علاقة علماء الدين الدمشقيين بالسلطة: (تحولاتها وأبرز أنموذجاتها وآثارها)
فئة : أبحاث محكمة
ملخص:
يمكن عد النهج الإصلاحي لا الثوري في العلاقة مع السلطة ديدن من سموا بـ "الأعيان"، ومن أهم عناصر هذه الفئة علماء الدين، وقد صبغ هذا النهج الإصلاحي سلوك العلماء عبر المراحل المختلفة منذ نهاية الحقبة العثمانية، مرورًا بفترة الانتداب، وصولًا إلى حكم البعث.
ولكن الباحث إذ ينطلق من هذه الفرضية التي تثبتها الوقائع التاريخية، لا يجد بدًّا من الاعتراف أن هذا النهج الإصلاحي لم يكن ليتخذ نفس الشكل لدى مختلف الجماعات التي مثلت علماء الدين، فلم تكن جماعة الشيخ حسن حبنكة الميداني مسرفة في هذا النهج، وإنما أظهرت بعض التمرد في بعض المراحل، وأن المواجهة العنيفة بين الإسلاميين والنظام في فترات معينة، والتي بلغت ذروتها إبان أحداث الثمانينيات لم تعدم جذورها في النهج التثقيفي الذي اتبعته بعض الجماعات الدينية مثل جماعة زيد.
كما أن البحث ينطلق من فرضية أخرى فحواها: أن ما سمي بـ "التيار السلفي" وجد ظلالًا له في أواخر الحقبة العثمانية، ولكنه خلف تيارًا سلفيًا لا يشبهه إلا في الاسم والعنوان العريض، بينما يغفل حرص سلفه على الانفتاح على العصر، وتركيزه على فكرة العروبة ومحورية الشعوب العربية بالنسبة إلى محيطها الإسلامي.
ويفترض الباحث كذلك، أن العلماء الذين نسج النظام صلاته معهم بعد هزيمته للإخوان المسلمين، وتمكنه من إحكام قبضته على كل مفاصل الدولة والمجتمع في سورية قد لعبوا دورًا ذا حصيلة سلبية تمثل في تحالف بين بعض هؤلاء العلماء من جهة، وبين التجار والسلطة من جهة أخرى، شوش مصداقية العلماء التي كانت مصداقية عالية في عهود أسلافهم؛ بسب تغير نوعية شاغلي موقعي التجار والمسؤولين، ولم يكن أثره الإيجابي المتمثل في ما قدمه من خدمات اجتماعية ونشاطات دعوية وعلمية بقادر على التغطية على أثره بالغ السوء المتمثل في التشكيك بنزاهة العلماء، وفي النفع الكبير الذي يقدمه لتجار فاسدين ومسؤولين أكثر فسادًا.
ولعل التخدير الذي مارسه أنموذج من هؤلاء العلماء عبر تقديم فكر مسكون بأخطار كبيرة مغلف بغلاف علمي ليس أقل أثرًا مما سبق، فدغدغة عواطف الناس عبر دعوى الإعجاز العلمي لتسكين عقد نقص شعوب مهزومة ومسبوقة بأشواط في ركب الحضارة لهو أمر عظيم الخطر.
وتغليب تنظيم صوفي معين نهج التصالح مع النظام مقابل تحقيق أهداف دعوية يرنو إليها مؤسسو هذا التنظيم لم يكن ليستطيع تحقيق التوازن مع التخريب الذي كان النظام يمعن في إحداثه في جسد المجتمع لأسباب عدة ليس آخرها أنه تنظيم يرجح فيه جانب الغاية على جانب الوسيلة حسب التصنيف الذي وضعه جوردن وبابكوك للتنظيمات عادين تنظيمات الغاية معنية بتحقيق مصالح أفرادها بالدرجة الأولى. أما تنظيمات الوسيلة، فهي التي تصبو إلى إحداث تغيير في شريحة من المجتمع كهدف أساسي.
ولعل الجذر الإطلاقي الذي أريد له أن يهيمن على العقل والوجدان الجمعيين في سورية عبر فتح المنافذ الإعلامية لحملته ترافق مع تقديم إسلام أممي حمل عبء تكريسه عالمان غير عربيين لا يقيمان وزنًا لفكرة العروبة، وهو ما يفترض الباحث أنه يبعث على الشك في إرادة مقصودة أو على الأقل في الوصول إلى نتيجة مرغوبة من طرف نظام الاستبداد من دون قصد، وخصوصًا أنه من المفروغ منه أن هذا النظام قد عمد إلى تفريغ شعاراته القومية من محتواها كسياسة ممنهجة ومقصودة.
وكان تقديم تأصيل شرعي للنظام على يد هذين العالمين، والذي اتخذ شكلًا منهجيًا لدى أحدهما خدمة غير مسبوقة قدمت له، نظن أنها مثلت بالنسبة إليه غاية بعيدة المنال لم يتوقع أن تقدم له بهذه الصورة التي تستر كل قبحه بمنطق فقهي انتقائي ومفارق للواقع.
للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا
