في ظلال الياسمين ميادة كيالي
فئة : قراءات في كتب
في ظلال الياسمين
ميادة كيالي
مؤلفة الكتاب
ميادة كيالي باحثة وكاتبة سورية، حاصلة على البكالوريوس في الهندسة المدنية، جامعة دمشق، وعلى الدكتوراه في التاريخ القديم من جامعة فان هولاند، بهولندا. مديرة دار مؤمنون بلا حدود للنشر والتوزيع. صدرت لها مؤلفات إبداعية، منها: "أحلام مسروقة" و"رسائل وحنين" وأعمال أكاديمية منها: كتاب "هندسة الهيمنة على النساء؛ الزواج في حضارات العراق ومصر القديمة" وكتاب "المرأة والألوهة المؤنثة"، ولها لوحات تشكيلية.
أهمية الكتاب
كثيرة هي الأفكار والتصورات الحلول والمبادرات التي كانت نتيجة لحوار مطول مع مختص في مجال محدد من مجالات المعرفة، ومن البديهي أن الحوار في مجال من مجالات الحياة يأتي دائما بالحلول الناجعة؛ فالحوار يمد جسور التواصل والاتصال بين مختلف الفرقاء والأطراف، ليجدوا أنفسهم يتجهون نحو الكلمة السواء التي تراعي الصالح العام. ويمكن القول إن ضبابية الرؤية لمختلف الإشكالات الفكرية والمنهجية والمعرفية بين مختلف جمهور المؤلفين والكتاب والقراء والمهتمين في نظرتهم لأمر معين أو لقضية بعينها، تأتي نتيجة ضعف وخلل في الإقبال على الأخذ بمسالك الحوار والمحاورة؛ فالغموض الذي يلف أفكار وآراء الكثير من الناس يكون نتيجة الإعراض عن الحوار مع صاحب الفكرة ومع الفكرة ذاتها.
من هنا تأتي أهمية كتاب في "ظلال الياسمين" للكاتبة ميادة كيالي؛ لأنه يجمع حزمة من الحوارات المفيدة التي أجرتها معها منابع علمية وإعلامية، وهي توسع من خلالها حوارات دائرة النظر والتفكير والنقد والتحليل لكثير من المواقف والطروحات التي تعني قضايا المرأة والمجتمع وقضايا فقه المرأة في الإسلام، ولا شك أن موضوع قضايا المرأة يشكل بوابة نحو سؤال الإصلاح والتغيير الثقافي في العالم الإسلامي منذ أواخر القرن التاسع عشر اللحظة التي ظهر فيها كتاب قاسم أمين "تحرير المرأة" الصادر عام 1899م، ومرورا بالقرن العشرين حتى وقتنا الحاضر. وقد ارتبط عنوان الكتاب ظلال الياسمين "بالمؤنث الذي يشيع الرائحة العطرة أينما حل وارتحل، من دون أن يتخلى عن بياضه، وفوحه وبوحه [فحوارات الكتاب] بمثابة جولة في عقل امرأة عربية من زمان الياسمين، تأمل أن تواصل أريجها، وأن تظل وفية للمكان الأول، وللغاية القصوى المتمثلة في تحرير النساء".[1]
موضوع الكتاب
يتمحور الموضوع الرئيس للكتاب حول قضية المرأة في العالم العربي والإسلامي، وقد نظمت تحت الموضوع الرئيس للكتاب مجموعة من المواضيع المهمة نذكر من بينها: المرأة والثورة، النشر المعرفي في مواجهة التحديات، التأويل الذكوري للنصوص الدينية قيد المرأة، تفكيك واقع المرأة في الحضارات القديمة، الفضائيات العربية وتغيير المنظومة الثقافية السائدة، العائلة وعقد الزواج ودورهما في التحكم في المرأة، الأسرة ومؤسسة الزواج إلى أين؟
ليست الغاية أن نعيد أقوال ما جاء في إجابات واستطرادات ميادة كيالي على مختلف الأسئلة التي وجهت إليها، وقالت فيها برأي، ولكن سنركز على الإمساك بالخيط الناظم، لمختلف تلك الإجابات، الطويلة والقصيرة منها، وبالأخص في موضوع حرية المرأة. ونشير هنا إلى أن الكتاب غني بمراجع كثيرة ومتعددة في مختلف المجالات المعرفية.
النصوص الدينية ومطلب القراءة الجديدة
تؤكد ميادة كيالي على ضرورة إعادة قراءة وتأويل النصوص الدينية، وأيضا التشريعات الفقهية "فالفقه تم في مجتمع ذكوري، بالتالي هو في حاجة الى إعادة نظر، نحن في حاجة لإعادة النظر في قوانين الزواج والطلاق، ونحن في حاجة لحماية العائلة بالشكل الصحيح، وفي حاجة لحماية أفرد العائلة والأطفال، ولحماية حقوق المرأة وبالنتيجة: الزواج، إن لم يكن فيه تكافؤ تام بالحقوق بين الزوج والزوجة، لا يمكن أن يكون صحيحا"[2] ومن أجل كل هذا ينبغي علينا أن نتسلح بالعلم والمعرفة في مختلف الميادين التي تعنى بالإنسان والمجتمع، ومن هنا تأتي أهمية العناية بالتاريخ القديم للإنسان وللحضارة الإنسانية، بدءا من تاريخ وادي الرافدين؛ فلا بد من العودة إلى جذور هذا التاريخ، وإعادة قراءته وتأويله، بهدف إماطة اللثام عن ماضي غني بالكنوز التي تمس كل من المرأة والرجل والمجتمع، وبهدف فهم ما حدث وكيف حدث من تغيرات، ومعرفة بدايات الانقلاب الذكوري الذي حدث مبكرا في التاريخ القديم، فجذور هذا الانقلاب قد تعود إلى خمسة آلاف سنة قبل الميلاد، فقبل هذا الانقلاب الذكوري الذي جعل الرجل هو كل شيء على حساب المرأة، كانت المرأة هي السيدة، وكانت على هرم الأسرة والمجتمع.
قبل الانقلاب الذكوري كانت المؤسسة الدينية تحت سيطرة المرأة، الكاهنة العظمى، وكانت متحكمة في الملك والبلاد، وكان المعبد يخضع لسيطرتها وثروات المعبد، وبقي الأمر على هذه الحال، ولكن عندما تشكلت المدن وتراكمت الثروات، ونشأت الملكية الفردية...دخل الرجل المحارب إلى المشهد واستحوذ عليه مع مرور الزمن وعبر العصور تم إقصاء المرأة من المؤسسة الدينية، وتحولت إلى دنس، وأصبحت تابعة للرجل بشكل كامل.[3]
الأصولية الدينية والمرأة
لا شك في أن النساء تأثرت كثيرا بتبعات الأصولية الدينية المتطرفة، بالنظر إلى ما قدمت عليه القاعدة وداعش من حالات سبي النساء، واستعبادهن، والسيطرة عليهن في مختلف جوانب حياتهن، بالتزامن مع مختلف الخطابات والتصورات الضالة التي تختزل النساء في دائرة الفتنة؛ فالمرأة عليها أن تختفي من كل مجالات الحياة وتلزم البيت، ويتولى كل أمرها، زوجها أو أخوها أو أبوها. فالمد الأصولي إذن وجه من وجوه النظام الذكوري القديم، وقد نجحت المجتمعات المتحضرة على تجاوزه والتغلب عليه، وإن بدرجات متفاوتة، مع الأسف التنظيمات الأصولية، سواء منها المتطرفة وخطابات الإسلام السياسي تدفع بوضع المرأة إلى الوراء[4] بدل المستقبل، نتيجة تصورات دونية عن المرأة، من بينها الفهم الخاطئ مثلا لآية القوامة التي ورد الحديث عن القوامة في القرآن من خلال سورة النساء قول الله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) النساء/34
إذ يرى أبو جعفر الطبري "الرجال قوّامون على النساء"، الرجال أهل قيام على نسائهم، في تأديبهن والأخذ على أيديهن فيما يجب عليهن لله ولأنفسهم =بما فضّل الله بعضهم على بعض، يعني: بما فضّل الله به الرجال على أزواجهم: من سَوْقهم إليهنّ مهورهن، وإنفاقهم عليهنّ أموالهم، وكفايتهم إياهن مُؤَنهنّ؛ وذلك تفضيل الله تبارك وتعالى إياهم عليهنّ، ولذلك صارُوا قوّامًا عليهن، نافذي الأمر عليهن فيما جعل الله إليهم من أمورهن... حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال، حدثنا الحسن: أنّ رجلا لطمَ امرأته، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فأراد أن يُقِصّها منه، فأنزل الله... "الرجالُ قوّامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم"، فدعاه النبيّ صلى الله عليه وسلم فتلاها عليه، وقال: أردتُ أمرًا وأراد الله غيرَه.[5]
مع الأسف الإسلام السياسي ومختلف التنظيمات المتطرفة تنظر لتفسير الطبري وغيره من الفقهاء، بأنه هو الإسلام وبأنه هو الفهم والتأويل الصحيح لآيات القرآن الكريم، بينما ما هو إلا فهم وتأويل تشكل في مجال تاريخي سادت وتحكمت فيه الهيمنة الذكورية.
فالتناقض الذي يعيشه اليوم كثير من المثقفين رجالا ونساء، في نظرتهم لقضايا المرأة سببه الجمود على أدوار تاريخية بالنسبة إلى المرأة والرجل في الحياة، تم تأبيدها بفهم وتأويل للنصوص دينية بظرفية جاء في استجابة لظروف زمنية معية لم تعد اليوم، ففي وقتنا الحاضر نجد كثير من المثقفين الحاملين للشهادات العليا تجد بعض منهم يضمرون نظرة تحتقر المرأة، بالرغم من أنها زميلة له في مختلف مجالات العمل، وكثير من النساء المثقفات والحاملات لشهادات عليا تجد بعضهن يدافعن عن ذكورية المجتمع.[6]
ما هو السبب من وراء تدني مكانة المرأة
تدني مكانة المرأة في المجتمع، بسلب إرادتها وجعلها تابعة للرجل، لها أسباب متعددة ومن أبرزها الموروث الديني التوراتي اليهودي؛ "فالتصور التوراتي[العهد القديم] لقصة الخليقة طبع وأسهم في ترسيخ معتقدات مفاهيمية في ثقافتنا، حتى غدت كأنها حقائق بديهية تحمل الحتمية وتستوجب الإيمان المطلق بها"[7] والغريب أن هذه التصورات قد تسربت بشكل كبير لمدونات تفسير القرآن الكريم، مثلا في موضوع خروج آدم من الجنة نجد جل التفاسير تحمل مسؤولية معصية آدم للمرأة؛ أي زوجته التي كانت السبب في إغرائه ودفعه ليأكل من الشجرة المنهي عن أكلها، وهذا فهم وتصور مأخوذ من العهد القديم ورد في سفر التكوين: [.6 فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون وأن الشجرة شهية للنظر. فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضا معها فأكل][8].
في الوقت الذي نجد فيه الآيات القرآنية تتعامل مع المرأة والرجل من زاوية المساواة في المسؤولية، قال تعالى: "فَأَكَلَا مِنْهَا"(طه 121) فمسؤولية الأكل من الشجرة هي مسؤولية الرجل والمرأة معا؛ أي آدم وحواء، وليست مسؤولية المرأة لوحدها، والغريب أن الحمولة الثقافية لنصوص العهد القديم حاضرة بشكل كبير عند العامة، كأن المسلمين لا يقرؤون ما ورد في القرآن. فنحن في حاجة لتجاوز مختلف التصورات عن المرأة التي كرستها مدونات التفسير، المتأثرة بمحيطها الثقافي والديني.
تؤكد ميادة كيالي على ضرورة التمييز بين الدين والتدين؛ فالدين هو منظومة القيم العليا بين التدين، يتصف بالتنوع والتعدد، نتيجة استجابته لتحديات مختلف الأزمنة والأمكنة، فمثلا عندما نتحدث عن الإسلام فهو واحد من حيث منظومة القيم العليا، ولكنته متعدد ومتنوع بالنظر الى التاريخ الذي تجسد فيه الإسلام بشكل متعددة ومتنوع، فالخلط بين الدين والتدين، والتمسك التدين على أساس أنه هو الدين "ساهم في الحد من مكانة المرأة، وساهم في تكريس تبعيتها للرجل ودونيتها وحرمانها من الكثير من حقوقها"[9] فالمشكلة تكمن في مختلف التأويلات للنصوص الدينية، وهي تنتمي إلى مساحة التدين، فجل ما قال به المفسرون والفقهاء حول قضايا المرأة المتعلقة بالزواج والطلاق والقوامة والولاية و...كل ذلك لا يعد دينا، بل هو من مجال التدين الذي كان عليه المجتمع الإسلامي في ما مضى، فنحن اليوم في حاجة لتأويلات معاصرة بغاية بسط تدين ينسجم مع عصرنا وواقعنا خاصة في ما يتعلق بموضوع المرأة والرجل والأسرة والأبناء والوالدين.
[1] ميادة كيالي، في ظلال الياسمين، المركز الثقافي للكتاب، الدار البيضاء، المغرب، ط.1، 2022م، ص. 13
[2] نفسه، ص.33
[3] نفسه، ص.103
[4] نفسه، ص. 103
[5] محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ)، جامع البيان في تأويل القرآن المحقق: أحمد محمد شاكر الناشر: مؤسسة الرسالة الطبعة: الأولى، 1420 هـ - 2000 م أبو جعفر الطبري، ج.8، ص.280 - 291
[6] في ظلال الياسمين، م. س. ص.104
[7] نفسه، ص. 108
[8] العهد القديم، سفر التكوين، 3: 6
[9] في ظلال الياسمين، م. س. 113