فرج الحوار: سبيل التسامح الإسلاميّ الخيار العلماني
فئة : حوارات
التعريف بفرج الحوار:
من مواليد حمام سوسة لسنة 1954، من خريجي دار المعلمين العليا بتونس لسنة 1978 في اختصاص اللغة والآداب الفرنسيّة.
أنجز أطروحة دكتوراه حول "إشكاليّة الرّغبة في كتابات جورج باتاي"، وبحثًا مطوّلاً في الجنسانيّة في التّراثين الفرنسيّ والعربيّ الإسلاميّ، وله اهتمامات بتحقيق التّراث.
كتب الرّواية باللّغتين العربيّة والفرنسيّة، والقصّة والشّعر باللّغة الفرنسيّة، وأصدر، بداية من سنة 1985، العديد من الرّوايات والدّواوين، أوّلها رواية "الموت والبحر والجرذ" (سلسلة عيون المعاصرة، بتقديم الأستاذ عبد الفتاح إبراهم)، وآخرها "طقوس اللّيل، الجيل الثّاني"، عن دار الجمل بألمانيا سنة 2007.
نال جائزة أبي القاسم الشّابي عن رواية "المؤامرة" سنة 1992، وجائزة الكومار الثانية عن روايته باللغة الفرنسيّة، الموسومة بـ Ainsi parlait San-Antonio
له رواية تحت النشر بعنوان "حدّثني الفينيق" (سلسلة عيون المعاصرة، بتقديم الأستاذ عبد الفتاح إبراهيم).
صدر له عن دار الجمل، في مجال تحقيق التّراث: "القاموس الجنسي"، وهو الفصل الثّاني من كتاب "الوشاح في فوائد النّكاح" لجلال الدّين السّيوطي (2005)، و"الكناية والتّعريض" لأبي منصور الثّعالبي (سنة 2007)، و"أخبار أبي نواس" لأبي هفّان المهزميّ (2012).
أنس الطريقي: المعلوم أنّ الأساس الأوّل للمنظومات الثقافيّة والاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة، تصوّر للإنسان أو نظريّة في الإنسان، سواء كانت هذه النظريّة واعية بذاتها أو غير واعية، ربّما يمكن اعتماد اللّيبراليّة أنموذجًا لذلك، فهذه اعتمدت على مفهوم للإنسان طوّره ميل، وهوبس، ولوك بين كثيرين. والأمر يجري بالصورة نفسها في فكرنا الإسلاميّ. بوصفكم روائيًّا، هل للرواية دور في ذلك أي في تكوين هذا التصوّر للإنسان أو تعديله بما أنّها في جوهرها تحليل للتجربة الإنسانيّة؟ وهل فكّرتم في هذا الأمر وأنتم تكتبون رواياتكم؟
فرج الحوار: الهاجس الإبداعيّ يخضع بصورة أساسيّة لاعتبارات جماليّة، ولكنّ ذلك لا يعني بالضّرورة أّنّه مقطوع الصّلة بالمناخ الفكريّ لزمانه، فهو، عن وعي أو عن غير وعي منه بذلك، انعكاس للأسئلة الحارقة الّتي تؤرّق الوعي الجماعيّ في محيطه. وحضور هذه القضايا في الأثر الأدبيّ رهن بثقافة الكاتب، والرّوائيّ بصورة خاصّة. والثّقافة في نظري لا تشمل المعرفة المدوّنة فحسب، بل تتعداها إلى كلّ مجالات الحياة العمليّة، بما في ذلك العقائد والفلكلور. ولقد انصبّ اهتمامي باعتباري روائيًّا، في كلّ الرّوايات الّتي نشرتها باللّغتين العربيّة والفرنسيّة (وعددها 16 أثرًا) إلى حدّ اليوم، على قضيّة مركزيّة بالنّسبة إليّ تتعلّق بمكانة العربيّ في عالم اليوم، وتتفرّع إلى إشكالات فكريّة (الفكر الغيبيّ وتعبيراته الأسطوريّة والإعجازيّة)، وسياسيّة (الاستبداد السّياسيّ)، وثقافيّة (علاقة العربيّ بمحيطه، والغربيّ منه بصورة خاصّة).
أنس الطريقي: ما وضع الذات في نظركم في العالم العربيّ الإسلاميّ، هل هي ذات بمضمون إيجابيّ قادر على الإبداع أم أنّها ذات معطّلة كما يردّد الكثيرون؟
فرج الحوار: الذّات العربيّة الإسلاميّة اليوم هي، على حدّ تعبير المفكّر الإيرانيّ داريوش شايغان، ذات مبتورة لأنّها تشكو من انفصام خطير يتمثّل في عجزها عن تمثّل مستلزمات الزّمن الرّاهن وإكراهاته التّاريخيّة. ونتيجة لذلك تحيا الذّات العربيّة الإسلاميّة حالة من النّكوص يتجلّى بصورة أساسيّة في النّزعات الماضويّة - أو التّراثويّة - يفصح عنها الإسلام السّياسيّ في شتّى تمظهراته. ولعلّ استشراء "التّأسلم"، وجنوحه إلى التّجذّر والتّطرّف، بعد ما اصطلح على تسميته بالرّبيع العربيّ، هو المظهر الأبرز لهذه الأزمة الحضاريّة العميقة. إنّ اقتران الثّورة في وعي الفرد والجماعة باعتبارات دينيّة، واختزالها، كما هو الحال اليوم في تونس، في مطالب لاهوتيّة متهافتة لدليل على أنّ "الرّبيع العربيّ" المزعوم هو تكرار لتجربة "الثّورة الإسلاميّة" في إيران. وقد عبّر المفكّر الإيراني عن هذا الانفصام الخطير في حينه في كتابيه "ما الثّورة الدينيّة؟"، و"الأصنام الذّهنية والذّاكرة الأزليّة". نخلص ممّا تقدّم أنّ الذّات العربيّة الإسلاميّة ستظلّ سجينة هذا المأزق الحضاريّ الخانق طالما لم توفّق في التّخلّص من غولي "الهويّة" و"المقدّس"، أي طالما لم تنخرط في السّيرورة التّاريخيّة الّتي تعقلن علاقتها بالماضي وتجعل من الفعل والإرادة محوري الوجود، في بعده المادّيّ المغيّب حاليّاً.
أنس الطريقي: إن بقينا في إطار موضوع الذاتيّة، ما هو المصدر الأساسيّ للذاتيّة العربيّة الإسلاميّة، وهل توافقون على اعتباره الدين الإسلاميّ؟
فرج الحوار: ما من شكّ في أنّ الدّين الإسلاميّ هو رافد أساسيّ للذّات العربيّة الإسلاميّة، ولكنّه لا يمكن أن يعتبر المقوّم الوحيد لها. والدّليل على ذلك أنّ العامل الدّينيّ - الّذي يجعل منه الإسلام السّياسيّ عاملاً وحدويًّا مكتفيًا بذاته - لم يوفّق في لمّ شتات المسلمين حتّى في الأقطار الّتي تنتمي، نظريًّا على الأقلّ، إلى العرق العربيّ. إنّ الاعتبارات الوطنيّة الضّيّقة، أو ما يمكن أن نسمّيه الخصوصيّات القطريّة، هي المحدّدة اليوم في وعي الذّات العربيّة الإسلامية بذاتها. ولا يجب أن ننسى كذلك أنّ الإسلام هو في واقعه التّاريخيّ إسلامات كثيرة، وأنّ الفوارق بينها حادّة إلى حدّ يستحيل معه التّوفيق بينها. يتبيّن ممّا تقدّم أنّ الإسلام لا يمكن أن يكون القاعدة الّتي يقوم عليها وعي الذّات العربيّة الإسلاميّة بنفسها. ونحن نعتقد أنّ استقرار هذه الذّات وتصالحها مع ذاتها ومحيطها لن يكون ممكنًا إلاّ إذا تخلّصت من غلبة العامل الدّينيّ عليها. وهذا يعني بعبارة أوضح أنّ اللاّئكيّة هي المعبر الضّروريّ إلى الحداثة، أمّا الدّين الإسلامي، في ثوبه الإسلامويّ، فلن يفضي، كما هو الحال اليوم، إلاّ إلى أشكال من التديّن المتوحّش ممثّلاً في مختلف التكتّلات الدّاعشيّة.
أنس الطريقي: هل هذا المصدر الدينيّ بشكله الحالي قادر على التمكين من أساس لذات مبدعة قادرة؟
التديّن، في صورته الرّاهنة، يمكن أن يكون ملهمًا للذّات المبدعة، كما يمكن أن يكون كابحًا لها، وذلك لأنّ الإبداع هو في جوهره اختيار فرديّ نابع، كما أسلفت، من اعتبارات تتعلّق بشخصيّة المبدع وثقافته. ولعلّ حادثة "العبدليّة" هي خير دليل على العلاقة المتشنّجة بين الإبداع "والتّقوى" كشكل من أشكال التّديّن السّياسيّ القائم على مبدأ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر. والمنكر هنا هو الفنّ في شتّى تعبيراته. في مثل هذه الظّروف تصبح الممارسة الفنيّة شكلاً من أشكال الخطيئة، اختزلها المشرّع الإسلاموي في مبدأ النّيل من المقدّس، أملاً في ضرب مبدأ الحريّة - وحريّة التصوّر والتّساؤل أساسًا - الّتي ينهض عليها الفعل الإبداعيّ، بما في ذلك الفلسفيّ منه. إنّ هذا الكرّ والفرّ بين النّزعة التسلّطيّة، الكامنة في كلّ فكر دينيّ، وبين التّوق إلى الحريّة، الّتي يفصح عنها الإبداع، هي صورة من الصّراع الأزليّ بين القديم والجديد، أي بين الحياة والموت.
أنس الطريقي: إذا ربطنا بين كلامنا عن الذاتيّة، وموضوع الندوة التي شاركتم فيها (الإسلام في مرآة الآخر: الصور والتمثّلات، تنظيم قسم الدراسات الدينيّة، مؤمنون بلا حدود)، أي النظرة المرآويّة التي تشير إلى عمليّة تفحّص للذات بالانفصال عنها، هل تعتقدون أنّ النظر إلى أنفسنا من خلال الآخر مفيد لنا في تبيّن صورتنا؟
فرج الحوار: النّظر إلى أنفسنا في مرآة الآخر أمر مفيد وحاسم لنتخلّص من النّرجسيّة الكامنة في تصوّرنا لأنفسنا. فالآخر لا يعكس بالضّرورة في مرآتنا الصّورة الّتي نعتقد أنّها صورتنا، بل إنّه يقوم بالعكس تمامًا، فيضعنا أمام صورة لنا على غاية من التّشويه والقبح، ولكنّها لا تخلو من واقعيّة، ولو رفضنا الإقرار بذلك. فإذا أضفنا إلى ذلك أنّ تمثّل الآخر لنا يعكس، في مظهر منه، تصوّرنا نحن لهذا "الآخر"، فإنّه لا بدّ من الإقرار عندئذ أنّنا يجب أن نتخلّى ضرورة عن دور "الضحيّة"، وأن نقوم بنقد ذاتيّ لعلاقتنا المشوّهة بهذا الآخر. ونشير في هذا الإطار إلى أنّنا كثيرًا ما ندين، على سبيل المثال، نظريّة التّسامح الغربيّة ومحدوديتها، متجاهلين عن سابق قصد وإصرار، أنّ هذه النّظريّة هي نتيجة طبيعيّة لتطوّر المجتمعات الغربيّة ذاتها، وهي ردود ظرفيّة على إشكالات تاريخيّة محدّدة، كما هو الحال مع فولتير مثلاً في رسالته عن التّسامح الّتي كتبها تعليقًا على قضيّة "كالاس" الشّهيرة. قد يكون من المفيد أن نتذكّر أنّ المجتمعات تنجز قيمها بنفسها، وفقًا لحاجياتها، ولا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن تعيش عالة على قيم الغير. والمأمول اليوم هو أن نجعل من التّسامح قيمة فاعلة في علاقاتنا بأنفسنا وبالآخر، فليس من المعقول البتّة أن نطالب بالتّمتّع بنعم القيم الدّيمقراطية اللاّئكيّة في أوربّا ونحرم منها، بدعوى الخصوصيّة الحضاريّة (كما هو الحال في العربيّة السّعوديّة) في أقطارنا، أنفسنا وغيرنا على حدّ السّواء.
أنس الطريقي: إذا كانت هذه الصورة تمثّلاً، ألا يحتمل هذا أن يحرّفنا عن فهم أنفسنا؟
فرج الحوار: أعتقد أنّ العكس هو الصّواب، فتمثّل الآخر لنا، ولو كان خاطئًا، سيكون حافزًا لنا على تمثّل أخطائنا وانحرافاتنا، فضلاً عن أنّ هذا التمثّل المشوّه سيمكّننا من الرّدّ عليه بما يسمح بتصويب نظرة الآخر لنا.
أنس الطريقي: المعلوم أنّ أهمّ منهج نمارسه الآن في مختلف شعب العلوم الإنسانيّة هو تفحّص الذات وتفكيكها بتفكيك ذاكرتها أي تراثها، هذا ما فعله الفكر الغربيّ، وانتقده فيه هيدغير خاصّة، وهو يجري في فكرنا العربيّ المعاصر بالانكباب على دراسة التراث، هل ترون من هذه الزاوية أنّ الرواية أنجع في تفكيك هذه الذاتيّة، بما أنّها تهتمّ بالهامشي واليوميّ، وفي النهاية لأنّها تشتغل على اللّغة وتفكّك بواسطتها عالم التجربة أو تصنعه؟
فرج الحوار: ما من شكّ في أنّ تفحّص الذّات أمر مهمّ جدًّا في الحقل المعرفيّ اليوم. وعلى الرغم من تنوّع أساليب أشكال هذا البحث وتوزّعه على عدد من العلوم الإنسانيّة، فإنّ للأدب فيه إسهامًا مميّزًا، مردّه إلى أنّه يركّز على ما تهمله العلوم الإنسانيّة لأنّه لا يقع في مجالات اختصاصها. من هذا المنظور تلعب الرّواية دورًا مهمًّا في تناول الذّات وإلقاء الضّوء على غوامضها انطلاقًا من تجارب فرديّة مميّزة تبيّن التّناقض الحادّ بين النّظريّ والواقعيّ، خاصّة عندما تركّز الرّواية على الهامشيّ. وتجدر الإشارة بهذا الخصوص إلى أنّ الرّواية العربيّة تفتقر اليوم إلى التّنوع الأجناسيّ والموضوعي لاعتبارات تاريخية يطول شرحها، فتكاد لا تخرج، إلاّ في النّادر القليل، من دائرة "الرّواية الاجتماعيّة". وهذا ما يفسّر غياب الرّواية البوليسيّة والعجائبيّة والإيروسيّة، وغيره.
أنس الطريقي: تحدّثتم في مداخلتكم في ندوة الإسلام في مرآة الآخر عن بيار بايل الذي رفع بعض التهم الملصقة بالنبيّ في المخيّلة الغربيّة، وهذا يرتبط في نظرنا بمفهومه للتسامح الذي كان أوسع من مفهوم جون لوك، لأنّه لم يضع حدًّا للتسامح مع الآخر قاعًا دينيًّا أدنى لا يمكن التنازل دونه، بل نظر إلى الإنسان المعرّى من المضاف الدينيّ، ألا يفيدنا هذا الموقف في استنتاج درس اللاّئيكيّة من بايل، وهي تلقى هجمة قويّة في الفترة الرّاهنة من قبل الإسلامويّين؟
فرج الحوار: من الطّبيعيّ جدًّا أن يشوّه الإسلامويّون اللاّئيكيّة لأنّ في مبادئها ما هو كفيل بالقضاء على وجودهم. وهذا ما يفسّر رفضهم الكامل لمبدأ حرية الضّمير والمعتقد، أو تلكّؤهم في القبول به حقًّا دستوريًّا. وذريعتهم في ذلك أنّ "العلمانيّة" هي عدوّة الإيمان الدّيني، وهي بصفتها هذه تبشير بالإلحاد. هذه المعضلة بالذات هي الّتي عالجها بيار بال في عدد من مؤلّفاته، مبيّنًا أنّ الأخلاق الاجتماعية يمكن أن تقوم على قاعدة غير دينيّة، وأنّ الفضيلة ليست مقصورة على المتديّنين، بل لعلّها أصدق عند غيرهم منها عندهم لأنّها لا تقوم لديهم على مبدأ المصلحة. وقد رأينا عيانًا في تونس حدود "التّسامح" الإسلامويّ بمناسبة قضيّة العبدليّة، وبصورة أخصّ في قضيّة الصّحفيّ الّذي حكم عليه بالسّجن لمدّة سبع سنوات بسبب "إلحاده"، وتلكّأ الرّئيس المؤقّت الحقوقيّ في إطلاق سراحه، زاعمًا أنّه إنّما أدخل السّجن حفاظًا على حياته. هذه الحادثة، وغيرها من القضايا المماثلة في مصر وغيرها، تدلّ بما لا يدع مجالاً للشكّ أنّ الإسلام السّياسيّ، بغضّ النّظر عن نصيبه من الاعتدال والتّطرّف، لا يقبل - ولن يقبل أبدًا - بمبدأ التّسامح إلاّ مرغمًا كما هو الحال في تونس مع حركة النّهضة. والاعتدال الحقيقيّ - إن جاز الحديث عن الاعتدال مقرونًا بالدين - يتمثّل، في نظري، في القبول باعتبار الدّين شأنًا شخصيًّا بحتًا، والتّخلّي تبعًا لذلك عن مزج الدّين بالسّياسة، وهو ما يؤول في النّهاية إلى التّخلّي عن المبدأ الإسلامويّ القائل بأنّ الإسلام دين ودولة.
أنس الطريقي: لو قيّمتم الوضع الدينيّ في تونس، من جهة مآله المتوقّع، ماذا ترون في أفقه، هل ثمّ ما يوحي بتطوّر ممكن في المستقبل، في اتّجاه الحدّ من الأرتودوكسيّة الدينيّة؟
فرج الحوار: الخروج من سجن الأرتودكسيّة الدّينيّة لن يكون متاحًا إلاّ في إطار عامّ يشمل كلّ العالم الإسلامي، وهو أمر لا أراه ممكنًا في المستقبل المنظور لأسباب كثيرة ومعقّدة تهمّ الموقع الاستراتيجيّ للعالم العربيّ الإسلاميّ، وتتعلّق برهانات اقتصاديّة وإيديولوجيّة ذات أبعاد دوليّة. والدّليل على ذلك ما نعاينه يوميًّا من صمت الغرب عن السّلفيّة الوهّابيّة، الّتي لا تختلف جوهريًّا عن الجهاديّة الدّاعشيّة، وتغاضيه عن جرائمها البشعة في حقّ بلادها وشعبها، وفي حقّ الشّعوب الإسلاميّة الفقيرة، ومن بينها تونس اليوم. وحقيقة الأمر أنّ الأرتودكسيّة الدّينيّة، كما أشار إلى ذلك الرّوائيّ السّعودي عبد الرحمن منيف، هي إحدى نتائج لعنة النّفط الّتي تحدّث عنها في روايته المطوّلة "مدن الملح". وعليه، فإنّ تراجع الأرتودكسيّة الدّينيّة لن يكون ممكناً عمليًّا إلاّ بعد انقضاء عصر النّفط.