قراءة تحليلية لكتاب الأمازيغ بين المغرب والمشرق (من القرن السابع إلى الخامس عشر) تحت إشراف دومينيك فاليريان THE BERBERS BETWEEN MAGHREB AND MASHREQ (7TH-15TH CEN.TURY)
فئة : قراءات في كتب
قراءة تحليلية لكتاب الأمازيغ بين المغرب والمشرق
(من القرن السابع إلى الخامس عشر) تحت إشراف دومينيك فاليريان
THE BERBERS BETWEEN MAGHREB AND MASHREQ (7TH-15TH CEN.TURY)
الملخّص التنفيذي باللغة العربية
الكتاب الجماعي معنون "الأمازيغ بين المغرب والمشرق (من القرن السابع إلى الخامس عشر)"، تحت إشراف دومينيك فاليريان، انطلق من إشكالية مفادها ضرورة دراسة وتحليل النصوص الوسيطية لمجابهة ادعاء الطابع الشرقي للأمازيغ، من خلال تطوير سلاسل الأنساب الوهمية للقبائل، والتي تقدم المغارب على أنه مستشرق حتى قبل الفتح، لكن هذا البناء رافقه، بسرعة كبيرة، خطاب لمؤلفين من شمال إفريقيا زعموا المكانة الأصلية والمرموقة للأمازيغ ضد المشرقيين، اتبعت الدراسات التي تم جمعها في هذا الكتاب هذا الجدل الدائم في الخطاب، بين ادعاء الأصل الشرقي ودور الشعوب المسلمة المغاربية البارز في مصير الإسلام في هذه الرقعة. ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام؛ الأول معنون بأصول الأمازيغ، والثاني معنون بالمقاومات وخطابها المضاد، والثالث معنون باللغات والأنساب الأمازيغية.
مقدمة:
بعد الكتاب المثير للجدل الصادر سنة 2011م، حول الأسلمة والتعريب في الغرب الإسلامي[1]؛ حيث قدم المساهمون مقاربة جديدة لتاريخ القرون الأولى من الغرب الإسلامي، صدر سنة 2021 عن منشورات كازا دي فيلازكيز (Casa de Velázquez)، التابعة للمدرسة الفرنسية التي تقع في إسبانيا، كتاب جماعي معنون "الأمازيغ بين المغرب والمشرق (من القرن السابع إلى الخامس عشر)"[2]، تحت إشراف دومينيك فاليريان، وهو نفس المؤلف التي أشرف على العمل أعلاه، انطلق هذا الكتاب من إشكالية مفادها ضرورة دراسة وتحليل النصوص الوسيطية لمجابهة ادعاء الطابع الشرقي للبربر، من خلال تطوير سلاسل الأنساب الوهمية للقبائل، والتي تقدم المغارب على أنه مستشرق حتى قبل الفتح، لكن هذا البناء رافقه، بسرعة كبيرة، خطاب لمؤلفين من شمال إفريقيا زعموا المكانة الأصلية والمرموقة للأمازيغ ضد المشرقيين، اتبعت الدراسات التي تم جمعها في هذا الكتاب هذا الجدل الدائم في الخطاب، بين ادعاء الأصل الشرقي ودور الشعوب المسلمة المغاربية البارز في مصير الإسلام في هذه الرقعة.
ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام؛ الأول معنون بأصول الأمازيغ، والثاني معنون بالمقاومات وخطابها المضاد، والثالث معنون باللغات والأنساب الأمازيغية.
استهل دومينيك فاليريان (Dominique Valérian) الذي نسق مواد الكتاب، بمقدمة مطولة، عرج فيها على جذور مصطلح (الأمازيغ)، وبين أن المصطلح في اللغات الأوروبية، يستعمل لتعيين هذا الجزء من العالم، خلال العصر الوسيط، ثم في العصر الحديث من خلال تسمية سكانها بمصطلح "الأمازيغ ". ويستخدم على نطاق واسع في التأريخ الاستعماري مع خلفية أيديولوجية قوية (ص 3) رغبة في "إرباك" المنطقة المغاربية، ومحاولة لتقليص ارتباطها بالمشرق العربي، وإبراز مصير مجتمع قديم بين أوروبا ومستعمراتها الجديدة، كما اقترح أن المغرب العربي لا يزال بلا شك هو الأنسب للعصور الوسطى؛ لأنه الاسم الذي استخدمه المؤلفون الناطقون باللغة العربية في ذلك الوقت، ومع ذلك من الضروري التفكير في آثارها من حيث التصنيف الجغرافي، وبالتالي فهم تاريخ المنطقة.
يقترح دومينيك فاليريان إعادة التفكير في النظرية التي تربط المغارب بطريقة ما بالشرق كمركز للعالم الإسلامي، ويدعونا للتشكيك في مكانتها في هذا الفضاء، وعلى نطاق أوسع اندماجها في الإسلام، ولكن أيضا في خصوصيتها. استدل الباحث بدراسة عمليات الأسلمة والتعريب (ص5)، حيث تم الاندماج في دار الإسلام بشكل تدريجي، وفقا لأساليب متنوعة للغاية اعتمادا على المناطق والفترات، لقد خلص الباحث إلى أن فكرة استشراق المنطقة المغاربية ظهرت في العصر الإسلامي في وقت مبكر جدا في التأريخ الإسلامي؛ لكن الفكرة لا تخلو من المشاكل حسب زعمه، فقد تعود جذورها إلى دراسة العصور القديمة، ولا سيما الفترة القرطاجية التي ربطت المنطقة بالشرق من خلال المراكز التجارية الفينيقية، لكن مع الفتوحات الإسلامية، تم دمج المنطقة المغاربية بأكملها في فضاء مستقطب في الشرق العربي، وخاصة خلال فترة عواصم الخلافة، دمشق ثم بغداد.
أولا: أصول الأمازيغ
تناول القسم الأول من الكتاب ورقتين؛ قاربت ورقة أنلييس ناف (Annliese NEF) (ص 15-28) قضية الأمازيغ في المغارب عبر مدخل الأصول، فتمت العودة إلى المصطلح من زاوية ماضي منطقة المغارب زمن القرون الأولى للإسلام، ومحاولة وضع مصطلح الأمازيغ في إطار إشكالي؛ هل هو مصطلح قديم أم هو اختراع إسلامي؟ (ص 16) قدمت الباحثة أدلة تاريخية يونانية حسب الطرح الأول، وقدمت تحاليل فيلولوجية للبرهنة على أن للمصطلح جذوره في اللغة العربية أثناء الاتصال باللسان الأمازيغي حسب الطرح الثاني، وتلجأ لتبرير هذا النهج باحتكامها للمصادر الجغرافية المتخصصة في الفتح العربي للمنطقة، لقد تاهت الباحثة في البرهنة على ادعائها، من خلال استعانتها بالمصادر المشرقية التقليدية التي كانت عبارة عن أخبار للمنطقة تصلهم من الفاتحين العرب، وبالتالي فاستنتاجاتها بخصوص إشكاليتها اعتمدت على تأويلات وقراءات فيلولوجية من مصادر تاريخية أحادية، لقد ادعت الباحثة أنه قبل استخدام مصطلح الأمازيغ في اللغة العربية، لم يكن هناك مصطلح يشير إلى جميع السكان الذين يعيشون في المنطقة التي تتوافق مع المغارب الحالي، واستنتجت في نهاية ورقتها، أن مصطلح "الأمازيغ" حاضر في أذهان مؤلفي العصور الوسطى في العالم الإسلامي، وأن عبارة "لغة الأمازيغ" ليست عامة، لكنها خاصة بالمجموعة. ومن وجهة النظر هذه، تجدر الإشارة إلى أن نصوص العصور الوسطى تحافظ على جدلية غير واضحة بين مجموعة متنوعة من اللغات الأمازيغية، ما يجعل الوحدة هنا ليست اللغة، بل فئة "الأمازيغ".
إن هذا الجدل الذي لم يتم توضيحه، هو أحد الموروثات التي لا جدال فيها في فترة العصور الوسطى، وتضيف الباحثة أن غياب المصادر التي كتبها مؤلفون يسمون أنفسهم "الأمازيغ" لتوضيح هذه القضايا، قد تم تناولها منذ فترة طويلة، باعتبارها عقبة منهجية رئيسة أمام التفكير في الموضوع، ومع ذلك، فإن الدراسة المتجددة للمصادر الإباضية قد أظهرت بشكل قاطع وجود هذه النصوص. ولعل أقوى هذه النصوص؛ نص إباضي ألفه شخص يدعي أنه أمازيغي، ابن سلام الإباضي في كتابه "بدء الإسلام وشرائع الدين"، لا توجد معارضة أمازيغية للعرب في هذا الكتاب حسب نايف، بل تمثل الأحاديث التي جاء بها الكتاب تتويجا لبنية متشابهة؛ حيث المغارب هو مهد الإسلام الإباضي، الأمازيغ هم ناقلوه؛ أي هناك شعب جديد يقف ضد الإمبراطورية المستبدة في المشرق، (ص26) وهكذا سعى ابن سلام إلى خلق ذاكرة جماعية معارضة للصور النمطية عن الأمازيغ الناتجة عن ثوراتهم، مقارنة بالسكان الآخرين.
وقاربت ورقة رامزي الرويغي (ص 29-42) قضية "الأمازيغية وأقنعتها": "السكان الأمازيغ في نقاشات القرنين السابع والعاشر"، أشار إلى أن فتوحات القرن السابع تميزت بعملية تكامل إداري ومالي في الغرب الإسلامي، داخل الإمبراطورية الأموية، ثم العباسية، مما جعل منطقة الغرب الإسلامي أكثر من منطقة "تقع غرب مصر"، ومع ذلك، وحتى القرن التاسع، ظل هذا التوحيد مشروعا غير مكتمل إلى حد كبير، باستثناء إفريقية، وعدد قليل من الجيوب الأخرى. إن الممالك التي تأسست في الغرب الإسلامي في نهاية القرن الثامن (الأغالبة، الأدارسة، إلخ) وكذلك تنصيب قوة أموية مستقلة بإيبيريا، تثبت أن الإمبراطورية العباسية في الشرق لم تكن لها سلطة حقيقية على الغرب الإسلامي، (ص 31) باستثناء الأغالبة، الذين تمتعوا، على الرغم من كل شيء، باستقلالية معينة. هذه الظروف السياسية في منطقة الغرب الإسلامي ساهمت في التمثلات التي قدمها المؤلفون الشرقيون عن "الغرب الإسلامي" عامة و"الأمازيغ" على وجه الخصوص، كما أن مصادر الغرب الاسلامي (نهاية القرن التاسع)، تسمح بتحديد مصدر العديد من سوء الفهم بين المؤرخين.
أكد الباحث على ظهور الإشارات الأولى إلى "الأمازيغ" في اللغة العربية في الوقت الذي كان يتم فيه تطوير الصرح المعرفي المرتبط عادة بالعباسيين، "العصر الذهبي للحضارة العربية الإسلامية" في المشرق، في صميم هذه المعرفة الإمبراطورية يتم التعبير عن رغبة العلماء في تأسيس المعرفة حول "شعوب" العالم المعروف، بما في ذلك الأمازيغ.
استنتج الباحث أن بداية الأصل العربي لمجموعات معينة من الأمازيغ مقبول في نهاية القرن الثامن للميلاد (ص35)، بالإضافة إلى جانبه الأسطوري أو المفتعل في كتب الأنساب؛ تشير هذه الأنساب إلى عملية يتم في نهايتها دمج معرفة معينة عن الغرب الإسلامي في المعرفة الإمبراطورية المشرقية، وهكذا، جعل اليمنيون المستقرون في الغرب الإسلامي مكانا لأنفسهم في قلب الذاكرة الجماعية المحلية، (ص 39-40) باستخدام شكل من أشكال المعرفة والغموض على نطاق واسع. تساءل الباحث في ختام ورقته؛ ماذا قال قادة وعلماء الأنساب في صنهاجة وكتامة عن هذه الشبكة من الأنساب؟ في حالة عدم وجود مصدر، سيكون من المفيد ملاحظة مساهمة الخطاب حول "التشابه" بين العرب (سوريين أو يمنيين) والأمازيغ في تجسيد فئتين من العرب والأمازيغ في المشرق والغرب الاسلامي.
ثانيا: المقاومات الأمازيغية وخطاباتها المضادة
في الجزء الثاني من هذا الكتاب نلتقي بثلاث ورقات، تناولت سولينا شوني (Soléna Cheny) في الورقة الأولى (ص 45-54)، قضية مقاومة السكان الذين يطلق عليهم "الأمازيغ" ضد الجيوش الإسلامية أثناء "غزو" شمال إفريقيا، بعدتها وشجاعة أبطالها، والتي لها مكانة خاصة في التأريخ العربي في العصور الوسطى. على الرغم من تحولهم السريع إلى الإسلام، وانخراطهم المبكر في مشروع غزو إسبانيا، وكذا مشاركتهم اللاحقة في تطوير الحضارة "العربية" في الغرب، إلا أن ذكرى المعارك التي قادتها القبائل الكبيرة مثل مصمودة، أو الزعماء أمثال كسيلة والكاهنة، بل على العكس من ذلك تم تضخيمهم بين القرنين التاسع والرابع عشر، وأحيانا يتخذون بعدا أسطوريا، (ص51) في وقت لاحق، خلال الحقبة الاستعمارية، حيث غدا هذا بدوره أدبا تاريخيا أو رومانسيا وفيرا للغاية، وأحيانا لا يخلو من الدوافع السياسية الخفية، لكنه يعرف، بشكل جديد أو أقل جدة، امتدادات ملحوظة في الثقافة الأمازيغية المعاصرة.
أكدت الباحثة أنه يجب إعادة قراءة العناصر المتناثرة التي تسمح برسم صورة للعالم الأمازيغي في العصور الوسطى في ضوء الدوافع المحددة لهذه الذاكرة، منذ ذلك الحين، يتدخل أبطال الأمازيغ في أوقات معينة في تاريخ الخلافة.
يمكننا أن نلاحظ أنه في ظل الجنرالات الذين أرسلهم عمر وعثمان رضي الله عنهما، لم تكن المقاومة موجودة أو لم تتجسد في شخصية بطولية المقاومة الأمازيغية، إذن، هي جزء من خطاب يتم إنتاجه في الشرق. إنها موجودة فقط لتروي مجد أعظم انتصار للجنرالات العرب، ولتكون بمثابة نماذج للنخب الشرقية أو المستشرقة، وفي إطار خاص للتأريخ، أبطالها يرتدون الأزياء الشرقية، حيث توصف "الكاهنة" بكل صفات القائد العربي، بينما يقترب "كسيلة" من الإسلام. هم فقط يأتون إلى الحياة في مناسبات نادرة، لحظات مهمة في الفتح أو بالأحرى في القصة. إنهم يتدخلون فقط في لعبة معارضتهم للجنرال الفاتح، تم استرداد هذا الأدب خلال الحقبة الاستعمارية من قبل شركة الترجمة والنشر التابعة لوزارة الحرب الفرنسية، وتم استشراق هذا الأدب مرة أخرى، تستحوذ الحركة الاستشراقية، وفقًا لقواعدها وقضاياها، على شخصيات العرب في العصور الوسطى. يتم نقلهم مرة أخرى إلى عالم غريب عليهم. وهكذا أصبح "كسيلة" و"الكاهنة" من نسل المسيحيين ويخدمون دعاية جديدة: دعاية الوجود الفرنسي في شمال إفريقيا.
تناول علاوة عمارة الورقة الثانية (ص 55-70) في هذا الجزء الثاني، والموسومة بـ "تطور الخطاب حول الأمازيغ في المصادر السردية للغرب الإسلامي خلال العصور الوسطى (ما بين القرنين التاسع والرابع عشر)"، فجاءت إشكاليته على الشكل التالي؛ التركيز على الخطابات التي أصدرها المؤلفون الناطقون باللغة العربية حول سكان المنطقة المغاربية في وقت الفتح الأموي، وتقاليد ما قبل الإسلام التي تبناها هؤلاء المؤلفون، والتي تم استغلالها في تصنيف الأمازيغ، ومن أي تاريخ تحدد هذه النصوص السكان على أنهم من السكان الأصليين وخاصة الأمازيغ؟ ما هي الصور والتمثيلات التي تم إنشاؤها حول هؤلاء السكان وما هي المعايير التي تم استخدامها لتحديدها وتصنيفها؟ (ص 55)
استند عمارة في هذه الدراسة على مصادر مختلفة في إطار حسابات الفتوحات من كتب الأنساب، وقواميس السير الذاتية (الطبقات)، والسجلات، والأوصاف الجغرافية (مسالك وممالك)، فقام بقراءة نقدية لهذا التوثيق النصي، لمحاولة تحليل تطور خطاباته حول الأمازيغ بين القرنين التاسع والرابع عشر، بين أنه لطالما كانت أصول الاستقرار في المنطقة المغاربية موضوعا للنقاش التأريخي، ويقبل مؤرخو ما قبل التاريخ فكرة الوجود البشري القديم جدا، لكن المؤرخين الذين تناولوا الأساطير القديمة والعصور الوسطى في المنطقة، أظهروا صلة هذه المنطقة بالشرق الأدنى القديم، أثناء البحث عن أصول الأمازيغ. وبين عمارة أن غياب الوثائق والشهادات التي تعود إلى الوجود الإسلامي الأول في المغارب، يجعل من الصعب تكوين فكرة عن التمثلات التي قدمها المسلمون الأوائل عن السكان الأوائل، قام عمارة بقراءة الإنتاج التأريخي لإفريقية في بداية العصر الإسلامي لمحاولة تقديم بعض الإجابات عن تساؤلات من قبيل؛ لماذا تم استخدام مصطلح أمازيغ في النصوص المشرقية؟ هل هذا التصنيف مرتبط بعامل سياسي، أم بتمرد أو بعوامل أخرى؟ هل تعميم هذا المصطلح يشير إلى المجتمعات غير المدمجة في الخلافة الأموية؟ استند علاوة لتبرير ورقته على نص إباضي، ألف عندما بدأت الأراضي الإباضية تتجلى ثقافيًا بعد فترة اتسمت بالاضطرابات السياسية والعسكرية في المنطقة المغاربية. (ص 69) وهكذا، ألف ابن سلام اللواتي أحد أقدم النصوص السردية في بلاد المغرب الإسلامي، حيث يسرد تاريخ الإباضية منذ نشأتها وحتى وقتها.
تعطينا هذه القصة، فكرة عن الخطاب الذي طوره مجتمع الأمازيغ في القرن التاسع، من خلال ابن سلام، القادم من أمازيغ لواتا في طرابلس. واستخلص علاوة من خلال هذا النص، أن كلمة "الأمازيغ" استخدمت للإشارة إلى مجموعة من المجتمعات القديمة التي تحولت إلى الإباضية. وحاول عليوة التدرج بين المصادر العربية كالطبري وابن عبد الحليم والبكري، حيث خصصوا بعض الوريقات في تفصيل أصل الأمازيغ، وقد ركز على ابن خلدون الذي فصل في قضية أصول الأمازيغ في الجزء الثالث.
وركز سيريل ايليت (Cyrille Aillet) في ورقته (ص 71-91) على نص ابن سلام السابق الذكر، واعتبره من النصوص التي تقدم أحاديث فريدة حول الأمازيغ بين المشرق وإباضية الغرب الإسلامي خلال القرن التاسع، واعتبره من أبرز فتوح الإسلام في الغرب الإسلامي(ص 72)، رغم كونه من الكتب المفقودة التي تم اكتشافها سنة 1964 من طرف سالم بن يعقوب الجربي التونسي، لقد قام الباحث بقراءة هذا النص، ولم يبخل في تقديم تأويلات رأى أنها مناسبة لتدعيم طرحه حول الموضوع، واعتبر أن تتبع مزايا الأمازيغ من خلال الأحاديث النبوية التي تجعلهم حاملي الوحي حتى نهاية الكتاب.
يحتل هذا النص حسب الباحث مكانة استراتيجية؛ لأنه يأتي باللمسة الأخيرة والضمانة "النبوية" لمشروع تبرير الثورات التي أدت إلى التحرير السياسي للغرب الإسلامي، لا سيما تحت رعاية "الدولة" الإباضية، وحسب سيريل إيليت، فنص ابن سلام هو الطريق الأكثر أمانا، حيث يصور النص منطقة الغرب الإسلامي كمساحة مقدر لها أن تصبح مهد الإسلام الجديد، عندما يحل الأمازيغ "الشعب المختار"، محل العرب، بعد تجريدهم من دورهم كحملة للوحي، ويستدل الباحث، أنه يمكن للمرء أن يدرك بسهولة في هذا الكتاب صدى الخطاب المناهض لقريش، كضمان لمشروع حقيقي لتفكيك أيديولوجية الإمبراطورية العباسية. (ص 87-88)
يتحدى هذا الكتاب أولا أسبقية ومركزية الشرق والحجاز، وهو ما أكدته الجغرافيا العباسية باستمرار تجد الفكرة المبتذلة لانحدار الإسلام تعبيرا جديدا في "الاستعارة النباتية" للشجرة، التي تتلاشى جذورها وجذوعها بينما تزدهر أوراقها، تعلن هذه الاستعارة عن انحطاط الشرق، وخصوبة تربة الدين، وحيوية بلاد الإسلام الجديدة، حيث سيأخذ شعب جديد من الأهالي الشعلة من العرب. (ص 89)
تطور خطاب الشرعية هذا ضد الشرق في سياق التحرر السياسي للغرب الاسلامي من دار الإسلام، منذ منتصف القرن الثامن من خلال جهود أمويي قرطبة لتقديم الأندلس كمركز جديد للعروبة في الإسلام حسب تأويل الباحث. ويضيف أن أمراء قرطبة لم يشككوا في أسس الخطاب المشحون بالمراجع الشرقية، بينما أزعج ابن سلام التسلسل الهرمي المعتاد للإسلام بإعلانه تفوقا لأمازيغ على العرب الذين يشكلون أصل الإسلام، الذي امتد إلى الشعوب الأخرى من خلال الفتح، لكن ابن سلام يذكرنا باستمرار أنهم تسببوا في انشقاق كبير في المنطقة.
تقدم حجة ابن سلام انعكاسا مقلوبا لصورة الأمازيغ كما تظهر في مرآة روايات "الغزو" في الأدب العربي، والمشرقي، والأندلسي. إن مواجهة الإنتاج السني بشهادة المصادر الإباضية، ورثة حركة الخوارج في منتصف القرن الثامن هي منهجية محفوفة بالمخاطر، فمن المسلم به أن الأنظمة السردية ليست هي نفسها، لكن لا يمكن للمرء أن يفهم الروايات المضادة المنتجة في الوسط الإباضي دون الرجوع إلى نماذج المعارضة، هذا الصراع في الذاكرة لا يحدث فقط في مجال السرد التاريخي. بالتالي فعمل ابن سلام حسب الباحث، يوفر فرصة فريدة للتغلغل في قلب عملية إضفاء الشرعية على سلطات الحكم الذاتي للأمازيغ التي بدأت في النصف الثاني من القرن الثامن. كما استنتج أنها شهادة لا غنى عنها لاستراتيجية تأسيس حركات الخوارج في الغرب الاسلامي خلال هذه الفترة.
يبدو أن غزو المجموعات القبلية من قبل الإباضية، قد استند إلى حد كبير إلى تفاقم الانقسام بين نخب العرب الفاتحين، التي جاءت من الشرق، والسكان المحليين.
ثالثا: اللغات والأنساب الأمازيغية
عرج القسم الثالث من الكتاب على قضية اللغات والجينيالوجية الأمازيغية؛ مصطلحات قديمة، وقراءات جديدة، لثلاث ورقات، ورقة هيلينا دي فيليب (Helena de Felipe) (ص 92-109) المعنونة بـ "كلمات قديمة، قراءات جديدة: التهجين الثقافي في المغارب في العصور الوسطى"، تشير دي فيليب كإطار توضيحي لـ "التهجين الثقافي" إلى فكرة أن مصطلح الأمازيغ، مأخوذ من العالم اليوناني اللاتيني من قبل العرب، يشير هذا قبل كل شيء إلى واقع لغوي واسع الانتشار، حيث وقفت الباحثة على قضية بالغة الأهمية والمتعلقة بتنظيم المجتمع الأمازيغي، بينت أن المصادر تكشف عن أنظمة مختلفة للسلطة في منطقة الغرب الإسلامي، لكنها بعيدة كل البعد عن التجانس في جميع أنحاء الإقليم. إن تعدد أنظمة السلطة والبنى الاجتماعية أمر واضح، لكن هذا لم يمنع المؤلفين العرب من احتواء هؤلاء السكان في نوع من البنية القبلية على غرار النظام الشرقي. بهذا المعنى، فإن ندرة المصطلحات التي تشير إلى الإطار القبلي أمر لافت للنظر في أقدم مصادر التي عالجت الموضوع، ولكن أيضا في المصادر الإباضية المنتجة في سياق أمازيغي.
لا يظهر المصطلحان "القبيلة والقبائل" بأي حال من الأحوال مرتبطين بـالأمازيغ عند أغلب مصادر المرحلة (مثال ابن عبد الحكم)، بل هناك أسماء لقبائل مثل؛ زناتة أو لواطة في حين أن مصطلحات أخرى مثل بطن (جزء من القبيلة) لا تظهر إلا نادرا، هذه الملاحظات استنتجتها الباحثة كذلك بطريقة مماثلة فيما يتعلق بالمصادر الإباضية؛ مرة أخرى، فإن استخدام هذه المفردات ليس شائعا وعادة ما يظهر المسمى العرقي بدون فئات.
فحسب الباحثة، تعتبر مصطلحات جالوت "Ǧālū" وأكليد "Agellid" والبتر والبرانيس موضوعا لفرضيات ودراسات مختلفة، وتدعي هذه الأعمال أنها تدرك معنى هذه المصطلحات بالإضافة إلى دورها في تكوين مجتمع شمال إفريقيا، وقد مثلت لعقود خطا مستمرا من النقاش الأكاديمي. (ص 97)
تضمنت الأعمال التي تركز على هذه "الثنائية" الشهيرة للشعوب الأمازيغية تحليلات اشتقاقية وأنثروبولوجية، ادعت أنها تستجيب لتسمياتهم، وتفسر هذه المصطلحات بناء على أنماط ملابسهم وعلى الحجج ذات الطابع الديني. واستنتجت الباحثة أن لغة الأنساب تشكل أداة تأريخية شرقية حددت فهم المجتمع المغاربي حتى تاريخ قريب نسبيا.
تشهد النصوص المغاربية الدور المتزايد الذي منحه المؤلفون العرب لها، هذا الظرف لا يمنع السلالات الحاكمة من الأمازيغ من ربط أصولهم بالعرب، كوسيلة لترسيخ سلطتهم السياسية والدينية. هكذا، وفي حالة المرابطين، يتم استخدام المصادر الشرقية على وجه الخصوص، حيث تستمد منها الشرعية.
تطور التمثيل النصي الذي يصنعه العرب، فهناك تخصيص للزخارف واللغات والخطابات العربية التي يستخدمها الأمازيغ لوضع أنفسهم مرة أخرى في الفضاء الإسلامي. إنها كلمات وقراءات هجينة تؤكد عملية الاندماج الثقافي في المنطقة المغاربية في العصور الوسطى.
شيد محمد مواك ورقته الثانية (ص 111-136) ضمن هذا القسم، والموسومة العالم الأمازيغي في المصادر العربية المشرقية الوسيطية؛ أصل الأمازيغ و"الفكرة" الأفرو-آسيوية و"الرؤية" العربية الإسلامية، على إشكالية تنطلق حول مفهوم لغوي، ومن المرجح أن تمر بنقطة تحول لتصبح سؤالا تاريخيا، بمعنى آخر؛ معرفة ما إذا كان من الممكن تحقيق تأريخ للمفهوم اللغوي "الأفرو آسيوي" من أجل تحويله، إن أمكن، إلى موضوع تاريخي حقيقي. (ص 114-115)
لعل ما يميز ورقة مواك، هي تسليطه الضوء على المواد التي تحدد بشكل أفضل مكانة الأمازيغ في الإنتاج الجغرافي للشرق في العصور الوسطى. حاول تحديد الحقائق المتعلقة بالشرق كمهد محتمل للجماعات العرقية الأفرو آسيوية، فخاض في المفاهيم المعقدة المرتبطة بهذه الجماعات، المفاهيم التي قامت بشكل أساسي بتحريك المناقشات اللغوية دون الحاجة إلى الاهتمام حقا بالجوانب الجغرافية التاريخية.
لقد سلك الباحث مواك موضوعي "الأمازيغ" والجماعات "الأفرو آسيوية" من وجهة نظر لغوية، هاتان النقطتان لهما أهمية كبيرة لأنهما يشكلان عنصر انطلاق يمكن من خلاله فهم أصول الأمازيغ، ومناطق استقرارهم، وتطورات اللغة عندهم خلال فترة العصور الوسطى، لقد انطلق مواك من فكرة متطرفة تزاوج بين التاريخ واللغة مفادها أن التشابه بين اللغة الأمازيغية واللغات الشرقية، أمر لا شك فيه لأنها أحد فروع الأسرة اللغوية الأفرو آسيوية.
يبدو أن العلاقات التي يمكن تأسيسها علميا لا تعود أبدًا إلى ما بعد العصر الحجري، ومع ذلك، يجب أن التذكير حسب الباحث أن تاريخ البشرية والجماعات العرقية واللغات، لا يبدأ بالحجر المصقول والزراعة. من الضروري الإشارة إلى أن القرابة الأفرو آسيوية للأمازيغ، لا تعني بأي حال وجود أصل شرقي أو سامي أو شرق أفريقي. فصرح الباحث أنها الطريقة التي يمكن بها اعتبار اللغة الأمازيغية لغة "أصلية" لشمال إفريقيا، ولا يوجد حاليا أي أثر إيجابي لأصل خارجي، أو وجود طبقة أخرى سابقة على الطبقة الأمازيغية. (ص 129-131)
شيد مواك صرح مقاربته هاته، على علم اللغة التاريخي، ليبرهن حسب قراءاته المتعددة أن الكتاب العرب في الشرق الإسلامي كانوا قادرين على تطوير قصص تسلط الضوء على الزخارف التاريخية والأسطورية، تتبع بالتالي ولادة العالم الأمازيغي في سياقه الشرقي، أو الآسيوي، أو الأفريقي، فقام بفحص هذه الزخارف وفق النصوص المتاحة طبعا، على الرغم من طابعها المتحيز، فتساءل هل من الممكن القول إن جزءا كبيرا من إفريقيا كان أمازيغيا، إذا نظرنا إلى الحقائق التاريخية اللغوية التي تم إبرازها عن أمازيغ الشمال وأمازيغ الساحل؟
أشار الباحث أن الإجابة عن مثل هذا السؤال المعقد والبعيد المدى، تنطوي على نقد متجدد ومنطقي للتسميات الأفروآسيوية والسامية المطبقة على المجال الأمازيغي وفي ضوء نتائج البحث الجديدة المذكورة في الاعلى. مصطلح الأمازيغ يشير قبل كل شيء إلى واقع لغوي واسع الانتشار، وقد خصص محمد معواك عدة فقرات من مساهمته في توجيهنا إلى المخططات التفسيرية الحديثة للوضع اللغوي الاجتماعي في شمال أفريقيا. (ص 135)
كان العرب يطلقون على الأمازيغ سكان الأراضي الواقعة غرب مصر؛ لأنهم يتحدثون لغة غير مفهومة. وبين مواك، أن استعمال مجال اللغة كعلامة للهوية على مجال تاريخي جغرافي من أجل التعرف، قدر الإمكان، على السمات البارزة لبيئة ذات خصائص محددة، والتي تطورت في ظروف تاريخية معينة، إنها حسب الباحث إحدى الفرص المتاحة لتنفيذ مثل هذه الحركة في حقيقة أن الأمازيغ، كما يظهرون في المصادر المكتوبة باللغة العربية، يدخلون في تاريخ نسميه "الأفرو آسيوي". سيكون هذا التاريخ هو التاريخ الذي تم تفصيله ثم كتابته في ضوء الكتاب العرب في العصور الوسطى في الشرق، وبالتالي تحويل فكرة غامضة إلى فكرة تاريخية تستحق التجميع والمناقشة. وقد اعتبرها مواك رحلة إلى مركز العالم الأمازيغي المشاهد من الشرق، وخرج بتقييمات رغم عدم اكتمالها منها؛ الشرق حاضر بالفعل في التكوين التأريخي لقبائل الأمازيغ، وسيكون نوعا من المهد الذي كان على اتصال وثيق في فترات محددة من التاريخ، مع الجماعات العرقية الآسيوية والأفريقية، كما أن موضوع الأصول الأفروآسيوية للبربر يعتمد قبل كل شيء على قاعدة لغوية، وبالتالي فإن استخدامه دقيق؛ لأنه في بعض الأحيان لا يأخذ في الاعتبار السياق التاريخي، أي عدم التزامن.
ويضيف الباحث أنه تم الاستشهاد بكثرة في النصوص العربية الشرقية، لكن من الضروري ألا تغيب عن بالنا حقيقة أن هذه الاقتباسات تشير أحيانا إلى جماعة بربرية أخرى غير تلك الموجودة في إفريقيا. أما الاستنتاج المركزي لمقالته، فبدأها بسؤال مفاده؛ هل من الممكن القول إن جزءا كبيرا من شمال إفريقيا كان أمازيغيا، إذا نظرنا إلى الحقائق التاريخية اللغوية التي تم إبرازها عن أمازيغ الشمال وأمازيغ الساحل؟ إن الإجابة عن مثل هذا السؤال المعقد والبعيد المدى، من وجهة نظرنا، تنطوي على نقد متجدد ومنطقي للتسميات الأفروآسيوية والسامية المطبقة على المجال الأمازيغي وفي ضوء نتائج البحث الجديدة المذكورة في الاعلى، لكن هذا برنامج آخر لبعثة أخرى في العالم الأمازيغي. يجب أن يحاول هذا المشروع بأي حال من الأحوال إثبات عكس ما يخبرنا به التاريخ العربي الإسلامي، أن الأمازيغ كانوا بالفعل جزءًا من التاريخ الأفريقي.
غرد مهدي غويركات (ص137-149) في ورقته الأخيرة في هذا الجزء المعنونة "اللسان الغربي حيث لغة الموحدين"، عبر مدخل اللغويات، وأشار أنه لم يكن للغرب الإسلامي سمعة طيبة في الشرق والأندلس، بعد معارضة شديدة "للغزاة" العرب، انتهى الأمر بالسكان الأصليين برفض هذا "الاحتلال". في الواقع، سارت الأسلمة جنبا إلى جنب مع هذا الاستقلال السياسي، فقد حدثت الأسلمة، باستثناء إفريقية، في إطار هيمنت فيه مختلف أشكال الإسلام: الخوارج، والشيعة، والأشكال الأمازيغية المختلفة للإسلام (بورغواطة...إلخ.). (ص 138)
كان المرابطون الأمازيغ أول من وضع أسس دولة في الغرب الإسلامي، ونجحوا في توحيد ضفتي مضيق جبل طارق. من خلال أميرهم "يوسف بن تاشفين" لمعارضة الخلافة العباسية من خلال الاعتراف بأولوية القانون الإسلامي، فقد تبنى الحاكم الصحراوي اللقب الذي منحه لنفسه "أمير المسلمين" وبالتالي، تجنب المواجهات المباشرة مع خليفة بغداد الذي ظل الأمير الوحيد للمؤمنين. وعندما كان الموحدون على وشك توحيد الغرب الاسلامي من خلال استكمال غزو إفريقية، أرسل عبد المؤمن رسالة إلى سكان الإمبراطورية الناشئة، حيث أصر على الدور المنوط بـ "اللغة الغربية" وعلى واجب جميع سكانها تعلمها.
بين الباحث أن الخطب التي أُلقيت "باللغة الغربية" (ثنائية اللغة العربية-الأمازيغية) كانت تحظى بالأسبقية على تلك التي أُلقيت باللغة العربية، بما في ذلك في قصر الموحدين في إشبيلية أثناء الاستقبالات الرسمية.
اقترح الباحث لفهم ثنائية اللغة العربية – الأمازيغية هاته؛ إشارات مصدرية وتأويلية على عدة مستويات؛ منها إشارة الإدريسي عندما لاحظ وجود قبائل أمازيغية يعرفون اللغة العربية حول فاس، وهو عنصر لافت للنظر بدرجة كافية في رأيه، مما يؤكد أن النظام كان قائما على التعايش المقيد إلى حد ما بين عبد المومن ونسله وشيوخ الموحدين، في المناطق التي يسود فيها نموذج اجتماعي معتدل نسبيا وحيث يتحدث الغالبية العظمى من السكان لغة واحدة فقط هي اللغات الأمازيغية.
لاحظ الباحث أن شيوخ الموحدين مع "المؤمنين" احتكروا مراكز القيادة في جميع أنحاء الإمبراطورية. لكنهم استمدوا كل شرعيتهم وسلطتهم ومكانتهم من حقيقة ارتباطهم بإيمان ابن تومرت واستيعابهم البدايات البطولية للحركة الموحدية، حيث حدثت معظم نشأة الحركة في بيئة أمازيغية، مع أبطال يتحدثون هذه اللغة، في بعض الأحيان بشكل حصري. بالإضافة إلى ذلك، اشتهر ابن تومرت بتفوقه في كل من السجلات العربية والأمازيغية، وبالتالي، تمكن من الوصول إلى أكبر عدد من المناطق في الإمبراطورية. استنتج الباحث أن دعم اللغة العربية للدعاية ساهم في نجاح الموحدين، لقد وجهت إلى الطبقات المختلفة التي يتألف منها سكان الغرب الإسلامي عبر خطاب مفهوم للجميع، منذ البداية، استخدم ابن تومرت الاستعارات الأمازيغية المتعلقة بالأشخاص البيض من أجل تثقيف جمهوره بشكل أفضل، والذي يتألف بشكل شبه حصري من سكان شمال إفريقيا. واستنتج الباحث أن ثنائية اللغة في ذلك الوقت امتدت إلى ما بعد الدائرة المقيدة للأمازيغ أنفسهم. وبالفعل، تأكد أن العديد من الأندلسيين الراغبين في خدمة الموحدين أو خدمتهم شعروا بالحاجة إلى تعلم الأمازيغية، في إطار "مدرسة مراكش"، حيث تعتبر هذه التلمذة ضرورية لتكوين قادر على الاستفادة من الترقية وما يصاحبها من المزايا المسبقة.
رابعا: قضايا الكتاب
تتلخص أهم نقاط هذا الكتاب في القضايا التالية:
القضية الأولى: على مدى السنوات الماضية، شهدنا في فرنسا إحياء للبحوث التاريخية حول المجال المغاربي في العصور الوسطى، من الضروري أيضا التأكيد على أهمية التأريخ الإسباني النشط في الأندلس والمغارب في العصور الوسطى مع أعمال العديد من المؤرخين منهم على سبيل المثال لا الحصر؛ مرسيدس غارسيا أرينال. أما على المستوى المغاربي، فالأمر مقتصر على المدرسة التاريخية التونسية بالخصوص[3]، رغم أن موضوع الأمازيغ مبعد في تحاليلها، أما في الجزائر والمغرب فموضوع الأمازيغ في الدراسات التاريخية يعتبر من المواضيع الخلافية.
القضية الثانية: تعتبر دراسة التاريخ المغاربي منذ بداياته الأولى عملية إسطوغرافية معقدة، خاصة مع الفترة الأولى للتواجد العربي، فمن المعروف أن التواجد العربي[4] في المجال المغاربي شكل بالفعل تغييرا كبيرا في تاريخ سكان هذه المناطق المتوسطية، لكن هناك قضية أساسية، هي تشابه الإسطوغرافية المغاربية في العصور الوسطى مع نظيرتها المشرقية، لا ينبغي أن نغفل حقيقة أن الإسطوغرافية المغاربية تتخذ طريقة ملاحق الإسطوغرافية المشرقية؛ أي إنها مجرد استمرارية للإسطوغرافية المشرقية، أو أنها تظهر على أنها أكثر إخلاصا لها، فلا يزال يتعين الاكتشاف والبحث عن هذه التبعية المنهجية التي حدثت في وقت مبكر وتحتاج إلى بحث وتقصي في الكتابة التاريخية المغاربية، أحد أسباب هذه الصعوبة هو عدم توفر الوثائق، خاصة للقرون الأولى للفتح؛ فبينما كانت الكتابات المغاربية التي تم إنتاجها خلال هذا الوقت عديدة، اختفت الوثائق جميعها تقريبا، لذلك، من المصادر اللاحقة، شهادات غالبا ما تكون من أصل خارجي، ويجب علينا تحديد آثار تطور مجتمعات المغارب، ومعالجة المصادر التاريخية أو التي لها صلة بالتاريخ من قبل المؤرخين المغاربيين المعاصرين قد أثرت أيضا بشكل كبير على كيفية التعامل مع ظهور الكتابة التاريخية في المغارب.
القضية الثالثة: الباحثون المشاركون في المؤلف، حاولوا البحث عن مناطق الأمازيغ الرئيسة، عبر سلسلة من الدراسات التاريخية الجادة، حيث لاحظنا العديد من المقالات تتبادل الاتهامات حول أصل الأمازيغ، بين القراءة التي ترجعهم إلى المجال المشرقي، أو المجال القبضي، المجال الأوروبي، عبر مقاربة التناهج التي برعت فيها مدرسة الحوليات الفرنسية، لا شك أن هذه الاتهامات كان لها دوافع متعددة، وهذا موضوع سالت حوله العديد من الأقلام.
القضية الرابعة: يبين الكتاب أن الأمازيغ خضعوا لدراسات عديدة، في إطار سياسة تعارضهم مع العرب (المدرسة الكولونيالية)، والتي أصرّت على ارتباطهم بالأوروبيين. لقد أضاف الكتاب أنه لطالما تم استنكار هذا الخطاب، في سياق نقد ما بعد الاستعمار، وخاصةً التأريخ الوطني الجديد، رغم أن هذا التأريخ لا يخلو بدوره من الغموض والتردد بشأن مكانة الأمازيغ في تاريخ المغارب، وبالتالي في البناءات الوطنية. تبرز المشكلة في بعض الأحيان مع ادعاءات الهوية المتناقضة، والتي هي أساس الخطاب التاريخي في العصور الوسطى والتي أظهرها بوضوح اختيار عبد الله العروي الذي قرر عدم وجود أي شيء أفضل، لربط المنطقة بقطب شرقي[5].
خاتمة:
ختاما، يعد الكتاب موضوع هذه القراءة درسا أكاديميا ومعرفيا، فهو بمثابة مراجعة نقدية للمؤلفات؛ القروسطية المشرقية والمغاربية والأندلسية (كتب الرحالة، كتب إخبارية، كتب التراث الديني، كتب التراجم...الخ)، والكولونيالية (الدراسات في اطار مدرسة الجزائر)، والأنثرويولوجية (المدرسة الأنجلوساكسونية)، والدراسات الراهنية (مغاربيون، أوربيون، أمركيون)، حول تاريخ الأمازيغ وأصلهم، وعلاقتهم بالشرق. الكتاب سريع الإيقاع ومليء بالمعلومات التاريخية الجادة التي يلهث حولها الباحث في شؤون الماضي، رغم طابعها الجريء وميزتها التأويلية، ومع ذلك يمكن اعتبارها من المشاريع المهمة التي تحتاج إلى مزيد من الدراسة والتمحيص.
المراجع:
العربية:
- جعيط، هشام، الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي، بيروت: دارالطليعة، 1984
- ----، الكوفة: نشاة المدينة العربية الإسلامية. بيروت: دارالطليعة، 1986
- ---- الفتنة: جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر. بيروت: دارالطليعة، 1992
- ---- تأسيس الغرب الإسلامي. بيروت: دارالطليعة، 2004
- العروي، عبد الله، مجمل تاريخ المغرب، بيروت/الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 2009
- القبلي، محمد (إشراف)، تاريخ المغرب: تحيين وتركيب، الرباط: مطبعة عكاظ الجديدة/ المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، 2011
الأجنبية
Valérian Dominique (dir.), Islamisation et arabisation de l’Occident musulman médiéval (VIIe-XIIe siècle). Paris: Éditions de la Sorbonne, 2011
[1] Dominique Valérian (dir.), Islamisation et arabisation de l’Occident musulman médiéval (VIIe-XIIe siècle), Éditions de la Sorbonne, Paris, 2011
[2] Dominique Valérian (dir.), Les berbères entre Maghreb et Mashreq (VIIe XVe siècle) Casa de Velázquez, Madrid, 2021
[3] هشام جعيط، الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي، دار الطليعة، بيروت، 1984.؛ ----، الكوفة: نشأة المدينة العربية الإسلامية، دار الطليعة، بيروت، 1986.؛ ---- الفتنة: جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر، دار الطليعة، بيروت، 1992.؛ ----- تأسيس الغرب الإسلامي، دار الطليعة، بيروت، 2004
[4] محمد القبلي (وآخرون)، تاريخ المغرب: تحيين وتركيب، مطبعة عكاظ الجديدة/ المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، الرباط، 2011، ص. 145
[5] عبد الله العروي، مجمل تاريخ المغرب، المركز الثقافي العربي، بيروت/الدار البيضاء، 2009، ص. 44-46