فينومينولوجيا الزمن في فلسفة لوي لافيل: مقاربة أنطولوجية لتجربة الزمانية
فئة : أبحاث محكمة
فينومينولوجيا الزمن في فلسفة لوي لافيل: مقاربة أنطولوجية لتجربة الزمانية
ملخص
يقدم هذا البحث قراءة معمّقة لفينومينولوجيا الزّمن في فلسفة الفيلسوف الفرنسي الرّوحاني لوي لافيل Louis Lavelle (1883-1951)، مستكشفًا تصوّره الأصيل للزّمن، بوصفه بنية وجوديّة أساسيّة تجسّد العلاقة الجدليّة بين الذّات والموضوع.
يتناول البحث الانعكاس الرّاديكالي الّذي أحدثه لافيل في فهم اتّجاهيّة الزّمن من خلال طرحه لنموذج يتحرّك فيه الزّمن من المستقبل إلى الماضي، متجاوزًا التّصور التّقليدي للزّمن الخطي. كما يستعرض البحث البنية الثلاثيّة للزّمن (الماضي-الحاضر-المستقبل)في ميتافيزيقا لافيل، ويحلل مفهوم "الحاضر الأبدي" كنقطة التقاء بين الزّماني والسّرمدي. كما يسعى البحث إلى تسليط الضوء على الأبعاد الأنطولوجيّة والأخلاقيّة لمفهوم الزّمن عند لافيل، مبرزًا علاقته بقضايا الحريّة والضّرورة والوجود الشخصي، ومقارنًا رؤيته بتصورات فلاسفة آخرين أمثال هنري برغسون Henri Bergson، مارتن هايدغر Martin Heidegger وإدموند هوسرل Edmund Husserl.
ويخلص البحث إلى بيان أهمية الإسهام الفلسفي للافيل في تجديد النظرة إلى الزمن وأثره على فهمنا للوجود والتجربة الإنسانية.
المقدمة
الزّمن، ذلك الهارب الأبدي من قبضة الوعي، ذلك الأثر الذي نقتفيه للتّبدّل والتّحوّل يظلّ يقضّ مضاجع الذّات المفكّرة ويؤرّقها ويقحمها في حربٍ داخليّةٍ ضروسٍ لا تنتهي. فمنذ ما قبل أفلاطون وأرسطو، مروراً بأوغسطينوس وكانط، وصولاً إلى رواد الفينومينولوجيا المعاصرين وما تلاهم من مفكّرين وعلماء، لا ينفكّ سؤال الزّمن يتملّص من محاولات التّقييد المفاهيميّ النّهائيّ، يتخفّى بإجابات مائتة تدفن ذاتها بذاتها. ولعلّ ما يضاعف من قسوة هذا السّؤال وإلحاحه، رسمه حدود تناهينا، وتأطيره لحظات حضورنا في العالم. إننا لا نتفكّر الزّمن فحسب، بل نذوب فيه، أو على أحسن تقديرٍ، نتماهى معه لنصيره. فكلّ وجودٍ وكينونةٍ زمنٌ يضحى انسلاخًا يتمزّقنا بين ماضٍ لا يمكن استرجاعه ومستقبلٍ لم يأتِ بعد، وحاضرٍ يتبدّد ما إن نشعر به، نمسكه فينفلت منّا. إذا ما لاحظناه من بعد، نرى فيه استيطيقا الكون وتناغمه وما إن نقترب منه حتّى نعيشه توجّعًا يتوتّر فقدًا.
بين ركام أنطولوجيا الزّمن ونظريّاته تنبثق فلسفة لوي لافيل مستنطقةً الوجود المتحوّل؛ ذلك الفعل المشارك المنغمس في تيّار الدّفق الوجوداني. تيّارٌ لا بل حركةٌ قمريّةٌ جذبيّةٌ لمدٍّ وجزر. موجةٌ باتّجاهين متبوعةٌ بأخرى إلى ما لا نهاية. لقد صقل لافيل مفتاحًا يفكّ به أغلال ثنائية الزماني/الأبدي الجدليّة، ليؤسس لحالة وجودية تراكبيّة تترنّح بين حضورنا المتناهي في الزمن وانتمائنا اللامتناهي إلى الوجود المطلق. ليغدو الحاضر في فعل المشاركة الحرّ حضورًا، وحدةً في الوجود.
على أنّ الدراسات العربية العربية لم تنصف فلسفة لناحية الإحاطة والتّعمّق على الرغم من أصالتها وأهميّتها وبصماتها الواضحة التي صبغت الفكر الفرنسي إبان النصف الأول من القرن العشرين. ويعود ذلك في جانب منه إلى تسيّد تيارات فلسفية أخرى المشهد الفكري، على غرار الوجودية والبنيوية وما شاكل من اتجاهات. بيد أن استعادة إرث لافيل الفلسفي تكتسب اليوم قيمة استثنائية، لاسيّما في سياق التحولات المعرفية المعاصرة التي تسعى لتجاوز الفهم الآلي للزمن والوعي والوجود.
من هنا يسعى هذا البحث إلى سبر أغوار فينومينولوجيا الزمن في فلسفة لوي لافيل، متعمقاً في أبعادها الأنطولوجية والوجودية. وتتمحور إشكاليته الجوهرية حول سؤال محوري: كيف يقلب لافيل المنظور التقليدي للزمن، مقترحاً نموذجاً يتدفق فيه الزمن من المستقبل نحو الماضي؟ وما هي المآلات الفلسفية العميقة لهذا الانقلاب المفاهيمي على تصوراتنا للحرية والذات والتجربة الإنسانية؟
تكمن قيمة هذا المسعى البحثي في كشفه عن إسهام فلسفي جوهري في معالجة معضلة الزمن- تلك المعضلة التي تلتقي عندها الفلسفة بالعلوم المعاصرة من فيزياء وعلوم أعصاب. كما يطمح البحث إلى تطعيم المكتبة العربية بدراسة عميقة تستجلي فكر فيلسوف ظل حضوره باهتاً في الدرس الفلسفي العربي.
ينقسم هذا البحث إلى تسعة أقسام رئيسة؛ يبدأ أولها بتحديد السياق الفكري والتاريخي لفلسفة لوي لافيل، متناولًا نشأته الفكرية وانتماءه للروحانية الفرنسية وموقعه في الفلسفة المعاصرة. ينتقل بعدها إلى تحليل الأسس الفلسفية لنظريته الزمنية، مركزًا على مفاهيم الوجود والمشاركة، والجدلية بين الذات والموضوع، وعلاقة الزمن بالحرية والفعل الإنساني. يلي ذلك استكشاف فينومينولوجيا الزمن عند لافيل، بخاصة انقلابه في اتجاه الزمن وبنية الأبعاد الزمنية الثلاثة، وعلاقته بالأبدية، ثم يتناول البحث الأبعاد الأنطولوجية للزمن، كعدم قابليته للعودة، ودوره في تشكيل الهوية، وصلته بالأخلاق. يتبع ذلك مقارنات معمّقة بين تصور لافيل للزمن ونظريات فلاسفة بارزين كبرغسون، هايدغر، هوسرل، وريكور. بعد ذلك، يستكشف البحث تجربة الزمن عند لافيل عبر تحليل الفرق بين الزمن المعيش والموضوعي، وبنية الحاضر، ومستويات الزمن النوعي. يخصص القسم السابع لدراسة أثر فلسفته في الفكر المعاصر، وعلاقتها بالتكنولوجيا والميتافيزيقا الحديثة. ثم يقدم البحث تقييمًا نقديًا لفلسفة لافيل، مبرزًا إسهاماتها وحدودها وإمكانيات تطويرها. وأخيرًا، يختتم البحث بخاتمة تلخص أهمية فلسفة لافيل الزمنية وراهنية أفكارها في ظل تحولات الزمن المعاصر.
للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا