في علاقتنا بالإبداع
فئة : مقالات
في العدد الأخير من المجلّة الشهريّة الناطقة باللّغة بالفرنسيّة "علوم إنسانيّة" (sciences humaines) استرعى انتباهي عنوان أحد مقالاتها، الذي مؤدّاه "كيف نصبح مبدعين؟" (comment devient- on créateur?)[1]. لم يكن التفاتي إلى هذا العنوان اندهاشًا من جدّة هذه الفكرة (فكرة الإبداع)، كما لو كان الحديث عنها حدثًا فريدًا، فالحديث عن الإبداع الإنساني بديهة لغويّة حصلت من بداهة الموضوع عند كلّ الخلق تقريبًا. ما أثار انتباهي في الواقع التنافر الممكن بين هذه الجملة السؤال، والواقع الذهني الذي صرنا نعيش فيه نحن العرب الثائرين في القرن الحادي والعشرين. في هذا الواقع المركّب الذي يمثّل عندنا سياقًا أو حلقة تأويليّة للفهم، صارت كلمة إبداع على بداهتها، التي كنّا نظنّ، تثير فينا بعض الريبة والخوف. من المؤكّد أنّ في الأمر مبالغةً، فكيف تكون كلمة إبداع مخيفةً وهي من أكثر الكلمات تداولاً كونيًّا، حتّى أنّه يقع الحديث الآن عن قدرة إبداعيّة خارقة، وأخرى عاديّة، وهي أيضًا بالرواج نفسه في سياقنا الثقافي السابق، حتّى وهي مجرّد شعار؟
يبدو أنّ علاقة الكلمة من جذرها اللغويّ بعبارة "بدعة" التي صارت على القدر نفسه من التداول أيّامنا هذه مع كلمة إبداع سابقًا، أصبحت تحيل ولو جزئيّاً، وحتّى في أذهاننا نحن الرافضين لهذه المطابقة، على مفهوم البدعة المخيف في مجالنا الإسلاميّ. وربّما يكون لعلاقتها بكلمة "créateur" الفرنسيّة الثقل الأكبر في شعور الخوف هذا، أليست الكلمة تترجم حرفيًّا بعبارة "الخالق"، وأنّ هذه الترجمة هي الأوفى ربّما لمعنى السؤال المطروح في صيغته الأصليّة، فيصبح السؤال حرفيًّا "كيف يمكن أن نصبح خالقين؟". على الرغم من استبعادي لهذه الترجمة الحرفيّة، فإنّني على يقين أنّ في ترجمتي بعض الخيانة والاحتكار لمعنى السؤال. فههنا تعمل قبليّاتي كما تعمل قبليّات غيري، وبقدر ما تفرض فهمها على وعيي، فإنّها لا تزيح منه إدراكي القارّ لكوني أفهم العبارة على هواي، وأنّ منطق الغيريّة والديمقراطيّة والاختلاف والتواصل، يفرض عليّ أن أعلم باستمرار أنّ هناك من يعيش معي الآن وهنا، معتبرًا أنّ كلّ حديث عن "création" وهي العبارة الفرنسيّة التي تترجم حرفيًّا العبارة العربيّة "الخلق"، ومجازًا "الإبداع"، هو حديث عن فعل يستقلّ به اللّه، فكلّ إسناد له إلى المخلوق الإنسان، مهما كان القصد منه، هو نوع من الكفر سيباح في شأنه على الأغلب حدّ الردّة. وفضلاً عن هذا ألم ترتبط فكرة الخلق في أغلب الثقافات بالفعل الإلهيّ، حتّى وهي تلحق بالإنسان. وعندنا نحن المسلمين، الذين لم يحقّقوا بعد بعض تكهّن أفلاطون بأنّ الدين سيبقى فاعلاً ظرفيًّا في تفسير فهمهم للعالم، في انتظار أن يرتقوا أكثر في الفهم، أو على الأقلّ يتخلّصوا من سذاجة سرديّتهم الدينيّة للحياة، سيحاصر مفهوم البدعة ترجمة العبارة بكلمة إبداع، وسيحاصر مفهوم الشرك ترجمتها بالخلق. وفي كلتا الحالتين فالمرجع الذي يفرض نفسه على المخيّلة، وهي تفهم العبارة، هو مرجع العالم الإلهيّ الذي صيّره بعض من يعيشون بيننا الآن عالم العقاب والرهبة لكلّ من يتطاول على مشاركته في الخلق. يقول المسكيني إنّ الترجمة "تمكّن العقل من أن يصبح بمقام مالك وسيّد على بعض الإمكانات الثاوية في طبيعته إلاّ أنّها لم تتولّد إلاّ في أفق ثقافة أخرى"[2]. ومن هذه الزاوية، قد يجد الخوف الإسلاميّ من العبارة تبريره في كون الكلمة قد تحيل على ما يثوي في بعض العقل الإسلاميّ، ويخاف من البوح به، فيستعيره ترجمةً من ثقافة أخرى تغزوه بقوّة. فالخلق إنتاج من عدم، وليس تركيبًا لشيء انطلاقًا من أشياء موجودة. والعمل الإبداعيّ منتج فريد واستثنائيّ، لم يكن موجودًا سابقًا، وهو محتفظ بجميع أسراره، لا يعرف سرّه غير صانعه. تمامًا كسرّ الخلق الإلهيّ. هذه المعاني كان يمكن ألاّ تمثّل مشكلاً لو نظر إلى اللّه كما نظر إليه الفلاسفة مبدأً تفسيريًّا للكون، فهكذا نظر إليه المعلّم الأوّل أفلاطون حين اعتبر اللّه صانعًا ماهرًا ومهندسًا للكون، ولم ينظر إليه خالقًا. وربّما تكون هذه النظرة هي ما فتح ما نعرفه من إبداع يونانيّ. ولكن في هذه الحالة كيف يمكن الاحتفاظ بالدور النفسيّ والدينيّ للإله باعتباره موضع الاعتقاد، الذي يحلّ به الإنسان عقدة الأسئلة المستعصية، ويلطّف من حيرته وفزعه إزاء الموت، لا لأنّه فحسب يمنحه معنى، وإنّما لأنّه يخلي الإنسان من المسؤوليّة إزاءه، ويحفظ له ماء الوجه، وهو يعيش حالة الحريّة المسلوبة؟
كان بالإمكان هنا أيضًا أن يجد العقل الإسلاميّ حلاًّ بأن يتبنّى تأويلاً أكثر عمقًا لجوهر الأديان التوحيديّة ينظر فيه إلى ما أنجز فيها من ربط لفكرة الخلق من الزاوية الإنسانيّة بعلاقة إيجابيّة بين الإنسان وربّه، يكون فيها الخلق الإنسانيّ تأكيدًا لعظمة الخالق، فكلّما تعاظم الإنسان بتغيير محيطه وتحكّم فيه، فكّر أنّه بذلك يعظّم خالقه. ولن يهمّ صواب هذا الاعتقاد من عدمه قدر ما سيكون له من نفع على تحرير الطاقة الإبداعيّة للإنسان. هذا ما تبنّاه في الغالب ما يعرف بالتصوّف المعاصر المتشبّع بتحليلات مدرسة لويس ماسينيون، وتكرّس خارجه مع تأويليّة معيّنة لمفهوم ختم النبوّة تبنّاها من يعرفون بكونهم مفكّري الإسلام الجدد، هؤلاء من خرجوا على منهاج علماء النقل، ومارسوا دورهم تفكيرًا ذاتيًّا في الدين، فعدّوا ختم النبوّة إيذانًا بأهليّة الإنسان لتولّي مصيره بنفسه.
لكن يبدو أنّ هذه الأصوات المنعزلة سابقًا، ازدادت عزلة أيّامنا هذه مادام القدر السياسي لثورتنا الرّاهنة حكم عليها أن توجّه حسب رغبة الجماهير والحشود، وما يباح عندها في المجال الدينيّ الذي لا يرقى كما هو معلوم إلى ما يقتضيه الدين كما نفهم من قدرة على التجريد.
قد يكون حصر سبب فقرنا الإبداعيّ في الفهم الدينيّ بعض الاختزال والتجنّي، فمتى تأمّلنا تعريفات الإبداع الكثيرة، تبيّن لنا أنّ موانعه مركّبة عندنا، يمتصّها في النهاية الوضع النفسيّ للفرد، الذي يتجسّد انكماشًا أمام الواقع والقبول بوضع ردّ الفعل تجاهه، بدل الإحساس بالذات والاستعداد لمواجهته والرغبة العارمة في تغييره. ولكنّه في النهاية ناتج عن كلّ هيمنة لمنظومة ما، هذا ما يصفه مثلاً المحلّل النفسيّ الأنجليزي دونالد وينيكوت (Donald Winnicot) (ت1971)[3].
متى تجاوزنا هذه التفاصيل التي دورها بيان صعوبة طرح هذا السؤال في سياقنا الثقافيّ الراهن، وبيان واحد من أبرز المعيقات القديمة المتجدّدة لفكرة الإبداع عندنا. وتساءلنا عن سبيل استعادة هذه الفعاليّة المتهالكة فينا، قد يجوز لنا استحضار أبرز مقاربتين للظاهرة الإبداعيّة من جهة الحلول التي يقترحانها، وهما مقاربة عالم النفس الأمريكيّ كارل روجرز (Carl Rogers) ومقاربة عالم النفس الفرنسيّ تود لوبار (Todd Lubart)[4].
يقول الأوّل إنّ الإبداع يتطلّب توفّر نوعين من الشروط أحدهما نفسيّ داخليّ، والآخر خارجيّ، ولكنّ التالي منهما مرتبط بالأول منبثق عنه. فمن الشروط النفسيّة الداخليّة للإبداع أن ينفتح الفرد على التجربة وأن يكون عنده نوع من الاستعداد للتفاعل مع معيشه إيجابيًّا، في نوع من الإنصات المستمرّ لوقع التجربة فيه. يكون الوضع في هذه الحالة علاقة جدل مستمرّ بين الذات الباطنيّة والذات اليوميّة التي تعيش التجارب وتتفاعل معها ذلك التفاعل المباشر، في حين تتكفّل الذات الباطنيّة بتصفية ما يجب الاحتفاظ به من تلك التجربة بعد تجاوز ردود الفعل المباشرة الصادرة عن النفس الخارجيّة أو اليوميّة. ومن هذه الشروط أيضًا أن تتوفّر للفرد طاقة داخليّة تقييميّة، أي ذلك الوعي الذي يملك نوعًا من السلّم المعياريّ القارّ والمعدّل باستمرار في ضوء التجربة، ولكنّه يعمل باستمرار كالمحكّ الذي تقاس عليه التجارب.
وآخر هذه الشروط من هذا الصنف الداخلي النفسيّ في تصنيف روجرز يتمثّل في توفّر مهارة استخدام المفاهيم والعناصر الماديّة. الأمر هنا قدرة على التجريد، تصنع المفاهيم من الماديّ والمحسوس، وتضعها في علاقات عقليّة أو في تركيبات تمثّل نماذج صوريّة يمكن تحويلها إلى سلوك واقعيّ.
لكن كيف السبيل إلى الخروج من هذه النفسانيّة (psychologisme) الطاغية في التفسير والحديث بمنطق عمليّ يمكن على أساسه صياغة برامج اجتماعيّة لصناعة وضعيّة إبداعيّة جماعيّة؟
يقول روجرز إنّ هذه الشروط السابقة لا يمكن أن تتحقّق ما لم يتوفّر على الأقلّ شرطان نفسيّان اجتماعيّان، أوّلهما أن يشعر الفرد بالأمن تجاه المجموعة التي ينتمي إليها. وثانيهما أن يتمتّع بنوع من الحريّة النفسيّة. هذان الشرطان يعنيان على مستوى واقعيّ عملي من جانب المجتمع، أن يكون هذا المجتمع مستعدًّا للقبول بقيم الفرد، وأن يظهر قدرًا كافيًا من الثقة في إمكانيّاته. ولا يعني ذلك الوقوع في لامبالاة معمّمة، إنّما أن يتّسم المجتمع بقدر كاف من الرصانة يمارسها تفهّمًا للسلوك حتّى الشاذّ منه، ما دامت لا تنقض العقد الاجتماعيّ العامّ. ولا يتحقّق ذلك إلاّ حين ينتهي المجتمع عن تمثيل سلطة إطلاق أحكام مسبقة تستند إلى معايير ثابتة، ويسعى باستمرار إلى إشعار الفرد أنّه حرّ ومسؤول.
لا تبتعد شروط لوبار عن الشروط السابقة كثيرًا، وإن كان يوسّعها ليربطها بعدد أكبر من العوامل، بعضها يتّصل بالمعرفة، وبعضها بالطباع الشخصيّة للفرد، وبعضها الآخر مرتبط بالمحيط.
هذه الشروط تبدو على المستوى النظريّ مفهومة. ولكن كيف السبيل إلى تنفيذها في مجتمعات دينيّة أساسًا أو أنّ معيار وحدتها الاجتماعيّة دينيّ، وهي تعجز عن الارتقاء بهذا الشعور الدينيّ الموحّد فوق حسيّة إدراكها للحياة كليّة، ولمعنى الإله خاصّة، فيتحوّل الأخير إلى طرف مهيمن في عقد، تحدّد صورته تبعًا لتلك الحسيّة في صورة إنسان كامل، ويتحدّد التديّن تعبيرًا عن الإيمان به في نوع من الصيرورة التي يحسب فيها الوجود بمقياس ماديّ للحسنات والسيئات. ترتبط في هذا التصوّر فكرة الخلق والإبداع آليًّا بالخالق، ويتكفّل الإجماع وهو أساس الوعي الجمعيّ بمنع كلّ خروج عن هذا النّسق. ومن هنا يصبح كلّ حديث عن إنسان مسؤول مجرّد لغو.
على الرغم من تهافت معنى البديهي في مجال الإنسانيّات، فإنّ هناك خلاصات من المعرفة التي توصّل إليها العقل البشريّ لا يمكن الارتداد عنها. ومن سقراط إلى سينيكا إلى ديكارت إلى نيتشه، إلى أنشتاين ومن جاؤوا بعده، لم يكفّ مبدأ الشكّ في كلّ الحقائق وعلى رأسها الحقائق الذاتيّة، في أسسها بالذات، الطريقة الكبرى للتفكير السليم. يقول ديكارت في تأمّلاته الميتافيزيقيّة إنّنا نقضّي أعمارنا نسيّج كلّ الطاقة الذهنيّة الخلاّقة فينا بما نأخذه في صغرنا، ثمّ في كبرنا بوصفه حقائق. فإذا كان الإبداع حريّة وإرادة تغيير للعالم، وسيرًا خارج القنوات المعهودة، أفلا يمرّ تحرير هذه الطاقة عبر إنجاز ما قرّره ديكارت نفسه: الفعل الفلسفيّ الأساسيّ وهو قرار أن نضع موضع شكّ كلّ ما أخذناه باعتباره حقيقة، وأن نودّع ما سمّاه هيدغير وسادة رخوة أو شرنقة نحتمي بها من مواجهة مسؤوليّتنا في الحياة. سيعني هذا على المستوى الفردي عيش السؤال باستمرار، وتوديع حالة الاطمئنان المخادعة التي لا نريدها إلاّ بسبب الكسل، أمّا على المستوى الجماعيّ ومن جهة علاقتنا بالإسلام أنّه آن الأوان فعلاً لتوديع الإيمان الجماعيّ، دين المجموعة الساري على الفرد، والباسط سطوته بفعل سطوة الإجماع، والانتقال به إلى طور الدين الفرديّ حيث يؤمن الجميع بدين واحد في تعاليمه أمّا عيشه فرديًّا وتأويله فلا يعلمه إلاّ اللّه. لا يعني هذا التفريط في الدور التجميعيّ للدين، إنّما الكفّ عن تحول الاعتقاد الجماعي إلى معيار ملزم للأفراد. هو نوع من الفردانيّة ترعاه خارجيًّا أو سياسيًّا - على نسبيّتها - الديمقراطيّة اللّيبراليّة في طورها الجديد الذي جسر الفجوة بينها وبين الاشتراكيّة، وتجسّده حماية قانونيّة للفرد من الامتثاليّة (le conformisme). لكنّه لن يتحقّق ما لم نطبّق على المستوى الدينيّ الجماعي الرّمزيّ بعض النقلات الضروريّة، قد يكون أوّلها ترك المذهبيّة على الرغم من الدور الإيجابيّ الذي لعبته في التاريخ توحيدًا للمجتمع حول نواة دينيّة صلبة بعض الحلّ، وربّما تكون أوّل خطواته العمليّة أن يكفّ من تدعوهم عامّتنا بعلماء الدين، في القنوات التلفزيّة، وفي المساجد، عن شرح المذهب كما لو كان الدين كلّه، هذا قبل أن يكفّوا عن تقديم شروحهم النقليّة في الغالب، لتعاليم الدين بوصفها المعنى الذي لا معنى بعده. سيقول لك بعض من تواجههم بهذه الفكرة أنّ ذلك ما يحدث فعلاً. ولكنّهم لن ينتبهوا مطلقًا إلى كون علمائهم المبجّلين، حفظة المذاهب، ليس لهم دور كما نراه راهناً إلاّ تعليمها وتلقينها، ماداموا في منهاجهم لم يودّعوا ثقافة التلقين، ومادام المسلم يتعلّم دينه يوميًّا، وهو يتّخذ خلف الجهاز، أو بين صفوف المصلّين، وضع التلميذ المنصت الذي لا يشارك مطلقًا في إنتاج المعرفة.
ربّما يكون ترك المذهبيّة من أوّل الطلبات الثقافيّة الدينيّة لتقريب الذوق الإسلاميّ من الإبداع، وتحريره من مفهوم البدعة المتصل بالظلال اللاّهوتيّة لمفهوم الخلق، وربّما تكون من أولى خطواته العمليّة تحرير العامّة من علمائها، وتحرير علمائها من ثقافتهم التلقينيّة، ولكنّ الأمر يتّصل في العمق بكلّ أطراف المنظومة الثقافيّة التي نحيا فيها، بمختلف قنواتها، إنّه في النهاية تحرير للذات في ثقافتنا الراهنة، بتحرير محتوى الذاتيّة وتركه مفتوحًا على كلّ الممكن.
[1]العدد 273، جويلية-أوت، 2015
[2] فتحي المسكيني، التفكير بعد هيدغر أو كيف الخروج من العصر التأويليّ للعقل، لبنان، جداول للنشر، ط1، 2011، ص 9
[3] Donald Winnicot, conversations ordinaires, Gallimard, Paris, 1988, p43
[4] انظر كتابيهما:
Carl Rogers, Développement de la personne, Dunod, Paris, 1970
Todd Lubart, Psychologie de la créativité, Armond Colin, Paris, 2005