فلسفة الأخلاق التطبيقية كفلسفة أولى؛ حوار مع المفكر المصري بهاء درويش
فئة : حوارات
نادى الفيلسوف الليتواني الأصل الفرنسي الجنسية إيمانويل ليفيناس (1905-1996) بضرورة العودة إلى فلسفة الأخلاق والاهتمام بها وإنزالها منزلة الفلسفة الأولى، وهو الأمر نفسه الذي ينادي به المفكر المصري الدكتور بهاء درويش، والذي قدم العديد من المؤلفات والمقالات في هذا الإطار؛ فإذا كانت الفلسفة الأولى -كما هو معروف- عند أرسطو هي الفلسفة التي تهتم بدراسة الموجودات المفارقة، وتقال عنده في مقابل الفلسفة الثانية، وهي فلسفة الطبيعة. والفلسفة الأولى عند الكندي في "رسالة إلى المعتصم بالله في الفلسفة الأولى"، كما عند ابن سينا في "رسالة في الأجرام السماوية" تعني العلم الإلهي، وهو الأمر الذي لم يختلف في الفلسفة الحديثة عند ديكارت (1596-1650) في كتابه "تأملات في الفلسفة الأولى"، حيث اهتم فيه بالبرهنة على وجود الله وخلود النفس؛ ففي الفلسفة الراهنة وتحت الحاجة الملحة لمبحث الأخلاق بدأ ينعطف الاتجاه من الميتافيزيقا إلى فلسفة الأخلاق، لتعتلي العرش الفلسفي، وتصبح فلسفة الأخلاق هي الفلسفة الأولى.
ومن ثم كان هذا الحوار الذي أجريناه مع الأستاذ الدكتور بهاء درويش أستاذ الفلسفة بكلية الآداب جامعة المنيا -مصر- والخبير لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" في مجال أخلاقيات العلم والتكنولوجيا والمدرب المعتمد لديهم في تدريب معلمي أخلاقيات البيولوجيا. والدكتور بهاء درويش -بالإضافة إلى ما تقدم- هو أحد رموز الفكر العربي الراهن الذي بدأ يطرح اسمه بقوة على الساحة المحلية والإقليمية، بل والعالمية من خلال مؤلفاته ذائعة الصيت، سواء باللغة العربية أو باللغة الإنجليزية، ومن أشهرها باللغة العربية: "ألفرد جولس آير من الوضعية المنطقية إلى التحليل الفلسفي" 1987. "فلسفة نيقولاي هارتمان النظرية" 1996. "فلسفة اللغة عند دونالد دافدسون" 2000. "فلسفة العقل عند دونالد دافيدسون" 2002. "التفسير الطبيعي المعاصر للوعي" 2009. "في الفكر المعاصر(1)" 2018. هذا فضلا عن ترجمته للعديد من الكتب لكبار الفلاسفة، لعل أهمها: كتاب كارل بوبر: "الحياة بأسرها حلول لمشكلات" 1998، وكتاب ألفرد جولس آير: "الفلسفة في القرن العشرين". هذا بالإضافة إلى أكثر من ثلاثين بحثًا ودراسة منشورة بدوريات عربية وأجنبية معظمها في مجال فلسفة الأخلاق؛ ذلك المجال الذي استحوذ على اهتماماته البحثية -بشكل شبه كلي- خاصة في الفترة الأخيرة. هذا إلى جانب عضويته الفعالة في كثير من اللجان والجمعيات العلمية المحلية والعالمية، ومن ثم كان معه هذا الحوار:
غيضان السيد علي: في البداية نرحب بكم على منبر مؤسسة مؤمنون بلا حدود، ونود أن نلقي الضوء على مساركم العلمي والأكاديمي، وعلى أهم بحوثكم ودراساتكم التي تعكس اهتماماتكم بفلسفة الأخلاق.
بهاء درويش: بداية، لا يسعني إلا أن أعبر عن شكري وسعادتي لإجراء هذا الحوار على منبر مؤسسة "مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث"؛ فهي مؤسسة جادة، أتابع نشاطها باستمرار. استطاع القائمون عليها في عدد قليل من السنوات أن يجعلوا منها منبراً تنويرياً يجمع عدداً كبيراً من المفكرين العرب، إن لم يكن أغلبهم، منبراً يفسح لهم المجال لمناقشة القضايا التنويرية للواقع العربي الراهن، ليبرهنوا -وتبرهن معهم المؤسسة- على أن ما قد تفرقه السياسة يمكن للفكر أن يجمعه؛ فمازال القاسم الثقافي المشترك هو ما يجمع أبناء العرب بعضهم ببعض؛ فمهما اختلفت السياسات والمصالح بين الدول العربية، والتي تبدو ظاهرياً أنها قد تفرق العرب، فمازال الهم العربي واحداً، لأن الطموحات مشتركة. ولقد أسعدني نشر بحثين من خلال هذه المؤسسة المستنيرة في عامي 2016، 2017
أما اهتمامي بأخلاقيات العلم والتكنولوجيا، فقد بدأ مع رسالة من هيئة اليونسكو جاءت لقسم الفلسفة 2006 في إحدى الدول العربية التي كنت أعمل بها معاراً للتدريس فيها، تطلب المشاركة بورقة حول مدى ضرورة الاهتمام بتدريس هذا الفرع من فروع الفلسفة الذي بدأ يأخذ حيّزاً من اهتمام اليونسكو، لدرجة أنها تعُد نشر ثقافة أخلاقيات العلم والتكنولوجيا دوراً مهمّاً من أدوارها. شاركت بورقة في هذا الموضوع، في مؤتمر نظمته هيئة اليونسكو في مسقط بدولة عمان ولاقت استحساناً جيّداً، كانت بداية تعاون بيني وبين هيئة اليونسكو منذ ذلك الوقت وحتى الآن. أنا أعد -وفقاً لهم- منذ ذلك الوقت مستشاراً أو خبيراً لهم في هذا المجال. قمت بمراجعات لغوية متخصصة للترجمات العربية لأكثر من كتاب من إصدارات اليونسكو، مثل (أخلاقيات البيئة والسياسة الدولية) 2007، (أخلاق العلم والتكنولوجيا) 2008. كما أنّي أعد المدرّبين المعتمدين لديهم في تدريب أساتذة أخلاقيات البيولوجيا كيفية تدريس هذا الفرع؛ وذلك من خلال برنامج أطلقته اليونسكو اسمه Ethics Teaching Training Course قمت من خلاله بالتدريب في كل من تنزانيا ولبنان والأردن ونيجيريا وعمان والهند خلال الفترة من 2014 حتى الآن. كذلك، أرسلني مكتب اليونسكو بالقاهرة مارس 2018 إلى مدينة الخرطوم بالسودان الشقيق، لتقييم ومراجعة "ميثاق أخلاقيات جامعة الخرطوم" الذي أصدرته الجامعة. شاركت أيضا ضمن فريق بحثي من ترشيح مكتب اليونسكو في القاهرة في مشروع بحثي جماعي لرصد وتحليل الضوابط الأخلاقية والقانونية في الدول العربية بشأن عشرة موضوعات خاصة بتطور علم الجينوم والطب الحيوي. صدر البحث منشوراً في كتاب عن مكتب اليونسكو بالقاهرة 2011 تحت عنوان “Ethics and Law in Biomedicine and Genetics: An Overview of National Regulations in the Arab States. مؤخراً اختارني مكتب اليونسكو بالقاهرة محرّراً لمشروع إصدار "شرعة أخلاقيات العلوم والتكنولوجيا في المنطقة العربية"، وهو الميثاق الذي اعتمده ملوك ورؤساء وقادة العالم العربي، وصدر به قرار مجلس الجامعة العربية في تونس مارس 2019 كوثيقة استرشادية يدعو الدول العربية إلى نشر مبادئ هذه الشرعة لدى الجهات البحثية لديها. نشرت اليونسكو هذه الوثيقة على موقعها، بالإضافة إلى النشر الورقي لها.
أما عن البحث العلمي في هذا المجال (مجال أخلاقيات العلم والتكنولوجيا)، فقد نشرت خمسة أبحاث باللغة العربية وثمانية باللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى بحث في أخلاقيات الاقتصاد الإسلامي تحت النشر. ومن خلال عملي مع اليونسكو، اختارني د. هنك تن هافى Henk ten Have الذي ظل يشغل منصب مدير قسم أخلاقيات العلم والتكنولوجيا لسنوات طويلة عضواً مشاركاً في تأسيس هيئة دولية لتدريس الأخلاقيات تسمى International Association for Education in Ethics. تأسست في 2011 في مدينة بتسبرج Pittsburgh بالولايات المتحدة الأمريكية ومنذ إنشائها، وأنا أشغل عضوية مجلس إدارتها حتى الآن.
غيضان السيد علي: استفضتم في أبحاثكم الأخيرة في الحديث عن أهمية الأخلاق التطبيقية والنظرية في حياتنا الراهنة، وكيف أن أزمة الأخلاق والقيم باتت تؤرق العالم أجمع، مما جعلكم تنادون بضرورة أن تحل الأخلاق محل الميتافيزيقا بوصفها فلسفة أولى.
بهاء درويش: دعني بداية أتحفظ على قسمة الأخلاق إلى "أخلاق تطبيقية وأخلاق نظرية". أعُد كل مباحث الأخلاق، بل وسائر مباحث الفلسفة مباحث تطبيقية. ولقد كتبت بحثاً مطوّلاً في هذا الأمر، حاولت فيه بيان حججي في هذا الصدد. هذا البحث ينتظر النشر في إحدى المجلات العربية. لذلك، أرجو أن تعفيني من ذكر حججي هنا. ثانياً: إذا شئنا الدقة، يمكننا القول لا، إن الأخلاق تعد فلسفة أولى بدلاً من الميتافيزيقا ولكن يمكن القول، إنه في كل حقبة زمنية تفرض الظروف أن يقفز أحد مباحث الفلسفة إلى بؤرة الاهتمام، فينال اهتماماً أكبر من غيره لتتوارى المباحث الأخرى عن الاهتمام لفترة تعود معه للاهتمام بها، على النحو الذي بينت به صعود الاهتمام بفلسفة اللغة في النصف الأول من القرن العشرين على يد فلاسفة التحليل تحديداً، ثم الاهتمام بفلسفة العقل في النصف الثاني من القرن العشرين. الأمر هو أنه، لأننا نعيش عصر تسارع الاكتشافات العلمية وتطبيقاتها الضخمة، والتي ينتج عنها باستمرار تحديات أخلاقية تواجهنا، كان من الطبيعي أن يزداد الاهتمام بما يسمى أخلاقيات العلم والتكنولوجيا؛ أي المبحث الذي يحاول صياغة المبادئ الأخلاقية التي يجب أن تنظم مسيرة العلم والتكنولوجيا ضماناً لتوجيه دفة العلم لخدمة البشرية.
- أما عن أزمة الأخلاق والقيم، فقد تحدثت عنها في بحث مطول، وإن كنت قد قصرت حديثي فيه عن أزمة الأخلاق في مصر. جاء البحث تحت عنوان "المفاهيم الغائبة لقيام أخلاق محلية: مصر أنموذجاً". نُشر في مجلة الفكر المعاصر التي تصدر بالقاهرة العدد 14، أبريل- يونيو 2019؛ ذهبت فيه إلى أنه لا يوجد ما يسمى "غياب للقيم"، ولكن هناك "تغير للقيم". القيم لا تغيب ولكنها تتغير، رصدت في البحث واقع التغير القيمي الحادث في مصر، وانتهيت إلى أنه علينا كفلاسفة أن ندرس أولاً بأول من خلال رصد الواقع القيمي الذي قد يقوم به أصحاب تخصصات أخرى كعلم الاجتماع أن نبين القيم الواجب أن تحكم مسارنا على كل الأصعدة: أي القيم الواجب أن تؤطر حياتنا اليومية، والقيم التي توجه أخلاقيات المهن المختلفة، والقيم التي تُسيّر إنتاج العلم واستهلاك منتجاته.
غيضان السيد علي: إذن، فبناء على اهتمامكم وعملكم في مجال "أخلاقيات العلم والتكنولوجيا" تدريباً وتأليفاً، ما هي رؤيتكم الخاصة بهذا الفرع الفلسفي المهم؟ وما هي أهم المبادئ الفلسفية التي تقوم عليه؟
بهاء درويش: تعد منظمة اليونسكو من أهم المنظمات اهتماماً بنشر أخلاقيات العلم والتكنولوجيا. لقد أنشأت اليونسكو "اللجنة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا International Bioethics Committee"، والتي تعد اللجنة الوحيدة التي تعمل على مستوى العالم في مجال أخلاقيات البيولوجيا. تتألف اللجنة من ستة وثلاثين عضواً على مستوى العالم تختارهم هيئة اليونسكو مراعية في اختيارها التنوع الثقافي والتوزيع الجغرافي والخبرات الشخصية للأعضاء على أن يكونوا من المختصين في مجالات علوم الحياة والعلوم الاجتماعية والإنسانية والفلسفة والقانون. تختص هذه اللجنة بدراسة التداعيات والتحديات الأخلاقية والقانونية التي تواجه نتائج الأبحاث العلمية الجديدة، ومن ثم تقوم بإصدار التقارير وتقديم النصائح في هذه الأمور للدول الأعضاء في اليونسكو. عادة ما ترسل اليونسكو والهيئات الأخرى بعض المهتمين بمجال أخلاقيات العلم والتكنولوجيا لحضور جلسات هذه اللجنة كمراقبين. ولقد تم إرسالي من قبل هيئة اليونسكو كمراقب عام 2009 لحضور المؤتمر السنوي لهذه الجمعية، والذي عقد أيامها في المكسيك.
الحقيقة أن هذا التخصص من التخصصات التي بدأ الاهتمام بها على مستوى العالم منذ سبعينيات القرن الماضي تحديداً مع أخلاقيات البيولوجيا نتيجة للتحديات الأخلاقية التي يثيرها التقدم العلمي والتكنولوجي. هذا التخصص "أخلاقيات العلم والتكنولوجيا" ليس تخصصاً فلسفياً وحسب، ولكنه مثال جيد لبينية التخصصات؛ بمعنى أن مشكلاته تحتاج إلى تخصصات مختلفة لتناولها. فالعالِم يبدأ بشرح التطور العلمي أو التكنولوجي الحادث، ثم يقوم الفلاسفة أو المتخصصون في الأخلاق بمحاولة رصد التداعيات الأخلاقية الناجمة عن هذا التطور أو الاكتشاف الحادث، ثم محاولة صياغة المبادئ التي يمكن الاستناد إليها لحل هذه التداعيات، بل وقد يصل بهم الأمر إلى وضع المبادئ العامة التي يمكن الاستناد إليها لحل أية مشكلة أخلاقية مستقبلاً. لا تنتهي المشكلات على هذا النحو، بل ويمكن لرجل القانون أن يقترح التشريعات التي تضبط استخدام أو تطبيقات هذا الاكتشاف أو الاختراع. وقد يحلل أو يحرم رجل الدين أيضاً -في المجتمعات المتدينة- هذه الأمور المستجدة.
لقد استطاعت اليونسكو 2005 الحصول على موافقة إجماعية من الدول الأعضاء في اليونسكو -هم تقريباً سائر دول العالم- على خمسة عشر مبدأ يمكن الاستناد إليها في حل مشكلات أخلاقيات البيولوجيا، وهي المبادئ التي صدرت بها وثيقة "الإعلان العالمي لأخلاقيات البيولوجيا وحقوق الإنسان". لم تحظ فروع أخلاقيات العلم والتكنولوجيا الأخرى بمثل هذا الإجماع، ربما لحداثتها بالنسبة إلى فرع أخلاقيات البيولوجيا.
غيضان السيد علي: كتبتم عن أخلاق الميديا ودعوتم كل من يعمل بالإعلام في شتى بقاع العالم إلى الالتزام بها، فماذا قصدتم بها؟ وما هي أهم المبادئ التي قامت عليها.
بهاء درويش: الإعلام -أو الميديا كما يطلق عليها البعض- وإن كنت ضد تعريب المصطلحات طالما أن لغتنا العربية غنية. وإن كان هذا موضوعاً آخر - من أخطر وسائل المعرفة والثقافة. لقد أصبح صناعة وحرفة ومهنة وعلم، بإمكانه أن يوجه العقول يميناً أو يساراً، يخفي من الوقائع أو يسلط على غيرها رؤية تؤدي إلى الخروج بنتائج قد تبعد عن الحقيقة. الإعلام الرقمي أيضاً، سحب البساط من تحت أرجل الإعلاميين حتى إن بعضهم أصبح يأخذ معلوماته من الرجل العادي -رجل الشارع- الذي أصبح في كثير من الأحيان من خلال وسائل التواصل الاجتماعي هو مصدر الإعلام. تعقُّد موضوعات العلم ونتائجه جعلت الإعلاميين أيضاً، يعانون مشكلة فهم هذه الموضوعات بحكم البعد عن التخصص، مما جعل بعض ما يتم نشره بشأن اختراعات أو اكتشافات جديدة غير دقيق. هذه الأمور وغيرها أدت إلى ضرورة وجود أخلاقيات للإعلام كإعلام دوره تبصير الناس بالحقائق لا تضليلهم... لا يمكن اختزال أخلاقيات الإعلام في مواثيق مفروضة على الإعلاميين، على طريقة -افعل كذا ولا تفعل كذا- ولكن لا بد من أن يكون هناك تنظير فلسفي لمبادئ فلسفية توجه دفة الإعلام لمصلحة المتلقي - مشاهدا، مستمعاً أو قارئاً. لا بد من تدريس هذه المبادئ في أقسام وكليات الإعلام باتباع أسس التفكير الناقد، حتى يتخرج الإعلامي وقد وعى أهمية اتباع هذه المبادئ.
غيضان السيد علي: اهتممتم بالأخلاق النسوية ردّاً على تلك الرؤية التي تبنتها الفلسفة الكولونيالية أو ما بعد الاستعمارية، فما هو نقدكم الأخلاقي لموقف ما بعد الاستعمارية؟ وما هو تصوركم الخاص تجاه ما يسمى بالأخلاق النسوية؟
بهاء درويش: ربط الفكر ما بعد الاستعماري بين المرأة والبيئة، انطلاقاً من قناعتهم أن هناك صلة بين تعامل الاستعماريين مع الحياة النباتية والحيوانية للبلاد المستعمرة وتعاملهم مع المناطق المستعمَرة...فاستعمار المكان هو ما مهد السبيل لاستعمار الشعوب، بل ويمكن القول إن التدمير الذي حاق بالبيئتين الفيزيقية والبشرية مازال موجوداً حتى الآن. من هنا ظهر ما يعرف بـ "النزعة النسوية البيئية" التي تبين الظلم الذي حاق بالمرأة والبيئة وكيفية رفعه. حاولت في بحثي المنشور في المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية ببيروت ضمن المجلد الرابع لموسوعة "نحن وأزمنة الاستعمار: نقد المباني المعرفية للكولونيالية وما بعد الكولونيالية" 2018، أن أضع نظريتين منفصلتين أُنظّر فيهما للمبادئ التي أرى أنها توجه التعامل مع البيئة وتلك التي توجه التعامل مع المرأة. حاججت بأن المبادئ التي توجه التعامل مع المرأة، سواء أكنا أصحاب توجه ديني أو توجه علماني يمكن استنتاجها من العبارة التالية: "للمرأة الحق في أن تحصل على حقوقها، ولها الحق أن تعامل باحترام يصون كرامتها ويمنع عنها الضرر ويحقق لها العدل". المبادئ الثلاثة -إذاً- هي احترام الكرامة، منع الضرر، العدالة، الصلة بين هذه المبادئ الثلاثة صلة هرمية؛ بمعنى أن الأول هو ما يبرر الثاني، والثاني هو ما يبرر الثالث، فيجب أن أكون عادلاً مع المرأة، لأنه لا يصح أن أضر بها، ولا يجب أن أضر بها، لأنه من الضروري أن أحترم كرامتها. أما المبدأ الأول وهو -احترام الكرامة- فسوف نتحدث لاحقاً عن تبريره. هذه المبادئ الثلاثة هي ما يجب أن توجه تعاملنا كعرب ومسلمين وشرقيين مع المرأة.
غيضان السيد علي: تحدثتم في بحث مستقل تحت عنوان "مشروعية وحدود العلاج الجيني" عملتم فيه على بيان الحجج التي تقف لصالح العلاج الجيني، وفندتم الحجج المعارضة له، أرجو أن تقدم لنا ملخصًا لهذا الموضوع يفيد القارئ ولا يخل بالمضمون.
بهاء درويش: نعم، هذا البحث يندرج تحت ما يعرف بأخلاقيات البيولوجيا التي يسميها البعض -تعريباً لا ترجمة- "البيوتيقا"، وهو أيضاً ما لا أفضله. ولقد ألقيت هذا البحث في طرابلس ليبيا 17 مايو 2006، في مؤتمر من تنظيم هيئة ألسكو التابعة لجامعة الدول العربية، ثم تم نشر البحث في كتاب المؤتمر الصادر في تونس تحت عنوان "أخلاقيات التعامل مع التقانات الحديثة"، تحرير: فرج صالح عبد الرحمن: المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، 2008. تُعد أخلاقيات البيولوجيا والتي تستخدم بشكل خاطئ أحيانا كمرادف لأخلاقيات الطب - أكثر مباحث أخلاقيات العلم والتكنولوجيا اكتمالا، لقدمها النسبي عن بقية فروع الأخرى مثل أخلاقيات الإعلام، أخلاقيات الهندسة، أخلاقيات الصيدلة...إلخ.
يمكن تلخيص فكرة البحث على النحو التالي: لما كانت الجينات هي المسؤولة عن الصفات الوراثية، كان اختلالها يعد مرضاً وراثياً. من هنا كان العلاج الجيني موجهاً في أساسه لعلاج الأمراض الوراثية، وإن كان قد أصبح يستخدم بعد ذلك لعلاج الأمراض المكتسبة كمرض الإيدز وأمراض السرطان. ولقد جاءت فكرته من أنه إذا كان أفضل علاج لشخص يعاني فشلاً كلوياً مزمناً هو زرع كلية سليمة، إذا توفرت الشروط الطبية اللازمة، فإنه من الممكن أن يكون علاجاً جيّداً لمرض سبّبه جين معطوب أن يتم إحلاله بجين سليم. من هنا كان العلاج الجيني هو إحلال الجين المعطوب بجين سليم أو إصلاح الجين المعطوب. وله شكلان، الأول: يعرف بالعلاج الجيني بالخلايا الجسدية ويكون ذلك -كما هو واضح من مسماه- بالتدخل لإصلاح الجين في الخلايا الجسدية، أما الشكل الثاني، فيعرف بالعلاج الجيني بالخلايا المشيجية؛ أي ذلك العلاج الذي ينشأ عنه تعديل الخلايا في الجنين المبكر -ما قبل الزرع- أو عن طريق زرع جين جديد في بويضة الأنثى أو الحيوان المنوي للذكر، حيث يصبح هذا التغيير الجيني مسجلاً في الخلايا الجنسية - وهو ما من شأنه أن ينتقل إلى الأجيال التالية للمريض. لا ضرر من الشكل الأول. أما المخاوف من النوع الثاني، فمنشؤها أن التغيير الجيني سينتقل للأجيال الجديدة، ولا يمكن الرجوع فيه.
وقد ناقشت الحجج التي تقف ضد هذا الشكل للعلاج وبينت وجهة نظري فيها. من هذه الحجج مثلاً، حجة عدم القدرة على توقع نتائج المستقبل (المخاوف الطبية) والتجريب على البشر: ذلك أن معالجة الخلايا المشيجية قد تحدث أضراراً في الأجيال القادمة، وقد يؤدي تصحيح الجينات المصابة إلى تكوين طفرات، أو أن يكون البديل أن نقوم بإجراء هذا التعديل على أحد الأجنة البشرية، لنرى كيف سيكون عليه هذا الجنين، عندما يكبر ويصبح شخصاً ناضجاً - بهذه الطريقة فقط يمكن أن نعرف كيف تعمل الجينات التي تم زرعها في الجينات المشيجية، وهو ما يعني المخاطرة بأحد الأشخاص أو "التجريب" على البشر، ومع هذا فلن يمكننا -بالمعرفة التي لدينا الآن- التنبؤ بالأضرار التي ربما قد أصابت النسل جراء هذا التعديل الجيني الذي حدث في الخلايا الجنسية. هناك حجة ضرورة الحفاظ على الحصيلة الإرثية المشتركة: ذلك أنه لما كانت الخلية المشيجية تساهم في التراث الجيني للأجيال المتتابعة، وعلاج الجين عن طريق الخلية الإنشائية لا يؤثر فقط على المادة الوراثية الشخصية، بل على المخزون الوراثي لذريته أيضاً، ومن ثم على مجموع الصفات الوراثية للبشرية جمعاء، رأى الكثير من العلماء أنه لا يجوز القيام بأية محاولات في هذا النوع من العلاج؛ لأن الحصيلة الإرثية التي تتضمن الصفات العامة التي يشترك فيها سائر المجتمع البشري حق للجميع يجب الحفاظ عليها على النحو الذي هي عليه، وليس من حق فئة قليلة من البشر تعريضها لأي تغيير، سواء كان تغييراً متعمداً أو عشوائياً. أضف إلى ذلك أن إلغاء جين يعتقد أنه ضار اليوم قد تثبت مستقبلاً فائدته، ثم إن الحصيلة الإرثية المشتركة نتاج آلاف، بل وملايين من السنوات من عمليات التطور المتوازن، والعلاج الجيني بالخلايا المشيجية قد يضعف هذا التطور المتوازن بطريقة غير مقصودة ويحدث نتائج غير متوقعة. الحجة الأخرى التي ترددت هي الحجة التي تعرف بحجة التدخل في خلق الله Playing God. هذا المصطلح يتم استخدامه غالباً كتعبير عن الاعتراض التام على أي تعديل جيني على مستوى الخلايا المشيجية. هناك حجة الكلفة المادية التي مفادها أن إجراء أبحاث لتطوير هذا النوع من العلاج مكلف مادياً، وأن الأولى أن نوجه هذه التكلفة لأمور أخرى. وأخيراً هناك حجة سد الذرائع Slippery Slope، والتي مفادها أن فتح الباب أمام هذا الشكل للعلاج قد يؤدي إلى استخدام التدخلات الجينية في أغراض أخرى غير علاجية، مثل التحسين الجيني كرفع درجة الذكاء أو التدخل في خلايا الأجنة لإكسابهم صفات جسدية يتميزون بها عن غيرهم وفقاً لرغبات الوالدين، ومتى أصبحت الأجنة في أيدي العيادات الخاصة التي ستفرض بلا شك، أسعاراً معينة مقابل هذه الصفات التي ستمنحها للأجنة -أطفال المستقبل- فإن هذا ستنتج عنه مخاطر اجتماعية، مثل سوء استخدام القوة والتميز وعدم المساواة.
لقد قمت ببيان تهافت كل هذه الحجج، وقبول حجة واحدة فقط، وهي حجة عدم القدرة على توقع نتائج المستقبل. وبالتالي، رأيت أنه علاج مقبول متى تطور العلم، حيث أصبح من الممكن التوقع بشكل كبير بنتائج هذا الشكل من العلاج.
غيضان السيد علي: اهتممتم في الآونة الأخيرة بأخلاقيات الاقتصاد الإسلامي، هل من الممكن أن توجز لنا أهم هذه المبادئ التي رأيتم أن يرتكز عليها ما أسميته بأخلاق الاقتصاد الإسلامي.
بهاء درويش: الاقتصاد الإسلامي مبحث علمي في طور التكوين والاكتمال أريد له أن يصبح مبحثاً أكاديمياً مستقلاً، بدءاً من النصف الثاني من القرن العشرين. لم يرق بعد هذا المبحث حتى الآن، ليكون علماً مستقلاً يطبق بشكل كامل في إحدى الدول -المفترض أن تكون عربية أو إسلامية-، ولكن طبقت بعض أفكاره مثل البنوك ومؤسسات الزكاة، وذلك في بعض الدول العربية والإسلامية. من المأمول -كما يزعم أدعياؤه- أن يمكن تطبيقه بشكل كامل في المستقبل القريب لقدرته على حل المشكلات الاقتصادية -وبالتالي تحقيق الأهداف الإنسانية- التي لم يستطع الاقتصاد العالمي الحالي أن يحلها. يستند الاقتصاد الإسلامي -مثله في ذلك مثل أي علم- على مجموعة من المبادئ الأخلاقية التي توجه مساره. أول هذه المبادئ التي يستند إليها الاقتصاد الإسلامي هو مبدأ الكرامة الإنسانية، بل ويعد احترام كرامة الإنسان المبدأ الأخلاقي الأول الذي يوجه سائر العلوم التطبيقية. على أساسه تبنى بقية المبادئ؛ بمعنى أنه ما يبرر المبادئ الأخرى. لما كان للإنسان كرامة تميزه عن بقية الكائنات الحية الأخرى، كان احترامها ضرورة أخلاقية يجب مراعاتها في تطبيقات سائر العلوم: فكرامة المريض تتطلب أن يعامله العاملون في مجال الطب معاملة كريمة، وأن يُقدم له أفضل عناية طبية متاحة، ومن ثم أن تُحمي حياته (أخلاقيات الطب)، وكرامة الإنسان تتطلب أن يضع المهندس -ومنتج التكنولوجيا بصفة عامة- في اعتباره حياة ورفاهية الإنسان، وهو يقدم المنتجات الهندسية أو التكنولوجية، إذ إن لكل نواتج التكنولوجيا تقريباً تأثيراتها على صحة وحياة ورفاهية الإنسان (أخلاقيات الهندسة والتكنولوجيا). وكرامة الإنسان تتطلب أن تستأذنه قبل استخدامه كمبحوث في تجربة، وتكون صريحاً معه بإعلامه بكل المنافع والمضار التي قد تنتج عن التجريب عليه (أخلاقيات البحث العلمي في مجال الطب والصيدلة). وكرامة الإنسان تتطلب ألا تضره كمستهلك باحتكار بعض البضائع، حتى ترهقه مادّياً ببيعها بالسعر الذي تريده من حيث كونك محتكر السلعة، وألا تضر غيرك كبائع له الحق مثلك في المتاجرة في هذه السلعة (أخلاقيات الاقتصاد). وكرامة الإنسان تتطلب عدم الإضرار به والخاصة بمنتجات التقانات الدقيقة (النانوتكنولوجيا)، حيث لا تظهر في السوق سوى البضائع التي تم اختبار سلامتها وضمان عدم إضرارها بالمستهلك، سواء على المدى القصير أو الطويل (أخلاقيات النانوتكنولوجيا)، وكرامة الإنسان تقتضي ألا تقدم له صورة مزيفة للواقع تؤثر في حكمه على مجريات الأحداث التي تدور في العالم حوله وتزيف له الواقائع (أخلاقيات الإعلام).
لهذا المبدأ تبريرات دينية وفلسفية؛ فالتبرير الديني مفاده أن للإنسان كرامة، لأن الله اختاره دون غيره من الكائنات خليفة له على الأرض (التصور الإسلامي)، ولأن الله خلق الإنسان على صورته (التصور المسيحي واليهودي) فمن الضروري احترام هذه الكرامة. ولأن الإنسان هو الكائن الوحيد بين الكائنات الذي يمكنه اتخاذ قرار؛ لأنه الوحيد القادر على ممارسة التفكير الحر والوعي بالذات (وهو تصور أرسطو والرواقية) كان من الضروري احترام كرامته. فلما كان الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يمكنه التفكير الحر والوعي بالذات -كصفتين فطريتين للإنسان-، كان في ذلك مبرر احترام كرامته، لأن في عدم احترامها تناقضاً ذاتياً، لأنه يعني عدم الإقرار بجزء من هويته البشرية. ولما كان البشر متساوين في هاتين الصفتين الفطريتين، لم يكن هناك مبرر للتمييز بينهم.
وتطبيقاً لهذا المبدأ في مجال الاقتصاد الإسلامي، يمكن الآن فهم لماذا يكفل الإسلام للفقير توفر حاجاته الأساسية من مأكل وملبس من خلال فرض الزكاة على الغني، ومن خلال تشجيع الإسلام أيضاً الصدقات، وجعل ثوابها ثواباً في الدنيا والآخرة. ولما كان "الفقير" في الإسلام هو المحتاج المتعفف عن المسألة، فإن هذا يوضح بشكل جليّ كيف يحفظ الاقتصاد الإسلامي للفقير المتعفف عن المسألة على الأقل الحد الأدنى الذي يحفظ كرامته. فرغم تعففه عن السؤال، لم ينسه الشرع. ولقد دلنا الشرع على طريقة معرفة الفقير، فقد يكون من الأقربين فنحقق بذلك دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام أن الأقربين أولى بالمعروف، وقد يدلنا عليه أناس آخرون. المهم أن الإسلام حفظ له كرامته ووقاه ذلّ السؤال وذل الفقر.
المبدأ الثاني هو العدالة: فالعدالة هي إحدى القيم التي يجب على المسلمين تحقيقها، بل إنها السبب الذي من أجله أرسل الله الرسل للبشر عبر التاريخ. يقول عز وجل: "لقد أرسلنا رسلنا بِالْبَيِّنَاتِ وأنزلنا معهم الكتب والميزان ليقوم الناس بالقسط". (الحديد: الآية 25). والعدالة مبدأ يتأسس على مبدأ الكرامة الإنسانية: فلأن للإنسان -من حيث هو إنسان- كرامة، يجب أن تكون عادلاً في تعاملك معهم، وحكمك بينهم في النزاعات دون التمييز من حيث الجنس أو الديانة أو المكانة الاجتماعية، يقول عز وجل: "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل". (النساء: الآية 58). يجب مراعاة العدل أيضا أثناء تقديم الشهادة: يقول عز وجل: "يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين. (النساء: الآية 135). وقال أيضاً عز من قائل "وأوفوا الكيل والميزان بالقسط...وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى" (الأنعام 152). يجب أيضاً مراعاة العدل في حل النزاعات بين المؤمنين. يقول عز من قائل: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله، فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين". (الحجرات: الآية 9). والعدل لا يجب مراعاته في حل النزاعات بين المؤمنين فقط، بل أيضاً مع الأعداء. يقول عز من قائل: "يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى". (المائدة: الآية 8).
وإذا أردنا تبريراً عقلياً لهذا المبدأ، يمكننا القول إن المبدأ السابق (احترام كرامة الإنسان) هو ما يبرر هذا المبدأ، ذلك أنه لما كان للإنسان كرامة تميزه عن غيره من بقية الكائنات الحية لاتصافه بالتفكير الحر والوعي بالذات؛ أي إن بني البشر متساوون جميعاً في هاتين الصفتين الفطريتين، لم يكن هناك مبرر للتمييز بينهم، من هنا اقتضت معاملتهم معاملة عادلة؛ أي اقتضى العدل أن يكون هو أساس التعامل مع كل بني البشر.
هذه العدالة تختلف بالضرورة عما يحدث في النظام الرأسمالي الذي نتج عنه استغلال الدول الغنية للدول الفقيرة، واتساع الهوة بين أبناء الريف والحضر حتى في الدولة الواحدة؛ أي إن النظام الرأسمالي لم يتمكن من تحقيق هذا المبدأ الأخلاقي.
وإذا أردنا تطبيقات لهذا المبدأ، يمكن بداية القول إن الاقتصاد الإسلامي يتأسس على العدل؛ أفضل مثال يمكن أن نشرح به العدل والإنصاف هو توزيع الزكاة. عندما دعا الإسلام إلى إعطاء الفقير الزكاة دون الغني، كان في ذلك منصفاً للفقير. فلم تطلب الشريعة توزيع الزكاة على الجميع بالتساوي (فقيراً وغنياً)، ولكنها لتحقيق الإنصاف أخذت من الغني وأعطت الفقير. ولتحقيق الإنصاف أيضاً، لم تساو الشريعة في أنصبة الميراث، ولكنها رامت تحقيق الإنصاف بين الجميع، والعدل لا يكون فقط مع الفقراء، ولكن في كل جوانب الحياة الاقتصادية. يجب على السلطان أو الحاكم مثلاً أن يراعي العدل في تعامله مع التجار -كما يقول ابن خلدون-، فلا يدخل في منافسة مع التجار في تجارتهم مثلاً، لأنه متى كان ماله أكثر من مالهم، فلن يتمكن أحد منهم من منافسته، ولن يحصلوا على شيء من حاجاتهم.
غيضان السيد علي: هل ترون أن الأخلاق سابقة على الدين؟ أم إن الدين سابق على الأخلاق؟ أم إنهما متوازيان؟
بهاء درويش: الأخلاق سابقة منطقيا وتاريخيا عن الدين. وبالتالي، فهما مفهومان متمايزان، وإن كان بإمكان البعض أن يرد الأخلاق للدين؛ أي أن يستخرج قيمه الأخلاقية من الدين الذي يؤمن به، إذا أردنا توضيحاً يمكننا القول إن مجرد طرح السؤال: هل ترد الأخلاق إلى الدين أو لا؟ يعني أن الأخلاق سابقة منطقياً على الدين. أما تاريخياً، فلا يمكننا القول إن المجتمعات ما قبل نزول الأديان لم تكن لديها قيم أخلاقية، مثلما لا يمكننا القول عن المجتمعات غير المتدينة حالياً -سواء أكانوا أصحاب ديانات سماوية أو لا- إنهم ،همأنهملا أخلاقيات لها؛ لسائر المجتمعات أخلاقيات معينة. كلنا يعرف أن العرب قبل الإسلام كانت لديهم أخلاقيات الشهامة والفروسية والإيثار. من هنا يمكن للبعض ألا يستعيض عن الأخلاقيات بالدين. هو على هذا الحال غير متدين، أو لا دين له، ولكن لا يمكن القول إنه لا أخلاق له. والذين يزعمون أنه من الضروري رد الأخلاق للدين نذكرهم بقول الرسول عليه الصلاة والسلام: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، مما يعني أنه كانت هناك أخلاق لدى كل الشعوب قبل الإسلام، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام جاء "ليتممها"، مما يعني أن الأخلاقيات سابقة تاريخياً على الدين.
غيضان السيد علي: أطلقتم مفهوم "الفلسفة الصحيحة" معلنين بإلحاج الحاجة إليها. فماذا تعنون بهذا المصطلح؟ وهل هناك ما يمكن تسميته بالفلسفة الصحيحة والفلسفة الخاطئة؟ بالرغم من أن الفلسفة على وجه العموم ترفض امتلاك الحقيقة المطلقة؟ وهل هذا يضاد الحق في الاختلاف ورفض الآخر صاحب الفلسفة الخاطئة في مقابل تزكية حق الأنا صاحب الفلسفة الصحيحة؟
بهاء درويش: "الفلسفة الصحيحة" مصطلح استخدمته في بداية مشواري الفكري في مقال نشر بجريدة الأهرام 1999؛ أي من أكثر من عشرين عاماً. بالطبع، لا وجود لما يسمى فلسفة صحيحة وفلسفة خاطئة، ولكني قصدت به الفلسفة التي تمكننا من الخروج بها -كمهنيين يعملون في مجال تدريس الفلسفة- من الحيز الضيق الكامن في التدريس في قاعات الدرس والتأليف النخبوي إلى تبني الجمهور منهجها. يمكن عد هذا المقال بداية دعوتي لضرورة غرس المنهج العقلاني في التفكير في الشباب وعلى أوسع نطاق، حتى يصبح منهجاً حياتياً، قناعة مني أن العقلانية هي بداية طريق أية أمة نحو التقدم. مازلت بين الحين والآخر، أكتب في موضوع سبيلنا للتقدم، وكان أحدث ما كتبت هو بحثي المطول "كيف نجعل من حراك يناير نواة مشروع تنويري" المنشور يناير 2020 في مجلة ميريت الالكترونية.
غيضان السيد علي: تابعتم بشدة ذاك السجال الذي دار بين فضيلة شيخ الأزهر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب وبين رئيس جامعة القاهرة الأستاذ الدكتور محمد عثمان الخشت، وكتبت أكثر من مقال في الصحف عن ذلك؟ فهل ترون أن المؤسسة الدينية الرسمية مازال لها الحضور القوي في الفضاء العام العربي والإسلامي، أم إن الصوت العقلاني بدأ يجد طريقه في عالمنا الراهن؟ وهل التزم الطرفان المتساجلان بأخلاق الحوار؟
بهاء درويش: الحقيقة أن اهتمامي بموضوع تجديد الخطاب الديني -أو تحديداً بالكتابة فيه- والذي نشأ بسببه ما ظهر للناس خطأ أنه خلاف أو اختلاف بين رئيس جامعة القاهرة وفضيلة الإمام شيخ الأزهر قد بدأ من 2016، عندما اقترحت السلطة السياسية لبلادنا أوائل 2016 أن يتم تجديد الخطاب الديني. كانت جريدة الأهرام من أوائل القنوات الإعلامية استجابة بأن دعت أهل الفكر لمناقشة هذا الأمر والإدلاء برأيهم في هذا الشأن.
أتذكر جيّداً أني كنت من أوائل من استجابوا لهذه الدعوة بمقال نشرته لي جريدة الأهرام الغراء بتاريخ 4 مارس 2016. كان ملخص رأيي فيه، أنه إذا كان تجديد الخطاب الديني مهمة علماء الدين، فإن هذه المهمة مرتبطة -ارتباطاً لا ينفصم- بمهمة أكثر تركيباً قوامها إحداث تغيير ثقافي قيمي في المجتمع -ليست من مهمة علماء الدين-، تغيير من شأنه أن يؤدي بالضرورة إلى جعل الفكر بصفة عامة، وبالتالي الخطاب الديني قادر على التعامل مع مشكلات المرحلة الراهنة. تجديد الفكر يكون بخلق بيئة تعليمية ثقافية سياسية تنشر قيم التنوع والاختلاف وقبول الآخر، واستقلالية التفكير وترسخها في المجتمع. هذا يكون بالعمل من ناحية، على ترسيخ الممارسة الديموقراطية التي أساسها الحرية السياسية والاجتماعية والثقافية، ومن ناحية أخرى، على خلق بيئة تعليمية تُثوّر فيها مناهج وطرائق التعليم لتقوم على التفكير الناقد. متى سادت هذه القيم -وهو ما لن يحدث بين يوم وليلة- وأصبحت جزءاً من عقيدة الأمة يغرسها التعليم وينميها الإعلام وترسخها المؤسسات الثقافية، أضحى التجديد عملية مستمرة لا تتوقف، وناتجاً مباشراً طبيعياً لفكر مقوماته هي التنوع والاختلاف والتسامح، فكر قادر على التعامل مع مقتضيات العصر بما تحتاجه. ولما كان رجال الدين شريحة من مجتمع هذه هي قيمه السائدة، لن نتوقع منهم سوى تطبيق عصري لدين يصلح لكل زمان ومكان هو بالضرورة أحد مقومات الثقافة المصرية.
وبمناسبة الذكرى التاسعة لحراك يناير 2011، نشرت بحثاً في يناير 2020 في مجلة ميريت الثقافية التي تصدر بصورة رقمية تحت عنوان "كيف يمكن أن نجعل من حراك يناير نواة لمشروع تنويري"، وهو البحث الذي أشرت إليه من قبل، أكدت فيه على المعنى نفسه، ولكن هذه المرة بشكل أكثر تفصيلاً. وكم كانت سعادتي -عندما قرأت بعدها كتاب د. محمود زقزوق "الفكر الديني وقضايا العصر" الصادر مع عدد مجلة الأزهر فبراير 2020- أن وجدت تلاقياً في الفكر والتوجه بيني وبينه، حين اقترح تشكيل مجموعة عمل من صفوة المهتمين بقضايا الأمة تضع خطة شاملة لتجديد الفكر الديني والفكر بصفة عامة، وتقدم مشروعاً قابلاً للتطبيق، تحدد له الآليات المناسبة للتنفيذ، وتقترح الموضوعات ذات الأولوية التي يمكن بحثها، ويقوم بإعداد دراسات عنها صفوة من المفكرين وتجرى مناقشتها في البرامج المختلفة في وسائل الإعلام، وتضمينها المناهج الدراسية.
ومن هنا، فقد كتبت مقالاً نشرته لي جريدة الأهرام القاهرية 20 فبراير 2020 ناشدت فيه أولي الأمر في مصر بضرورة تشكيل لجنة من المهتمين بالفكر والشأن العام في بلادنا تضع تصوراً عاماً قابلاً للتطبيق لتجديد الفكر على النحو الذي أوضحت في مقالاتي السابقة وما ذهب إليه د. زقزوق، وتحدد الآليات المناسبة للتنفيذ، ثم يتم عرض هذا المقترح على دوائر أكثر اتساعاً لأخذ التغذية الراجعة منها؛ إذ إن شأناً كهذا لا يمكن للجنة مهما كان عدد أعضائها أن تقرره وحدها. ولما كان الهدف هو تجديد الفكر بشكل عام فلا يمكن إسناد هذه المهمة لرجال الدين وحدهم، ولما كان الدين مقوماً جوهرياً من مقومات الهوية المصرية، فلا يمكن استبعاد رجال الدين من هذه المهمة. مهمة لن تنتهي بين يوم وليلة، ولكنها مهمة تمثل عملية مستمرة لا تتوقف. المهم أن نبدأ، ثم يأتي مقالي المنشور هذا الشهر -مارس 2020- مجلة الهلال القاهرية الشهرية لأبيّن فيه مرة أخرى أن المطلوب ليس فقط تجديد الخطاب أو الفكر الديني، فهذه مهمة جزئية ضمن مهمة أكثر تركيباً، وهي تغيير الفكر طرقا ومحتوى، وهي مهمة حاولت أن أبين لماذا لا يمكن أن تكون قاصرة على رجال الدين وحدهم.
غيضان السيد علي: وفي إطار رؤيتكم المستقبلية، هل ترون ضرورة نقد النص الديني؟ وما هو المقصود بسلطة النص؟ وهل هناك أخلاقيات محددة يجب أن يلتزم بها ناقد النص، سواء أكان نصًا دينيًا أو غيره؟
بهاء درويش: لنبدأ أولا بما أعنيه بسلطة النص. ليس النص -بداية- عبارة واحدة تعبر عن قضية واحدة، ولكنه بالأحرى سلسلة من الجمل المتتابعة المترابطة في انسجام يحدده المعنى، كي يكون للنص سلطة، يفترض أن يكون نصّاً مكتوباً ومقروءاً للمدى الذي تكون معه فكرة أو مجموعة أفكار في ذهني، فهو ليس نصّاً. يختلف النص هنا عن القضية أو القضايا المنطقية، قد تصح الفكرة أو الأفكار التقريرية غير المكتوبة أن تكون قضية أو قضايا منطقية، ليس الأمر كذلك بالنسبة إلى النص. النص كي يكون نصاً يجب أن يكون مكتوباً، تمت ترجمته على الورق أو الشرائح الإلكترونية، متى كان النص مكتوباً، صار من الممكن له أن يكون مقروءاً؛ فمفهوم "سلطة النص" متضمن بالضرورة في فعل القراءة، إذ كيف يمكن أن يكون له سلطة أو تأثير على غير الكاتب له، إذا لم يقرأه أحد؟ فعلى من يمارس النص سلطته؟ الكتابة والقراءة -إذاً- هما شرطا سلطة النص.
يمارس النص سلطة على كاتبه بمعنى أنَّه القيد الذي تضعه الكلمات على فكرة كاتبها؛ فبالقدر الذي تعد الكلمات تعبيراً عن فكرته، فهي من ناحية أخرى تأطير لها. فالأفكار مؤطرة داخل إطار لغوي محدد، تم التعبير عنها بقواعد ودلالات محددة تمثل سلطة على الكاتب. وإذا كان للنص سلطة، فهو يمارسها بالضرورة على القارئ -أو المتلقي من خلال الاستماع- أكثر منها على الكاتب. للنص سلطة على القارئ تعني بداية أن له سلطة على عقله وفهمه؛ أي يؤثر فعل القراءة -أو الاستماع- على عقل المتلقي، وقد تتعدى سلطة النص التأثير على العقل لتغير ميوله واعتقاداته -أو- وسلوكه.
وكما يؤثر النص في القارئ (في عقله وميوله واعتقاداته وبالتالي تصرفاته أو سلوكه)، يؤثر القارئ أيضاً في النص. فللنص سلطة على القارئ بمعنى أنه يؤثر في المخزون المعرفي للقارئ إضافة أو نقصاناً أو تغييراً، فقد يضيف النص للمنتج المعرفي فكرة ما أو ينقص منه برفض القارئ لمعلومة أو فكرة ما، أو يُغيّر من الكم المعرفي بإحلال فكرة محل أخرى. هذا التغير المعرفي الذي يحدثه النص قد ينتج عنه تغير في النزوع السلوكي، في الاعتقادات، في الميول، أو السلوك. أما سلطة القارئ على النص، فيحددها: الكم المعرفي للقارئ، وخلفيته المسبقة عن الموضوع الذي يمارس قراءته، ومهاراته النقدية. هذه العناصر الثلاثة تؤدي دوراً في قبول القارئ للنص أو رفضه أو تأثره به. هنا يمكن تسميتها سلطة القارئ على النص أو حدود تأثير النص على القارئ.
ولكن هل التأثير قوتان متساويتان -دائماً- في الشدة؟ إذا ما بدأنا بسلطة القارئ، فإنه يمكن القول إنه لما كان الإرث أو الكم المعرفي للقارئ ووعيه بالموضوع ومهاراته النقدية تشكل عناصر سلطة القارئ، كان هذا يعني اختلاف درجة سلطة النص على القارئ من مجتمع لآخر، بل ومن شخص لآخر؛ فالتأثير الذي يمارسه النص على القارئ من المجتمعات البدائية -مثلاً- يختلف بالضرورة عن التأثير الذي يمارسه النص على القارئ من المجتمعات شديدة التمدين. والقارئ صاحب الخلفية الواسعة بالموضوع والمهارات النقدية يختلف تأثره بالموضوع عن القارئ المستمع للموضوع للمرة الأولى والمعتاد على التلقي السلبي فقط.
أمَّا عن سلطة النص، فإنه يمكن القول إن مهارات القارئ العقلية الناقدة تُحدد بشكل كبير مدى سلطة النص. فتزداد سلطة النص مع ضعاف الثقافة والتعليم، إذ إنهم أكثر عرضة للاستهواء والاقتناع. فالمعتاد على التلقي السلبي يختلف تأثير النص عليه بالضرورة عن المعتاد على التناول الناقد للنص.
وقد يبدو هنا أن التناول الناقد للنص يقلل إلى حد كبير من سلطة النص على القارئ، ومن هنا يمكننا القول إن هناك نوعين من النصوص يبدو أنهما تستعصيان على التناول الناقد لهما، حيث تظهر سلطة النص بشكل كبير في أحدهما، وتقل بشكل كبير في الآخر؛ الأول هو النص الديني لتعوّد التسليم به، والثاني هو النص العلمي، حيث نعني بالعلمي هنا العلم الطبيعي - لوضوح وقلة الاختلاف حول مفاهيمه وهذا لن نتطرق إليه هنا وسنكتفي بالنص الديني.
فمن الضروري أن نبين أنَّ المقصود بالنص الديني -في سياق الحديث عن سلطة النص- هو النص المقدس لدى المنتمين لدين ما، إذ يخضع النص الديني لغير المنتمين لهذا الدين لعوامل تأثير أي نص عادي عليهم.
فللنص الديني التأثير الأكبر على المتلقي المنتمي لهذا الدين، ليس لخلو عقول القراء -أو المستمعين- من الخلفية المعرفية، بل بالعكس قد يكون الكم الأكبر من معارفهم معارف دينية، ولكن لتعوّد أغلب الناس -في كل المجتمعات- تناول النص الديني تناولاً سلبياً، أو تسليمياً. من هنا تقل سلطة القارئ -أو تكاد تنمحي- مع النصوص الدينية ومن هنا كانت خطورة النصوص الدينية؛ ذلك أن القارئ العادي يحاول أن يلغي -بحكم العادة- إرثه المعرفي ويطرحه جانباً أثناء قراءته للنص الديني، ويعتمد في فهمه للموضوع موضوع القراءة على فهم أو تلقين غيره. من هنا، كان للنص الديني سلطة يمارسها على المتلقي أكثر من غيره من أنواع النصوص الأخرى. ومن هنا، تأتي أهمية وضرورة التجديد المستمر للخطاب الديني على النحو الذي أسلفنا، وهي المهمة التي ستحدد النصوص القابلة للتأويل ومناهج التأويل.
وكما أسلفنا، لا يتفق القارئ غالباً مع الكاتب في الفهم. من هنا، فإنه متى كان القارئ ناقداً، كانت عليه مهمة خطيرة تُعرف بالنقد البنّاء. ولن يعد النقد بنَّاءً، إلا إذا التزم الناقد بأخلاقيات يتمثل بعضها فيما يلي: أن يكون في الأساس من المهتمين بالموضوع الذي سيتناوله بالنقد، إذ لا يُتوقع أن يتمكن الناقد من أداء وظيفة هو ليس مؤهّلاً لها في الأساس. أن يركز نقده على النص دون التهكم والسخرية من صاحب النص؛ فالهدف هو النص وبيان محاسنه ومثالبه، حججه السليمة والفاسدة، وليس كاتب النص أن يلتزم الحياد قدر الإمكان بإبعاد تأثير أيديولوجيته وأيديولوجية صاحب النص على حكمه على النص، حتى يخرج النقد نقداً موضوعياً. عدم بتر النص بأخذ جزء من النص الذي يتفق مع نقده من أجل دحض النص بأية طريقة. أن يفسر النص من خلال السياق التاريخي والاجتماعي الذي كُتب فيه، فذلك مما يساعد أيضاً على جعل النقد موضوعياً. وأخيراً أن يبذل قصارى جهده في المحاولة الأمينة، لفهم ما يعنيه الكاتب وعدم تحميل النص أكثر مما يحتمل.
غيضان السيد علي: ما هي مشاريعكم المستقبلية في مجالكم التخصصي حول فلسفة الأخلاق.
بهاء درويش: أعمل حالياً على بحثين معاً: أحدهما بحث في أخلاقيات الصحة الرقمية، والثاني بحث في أخلاقيات البيانات الضخمة. سأنتقل بعدها لبحث أخلاقيات النانوتكنولوجيا، لتكتمل بذلك مجموعة أبحاثي في أخلاقيات العلم والتكنولوجيا.
أرجو أن يسعني الوقت لإنجاز ذلك.
غيضان السيد علي: في الختام نتوجه بخالص الشكر والتقدير لكم على هذا الحوار القيم ونرجو لحضراتكم دوام التوفيق والسداد.