قراءة في كتاب "الشرطة وحقوق الإنسان"
فئة : قراءات في كتب
قراءة في كتاب "الشرطة وحقوق الإنسان"
لـلعميد الدكتور زهير جويعد الزبيدي
رشيد الجانبي
كتاب "الشرطة وحقوق الانسان" لـلعميد الدكتور زهير جويعد الزبيدي، صدر عن جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الطّبعة الأولى 1988م، عدد صفحاته 66 صفحة، تطرق فيه الكاتب إلى موضوعات مهمة منها: الشرطة وأبعاد الحرية الشخصية، الشرطة وحق الإنسان في الحياة، الشرطة وحماية النفس من التعدي، وغيرها من الموضوعات الّتي سنبيّن أهم أفكارها الرّئيسة.
الشرطة بين الفرد والمجتمع:
يرى الكاتب أن الإنسان حين وجد في الجماعة؛ قبل ضمنا أن يتنازل عن بعض حقوقه في سبيل العيش في المجتمع؛ ولما كانت الشرطة إحدى الوسائل التي تهدف إلى حفظ الأمن والنظام، كان لزاما على الفرد أن يكون في علاقة قانونية معها؛ كما أن الشرطة "يجب أن تسعى إلى خلق توازن معقول بين حريات الأفراد، وصيانة الأمن العام عند تأدية مهامها"[1]؛ ذلك أن حياة الفرد تتطلب إقامة نوع من التوازن بين حقوق الإنسان، وبين نظام المجتمع وأمنه، حيث إن افتقاد حرية الفرد يخنق الحرية الفردية التي ينبني عليها تقدم المجتمع؛ كما أن الحرية المبالغ فيها تؤدي إلى الفوضى. من هذا المنطلق، كان لا بد من أن يخول المجتمع الحق في فرض مجموعة من الالتزامات والرقابة على الأفراد.
حقوق الإنسان:
إن عبارة حقوق الإنسان في نظر الكاتب، مسألة نسبية مرتبطة بالثقافة، والمستوى الاجتماعي والسياسي لكل دولة من الدول، وهي عموما تتمحور حول ذات الإنسان، وأحواله، وما يتفرع عن ذلك من حقوق مادية أو معنوية تضمن كرامته. وتعتبر الكرامة ينبوع حقوق الإنسان جميعها، لذلك فهي غاية جميع الدساتيروالقوانين.
علاقة الشرطة بحقوق الإنسان:
تناول الكاتب الجوانب التي تصطدم فيها اختصاصات الشرطة بشكل مباشر بالحرية الشخصية للأفراد من ثلاثة جوانب:
أولا- الشرطة وأبعاد الحرية الشخصية:
لقد أيد الإسلام صراحة حرية الإنسان وصان عرضه وماله ومسكنه وضميره وحريته، وأيّدت الدساتير الحديثة ذلك؛ لذا كان عمل الشرطة يتلخص في التوفيق بين مصلحة الفرد، ومصلحة المجتمع دون تغليب لمصلحة الفرد تبعا لبعض النظريات الفلسفية التي تجعل الفرد سيد نفسه، ولا إعلاء شأن مصلحة المجتمع كما تدعو إلى ذلك بعض النظريات الاجتماعية المتطرفة التي تدّعي أن الجماعة أهم من الفرد؛ فتحقيق هذا التوازن "يسهم في تطور المجتمع ويشعر الفرد معه أن استقلال وجوده ضرورة تقتضيها الطبيعة البشرية"[2]وهذه الموازنة بين حق الفرد، وحق المجتمع تقتضي ضمان الحقوق الفردية دون تعسف من زاوية أن حقوق الإنسان لا ينظر إليها بوصفها حقوقا طبيعية وإنما ترتكز على أساسين:
أ- احترام حقوق الفرد وسيلة لضمان تجاوبه مع المجتمع، وهذا التجاوب يقتضي احترامه لقوانين المجتمع.
ب- حماية حقوق الفرد قيمة اجتماعية عليا تندمج في الشعور العام لأفراد المجتمع، ويتعين مراعاة هذا الشعور حفاظا على الكيان الاجتماعي.
ثانيا- الشرطة وحق الإنسان في الحياة:
لا يمكن لأي مجتمع أن يحتفظ بوجوده إلا إذا كان يحترم حق الفرد في الحياة؛ هذا الحق الذي وضع الشرع الاسلامي ضمانات لصيانته، كما اعتبر أن قتل الإنسان اعتداء على حقه المقدس في الحياة. يقول تعالى: "ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق"[3].
كما كفلت الهيئات والدساتير الدولية حق الفرد في الحياة؛ وتبقى الشرطة أحد الأجهزة المسؤولة عن تنفيذ القوانين الي تكفل حق الإنسان في الحياة؛ لذلك قد يكون الشرطي مضطرا لإماتة المعتدي في سبيل حماية الأرواح عبر استعمال الأسلحة النارية مع اتخاذ الاحتياطات اللازمة كالتصويب في موضع غير قاتل من جسم المعتدي.
ثالثا- الشرطة وحماية النفس من التعدي:
ما هي الحدود التي يجب على الشرطة العمل في إطارها، وما هي المعايير التي تحكم نشاطها أثناء ممارستها للاستدلالات والتحقيقات؟
للإجابة عن هذا السؤال تطرق الكاتب إلى ثلاثة جوانب:
أ- الشرطة ومبدأ افتراض البراءة: من أجل حماية الفرد من التعدي كان الأصل فيه البراءة، حتى تثبت إدانته بحكم بات "فإذا كانت المصلحة العامة والعدالة تقتضيان معاقبه مرتكب الجريمة، فإن ذلك يتسبب أيضا في الحفاظ على حريات الناس وحقوقهم عن طريق معاملة المتهم على أنه بريء في جميع المراحل التي تمرّ بها التهمة"[4]؛ ويرتبط مبدأ افتراض البراءة بمبدأ آخر، وهو "أن الشك يفسر لمصلحة المتهم" وهي قاعده ملزمة من خصائص القانون الجنائي، ومن مقتضيات تطبيق قاعدة أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته منع مختلف صور التعذيب جسمية كانت أو نفسية.
ب- الشرط والقبض: يعد القبض من الإجراءات التي تمس الحرية الفردية؛ لذلك لابد لرجل الشرطة أن يبني هذه العملية على أسس موضوعية، وألا ينساق مع عواطفه؛ فالقاعدة تفترض في المقبوض عليه البراءة؛ كما أن من حقوق من المقبوض عليه إبلاغه بأسباب القبض عليه والتهمة الموجهة إليه، ويفضل الاجتهاد في اتخاذ إجراءات أخرى يمكنها أن تحل محل القبض على المتهم.
ت- الشرطة والاستعانة بالوسائل العلمية الحديثة في كشف الجريمة، وقسمها الكاتب الى قسمين:
1- الوسائل التي تمثل اعتداء على الكيانين المادي والنفسي للشخص: من أمثلة الكيان المادي ذكر الكاتب فحص الدم وغسيل المعدة وأخذ البصمات؛ فمجريات البحث تقتضي أحيانا القيام بهذه الإجراءات للتأكد من فرضيات الشرطة للوصول إلى الحقيقة، وهي أمور يعدّها القضاء من إجراءات التفتيش؛ ولا يرى الكاتب أن في هذه الإجراءات اعتداء على الحرية الشخصية للأفراد، مادامت تحقق المصلحة العامة. وفيما يخص الجانب النفسي، ذكر الكاتب استعمال العقاقير المخدرة والتنويم المغناطيسي وجهاز كشف الكذب. ويرى الكاتب أن الاستعانة بهذه الوسائل غير مشروعة نظرا لما تنطوي عليه من اعتداء صارخ على الحرية الشخصية للأفراد؛ لأنها تستعمل في سلب ما ينبغي أن يحتفظ به الإنسان لنفسه دون أن يطلع عليه كائن من كان.
2- التصنت وتسجيل المحادثات: يرى الكاتب أن التسجيل الذي تجريه الشرطة قبل وقوع الجريمة فيه اعتداء صارخ على حقوق الإنسان، ويمكن للشرطة أن تستعين بوسائل أخرى لتحقيق التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع. أما بعد وقوع الجريمة، فيجوز تسجيل المحادثات بعد الحصول على إذن بذلك، ويرى الكاتب أن مراقبة المكالمات الهاتفية يعدّ عدوانا خطيرا على حقوق الإنسان إلا في حالات معينة كالجرائم الماسة بأمن الدولة والجرائم الخطيرة.
[1] الصفحة 5 من كتاب "الشرطة وحقوق الإنسان" لـلعميد الدكتور زهير جويعد الزبيدي.
[2] الصفحة 13 من كتاب "الشرطة وحقوق الانسان" لـلعميد الدكتور زهير جويعد الزبيدي.
[3] سوره الإسراء آية 33
[4] الصفحة 24 من كتاب "الشرطة وحقوق الانسان" لـلعميد الدكتور زهير جويعد الزبيدي.