عرض كتاب: "البيان بالقرآن"
فئة : قراءات في كتب
صدر للكاتب الليبي مصطفى كمال المهدوي، وهو متخصص في القضاء، كتابا يتألف من جزئين، بعنوان: "البيان بالقرآن"، صدرت الطبعة الأولى منه عن الدار الجماهيرية، ليبيا، ودار الأفاق الجديدة، البيضاء، سنة 1990، على الرغم من أن المؤلف أنهى عمله هذا سنة 1983 كما هو مبين في خاتمة الكتاب.
ينطلق المؤلف من مسلمة أساسية مفادها أن القرآن يبين ذاته بذاته، وليس في حاجة إلى غيره من نصوص الحديث وغيرها لبيانه؛ فأول ما يقتضيه الإيمان في نظره، هو أن يؤمن المسلم بالكتاب مفصلا من عند الله مكتملا بآياته لقوله تعالى: "وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ" (النحل 89)، وأنه ليس له من تفصيل غير الذي أنزل فيه لقوله تعالى: "وكل شيء فصلناه تفصيلا" (الإسراء 28)، وإنه إنما أنزل بعلم الله سبحانه وتعالى مفسرا ومبينا، ولم يكن لبشر أن يأتي له بتفسير ليس فيه، أو يفسره من تلقائه غير مسترشد بآياته[1] قال تعالى: "ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا" (الفرقان 33).
وتأكيدا لهذا المبدأ، والمثير للجدل في هذا الكتاب، اعترض المؤلف على جمهور العلماء في قولهم بأن السنة مبينة للقرآن؛ فالنظر إلى الروايات والآثار الموصوفة بأنها سنة رسول الله، أمر مردود، لذلك أسقط مفهوم العودة للروايات والآثار في فهم القرآن وبيانه، واستدل على هذا القول بدلالة الكثير من الآيات القرآنية التي أوكلت مهمة البيان للقرآن؛ فهو يرى أنه إذا تدبرنا آياته سنجدها آيات بينات ومبينات، وليست في حاجة إلى بيان قال تعالى: "وكذلك أنزلناه آيات بينات وأن الله يهدي من يريد" (الحج 16) قال تعالى: "لقد أنزلنا آيات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم" (النور 46). وهكذا، فالقرآن آيات بينات وآيات مبينات، الواحدة تكشف عن الأخرى وتفسرها أحسن تفسير وعدا من عند الله وصدقا وعدلا، فلا بيان للقرآن إلا بالقرآن ولا تفسير له إلا به[2]، وكل دعوة لا تستند إلى وحي القرآن، فهي دعوة باطلة.
أما السنة، فهي التي نص عليها القرآن من خلال آياته وسوره التي بينت خلق الرسول وأفعاله وأقواله "فيجب أن نكتفي بذلك ونهجر سواه نزولا عند قوله تعالى: "أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون" (العنكبوت 29).[3] وعليه، فالقرآن أولى من كتب السير والحديث في فهم سنة الرسول وفي تتبع شيمه وخلقه العظيم، فقد قص القرآن علينا ذكاء النبي واستقامته على دين ربه، ونظافته وحسن مظهره، وغير ذلك من جماع وصفه له تبارك وتعالى، إذ يقول: "وإنك لعلى خلق عظيم" (القلم 4).[4]
لا يقبل مصطفى كمال المهدوي، بالقول إن آيات المصحف ينسخ بعضها بعضا، فما دام القرآن يفسر بعضه بعضا، فيستحيل أن ينسخ بعضه البعض الآخر، وحاشا لله أن يأتي بقرآن ينسخ بعضه بعضا، وإنما الناسخ في القرآن والمنسوخ في ما ورد من الآيات من قبل القرآن، لكونه هو الذكر الوحيد الذي يذكر الله به عباده ما نسيه الناس من الآيات؛ فالذكر الحكيم منزه على أن ينسخ أو ينسى.[5] إن المؤلف لا يكتفي برفض مفهوم النسخ كما حدده الأوائل، بل إنه يرفض الأخذ بالكثير من إصلاحات الأصوليين، كالفرض والسنة والمندوب والمكروه وغير ذلك من التقسيمات التي يعتبرها ليست من الدين في شيء، فهي محسوبة عن اجتهادات البشر وتصوراتهم.
إن المؤلف لا يضع ثقته الكاملة إلا في نص القرآن فقط، فهو النص الوحيد المحفوظ بالعناية الربانية، ولا مصدر للدين دونه، وقد اقتضت حكمة الله أن يبينه الرسول ويشرف على ترتيبه، إذ كان يكتب القرآن حين يملى عليه ولم يكن هو الذي يمليه ليكتبه غيره[6]، إذ يخبرنا القرآن بأنه يعرف الكتابة والقراء،ة قال تعالى: "اقرأ باسم ربك الذي خلق" (العلق 1) ويكفي أن يقول الله لرسوله اقرأ ليكون قارئا وكاتبا، ولا يستفاد من قوله تعالى: "وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون" (العنكبوت 48) بأن الرسول لا يعرف الكتابة والقراءة، بل ذلك يعني بأنه غير مشغول بالكتب التي كانت قبل القرآن، أما أميته فتعني بأنه لا ينتمي لأمة كتابية كاليهود والنصارى الذين وصفهم القرآن بأهل الكتاب، فالذين ظهر فيهم محمد كانوا أمة أمية لا كتاب لها.
بعد عرضنا لهذه النقط التي بنى عليها المؤلف منهجه، إليك أهم ما استخلصه المؤلف من أحكام في بيانه للقرآن بالقرآن.
- حج البيت الحرام:
بعد تتبع جل الآيات التي تحدثت عن موضوع الحج من خلال السياق الذي وردت فيه، وبيان بأن الحكمة من الحج هي خلق التعارف بين الناس وتذكيرهم بملة أبيهم إبراهيم الذي بنى البيت، وبيان أهمية ومقام هذا البيت وحرمته، يخلص الكاتب إلى أن الأصل في ميقات الحج يرتبط بالأشهر الحرم الأربعة، قال تعالى: "الحج أشهر معلومات فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج" (البقرة 197)؛ فهذه الآية تدل على أن ميقات الحج ينعقد في أشهر معلومات، وتأكد ذلك بقوله تعالى: "فمن فرض فيهن الحج" بصيغة الجمع، فليس صحيحاً بأن الحج لا يجوز إلا في اليوم التاسع من ذي الحجة بالوقوف في عرفة، مع العلم أن الرسول لم يحج إلا سنة واحدة كما هو معلوم، فلو حج مرة ثانية لاختار وقتا آخر من الأشهر المحرمة المعلومة بدل الوقت الذي حج فيه (ص) حجته الأولى[7]، والحج في هذه الأشهر وصف بأنه الحج الأكبر تمييزا له عن الحج لبيت الله في غير هذه الأشهر.
أما الأشهر الحرم عند المؤلف بما ثبت عنده في القرآن، فهي شوال وذو القعدة وذو الحجة ومحرم، لأن هذه الأشهر لا يمكن إلا أن تكون متواصلة بأيامها ولياليها، غير منقطعة ولا مؤجلة وهو ما يستفاد من معنى السيح في قوله تعالى: "فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ" (التوبة 2) والسيح بمعنى التتابع كسيح الماء وجريانه بدل انقطاعه، في شهر رمضان نمسك عن الأكل والشرب وشهوة البطن والفرج وما تلاه من الأشهر الحرم نمسك فيها عن الظلم والقتال والصيد... فهذه هي الأشهر الحرم لمن شاء أن يفرض الحج ويتم العمرة لله في ميقات يزيد على مئة يوم بعد شهر رمضان رحمة من الله.[8]
وقد بين المؤلف مناسك الحج كما في القرآن، وهي:
1- الطواف بالبيت "وليطوفوا بالبيت العتيق" (الحج 29).
2- مقام إبراهيم "واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى" (البقرة 125).
3- الصفا والمروة "إن الصفا والمروة من شعائر الله" (البقرة 158).
4- الإفاضة من عرفات "فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ" ( البقرة 198).
5- المشعر الحرام "فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ" (البقرة 198).
6- العمرة "وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ" (البقرة 196).
7- البُدن "وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)" (الحج).
8- ذكر الله "فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202)" (البقرة).
9- قص الشعر "وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ" (البقرة 196).
تسعف نصوص القرآن المؤلف في كثير مما ذهب إليه، وإذا نظرنا إلى المشاكل التي يعرفها الحج اليوم على رأسها ازدحام الحجاج؛ فمهما اتسع المكان فلا يمكن بحال أن يتجاوز قدرا معينا ومحدودا من الناس، ففي الوقت الذي يحج فيه العدد الغفير من أنحاء المعمور، يصد فيه العديد من الذين يرغبون في الحج بسبب الازدحام، هذا فضلا عن المشاكل التي يخلقها الازدحام الشديد جدا، وربما أن هذا الحل الذي يستند إلى ما في القرآن سيكون مخرجا للحج في جزء كبير من أزمته.
- الصلاة:
الصلاة من الصلة التي يحدثها العبد مع ربه، كما أن الرحمة هي صلة الله وملائكته بعباده المؤمنين قال تعالى: "هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا" (الأحزاب 43)، وقد فرضت على الأنبياء جميعا كما فرضت على من آمن بهم.
وقد بين القرآن مواقيت الصلاة في قوله تعالى: "فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18)" (الروم 17- 18) إذ إشارة الآية إلى وقت صلوات المساء "فسبحان الله حين تمسون" وبعده قسمت وقت ظهور الشمس إلى ثلاثة أوقات، وهي: الصبح ويبدأ بشروق الشمس وانتشار ضوئها "حين تصبحون" والظهر ويبدأ بانتصاف الشمس في كبد السماء، وهو ما يمكن أن نعبر عنه بلحظة انعدام الظل أو تضاؤله "حين تظهرون" والعصر أو العشي ويبدأ حين تميل الشمس نحو الغروب، ويتساوى ظل الأشياء العمودية بطولها "وعشيا"، وعليه فهناك فرق بين صلاة الصبح، وهي فريضة ارتبط وقتها بعد شروق الشمس، فالمسلمون يصلون الصبح مرتين في السنة في عيد الفطر وفي عيد الأضحى، وبين صلاة الفجر الذي حدد القرآن وقت صلاته بظهور الخيط الأبيض الأول من خيوط الليل السوداء قال تعالى: "كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ" (البقرة 187) وقد بينت الآية "أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)" (الإسراء 78-79) بأن صلاة الفجر تعد من صلوات المساء.
لا يرى المؤلف في القرآن ما يمنع المرأة الحائض من الصيام وإقامة الصلاة قال تعالى: "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ" (البقرة 222) وبهذا، فالمرأة تمنع على زوجها في حالة المحيض حتى تطهر، فالله أمر بطهارة ما ظهر من أبداننا أما ما بطن فقد تولى سبحانه علاجه وتطهيره.[9]
- ذكر الله تبارك وتعالى:
ذكر الله من العبادات الواجبة لله تعالى، وليس من الذكر ترديد أسماء الله وبعض الأدعية أو التسبيح بدون وعي، وإنما الذكر هو الحذر من الغفلة عن الله فهي أم الموبقات وليس كمثلها منزلق إلى المهالك والمعاصي.
إن الذكر عمل ذهني يمارسه المسلم في نفسه، لا يعقد به حلقات ولا يمشي به في مواكب، فهو صلة القلب والروح بالله الخالق المبدع في عبادة متصلة لا يقطعها إلا الموت أو النوم أو غيبوبة من مرض، وكذلك هو عمل عملي من حيث تدبر آيات الله وبحث متصل في شؤون خلقه[10]، كما أن الصلاة تعد من الذكر والحج وتلاوة القرآن والتسبيح والحمد كذلك.
- صوم رمضان:
قال تعالى: "أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ" (البقرة 187) هذه الآية تحدد وقت الصيام بشكل دقيق، إذ يبدأ مع طلوع الفجر وينتهي بظهور الليل "ثم أتموا الصيام إلى الليل" الذي يتميز عن النهار بالظلام، قال تعالى: "وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ" (يس 37)؛ فالنهار ينسلخ من الليل شيئا فشيئا حتى يبدأ الظلام، كما تنسلخ الشاة، ويستمر الليل باستمرار الظلام "فإذا هم مظلمون" فلو أراد الله جل وعلا أن يفطر الصائمون بعد غروب الشمس بقليل لنص عليه بقوله: "فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ" (الانشقاق 16) أو بقوله: "فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ" (ق 39) وهذه آيات تبين الفرق بين الليل وغروب الشمس، فالله أمرنا بإتمام الصيام حتى ظهور خط الظلمة الذي يفصل النهار عن الليل،[11] أما القائلون بالإفطار عند غروب الشمس فقد استندوا على ما رواه بعض الرواة عن الرسول الكريم.
- تعدد الزوجات:
قال تعالى: "وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ، فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا" (النساء 3) هذه الآية تشترط لتعدد الزوجات أن يكون من أجل مصلحة اجتماعية، وهي احتضان اليتامى والقسط بينهم، ومن وقف عند آخر الآية وأهمل بدايتها فيعد كمن وقف عند "لا تقربوا الصلاة".[12]
- أحسن القصص:
قدم المؤلف من خلال هذا المحور قراءة قرآنية للقصص القرآني معتمدا على آيات القرآن فقط،[13] كما أنه بين في محاور أخرى بأن الإنسان يملك الحرية في الاختيار بين الهدى أو الضلالة، وإلى غير ذلك من المحاور والقضايا التي تعرض لها المؤلف في هذا الكتاب.
هذه نماذج لكثير من النتائج التي توصل إليها المؤلف اعتمادا منه على آيات القرآن مفسرة بعضها للبعض الآخر، وليس همه من هذا العمل أن يقدم تفسيرا للقرآن أو بيانا شاملا لكل أحكامه، بل كان مسعاه الوحيد هو أن يقيم الدليل والبرهان على أن القرآن مكتف بذاته ومستغن عن غيره في بيان أحكامه وقضاياه، فالإضافة التي أضافها هذا العمل لحقل الدراسات القرآنية المعاصرة تتجلى في بيان أن تفسير القرآن بالقرآن لا يكتمل إلا بتجاوز آليات علوم القرآن القديمة وكتب مرويات الحديث التي كانت سندا لعامة المفسرين، والاحتكام لسياق الآيات القرآنية.
[1] مصطفى كمال المهدوي، البيان بالقرآن، الدار الجماهيرية، ليبيا، دار الأفاق الجديدة، البيضاء، ط. 1990، ج.1، ص 9
[2] نفسه، ص 25
[3] نفسه، ص 11
[4] نفسه، ص 12
[5] نفسه، ص 12
[6] نفسه، ص 23
[7] نفسه، ص 86
[8] نفسه، ص 88
[9] نفسه، ص 105 وما بعدها.
[10] نفسه، ص 153
[11] نفسه، ص ص 185- 189
[12] نفسه، ص 375
[13] انظر: ج.2، نفس المصدر.