قراءة في المشروع النقدي لبيير أندري تاغييف: الشعبوية والعنصرية الجديدة وإعادة اختراع أوروبا


فئة :  أبحاث محكمة

قراءة في المشروع النقدي لبيير أندري تاغييف:  الشعبوية والعنصرية الجديدة وإعادة اختراع أوروبا

قراءة في المشروع النقدي لبيير أندري تاغييف:

الشعبوية والعنصرية الجديدة وإعادة اختراع أوروبا

مقدمة

فرضت التغيُّرات السياسية والاجتماعية والفكرية -التي أثّرت بعمق على المجتمعات الرأسمالية المعاصرة، إعادة النظر فيما يُسمّى بالقُدرات الإجرائية لترسانة المفاهيم الفلسفية والسوسيولوجية والسياسية؛ وذلك لفهم وتفسير كيفية حصول تلك التغيُّرات ومداها وحدودها وتأثيرها على تفاعلات الأفراد والجماعات، من جهة؛ واستنطاق ممكنات "صدّ الأزمات وإبقاؤها بعيدا[1]"، من جهة أخرى. ضمن هذا الإطار، تحاول أطروحات بيير أندري تاغييف Pierre-André Taguieff (1946) أن تقف على ماهية تلك الأزمات ضمن ما أسماه آلان توران Alain Touraine (1925) بأهمية "عودة السياسي"[2]، الذي يُعبّر على "عودة إلى فكر نوعي يُمثّل أزمة المجتمع الأوروبي[3]، مع ما يعنيه ذلك من استرجاع نقدي للمفاهيم السياسية التي تُشوّه الفكرة الليبرالية في المطلق، والديمقراطية باعتبارها "استحقاقا[4]" بتعبير تاغييف Taguieff. تتخّذ هذه الأزمة أشكالا مُتعدّدة، وتنسابُ نحو مفاصل الحياة الاجتماعية والعلاقات بين الأفراد داخل المجتمع الواحد، وفي ثنايا البنية الفكرية التي أسّست لعقد سياسي يُكثّف ممارسة ديمقراطية، كان من المُفترض أن تكون صمّام الأمان أمام بروز تلك "النوايا الابتزازية[5]" كما أسماها تزفتيان تودوروف (1939) Tzvetan Todorov. ضمن هذا السياق الفكري، يعمل بيير أندري تاغييف Pierre-André Taguieff بصفته مُؤرخا للأفكار وفيلسوفا ومفكرا سياسيا، على البحث في نقيض هذا العقد السياسي، أو ما يُمكن اعتباره مُخرجات الحداثة المُنقلبة على مبادئها التأسيسية، خاصة منها الأشكال الكلاسيكية للعنصرية وتمظهراتها المعاصرة؛ ومن ثمّة، علاقاتها بالشعبوية والتطرف ويوتوبيا التقدّم. يبرز نوع من الترابط النسقي بين كتابات تاغييف Taguieff التي تُؤسس لقراءة نقدية لجذور التعصب في أوروبا، وعودة الفاشيات والشعبوية وتنامي العنصرية وصراع الهويات، واسترجاع فكرة التقدم كمشروع تاريخي فلسفي، لم تحسم فيه الحداثة وما بعدها بصفة نهائيّة، وتوزّع-كموضوع فلسفي- على نوع من "البانوراما الفلسفية داخل الفلسفة الفرنسية المعاصرة" كما يقول آلان باديو Alain Badiou (1937) في أطروحاته حول الفلسفة الفرنسية في النصف الثاني من القرن العشرين.[6]

يقترح تاغييف Taguieff من خلال بعض كتاباته، التي نذكر منها: العنصرية (2010) Le racisme؛ معنى التقدم. مقاربة تاريخية وفلسفية (2004)Le Sens du progrès Une approche historique et philosophique؛ حول اليمين الجديد (1994) Sur la Nouvelle Droite؛ عن الشيطان في السياسة (2014) Du diable en Politique؛ الوهم الشعبوي (2002) L’illusion populiste؛ الجمهورية المُهدّدة (2005) La république enlisée؛ إعادة التفكير فيما يُسمّيه "المخزون الرمزي" الذي تستعمله الشعبوية في عملية التضليل التي تُمارسها، وحول علاقة هذا "التوتر البُنيوي الكامن في الديمقراطية الليبرالية[7]" بأزمات الحداثة كمشروع لم تعد سردياته الكبرى مُتساوقة مع رهانات الحاضر[8]، أو بما هي مشروع لم يكتمل بعد[9] بتوصيف يورغن هابرماس Jürgen Habermas(1929). فبين عنف التصور الكلاسيكي للحداثة[10]، وسيطرة فكرة التقدم التي تحوّلت إلى "قفزة عمياء إلى الأمام وحركة ذاتية دون طرح سؤال لماذا؟[11]"، وبين مراجعات ما بعد الحداثة التي تمحورت حول فكرة المجتمع، الذي يصفه كورنيليوس كاستورياديس Cornelius Castoriadis (1922-1997)، بأنه "توقف عن مُساءلة نفسه، ولم يعد يرى أي بديل عن نفسه، ومن ثمّ تنصّل من الواجب الذي يُحتّم عليه فحص صحّة افتراضاته الصريحة والضمنيّة وتوضيحها وتبريرها فضلا عن إثباتها[12]"، يعمل تاغييف Taguieff على البحث في منشأ تلك الباثولوجيات الاجتماعية مثل الشعبوية وموجات العنصرية ومجتمعات الاحتقار ومراجعة الهويات الفردية والجماعية وعدم الثقة في وعود الحرية والتقدم، التي أصبحت تستوجب براديغمات جديدة لفهم عالم مُتحوّل ومُتداخل. كما يُقدّم صورة على الوهم الشعبوي الذي يُعلن "على تأزم عميق يشُق الديمقراطية التمثيلية[13]"، من داخل الأطروحات الفلسفية الأوروبية لمسألة الشعبوية، وإعادة استنطاق فكرة التقدم والتفكير فيه "كمطلب أخلاقي في ظل سيطرة عدم اليقين[14]"، وباعتبار أنه مفهوم "أصيل ذو صلة بالحداثة وأن التفكير في هذا المفهوم، يُحيل إلى إعادة طرح السؤال حول إرث الحداثة وأساطيرها المُؤسسة والنقد المُوجه لها."[15]

1- تفكيك الإشكالية السياسية للشعبوية: في القيمة المُلتبسة للشعبوية وأزمات الديمقراطية الغربية

تُمثّل الشعبوية حلقة من حلقات أزمات الديمقراطية الليبرالية المعاصرة، حيث تحوّلت هذه الأزمة بتوصيف بيير أندري تاغييف Pierre-André Taguieff إلى "تعبيرة على السياسة السيّئة[16]"، في إطار تناقضات الديمقراطية الليبرالية وفكرة النُخب وصراعات الهوية والاعتراف الاجتماعي وغيرها من الأزمات، التي حوّلت الشعبوية إلى "أحد أمراض الديمقراطية الليبرالية[17]." لم تتمكّن الشعبوية من وجهة نظر إيتيان باليبار Etienne Balibar (1942) من أن "تُبدع الوسيلة المناسبة لتعويض أشكال النقص في الديمقراطية، لا سيما عدم كفاية التمثيل والمشاركة السياسية للجماهير في الحياة السياسية وممارسة السلطة"[18]، لتستغل أزمات الديمقراطيات المعاصرة لخلق تمايز بين جبهتين؛ أو ما تسميه نادية أوربيناتي Nadia Urbinati(1955) بثُنائية "هم" و"نحن"[19].

في هذا السياق، يعتبر تاغييف Taguieff أن الشعبوية بما هي أزمة فكريّة وتشويه سياسي، ذات "استعمالات واسعة ومُبتذلة[20]"، تُقيم الدليل "على التقاء تناقضي بين الرجعي والشعبي، وبين السلطوية والاحتجاج[21]". كما أنها تتعلّق بدلالات التمرد والثأر على الواقع[22]. كما يُميّز تاغييف بين الديماغوجيا والشعبوية في إطار تفكيك التناقض بين الممارسة السياسية الشعبوية من جهة، وبين الديماغوجيا من جهة أخرى؛ اذ تظهر الشعبوية كممارسة موجهة إلى الداخل أو مُتمركزة حول الذات، باعتبار أن الشعبوي "يبدأ بتظليل نفسه[23]"، في حين تقوم الديماغوجيا على خطاب مُوجه نحو الخارج، أو مُتمركز حول الآخر بما هي استراتيجيا تهدف نحو "تضليل الآخرين.[24]" تتفّق هذه المقاربة حول تعريف الشعبوية مع عديد الأطروحات ذات الصلة، حيث شهد هذا المفهوم نوعا من التمطيط "غير المُتحكّم فيه إلى درجة فقدانه للمعنى وللتحديد الدقيق[25]"، مما ساهم في تجريد الشعبوية من كل قيمة مفهومية. ساهم هذا التشتّت في مستوى المفاهيم، أو ما أسماه تاغييف Taguieff "ضيق التعريفات*" في خلق نوع من الارتباك والخلط من ناحية تداول استعماله، حيث أصبح لمعنى الشعبوية -تقريبا- نفس المعنى "الذي ينطبق على الفاشية في اللغة المُتداولة[26]." كما ظهرت الشعبوية كنظام دفاعي Système défensif[27] يتوجه نحو تحويل طبيعة وكيفية التفكير في السياسة، أو بما هو فهرس ممارسة يُوجّه "ثورة العامة ضد الطبقات المُهيمنة.[28]" تندرج هذه الممارسات السياسية ضمن الأزمات المُتجدّدة لليبرالية، حيث يُعاد التفكير في الديمقراطية التمثيلية ودورات الأزمات التي تشق المجتمعات الغربية. يظهر أن الشعبوية تأخذ أشكالا متعددة، وتتمظهر وفق بيير روزنفالون Pierre Rosanvallon (1948) ضمن "ممارسات تبسيطيّة[29]" تتعلّق بما هو سياسي - سوسيولوجي يختزل ثُنائية شعب مقابل نخبة، وتبسيط اجرائي مؤسساتي، حيث يكون الاستفتاء هو الممارسة الوحيدة للديمقراطية، وتبسيط للتضامن الاجتماعي الذي يتحقق عبر الهوية. تحوّلت الشعبوية إلى "شبح يطارد العالم[30]" بتعبير إرنست غيلنر Ernest Gellner (1925-1995) ووجدت أرضا خصبة في مجتمعات الحداثة الغربية من خلال تجارب سياسية متعددة غذّت الخوف من عودة الفاشية في قناع ديمقراطي بتعبير تيودور أدورنو[31] Theodor Adorno (1903-1969).

تتعدّد المقاربات التي تُحاول المسك بمفهوم واضح للشعبوية، وتتبُّع تاريخ المفهوم وجذوره ومُلابسات ظهوره داخل المجتمعات، غير أن صعوبة تحديد المعنى المشترك للشعبوية، واختلاف الأطروحات والمنطلقات المعنية بالبحث في ماهية المفهوم، حوّلته إلى موضوع "للاستخدام لغاية التنديد[32]." في هذا السياق، يُحاول تاغييف Taguieff تفكيك ما يعتبره "التمدُّد غير المُتحكّم فيه لكلمة شعبوية، والتي أفقدتها المعنى الدقيق وجرّدتها من كل قيمة مفهومية"[33].

أ- تاغييف ونقد الأطروحة الشعبوية من وجهة نظر أوروبية

تتقاطع المقاربة الفلسفية والسياسية للشعبوية -من وجهة نظر تاغييف- مع المعنى الذي يطرحه يان فيرنر مولر Jan-Werner Muller[34] (1946) حول صعوبة ضبط الشعبوية على مستوى المفهوم، وتعريف رالف داهيندورف Ralf Dahrendorf (1929-2009) الذي يذهب إلى حد اعتبار أن "الشعبوية هي في حد ذاتها مفهوم شعبوي[35]". انتقل الخطاب الشعبوي من استهداف النخب السياسية والمؤسسات الديمقراطية، إلى ممارسة سياسية وخطابية تنسف مُخرجات العملية الديمقراطية في بعض دول العالم، حيث إن هذا الخطاب وهذه الممارسة، لم يتحوّلا إلى امتياز حصري لليسار أو اليمين الليبرالي؛ بل أصبحا تيّارا "دوّارا" و"دارجا" حتى عند أولئك الغُرباء عن السياسة والشأن العام، بمعنى الشخصيات التي وصلت إلى السلطة بناء على ما لا يمتلكونه من مُميّزات أو خصال سياسية. يستفيد تاغييف Taguieff من هذا التحديد الفلسفي الأوروبي لمفهوم الشعبوية، من خلال العودة إلى الجذور الأولى لنشأته، وتمظهراته في مستوى أزمات البرلمانات داخل الديمقراطيات المعاصرة، وأزمات التمثيل الشعبي والشعبوية الراديكالية. في هذا السياق، يستعرض تاغييف Taguieff في كتاب "الشعبوية وعلم السياسة، من ضبابية المفهوم إلى الإشكاليات الحقيقية[36] Le populisme et la science politique, du mirage conceptuel aux vrais problèmes" تاريخ الظهور الفلسفي لمفهوم الشعبوية، وطوبولوجيا المعاني المتعددة وفق قراءات أرنستو لاكلو Ernest Laclau (1935-2014) ومارغريت كانوفان Margaret Canovan (1939-2018) ودانييل بيل Daniel BELL (1919-2011) وبرنار لويس Bernard Lewis (1916-2018) وفرانشيسكو وفور Francisco Weffort (1937-2021) وارنست جلنر Ernest Gellner (1925-1995).

يدرس تاغييف Taguieff ظهور مفهوم الشعبوية كموضوع للعلوم السياسية، ضمن نقد الماركنتيليّة في الولايات المتحدة الأمريكية في سنوات الخمسينيات من القرن العشرين، حيث "كانت الماركنتيلية تظهر كشكل من أشكال الشعبوية.[37]" كما أصبحت تسمية [38]Poujadisme في فرنسا بين 1953 و1956 اشتقاقا سياسيا للشعبوية، مع تحوُّل هذه الحركة (Poujadisme) إلى آلية "تعبئة شعبوية[39]". في نفس السياق، تزامن استعمال الشعبوية في بريطانيا أواخر سنة 1960 وضمن ما يُسمّى Le powellisme[40]، مع "الحركات السوسيوسياسية الخاضعة لديماغوجيات تُحرّك الطبقات الشعبية تحت أطروحة المؤامرة وفق تمثُّلات أقصى اليمين[41]." تتفق المقاربات السوسيوسياسية -رغم التباين الجغرافي- على اعتبار الشعبوية "اختصار لفساد الفكرة الديمقراطية[42]" وارتداد سياسي عن الديمقراطية المُباشرة واسعة التمثيل، التي تُدمجُ الشعب ضمن سردية واسعة من سرديات المواطنة والمشاركة السياسية والحرية الفردية والجماعية.

في هذا السياق، يدرس تاغييف Taguieff أطروحة أرنستو لاكلو Ernesto Laclau (2014-1935) المُتمحورة حول ضرورة تطوير نظرية سياسية في الشعبوية، حيث يُفكّر لاكلو Laclau في كتابه "ذهنية استخدام العواطف الشعبية"[43] في مسألة الشعبوية انطلاقا من قُدراتها العملية التي تُمكّن من فهم سياقاتها وآثارها وتداعياتها؛ إذ يتحاشى الحكم على الشعبوية من خلال التركيز على القيمة الإيجابية أو السلبية لها؛ بل يُركّز على الكيفية التي يتم من خلالها توظيف الشعبوية فيما يعتبره حالة افلاس للنظام القائم، وعدم قدرته على الاستجابة لمتطلبات المرحلة الراهنة. على أرضية هذا التحديد، يعتبر لاكلو Laclau أن إضفاء قيمة سلبية على الشعبوية، يعني- استنادا على المدلول اللغوي والاشتقاقي للمفهوم-، أننا نُضفي قيمة سلبية على الشعب، حيث إن استعمال تلك الحدّيّة (سلبي/إيجابي)، واستخدام المعنى اللغوي لمفهوم الشعبوية، يُحوّلان الشعب إلى مجرد جماهير عاجزة، مُتحكَّم فيها ومُسيّرة وفق الغريزة بالمعنى الذي نقرأه في "سيكولوجيا الجماهير" عند غوستاف لوبون Gustave Le Bon (1931-1841) أو حتى عند أفلاطون (428-348) Platon في محاوراته السياسية. يشرح تاغييف Taguieff سرديّة دفاع لاكلو Laclau عن الدور الإيجابي للشعبوية، من خلال ما يعتبره (لاكلو Laclau) فعلا مُؤسّسا وجوهريا في حياة المجتمعات، في سيرورة تحوُّلها إلى "عملية يتم من خلالها خلق فاعل سياسي عابر للطبقات، يستخدم مفهوم الشعب بوصفه مبدأ لمفصلة مُكوّناته المختلفة ضد السلطة، بما هي عملية تنشأ في ظل فشل النظام السياسي في تكريس الهيمنة الأيديولوجية على الطبقات الخاضعة لها من خلال امتصاص مضامينها ضمن أيديولوجية الطبقة الحاكمة."[44] كما يعتبر أن طُغيان سياسات عدم التكافؤ واستفراد مجموعة صغيرة بالامتيازات أو بمزايا الدولة الديمقراطية، يجعل من التهديد بحالة من الفوضى، أمرا جدّيا على خلفية الاستياء العام الذي يُفرزه اللاتكافؤ الاجتماعي.

نلاحظ جانبا من التطابق بين تنظيرات لاكلو Laclau التي تنطلق من قراءة الواقع السياسي، واستنتاجات تاغييف Taguieff في علاقة بمسألة الشعبوية، وحيث تتكثّف في:

*- فشل الديمقراطية الليبيرالية في الإيفاء بتعهُّداتها، وتحقيق برنامجها الديمقراطي اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا.

*- فشل القوى التقدمية اليسارية في طرح البدائل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أمام عجز القوى اليمينية الليبرالية، ويعود ذلك إلى سببين: يتمثل السبب الأول، في فقدان النموذج الحزبي اليساري الكلاسيكي الذي يقوم على منطق النخب والحزب الطليعي لصلاحيته. أما السبب الثاني، فيهم تلك الأحزاب اليسارية الكلاسيكية غير الراديكالية، التي انصهرت كُلّيا في إطار النموذج الليبرالي، وفقدت هويتها السياسية والفكرية.

على هذا الأساس، تستطيع الشعبوية بوصفها منطقا سياسيا أن تُمكّن القوى الديمقراطية من استعادة فعاليتها، في الوقت الذي اختفت معه إمكانيات الاختيار بين بدائل فعلية ضمن ثُنائية يمين/يسار؛ كما نلحظ التشديد على نفي التهمة أو الوصم الذي يُطلقه المُستفيدون من الأزمات عن الشعبوية، مع التأكيد أن "تُهمة الشعبوية تُستخدم كسلاح بيد أولئك الذين يُريدون الإبقاء على الوضع القائم على ما هو عليه، ضد أولئك الذين يتحدّون الوضع القائم[45]". في نفس السياق، يُؤكد تاغييف Taguieff -مُتماهيا مع موقف لاكلو Laclau- بأن الشعبوية ليست أيديولوجية أو عقيدة، إنما هي وسيلة لإرساء حدود سياسية أو للفرز السياسي، حيث تكون "السياسة أداة لإقامة الحدود بين "نحن" و"هم"، ومن الممكن أن يتم بناء هذه الحدود بأشكالٍ مختلفة جدّاً"[46].

من الواضح أن تنظيرات لاكلو Laclau التي تنطلق من ضرورة تطوير مفهوم سياسي للشعبوية، وتوظيفه في إطار فك عُزلة اليسار في العالم الليبرالي، قد مثّلت نقطة محوريّة في محاولة تاغييف Taguieff للتخلص مما أسماه شعبوية الشعبوية، ورسم تمفصلات للعلاقة بين الممارسة والنظرية السياسية للشعبوية، في ظل أزمات الديمقراطية الليبرالية، وعجز النخب السياسية و"انغلاق تعريف الشعبوية ضمن الانتماء الأكاديمي لكل باحث.[47]"

على وقع امتداد الشعبوية وتوظيفها من اليسار واليمين، وتموضعها كنظرية تسيير أو مُدوّنة ممارسة سياسية، يُحاول تاغييف Taguieff خلق نوع من التمفصل النظري بين الأطروحة الشعبوية كأزمة سياسية وإشكالية جوهرية ضمن الديمقراطية الغربية، وبين أطروحة نظرية المؤامرة التي مثّلت-في لحظة ما - تفويضا سياسيا للسلطة الليبرالية، في إطار ما يعتبره إيتيان باليبار Etienne Balibar تنامي موجات العنصرية التي طرأت على النظام العالمي إثر انتهاء النظام القديم، وقيام نظام دولي قائم على مساواة شكليّة.

ب- العنصرية الجديدة، أو في دلالات العنصرية الاختلافية: نقد تاغييف لتناقضات أطروحة المؤامرة

تُحيل دلالات العنصرية بما هي "أثر سرّي" من أسرار الحالة الإنسانية، بتعبير ليون بولياكوف[48] Léon Poliakov (1910-1997) إلى إعادة التفكير في العقلنة الفكريّة للسياسة في ظل الديمقراطيات الأوروبية، حيث تتمفصل خطابات الحرية والتعددية والاختلاف، مع تناقضات الممارسة السياسية التي تُغذّي العنصرية وتُعلي من "الخطابات التي تُشرعن سياسات الاقصاء مُستندة إلى مُفردات الأنثروبولوجيا أو فلسفة التاريخ.[49]" يستشعر ايتيان باليبار Etienne Balibar في كتابه المشترك مع إيمانويل فالرشتاين Immanuel Wallerstein (2019-1930): العرق، الأمة، الطبقة: هويات غامضة[50] Race, nation, classe: Les identités ambigües تلك المُتغيّرات التي طرأت على النظام العالمي وقيام علاقات جديدة بين الدول وبين الأفراد. في هذا السياق، يُوظّف المُؤلفان، عبارة "العنصرية الاختلافية" التي يصوغها تاغييف Taguieff وكوليت غيولمن Colette Guillaumin (2017-1934) في كتابهما: قوّة الحكم المُسبق. مقال حول العنصرية واشتقاقاتها La force du préjuge: Essai sur le racisme et ses double[51] لوصف المساواة الشكلية أو بمعنى أدق، اللامساواة الثقافية التي تدفع العنصرية الأوروبية نحو نوع من التعارض بين الممارسة السياسية من جهة، وبين الأطروحات النظرية ذات العلاقة بمسائل الاعتراف الاجتماعي والثقافي والهوياتي، والتي يعتبرها تاغييف Taguieff نجحت في "تقسيم الإنسانية ضمن حيّز سياسي واحد: إيديولوجيا، العنصرية الحالية في فرنسا، تتمركز حول مُجمّع الهجرة، وتُلائم إطار 'عنصرية دون عنصر' الذي طُوّر أساسا على نطاق واسع في دول أخرى خاصة الدول الأنغلوسكسونية، وهي عنصرية موضوعها السائد وليس التطور البيولوجي، بل اختلافات عنصرية […] تقول بضرر إلغاء الحدود وعدم توافق أساليب الحياة والتقاليد".[52]

تقوم 'العنصرية الاختلافيّة' على طمس الاختلاف، وصهر التعددية ضمن نظام عالمي ما بعد استعماري، يخلق بُعدا واحدا من المساواة الشكليّة بين الدول وبين الأفراد. تتداخل نزعات العنصرية الأوروبية مع أطروحة 'المُؤامرة' التي وجدت لنفسها أرضية فكرية ضمن العقل السياسي الأوروبي. في هذا السياق، يعتبر تاغييف Taguieff في كتاب "نظريات المُؤامرة. الشعبوية والمُؤامراتيّة Théories du complot populisme et complotivisme[53]"، إلى أن الرؤية التآمريّة تستهوي أفرادا مُتعدّدين، يعيدون اختراع آلهةٍ أو شياطين. ويظهر مبدأ الرؤية التآمرية بسيطا جدًّا، حيث يقع تحميل المسؤولية عن كل مشاكل العالم، إلى أعداء وهميين يقع تصويرهم كقوى غامضة وشريرة، مبدؤهم الرئيس هو الغاية تُبرّرُ الوسيلة؛ وهكذا تتم شيطنتهم. كما تفترض نظرية المؤامرة أن التلاعب هو المُحرّك الرئيس للتاريخ؛ إذ تعمل المؤامرة جنباً إلى جنب مع الشيطنة. تتفّق هذه المُقاربة مع المعنى الذي قدّمه كارل بوبر Karl Popperفي مقاله "التنبُّؤ في العلوم الاجتماعية"[54]، ضمن كتاب "حُدوس وتفنيداتConjectures et Réfutations"، والذي يعرض فيه إلى أن 'نظرية المؤامرة الاجتماعية'، ليست سوى وليدة الحداثة، وأن الحروب والبطالة والفقر وغيرها من الباثولوجيات الاجتماعية، لا تعدو كونها نتاج للتأثير المُباشر لأفراد أو جماعات، ينطلقون من نوايا نبيلة مثل الديمقراطية والليبرالية والتقدميّة. تتقابل رؤية بوبر Popper وتاغييف Taguieff في تصوُّر أدوار الديمقراطية والليبرالية الغربية في احتضان بُذور المُؤامرة بما هي آلية لإنتاج العنصرية والتمييز والاحتقار الاجتماعي.

تبحث بعض المقاربات السوسيوسياسية في تحوُّلات الخطاب السياسي الأوروبي، ضمن المركزية المُغلقة للهوية الأوروبية وتهافت الوحدة الاقتصادية التي لم تعد بحال من الأحوال، تعبيرة ثقافية على التعدديّة والقبول بالآخر المُختلف. في هذا الاتجاه، يستعرض ايمانويل تود Emmanuel Todd (1951) في كتاب "اختراع أوروبا L’invention de l’Europe" ما أسماه "الأداء الفوضوي للديمقراطية والأمة الأوروبية[55]"؛ إذ أفرزت هذه الديمقراطية نوعا من الممارسة السياسية والثقافية ذات البُعد الواحد؛ أي تلك التي تنغلق على نفسها تحت مُبررات العرق والتاريخ المشترك، لتتجاوز هذه الباثولوجيات الجسم الأوروبي مُقابل الآخر غير الأوروبي، وتنغرس داخل هذا الجسم في حد ذاته. يستخلص إيمانويل تود Emmanuel Todd في سياق هذه الأزمة الأوروبية، ضرورة "أن نكون على بيّنة من كون التعبير عن اليأس الاجتماعي من خلال أيديولوجيا اليمين المتطرف؛ في تصوره الذي تتراجع بموجبه مكانة الأمة، هو أيضًا نتيجة حتمية للتوحيد الاقتصادي لأوروبا. صحيح أنه كان مشروعًا وضروريًّا ما بين سنوات 1945- 1980م، إلا أن المشروع الأوروبي لم يعد يقود اليوم إلى السلام. قد يؤدي في قادم الأيام إلى تأجج مشاعر المعاداة بين الشعوب، التي لم يكن لها وجود خلال ثمانينيات القرن الماضي.[56]" تحوّل مشروع التوحيد الثقافي الأوروبي إلى مُحرّك رئيس لظهور العنصريات التي "أنتجت غابة عوضا عن مجتمع[57]"، حيث انزاح المشروع السياسي للوحدة الأوروبية في بُعده الديمقراطي، نحو "أشكال جديدة من معاداة وكره الأجانب.[58]" تحوّلت الحكومات الأوروبية بسبب العنصرية 'الاختلافية' إلى هياكل "مُتواطئة في مجموعة من الحروب الثقافية التي وُلدت بسبب انعدام الأمن العنصري؛ أي المخاوف التي تُضخّمها وسائل الإعلام ولا تُؤدي إلا إلى تضخيم الخيال الأبيض مع احتمال حدوث غزو خارجي من شأنه أن يُضعف و/ أو يُقلّل من قيمة الثقافة الأوروبية".[59]

نجحت 'العنصرية الاختلافية' في طمس مشاريع الوحدة السياسية والثقافية والاقتصادية، وقوّضت البناء الفلسفي للحداثة السياسية الأوروبية، حيث تصاعدت الشعبوية مُتوزّعة بين اليسار واليمين، ومُختلقة لأُطروحات الإدانة المُتبادلة بين النخب من جهة، وبين المواطن والآخر شريك الجغرافيا والسياسة وحتى الثقافة، ضمن نظريات المؤامرة التي فرضت إعادة التفكير في تدبير السياسة ضمن أُفق القبول بالاختلاف. في سياق هذه المراجعة الفكرية، يبحث تاغييف Taguieff في مُخرجات التقدم كمشروع تاريخي – فلسفي يستلهم من الحداثة، أركانه الفلسفية والتاريخية.

2- نقد تاغييف لأطروحة التقدم باعتباره مشروعا فلسفيا-تاريخيا: فحص للإرث الحداثي ومُراجعة لوُعوده

يقترن مفهوم التقدم –فلسفيّا- بسيرورة تاريخيّة لاتزال مفتوحة على النقد والمراجعة، في إطار إعادة النظر في مُخرجات الحداثة سياسيًّا واجتماعيا وثقافيا ومعرفيا. يتمظهر هذا المفهوم كتكثيف لجُملة المُخرجات التاريخية والفلسفية للحداثة، وباعتباره ذا دلالات تحرُّريّة وصيرورة تاريخية، تمكّن –الى حد ما - من نزع التصورات الثيولوجية عن العالم ومن تحديد العلاقة بين الإنسان والوجود ضمن أفق العقلانية والحرية. يقترن التقدم في دلالاته الفلسفية والتاريخيّة، بالعلمنة بما هي تصوُّر "خرج من الكنيسة ليُعبّر عن واقع لا مسيحي"[60] وبفلسفة التاريخ التي تتعامل مع مفهوم العلمنة الذي "دعا إلى حيازة المضامين الدينيّة وتطبيقها على التاريخ الإنساني".[61] في هذا السياق، يظهر مفهوم التقدم كنقيض تاريخي لتصورات النزعة الدينيّة التي "ليست سوى مُخلّفات ماض مظلم وبنية بدائيّة تقضي ضرورات التطور أو التقدم باضمحلالها التدريجي مع تقدم العلوم وشُيوع الأنوار"[62]، وبذلك، تمحورت مهمة الحداثة في تحويل الثيولوجي إلى أنثروبولوجي، بمعنى أدق، "أن يصير شيئا ما زمانيا" وفق قراءة مريام بنينستوك في تقديمها لترجمة محاضرات فلسفة التاريخ لهيغل Hegel (1770-1831)[63]. للإشارة، يستخدم هيغل Hegel لفظ Verweltlichung والتي تُرادفها في الترجمة الفرنسية كلمة Mondanisation التي تُحيل على خُلو الدلالة من الشحنة الدينية، وحيث يعتبر أن "التاريخ عقلاني وخاضع لمبدأ التقدم، وكل ما وقع وما سوف يقع، هو عقلاني، ولو كان شرّا محضا"[64].

تبلورت فكرة التقدم انطلاقا من فلسفة التاريخ الهيغلية وتواصل التأسيس الفلسفي لسيرورة العلمنة مع فريدريك نيتشه Friedrich Nietzsche (1844-1900) الذي طرح تأصيلا مفهومًا خاصا حول العلمنة "يُحيل على تصفية تامة لكل التركة السابقة"[65]. في هذا السياق، يُعيد تاغييف Taguieff استنطاق الدلالة الفلسفية والتاريخية لمفهوم التقدم، انطلاقا من لحظة التأسيس الديكارتية René Descartes (1596-1650) واستحضار مقاربات فرانسيس بيكون Francis Bacon (1561-1626) اللذين كانا -حسب تاغييف Taguieff أول من "بلور مفهوم التقدم من خلال استعراض تطوُّر المعارف والعلوم وسيطرة الانسان على الطبيعة، وتحسُّن ظروف عيش الانسان".[66]

حاول ديكارت Descartes إظهار قُدرة العقل على الخروج من دائرة السكولاستيكية، والعودة إلى النشاط الفلسفي الأول، وهو التفكير بمعزل عن الوهم الميتافيزيقي وإعادة إنتاج نفس المقولات ضمن دائرة التلقين والتكرار. أمكن للفلسفة أن تلج عصرا جديدا يستند إلى المنهج الديكارتي و'العقلانية' التي باشرت نقد الإرث ما قبل الديكارتي، وتؤسس لعهد الحداثة كمسار تاريخي-فلسفي، أنتج مقولاته الخاصة ضمن سياق التقدم المعرفي ومركزة الذات المفكرة، التي أصبحت قادرة على السيطرة على الطبيعة واستعمال قُدراتها ضمن وحدة العقل البشري ووحدة المعارف ووحدة الطبيعة. تمركز الكوجيتو الديكارتي في قلب الذاتيّة التي اقتحمت معاقل التلقين والدوران في نفس حلقة التكرار المعرفي، كما استطاعت الديكارتية أن تُعيد إحياء قُدرة العقل على إنتاج المعرفة اعتمادا على منهج علمي ساهم في بلورة نسق التقدم معرفيا، والتأسيس للحداثة كلحظة تاريخية فلسفية؛ حيث بلور Descartes جُملة من المفاهيم المُتصلة بالمنهج الجديد في المعرفة في كتابه "حديث الطريقة Discours de la méthode"[67]، وفكرة إمكانية التفكير في التقدم الإنساني فلسفيا، من خارج الرؤية الكنسيّة للدين وعملية صهره ضمن التلقين والوساطة، وذهنيّة التحريم والتفكير في الدين بعيدا على 'قواعد' أو مُسلّمات الكنيسة؛ وذلك في كتابه "تأملات ميتافيزيقية Méditations métaphysiques"[68] الذي يُعتبر استمرارا للجزء الرابع من الكتاب الأول.

في نفس الاتجاه، مثّل فرانسيس بيكون Francis Bacon (1561-1626) نقطة التقاء التجربة العقليّة التي تتعلّق من وجهة نظر تاغييف Taguieff بتكوين عقل جديد. يعرض بيكون Bacon في أهم كتبه ("الاورغانون الجديد Novum Organum"[69] و"أطلنتس الجديدة La nouvelle Atlantide"[70] و"أحكام القانون Maxims of the Law"[71])، أفكاره حول الذاكرة والتاريخ، وحول الفلسفة، باعتبارها موضوعا للعقل. كما يُفرد الفلسفة بثلاثة موضوعات، وهي الطبيعة والإنسان والله، شرط المرور بالتجربة الأنطولوجية المتعلقة بنقد العقل المُوكل إليه أن يتخلص من أوهامه أو 'أصنامه' Iodla mentis. يشمل هذا النقد، أوهام القبيلة i tribus وأوهام الكهف sbecus وأوهام السوق fori وأوهام المسرح Theatri. تُمثّل هذه الأصنام عيوبا في تركيب العقل تجعلنا نُخطئُ في فهم الحقيقة، وإدراك عملية التقدم بما هي شرط فلسفي تاريخي. كما يعرض فرانسيس بيكون Francis Bacon منهجا استقرائيا يقوم على التجربة مع تشديده على وجوب الفصل بين الدين والعلم كحل لتحرير المستقبل من عدم الثقة في حدود ما يمكن إنجازه، انطلاقا من الحاضر.

تُمثّل عودة تاغييف Taguieff إلى هذا الجذر المشترك (ديكارت Descartes وبيكون Bacon)، نوعا من الاسترداد الفلسفي للإرث الحداثي الحامل للوعد بمفهوم التقدم، والذي تحوّل إلى "أخطر فكرة مارست تأثيرا كبيرا في الثقافة الحديثة أو من المُرجّح أن تُمارس تأثيرا أكبر منها في المستقبل"[72]. كانت هذه العودة نوعا من التحقيب الفلسفي لأطروحتين متشابهتين من حيث علمنة الفكرة الدينيّة والنقد الفلسفي للعقل والإرث الفكري لأطروحة التقدم.

3- القول الفلسفي في علمنة الفكرة الدينيّة ضمن أطروحة التقدم: السياقات والحدود من وجهة نظر تاغييف

يسترجع تاغييف Taguieff في كتاب "معنى التقدم. مقاربة تاريخية وفلسفية Le sens du progrès Une approche historique et philosophique" حُضور فكرة التقدم ضمن أطروحات ديكارت Descartes وبيكون Bacon التي أعادت ترتيب ممكنات العقل في علاقة بإمكانية التقدم واختيار العقلانية كأُفق فلسفي تاريخي وعملي، يَعدُ بتجاوز الأطروحات ما قبل الحداثيّة ويتعامل مع العصر الحديث على حد تعبير ماكس فيبير Max Weber (1864-1920) "كعصر صار مختلفا عن عصر الآلهة والأنبياء"[73]. من خلال الفصل التاريخي بين الرؤية الدينيّة للعالم، وبين طرح مفهوم التقدم كمجهود فلسفي تركّز بالأساس على "اخراج القوّة اللاهوتية من حقل الفاعلية البشرية"[74]، يُحاول تاغييف Taguieff أن يقف عند حدود القول الفلسفي في أطروحة الحداثة التي فكّرت في وحدة التقدم العلمي –التقني والتقدم الأخلاقي للإنسانية. كما، يفحص دلالات وتمظهرات مفهوم التقدم منذ ظهوره في القرن الثامن عشر، وتمفصله في سياق تاريخي- فلسفي مع مفاهيم العلمنة والأخلاق.

أعادت "علمنة الفكرة الالاهية"[75] طرح السؤال حول التقدم أو ما يعتبره هيغل Hegel تملُّك المضامين الدينيّة وتطبيقها على التاريخ الإنساني، حيث ستتحوّل الحداثة بمقتضى هذا التملُّك إلى سيرورة تاريخية –فلسفية أعادت ترتيب شرط العلاقة بين الانسان وفكرة التحرر دون ضغط ثيولوجي، أو تأجيل لفكرة إمكانية الاستقلال الفكري دون ربطها بالعناية الإلهية أو فكرة الدين عموما. بهذا المعنى، يرتبط مفهوم التقدم "بالحداثة وبإرثها وبأساطيرها المؤسسة"[76] التي رسمت أفقا جديدا لدلالات الحرية الإنسانية، و"الاعتقاد بصيرورة تاريخ تقدُّمي أو قدرة الإنسان على صُنع التاريخ".[77] لم يجد هذا الطرح المُعمّم حول التاريخ وسيرورة التقدم، مُكافئا فلسفيا ضمن مُخرجات الحداثة، حيث ارتبط براديغم التقدم بالأزمة في مستوى عدم نجاح العَلمنة في تحويل وجهة القضايا من محمولها الثيولوجي إلى الأنساق المُعلمنة sécularisée. في هذا المستوى، يُعالج تاغييف Taguieff السياق الفلسفي لبروز العَلمنة كبديل عن الأطروحات الثيولوجية ضمن إعادة إنتاج نفس الأزمة تاريخيا، حيث "أُثيرت مفاهيم التقدم والاستمرارية والتغير والثبات، في إطار تبيان أن مفهوم التقدم الذي حملت لواءه الأزمنة الحديثة، لم يكن سوى غطاء لدرء التصورات المُسبقة المُنضوية تحت فلسفة التاريخ، فصار التقدم يُرادف التكرار والثبات."[78] تلتقي هذه الرؤية مع تحليل كارل لوفيث Karl Lowith ضمن أطروحاته المُضمّنة في كتابه "التاريخ والخلاص Histoire et salut, Les présupposés théologiques de la philosophie de l’histoire"[79]، والذي يتساءل فيه عن التجربة التاريخية لبراديغم التقدم، ومدى وجاهة الأطروحات التي تعتبره مسارا خطيّا، نخلّص من الحمولة الدينيّة لما قبل الحداثة ومكامن الأزمة ضمن تاريخ الحداثة والأزمنة المعاصرة. تتحدّدُ خطوط الالتقاء بين هذه الرؤية والطرح الذي يُقدّمه تاغييف Taguieff في كتابه "معنى التقدم. مقاربة تاريخية وفلسفية Le sens du progrès. Une approche historique et philosophique"، والذي يعرض فيه للتقدم "كحركة ذاتيّة دون أن تطرح سؤال لماذا؟"[80]. يربط لوفيث Lowith بين فكرة الخلاص والتاريخ؛ هذه الأطروحة التي شكّلت في فلسفة راينهارت كوزيليك Reinhart Koselleck (1923-2006)، نوعا من الغائيّة التي تتمظهر "ضمن صيغ تُعبّر على التوجه الزمني الخطّي والغائي"[81].

يستعيد تاغييف Taguieff هذه الحدود النقديّة للتدليل على خُلوُّ فكرة التقدم من دلالاتها الفلسفية، وانحصارها ضمن حدود "علمنة علم الأُخروية المسيحي"[82] وبالتالي تحوُّل هذا المفهوم إلى ما يُشبه اليوتوبيا التي جعلت من المفهوم مجرد سيرورة تاريخية تُعبّر على أزمة، وإحراج نظري في مستوى "فلسفات التاريخ التي أصبحت بالكامل مُتعلّقة بالثيولوجيا بمعنى التأويل الثيولوجي للتاريخ بما هو تاريخ الخلاص".[83] شكّل مفهوم الأزمة ضمن براديغم التقدم كمقاربة فلسفية تاريخية، محور النقد الذي يستند من خلال أطروحات تاغييف Taguieff إلى هذا البعد التاريخي-الديني لعلمنة حدود العلاقات الممكنة بين الانسان والطبيعة، ولما يعتبره 'أسطورة' التقدم؛ هذه الأسطورة التي أنتجت حضارة "هي إرث من التقدمية وعلامة على انحلالها […] والتي سيتم محو بُعدها المستقبلي"[84]. يقف تاغييف Taguieff عند نقطة التقاء أطروحات كارل لوفيث Karl Lowith وReinhart Koselleck وكارل شميت Karl Schmidt اللذين يعتبران أن أطروحة التقدم ضمن سياقها التاريخي الفلسفي، لا تعدو كونها استردادا مُعلمَنا للمقولات الدينيّة ما قبل الحداثيّة؛ غير أن تاغييف Taguieff يعتمد على مفهوم الأزمة لمعالجة هذا السياق الذي يُعبّر على خُلوُّ العلمنة من الوجهة الأخلاقية، وتحوُّل الإيمان بالتقدم في حد ذاته إلى أزمة؛ إذ إن هذا 'الهوس' لم يعد مُوجها نحو المستقبل، بل أصبح الحاضر ذاته موضوع عبادة أو ما يُسمّى "بالعبادة الجديدة. هذه التقدمية التي أضحت كبقايا التقدمية في الماضي، والتي يمكن أن تتخذ شكل البوجية boujism أو حتى الاحتمالية".[85]

خاتمة

يُمثّل الاشتغال على تفكيك الإشكاليات السياسية للحداثة ضمن أطروحات الفيلسوف ومُؤرخ الأفكار تاغييف Taguieff؛ استئنافا للجهد الفلسفي الذي يبحث في الفاعليّة أو القُدرات الإجرائية، للمشروع الحداثي، والذي تجاوز –من منطلق افتراض فلسفي- جُملة العوائق الأنطولوجية لقيام عقل أنواري ومُستقل على كل ما يُعيق إمكانية وجوده. تكمن أهمية العمل المُنجز الفلسفي لتاغييف Taguieff في اعتماده على ما يمكن اعتباره تتبُّعا تاريخيا للمفاهيم، أو فيلولوجيا المفاهيم المُعتمدة في متن بحوثه، غير أن سياقات التنضيد أو التوظيف المنهجي لتلك المفاهيم والأطروحات، مثل قضية الشعبوية، تميّزت بنوع من الاستعراض التأليفي لدلالات المفهوم وتطورات استعماله دون إبراز لاختلافات وتمايزات معاني وسياقات الشعبوية، حيث تختلف الدلالة الفلسفية والسياسية لمفهوم الشعبوية عند لاكلو Laclau عن تلك التي تعرضها مارغريت كانوفان Margaret Canovan على سبيل المثال، كما أن تداخل المعنى بين ما هو سياسي في علاقة بتداول المفهوم، وبين ما هو فلسفي وسوسيو سياسي، يجعل من العسير تتبُّع مُخرجات المعنى الفلسفي للشعبوية انطلاقا من واقع الممارسة السياسية، وخاصة إذا ما تعلّق الأمر بسحب المفهوم على تجارب سياسية مختلفة من حيث البُنى الذهنية، والخصوصيات التاريخية لكل تجربة. تكمن إضافة تاغييف Taguieff في استعراضه لتاريخ ظهور الشعبوية، من خلال عرضه لتجربة فرنسية Poujadisme وإنجليزية Le Powellisme وتوظيفهما في سياق فهم عودة العنصريات أو 'العنصرية الاختلافية' وموجات العداء للأجانب، والصراعات السياسية التي تتّخذ من مثل تلك الأطروحات، وقودا خطابيّا وانتخابيا. يُوظّف تاغييف Taguieff هذه التجارب ضمن نقده لأزمات الليبرالية الغربية المعاصرة، مُتماهيا في ذلك مع مواقف بعض من مُعاصريه مثل بيير روزانفالون Pierre Rosanvallon وغيره من المفكرين. تتقاطع أفكار تاغييف Taguieff مع النقد الذي يطرحه جزءا كبيرا من المفكرين الغربيين للبُنى الاجتماعية والسياسية والفكرية والاقتصادية، أو ما يمكن تسميته بالباثولوجيات الاجتماعية المعاصرة؛ إلا أن ما نلاحظه في مقاربات تاغييف Taguieff أنه لم يتعرض إلى تلك الأمراض الاجتماعية بمنطق الميكرو؛ أي إنه لم يسلك طريق فلسفات ما بعد الحداثة التي اهتمت في جزء منها بخط نقد السلطة كما هو الحال مع ميشال فوكو Michel Foucault وجورج باطاى George Bataille على سبيل المثال. ضمن نفس السياق، تظهر مُنطلقات البحث الفلسفي التي اشتغل عليها تاغييف Taguieff في علاقة بمسألة العلمنة وأطروحة التقدم، منسجمة ابستيمولوجيا مع التقليد الفلسفي الذي ينظُر إلى سياق القدم والتحرر من زاوية القطيعة والتجاوز، حيث تماهت أطروحات تاغييف Taguieff بشكل يكاد يكون مُتطابقا من حيث دلالاتها مع ما يُتداول من قول فلسفي في العلمنة والتقدم والسيرورة التاريخية لمشروع الحداثة.

يمكن قراءة فلسفة تاغييف Taguieff انطلاقا من وجهتي نظر، حيث يمكن ادراج فلسفته ضمن مشروع الحداثة الذي لم يكتمل بعد بتعبير يورغن هابرماس Jürgen Habermas ومن ناحية أخرى، مشروعا يندرج فلسفيا ضمن ما يُسمّى بما بعد الحداثة. أما على صعيد تصنيف أُطروحاته المتّصلة بالإشكاليات السياسية للحداثة، فإن الأمر يتعلق من وجهة نظرنا، بقراءة تتجاوز الحداثة وما بعد الحداثة، بما هي قضايا مُعاصرة أصبح الفيلسوف يتعاطى معها انطلاقا من اللحظة ومن التزامن بين الحدث والفعل، مثل قضايا الهجرة وتحولاتها، وقضايا السياسة بمعناها التشاركي والتداولي أو ما أسماه البعض بما بعد الليبرالية الغربية. لذلك، تسمح مُقاربات تاغييف Taguieff بتحصيل نوع من الكم النظري أو الفلسفي، الذي يعمل كمُدوّنة تجميعية لبراديغمات الشعبوية والتقدم والعلمنة وغيرها.

 

 

قائمة المراجع:

*- باللغة العربية

1- زيجمونت باومان وكارلو بوردوني، حالة الأزمة، ترجمة حجاج أبو جبر، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، 2018

2- راجع: ألان توران، براديغما جديدة لفهم عالم اليوم، ترجمة جورج سليمان، المنظمة العربية للترجمة؛ مركز دراسات الوحدة العربية بيروت، 2011

3-يان فيرنر مولر، مالشعبوية؟ ترجمة رشيد بوطيب، منتدى العلاقات العربية والدولية، الدوحة، 2017

4- جون فرانسوا ليوتار، الوضع ما بعد الحداثي، ترجمة أحمد حسان، دار شرقيات، القاهرة، 1994

5- زيجمونت باومان، الحداثة السائلة، ترجمة حجاج أبو جبر، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، 2019

6- بارثا تشارجي، أنا الشعب: تأملات حول السيادة في عالم اليوم، ترجمة لدر الدين مصطفى، مركز نهوض للدراسات والنشر، الكويت، 2021

7- محمد الشيخ، "الفلاسفة المعاصرون ومسألة الشعبوية. قراءة في آراء ستة فلاسفة"، مجلة التفاهم، المجلد 17، العدد 56 (2019)، ص197

8- نادية أوربيناتي، أنا الشعب: كيف حوّلت الشعبوية مسار الديمقراطية، ترجمة عماد شيحة، دار الساقي للطباعة والنشر، بيروت، 2019

9- شانتال موف، جريدة لوفيغارو Le Figaro رابط الحوار: https://bit.ly/3Ztt4lL

10- جمال الدين بن سليمان، "التنبؤ والنبوءة في العلوم الاجتماعية"، ترجمة مقال كارل بوبر: "التنبؤ والنبوءة في العلوم الاجتماعية" من كتاب "حدوس وتفنيدات"، الرابط: https://shorturl.at/EMR45.

11- بيير سالفادوري، "المشروع الأوروبي أصبح قمعيّا ومُرهقا بشدة للدول الضعيفة." حوار مع ايمانويل تود، أين نحن؟ ترسيمة حول التاريخ البشري. ترجمة محمد الادريسي. الرابط: https://bit.ly/3zRBcS1

12-نزهة بوعزّة، "حضور التصور الديني في الأزمنة الحديثة. نموذج علمنة فلسفة التاريخ". مؤمنون بلا حدود. الرابط: https://shorturl.at/noCS1

13- ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، "أزمة مشروعية فلسفة التاريخ أزمة أسس حداثيّة: راينهارت كوزيليك"، مؤمنون بلا حدود. الرابط: https://shorturl.at/jrsG9

14- مرسيا الياد، البحث عن التاريخ والمعنى في الدين، ترجمة وتقديم سعود المولى، المنظمة العربية للترجمة، بيروت 2007

15- حاتم أمزيل، العلمانية في الفلسفة المعاصرة، مختبر الدراسات الرشدية، المغرب، 2017

16- هيغل، محاضرات في تاريخ الفلسفة، ترجمة خليل أحمد خليل، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 2002

17- دافيد مارسيل، فلسفة التقدم: جيمس ديوي، بيرد وفكرة التقدم، ترجمة خالد المنصوري، مكتبة الأنجلو المصرية، مصر، 1974

*- باللغة الأجنبية:

1- Pierre-André Taguieff, La république ensilée. Populisme, communautaire et citoyenneté, Paris, Editions des Syrtes 2005

2- ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ, Le sens du progrès Une approche historique et philosophique, Paris, Flammarion, 2004

3- ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ, « Les présuppositions définitionnelles d’un indéfinissable, le racisme ». Mots.no.8, 1984, « L’identité nationale saisie par les logiques de racisation Aspect.Figures et problèmes du racisme différentialiste ». Mots.no.12, 1986, « L’identité française au miroir du racisme différentialiste » Espaces 89, L’identité française, Editions Tierce, Paris, 1985.

4- ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ, Théories du complot: populisme et complotisme, Paris, Entremises, 2023

5- ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ, "Le populisme et la science politique du mirage conceptuel aux vrais problèmes », Dans Vingtième Siècle. Revue d'histoire 1997/4 (n° 56), pages 4 à 33

6- ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ, L’illusion populiste, Flammarion, Paris.

7- ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ, Le populisme et la science politique du mirage conceptuel aux vrais problèmes.

8- ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ, La force du préjuge: Essai sur le racisme et ses double, Paris, La découverte 1987

9- ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ, Le sens du progrès. Une approche historique et philosophique. Paris, Flammarion, 2004

10- Tzvetan Todorov, «Du culte de la différence à la sacralisation de la victime» , Esprit. N 212 (6). Juin 1995. p.96

11- Alain Badiou, «Panorama de la philosophie française contemporaine» , Conférence donnée à new Left review, (Buenos aires, 2004). 2005

12- Jürgen Habermas, la Modernité: Un projet Inachevé, trad. De G. Raulet, Paris,1981

13- Alain Touraine, Critique de la modernité, Paris: Fayard, 1992.

14- Vincent Citot, «Le sens du progrès de Pierre-André Taguieff », Le Philosophoire 2004/2 (n° 23), p. 232 – 236

15- Francis Fukuyama, IDENTITY - The Demand for Dignity and the Politics of Resentment, New York: Farra, Straus and Giroux, 2018

16- Pierre Rosanvallon, Penser le populisme, 2011, Lien: https://shorturl.at/szKPS.

17- Ernest Gellner, Nations et nationalisme, Payot, Paris, 1983

18- Theodor Adorno, Dialectique négative, Payot, Paris, 1966

19- Olivier Ihl, La tentation populiste au cœur de l'Europe (Co-dir. Janine Chêne, Eric Vial, Ghislain Waterlot), La Découverte, Paris, 2003

20- Ralf Dahrendorf, « Acht Anmerkungen zum poulismus », in: Transit: Europaische Revue, 25/2003, p.156

21- Ernesto Laclau, On Populist Reason, Verso. London,2007

22- ــــــــــــــــــــــــــــ, Politics and Ideology in Marscist Theory: Capitalism, Fascism, Populism, London: 1977, NLB, p.p,.172-173

23- Peter Wiles, A Syndrome.Not a Doctrine: «Some elementary theses on populism. » Dans Ghita Ionesco et Ernest Gellner (eds). Populism ITS Meaning and National Characteristics.Londres. Weidenfeld and Nicolson 1969. P.166

24- Léon Poliakov, The Aryan Myth: A History of Racist and Nationalist Ideas in Europe, trans.E. Howard, Sussex University Press, Brighton 1974: La Causa lite diabolique: essais sur l’origine des persecutions. Calmann-Uvy. Paris 1980

25- Etienne Balibar &Immanuel Wallerstein, Race, Nation, Classe: Les identités ambiguës. Paris, La découverte, 2007

26- Emmanuel Todd, L’invention de l’Europe.Paris, Le Seuil, 1990

27- Liz Fekete, Europe’s Fault Lines. Racism and the Rise of the Right, Verso, 2018

28- Rémi Brague, « La sécularisation est-elle moderne ? », Modernité et sécularisation, Hans Bmlumenberg, Karl Lowith, Carl Schmitt, Leo Strauss, Modernité et sécularisation, CNRS éditions, 2007

29- Michael Foessel, Introduction, Modernité et Sécularisation, Hans Blumenberg, Karl Lowith, Carl Schmitt, Leo Strauss, CNRS éditions, 2007.

30- Danièle Hervieu – Léger, Production religieuses de la modernité: les phénomènes du croire dans les sociétés modernes, centre d’études interdisciplinaires des faits religieux des hautes études en sciences sociales, Paris, p37

31- Jean – Paul Williame, « L’approche sociologique des faits religion », Actes de l’université d’automne de Guebwiller, 27-30 Octobre 2003. P.89

32- Vincent Citot, « Le sens du progrès de Pierre- André Taguieff », Le philosophoire 2004/2(n°23) p232-236

33- Servanne Jallivert, « L’histoire au pluriel de Reinhart Koselleck », La vie des idées, Septembre 2020, p.3

34- Karl Lowith, Histoire et salut, les présupposés théologiques de la philosophie de l’histoire ; traduit de l’allemand par Marie, Christine Chalhol, Gillet, Sylvie Hurstel et Jean, François Kerjean.

35- ـــــــــــــــــــــــ, Histoire et salut, les présupposés théologiques de la philosophie de l’histoire ; traduit de l’allemand par Marie, Christine Chalhol, Gillet, Sylvie Hurstel et Jean, François Kerjean.

[1] زيجمونت باومان وكارلو بوردوني، حالة الأزمة، ترجمة حجاج أبو جبر، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، 2018، ص 14

[2] راجع: ألان توران، براديغما جديدة لفهم عالم اليوم، ترجمة جورج سليمان، المنظمة العربية للترجمة؛ مركز دراسات الوحدة العربية بيروت، 2011

[3] المرجع نفسه، ص110

[4] Pierre-André Taguieff, La république ensilée. Populisme, communautaire et citoyenneté, Paris, Editions des Syrtes 2005, P.58

[5] Tzvetan Todorov, « Du culte de la différence à la sacralisation de la victime », Esprit. N 212 (6). Juin 1995. p.96

[6] Alain Badiou, « Panorama de la philosophie française contemporaine », Conférence donnée à new Left review, (Buenos aires, 2004). 2005

[7] يان فيرنر مولر، مالشعبوية؟ ترجمة رشيد بوطيب، منتدى العلاقات العربية والدولية، الدوحة، 2017

[8] جون فرانسوا ليوتار، الوضع ما بعد الحداثي، ترجمة أحمد حسان، دار شرقيات، القاهرة، 1994

[9] Jürgen Habermas, la Modernité: Un projet Inachevé, trad. De G. Raulet, Paris, 1981

[10] Alain Touraine, Critique de la modernité, Paris: Fayard, 1992, P.46

[11] Pierre-André Taguieff, Le sens du progrès. Une approche historique et philosophique. Paris, Flammarion, 2004, P.312

[12] زيجمونت باومان، الحداثة السائلة، ترجمة حجاج أبو جبر، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، 2019، ص67

[13] بارثا تشارجي، أنا الشعب: تأملات حول السيادة في عالم اليوم، ترجمة لدر الدين مصطفى، مركز نهوض للدراسات والنشر، الكويت، 2021.

[14] Pierre-André Taguieff, Le sens du progrès. Une approche historique et philosophique, Op.cit.

[15] Vincent Citot, « Le sens du progrès de Pierre-André Taguieff », Le Philosophoire 2004/2 (n° 23), p. 232 – 236

[16] Ibid.

[17] Francis Fukuyama, IDENTITY - The Demand for Dignity and the Politics of Resentment, New York: Farra, Straus and Giroux, 2018

[18] محمد الشيخ، "الفلاسفة المعاصرون ومسألة الشعبوية. قراءة في آراء ستة فلاسفة"، مجلة التفاهم، المجلد 17، العدد 56 (2019)، ص197

[19] نادية أوربيناتي، أنا الشعب: كيف حوّلت الشعبوية مسار الديمقراطية، ترجمة عماد شيحة، دار الساقي للطباعة والنشر، بيروت، 2019

[20] Pierre-André Taguieff, "Le populisme et la science politique du mirage conceptuel aux vrais problèmes », Dans Vingtième Siècle. Revue d'histoire 1997/4 (n° 56), pages 4 à 33

[21] Ibid.

[22] Pierre-André Taguieff, L’illusion populiste, Flammarion, Paris, P 10

[23] Ibid.

[24] Ibid.

[25] Ibid.p.148

* عنوان الفصل الأول من كتاب: L’illusion Populiste

[26] Pierre-André Taguieff, Le populisme et la science politique du mirage conceptuel aux vrais problèmes.

[27] Ibid p4

[28] Pierre –André Taguieff, L’illusion populiste, Op.cit, P 10

[29] Pierre Rosanvallon, Penser le populisme, 2011, Lien: https://shorturl.at/szKPS.

[30] Ernest Gellner, Nations et nationalisme, Payot, Paris, 1983

[31] Theodor Adorno, Dialectique négative, Payot, Paris, 1966.

[32] Olivier Ihl, La tentation populiste au cœur de l'Europe (Co-dir. Janine Chêne, Eric Vial, Ghislain Waterlot), La Découverte, Paris, 2003

[33] Pierre-André Taguieff, L’illusion populiste, Op.cit.p6

[34] يان فيرنر مولر، ما الشعبوية؟ ترجمة رشيد بوطيب، مصدر سابق.

[35] Ralf Dahrendorf, « Acht Anmerkungen zum poulismus », in: Transit: Europaische Revue, 25/2003, p.156

[36] Pierre –André Taguieff, Le populisme et la science politique, du mirage conceptuel aux vrais problèmes. Op.cit.

[37] Ibid.

[38] هي حركة تأسست سنة 1950 في فرنسا من قبل بيير بوجاد Pierre Poujade ضمن اتحاد التجار والصناعيين.

[39] Pierre –André Taguieff, Le populisme et la science politique, du mirage conceptuel aux vrais problèmes. Op.cit.

[40] تُنسب التسمية إلى السياسي Enoch Powell عضو حزب المحافظين البريطاني، ثم اتحاد حزب ULSTER المُدافع على وحدة ايرلندا الشمالية والمملكة البريطانية.

[41] Pierre –André Taguieff, Le populisme et la science politique, du mirage conceptuel aux vrais problèmes. Op.cit.

[42] Ibid.

[43] Ernesto Laclau, On Populist Reason, Verso. London,2007

[44] Ernesto Laclau, Politics and Ideology in Marscist Theory: Capitalism, Fascism, Populism, London: 1977, NLB, p.p,.172-173

[45] حوار مع المفكرة السياسية شانتال موف، جريدة لوفيغارو Le Figaro

رابط الحوار: https://bit.ly/3Ztt4lL

[46] المرجع نفسه.

[47] Peter Wiles, A Syndrome.Not a Doctrine: « Some elementary theses on populism. » Dans Ghita Ionesco et Ernest Gellner (eds). Populism ITS Meaning and National Characteristics.Londres. Weidenfeld and Nicolson 1969. P.166

[48] Léon Poliakov, The Aryan Myth: A History of Racist and Nationalist Ideas in Europe, trans.E. Howard, Sussex University Press, Brighton 1974: La Causa lite diabolique: essais sur l’origine des persecutions. Calmann-Uvy. Paris 1980

[49] Peter Wiles, A Syndrome.Not a Doctrine: « Some elementary theses on populism. » Dans Ghita Ionesco et Ernest Gellner (eds). Op.cit.

[50] Etienne Balibar &Immanuel Wallerstein, Race, Nation, Classe: Les identités ambiguës. Paris, La découverte, 2007

[51] Pierre- André Taguieff, La force du préjuge: Essai sur le racisme et ses double, Paris, La découverte 1987, p648

[52] Pierre-André Taguieff, « Les présuppositions définitionnelles d’un indéfinissable, le racisme ». Mots.no.8, 1984, « L’identité nationale saisie par les logiques de racisation Aspect.Figures et problèmes du racisme différentialiste ». Mots.no.12, 1986, « L’identité française au miroir du racisme différentialiste » Espaces 89, L’identité française, Editions Tierce, Paris, 1985

[53] Pierre –André Taguieff, Théories du complot: populisme et complotisme, Paris, Entremises, 2023

[54] جمال الدين بن سليمان، "التنبؤ والنبوءة في العلوم الاجتماعية"، ترجمة مقال كارل بوبر: "التنبؤ والنبوءة في العلوم الاجتماعية" من كتاب "حدوس وتفنيدات"، الرابط: https://shorturl.at/EMR45.

[55] Emmanuel Todd, L’invention de l’Europe.Paris, Le Seuil, 1990, p10

[56] بيير سالفادوري، "المشروع الأوروبي أصبح قمعيّا ومُرهقا بشدة للدول الضعيفة." حوار مع ايمانويل تود، أين نحن؟ ترسيمة حول التاريخ البشري. ترجمة محمد الإدريسي. الرابط: https://bit.ly/3zRBcS1

[57] E. Todd, L’invention de l’Europe, Op.cit, p10

[58] بيير سالفادوري، "المشروع الأوروبي أصبح قمعيّا ومُرهقا بشدة للدول الضعيفة". مرجع سابق.

[59] Liz Fekete, Europe’s Fault Lines. Racism and the Rise of the Right, Verso, 2018

[60] Rémi Brague, « La sécularisation est-elle moderne ? », Modernité et sécularisation, Hans Bmlumenberg, Karl Lowith, Carl Schmitt, Leo Strauss, Modernité et sécularisation, CNRS éditions, 2007, P2.

[61] نزهة بوعزّة، "حضور التصور الديني في الأزمنة الحديثة. نموذج علمنة فلسفة التاريخ". مؤمنون بلا حدود. الرابط: https://shorturl.at/noCS1

[62] مرسيا الياد، البحث عن التاريخ والمعنى في الدين، ترجمة وتقديم سعود المولى، المنظمة العربية للترجمة، بيروت 2007، ص18

[63] حاتم أمزيل، العلمانية في الفلسفة المعاصرة، مختبر الدراسات الرشدية، المغرب، 2017، ص47

[64] هيغل، محاضرات في تاريخ الفلسفة، ترجمة خليل أحمد خليل، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 2002، ص27

[65] Michael Foessel, Introduction, Modernité et Sécularisation, Hans Blumenberg, Karl Lowith, Carl Schmitt, Leo Strauss, CNRS éditions, 2007, p7

[66] Vincent Citot, « Le sens du progrès de Pierre-André Taguieff », Op.cit.

[67] René Descartes, Discours de la méthode, 1637

[68] René Descartes, Méditations métaphysiques, 1614

[69] Francis Bacon, Novum Organum, 1620

[70] Francis Bacon, La nouvelle Atlantide, 1626

[71] Francis Bacon, Maxims of the Law, 1599

[72] دافيد مارسيل، فلسفة التقدم: جيمس ديوي، بيرد وفكرة التقدم، ترجمة خالد المنصوري، مكتبة الأنجلو المصرية، مصر، 1974 ص7

[73] Danièle Hervieu – Léger, Production religieuses de la modernité: les phénomènes du croire dans les sociétés modernes, centre d’études interdisciplinaires des faits religieux des hautes études en sciences sociales, Paris, p37

[74] Jean – Paul Williame, « L’approche sociologique des faits religion », Actes de l’université d’automne de Guebwiller, 27-30 Octobre 2003. P.89

[75] Pierre – André Taguieff, Le sens du progrès Une approche historique et philosophique, Paris, Flammarion, 2004, P103

[76] Vincent Citot, « Le sens du progrès de Pierre- André Taguieff », Le philosophoire 2004/2(n°23) p232-236

[77] نزهة بوعزّة، "أزمة مشروعية فلسفة التاريخ أزمة أسس حداثيّة: راينهارت كوزيليك"، مؤمنون بلا حدود. الرابط: https://shorturl.at/jrsG9.

[78] المرجع نفسه، ص6

[79] Karl Lowith, Histoire et salut, les présupposés théologiques de la philosophie de l’histoire ; traduit de l’allemand par Marie, Christine Chalhol, Gillet, Sylvie Hurstel et Jean, François Kerjean,

[80] Pierre André – Taguieff, Le sens du progrès, Op.cit

[81] Servanne Jallivert, « L’histoire au pluriel de Reinhart Koselleck », La vie des idées, Septembre 2020, p.3

[82] Pierre-André Taguieff, Le sens du progrès, Op.cit, p103

[83] Karl Lowith, Histoire et salut, les présupposés théologiques de la philosophie de l’histoire ; traduit de l’allemand par Marie, Christine Chalhol, Gillet, Sylvie Hurstel et Jean, François Kerjean, p21

[84] Pierre-André Taguieff, Le sens du progrès, Op.cit, p68

[85] Ibid.