قراءة في الجزء الأول من "مراجعات في الفكر الإسلامي" للمفكر السوداني أبو قرون


فئة :  قراءات في كتب

قراءة في الجزء الأول من "مراجعات في الفكر الإسلامي" للمفكر السوداني أبو قرون

قراءة في الجزء الأول من "مراجعات في الفكر الإسلامي"

للمفكر السوداني أبو قرون

يأتي الجزء الأول من كتاب "مراجعات في الفكر الإسلامي" للمفكر السوداني الشيخ النيل عبد القادر أبو قرون ضمن مشروعه المتواصل في إعادة قراءة جريئة لما وصل إلينا عن النبي العظيم وفترته، وكيف تعرضت شخصيته إلى تشويه عن جهل أو تعمد، فضلاً عن البدع والإضافات أو التبدلات التي جرت بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، والأحاديث التي تُناقض صريح القرآن، أو تطعن في العصمة النبوية الشريفة، إضافة إلى الأخطاء الممنهجة في التفاسير، وهي جهود تبدو جديدة في معظم طروحاتها من جانب وجريئة من جانب آخر؛ لأنها تتعرض إلى موضوعات غدت أقرب إلى المسلمات في العقل الجمعي الإسلامي، لذلك يدعو في مقدمته إلى قراءته بقلوب متفتحة، ودون رأي مسبق أو تعصب.

يتضمن هذا الكتاب، الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في 350 صفحة إضافة إلى المراجعات، كتيّباً في البداية بعنوان "في رحاب الرسالة" سبق أن أصدره المؤلف منفصلاً وتضمن عدداً من الموضوعات منها: مقصد البعثة، وحدة الرسالة، العبادة، وأسلوب الدعوة.

في التمهيد يؤكد المؤلف أنه ليس للمفسرين من عصمة، ووقوع الزلات من المؤرخين في التاريخ أمر لا ينكره أهل الحجا، كما أن تأثير الإرادة السياسية في الأنظمة على الثقافة، واحتمالات الدسّ في الموروث من قبل الأعداء والحساد وأصحاب الفكر المعادي أمر لا يكاد يسلم منه كتاب. مشدداً على أن من يزجرون أصحاب المعاصي بمواعظهم القاسية هم الأحوج إلى الموعظة. وأن الجهاد بالكلمة أقوى من الجهاد بالسيف والحروب لم تكن في الإسلام من أساليب الوعظ قط، بل بالحكمة والموعظة الحسنة، أما بين المسلمين فهي تقويم السلوك.

وتظهر النزعة الصوفية بوضوح عندما يتطرق المؤلف، وهو من بيت صوفي عريق في السودان، إلى "ذكر الله" والتدرج في ذلك حتى الوصول إلى أن يحب الله عبده بكثرة التقرب إليه بما افترضه عليه من عبادات وكثرة ذكر نبيه والصلاة عليه والاقتداء به.

يقول في باب "الدعوة إلى الله" "... والقلب هو بيت الرب، ولا يجتمع الخوف والحب في قلب واحد. فالخوف يبعدك والحب يدنيك. فاهرب من الخوف إلى الحب، واحبّ وتحبّب وفرغ قلبك للمحبوب عما سواه، حتى لا تحس بغيره في حناياك.."، كما أشار لبعض أشعار الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي في هذا السياق.

ويتساءل المؤلف في باب "أين كلام الصادقين وأفعالهم" عما أسماه تجاهل رواية أخبار أبناء النبي الكريم من أقوال وأفعال؛ فرغم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة" إلا أن مجلدات الصحاح لم تشتمل على ما روياه من أحاديث في أي من الأمور الدنيوية أو الأخروية، ويقول ابوقرون مستنكراً في هذا السياق:"لماذا يحفظ المسلمون خطبة زياد البتراء..؟ ألأنه قتل سيد شباب أهل الجنة الحسين عليه السلام..؟ ولماذا يحفظ المسلمون خطبة الحجاج بن يوسف؟ ألأنه قتل كل الموالين لآل البيت وقتل كل من كان اسمه عليّاً؟... أهكذا ينبغي أن يكون حال المسلمين إهمال أخبار وأحاديث وكلام أبناء النبي؟.. بل أين خطب النبي -صلى الله وبارك عليه وآله- وقد عاش في المدينة عشر سنين؟ وكل جمعة خطبة يحضرها كل المسلمين رجالاً ونساء، ويربو عددها على الخمسمائة خطبة ألا يوجد بين كل المسلمين الذين حضروا تلك الصلوات من يحفظ منها شيئاً، وكيف حفظوا خطب زياد والحجاج والمعلقات؟!".

وتحت عنوان جدلي "أهل الذكر آل البيت" يقول أبو قرون إن الذكر الذي ورد في القرآن الكريم هو العلم، وبمقتضى الأحاديث الصحيحة أهل الذكر هم آل البيت الذين يعرفون القرآن وأسراره ومعانيه، واختصهم الله بعلم ليس لغيرهم، وأذهب عنهم الرجس كما ذكر في كتابه، وقد ذهب كثيرون إلى رمي المؤلف بـ "التشيع" لتبنيه مثل هذه الآراء.

وفي أكثر أجزاء الكتاب إشكالية "هل للبخاري ومسلم عصمة؟" يأخذ المؤلف على من يعطي العصمة لكل أحاديث الصحيحين، مستعرضاً أحاديث وردت فيهما، ويرى أن الإقرار بصحتها مطعن في الإسلام وانتقاص وتجريح للرسول الكريم المعصوم وبعض صحابته، منها: رفض بعض الصحابة ومنهم عمر ابن الخطاب- رضي الله عنه- تنفيذ أمر رسول- الله صلى الله عليه وسلم- في مرضه بإحضار كتف ودواة ليكتب لهم كتاباً لا يضلوا بعده أبداً بحجة أنه يهجر أو غلبه الوجع! وقول ابن عباس كما روى البخاري "الرزية كل الرزية في من منع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب لنا ذلك الكتاب".

ويستهجن أبو قرون ورود أحاديث ترفع من قدر عمر بن الخطاب وتفضله على الرسول الكريم؛ فالشيطان في حديث يفر من عمر ويتحاشاه ولكنه في حديث آخر يلقي على لسان رسول الله، وهو يتلو القرآن "تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتها لترتجى" وفي حديث آخر يُسحر. ويعلق المؤلف على مثل هذه الأحاديث "فواقع الدين الآن أن الصحابة غير معصومين... ولكن لا يُطعن فيهم أبداً والطعن فيهم خروج عن الملة فكيف يتفقان؟! والنبي -صلى الله عليه وسلم- معصوم ولكن يطعن فيه ويقال بأنه يهذي، ويمكن أن يعصى بحضرته، ويتهم بأنه مسحور، ويؤيد الله من يعارضه ويعاتبه هو.. فيقولون بعصمته وينكرونها في الواقع، وينكرون عصمة الصحابة قولاً ويعتقدونها في الواقع!!!".

ويمضي المؤلف على هذا المنوال في مناقشة العديد من هذه الأحاديث تحت عدة عناوين: الذين يدخلون الجنة، الدين المعاملة، العلم بالمنافقين، جيش أسامة، رأي المستشرقين، القائم عليه السلام، التقرب إلى الله ورسوله، حب أمير المؤمنين عليه السلام، ابن سلول: هل كان منافقاً؟، أسرى بدر، القرين، في الجنة، قمة القمم، المعلم، أين كلام الصادقين وأفعالهم؟، اليقين.

وتحت عنوان "المذاهب" يستنكر أبو قرون حصر الإسلام الصحيح في المذاهب الأربعة وإهمال مذهب جعفر الصادق، وأن من يخرج عليها فقد خالف السنة والجماعة وخرج عن الإسلام، متسائلاً "بماذا نسمي الأجيال التي سبقت أبا حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل!.. هل أوصى النبي بهذه المذاهب وأمر بالتدين بها والحذر من الخروج عليها.. ألم تكن هناك مذاهب أخرى كالأوزاعي وسفيان الثوري وابن عيينة و.. و..؟".

ويختم أبو قرون كتابه بإعادة التأكيد على عدم مطالبة الناس بالعصمة والنفور عن أصحاب الزلات والخطايا، فهم أحوج ما يكونون إلى رفقتكم والأخذ بأيديهم وسوقهم إلى الله وتقريبهم منه، وتحبيبهم فيه وإعلامهم بأنه يغفر الذنوب جميعاً.

يذكر أنّ الشيخ النيّل عبد القادر أبو قرون مفكّر سوداني، تربّى في بيت علم وتصوّف في السودان. درس القانون في جامعة الخرطوم، وكان أوّل أعضاء اللجنة الثلاثية، التي قامت بصياغة قوانين الشريعة الإسلامية، في عهد الرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري، وتولى وزارة الشؤون القانونية آنذاك، وهو عضو في هيئة علماء السودان، وعضو المجلس الأعلى للدعوة. تعرض لمحن ومضايقات، والعديد من المحاكمات لآرائه الجريئة، ومقارباته الفكرية، وأطروحاته المغايرة للسائد، فضلاً عن منع معظم كتبه في عدد من البلاد.

أصدر مجموعة من المؤلفات؛ منها: مراجعات في الفكر الإسلامي، الإسلام والدولة، شفاء الذمم من اتهامات المسلمين للنبي الأعظم، في رحاب الرسالة، نبي من بلاد السودان، كلية الإنسان، بوراق الحب، وهو شعر في المدح النبوي.