قراءات في القرآن محمد أركون
فئة : قراءات في كتب
قراءات في القرآن
محمد أركون
قراءات في القرآن، محمد أركون، ترجمة هاشم صالح، دار الساقي، ط.1ن 2017م.
فكرة الكتاب
أصل هذا الكتاب كما هو مبين في مقدمته، يعود إلى عام 1982م، [1] وقد كرّس أركون السنوات الأخيرة من حياته لتنقيحه وإغنائه والإضافة عليه، وضم إليه مختلف الدراسات التي نشرت له حول القرآن، وقد صار كتابا ضخما يضم 675 صفحة. الكتاب يتكون من مقدمة عامة، واثني عشرة فصلا، وهي: الفصل الأول: كيف نقرأ القرآن اليوم؟ الفصل الثاني: حول مشكلة الصحة الإلهية للقرآن. الفصل الثالث: قراءة سورة الفاتحة. الفصل الرابع: إعادة قراءة سورة الكهف. الفصل الخامس: من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي. الفصل السادس: هل يمكن التحدث عن العجب المدهش أو الساحر الخلاب في القرآن؟ الفصل السابع: مدخل إلى دراسة العلاقات بين الإسلام وبين السياسة. الفصل الثامن: الدين والمجتمع طبقا لمثال الإسلام. الفصل التاسع: الحج في الفكر الإسلامي. الفصل العاشر: الوحي والتاريخ والحقيقة. الفصل الحادي عشر: من أجل قراءة ما فوق نقدية لسورة التوبة. الفصل الثاني عشر: التشكيل المجازي للخطاب القرآني.
مختلف هذه الموضوعات التي يشملها الكتاب تشمل تقريبا مختلف القضايا والإشكالات التي توقف عندها محمد أركون من خلال مؤلفاته المتعددة. ولهذا، فالكتاب بمثابة خلاصة لفكر محمد أركون وبالأخص في كل كتبه حول القرآن؛ إذ سيجد المختص في الدراسات القرآنية في هذا الكتاب مختلف أفكار وطروحات محمد أركون حول القرآن، سواء في شقها النظري، أو في شقها التطبيقي المتعلق بقراءة سورة الفاتحة وسورة الكهف وسورة التوبة.
يفهم من خلال عنوان الكتاب "قراءات في القرآن" بأن قراءات القرآن من طبيعتها التعدد والتنوع؛ فالقرآن لا يكتفي بقراءة وفهم واحد؛ إذ تتعدد قراءاته بتعدد قرائه، وبتعدد خلفياتهم الفكرية والمعرفية، وبتعدد الأزمنة والأمكنة، وهذه فكرة محورية في فكر أركون ونظرته إلى القرآن، وهي فكرة في غاية الأهمية، في وقت نجد الكثير من المسلمين وغيرهم، يتصورون أن فهم وتأويل وتفسيره القرآن، تسري عليه قراءة واحدة، تدعي لنفسها الصواب وأنها تمتلك الحقيقة. وهذه مشكلة جعلت كل من يؤمن بقراءة معينة باسم فرقة أو مذهب معين أو مدرسة معية، ينفي القراءة الأخرى، ولا يعترف إلا بقراءته فقط، والعكس صحيح.
وعليه، فمحمد أركون ينظر إلى قراءته بأنه قراءة من بين القراءات المتعددة، وهي قراءة لا تلغي مختلف القراءات، بقدر ما أنها تسعى إلى فتح مجال الحوار والتواصل معها، باستثمارها وتثويرها، بهدف بناء نسق كلّي يُمكّن من خلق قراءات أكثر معاصرة. فمن المعروف أن محمد أركون يوظف كل إمكانات علوم الألسنيات الحديثة والدلالات السيميائية وتاريخ العقليات والاجتماع، بغية تفكيك الخطاب التقليدي الموروث عن القرآن. ويثبت من خلال ذلك كلّه، أن كل قراءات القرآن وتفاسيره هي بالضرورة "تركيبات بشرية".
بعض المعالم من أجل إعادة قراءة القرآن
يؤمن محمد أركون أن "القرآن يحتوي على التحفيزات والبذور الأولى التي يمكن الاعتماد عليها بغية التنشيط المستمر للجهود البشرية من أجل تصحيح معارفنا وتوسيعها وإغنائها. وبما أنه يحتوي على كل ذلك، فإننا واثقون، إذا ما قرأناه بالدقة الفكرية الحديثة، بالإسهام في تهدئة ذلك الحنين إلى الكينونة. وتلك الرغبة التواقة إلى الأبدية والخلود، وهما شيئان ما انفكا يشغلان الإنسان على مدار التاريخ".[2]
يرى محمد أركون أن تجديد قراءة القرآن يقتضي منا تكثيف الجهود في الاتجاهات التالية:
1- تحديد نظام اللغة العربية ما بين (550م-632م)
لكي نفهم القرآن جيّدًا، نحن بحاجة لفهم معجم لفظي شامل للغة العربية العتيقة أو القديمة جدّا؛ أي اللغة المعاصرة لزمن نزول القرآن أو حتى السابقة عنه إن أمكن، ولا ريب في أن الدراسات العلمية المنتظمة لجميع اللهجات العربية المعروفة آنذاك تقدم لنا إسهامات ثمينة جدّا. ينبغي العودة إلى لحظة القرآن نفسها لكي نفهم منشأ موقف القرآن الذي مفاده (ظلمات الجاهلية) تلك الشعوب أو الأقوام التي بقيت بمنأى عن (نور الاسلام) ماذا يعني كل هذا؟ إنه يعني بأننا بحاجة إلى بذل جهود معرفية ضخمة، لكي نعيد قراءة وفهم هذه الأمور وفق ما عليه الزمن القرآني.[3]
عندما نتحدث عن اللغة، ننبه أن هناك نوعاً من الاستغلال للمعجم الديني؛ إذ عملت مختلف الاتجاهات الأصولية على استغلال مختلف ألفاظ القرآن؛ وذلك بإخراجها عن نسقها التي وردت فيه، على نسق مخالف يحضر فيه الاستغلال السياسي والأيديولوجي، ومثال ذلك حدث مع مفردة الجاهلية، وهي مفردة وظفها السيد قطب في سياق خطاب سياسي متشدد تميزت به الإسلام السياسي.
2- الأساطير والشعائر والأديان في الشرق الأوسط القديم
يرى أركون أن أصول الأديان التوحيدية لا تفهم بشكل جيد، إلا من خلال البحث والحفر عميقا في مختلف أديان الشرق الأوسط القديم، بالنسبة إلى القرآن الكريم لم يتبين بعد ما هي العناصر التي استعارها الخطاب القرآني من تراث الشرق الأوسط القديم، وفي هذا السياق علينا أن لا نقف عند جهود الاستشراق؛ لأنه يكتفي بالتراكم الأكاديمي للمعلومات عن شخص من الأشخاص نبي أو رسول، فعلينا أن نهتم بدراسة المجريات الأسلوبية البلاغية التي استخدمها القرآن، عنما وظف نتفا متبعثرة من خطاب اجتماعي قديم، و"قد آن الأوان لكي ندرس القرآن بنحو مواز للتوراة والإنجيل بغية فهمه أكثر عن طريق المقارنة. لا ينبغي أن نظل محصورين في تراث واحد فقط، أو كتاب واحد بمعزل عن كل ما عداه إذا ما أردنا أن نفهم الدين بجدية".[4]
3- مفهوم مجتمع الكتاب
يعود مفهوم مجتمع الكتاب إلى محمد أركون؛ فمن المعروف أن القرآن تحدث عن أهل الكتاب أي اليهود والنصارى، في مقابل الأمة الأمية من العرب الذين لم يبعث فيهم رسول حينها وليس بين يديهم كتاب، فمحمد وصف بكونه النبي الأمي بكونه ينتمي إلى أمة لا تملك كتاب؛ أي أمية، فببعثة محمد تحول العرب من أمة أمية إلى أمة كتاب بفضل نزول القرآن الكريم. ولسنا هنا بصدد نقاش مفهوم الأمي في علاقة ذلك بمن لا يعرف القراءة والكتابة. ويقصد أركون من مفهوم مجتمع الكتاب، المجتمع الواسع الذي يشمل كل الديانات الإبراهيمية (اليهودية والمسيحية والاسلام). فنحن اليوم أمام مجتمع يشترك في كثير من الأفكار والتصورات، صحيح بأن كل له صورته عن مختلف المواضيع وسير الأنبياء والرسل، ولكن هناك نقطة يلتقي فيها الكل، فينبغي العمل على الوصل إلى هذه النقطة.
ويرى أركون أن مكونات الأفكار المشتركة تعود إلى:
أ - الإحالة المرجعية إلى كتاب سماوي موحى به أو ملهم من إله متعال يتحدث إلى البشر.
ب- الكتاب الموحى به صار بالنسبة إلى جميع المؤمنين من اليهود والنصارى والمسلمين المصدر الأعلى لكل المعايير المثالية المطلقة التي ينبغي أن تتحكم بالفكر والعمل.
ج- إن تحديد هذه المعايير المثالية المطلقة أو استنباطها يتطلب تقنية معينة لقراءة الكتابات المقدسة
د- ينبغي العلم بأن مصطلح أهل الكتاب في القرآن يدل على الكتاب السماوي بصيغة المفرد؛ لأن جميع الأنبياء السابقين لمحمد كانوا قد تلقوا رسالات صادرة عن النموذج الأعلى للكتاب.
ملاحظات حول مضمون الكتاب
يضم الكتاب الذي نحن بصدده قراءة لسورة الفاتحة[5] ولسورة الكهف[6] ولسورة التوبة[7] والملاحظ، أن محمد أركون يستفيض كثيراً في تحديد ووصف وعلاج وبسط المنهج الذي يدعو إليه، في التعاطي مع فهم القرآن الكريم، وفي عرض المشكلات التي تحول بيننا اليوم وبين فهم القرآن، وفي توضيح مشكلة كتب التفاسير وكتب الفقه وغيرها التي "تحولت إلى حجاب حاجز يحول بيننا وبين النموذج القرآني الأعلى"[8] وفي توضيح فكرة "أن أيّ محاولة لتقليد النموذج القرآني النبوي الأول ستؤدي بالضرورة إلى قطيعات معه"[9] وبأننا "لن نفهم الخطاب القرآني على حقيقته، إلا إذا أخذنا مسألة المجاز على محمل الجد، فهو لا يمارس فعل تأثيره إلا في حال عرفنا كيف نفرق بين المعنى الحرفي، وبين المعنى التصوري المجازي، وبين الواقع المحسوس وبين المجاز الرائع"[10] وكذلك في دعوته إلى الحوار بين العقل الديني والعقل الفلسفي، يقول أركون: "كل واحد من العقل الديني والعقل الفلسفي ينبغي أن يفعل خطوة تجاه الآخر. كل واحد ينبغي أن يقدم تنازلاً ما إلى الآخر لكي يحدث اللقاء والحوار. فجوهر الدين في حال فهمنا له بوجه صحيح هو ليس ضد العقل. إنما يكمله والعكس بالعكس أيضا".[11]
استفاضة محمد أركون في هذه القضايا هي في غاية الأهمية، ولكن من الملاحظ أنه لم يقدم لنا قراءات وافية ومستفيضة وواضحة المعالم، انسجاما مع المنهج الذي يدعو إليه، وعن القضايا التي عالجتها تلك السور، ويحللها وفق الكل القرآني؛ فدراسة محمد أركون التي خصَّصها لهذه السور تعد بمثابة مقدمات مطولة في رسم ملامح منهجية في فهم تلك السور، وهو أمر مهمّ جدّاً، ولكن لا يغني عن قراءة أهم الآيات المفتاحية لها.
[1] محمد أركون، قراءات في القرآن، ترجمة هاشم صالح، دار الساقي، ط.1ن 2017م. ص.13
[2] نفسه، ص.24
[3] نفسه، ص.143
[4] نفسه، ص ص. 144-145
[5] نفسه، ص.149
[6] نفسه، ص.189
[7] نفسه، ص. 589
[8] نفسه، ص. 591
[9] نفسه، ص. 592
[10] نفسه، ص. 614
[11] نفسه، ص. 601