحتميّة للزمن الجيولوجيّ تتحرّك بوتيرة لا يمكن توقيفها أو الإجابة عنها بسهولة مع مخاوفنا البشريّة"[66]. علينا أن نصارح نرجسيّتنا وجنوننا بحقيقة أنّه إذا كان "من مصلحة البشر إنقاذ الكوكب من أشكال التغيُّر القصوى ذات المنشأ البشريّ، فإنّه من الواضح أنّه ليس من مصالح الكوكب إنقاذ البشريّة"[67].
المصادر والمراجع العربيّة والمُتَرجمة:
ü إدغار موران، النهج. إنسانيّة البشريّة. الهويّة البشريّة، تر. هناء صبحي، هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث (كلمة)، ط 1، أبو ظبي – الإمارات العربيّة المتّحدة، 2009
ü إليزابيث كولبرت، الانقراض السادس: تاريخ لا طبيعيّ، تر. أحمد عبد الله السماحي وفتح الله الشيخ، سلسلة عالم المعرفة (471)، الكويت 2019
ü بول وورد. ليبي روبن. سفوركر سورلن، البيئة: تاريخ الفكرة، تر. سعيد منتاق، ساساة عالم المعرفة (506)، الكويت، مايو – 2023
ü جوناثان آي. إزرايل، التنوير مُتَنازَعًا فيه: الفلسفة والحداثة وانعتاق الإنسان 1670 – 1752، تر. محمد زاهي المغيربي ونجيب الحصادي، هيئة البحرين للثقافة والآثار، ط 1، المنامة، 2020.
ü جوديث بتلر، قلق الجندر: النسويّة وتخريب الهويّة، تر. فتحي المسكيني، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ط 1، بيروت، 2022
ü ديفيد سيبكوسكي، التفكير الكارثي: الانقراض وقيمة التنوّع من داروين إلى الأنثروبوسين، تر. إيهاب عبد الرحيم علي، سلسلة عالم المعرفة (504)، الكويت، مارس – 2023
ü صالح مصباح، مباحث في التنوير موجودًا ومنشودًا: تجرّأ على استعمال عقلك، دار جداول للنشر، بيروت، 2011
ü محمد الشيخ، نقد الحداثة في فكر هايدغر، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، 2008
ü محمد أبو هاشم محجوب، مسالك الابتداء: دراسات هيدغريّة، دار كلمة للنشر والتوزيع، تونس، 2021
ü فتحي المسكيني، "حالة الأزمة في العالم المعاصر وإلى أين يتّجه العالم والإنسان؟"، التفاهم، العدد 68، مسقط – سلطنة عمان، 2020
[1] صالح مصباح، مباحث في التنوير موجودًا ومنشودًا: تجرّأ على استعمال عقلك، دار جداول للنشر والتوزيع، ط 1، بيروت، 2011، ص 169
[2] المرجع نفسه، ص 178
[3] المرجع نفسه، ص 191
[4] إليزابيث كولبرت، الانقراض السادس: تاريخ لا طبيعي، سلسلة عالم المعرفة (471)، تر. أحمد عبد الله السماحي وفتح الله الشيخ، الكويت، 2019، ص 224
[5] بول وورد. ليبي روبن. سفوركر سورلن، البيئة: تاريخ الفكرة، تر. سعيد منتاق، سلسلة عالم المعرفة (506)، الكويت، مايو – 2023، ص 24
[6] المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
[7] ديفيد سيبكوسكي، التفكير الكارثيّ: الانقراض وقيمة التنوّع من داروين إلى الأنثروبوسين، تر. إيهاب عبد الرحيم علي، سلسلة عالم المعرفة (504)، الكويت، مارس – 2023
[8] فتحي المسكيني، "حالة الأزمة في العالم المعاصر وإلى أين يتّجه العالم والإنسان؟"، مجلة التفاهم، العدد 68، سلطنة عمان، 2020، ص 70
[9] إدغار موران، النهج. إنسانيّة البشريّة. الهويّة البشريّة، تر. هناء صبحي، هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث (كلمة)، ط 1، أبو ظبي – الإمارات العربيّة المتحدة، 2009، ص 288
[10] التفكير الكارثي، مرجع سبق ذكره، ص 301
[11] الانقراض السادس، مرجع سبق ذكره، ص 297
[12] المرجع السابق، ص 23
[13] المرجع السابق، ص 298
[14] المرجع السابق، ص 299
[15] التفكير الكارثيّ، ص 304
[16] البيئة، مرجع سبق ذكره، ص 196
[17] الانقراض السادس، ص 297
[18] التفكير الكارثيّ، ص 292
[19] المرجع السابق، ص 253
[20] المرجع السابق، ص 10
[21] المرجع السابق، ص 253
[22] الانقراض السادس، ص 299
[23] التفكير الكارثي، ص 299
[24] المرجع السابق، ص 303
[25] البيئة، ص 126
[26] التفكير الكارثي، ص 233 – 241
[27] المرجع السابق، ص 30 – 32
[28] المرجع السابق، ص 24
[29] المرجع السابق، ص 338
[30] البيئة، ص 72
[31] التفكير الكارثي، ص 30
[32] المرجع السابق، ص 31
[33] المرجع السابق، ص 35
[34] يتوسّع ديفيد سيبكوسكي في فهم مناقشات القرن التاسع عشر بصدد الانقراض إلى ما وراء السياقات الجيولوجيّة والأحفوريّة، حيث شكّلت تلك المناقشات جزءًا من خطاب سياسيّ وثقافيّ في بريطانيا الفيكتوريّة وخارجها؛ إذ "يستحيل تجنّب قراءة مناقشات الانقراض في كتابات داروين وغيره من العلماء الفيكتوريّين في السياق الأوسع للمعتقدات الفيكتوريّة حول المنافسة، والتقدّم الاجتماعيّ، والتسلسل الهرميّ العِرقيّ، والإمبرياليّة". (التفكير الكارثيّ، ص 65) وقد سيطر على تصوّر الانقراض في تلك الحقبة التفاؤل الناتج عن اعتبار الانقراض ضرورة حسنة للحفاظ على اقتصاد مستقرّ للطبيعة؛ ما دامت الطبيعة مصدرًا ذاتيّ التجدّد والانتواع speciation إلى ما لا نهاية؛ وبالتالي لا يتطلّب التنوّع – بجميع أشكاله البيولوجيّة والثقافية – حماية خاصّة. حينما اعتُبرَ التنوّع أمرًا مفروغًا منه، لم يُنظَر إلى الانقراض – خلال القرن التاسع عشر الفيكتوريّ في بريطانيا والولايات المتحدة – باعتباره تهديدًا لاقتصاد الطبيعة المتجدّد ذاتيًّا، "لذلك لم تكن للتنوّع في حدّ ذاته قيمة معياريّة. بدلًا من ذلك، كان الانقراض يُفهَم باعتباره أسلوب الطبيعة لتقوية نفسها وتحسينها عن طريق التخلُّص من غير اللائقين"؛ أي أنّه النتيجة الحتميّة والمنطقيّة للإنتقاء الطبيعيّ. (التفكير الكارثي، ص 97)
[35] علينا أن ننظر إلى النيوتنيّة لا من ناحية علميّة – إبستيمولوجيّة محضة، لا بل علينا – أكثر من ذلك – اعتبارها نسقًا لعلم اللاهوت الطبيعيّ الإنجليزيّ. فوفقًا لمؤرخ فلسفات التنوير جوناثان آي. إزرايل Johnathan I. Israel لم يكن نيوتن موضع احتفاء وتقريظ فيكتوريّ ودوليّ كعملاق علميّ فحسب، بل في واقع الأمر كرئيس نسق قاهر للجميع استطاع في النهاية أن يُخزي ويقضي على كلّ أولئك الفلاسفة والمرتابين المحدَثين الذين يفترضون فكرة إله بلا قدرة، وبلا عناية، ولا يقترح أيّ غاية. وهكذا أسّست النيوتنية نسقًا طبيعيًّا لاهوتيًّا متكاملًا مثّل بالنسبة إلى النيوتنيّين أفضل سبيل إلى إثبات العناية الإلهيّة. هناك إطار لاهوتيّ – فلسفيّ يغلّف علم ديناميكا نيوتن. هذا عدا عن أنّ "نجاح نيوتن في البرهنة على قوانين الجاذبيّة بدا أيضًا دليلًا على تدخّل الله الذي لا يتوقّف في كوننا وسلطانه عليه". (جوناثان آي. إزرايل، التنوير مُتنازَعًا فيه: الفلسفة والحداثة وانعتاق الإنسان 1670 – 1750، تر. محمد زاهي المغيربي ونجيب الحصادي، هيئة البحرين للثقافة والآثار، ط 1، المنامة، 2020، ص 239 – 240 – 249)
[36] التفكير الكارثي، ص 36
[37] النهج، مرجع سبق ذكره، ص 25
[38] المرجع السابق، ص 239
[39] البيئة، ص ص 126 – 127
[40] المرجع السابق، ص 125
[41] الهولوسين أو حقبة الهولوسين Holocene هي التعيين الحاليّ للعصر الجيولوجيّ الذي نعيش فيه. وهي حقبة بدأت في نهاية آخر فترة كبيرة من التجلّد glaciation منذ حوالي 11,500 سنة. (التفكير الكارثيّ، ص 335) وتعدّ هذه الحقبة فترة مميّزة استقرَّت فيها درجة حرارة الكوكب، حيث يتغيّر متوسّط درجة حرارة الأرض بمقدار درجة مئويّة واحدة سواء بالزيادة أو النقصان؛ وذلك طيلة فترة الهولوسين. إنّ درجات الحرارة المستقرّة للعصر الهولوسيني منحتنا كوكبًا مستقرًّا في المواسم والفصول ومنسوب مياه البحار والتنبؤ الطقسي الموثوق، وهو ما جعل نشوء الحضارات الحديثة ممكنًا. إن عالمنا المعاصر كما عهدناه لم يكن ممكنًا لولا العصر الهولوسيني. فالرسم البيانيّ في ورقة الحدود الكوكبيّة يبيّن أنّ تقلُّب درجات الحرارة العالمية، على مدى الـ 100 ألف سنة الماضية، كانت تقفز ما بين 10 درجات مئويّة سواءً من حيث الزيادة أو النقصان في غضون عقد من السنين.
[42] البيئة، ص 189
[43] التفكير الكارثي، ص 23
[44] الانقراض السادس، ص 296
[45] البيئة، ص 202
[46] هذا الإنذار الرهيب أطلقه السويديّ يوهان روكستروم في فيلم وثائقي من إنتاج شبكة نتفلكس Netflix العالميّة في عام 2021 تحت عنوان: Breaking Boundaries: The Science of our planet.
[47] البيئة، ص 188
[48] هذه الحدود التسعة هي: 1- استنفاد أوزون الستراتوسفير Ozone Layer، 2- التدفّقات البيوكيميائية للنيتروجين والفوسفور، 3- استهلاك المياه العذبة Fresh Water، 4- فقدان التنوّع البيولوجيّ Biomes/Biodiversity، 5- تحميل الهباء الجويّ Aerosols، 6- تغيّر المناخ بشريّ المنشأ، 7- تحمّض المحيطات Ocean Acidification، 8- إزالة الغابات الاستوائيّة المطيرة Tropical Rainforest، 9- ذوبان الصفيحة الجليديّة في القطب الشماليّ والقارة القطبيّة الجنوبيّة. (لمزيد من التفصيل شاهد على نتفلكس الفيلم الوثائقي الهامّ Breaking Boundaries للمخرج Jonathan Clay).
[49] التفكير الكارثي، ص 335
[50] المرجع السابق، ص 336
[51] البيئة، ص 202
[52] المرجع السابق، ص 203
[53] التفكير الكارثيّ، ص 337
[54] المرجع السابق، ص 340
[55] وما عوالم Mad Max الحابسة للأنفاس – للمخرج الأسترالي جورج ميلر George Miller – سوى المستقبل المرشّحين له باعتراف يوهان روكستروم الآنف ذكره!
[56] المرجع السابق، ص 338
[57] برنامج تطوير الأبحاث والتجارب الفيزيائيّة المتعلّقة بتصنيع وتجريب أوّل سلاح نوويّ وقتذاك.
[58] المرجع السابق، ص 147
[59] البيئة، ص 218
[60] يُصاحب مشهد The Trinity Test السينمائيّ موسيقى فاوستيّة النّغم للمبدع Ludwig Goranson. موسيقى تتماهى مع هباءات انشطارات العالم الكموميّ Quantum Mechanics ما تحت الذرّي كأنّها صدى عالم يتراقص على وَقْع عُرْس تدميريّ بلا هوادة!
[61] حظي هذا التأويل – التفكيك الهيدغري بتتبُّع موسَّع في دراستنا غير المنشورة المعنونة: نقد العقل الهَوويّ والبدء الآخَر للذات: في تأويل تأويليّة الذات عند فتحي المسكيني، وهي رسالة أُعدَّتْ لنيل شهادة الماستر البحثيّ في الفلسفة العامّة، الجامعة اللبنانيّة – كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة، تحت إشراف د. طوني القهوجيّ، 2022 – 2023، انظر ص 95 – 99
[62] محمد الشيخ، نقد الحداثة في فكر هايدغر، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، 2008، ص 502 – 649
[63] محمد أبو هاشم محجوب، مسالك الابتداء: دراسات هيدغريّة، كلمة للنشر والتوزيع، تونس، 2021، ص ص 63 – 70 – 78 – 112 – 117
[64] جوديث بتلر، قلق الجندر: النسويّة وتخريب الهويّة، تر. فتحي المسكيني، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، ط 1، 2022، ص 18
[65] ستنال إشكاليّة البيئة في الديانات الإبراهيميّة عنايتنا – بشكل مفصًّل وأوسع – في ورقة بحثية قادمة.
[66] التفكير الكارثي، ص 260
[67] البيئة، ص 217