في أصول العنف الديني ومحورية النص في الواقع الإسلامي


فئة :  أبحاث محكمة

في أصول العنف الديني ومحورية النص في الواقع الإسلامي

في أصول العنف الديني ومحورية النص في الواقع الإسلامي

«لقد أصبح (الإسلام) على يد حركات التطرف، مجرد ملجأ أو ملاذ لهوية المجتمعات والفئات الثقافية المقتلعة من جذورها وقيمتها التقليدية»[1]

محمد أركون

يتم تعريف العنف الديني على أنه العنف الذي تم ارتكابه باسم الدين، فهو كل من العنف داخل الديانة الواحدة، والعنف بين الديانات المختلفة؛ أي العنف داخل المجموعة بين بعض جماعاتها والبعض الآخر، والعنف المنطلق من المجموعة ضد المجموعات الأخرى. والعنف الديني متباينا عن العنف الجماعي والفصل العنصري والعنف السياسي الديني، الموجه من قبل الدول والمنظومات السياسية؛ فالعنف الديني يرتبط حصرياً بالاشتباك بين المعتقدات الدينية والمشاعر الدينية[2].

فقد ظهر إبان الحادي عشر من أيلول عام ألفين وواحد، شبه اتفاق بين الباحثين الغربيين والحكومات الغربية، على أن أحداث العنف والإرهاب إسلامية المنشأ والانتماء، وتم تصدير هذه الصورة حتى آمن بها جمهور الغربيين، وعززها ورسخها موقف الجماعات الجهادية، وعمليات التفجير والقتل ضد الأبرياء، مما دفع المسلمين للنزول إلى الميدان، ومحاولة نفي هذه التهمة عن الإسلام. فالجماعات الجهادية تعلن أنها الممثل الأوحد للدين، وأنها تنطلق من النص القرآني وتسير على تعاليمه ومنهاجه، مما يثير تساؤلاً مهمّاً، هل تنطلق الجماعات الجهادية من النص أو من الواقع؟

النص أم الواقع؟

إن النص في ذاته أي نص لا يملك أي سلطة، إلا السلطة المعرفية، التي يُسهم أفق القارئ وواقعه بنصيب وافر في بنائها؛ فالنص إذا قرأه عقل منفتح أصبح نصاً منفتحاً يحمل العديد من العلاقات والدلالات. أما إذا قرأه عقل ضيق كان النص ضيقاً مغلقاً ينطق بما ينطق به العقل؛ فالعقل المغلق يرى أفكاره يقينية لا تقبل المناقشة، بل إن الأمر يصل الى عَدّ أفكاره في حالة تطابق مع النص، ومن ثم تكون ذات طابع إلهي، يمثل تجاوزه كفراً مباحاً، وهو الممثل عن الذات الإلهية[3].

لا ريب في أن الواقع يمثل السلطة التي من خلالها يتم صياغة المفردات والمفاهيم المكونة لبنية النص (أي نص) والخطاب[4]، ويرى نصر أبو زيد، أن الواقع يساهم بدور كبير في عملية إعادة قراءة النص وتأويله[5]؛ فالواقع له دور في فرض مفردات الخطاب - حيث إنه يفرض مفرداته التي تكون مفهومة بالنسبة إليه- وله سلطان لا يمكن إغفاله في العملية التأويلية. وعليه يعد من القصور الفكري اليوم، الحديث عن كون العنف نبتاً دينياً، نابعاً من النصوص، أو مختصاً بدين معين، أو فئة معينة؛ لأنه يعبر عن منظور فكري أحادي الجانب والرؤية. فتاريخ العنف أسبق من ظهور المعتقدات الدينية والاجتماعية[6]، ويقدم «رفائيل ليمكين (*) Raphael Lamkin» رؤية للتاريخ الإنساني، مفادها أن الإبادة بين الجماعات، وجرائم القتل الفردية قد حدثت في الماضي، وتستمر في الحدوث[7]، تحت مسميات عدة أكثرها قناعة وسمّوا المسميات الدينية كالحرب المقدسة، ونصرة الدين، ومعارك في سبيل الإله...إلخ.

يمثل العنف ظاهرة اجتماعية تقف وراءها اعتبارات سياسية، واجتماعية، ونفسية[8]، مما يعني أنها ظاهرة أنثروبولوجية كونية، لا يخلو منها مجتمع من المجتمعات، وإن كان لكل نمط اجتماعي خصوصيته، ولا ينفي هذا أن المجتمع بما هو مجتمع يمثل نظاماً من اللامساواة والظلم، بيد أن الدين عادة ما استخدمه لتبرير العنف، فبالعمل بالمنهج الأركيولوجي[9] للتاريخ الإنساني، نصل إلى نتائج مفادها أن جميع الديانات تم استخدامها لتبرير العنف في فترة ما من فترات التاريخ[10].

ولما كانت السوسيولوجيا تعمل على فهم الظواهر الاجتماعية وجعلها أكثر وضوحاً، ومحاولة بناء تصور اجتماعي لها، والعنف الديني -الناجم عن الحركات الإسلامية- بما هو موقف اجتماعي، نعمل على فهمه وتحليله. سنتعرض له بالبحث والمعالجة من خلال المنطلقات التي تعمل على بناء موقفه، والآليات التي تعمل على تنفيذه.

أولاً: المنطلقات

1- الذات المتخيلة

في حال الوضع الإسلامي، يعاني البعد الاجتماعي من الانهزام والتأخر تجاه الحالات الاجتماعية التي يعيشها العالم من حوله، ويظهر هذا في محاولة التقليد والتشبه بالمجتمعات الغربية الطاغية على المجتمع العربي/الإسلامي، التي تنم عن الانبهار بالمجتمعات الغربية. أما على الصعيد السياسي، فالعالم الإسلامي عاجز عن الندية للعالم الغربي، ويعرف من الانسحاب والإقصاء أكثر مما يعرف من المشاركة. وتفضي حالة الانهزام العامة التي يعانيها المجتمع الإسلامي[11]، والعجز عن تحقق الذات -كما يشير أركون- (بما هي منجز بشري يضفي المعنى على الحياة)[12] إلى رفض الراهن، فكينونة الذات المسلمة ليست في الراهن، فهؤلاء لا يمثلون المسلمين ولا الإسلام، ولكن الذات متمثلة في الماضي، وعلينا فرضها وعودتها من جديد. وقد مثلت تيارات التنوير هي الأخرى في إحدى زواياها شعوراً بالتمرد والثورة، أو لنقل رفضاً للواقع ومحاولة تغيره[13]، وعليه بدت الحركات الجهادية في بداياتها، كحركات اجتماعية ثورية، دفاعية، إلى أن تنامت لوضع الهجوم وفرض رؤيتها.

وحسب رؤية أركون، قبل ستينيات القرن الماضي كان بإمكاننا أن نتحدث عن نمط إسلامي أقل انغلاقاً وتزمتاً، إسلام متسامح منفتح إلى حد ما في أوساط اجتماعية عديدة[14]. إلى أن ظهرت إبان ستينيات وسبعينيات القرن الماضي حركات تحرر وطنية تنادي بجلاء الاستعمار عن المحيط الإسلامي (*) ومقاومة للمستعمر الغازي أدت إلى ملاحم بطولية، لأجل عودة أرض الوطن الغالي[15]، إلا أن الاستقلال جاء مخيّباً للآمال المطروحة على الساحة، تزامناً مع تغافل الدولة عن دورها، مما خلق نوعاً من الفراغ الأيديولوجي والفكري والإداري، وما يخلفه من حالة ضياع وتشتت، فكانت الفرصة الذهبية للتيارات السلفية -التي نمت هي الأخرى كرد فعل لحالة الضياع هذه- لاجتياح الشارع العربي وفرض أيديولوجيتها[16]، وتحويل دفة المقاومة الشعبية من المستعمر، إلى الأنظمة السياسية الحاكمة بنت الجنسية والديانة، بادعاء أنها تمثل نمطاً مغايراً للاستعمار.

وتقدم التيارات المتطرفة -المعنية بممارسة العنف- نفسها بوصفها تمثل العودة إلى الدين المفتقد داخل خضم الحياة العامة، ومن ثم إلى قيم العدالة الغائبة داخل المجتمع. وأن التشدد ما هو إلا غلو في العقيدة، وهذا أمر غير معيب ومستحسن داخل المتخيل الإسلامي؛ مما يسر عملية تعمقها وانتشارها داخل المجتمع الإسلامي، فضلاً عن عمليات الإقصاء السياسية التي تمارسها النظم الحاكمة (تحت مسميات عدة وبطرائق مختلفة) التي جعلت من الجماعات الإسلامية ملاذاً للفئات المستبعدة داخل الحياة الاجتماعية والسياسية.

ولكن يظل التساؤل عن فترة تحقق الذات الإسلامية ومن ثم تطبيقها، وتأتي الإجابات مشتتة بين الخلافة العثمانية، وأوهام الريادة، حيث كان عدد العلماء يساوي صفراً، وعصر الخلفاء الطوباوي؛ أي ما قبل الدولة وبناء الحضارة[17]، فالمتخيل الإسلامي يميل إلى تاريخ منتقى، متخيل، خالٍ من النزعات الإنسانية، والانحيازات البشرية الطبيعية، فالذات الإسلامية -في نظر العقل السلفي- تحققت في تاريخ شطبت منه كل المشاهد التي قتل فيها الصحابة بعضهم، وقتل فيها مبشرون بالجنة مبشرين آخرين، وخلفاء قتلوا خلفاء، يريدون تاريخاً متخيلاً، يريدون ذاتاً متخيلة[18].

2- حماية الذات المتخيلة

يعد حضور الآخر في فكر الجماعات الجهادية حضوراً ملتبساً، قائماً على بناء متناقض، ينتقد حاضر المسلمين وتخلفهم تجاه الحضارة -الذي أنتجها الآخر الغربي- وينتقد عقل الغرب وإنجازاته؛ فهي لا تمثل إلا إنجازات فارغة وأفكاراً متهافتة وعقلاً ضالاً[19]. أما عن المسؤولية تجاه الوضع الإسلامي، فالأمر متوتر وغير مفهوم أيضاً، فوفقاً للقوامة الدينية -كما يرى أركون- الذي يضعها الفكر الجهادي في مقابل القوامة المعرفية والحضارية للغرب[20]، بل يجعلها أعلى منها (فإذا كان لديه علم، فإننا تملكنا أصل العلوم) والوصاية القيمية التي يعطيها لنفسه على العالم بوصفه مالك القيم (فإذا كان الغرب يرى أن المجتمعات العربية تعاني من إفلاس فكري وعلمي، فإنه يرى أن العالم الغربي يعاني من الإفلاس القيمي، ويمثل خطورة أكبر بطبيعة الحال)[21] تكون له الوصاية القيمية على العالم. ولكن نجد أيضا نزعة لوم طاغية على خطاب الجماعات الجهادية تجاه المجتمع الإسلامي وتقاعسه، وتقع المسؤولية عن هذا الوضع المتردي على المسلمين وتخاذلهم. فإن اللوم والتفكير لا يكونان موجهين نحو المجتمع العربي -المعني بالمسؤولية والمعالجة- وحده، بل يوجهان إلى الآخر أيضاً -إن كان بنزعة أشد- مطالبين إياه بتغيير موقفه، والكف عن حياكة المؤامرات والتربص للدين والمجتمع الإسلاميين. ويعدّ الآخر الغربي هو المسؤول عن الوضع العربي/ الإسلامي المتأزم، وتتمثل كل مشكلات المجتمع في تآمر الأعداء على الإسلام، ومحاولاتهم الظفر به![22]

خلفت هذه الرؤية الملتبسة والفكر المتأزم، تقديساً مبالغاً للذات المتضمن احتقاراً للآخر بطبيعة الحال؛ فحقيقة ما تعانيه الجماعات الجهادية يتمثل في احتكار الحقيقة، بما هو وجه آخر لاحتقار الناس[23]، فكما تحاول الأنظمة السياسية الحاكمة أن تحتكر الدين وتوظفه لصالحها قدر المستطاع، كذلك تفعل الحركات الجهادية، فكل منهما يسعى لاحتكار الدين لصالحه لما يمثله من مشروعية هائلة[24] وإقصاءً مبرّراً للآخر. وكثيرا ما لعب هاجس الاستعمار دوراً مهمّاً لعملية نقد الآخر الغربي، خاصة وأن الاستعمار الغربي اتشح بوشاح الدين أحياناً، وعمل على وجود شرعية دينية له[25]، ومن ثم أصبحت كل العمليات المعرفية والمناهج المنجزة تحت لواء الحداثة، صيغت لأجل إضفاء المشروعية على هيمنة الغرب، وفرض التبعية على المجتمعات الإسلامية، وتهدف إلى تفكيك التراث الإسلامي وإزالته[26]. ومن ثم صيغ مفهوم الآخر بوصفه شرّاً كله، فهو المتآمر دوماً والحاقد، وعلينا الوقوف ضد مخططاته وحماية هويتنا وثقافتنا وديننا من الاندثار[27]، وأضحى العداء للغرب (حسب مفهوم الغرب في العقل الجهادي) فيما يشبه معتقداً دينياً، لم يرق إلى مرتبة الصياغة الصريحة بعد، فإن إنكاره أو محاولة نقده يمثل تعدياً على الهوية المتماهية مع الدين والثقافة.

على إثر ذلك، رأت الجماعات الجهادية أن دورها حماية الذات الإسلامية من التشوهات التي تلحق بها من الآخر المختلف في الديانة والمختلف في الرأي، ومحاولة الظفر بها؛ ومن ثم أضحى دورها يتمثل في حماية ما هو ثابت من خلال رفض ما هو قادم، بوصفه صيغ لهدم الدين؛ أي حماية الذات مما هو وافد، من مؤامرات وأحقاد الآخرين، الطامحين لهدم الدين.

3- الوصاية على الآخر

يحضر الآخر الغربي في مخيال الجماعات الجهادية كعاجز عن بناء الذات المتناسقة -وفقاً لرؤيتهم للذات المتخيلة- وهم حاملو أداة بناء هذه الذات، المتمثلة في النص الديني وما يحمله من قيم أخلاقية، ويمثل طرحهم كأيديولوجية من الأيديولوجيات الكبرى، كالماركسية... وغيرها، التي ترى في نفسها حق تنظيم حياة الجميع، فإن طرحهم يتمتع بالامتياز الميتافزيقي المتعالي على الأيديولوجيات الإنسانية، وما تحمله من اختلافات فردية، فهو طرح ميتافزيقي جاء من قبل عقل إلهي. فعلى حد قول محمد أركون هناك «امتياز أنطولوجي يزعمون أن الإسلام يمتلكه دون سائر الأديان أو الأنظمة المعرفية الأخرى»[28] يتم من خلاله تأطير الصلاحية الفكرية، والعلمية، والسياسية، والأخلاقية، والتشريعية، لكل المنجزات التاريخية التي يرضى عنها الإسلام[29]. ويرى محمد أركون أنها تملك الجماعات الجهادية -بما أنها مالكة للإسلام- حق إضفاء الشرعية على المنجزات الفكرية، والعلمية، والسياسية، والاخلاقية والتاريخية... ويمكننا القول بما أنها تتحدث باسم الذات الإلهية، فإن لها الحق لإضفاء الشرعية على كل المنجزات البشرية، أو سحبها منها، ومن ثم تكون هي الأجدر بالوصاية على العالم.

وهي تسعى إلى تغيير العالم وفرض رؤيتها على كافة الأصعدة، ويرى أركون أن ظاهرة أسلمة العلوم أو أسلمة الحداثة، تمثل حالة من الهيمنة، يمتد الإسلام منها بوصفه نظاماً من العقائد الثابتة المستقبلة من قبل العقل الإسلامي بشكل سلبي لا يمثل فيه العقل أي دور، إلى أن يصبح فكراً مزوداً بكل المبادئ المنطقية والمناهج والعلوم المنطقية والاستدلالية وكل الأجهزة المفهومية للتفحص والضبط. وتمثلت كل هذه المجريات والمنهجيات في التراث الإسلامي العظيم[30]، كما يرى أركون أن التراث الإسلامي أضحى يمثل العقل الذي يفكر وينتج للمستقبل الإسلامي. وسياسياً، فالإسلام انتابته حالة من الأفول والغياب منذ عصر الخلفاء الراشدين، فلم يأت إثر الخلفاء الراشدين ما يمثل الدين، وكل التطورات الإسلامية منذ ذلك الحين تمثل وثنية[31]، وعليه يكون المستقبل السياسي متمثلاً في الماضي[32]، ويكون الحاضر حالة من المروق عن الدين، ومن ثم ترى (الجماعات الجهادية) أن العالم قاصر، وعليها حمل لواء العودة إلى الدين، وإخضاع المجتمعات داخل نظامها الممثل للحقيقة، والمؤسس لكل المشروعيات[33].

ثانياً: الآليات

1- التماهي (*) مع الله (قصدية النص)

يمثل النص للوهلة الأولى منطلقاً للجماعات الجهادية، لكنه على المستوى الواقعي، يعد أداة أيديولوجية تمكنه من محاولات فرض رؤيته؛ وذلك من خلال التماهي مع الله وأنبيائه أو مع صحابة النبي محمد صلى الله عليه وسلم[34]، وعرض رؤيته كفرض إلهي أو رؤية نبوية لا تنفك هي الأخرى بأن تكون فرضاً إلهياً.

فالجهاد يستمد مشروعيته من فرض الدفاع عما ورد في القرآن على أنه «دين الحق»، وما قدمه الفقهاء على أنه صحيح الدين، دون الانتباه إلى أن هذه العقائد بنيت داخل إطار زمني إنساني من قبل علماء مرتشين، أو حكام إمبرياليين[35]. واعتادت الجماعات الجهادية استنطاق النص بأيديولجيتهم ويتخفون وراءه ويتحدثون من خلاله، بوصفهم المالكين لتأويله وقصديته، فلا مجال للحديث عن تأويل بشري للنص، بل يعرض بوصفه مطابقا للمراد الإلهي من النص، مما ينتج عملية تماهي مع النص ومن ثم الدين والله، وعليه تكون وصايتهم على البشر أمراً بديهياً بوصفهم متجاوزين الحد الإنساني ومتعالين عليه[36]. ولا تقبل آراؤهم المجادلة والمناقشة، بصفتهم متحدثين باسم النص القرآني؛ المقروء من قبل جميع المسلمين من خلال آلية الإيمان المسَلم به والبديهي الذي لا نقاش ولا جدال [37]. هذا فضلاً عن التعالي بمقولات الصحابة والتابعين على السياق الاجتماعي والسياسي، ومن ثم الأنثروبولوجي، والتعامل معها كحقائق إلهية مطلقة[38]، وإعلان الجماعات الجهادية نفسها كوكيل حصري للصحابة والسلف، ومن ثم يملكون نوعاً من القدسية يعطيهم الحق في التوجيه والزجر[39].

ويأتي هذا بشكل صريح داخل ميثاق العمل الإسلامي وردّهم على اتهامهم بالوصاية على البشر.

«يقولون: هذه وصاية منكم على البشرية؟!

نقول: هذه وصاية شرع الله ودينه على أرض الله وخلقه، ونحن مأمورون بتحقيقها لصالح البشرية بوصفنا خير أمة أخرجت للناس»[40].

 

2- التكفير/جاهلية العصر

الرأي الشائع الذي تتبناه الجماعات الجهادية هو أن علة الجهاد هي الكفر؛ يعني أنه يكفي أن تكون كافراً كي نجاهدك، وثمة رأي آخر يرى أن علة الجهاد هي الاعتداء؛ أي إنك تجاهد من اعتدى عليك فقط، وأصحاب هذا الرأي هم سفيان الثوري (*)، وعبد الله بن عمر (**)، وعبد الله بن الحسين (***)، وابن شبرمة (****)، وعطاء ابن رباح، إلا أنه قُدم على أنه هامشي، فنال حظه من التعتيم، في المقابل نال الرأي الآخر حظه من الاستحسان والترسيخ. وتم الاستقرار داخل الجماعات الجهادية على أن «الكفر علة الجهاد» ويسوقون مجموع من الآيات التي تحث على القتال بشكل انتقائي متغاضين عن آيات التسامح والعفو. {وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كافَّةً} [التّوبَة: 36]، {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التّوبَة: 5]، {قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ} [التّوبَة: 29]، وتعد بمنزلة مبررات القتال في الإسلام[41].

تبعاً لاكتساب الجماعات الجهادية قدسية إلهية تبيح لها التعالي على الإطار البشري، فإن الاختلاف معها يمثل اختلافاً مع الدين والله، وتمثل هي الحق والإيمان في مقابل الكفر. انطلاقاً من عقيدة الولاء والبراء، فإن ولاة الجماعة هم المؤمنون، وغير المولين لها هم الكافرون، ممثلو الجاهلية الثانية، وها هو محمود غزلان عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمون يقول: «يا أهل مصر: لقد أتيناكم لننقذكم من الجاهلية والكفر وعصور الظلام التي كنتم تعيشون فيها»[42]. وتقرر الجماعات الجهادية أن حكم الإسلام في هذه الأنظمة والحكومات واضح وصريح. إنها كافرة وجاهلية وساقطة الشرعية، ووجودها غير جائز وكذلك استمرارها، وإزالتها واجب وفرض ديني، فقد آن لها أن تذهب وتعود من حيث أتت وتمضي غير مأسوف عليها، لتعود الخلافة والريادة من جديد، فآن لها أن تعود لتسترد مكانتها وأراضيها، وأهلها وذويها الذين انتزعت منهم وانتزعوا منها، تعود لتقيم الدين وتحرسه وتسوس الدنيا به[43].

وعليه ينقسم العالم إلى دار سلام، وهي الجماعة بكل تأكيد، ودار حرب، وهي التي تحكم بغير ما أنزل الله[44]. وأهل هداية يعملون على إصلاح أهل الجاهلية، وليس أدلّ على ذلك مما ذكر في وثيقة العمل الإسلامي «لقد أكثرنا القول، ولا بأس من أن نكرر؛ أن الخلق عبيد الله والأرض ملك لله، ومن ثم فإن الخلق كلهم مطالبون بالدخول في دين الله، والأرض كلها من المفروض أن تخضع لسلطان هذا الدين»[45].

3- التقويم

عادة ما يؤدي التقويم وظيفة مهمة، وهي خلق القناعة بالأمور وتبرير المواقف، ومن ثم إضعاف التوتر بين الإنسان وعالمه[46]، خاصة إذا كان يشعر بالاغتراب وعدم الانتماء، والدونية تجاه هذا العالم، كما أنه يمثل تحقيقاً للذات المهمشة والمنهزمة، حيث إنها تمكنها من الشعور بامتلاك العالم وفرض معايرها الخاصة كقوانين طبيعية، وعليها تقاس الأشياء والأمور تبعاً لرؤيتها[47]. ويأتي التقويم كأحد آليات الذات المهمشة تبعاً لإعطاء نفسها حق الوصاية، ومن ثم تكون هي الموكلة بالتقويم والتعديل.

وفقاً لنسبة الجماعات الإسلامية نفسها إلى تعاليم القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم وادعاء المسؤولية العليا في حماية هذه التعاليم[48]؛ فالفرقة المتحدَثة تعد عند الموالين لها طبقاً لإرادة الله وتنفيذ أوامره، وتمثل كياناً مكتملاً، يوكل إليه الله وظيفة إ حقاق حقوق الله على الأرض، وإقامة الدين، المتمثل في رؤيتها الأحادية له، وبالتالي عليها قتال المخالفين (الكافرين برؤيتها)[49]، بوصفها الممثل للمشروعية العليا والمقدسة ضد السلطات الشيطانية والمنحرفة[50]. وقد أعلنت هدفها بشكل صريح، وهو: إعادة الفلول الشاردة الآبقة الضالة عن صراطه المستقيم إلى فطرتها التي فطرت عليها وردها إلى رشدها، وهو ما تعنيه بقولها: (تعبيد الناس لربهم)، تعبيد الناس لربهم في عقائدهم وشرائعهم وأخلاقياتهم ومعاملاتهم وتحاكمهم وتقاليدهم[51].

وتحمل جملة «تعبيد الناس لربهم» (*) تقويماً صريحاً، حيث إنهم عاجزون عن اختيار العبادة، ولابد من قوة خارجية تعمل على تعبيدهم لربهم وردهم إليه، تبعاً لقصورهم العقلي. وتتمثل الحضارة في قاعدة «تعبيد الناس لربهم»؛ فهي غير مرتبطة بأي نوع من أنواع الإبداع المادي أو المعرفي، بقدر ارتباطها بإخضاع العالم للمنهج والدين الإلهيين، والجماعات الجهادية التي تدخل معهم في حالة تمثيل تصل إلى حد التماهي.

4- الجهاد / فرض الذات المتخيلة

لما كانت الذات المتخيلة -التي تتبناها الجماعات الجهادية- عاجزة عن التمثيل الواقعي، ولا تتعدى منجزاتها الواقعية العدد صفر، أصبح قبولها وذيوعها ضرباً من الخيال أيضاً، فهي لا تمثل أي تحقيق واقعي للذات الفردية أو الجماعية. فعز على الجماعات الجهادية وجود آلية أخرى لفرض الذات المتخيلة على الواقع غير العنف، -فحسب معجم جميل صليبا كلّ فعل يخالف طبيعة الشيء ويكون مفروضاً عليه، من خارج فهو بمعنى ما فعل عنيف[52]- فسعت إلى التطابق بين مفهوم الجهاد والقتال، متغاضية عن التعريفات الأخرى التي ترى الجهاد جهاد النفس، كالصوفية وغيرها، خاصة وأنه يأتي متناغماً مع المفاهيم الفقهية التي تتبناها (*)، والتاريخ المتخيل الذي يعمّر أذهانها، فعلى حد قول محمد أركون يمثل الجهاد: «'الحرب العادلة' لإخضاع المجتمعات داخل نظام للحقيقة، مؤسس لكل المشروعيات»[53]؛ فالحديث اليوم عن الجهاد كفريضة غائبة، لا يكون عن الجهاد كآلية دفاعية لحماية المعتقد، [54] بل إنه يتجاوزها إلى الجهاد كوسيلة تبشيرية[55]، يتمكن الإسلام من خلالها الوصول إلى القيادة، التي كانت له دوماً وفقاً لزعم منظري الجماعات الجهادية[56]. في حال أن يكون الجهاد هو الفريضة الغائبة أثناء انهزام المجتمعات الإسلامية وضياعها وتشتتها، يمثل الجهاد إعادة الاعتبار للذات الإسلامية[57] التي فقدت شرعية السلطة والندية أمام الدول الأخرى. وعليه يغدو الجهاد الشأن الدائم -من حيث هو تحقيق للذات- لا موقفاً عرضياً، حيث إنه يمثل أحد وسائل فرض الذات المتخيلة (الحق)، على العالم (الباطل)، ولا يمكن للاثنين أن يعيشا جنباً إلى جنب. والجهاد عندهم مهمة الأمة الإسلامية حتى قيام الساعة؛ فحتى إذا انتصرت الجماعات الجهادية، ومن ثم انتصر معها الإسلام والله التي تدخل معهم في حالة تماهٍ، ما كان للغرب المغتصب أن يترك الأمر على حاله ورمى الإسلام وتربص له[58]، وسعى إلى هدمه ومحاربته، وعلى الجماعة الجهاد دفاعاً عن دينها.

ويتقدم الجهاد ضد الكافر المرتد على الكافر الأصيل، وهذا ما يدفعهم إلى تصويب العنف نحو الحكومات والشعوب العربية الإسلامية[59]. ومنع مؤسسات الدولة من ممارسة أعمالها[60]، وثمة شبه اتفاق على الوصول إلى الحكم، بأي وسيلة، حتى وإن كانت قتل الأبرياء. ولا يمثل القتل هدفاً في ذاته، بل هو وسيلة للوصول إلى الحكم، فالهدف ليس المقتولين[61]، بقدر ما هو زعزعة الثقة بالنظام الأمني وإظهار القوة للمخالفين، حتى يذعنوا إلى حكمهم.

ولا يظن من هذا أن الجهاد يقف عند حدود الدول العربية/ الإسلامية، بل إن ميثاق العمل الإسلامي ينص على «إننا كمسلمين مأمورون بتحقيق سيادة شرع الله على أرض الله وعلى خلق الله. إننا كمسلمين مأمورون ألا ندع أي طائفة على وجه الأرض تحكم الناس بغير شرع الله. فمن أبى ذلك ورفض الإذعان قاتلناه»[62].

ويمثل تنظيم داعش الترجمة الواقعية لحالة فرض الذات المتخيلة، بوصفها نتاجاً طبيعياً للاحتلال الأمريكي للعراق، حيث عمل على إعلاء طائفة وإذلال وتهميش أخرى، مما يخلف نوعاً من المقاومة، ومحاولة تعويض الذات المذلولة والمهمشة، ممثلة في إقامة خلافة إسلامية سنية[63].

وتفضي القراءة السابقة لفكر الجماعات الجهادية وأصل العنف بأن العنف عادة فعل سياسي؛ بيد أن فاعليه يلبسونه رداء الدين، فالحديث ليس عن قضية دينية أو عقائدية بقدر ما هو سعي نحو السلطة والتحكم في مصائر البشر، كما أن النص في ذاته -أي نص- في حالة عجز عن توجيه العامل البشري بقدر الواقع الذي يعيشه ولا يمكنه تجاهله، فمهما أعلنت الجماعات انطلاقها من النص لا يعني هذا أبداً أن النص هو العامل الرئيس والمحرك لها.

3-2- محورية النص في الواقع الإسلامي

من خلال المعطيات التاريخية، يمكننا القول إن البناء المعرفي (أي بناء معرفي) يأتي استجابة لحاجة تفرض نفسها على الواقع؛ فهو بمنزلة رد فعل للمقتضيات والحاجات الواقعية. وفي حال التفسيرات المقدمة للوحي الإسلامي (القرآن) (*) تصدق هذه القاعدة، من حيث إنه أحد المنجزات المعرفية بطبيعة الحال؛ فمجمل المحاولات التفسيرية انطلقت من ظروف واقعية شكلتها ووجهتها، خاصة مع صعود الإسلام كأيديولوجية لمواجهة الأفكار الغربية الدخيلة على الثقافة العربية، القادمة مع القوى الاستعمارية، فاضحت القوى الثقافية العربية تعمل على استنطاق النص بالمنجزات المقدمة لحل المشكلات الإنسانية، وسلب أصالة أي محاولة أو فكرة تطورية ونسبها إلى الإسلام والنص الديني، كما تم نسب التطور الأوروبي إلى الإسلام وابن رشد من قِبل العديد من المفكرين.

وتمثل التفسيرات الإصلاحية (المنجزة في العصر الذي يطلق عليه العصر الإصلاحي) نتاجاً أولياً لتماس الحضارة العربية/ الإسلامية مع الحداثة القادمة مع غزو نابليون بونابرت، فانطلقت للإجابة عن التساؤلات الغربية المطروحة على الواقع الإسلامي، وجعلت العقل الإسلامي في حرجٍ وعاجزٍ عن التنصل منها، تتفق في المنهج مع التفسيرات التراثية، كون النص القرآني حاملاً للإجابات الكافية عن جملة مشاكل الوجود الإنساني، ومن ثم تحاول الدفاع عنه مقابل المنجز الحضاري الغربي، إلا أنها تفضي إلى نتائج مختلفة، حيث إنها تعمل بمنهج انتقائي تلفيقي، يحاول استنطاق النص بالمنجز الحضاري الغربي. واعتبار الحضارة الغربية ممثلاً لمفهوم الإسلام الصحيح، ويتجلى هذا في عبارة الإصلاحي الكبير محمد عبده عن المجتمع الأوروبي (وجدت إسلاماً بلا مسلمين، وهنا مسلمون بلا إسلام) بعيداً عن التعارض المنطقي الصارخ بالعبارة، ولكنها محاولة تلفيقية ذات جانبين؛ أولهما: سلب العقل الأوروبي القدرة على إنتاج ذاته، ونسب التقدم أو تعريفه بالإسلام، وثانيهما: استنطاق النص بهذا المنجز، بغير منهجية واضحة، بل عبر العمل بآلية انتقائية تبريرية نفعية.

وقد خرج من رحم التيار الإصلاحي تياراً الحداثة والسلفية؛ فالسلفية تعد رد فعل حداثي بامتياز؛ إذ جاء التيار السلفي كرد فعل لحالة الانهزام العامة التي يعانيها العقل الإسلامي تجاه المنجز الحضاري الغربي، كونه مستهلكاً عاجزاً عن المشاركة أو الندية؛ وذلك من خلال زعم تفوق أنطولوجي مبني على الانتماء العقائدي، مقابل التفوق الحضاري الغربي، بل متعالياً عليه. ويبلور التيار السلفي رؤية مشروعيته من خلال دفاعه عن الهوية الإسلامية والعمل على حفظها وعدم تفككها، وينطلق من هاجس المؤامرة المسيطر على الذهن السلفي، وتصبح العودة إلى النص ووضعه خارج السياق التاريخي أهم آلياته في الدفاع عن الهوية الإسلامية وتماسكها كونه يعد المكون الأساسي لها، والحصن المنيع للذات العربية/الإسلامية حسب رؤية التيار السلفي. ومن ثم يتعامل مع النص القرآني، بوصفه مجموعة من الأوامر والنواهي المتعالية على أي سياق تاريخي، والتي جاءت في الفضاء معزولة عن أي سياق اجتماعي وتاريخي، وغير المحتاجة إلى أي أدوات تأويلية أو وسيط معرفي لإنتاج أحكامها الاجتماعية، بل يتم تنفيذها بحرفيتها.

وعلى النقيض من التيار السلفي، جاءت المحاولات الإبستمولوجية أكثر نضوجاً؛ وذلك من خلال قبولها بالتطور المنهجي الذي تشهده الحضارة الإنسانية، وسهولة الاتصال والاطلاع، فكانت أكثر منهجية، من حيث إنها ركزت على بناء منهج تأويلي يعتمد على السياق التاريخي في فهم النص، والوصول إلى غايته الاجتماعية، من خلال فهم الثقافة التي جاء مقوّماً لها ومتعاطياً معها ومتكوناً من مفرداتها، وعلى هذا لا يكون أي تفسير مقدم متعالياً عن لحظته التاريخية وظروفه الاجتماعية، وغير مبرأ من الانحيازات الإنسانية الطبيعة (كما يرى الاتجاه الأصولي). وقد انطلقت أيضا من حاجة الذات الإسلامية إلى توجه التفكير والنقد نحوها، بدلاً من مطالبة الآخر المتفوق بمراجعة موقفه تجاهها والكف عن حياكة المؤامرات؛ فالمحاولات الإبستمولوجية تمثل مرحلة من تطور العقل الإسلامي وتعاطيه مع الواقع.

النص والواقع الإسلامي

يمثل النص الديني في المجتمعات الإسلامية محور العلوم والمعارف والنشاطات التي تمخضت عنها الحضارة العربية والإسلامية، من خلال تحديده لعلوم تلك الحضارة، وتشكيله للمنظومة المعرفية داخل عقل المسلم، ولا يقف الأمر عند ذلك فحسب، بل إنه يحتلّ موقع الصدارة كمرجعية شاملة للفكر والواقع العربيين/ الإسلاميين[64]، ومن ثم عد الاتجاه الحداثي قراءة النص الديني وتأويله بمنزلة تأسيس للمعرفة الحاضرة، ونمطاً مغايراً للفكر القائم، ومن ثم نمطاً مغايراً للواقع القائم، وما يفضي إليه من مستقبل مختلف عن الراهن، وخروجاً من حالة الثبات التي يعانيها الفكر والواقع العربيان/ الإسلاميان[65]. فالنص يمثل شهادة ميلاد للأمة العربية/ الإسلامية من حيث تنزيله[66] ولما كانت قراءة النص الديني وفهمه تماثل التنزيل من حيث هي إعادة تشكيل الثقافة من خلال تقديم قراءة معاصرة لمحورها (النص الديني)، فإن القراءات المعاصرة المقدمة مما يطلق عليه الاتجاه الحداثي تعد نفسها محاولة انبعاث الروح في الأمة العربية وميلادها من جديد؛ لذلك تتمثل أزمة الفكر العربي -في جزءٍ كبيرٍ منها- في واحدية الفهم للنص الديني وغياب استراتيجيات القراءة والتأويل. فالقراءة - كما يرى أبو زيد- هي لبّ نظرية المعرفة «بوصفها بناءً معقداً من العلاقات التي تتضمن عناصر 'الذات' و'الموضوع' و'السياق' و'نسق العلامات'، و'الرسالة'، وهي تتفاعل مع بعضها تفاعلا يتسم بالتوتر الذي يفضي أحيانا إلى 'بروز' بعضها على حساب البعض، دون أن يفضي إلى إخفائها إخفاء كاملاً»[67]؛ بيد أنه قد تم الاستقرار من قبل الإسلاميين على قراءة واحدة للنص الديني (القرآن) قضت باختفاء بقية القراءات، وجاء ذلك لرغبة السلطة اللاهوتية التي قضت بأن كل شيء قد قرئ من قبل -دون تدخل الفرد المعاصر- وقدمه أسلافنا ومن ثم أغلقت المنافذ نحو أي قراءة ممكنة[68].

إذا كانت قضية خلق القرآن تمثل مشكل حول تحديد طبيعة القرآن، فإنها تتضمن بطبيعة الحال تساؤلاً حول كيفية التعامل معه وقراءته، فإذا كان القرآن مخلوقاً يكون النص القرآني جاء متجاوباً ومتعاطياً مع الواقع الإسلامي، وليس ثمة طريق -في هذه الحالة- لقراءته بمعزل عن سياقه الثقافي. أما إذا كان غير مخلوق، فإن النص موجود منذ الأزل، وعليه يكون النص وحده كافياً لإنتاج الاحكام دون أي أداة أو وسيط معرفي، ولا حاجة للعقل الذي جاء القرآن مخاطبا إياه، حيث إنه قد جاء دستوراً أزلياً متعالياً على أي قدرة بشرية، له أن يحكم إلى الأبد، ومن ثم تنصب الدراسات حول النص وطبيعته ونطقه، في حالة من التغافل عن أي محاولات تطبيقية له، ودوره داخل الواقع الإسلامي. وتم الاستقرار على الرؤية الأشعرية (بأن القرآن غير مخلوق) للوحي على يد الخليفة المتوكل (206هـــ-247هـــ) في حضور الشرفاء والقضاة وشهود العدل، وقضى بتحريم القول بخلق القرآن واعتبارها خارجة عن الدين، ومستباح دم من يعتنقها. وقد اختفت القراءات المختلفة مع الاتجاه الأشعري بآلية الفرض السياسي، عوضاً عما فعله الشافعي من محاولة التأسيس العقلي -تبعا لمفهوم العقل حينها- للأصول، وحد ورسم الاجتهاد داخل سياق وسلطة النص وحده، مما أفضى إلى تغافل شبه تام عن أي محاولة فهم للنص ضمن سياقه الثقافي والاجتماعي الذي جاء مخاطبا إياه، واتجاه الدراسات نحو طبيعة النص وتكويناته، مما يجعل النص في نطاق معزول عن الفاعلية التطبيقية داخل السياقات الاجتماعية.

وعليه، فقد شكلت الرؤية الأشعرية رؤية صادقة ونهائية للدين، وليس ذلك فحسب، بل إنها قدمت نفسها كنمط للتفكير الإسلامي، يشكل أدوات ومناهج العقل الإسلامي والخروج عن هذا النمط وهذه الأدوات يمثل خروجاً عن الدين. ومن ثم أضحى الفكر العربي الحديث والمعاصر في مجمله، كما يقول الجابري، فكراً لا تاريخياً يعاني من الإفلاس الموضوعي والمنطقي، وجاءت قراءاته للتراث تنحصر في الرؤية الأشعرية، وتنزه الماضي وتقدسه وتستمد منه «الحلول» الجاهزة لمشكلات الحاضر والمستقبل على السواء[69].

وشكل الخروج من سياج المناهج اللغوية التقليدية مطلباً ضرورياً لا فكاك منه بالنسبة إلى الفكر العربي/الإسلامي المعاصر، لعجزه عن مواكبة الواقع في تطوره، وتجميده للنص عند فترة معينة[70]، وعني بهذا الأمر العديد من الباحثين، محاولين البحث عن آلية تتفق مع متطلبات العصر التي تفرض نفسها، ومراد النص الديني.

أولاً: التيار الإصلاحي

لما كان الاستعمار ينطلق من التسليم بالتفوق العسكري أو الحضاري، جاء الاستعمار الأوروبي للعالم الإسلامي في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، يزعم قدرته على الحكم الذاتي، وعجز البلدان الإسلامية عن ذلك، ومن ثم جاء لإصلاحها بوصفه الأكثر قدرة على حكمها وفهمه لأزماتها وإدارة أمورها[71]. لهذا لم يكن خطر التوغل الإمبريالي الأوروبي هو الخطر المحيق بالإسلام في نظر المسلمين حينها، بل كان التفوق الحضاري هو العنصر الأهم، فكان التوغل الأوروبي لبلاد الإسلام يحمل في معناه تفوقاً حضارياً للغرب المُستعمِر على الحضارة الإسلامية؛ فالإسلام لم ينتشر كدين فقط، بل انتشر كدين ونظام في حالة من التماهي والتداخل[72]، وقد أكد الإسلام لنفسه صلاحية مطلقة على من يدينون به، في كافة المناحي الحياتية. فكان تفوق الغرب الإمبريالي كاشفاً عن التفوق الحضاري للغرب وصلاحيته، ومن ثم عجز الإسلام - المتمثل حينها- كمنهج لمواجهته[73]. ويأتي هذا متناقضاً مع الوعد الإلهي لهذه الأمة بالتفوق، فيتساءل الأفغاني: هل نرتاب في وعده بنصرنا بعد أن أكده لنا؟ ويجيب حاشا لله[74]، فالله لم يخلف وعده، ولكن الأمة تخلفت عن الإسلام الصحيح، ومن ثم ظهر الإسلام الصوري الجوهري، المختلف جذرياً عن حال المسلمين القائم بالفعل، وسعى التيار السلفي الإصلاحي إلى سد الفجوة القائمة بين ما سماه بالإسلام، وما سماهم بالمسلمين؛ وذلك من خلال عودة المسلمين إلى منهج الإسلام وجوهره. وتمثل الجوهر الإسلامي داخل الذهن الإصلاحي في التقدم الغربي، فاتخذ الغرب ذاته كنموذج يحل به أزمته، ويسعى إلى تحققه[75]، كونه المسيطر حضارياً، ومن ثم فارضاً للمعايير الإنسانية من خلال تفوقه. فأنجب التقدم الحضاري الغربي، التيار الإصلاحي كمحاولة للرد على التساؤلات المختلفة التي يطرحها، وعجز المنهج التراثي الكلاسيكي عن الإجابة عنها، فأنتجت تياراً تفسيرياً من داخل المنهج التراثي الكلاسيكي ينحرف عنه في بعض النتائج، لعل أهمها محاولة حل أزمة الغيبيات، وعقلنة الدين، فيمكننا القول إنها تمثل خطاباً أيديولوجياً مأزوماً تحكمه أيديولوجية الدفاع[76].

ولما كانت طبيعة الخطاب الدفاعية تفترض نية ورؤى مسبقة، فإنها تعمل بشكل انتقائي يوافق نيتها ورؤاها. كذلك جاءت القراءات الإصلاحية -لطابعها الدفاعي- ذات طابع انتقائي، اعتمد على العناصر العقلانية في التراث، خاصة ما يؤول في نهاية الأمر إلى الموقف الأوروبي ومنجزاته، التي كانت تمثل التحدي الذي يعمل هذا التيار على مواجهته[77].

فقد جاءت محاولات محمد عبده الــــتأويلية، كمحاولة لاستنطاق النص الديني (القرآن) والتراث الإسلامي بقيَّم التقدم الغربي -الذي يسلبه محمد عبده أصالته وادعاءه بأنه صحيح الإسلام[78]- وذلك من خلال عمل انتقائي نفعي للنص وللتراث، بما يوافق القيم المطروحة حينها من الحرية والتسامح والمواطنة التي جعلت العقل الإسلامي في موقف حرج حينذاك[79]. ولا يفهم من ذلك أن محمد عبده سعى إلى تقليد الغربيين، فهو رفض التقليد رفضاً تامّاً، وادعى أنه سبب جمود العقل الإسلامي، فضلاً عن أن الإسلام جاء مناهضاً للتقليد ورافضاً إياه[80] من أي جهة، فرفض تقليد الغربيين، كما رفض تقليد المعتزلة أو الأشاعرة في موقف يرويه الشيخ مصطفى عبد الرازق، حين سأل الشيخ عليش محمد عبده بأنه ترك الأشاعرة ليعتنق المعتزلة فأجاب إذا كنت تركت التقليد الأشعري فلماذا أقلد المعتزلي؟[81] ورفض حتى تقليد الأزهر وتعاليمه؛ ففي حوار دار بينه وبين الشيخ محمد البحيري، سأله «الشيخ محمد البحيري: إننا نعلمهم كما تعلمنا. الأستاذ الإمام: وهذا الذي أخاف منه!! الشيخ البحيري: ألم تتعلم أنت في الأزهر، وقد بلغت من مراقي العلم وصرت فيه العلم الفرد؟ الأستاذ الإمام: إذا كان لي حظ من العلم الصحيح الذي تذكره، فإنني لم أحصّله إلا بعد أن مكثت عشر سنين أكنس من دماغي ما علق فيه من وساخة الأزهر، وهو إلى الآن لم يبلغ ما أريد له من النظافة.!!»[82].

ورفضَ محمد عبده إسراف الأهالي وتطرفهم في التمسك بظواهر المدنية والغفلة عن تطبيقها وتفاعلها؛ وذلك من خلال نقده لحال الزراعة التي لم تزل بدائية، وغياب الدراسات الفعالة لزيادة الحاصلات الزراعية، وكذا الأمر بالنسبة إلى الصناعات التي انحط قدرها، وكذا التجارية أيضاً، ورجال العلم الذين لا يتعدون عدد الأصابع، بل أقل بكثير[83]. فلا يسعنا أن نعده مقلداً بقدر ما كان ابن مرحلة الاحتكاك بالحداثة والتضارب ما بين أصالة التراث وبريق الحداثة المبهر، فهو ناقد للواقع متأسياً بالتجربة الأوروبية، ومنبهراً، يحاول الإبداع والتفرد.

وإذا كانت الحضارة الغربية قد لعبت دوراً مهمّاً في استفزاز العقل الإسلامي، ومحاولة التوفيق بين صحيح الإسلام (المتمثل في الحضارة الغربية) وبين الواقع الإسلامي. فإن ما قدمته لا يمكن إدراجه من باب التقليد فحسب، بل إنه نبع من محاولة حل أزمة العقل الإسلامي -المحكوم بآلية لاهوتية جامدة- تجاه الحضارة الغربية؛ وذلك من خلال نموذج عياني ظهر خلال التاريخ الغربي يمكن القياس عليه وتحري خطواته، وهو الثورة التنويرية الغربية، ومحاولات مارتن لوثر الإصلاحية، فنجد أن الإمام محمد عبده نادى بمرونة الأحكام التشريعية الإسلامية، ومراعاة الواقع في سن هذه الشرائع، حيث نما من خلال إغفالها للواقع تمحورها في مرحلة صورية في حالة غياب تام عن الطور التطبيقي، أو الترجمة الواقعية.

لقد كان التيار الإصلاحي متوتراً بتوتر هذه المرحلة من الصدام الحضاري وبداية التماس مع الحداثة؛ فلا هو متبع تيار الإسلام التقليدي التراثي[84]، ولا هو متبع التيار الحداثي الصرف. فلقد نقد الواقع الإسلامي، ومن ثم أنكر على المسلمين تخلفهم، كما أنه رفض اعتبار هذا التخلف نابعاً من الإسلام ذاته، بل هو للخروج عن منهجه؛ فالإسلام منزه عن أن يكون علة هذا التخلف، وهو يمثل أداة إصلاح العالم وتطوره. ولما كان التطور متمثلاً حينذاك في الحداثة الأوروبية، فكان على هذا التيار استنطاق النص القرآني بهذه الحداثة، من خلال عملية تأويل قسرية؛ تجعل مفردات ومكاسب الحداثة النهاية التأويلية للنص القرآني، ومن ثم يصبح النص أداة أيديولوجية، تمكنه من إصلاح المجتمع وفقاً للنموذج الأوروبي[85]. ومن ثم أصبح الدين بالنسبة إلى التيار الإصلاحي مركز كل شيء وهدفه الأول إثبات صلاحية الإسلام للحياة في العالم الحداثي، بل صلاحيته ليكون قاعدة للتقدم في هذا العالم[86]. فبدأ التيار الإصلاحي بنقد الواقع، وانتهى إلى الحاجة لتطبيق الدين والعودة إليه، باعتبار ما حل بالمسلمين نقمة إلهية[87] وخروجاً عن صحيح الدين الذي يمثل التقدم والازدهار.

يتميز التيار الإصلاحي بمحاولاته للخروج عن تفسير القدماء واعتباره أورجانون عمل العقل والواقع الإسلاميين[88]، في اجتياز حرفية النص ومعناه إلى مراده، كتهذيب الأرواح وإرشادها إلى طريق الحياة[89]. فضلاً عن محاولة زعزعة ما يسمى بالامتياز الأنطولوجي للمسلمين لكونهم كذلك، فالخطاب القرآني لم يوجه إليهم لخصوصية يحملونها بقدر ما هم أفراد من النوع الإنساني الذي جاء الوحي لهدايتهم[90]؛ ومن ثم نتج من تخليهم عن منهج الوحي تخلفهم وتقدم الغرب، إذن ليس ثمة حديث عن أي شكل من أشكال الامتياز الانطولوجي إذا كان تخليهم عن المنهج الموضوع من قبل الوحي أضحى إلى تخلفهم، بيد أن الامتياز يتمثل في اتباع منهج الوحي الذي رآه التيار الإصلاحي متحققاً في الحداثة الغربية.

وتبلور عن هذه المرحلة تياران معاصران مهمان لا يزالان يلعبان دوراً مهمّاً على الساحة العربية؛ وهما التيار السلفي الذي يرى أن إزالة التخلف عن الواقع الإسلامي تتمثل في اتباع النص بحرفيته دون أي أدوات فقهية أو قياس أو تأويل، أو أي أدوات معرفية وسيطة، والتعامل مع النص بوصفه مجموعة من الأوامر المباشرة، والاتجاه الحداثي الذي يراهن على المنهج التأويلي المعاصر الذي يُمَكِن النص القرآني من الحضور التطبيقي داخل الواقع العربي الإسلامي، والخروج به من النطاق السلفي.

ثانياً: الآلية الأصولية Traditional Islamic لقراءة النص القرآني

تبعاً لما طرحه التيار الإصلاحي من أن حال المسلمين اليوم لا يمثل جوهر الإسلام لنفي العجز عن بناء الحضارة عنه، رأى التيار الأصولي أن جوهر الإسلام وحقيقته جاء في التفسيرات القديمة والمذاهب الفقهية، معتبراً إياها هبات إلهية مخصوصة، وهبها الله لمن قدموها لتفانيهم في عبادته وليست مكتسبة، ويفضي هذا إلى أن التفسيرات المتوارثة تكون مبرأة من الأهواء والتحيزات الإنسانية الطبيعية بوصفها هبات إلهية وليست اكتساباً انسانياً[91]، وعليه تحمل هذه التفسيرات قدسية تتماهى مع قدسية النص، ومن ثم يصم التيار الأصولي التفسيرات المخالفة لمنهجه وتوجهه بأنها فاسدة ومستكرهة ومدسوسة من قبل جهات لا تفعل شيئاً سوى صناعة المؤامرات ضدها[92]، تبعاً لرؤيته بأن الاعتصام داخل هذه التفاسير المتوارثة لمفاهيم النص، ضمانة لوحدة المجتمع الإسلامي، ودفاع عن الهوية الإسلامية وحفظ لها[93]؛ وذلك انطلاقا من المزج بين وحدة كتابة النص ووحدة القراءة، فمنذ الاتفاق على نسخة مجمعة للمصحف، وهي المصحف العثماني، تولد عنها القول بوحدة منهجية التفسير[94]. وعلى ذلك تصبح غير مقبولة كل قراءة تحاول التخلص من هذه التفسيرات[95]، ووضعها في إطار آليات التآمر على الإسلام، وتأتي المحصلة أن تتحول هذه التفسيرات إلى عقيدة، وعليه تم الاكتفاء بها كحقيقة أزلية ومرجعية مطلقة مبرهنة على كل شيء وفي غير حاجة إلى البرهنة[96]، لذلك أضحت هذه المدونة التفسيرية والفقهية تمثل نصاً موازياً للنص القرآني، فأصبح الواقع العربي يستمد الخلفية المرجعية للراهن من المنظومة التفسيرية والفقهية والفكرية التي قدمها العقل الإسلامي في العصور السابقة لمواجهة أزماته ومشكلاته، دون الانتباه إلى نسبيتها وخصوصيتها التاريخية والثقافية والسياسية والجغرافية.

وتَمَثَّل الاجتهاد لدى المنظومة الفكرية التراثية -التي يُوَكِل التيار الأصولي نفسه حارساً عليها- اجتهاداً في اللغة التي جاء بها النص القرآني، واستقر على أن اللغة مدخل الفهم القرآني، ومن ثم تم تهميش الواقع ومقاصد الشريعة بدرجة كبيرة قد تصل إلى حد الإخفاء والإهمال، فأصبحت -على حد قول محمد عابد الجابري- «مقاصد اللغة» هي المتحكمة[97]، ويتبدى هذا في القول بقاعدة: (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب)[98].

ويأخذ الاتجاه الأصولي في التفسير اتجاهاً واحداً -متبعاً التفسيرات القديمة- وهو بمنزلة نوع من التدريب الأدبي ليس إلا، عاجز غير معني بكيفية الحضور داخل الاجتماع الإنساني المتغير الذي يطالبه بالخضوع لهذا النص[99]؛ مما ينتج نوعاً واحداً من أنواع الدلالات الثلاث؛ وهي الدلالة الصريحة التي ترتكز على الشرط النحوي. والنص عاجز عن العبور إلى الدلالتين الأخريين: الدلالة الضمنية (الجمالية)، والدلالة النسقية[100]، واعتبارها كافية لقراءة النص في غير حاجة إلى الدلالتين الأخريين، مما يفضي إلى غياب شبه تام للواقع، فما زالت القراءات المعروفة هي القراءات التراثية، وهي سبع قراءات أو أربع عشرة من حيث سندها، اعتمدتها السلطة الأرثوذكسية في التراث، وهذه القراءات لا تخرج عن كونها تحليلاً فيلولوجياً للنص؛ كالإدغام والمد..[101]، ويتغاضى عن الطبيعة الأصلية للقرآن كونه موجهاً للإنسان دون التقيد بزمان ولا مكان محددين -وفقاً لدعوته الراهنية والعالمية- خطاباً موجهاً للناس، فـــــــ«الناس» هم هدف الوحي وغايته. تتفق الرؤية التاريخية مع أبو زيد في أن الثقافة العربية قبل الإسلام تتجه نحو المخاطب في نصوصها أكثر منها ناحية المتكلم، وانتماء النص إلى مجال الثقافة يجعله -كونه مكوناً من مفرداتها وقواعدها اللغوية ومتعاطياً مع العرف القائم داخلها- نصاً ينحو ناحية المخاطب. ويتضح اتجاه النص نحو المخاطب في كثرة أدوات النداء في النص، سواء كان المنادى هو «الناس» أو «بني آدم» أو «الذين أمنو» أو «الكافرون» أو «أهل الكتاب»، هذا بالإضافة إلى نداء المخاطب الأول بالنبي أو الرسول[102]. في مثل هذا التصور الذي يطرحه النص عن نفسه كرسالة موجهة لهداية الناس كافة، من خلال الثقافات ونظامها اللغوي، يصبح التركيز على مصدر النص وقائله فقط دون الانتباه إلى المرسل إليه ومتلقيه إهداراً لطبيعة النص ذاته، وإهداراً لوظيفته في الواقع، وهذا ما حدث في الفكر الديني الذي سيطر على التراث والذي لا يزال يحدث في ثقافتنا إلى اليوم[103].

ثالثاً: الآلية السلفية formal Islamic لقراءة النص القرآني

يعد هنري لوزيير (السلفية) المصطلح الذي استخدمه الإصلاحيون المسلمون في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين للإشارة إلى حركة الحداثة الإسلامية لديهم[104]. ويتضح من خلال تسمية أنفسهم بهذا الاسم أنهم يطمحون إلى إعادة أمجاد أسلافهم وأجدادهم، لكن المقصود هنا (بالسلفية) التيار المشابه عملياً -إلى حد التطابق- بالوهابية، ولكنها ترفض أن يطلق عليها (الوهابية)، وتفضل أن تطلق على نفسها اسم (السلفية)، وهي -كما تعلن عن نفسها- تمثل الإسلام الخالص النقي الخالي من كل بدعة أو شائبة، بلا انحراف أو زيادة. إنها تمثل الإسلام الصافي الذي أجمع عليه السلف الصالح، ولعل هذا ما دفع لوزيير إلى تسميتهم (بالسلفية النقاوية)[105]. وتمثل السلفية النقاوية أحد مردودات الحداثة، حيث إنها تستدعي منهج السلف الصالح لمواجهة أزمات العصر، التي ظهرت إبان احتكاك العقل العربي بمنجزات الحداثة، وتقدم نفسها بوصفها حاملةً لحقيقة الدين النهائية والفهم السلفي الصحيح، ومن ثم تتخذ مذهب اللاتمذهب؛ أي إنها ترفض التعدد المذهبي بشكل واضح وصريح وتراه بدعة وفرقة للدين، فلا تقر بأي سلطة أو دور للمذاهب الفقهية الأربعة[106]، فيصرح ابن تيمية -وهو المنظر الرئيس بالنسبة إلى العقل السلفي حتى أُطلق عليه لقب «شيخ الإسلام»، عندما سألوه عما قدمه بأنه موافق ومطابق لما قدمه الإمام أحمد بن حنبل قال: «مَا جَمَعْت إلَّا عَقِيدَةَ السَّلَفِ الصَّالِحِ جَمِيعِهِمْ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ اخْتِصَاصٌ بِهَذَا، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ إنَّمَا هُوَ مُبَلِّغُ الْعِلْمِ الَّذِي جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَوْ قَالَ أَحْمَدُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ مَا لَمْ يَجِئْ بِهِ الرَّسُولُ لَمْ نَقْبَلْهُ وَهَذِهِ عَقِيدَةُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم»[107] وعليه ترفض كافة الاجتهادات الفقهية والعقلية التي مارسها العقل الإسلامي تجاه واقعه والنص القرآني.

ويقدم ابن تيمية الاعتقاد بأنه «الإيمان بما وصف الله به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، وأن كلام الله غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود»[108]؛ فالعقل السلفي يرفض الاجتهاد اللاهوتي الذي قدمه العقل الإسلامي ودونه في التراث، ويحاول أن ينتج أحكاماً واقعية مباشرة من النص القرآني والسني دون أي وسيط معرفي، فهو يحاول البحث عن العقيدة النقية الخالية من أي تدخل عقلي.

وكل ما يرنو إليه أصحاب هذا الاتجاه هو إعادة صياغة العقل الجمعي في اتجاه منهج السلف الذي يشمل كل خير[109]، وهو يشترك في هذه الناحية مع التيار الأصولي، ومن خلال هذا التشابه يزعم التيار السلفي أنه ذو جذور أصيلة في التاريخ الإسلامي، وأنه ليس رد فعل على الحداثة، أو أحد أبناء احتكاكها بالمجتمع العربي الإسلامي، ويتفق التيار السلفي والتيار التراثي التقليدي، في أن كليهما رفض الحداثة ووضع نفسه موضع الدفاع عن الدين تجاهها، رغم أن كلّاً منهما يرفض الآخر، ولكنهما يريان أن كليهما أقرب إلى بعضهما من الاتجاه الحداثي.

ولا تستهدف الحالة الدفاعية التي يتمثلها التيار السلفي الوعي بالنص، بقدر ما يهدف التشويش الأيديولوجي للنص[110]، من حيث تنصيبه حامياً للهوية والخصوصية الإسلامية، مما ينتج عنه قراءة إيديولوجية للنص (القرآن والحديث) تعتمد على النص الخام، وتراه مجموعة من الأوامر والأحكام واجبة التنفيذ ولا حاجة إلى التفكير فيها، حيث يقود العقل الإنساني إلى الاختلاف دوماً، في حين يقود الشرع (وهو في حالة تماهٍ مع النص، وفقا لغياب أي وسيط معرفي يعمل على إنتاج الأحكام) إلى التوحيد والصلاح الإلهيين. فهم ينطلقون من قضية أساسية للفكر السلفي، فحواها أن القرآن عبارة عن المرجع النهائي والكلي للبشر أجمعين، وجامع لكافة الأنواع المعرفية الدنيوية والأخروية وحامل الجواب لكل سؤال، ولا حاجة للبشر إلى العلوم، حيث يحتوي النص القرآني والسني على كافة الحلول التي يحتاجها البشر في كل زمان ومكان، ويتعالى على أي فهم تاريخي[111]. وقد تخلى أصحاب هذا الاتجاه عن منهج التجريب في دراسة الظواهر الطبيعية، وكافة المناهج المعرفية والعلمية، فإنه مؤخراً بدأ ينتبه لهذا التغافل فأخذ على استحياء بعض أفراده يمارسون المناهج العلمية ويشتغلون بالعلوم، ليس بهدف التطور بقدر ما هو أمر وظيفي تحكمه شهادته العلمية.

ويفضل هذا الاتجاه استهلاك النص في الحياة اليومية التي تمكنه من فرض ثقافته، على إخضاعه للدراسة والتفحص العلمي الحديث، الذي يفضى بحضور تطبيقي للنص في الواقع الإسلامي[112]. وللاتجاهين الأصولي والسلفي في التفسير السيطرة على الشارع الإسلامي، والمعرفة الإسلامية، وتكون التيارات الأخرى هامشية، فالمجتمع يسعى إلى مدح التقليديين والأصوليين[113] ويميل إلى التربية على النمط التقليدي. ولعل هذا ما يفسر عجز النص عن القيام بدوره كنص تشريعي اجتماعي، حاملاً في طياته غايات أخلاقية متعالية ومجاوزة لأي نمط اجتماعي تتشكل فيه وتشكله.

[1] - أركون (محمد)، تحرير الوعي الإسلامي، سبق ذكره، ص49

[2] - Basileia, Vol. I, October 2008, ANATOMY of RELIGIOUS VIOLENCE, pp20

[3] - الخشت (محمد عثمان)، نحو تأسيس عصر ديني جديد، سبق ذكره، ص65

[4] - ياسين (عبد الجواد)، الدين والتدين، سبق ذكره، ص36

[5] - أبو زيد (نصر حامد)، الخطاب والتأويل، سبق ذكره، ص177

[6] - كلاستر (بيار)، غوشيه (مارسيل)، في أصل العنف والدولة، ترجمة على حرب، مدارك للنشر، دبي، 2013، ص ص94-95 (*)      كان رافائيل ليمكين محامياً بولندياً من أصل يهودي اشتهر بصياغة كلمة إبادة جماعية وبدء اتفاقية الإبادة الجماعية. صاغ ليمكين كلمة إبادة جماعية في عام 1943 أو 1944

[7] - دوكر (جون)، أصول العنف (الدين، التاريخ، والابادة)، ترجمة على مزهر، دار الرافدين، بيروت، 2018، ص41، 37-41، 57

[8] - عبد المطلب (جمال محمد)، الاستبعاد الاجتماعي واتجاهات الشباب الجامعي نحو التطرف (دراسة ميدانية لعينة من الشباب)، حوليات آداب عين شمس المجلد 45 (عدد يوليو 2017)، ص46-48. راجع أيضاً، محمد أركون، تحرير الوعي الإسلامي، سبق ذكره، ص50. وراجع أيضاً، عبد الله العروي، مفهوم العقل، ط3، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2001، ص324

[9] - منهج قائم على البحث في وقائع الأحداث، أو الوثائق التاريخية، وقراءتها مجدداً بشكل مختلف، بهدف الكشف عن شيء غير معروف فيها سابقاً، أو قد عرف على أنه حقيقي وواقعي، وهو يخضع في ذلك، لظروف موضوعية وذاتية معينة.

[10] - أركون (محمد)، تحرير الوعي الإسلامي سبق ذكره، ص157

[11] - ناشيد (سعيد)، الذرائع في خطاب الإسلام السياسي، سبق ذكره ص46. أيضاً: علي حرب، الإرهاب، وصناعه (المرشد/الطاغية/المثقف) الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت 2015، ص50

[12] - أركون (محمد)، الفكر الأصولي واستحالة التأصيل (نحو تاريخ آخر للفكر الإسلامي)، دار الساقي، بيروت، 1999، ص79

[13] - أبو زيد (أحمد)، هوية الثقافة العربية، الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة، 2013، ص330.راجع أيضاً، خالد رشيد المرشود، عوامل نشوء التطرف والإرهاب وطرق المواجهة، ص ص3-8 https://www.academia.edu/40236932/ عوامل _نشوء_ التطرف _والارهاب_ وطرق _المواجهة

[14] - أركون (محمد)، تحرير الوعي الإسلامي، سبق ذكره، ص53

(*) وليس أدل على ذلك، من كتابات المودودي وحركات التحرر الوطني وكتابات عبد الله النديم وغيرهم.

[15] - أركون (محمد)، تحرير الوعي الإسلامي، سبق ذكره، ص52

[16] - المصدر السابق، ص146

[17] - ناشيد (سعيد)، الذرائع في خطاب الإسلام السياسي، سبق ذكره، ص56

[18] - المرجع السابق، ص ص42-43

[19] - زايد (أحمد)، صوت الإمام، سبق ذكره، ص ص175-176

[20] - أركون (محمد)، الفكر الأصولي واستحالة التأصيل، سبق ذكره، ص95

[21] - المصدر السابق، ص176

[22] - ناشيد (سعيد)، الذرائع في خطاب الإسلام السياسي، سبق ذكره، ص ص48-49

[23] - حرب (علي)، الإرهاب وصناعه (المرشد/الطاغية/المثقف)، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، 2015، ص39

[24] - أركون (محمد)، تحرير الوعي الإسلامي، سبق ذكره، ص47

[25] - دوكر (جون)، أصول العنف (الدين، التاريخ، والابادة)، سبق ذكره، ص262

[26] - أركون (محمد)، الفكر الأصولي واستحالة التأصيل، سبق ذكره، ص95

[27] - بن مبارك (علي)، مقال بعنوان، التطرف الديني من منظور ثقافي، مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، 25 مارس 2015 https://www.mominoun.com/articles/ التطرف-الديني-من-منظور-ثقافي-2624#_ftn1

[28] - أركون (محمد)، الفكر الأصولي واستحالة التأصيل، سبق ذكره، ص95

[29] - المصدر السابق، الموضع نفسه.

[30] - المصدر السابق، ص94

[31] - أرمسترونج (كارين)، معارك في سبيل الإله (الأصولية في اليهودية والمسيحية والإسلام، ترجمة فاطمة نصر ومحمد عناني، ط1، إصدارات سطور الجديدة، 2000، ص437

[32] - أركون (محمد)، الفكر الإسلامي نقد واجتهاد، سبق ذكره، ص14

[33] - أركون (محمد)، الأنسنة والإسلام (مدخل نقدي تاريخي)، ترجمة محمود عزب، ط1، دار الطليعة، بيروت، 2010، ص40 (*)        بالنسبة إلى معجم مصطلحات التحليل النفسي لابلانش وبونتاليس يشار إليه بمصطلح تماهي ويعرف على أنه «عملية نفسية يتمثل الشخص بواسطتها أحد مظاهر أو خصائص أو صفات شخص آخر، ويتحول كليا أو جزئيا تبعا لنموذجه، وتتكون الشخصية وتتمايز من خلال سلسلة من التماهيات»

[34] - حرب (علي)، الإرهاب، وصناعه، سبق ذكره، ص117

[35] - أركون (محمد)، الأنسنة والإسلام، سبق ذكره، ص43

[36] - مبروك (علي)، أفكار مؤثمة (من اللاهوتي إلى الإنساني) الدار المصرية العربية، القاهرة، 2015، ص131

[37] - أركون (محمد)، القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، ترجمة هاشم صالح، دار الطليعة، بيروت، ط2، 2005، ص39

[38] - حرب (علي)، الإرهاب وصناعه، سبق ذكره، ص11

[39] - مبروك (علي)، في لاهوت الاستبداد والعنف، سبق ذكره، ص118

[40] - ميثاق العمل الإسلامي، الجهاد . http://www.ilmway.com/site/maqdis/MS_36783.html (*)    أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري فقيه كوفي، وأحد أعلام الزهد عند المسلمين، وإمام من أئمة الحديث النبوي، وواحد من تابعي التابعين، وصاحب واحد من المذاهب الإسلامية المندثرة، وقد ظل مذهبه متداولاً حتى القرن السابع الهجري، وقال عنه الذهبي: «هو شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، سيد العلماء العاملين في زمانه. (**)               عبد الله بن عمر بن الخطاب محدث وفقيه وصحابي من صغار الصحابة، وابن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، وأحد المكثرين في الفتوى، وكذلك هو من المكثرين في رواية الحديث النبوي عن النبي محمد. كان ابن عمر من أكثر الناس اقتداءً بسيرة النبي محمد، ومن أكثرهم تتبُّعاً لآثاره. (***)  عبد الله بن على بن الحسين الهاشمي القرشي، الشهير بعبد الله الباهر، من أولاد على بن الحسين السجاد، وأخو محمد الباقر، وعم جعفر الصادق، وراوي أحاديث، ولد بالمدينة المنورة وتوفي فيها، وهو ابن سبع وخمسين سنة. (****)       عبد الله بن شبرمة يعرف أيضاً بأبي شبرمة، هو عبد الله بن شبرمة بن طفيل بن حسان الضبي وهو عم عمارة بن القعقاع ولكن عمارة أسن منه وآخر أصحابه موتا أبو بدر السكوني.

[41] - ميثاق العمل الإسلامي، الجهاد http://www.ilmway.com/site/maqdis/MS_36783.html

[42] - جريدة الوطن القاهرة، 12 سبتمبر 2013، نقلاً عن، أحمد بهاء الدين شعبان، السلفي الأخير، ص45

[43] - ميثاق العمل الإسلامي، هدفنا تعبيد الناس لربهم http://www.ilmway.com/site/maqdis/MS_36814.html

[44] - فرج (محمد عبد السلام)، الفريضة الغائبة، ص10

[45] - ميثاق العمل الإسلامي، هدفنا تعبيد الناس لربهم http://www.ilmway.com/site/maqdis/MS_36814.html

[46] - زايد (أحمد)، خطاب الحياة اليومية في المجتمع المصري، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2017، ص92

[47] - المرجع السابق، ص93

[48] - أركون (محمد)، الفكر الإسلامي قراءة علمية، ترجمة هاشم صالح، ط2، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 1996، ص145

[49] - فلوري (جان)، الحرب المقدسة (الجهاد، الحرب الصليبية) العنف والدين في المسيحية والإسلام، دار المدى للثقافة والنشر، دمشق، 2004، ص99

[50] - أركون (محمد)، قراءات في القرآن، سبق ذكره، ص394

[51] - ميثاق العمل الإسلامي، هدفنا تعبيد الناس لربهم http://www.ilmway.com/site/maqdis/MS_36814.html (*)              تعني حمل الناس على عباداتهم لربهم، ولكن إذا كانت العبادة مفروضة بالقوة هل تصح؟ بالطبع لا لأنها مشروطة بخضوع الذات الإنسانية للجلال الإلهي.

[52] - صليبا (جميل)، المعجم الفلسفي، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1982، ج2، ص112 (*)، حيث استقر جمهور الفقهاء على أن آية السيف، وهي الآية الخامسة من سورة التوبة، {فَإِذا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، ناسخة للــــ 120 آية الأخرى الداعية إلى العفو والصفح. والآية رقم 256 من سورة البقرة {لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} قال سليمان بن موسى نسختها الآية رقم 73 من سورة التوبة {يا أَيُّها النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} روي هذا عن ابن مسعود، فضلاً عن أن الذين رفضوا القول بنسخ الآية قيدوا حكمها فجعلوه مخصوصاً مقيداً وليس عاماً مطلقاً. راجع، القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: عبد الله عبد المحسن التركي، ج4، مؤسسة الرسالة، بيروت 2006، ص ص280-281

[53] - أركون (محمد)، الأنسنة والإسلام (مدخل نقدي تاريخي)، سبق ذكره، ص40

[54] - الحبيب (سهيل)، الجهاد ضد الوطن (اعتبار البلدان العربية دار حرب في أيديولوجيا الحركات الجهادية)، مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، 14 ديسمبر 2015، ص5 https://www.mominoun.com/articles/ الجهاد-ضد-الوطن-اعتبار-البلدان-العربية-دار-حرب-في-إيديولوجيا-الحركات-الجهادية-3388

[55] - ميثاق العمل الإسلامي، الجهاد http://www.ilmway.com/site/maqdis/MS_36783.html

[56] - ميثاق العمل الإسلامي، الجماعة الإسلامية بسجن ليمان طرة، 27 فبراير 1984، المقدمة، موقع منبر التوحيد والجهاد http://www.ilmway.com/site/maqdis/MS_36826.html

[57] - راجع، محمد عبد السلام فرج، الفريضة الغائبة، ص ص5-6 https://www.noor-book.com/ كتاب-الفريضه-الغائبه-محمد-عبد-السلام-فرج-pdf

[58] - قطب (سيد)، معالم في الطريق، سبق ذكره، ص ص75-80

[59] - الحبيب (سهيل)، الجهاد ضد الوطن، سبق ذكره، ص10

[60] - عودة (جهاد)، عولمة الحركة الإسلامية الراديكالية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2005، ص196

[61] - إبراهيم غرايبة، ما هي البيئة الحاضنة والمنشئة للإرهاب؟ مقال منشور بجريدة حفريات الإلكترونية، 11/3/2018 https://hafryat.com/ar/blog/ ما-هي-البيئة-الحاضنة-والمنشئة-للكراهية-والإرهاب؟

[62] - ميثاق العمل الإسلامي، الجهاد http://www.ilmway.com/site/maqdis/MS_36783.html

[63] - عطوان (عبد الباري)، الدولة الإسلامية (الجذور، التوحش، المستقبل)، دار الساقي، بيروت 2015، ص11 (*)وفقاً لما يحمله مفهوم الوحي من التباس داخل الذهنية العربية، حيث إن هناك من يدخل النص السني في مضمون الوحي، ومنهم من يذهب إلى أبعد من ذلك، ويضع أقوال الصحابة والقدماء ضمنه، لذلك أحاول وضع المقصود بها بين قوسين للتوضيح.

[64] - ياسين (عبد الجواد)، الدين والتدين، سبق ذكره، ص82

[65] - شبايكي (الجمعي)، الدور الهرمينوطيقي في قراءة النص الديني، (فلسفة التأويل آفاقها واتجاهاتها، أبحاث مؤتمر فلسفة التأويل - أبريل 2017، تحرير، سعيد توفيق، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2018، ص157

[66] - الصديق (يوسف)، هل قرأنا القرآن؟ أم على قلوب أقفالها، ترجمة منذر ساسي، التنوير، بيروت 2013، ص23

[67] - أبو زيد (نصر حامد)، الخطاب والتأويل، سبق ذكره، ص177

[68] - الصديق (يوسف)، هل قرأنا القرآن؟، سبق ذكره، ص25، 30

[69] - الجابري (محمد عابد)، نحن والتراث (قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي)، المركز الثقافي العربي، ط6، بيروت 1993، ص19

[70] - يلدز (سهيلة)، القرآن والهرمنيوطيقا (دراسة في المفهوم وتطبيقاته على أصول الفقه)، مصر العربية للنشر والتوزيع، القاهرة، 2019، ص35

[71] - سعيد (إدوارد)، الاستشراق (المفاهيم الغربية للشرق) ترجمة محمد عناني، دار رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة، 2006، ص ص86-87 و94

[72] - محيي الدين (شريف)، الإسلاميون ولآليات التغيير في الدولة، سلسلة الندوات 4-5 يناير 2013، بعنوان، الخطاب الإسلامي وإعادة تأسيس المجال العام، مركز دال للأبحاث والإنتاج الإعلامي، القاهرة، 2014، ص127

[73] - الملا (أحمد صلاح)، جذور الأصولية الإسلامية في مصر المعاصرة (رشيد رضا ومجلة المنار) مصر العربية للنشر والتوزيع، القاهرة، 2013، ص14. راجع أيضاً، غالي شكري النهضة والسقوط في الفكر المصري الحديث، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1992، ص ص133-134

[74] - الأفغاني (جمال الدين)، خاطرات الأفغاني، تقرير محمد باشا المخزومي، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، 2002، ص240

[75] - المغربي (عبد القادر)، جمال الدين الأفغاني: ذكريات وأحاديث، ط3، دار المعارف، القاهرة، 1987، ص89. نقلاً عن جذور الأصولية الإسلامية في مصر المعاصرة، ص17

[76] - النيفر (احميدة)، الإنسان والقرآن وجها لوجه (التفسيرات القرآنية المعاصرة) قراءة في المنهج، دار الفكر المعاصر، دمشق، 2000، ص59

[77] - أبو زيد (نصر حامد)، الخطاب والتأويل، سبق ذكره، ص188

[78] - عبده (محمد)، الإسلام بين العلم والمدنية، دار الحياة للنشر والتوزيع، الجيزة 2017، ص ص212-228

[79] - Safran. (Nadav), Egypt in search of political community, Harvard, 1961,pp.63

[80] - المرجع السابق، ص228

[81] - الأعمال الكاملة للشيخ مصطفى عبد الرازق، ج3، تحقيق، عصمت نصار، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 2019، ص246

[82] - عبده (محمد)، الأعمال الكاملة، ج3، ط1، تحقيق محمد عمارة، دار الشروق، القاهرة، 1993، ص194

[83] - عبد الرازق (مصطفى)، الأعمال الكاملة، ج3، محمد عبده، البهاء زهير، ص ص373-374

[84] - Hossein Nasr (sayed), Traditional Islam in the Modern World,KEGAN PAUL INTERNATIONAL London and New York, 1994, pp11-12

[85] - النيفر (احميدة)، الإنسان والقرآن وجها لوجه، سبق ذكره، ص61

[86] - الملا (أحمد صلاح)، جذور الأصولية الإسلامية في مصر المعاصرة، سبق ذكره، ص32

[87] - المرجع السابق، ص33

[88] - تفسير المنار، ج1، ط2، دار المنار، القاهرة، 1947، ص25

[89] - المرجع السابق، ص18-19. راجع أيضاً، محمد عبده، الإسلام بين العلم والمدنية، ص193، 121

[90] - تفسير المنار، ج1، ط2، دار المنار، القاهرة، 1947، ص20

[91] - أبو زيد (نصر حامد)، نقد الخطاب الديني، سبق ذكره، ص31

[92] - أبو زيد (نصر حامد)، مفهوم النص، سبق ذكره، ص220

[93] - النيفر (احميدة)، الإنسان والقرآن وجها لوجه، ص32 راجع أيضاً، علي حرب، الأختام الأصولية والشعائر التقدمية (مصائر المشروع الثقافي العربي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2001، ص116

[94] - النيفر (احميدة)، الإنسان والقرآن وجها لوجه، سبق ذكره، ص33

[95] - الصديق (يوسف)، هل قرأنا القرآن؟، سبق ذكره، ص ص26-27

[96] - أبو زيد (نصر حامد)، مفهوم النص، سبق ذكره، ص222. وراجع أيضاً، محمد أركون، نحو نقد العقل الإسلامي، سبق ذكره، ص ص89-90

[97] - الجابري (محمد عابد)، بنية العقل العربي، سبق ذكره، ص105

[98] - النيفر (احميدة)، الإنسان والقرآن وجها لوجه، سبق ذكره، ص40

[99] - يلدز (سهيلة)، القرآن والهرمنيوطيقا، سبق ذكره، ص28

[100] - الغذامي (عبد الله)، النقد الثقافي (قراءة في دراسة الأنساق الثقافية العربية)، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط3، 2000، ص72

[101] - أركون (محمد)، الفكر الإسلامي نقد واجتهاد، سبق ذكره، ص99

[102] - أبو زيد (نصر حامد)، مفهوم النص، سبق ذكره، ص57. وراجع أيضاً، سهيلة يلدز، القرآن والهرمنيوطيقا، سبق ذكره، ص36

[103] - أبو زيد (نصر حامد)، مفهوم النص، سبق ذكره، ص57

[104] - لوزيير (هنري)، صناعة السلفية الإصلاح الإسلامي في القرن العشرين، ترجمة أسامة عباس عمرو بسيوني، ابن النديم للنشر والتوزيع، ط1، 2018، ص103

[105] - المرجع السابق، ص109

[106] - المرجع السابق ص111

[107] - ابن تيمية، مجموع الفتاوى، ج3، وزارة الشؤون الإسلامية السعودية، 2004، ص169

[108] - المرجع السابق، ص162

[109] - نسيرة (هاني)، أزمة النهضة العربية وحرب الأفكار، سبق ذكره، ص95

[110] - أبو زيد (نصر حامد)، نقد الخطاب الديني، سبق ذكره، ص38

[111] - أركون (محمد)، القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، سبق ذكره، ص14

[112] - أركون (محمد)، الفكر الإسلامي نقد واجتهاد، سبق ذكره، ص98

[113] - أركون (محمد)، نحو نقد العقل الإسلامي، سبق ذكره، ص95