عرض كتاب: "خمسة براهين على وجود الله"

فئة :  قراءات في كتب

عرض كتاب: "خمسة براهين على وجود الله"

عرض كتاب: "خمسة براهين على وجود الله"

كتاب "خمسة براهين على وجود الله Five Proofs of the Existence of God" للفيلسوف إدوارد فسر (Edward Feser) هو عمل فلسفي عميق يستعرض خمسة حجج كلاسيكية وحديثة لإثبات وجود الله. نشر الكتاب في 14 غشت 2014 عن دار Ignatius Press.

يُعدّ فسر من أبرز المدافعين عن الفلسفة المدرسية (Scholastic Philosophy) والفكر الأرسطي-التوماسي في العصر الحديث، ويُظهر هذا الكتاب مهارته في تقديم الحجج الفلسفية المعقدة بأسلوب واضح ومنهجي.

*- نظرة عامة على الكتاب

ينقسم الكتاب إلى قسمين رئيسين:

يستعرض فسر في القسم الأول، خمسة براهين على وجود الله، بعضها مأخوذ من التراث الفلسفي الكلاسيكي، وبعضها الآخر تم تطويره من قبل فلاسفة معاصرين.

وتناول في القسم الثاني الانتقادات الموجهة لفكرة وجود الله، حيث قدّم ردودًا مفصلة على الإلحاد واللاأدرية، مع التركيز على النقد الموجه للفلسفة الطبيعية (Naturalism).

أولا- البراهين الخمسة:

1. برهان أرسطو (العلة الأولى)

الأساس الفلسفي: يعتمد هذا البرهان على مفهوم "العلة الفاعلة "(Efficient Cause) الذي طوره أرسطو. كل شيء في الكون له علة تسببت في وجوده أو حركته.

والحجة أنه إذا كان كل شيء له علة، فلا يمكن أن تكون سلسلة العلل لا نهائية؛ لأن ذلك يؤدي إلى تسلسل غير محدود (infinite regress)، وهو أمر غير معقول فلسفيًّا. لذلك، يجب أن تكون هناك "علة أولى" غير معلولة، وهي التي بدأت سلسلة العلل دون أن تكون هي نفسها بحاجة إلى علة.

والنتيجة أن هذه العلة الأولى هي الله، الذي يوجد بذاته ولا يحتاج إلى علة خارجية.

وأوضح فسر أن هذا البرهان لا يعتمد على الفيزياء الحديثة، بل على الميتافيزيقا، حيث إن العلل الفاعلة هي مبادئ ميتافيزيقية وليست مجرد أسباب فيزيائية.

2. برهان التوما الأكويني (الحركة والتغير)

الأساس الفلسفي: هذا البرهان مستوحى من فلسفة القديس توما الأكويني، الذي استند بدوره إلى أفكار أرسطو حول الحركة والتغير.

والحجة أن كل شيء يتحرك أو يتغير يحتاج إلى محرك خارجي. ولا يمكن أن تكون هناك سلسلة لا نهائية من المحركات؛ لأن ذلك يتطلب وجود محرك أول يبدأ الحركة دون أن يكون هو نفسه بحاجة إلى محرك.

والنتيجة: المحرك الأول هو الله، الذي يحرك الكون دون أن يكون بحاجة إلى محرك خارجي.

لقد ربط فسر هذا البرهان بمفاهيم الفيزياء الحديثة، مثل قوانين الحركة لنيوتن، وجادل أن هذه القوانين لا تفسر سبب وجود الحركة في المقام الأول، بل فقط كيفية عملها.

3. برهان الأفلوطينية (الواحد والمتعدد)

الأساس الفلسفي: يعتمد هذا البرهان على الفلسفة الأفلاطونية المحدثة (Neoplatonism)، خاصة أفكار أفلوطين حول "الواحد "(The One).

والحجة هي أن الكون يتكون من أشياء متعددة، ولكن هذه الكثرة تحتاج إلى مبدأ واحد موحد لوجودها. ومن دون هذا المبدأ الموحد، سيكون الكون فوضى غير قابلة للتفسير.

والنتيجة هي أن هذا المبدأ الموحد هو الله، الذي يوحد الكون ويجعله قابلًا للفهم.

لقد وضح فسر أن هذا البرهان يتحدى الفلسفة الطبيعية التي تفترض أن الكون يمكن تفسيره بشكل كامل من خلال المادة والطاقة دون الحاجة إلى مبدأ موحد.

4. برهان العقلانية (وجود القوانين العقلانية)

الأساس الفلسفي: يعتمد هذا البرهان على وجود قوانين عقلانية تحكم الكون، مثل قوانين الرياضيات والمنطق.

والحجة هي أن هذه القوانين العقلانية لا يمكن أن تكون نتاجًا للصدفة أو المادة وحدها؛ لأنها تتطلب وجود عقل أعلى يضعها، ويضمن استمراريتها.

والنتيجة هي أن هذا العقل الأعلى هو الله، الذي خلق القوانين العقلانية التي تحكم الكون.

وقد ناقش فسر كيف أن هذا البرهان يتحدى الفلسفة الطبيعية، التي تفشل في تفسير وجود قوانين عقلانية في كون مادي بحت.

5. برهان الغائية (التصميم الذكي)

الأساس الفلسفي: يعتمد هذا البرهان على فكرة أن الكون يظهر علامات واضحة على التصميم والغائية، مثل تعقيد الحياة ودقة قوانين الفيزياء.

والحجة هي أن هذا التصميم لا يمكن أن يكون نتاجاً للصدفة أو العمليات الطبيعية العشوائية، بل يشير إلى مصمم ذكي.

والنتيجة هي هذا المصمم الذكي هو الله، الذي صمم الكون بشكل هادف.

لذلك، ردّ فسر على الانتقادات الشائعة ضد فكرة التصميم الذكي، وأوضح أن هذا البرهان لا يعتمد على "فجوات" في المعرفة العلمية، بل على الأدلة الفلسفية والعلمية القوية.

- القسم الثاني: الرد على الانتقادات

تناول فسر في هذا القسم، الانتقادات الموجهة لفكرة وجود الله، خاصة تلك التي تأتي من الفلسفة الطبيعية والإلحاد. وهو يقسم هذا القسم إلى عدة أجزاء رئيسة:

1. نقد الفلسفة الطبيعية

جادل فسر بأن الفلسفة الطبيعية (Naturalism) تفشل في تقديم تفسير كافٍ لوجود الكون والقوانين التي تحكمه. فالفلسفة الطبيعية تعتمد على افتراض أن كل شيء يمكن تفسيره من خلال المادة والطاقة، ولكن هذا الافتراض غير مدعوم بأدلة كافية. وأضاف فسر أن الفلسفة الطبيعية لا تستطيع تفسير وجود القوانين العقلانية (مثل قوانين الرياضيات والمنطق) أو الغائية في الكون.

2. الرد على فكرة "إله الفجوات "(God of the Gaps)

ناقش فسر فكرة أن الإيمان بالله يعتمد على "فجوات" في المعرفة العلمية، وأوضح أن البراهين التي قدمها لا تعتمد على الجهل بالعمليات الطبيعية، بل على المبادئ الميتافيزيقية العميقة. ثم جادل بأن الإيمان بالله ليس هروبًا من التفسير العلمي، بل اعتراف بوجود مبادئ أعمق تحكم الكون.

3. نقد الإلحاد واللاأدرية

تناول فسر الحجج الإلحادية الشائعة، مثل مشكلة الشر (Problem of Evil) وحجة عدم وجود أدلة كافية على وجود الله. وجادل بأن هذه الحجج تفشل في مواجهة البراهين الفلسفية القوية التي قدمها في القسم الأول من الكتاب.

4. الدفاع عن الميتافيزيقا

أكد فسر على أهمية الميتافيزيقا في فهم الكون ووجود الله، وجادل بأن الفلسفة الطبيعية تهمل الأسئلة الميتافيزيقية الأساسية، مثل سبب وجود الكون وطبيعة القوانين التي تحكمه. لذلك، دعا إلى عودة الفلسفة المدرسية (Scholastic Philosophy) كإطار لفهم الكون ووجود الله.

الخلاصة

كتاب "Five Proofs of the Existence of God" هو عمل فلسفي عميق وشامل يجمع بين الحجج الكلاسيكية والحديثة لإثبات وجود الله. إدوارد فسر قدّم حججًا قوية ومنظمة، مع ردود مفصلة على الانتقادات الشائعة.

ويُعد الكتاب قيمة مضافة لأي شخص مهتم بفلسفة الدين، الميتافيزيقا، أو النقاش بين الإيمان والإلحاد.