قراءة في كتاب العقلانية التطبيقية للإبستمولوجي غاستون باشلار


فئة :  قراءات في كتب

قراءة في كتاب العقلانية التطبيقية للإبستمولوجي غاستون باشلار

قراءة في كتاب العقلانية التطبيقية للإبستمولوجي غاستون باشلار

يعود هذا الكتاب المعنون بـ "العقلانية التطبيقية" لمؤلفه غاستون باشلار Gaston Bachelard، ترجمة: بسام الهاشم، الصادر عن: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1984. ويتكون من 384 صفحة، حيث يحتوي على تمهيد للمترجم، وعشرة فصول للمؤلف، بالإضافة إلى معجم المصطلحات الفلسفية والعلمية والتقنية، ثم الفهرس.

اتخذت فصول الكتاب العناوين الآتية:

الفصل الأول: الفلسفة المتحاورة la philosophie dialoguée

الفصل الثاني: العقلانية المعلِّمة والعقلانية المعلَّمة le rationalisme enseignant et le rationalisme enseigné

الفصل الثالث: العقلانية والتعاقبية اتحاد عمال البرهانrationalisme et corrationalisme, l’union des travailleurs de la preuve

الفصل الرابع: المراقبة الفكرية للنفس la surveillance intellectuelle de soi

الفصل الخامس: التماثل المتواصل l’indentité continuée

الفصل السادس: المعرفة العامية والمعرفة العلميةconnaissance commune et connaissance scientifique

الفصل السابع: العقلانية الإقليمية les rationalisme régionaux

الفصل الثامن: العقلانية الكهربائية les rationalisme électrique

الفصل التاسع: العقلانية الأوالية والإوالية le rationalisme mécanique et le mécanisme

الفصل العاشر: الكهرباء الضغطية ثنائية العقلانية الكهربائية والعقلانية الأواليةla piézo-électricité. Le dualisme du rationalisme électrique et du rationalisme mécanique

وضمنيا يمكن رد فصول هذا الكتاب إلى بعدين:

الأول، بعد نظري يتجلى في جدلية العقل والتجربة، وجدلية الرياضي والفيزيائي، ووضعية الذات العارفة التي تخترقها جدلية المعلم والتلميذ، ثم جدلية العائق والقطيعة وسؤال المنهج؛

الثاني، بعد تطبيقي يعرض فيه بعض الأقاليم العلمية للمحاججة على صلاحية العقلانية التطبيقية، بوصفها عقلانية منفتحة وإقليمية متخصصة.

وعليه، فإن بنية الكتاب على غرار العقلانية التطبيقية تتخللها الثنائية الجدلية بين النظري والتطبيقي.

أهمية الكتاب:

تكمن أهمية الكتاب في كون أن غاستون باشلار Gaston Bachelard يقدم فيه تصورا إبستمولوجيا جدليا يؤسس من خلاله حوار بين الاتجاه العقلي والاتجاه الواقعي، ومن ثمة تجاوز الفلسفات الكلاسيكية وما يتخللها من مفاهيم تقليدية وجامدة. فضلا عن ذلك تبيئة العقل مع المستجدات العلمية ليخلصه من حمولته الميتافيزيقية. وعليه، فإن الكتاب ينخرط بشكل عام في سياق المشروع الباشلاري، المتمثل في محاولة إرساء فلسفة النفي؛ فلسفة تنفي ذاتها باستمرار وفق ما يتماشى مع النتائج العلمية. ولما كان هذا الكتاب من صميم فلسفة العلوم، فإنه يلعب دورا مهما في ركب العقل العلمي ومعرفة آليات التفكير العلمي، ومن ثم ممارسة القطيعة مع كل نمط من التفكير لا زال يتخبط في الحدس البسيط والمعرفة العامة (la connaissance commune). إن حضور التفكير الخرافي والأسطوري اليوم بمختلف تجلياته في مجتمعاتنا، إنما يدل على غياب الثقافة العلمية وفلسفة العلوم.

على سبيل التمهيد:

انصب الوعي الإنساني منذ بدايته الأولى على الوجود الطبيعي المادي، بما في ذلك الوجود الإنساني بوصفه جزءا لا يتجزأ من الطبيعة، منطلقا من تساؤلات وجودية لم يتوفق في البداية في الإجابة عنها كما يجب، بقدر ما أنه أثث العالم بالآلهة، كتجلٍّ للعقل الأسطوري؛ وذلك لأن تلك التساؤلات كانت أكثر ثقلا على الفكر البشري من أن يجيب عنها بمدخلات حسية بسيطة، في غياب تام للمناهج الدقيقة والآلات التقنية والمختبرات العلمية. ترتب عن ذلك تفسيرات أسطورية ميتافيزيقية امتدت لقرون، بل لا زالت تخترق الوعي الجمعي لبعض المجتمعات إلى حدود اليوم.

ولما كان الفكر البشري في تشكل دائم، رغم ما يتجاذبه من نكوص وتقدم، تكوَّن بعد ذلك عقل فلسفي تخطى العقل الأسطوري إلى حد ما، وتطلع إلى بناء تصورات أكثر معقولية من التصورات الأسطورية السابقة عليه، حيث اعتمد على الخطابة والجدل والتأمل، وكذلك الاستدلال المنطقي والاستنتاج. لكن، هو كذلك لم يخل من التفسيرات الميتافيزيقية والأيديولوجية التي تمثل اللاعلم، جراء لغته الطبيعية ونمطه الشمولي في التفكير.

وعليه، فإذا كان الفكر الفلسفي يهتم بالمعرفة بشكل عام، وأمكن أن نتفق على أن بدايته الأولى كانت مع اليونان، فإن العلم ظل يدور في فلك الفلسفة؛ فأضحت العلاقة بينهما متداخلة، وإن كان يخترقها الالتباس في بعض الجوانب[1]، وليس من الغريب أن تعتبر "معرفة بعض العلوم الخاصة أحيانا شرطا ضروريا للفيلسوف في بحثه عن الحكمة والحقيقة."[2] استمرت هذه العلاقة إلى أن حدد العلم موضوعه ومنهجه الخاص به، ومنح لنفسه صفات الدقة والصدق والصرامة والموضوعية، فأصبح بذلك منفصلا عن الفلسفة. سمح هذا الانفصال بظهور اكتشافات علمية جديدة لم تقدر التصورات الفلسفية على استيعابها، وحتى إن تمكنت من استيعابها، فإن ذلك يكون لخدمة تماسك نسقها. لكن، في الغالب، الأنساق الفلسفية لا تصمد أمام العلم؛ لأنه يتكلم لغة النفي.

ومن ثمة، كلما ازدادت الاكتشافات العلمية ازداد اتساع الهوة القائمة بين الفلسفة والعلم[3]، ولا سبيل لردم هذه الهوة إلا بتشاكل العقل الفلسفي والعقل العلمي؛ أي الحاجة إلى فلسفة علمية. لذلك انخرط الفلاسفة في محاولة فهم طبيعة منطق العلم، من خلال دراسة مناهجه وأسسه وتقييم طرقه ونقد نتائجه[4]، ساهم ذلك في انبثاق فرع فلسفي جديد، ويتعلق الأمر بالإبستمولوجيا بوصفها خطابا حول المعرفة العلمية. من بين الإبستمولوجيين نجد الفرنسي غـاستون باشلار (1884-1962)، صاحب المشروع القائم أساسا على دعامة الثورة العلمية المعاصرة التي بدأت مع نهاية القرن التاسع عشر واستمرت خلال القرن العشرين؛ إذ يهدف من خلاله إلى نقد الفلسفات السابقة وتقريب الفلسفة والعلم من جديد، ولن يتم ذلك إلا ببناء تصور جديد لمفهوم العقل يكون نتاج للتصورات العلمية.

تعد الإبستمولوجيا الباشلارية نقدا وتجاوزا لنظرية المعرفة بمعناها الكلاسيكي[5]، التي يمكن اختزالها في تصور عقلاني يتبع منهجا استنباطيا، والآخر تجريبي يتبع منهجا استقرائيا، ومن ثمة تأسيس عقلانية مطبقة تتشرب مبادئها من المستجدات العلمية المعاصرة، الكهرباء، الكيمياء، الفيزياء. وهذا ما سنبينه من خلال مؤلف العقلانية التطبيقية الذي هو موضوع دراستنا من خلال الإجابة عن التساؤلات الإشكالية الآتية:

ما شرط إمكان المعرفة العلمية؟ لم لا يمكن ركب العقلانية العلمية إلا في خضم العقلانية التطبيقية؟ إذا كانت العلاقة بين النظرية والتجربة علاقة جدلية، فما هي تطبيقاتها؟ هل يمكن الحديث عن عقل علمي مشترك بين العالِم والمُعلم والمتعلّم ومن ثمة إمكان توظيف المفاهيم الباشلارية في عملية التعليم؟ إذا كان العقل العلمي في وضعية تعلم دائمة، فأية علاقة توجد بين القديم والجديد، القطيعة أم الاتصال؟ وهل يصح الحديث عن عقلانية موحدة بدل عقلانيات جهوية في ظل تفرع التخصصات العلمية؟ وما الخصائص التي تميز العقلانية التطبيقية عن العقلانية الكلاسيكية؟ وهل ما زال للعقل مبادئ ثابتة؟

الفصل الأول: الفلسفة المتحاورة la philosophie dialoguée

إن الطبيعيات المعاصرة تشتغل وفق حوار جدلي، يستند من جهة على المختبر والأدوات التقنية، ومن جهة أخرى على الرياضيات التي تشكل وتعقلن التجربة. وبالتالي، ينبغي على المختبر أن يوجه نظره حول البناء الرياضي الذي يتميز بالتناسق كي يتجاوز التفسيرات الذاتية، ويجب على المنظر الاستعلام بظروف الاختبار كي لا يظل في حيز التجريد[6]، حيث إن الحوار القائم بين كل من الرياضيات والتجربة حوار مستمر، ففي حالة ما إذا خرج التجريبي بمعطيات جديدة حول ظاهرة معينة، سيتلقى العقلاني هذه المعطيات لاحتوائها في نظريته، مما يزيد من قدرتها على استيعاب الظاهرة الجديدة، وهذا الاستيعاب الآتي من طرف النظرية يكون بمثابة النقطة الإيجابية بالنسبة للتجريبي؛ لأنه كلما أتى بتبليغ جديد وتضمنته النظرية بوصفها نظام فحص اختباري سيكتسب التجريبي ضمانة الموضوعية[7].

وعليه، يمكن القول إن العلوم الطبيعية تتطلب بالضرورة حوارا مزدوجا، من أجل تحقيق الواقع العلمي الذي ينص على الاتصال الجدلي بين الواقع والعقل، بحيث تكون البراهين العقلية في تماس مع الخبرة أو الواقع المبني، "لا عقلية في الفراغ، ولا تجريبية مفككة: هاتان هما الفريضتان اللتان ترتكز إليهما الجميعة الحميمية والدقيقة بين النظرية والتجربة في الطبيعيات المعاصرة."[8]

تقوم العقلانية التطبيقية على يقين ثنائي، تجريبي وعقلاني، بما يفيد تجاوز الأحادية التي كانت تسبح فيها الفلسفة، حيث نجد أن تاريخ نظرية المعرفة الكلاسيكية هو تاريخ صراع بين العقلانية والتجريبية، ولذلك لا مكان للصراع القائم بين ثنائية الفلاسفة القدماء في العلم المعاصر، "فما عاد المقصود المقابلة بين عقل متوحد وكون لا مبال، بل ينبغي بعد الآن الوقوف في المحور حيث يتحدد العقل بالموضوع المعين لمعرفته."[9]

إذن، فالعقلانية الباشلارية متميزة عن العقلانية الكلاسيكية، ويكمن ذلك في كونها عقلانية علمية مطبقة، حيث إن هذا التطبيق يدفع بها نحو تجاوز العقلانية الشكلية المجردة، إلى عقلانية دقيقة منفتحة على الواقع[10]. ومن أجل إبراز المكانة المحورية للعقلانية التطبيقية، باعتبارها الموقع الذي تتقاطع فيه فلسفات المعرفة سنعتمد على الرسم الآتي:

المـثلانــيــة

Ý

الصلحانية

Ý

الشـكلانيـة

Ý

العقلانية التطبيقية والمادية التقنية.[11]

ß

الوضعانية

ß

التجريبية

ß

الوقعانيــة

يوضح باشلار من خلال هذا الرسم أن الشكلانية، أي صورية الرياضيات المشتقة من العقلانية، عاجزة عن استنفاد كامل العقل القياسي. أما النزعة الصلحانية، فإنها نزعة تعسفية حولت العلم إلى اتفاق ومواضعة، الشيء الذي يجعلها تلامس المثلانية التي ما عاد لها مكان في العلوم المعاصرة[12]. أما المثلانية، فإنها غارقة في الأحادية[13]، ومن ثمة لا إمكانية لأي تواصل بينها وبين والوقعانية. وزيادة على ذلك، فإن ثنائية الصلحانية-التجريبية، من الممكن أن تقام توافقات بين هذين القطبين إلا أن لحوارهما جاذبية شكية مزدوجة. في حين أن ثنائية الشكلانية-الوضعانية، فإن حوارهما قد يوضح الكثير من المشكلات الإبستمولوجية المتعلقة بالعلوم الطبيعية، خصوصا وأن للشكلانية استقلالية منطقية دون أن تتوفر على يقين العقلانية[14].

وعليه، فإن العقلانية التطبيقية تقيم علاقة جدلية مع هذه الفلسفات، من أجل الحفاظ على موقعها المحوري، الشيء الذي يؤدي إلى اختفاء النزاع القائم بين العقل والتجربة؛ إذ يصبح أحدهما مكملا للآخر تماشيا وواقع العلم. ومن ثمة، تتجاوز العقلانية التطبيقية العقلانية الساذجة لأنها عقلانية مطبقة، وتتجاوز المادية التقنية الوقعانية الساذجة؛ لأنها متطابقة مع واقع محوَّل ومصوّب أخذ نصيبه من العقلانية، "تتكاثر جدليات التعليل والتركيب والتشذيب والبناء والانتقاء والتحقيق. إنه علما مصوبا باستمرار في مبادئه ومواده، لا يستطيع تلقي تسمية فلسفة موحدة وهو جدلي ليس فقط في دقة مناهجه، بل أيضا في المثال المزدوج لترابطه النظري ودقته الاختبارية."[15]

وبالتالي، فإن للعقل ميزتان، ميزة عقلانية، وميزة واقعية، حيث يحتكم العقل والموضوع إلى جدلية تعاون، هناك تنظيم عقلي للتجربة، واستعداد عقلي لإعادة النظر في مبادئه السابقة، فلن يظل العقل منغلقا على ذاته، بل منفتحا على العلم. ومن هنا تكون الإبستمولوجية الباشلارية تابعة لحركية العلم، مما يجعلها قابلة للتجديد والتصويب باستمرار وفق ما يفرضه الواقع العلمي[16].

الفصل الثاني: العقلانية المعلِّمة والعقلانية المعلَّمة le rationalisme enseignant et le rationalisme enseigné

من المعلوم أن غاستون باشلار كان مدرسا، بل كان يعتبر نفسه أستاذا أكثر منه فيلسوفا، لذلك أقام تواصلا بين المفاهيم الإبستمولوجية والجانب التربوي، معتبرا أن تعليم الأفكار قياس لمتانتها، وممارسة التعليم هو طريقة للتعلم في الوقت نفسه، مادام لا يوجد انفصال بين فعل التعليم والشعور بالمعرفة الذي يسمح بتأمين موضوعية المعرفة أثناء اللحظة التي تكون فيها العقلانية المعلِّمة مطالبة بمطابقة العقل العلمي مع العقل المتعلِّم[17].

فالعملية التعليمية التي يقوم بها المعلم من جهة، والعلم من جهة أخرى، هي نتاج لعقلانية ثنائية الطرف يسميها باشلار بالبينعقلانية interrationalisme))؛ أي بين عقلانية معلِّمة تشير إلى الأستاذ والعلم، وعقلانية متعلِّمة تشير إلى التلميذ والعقل العلمي، حيث إن هذه الثنائيات البينعقلانية جدلية ودائمة التشكل. ويمكن القول إن العملية التعليمية يجب أن تسير وفق جدليات قائمة على مسائل متعارضة تشكل إزعاجا لعقلية التلميذ، مما يسمح باستثارة الحوار بين الطرفين، يكون دور المعلم في هذا الحوار هو تخليص التلميذ من القناعات السريعة والمباشرة؛ وذلك بتوجيهه نحو الصراع القائم بين الصورة المألوفة التي يرى بها العالم والعالم الحقيقي كما يجب أن يراه[18]، "يبرز المعلِّم كنافٍ للمظاهر، كمكبح لقناعات سريعة. عليه أن يجعل غير مباشر ما يعطيه الإدراك مباشرة. بصورة أكثر عمومية، عليه إلزام التلميذ في صراع الفكر والوقائع، يجعله يلاحظ جيدا عدم التكيف بين الفكرة والواقعة."[19] وعليه، يجب على المعلم أن يخلص التلميذ من العقبات المعرفية مما يجعله على دراية بها، وبالتالي ممارسة القطيعة معها.

تعتبر المدرسة النموذج الأعلى للحياة الاجتماعية، حيث يتخلص التلميذ من التصورات المعتادة، والحاضرة العلمية يحكمها نشاط تربوي مستمر؛ ذلك أن الإنسان المتفرغ للثقافة العلمية سيكون تلميذا أبديا، "لا تنفك الثقافة العلمية أن تضع العالِم الحقيقي في وضع التلميذ."[20] وعلى هذا الأساس، على كل مهتم بالعلم أن يظل على استعداد دائم لتقبل المستجدات العلمية، حتى لو كانت تتعارض مع التصورات السابقة. بما يفيد أن الطبيعة التربوية للعقل تقوم أساسا على حوار جدلي؛ إذ يكون العقل معلما وتلميذا في الآن نفسه.

وبما أن العلم يسير وفق قاعدة الكشف، يجب على العقل أن ينضبط لهذه القاعدة؛ لأنها أساس النشاط العلمي، كما أن الفعل التعليمي في نظر باشلار لا يجب أن يكون قائما على إسقاط المعارف مباشرة بدون جهد تفكيري، حيث إنه بالمشكلات تتعمق المعرفة، والحياة من دون مشكلات إنما هي حياة بدون فكر[21]. إن جدلية الهدم والبناء يجب أن تكون في صلب علاقة المعلم بتلميذه، والتعليم العلمي هو تعليم الأسباب وليس النتائج، فإذا لم تقدم للتلميذ الأسباب، سيدمج النتيجة مع تصوراته المألوفة[22].

إن غاية التعليم تتحقق في الفهم الصحيح للتلميذ، بما يفيد قياس الذكاء لا الذاكرة. ومن هنا يمكن القول إن فشل بعض المنظومات التعليمة، يرجع إلى هذا الأساس؛ لأنها تقيس الذاكرة أكثر مما تقيس الذكاء، أو لنقل إنها تعلم النتائج العلمية دون الأسباب التي أدت إليها.

فثنائية المعلم والتلميذ في حقيقة أمرها تروم نحو الكشف عن الخطأ من أجل تصحيحه؛ لأن المعرفة في نظر باشلار ما هي إلا أخطاء مصححة[23]، وهذا ما يسمح ببناء عقلية علمية مسايرة لتطورات العلم، باعتبار هذا الأخير مدرسة تجمع كل من المعلم والتلميذ ثم العقلاني والتجريبي. ومن هنا يتضح المبرر الذي جعل باشلار يسقط مفاهيمه الإبستمولوجية من قبيل الخطأ، العائق، القطيعة، الجدل، على الجانب التربوي.

الفصل الثالث: العقلانية والتعاقبية اتحاد عمال البرهانrationalisme et corrationalisme, l’union des travailleurs de la preuve

استئنافا لما سبق، فإن الفلسفة الباشلارية فلسفة عقلانية متأخرة متميزة عن العقلانيات السابقة، فهي عقلانية مطورة، وما يؤكد ذلك هو أن تاريخ الفكر يقوم أساسا على الانتقال من عقل إلى آخر أفضل من سابقه[24]، ومن تمظهرات ثورية العلم أن هذا الأخير عندما يتكوَّن من جديد يتخلى عن تاريخه، "العلم ما أن يتكون حتى لا يعود يحتمل أي تراجع."[25] ويتطور لأنه جدلي، وبناء على ذلك ففي قلب العقلانية التطبيقية سنجد حضور الازدواجية في تأسيس المفاهيم، حيث إن كل أفهوم يجب أن يمتلك برهانا مزدوجا من جهتين فلسفيتين؛ أي من حيث تطبيقه التقني وانتمائه النظري[26].

ومنه، فإن الفلسفة التجريبية باعتبارها فلسفة أحادية محضة غير قادرة على مواكبة تطورات العلم؛ لأن الفيزياء المعاصرة نتاج لإعداد عقلي وتجريبية تقنية؛ بما يفيد تدخل الآلة في العلم. ولبناء إبستمولوجية مكتملة لابد من المشاركة في تعددية فلسفية[27]، وبما أن الفكر العلمي هو دائما في إعادة التنظيم والابتكار، فيجب على الأفهوم أن يظل خاضعا للجدلية في علاقته بالفكر العلمي، وليؤكد باشلار على ذلك يقدم مثال امتداد أفهوم التوازي في الهندسات الحديثة[28].

إن الأفاهيم العلمية لا تنبني على المعطيات الأولى، بل بالكشف عن القوانين المستترة، هكذا يكون الاكتشاف طريقة فاعلة ومحركة للفكر العلمي، "فتكفي الإشارة إلى عمل توسيع الأفاهيم... بفعل تفكير أساسي ماضٍ باستمرار في نقد المعطيات الأولى... ما من علم إلا لما هو مستتر."[29] ذلك أن الفكر العلمي دائم التنظيم، وكل ما هو منظَّم قد يصبح متجاوزا، ويتجلى هذا التنظيم المستمر في تطور الكيمياء المعاصرة حيث ما عاد شيء معطى بل كل شيء مبني[30]، مما يعني أن الفكر القياسي فكر مفتكر، فكر قائم على فعل البناء والاختراع، وكل تجربة جديدة على المستوى العلمي، يجب أن يوازيها صدى على مستوى العقل الفلسفي، "إن الحياة المهنية بكاملها عند بعض فلاسفة اليوم، هي مدافعة مواصَلة. أما الثقافة العلمية فتطالب بمزيد من التضحيات".[31] فعندما يحدث تغير بيّن في الثقافة العلمية من حيث المناهج والمواضيع، يجب التخلص من ذلك الثبات الفلسفي، فالثقافة العلمية يجب أن تكون أحداثها لا تنفصل عن أحداث العقل، بمعنى أن كل تغير في العلم يجب أن يلحقه تغير آخر على مستوى المبادئ العقلية[32]، ففي القرن العشرين كانت نظرية النسبية والميكانيكا الكمية والتموجية تجلٍّ من تجليات العقل، وفي نفس الوقت كانت بمثابة ثورات عليه، حيث دفعته إلى مراجعة مبادئه[33].

وبالتالي، إذا تم إيجاد مؤشر على اللاتناسق بين الفكر الفلسفي والفكر العلمي، يتطلب الأمر فحصا معمقا في حالة ما أردنا تحصيل فلسفة علمية، حيث يجب التسلح بالشكوك التي تدفع العقلانية إلى تطوير ذاتها بفعل الجدل القائم بينها وبين العلم[34]، ومن ثمة ضرورة استبدال تاريخ الثقافة، بالاكتشافات العلمية الجديدة[35].

لقد حاولت بعض الفلسفات تأسيس العلوم، منها فلسفة الذات لديكارت؛ أي تحديد ما يجب أن يكون عليه العلم بصورة مطلقة، إلا أن هذا النوع من الفلسفات يعد مرفوضا بالنسبة إلى باشلار وجورج كونغيلامGeorges Canguilhem، بل ومحكوما عليه بالفشل، فتدخل الفلسفة لا يجب أن يكون لا متقدما على العلم، ولا متأخرا، بل معاصرا ومواكبا له. من هذا الجانب بالذات يمكن الحديث مع باشلار عن نزعة "لا كانطية"، جراء تجاوز مفهومي الجوهر والمقولة الخاصين بفلسفة كانط بفضل الكيمياء المعاصرة، والحديث أيضا عن نزعة "لا ديكارتية" تقف ضد التبسيط ومطلقية المنهج[36].

إن الفكر العلمي يتأسس على البرهان باعتباره طريقة في التفكير لا تختلف حولها العقول؛ بمعنى أن الانطلاق من نفس المشكلة باستعمال الآلية البرهانية يؤدي إلى نفس النتائج، وبالتالي فالبرهان يمكننا من الاجتماع حول حقيقة معينة بما يفيد اتحاد العقول -عمال البرهان- فيما بينها شريطة أن نطرح بوضوح نفس المشكلة[37]. ومن هنا، فإذا كان البرهان يروم نحو اتحاد العقول، فهل المنهج العلمي يتحدد بشكل مسبق عن الموضوع أم إنه يتحدد تبعا لما تفرضه الظاهرة العلمية؟

الفصل الرابع: المراقبة الفكرية للنفسla surveillance intellectuelle de soi

عند الرجوع لمشروع فرويد في التحليل النفسي، نجده يجعل من المُراقِب يعلب دور العقاب، مما يقود الفرد إلى الانضباط لضمير أخلاقي وتأديبي في جوهره، معزز بقوى اجتماعية[38]. إن فرويد يجسد مفهوم المراقبة فيما سماه الأنا الأعلى الذي يظهر فينا كمجموعة من الأشخاص الحاكمين علينا، وبالتالي فالأنا الأعلى يجسد المجتمع وضوابطه في نظر فرويد. لكن، باشلار يضع مكان الأنا الأعلى الفرويدي، أنا أعلى آخر مترابط يشكل الثقافة الفكرية؛ إذ يكون منفصلا عن الروابط الاجتماعية العامة؛ بمعنى أنه متخصص في الثقافة العلمية، وبالرغم من أننا نتخذه حكَماً فينبغي أن نحكُم عليه.[39]

وعليه، فإن المقصود بالتحليل النفسي للمعرفة الموضوعية هو عملية تنقية وتطهير للذات. إنه بمعنى أدق مراقبة للذات من قبل الذات نفسها، الغاية منها التخلص من العوائق[40]. فالمراقبة عند باشلار تدفع العلم نحو التقدم؛ بمعنى أنها هي التي تسمح بتقدم الثقافة العلمية، حيث تلعب دور المراقب والمحفز في نفس الوقت[41].

فالمراقبة بشكلها البسيط هي مراقبة موجهة نحو موضوع معين، فهي إذا وعي من قبل ذات لها موضوع، إلا أن باشلار يتحدث عن أنواع من المراقبة، منها مراقبة المراقبة التي يرمز لها بالرمز الأسي (المراقبة)2 التي نراها مع ديكارت في مقال عن المنهج، حيث يكون الفكر قد وجد منهجا محددا يوجهه[42]. وإذا كانت المراقبة هي وعي من قبل ذات لها موضوع، فإن (المراقبة)2 تراعي تطبيق منهجا معينا بشكل جيد. أما النوع الآخر من المراقبة هو مراقبة لمراقبة المراقبة التي يعطيها الرمز الأسي (المراقبة)3، التي لا تراقب تطبيق المنهج وحسب، بل تذهب إلى مساءلة المنهج نفسه، بمعنى أنها تشكك في مطلقية المنهج وتجعله مجرد وقت من أوقات التطورات المنهجية، وبالتالي تجعل من قواعد العقل هي نفسها عقبات يتوجب مخالفتها [43].

فليس هناك منهج سابق، بل كل موضوع يفرض منهجا محددا وفق ما يتماشى مع التطورات العلمية، بخلاف الفلسفات الوثوقية التي تجعل من أحد المناهج قاعدة مطلقة لا تقبل التشكيك. إن العوائق دائمة التشكل، بقدر ما أن العلم دائم التقدم، وبالرغم من أن التحليل النفسي للمعرفة الموضوعية يشكل دور المراقب لهذه العقبات، إلا أنه لا يقضي عليها بشكل نهائي، بل إنها تظهر من جديد، ومن ثم لا بد من التسلح المستمر ضد هذه العقبات أو العوائق المعرفية[44].

الفصل الخامس: التماثل المتواصلl’indentité continuée

إن غاية العقلانية المطبقة هي التحرر من سجن المبادئ الثابتة؛ لأنها ليست اختزالية، بل استقرائية تهدف إلى تعميم نظرياتها. إنها تمثل فكرا إنتاجيا مستمرا ومتطورا، ومن بين تجليات إنتاجية الفكر المستمرة، نجد اتساع نظرية فيثاغورس مع درس من دروس جورج بوليغان George Bouligand، ويتعلق الأمر بقاعدة المثلث المتساوي الساقين والقائم الزاوية، التي تقر بأن المربع المقام على وتر المثلث يساوي مجموع المربعين المقامين على الضلعين الآخرين. ويعني ذلك أن مبرهنة فيثاغورس ما هي إلا حالة خاصة من بين حالات أخرى، يمكن إدخالها في قانون عام، هذا ما قام به جورج بوليغان، حيث حقق العلة العميقة لنظرية فيثاغورس[45].

ويتمثل تعميم النظرية واتساعها فيما يلي:

كل شكل منتظم ذا العددn من الأضلاع المبنية على وتر المثلث القائم الزاوية يساوي مجموع الشكلين اللذين يشتملان على العدد n من الأضلاع، والمبنيين على الضلعين الآخرين من المثلث القائم الزاوية. ومن هنا نجد أن نظرية فيثاغورس اتسعت أكثر، فأصبحت مع برهان بوليغان تنطبق على كل الأشكال المنتظمة وليس المربع فقط، واختزالها في هذا الأخير، إنما هو تقزيم لقيمتها[46]. ولذلك، فإن نظرية فيثاغورس أصبحت ثانوية؛ لأنها لا تقيم تفسيرا كليا مثل ما قام به جورج بوليغان، لكن رغم ذلك تبقى مهمة من أجل فهم واستيعاب إنتاجية الفكر، وما عرض باشلار لهذا الدرس إلا من أجل إبراز منهج العقلانية البرهاني والفاعل والمنتج[47].

الفصل السادس: المعرفة العامية والمعرفة العلميةconnaissance commune et connaissance scientifique

ينتقل بنا باشلار نحو توضيح طبيعة حركية العلم، بمعنى فيما إذا كانت تقوم على الاتصال، وبالتالي تراكمية أم القطائع ومن ثم تقدمية، عارضا نوعين من المعرفة وهما المعرفة العامية والمعرفة العلمية؛ إذ يشير إلى أن العلوم الطبيعية والكيميائية قطعت الصلة مع المعرفة العامية الساذجة. وبالرغم من أنها أحيانا لا تقطع الصلة مع القديم بشكل مطلق، على سبيل المثال: فمثلا الميكانيكا الكلاسيكية تبقى تشكل معرفة لا غنى عنها لفهم ودراسة الميكانيكا المعاصرة، (النسبية، الكمية، الموجية). لكن، على الإبستمولوجي أن يكون على دراية بالعلم الجديد، من أجل تعيين القيم الفلسفية الأساسية للعلم، لأن الاكتفاء بالميكانيكا المدرسية غير كافي لبلوغ هذا الهدف[48].

أصبح في المرحلة المعاصرة يتم الاستناد إلى التجربة التقنية لا إلى التجربة العامية، حيث يمكننا تعيين المرحلة المعاصرة في الوقت الذي أصبحت فيه المادة تتحدد بميزاتها الكهربائية، بما يفيد أن التحديدات غير المباشرة للواقع العلمي تضعنا أمام مملكة علمية جديدة، فأداة الميزان في علم أنطوان لافوازيهAntoine Lavoisier، رغم أنها دقيقة نوعا ما، فهي على صلة مستمرة بالجوانب المباشرة للتجربة العادية، إذا ما قورنت بمطياف معامل الكثافة، القائم أساسا على المجالات الكهربائية والمغناطيسية الذي قطع مع فكرة القياس العادية.[49]

لكن، رغم هذا لا بد من الوقوف عند المراحل السابقة وفهمها من أجل تحديد الشروط الإبستمولوجية للتقدم العلمي.[50] فالعلوم المعاصرة إذن أصبحت تتعاطى مع الظواهر بآليات وطرائق جديدة، مما يبين أن كل من الموضوع والذات يجددون بعضهم البعض باستمرار وفق ما يفرضه الواقع العلمي.

فإذا كان إميل مايرسون Emile Mayerson يرى في تاريخ الفكر الاستمرارية، معتبرا الفكر العلمي ما هو إلا استمرار للمعرفة العامة، فإن غاستون باشلار يقف ضد هذه الاستمرارية بموقفه المتمثل في عدم وجود أي اتصال أو استمرار بين القديم والجديد؛ [51] لأن تاريخ العلم تحكمه جدلية قائمة بين العوائق التي تشكل التعطل والنكوص من جهة، والقطيعة التي تشكل الانتقال الكيفي في تطور العلوم، بما يفيد أن القفزات الثورية للعلم، تقوم بفعل هذا الديالكتيك القائم بين كل من العائق والقطيعة[52].

فمن خلال الحبابة الكهربائية ذات السلك المتوهج التي قطعت الصلة مع الإنارة القائمة على الاحتراق بواسطة مادة تكون مغذية لهذا الأخير؛ أي الاحتراق. ويتجلى دور التقنية في تحصيل أهداف سامية للجماعة الإنسانية. فمع توماس إديسون Thomas Edison الإنارة شيء مركب، وليس نتاج لمواد محترقة، بما يفيد أننا أمام تقنية لا احتراقية[53]؛ لأن المصباح الكهربائي ليست له أي صلة أو صفة مشتركة مع المصباح العادي.

تظهر قيمة العقلانية التطبيقية، في النظر إلى المصباح باعتباره موضوعا فلسفيا مزدوجا، فهو من جهة قانون جبري (W = R I² t)، ومن جهة أخرى فهو قانون مطبق في أدوات مادية مجمعة، حيث إن الإنارة تلازم قائما بين قواعد عقلية وأدوات مادية، ومن هنا تنطبق العقلانية على المادة لتشكل المادية التقنية. ومن ثمة، فإن المعرفة العلمية تبنت القطيعة مع المعرفة العامية المباشرة، فإذا كانت هذه الأخيرة تتعامل مع الواقع باعتباره معطى فتختزله في الحواس، فإن المعرفة العلمية تتجاوز المعطى إلى الافتكار والبناء.[54]

الفصل السابع: العقلانية الإقليمية les rationalisme régionaux

في ظل هذا التجاوز للمعرفة العامية، يمكننا الانتقال لإيضاح الميزة الكامنة في تجاوز العقلانية الباشلارية الإقليمية، للعقلانية الكلاسيكية ذات الطبيعة الكلية. وبما أن العلوم المعاصرة ليست علم واحد، فبطبيعة الحال عقلانية باشلار لن تكون كلية وموحدة، بل مجموعة من العقلانيات الخاصة يصطلح عليها باشلار "العقلانيات الإقليمية" (Les rationalismes régionaux)، باعتبارها عقلانيات ناتجة عن ميدان العلم، ومن ثمة فإنها تقف ضد التقليد الفلسفي الشمولي.

إن العقلانية التطبيقية، عقلانية فاعلة تتجاوز العقلانية الأفلاطونية التي تسقط الأفكار على الأشياء، كما أنها تتعارض مع الفلسفة التجريبية التي تجعل من الفكرة مجرد ملخص للتجربة دون أي إعداد قبلي وعقلي؛ ذلك أن العقلانية الباشلارية عقلانية مصححة، فإذا نظرنا إلى تاريخ العلم بعين حاضره سنكتشف حركيتها الثورية، فهي تملك مشروعية الحكم على ما تم الحكم عليه من قبل؛ لأنها قادرة على تأسيس توجه جديد. وبما أن ممارسة العلم قائمة على كل من الرؤية والقصد والمراجعة، والعقلانية نفسها تمتاز بهذه الصفات، فإنها تؤسس هي كذلك علميتها بفعل مراجعتها وقصدها المكرر[55].

يدعو باشلار إلى تأسيس إبستمولوجيات إقليمية أو جهوية بتعبير ميشيل سير، تفصل بين التخصصات، حيث تنصب كل واحدة على إقليم علمي محدد، وبعد أن تدرس جميع التخصصات جيدا، يمكن آنذاك تأسيس عقلانية جدلية ذات روح عامة تنظر للأقاليم المختلفة كبنيات[56]. "وفي الوقت ذاته يعترف باشلار بأن العقلانية الجهوية تحوز قوة تكامل معينة: في كل عقلانية توجد بذرة العقلانية العامة."[57]

فالتخصصات الإقليمية لها مبرراتها في نظر باشلار، فهي لا تفيد علميا وحسب بمعنى فهم تشعب المعرفة العلمية المعاصرة، بل تفيد فلسفيا كذلك؛ لأنه ليس من الممكن إقامة عقلانية عامة قادرة أن تعكس جميع الميادين العلمية.

ومنه، فإن هذه المقاربة تمارس الهدم للعقلانية الكلاسيكية بواسطة النقد، وبعدها تمارس البناء عبر تقديم البديل المتجلي في التخصص الإبستمولوجي الذي يروم نحو تعميق الفكر وزيادة دقته، "فما أن ينظر إلى العلم عن شيء من القرب، حتى تزداد وظائفه الفلسفية... ودور فلسفة العلوم هو إحصاء هذا التنوع، وإظهار مدى الثقافة التي بإمكان الفلاسفة أن يجنوها إذا أرادوا التأمل في الفكر العلمي المعاصر."[58] وبالتالي، فدور الإبستمولوجيات الإقليمية هو سبر أغوار العلم المعاصر، بالوقوف عند تفرعاته من أجل إغناء الحقل الفلسفي، ثم الخروج من العقلانية الموحدة والكلية إلى العقلانيات الإقليمية المسايرة لتخصصات العلم.

الفصل الثامن: العقلانية الكهربائية les rationalisme électrique

من بين العقلانيات الإقليمية، نجد إقليم الكهرباء باعتباره فرعا او ميدانا من ميادين العلم، حيث إنه ليس نسقا منطقيا معزولا عن الواقع، بل يعبر عن الجدلية القائمة بين العقلي والواقعي، بما يفيد أن هذا الإقليم الكهربائي هو كذلك قائم على العقلانية المطبقة كتركيب نظري واختباري[59].

لكن، لا بد من الإشارة إلى أن تاريخ علم الكهرباء لم يكن يتصف بالمعقولية؛ لأن الظاهرة الكهربائية كانت تفتقد القيمة التنظيمية، مما فسح المجال لتسرب عدة تفسيرات مغلوطة بفعل غياب الانتباه وكذلك غياب التزويج بين العقل والتجربة الذي نسميه العقلانية التطبيقية[60]. فضلا عن ذلك، فإن علماء القرن الثامن عشر دخلوا في إكثار التجارب على البدن الإنساني، حيث كانوا يجعلون من ذوات الإنسان مقاييس للتجريب والإحساس بالتكهرب، وهي مقاييس تعاني من نقصٍ في الموضوعية[61]، إن في ذلك تجلٍ الساذجة المباشرة، باعتبارها عائق يعبر به باشلار في هذا الصدد عن التعطل والنكوص الذي أصاب الكهرباء والعلم عموما في القرن الثامن عشر[62].

فالمعرفة المباشرة إذن لا تعطي أي نتائج صائبة في العلم، بالقدر الذي تكون عائقا أمام تطوره، "ويغدو مفهوم ما علميا بمقدار ما يصبح تقنيا، وبقدر ما يترافق بتقنية تطبيقية[63]" وعليه، فإن العلم الكهربائي اليوم تخلص من التجربة المباشرة وتشبث بالاستدلالية التجريبية التي تسمح بتكوين مفاهيم علمية تترجم الواقعة الكهربائية بدقة. والمفهوم العلمي هنا لا يكون مجرد ملخص مأخوذ من التجربة، بل انبثاق حقيقي للمعرفة، ينبغي تخليصه من الأشكال الأولية الغامضة، ويتم ذلك بنقله إلى معادلات جبرية، مع ضرورة ضمه إلى هيئة أفاهيم معينة مما يسمح بتوليد العلاقات الجدلية بينهما[64].

في هذا الموقع المفاهيمي يطرح باشلار أفهوم المكثف (condensateur) الكهربائي الذي ظهر أول مرة مع زجاجة ليد(Bouteille de leyde) عام 1745؛ إذ تعد من الأسلاف الأولى لما نعرفه اليوم بالمكثفات، وذلك من أجل إظهار التوسيع المفاهيمي الذي انتقل من زجاجة Lyde إلى المكثفات القوية ذات الحجم الصغير والتكثيف القوي[65].

يبين لنا باشلار من جهة، أولى تطور المفهوم وقطيعته مع ظهوره الأول المتمثل في الزجاجة، ومن جهة ثانية يبين لنا مدى ارتباط المجال الكهربائي بالصيغ الجبرية والمادية التجريبية. فالمكثف الذي ينطلق من هذه القاعدة: : يبين لنا أنه في قلب العامل يظهر الجدال القائم بين التجريبية والعقلانية، باعتبار أن العامل عنصر تجريبي، يمثل المادة المستعملة في المكثف، وهذا دليل آخر على سمة العقلانية المطبقة المتجلية في دمج الظواهر الجبرية والتجريبية، مما يتولد عنه حالات الوصل بين العقلانية والتقنية أي التكثيف الكهربائي، في ضوء القاعدة الجبرية[66]. إن اللغة الجبرية ليست تجريدية وحسب، بل إنها تضم العامل الحسي كذلك، وفي هذا الجدل بين العقلي والمحسوس حضور آخر للعقلانية التطبيقية[67].

الفصل التاسع: العقلانية الأوالية والإوالية le rationalisme mécanique et le mécanisme

تحدثنا سابقا عن دور الرياضيات في الإقليم الكهربائي، الآن سننتقل لإظهار الفرق بين تفسير الظواهر بالميكانيكا (Mécanique) والتفسير بالآلية (Mécanisme)، سنكون أمام العقلانية التطبيقية مرة أخرى؛ وذلك من خلال إبراز امتياز الميكانيكا العقلانية في تفسير الظواهر، حيث يجب أن يكون هذا الامتياز حسب باشلار مصدر اهتمام الفلاسفة؛ لأنه من أراد مواكبة العلوم المعاصرة عليه الوقوف عند الميكانيكا المعاصرة، وليس الإدراك والتفسير بالآلية القائم على حدس الحياة المشتركة[68].

وفي إطار تتبع حركية العلم، فلا يجب الركون إلى تاريخ هذا الأخير، بل إلى حاضره، وعلى هذا الأساس يشدد باشلار على الميكانيكا المعاصرة، باعتبارها تمثل محتوى إخباري أكبر من المحتوى الإخباري الذي تمثله الميكانيكا الكلاسيكية، حيث عرفت الميكانيكا في القرن العشرين قدرات نظرية مدهشة، وذلك بفضل ظهور مذاهب جديدة، حيث أصبح العلم هنا منفصلا عن الظواهر المباشرة، وهذه المذاهب الجديدة ظهرت مع كل من ألبرت أينشتاينAlbert Einstein، ماكس بلانكMax planck، ونيلز بورNiels bohr، لويس دي برولي Louis de Broglie، إرفين شرودنغرErwin schrodinger، بول ديراك Paul dirac، فيرنر هايزنبيرغWerner Heisenberg، ومن ثمة يجب أن يؤدي هذا التنوع إلى مراجعة المبادئ العقلية، وبالتالي تجديدها في ضوء مستجدات الميكانيكا المعاصرة، خصوصا الفلسفات التي أقامت تصوراتها على النتائج العلمية للقرن التاسع عشر[69].

تتميز فيزياء القرن العشرين بتنظيم التجربة في سياق متلازم مع الأفاهيم المجردة، ولما كنا أمام الكثير من التقسيمات، فإنه المتعذر قيام عقلانية شاملة، بل ينبغي تعيين كل إقليم وفق تطبيقه العلمي، وبالرغم من تعدد التطبيقات، فيمكننا الاقتصار على التقسيم الآتي لإيضاح مدى تطبيقات العقلانية العلمية[70]:

  • فالنسبية تقسم تطبيق الميكانيكا إلى منطقتين:

- ميكانيكا السرعات المنخفضة (مدرسية) وميكانيكا السرعات الكبرى (النسبية).

  • أما ميكانيكا الكم نجد أنفسنا أمام تقسيم جديد:

-        الميكانيكا المستمرة (مدرسية) والميكانيكا المتقطعة (النسبية).

  • ثم الميكانيكا الموجية، نجد تجزئة جديدة:

-        الميكانيكا الجسيمية (مدرسية) والميكانيكا الموجية.

وعليه، فإن التعدد الحاصل في الميكانيكا يفرض بالضرورة تأسيس إبستمولوجيات متخصصة. زيادة على ذلك، فإن نظريات القرن العشرين، ليست امتداد للحس المشترك؛ لأنها تعترض معه في نواحٍ كثيرة، وبدلا من أن تكون امتداد فإنها تكسر المعتاد لذا الفكر المشترك. وفي خضم هذا يشير باشلار إلى عدم إمكانية تفسير السرعات الكبرى بواسطة ميكانيكا السرعات الصغرى، لكنه لا يعتبر فزياء نيوتن خاطئة بشكل مطلق، فهي تمتلك نوعا من الصحة التقريبية، ولا يمكن الطعن في كل ما جاءت به.

وبالتالي ففي الوقت الذي ندرك فيه منظومة الميكانيكا العامة يتوجب الاعتراف بأن الميكانيكا المدرسية هي فقط حالة خاصة منها، بما يفيد حضور التفسير الأوسع. فسرعة جسم مادي متحرك يجب أن تحسب ضمن شروط معينة، كسرعة مرتبطة بسرعة الضوء؛ إذ يتبين الربط بين المفهومين اللذين كانا يظهران منفصلين في الميكانيكا الأولى، ويتعلق الأمر بسرعة الضوء وسرعة المادة. فالعلم المعاصر إذن ينبني على نسيج مفاهيمي تجريدي يعكس ثقافة الرياضيات التي تدفعنا إلى تقدير الخبرة العلمية بدرجاتها المختلفة من التقريب[71].

إذن، الميكانيكا العقلانية تطرح ظواهرها بنوع من الافتكار في نطاق من التجريد الرياضي، الذي نجده يظهر على سبيل المثال في الاحتياطات المنهجية والحسابية التي يتم اتخادها قبل إطلاق مقذوفة ما[72]. إنها ميكانيكا جيدة التنظيم، تمارس القطيعة مع كل صورة قائمة على تجربة عامية، ومع كل آلية تنتمي إلى عهد القيم السيئة.

الفصل العاشر: الكهرباء الضغطية ثنائية العقلانية الكهرباية والعقلانية الأواليةla piézo-électricité, Le dualisme du rationalisme électrique et du rationalisme mécanique

رأينا الجدل بين النظرية والتجربة، والجدل الذي يخترق الذات العارفة بين قطبي التلميذ والمعلم، ثم الجدل بين العائق والقطيعة، ثم الجدل المتشكل في ميدان الكهرباء بين ما هو رياضي وما هو حسي، الآن سنمر الى تطبيق آخر من تطبيقات العقلانية العلمية، يبين الاتحاد الوثيق بين العقلانية والتقنية، ويتجلى ذلك في الكهرو-ضغطية (la piézo-électricité) المعبرة هي كذلك عن جدلية قائمة بين العقلانية الكهربائية والعقلانية الميكانيكية أو الإوالية حسب المترجم.

يعود ظهور الكهرباء الضغطية لأول مرة لعام 1817، عندما تم اكتشاف أن التبلر الكلسي يتكهرب بفعل الضغط، إلا أن إثبات القوانين المتعلقة بها لم يتم إلا في عام 1880 من طرف الإخوان جاك كوريJacques curie وبيار كوري Pierre curie بفضل خبرتهما في الكهرباء الحرارية (توليد الكهرباء عن طريق التسخين)، حيث توقعا أن يكون للضغط أيضا، تأثير لتوليد الكهرباء[73].

لقد تمت دراسة الكهرباء الحرارية من قبل هنري بيكريل Becquerel Henri ثم وضحها غوغان* Gaugain، حيث بين بساطة ظواهر الكهربائية الحرارية، كما أنه أصبح يمكن وضع قوانين الكهرباء الضغطية في قبالة قوانين الكهرباء الحرارية؛ وذلك بفعل إمكانية نسخ القوانين بعضها إلى بعض وفق الفرضية التي تقر بأن الظواهر الناتجة عن تغيرات الضغط أو تلك الناتجة عن تغيرات الحرارة ترجع إلى سبب واحد هو: إما تقلص البلور أو تمدده[74].

يمكننا تحديد الكهرباء الضغطية كما يلي: إذا ما ضغطنا صفيحة من الصوان (quartz)، بشكل موازٍ للمحور الكهربائي أي بصورة متعامدة مع سطح الصفيحة، فإن شحنة من الكهرباء الموجبة (+q) ستظهر على أحد السطحين، بينما تظهر الشحنة الأخرى السالبة (q-) على السطح الآخر من الجانب المواجه لاقتطاع البلورة.

أما إذا انتقلنا من ممارسة الضغط إلى ممارسة الجذب لتوسيع صفيحة الصوان (quartz)، ستظهر الشحنتين معاً، لكن هذه المرة ستظهر الشحنة الموجبة (q+) على الجانب المواجه لاقتطاع البلورة. من خلال هذين التجربتين يتضح أن الكهرباء الناتج عن قوة ميكانيكية، إما القوة النازعة إلى الضغط، أو القوة النازعة إلى الجذب، له تناظر الاتجاه[75].

بعد هذا أعلن غبريال ليبمانGabriel Lippmann عام 1881 استنادا إلى مبادئ الحركة الحرارية، وإلى مبدأ حفظ الطاقة الكامنة، أنه إذا ما تم تطوير على كل من السطحين شحنتين كهربائيتين متساويتين ومتعارضتين، فإن ذلك سيتسبب بانضغاط أو تمدد الصفيحة تبعا لاتجاه فارق الطاقة الكامنة بالنسبة إلى موقع التوجيهات[76]؛ مما ينتج انعكاسا كاملا للعلاقات الكهربائية والميكانيكية. إذ أصبح يمكن تحويل الطاقة الكهربائية إلى طاقة ميكانيكية، وكذلك تحويل الطاقة الميكانيكية إلى طاقة كهربائية، بفعل إدماج المعادلة الميكانيكية والمعادلة الكهربائية في منظومة واحدة[77].

فمن خلال الجدلية القائمة بين المعادلة الكهربائية والميكانيكية، تتكون منظومة الكهرو-ضغطية لتعبر عن اتحاد وثيق بين العقلانية والتقنية. فمن بين تطبيقات الكهرو-ضغطية، التقنية التي وضعها بول لانجوفانPaul langevin في الحرب العالمية الأولى من أجل كشف الغواصات؛ وذلك بحساب المسافة بين الذبذبات الفوق صوتية والغواصة، عن طريق تحديد الوقت منذ إرسال الإشارة واستقبالها، وفي عمل لانجوفان مثال حي عن التنظيم العقلي لتقنية معينة[78].

أصبح العقل العلمي مع ثورات القرن العشرين في غاية التعقيد والجدة، مما يستدعي استحضار النقاش الفلسفي لفهم القيم العلمية وإرساء فلسفة منفتحة[79].

على سبيل الختام، إن ما توصلنا إليه من خلال هذه القراء، هو أن مقاربة باشلار مقاربة مفتوحة على العلم، بما يفيد أن العلم يمتلك الأسبقية على الفلسفة، وبالتالي يجب عليها أن تتكيف مع كل تغير جديد، مما يؤدي إلى تشاكل العقل والعلم.

وكل تقدم علمي يجب أن يوازيه تغير على مستوى العقل، وبما أن هذا الأخير يشترك فيه كل من المعلم والتلميذ والعالِم والعقلاني والتجريبي، فيجوز ممارسة التعليم في ضوء المفاهيم الباشلارية، في إطار جدلية العائق والقطيعة، مادام أن العلم ما كان ليتقدم لولا قطيعته مع العوائق الإبستمولوجية.

فبموجب الثورة العلمية أسس غاستون باشلار العلاقة الجدلية بين النظرية والتجربة، التي تعبر عن تطبيق كل ما هو عقلاني وتنظير كل ما هو تجريبي، مستدلا بتطبيقات من ميادين العلم المتمثلة في العقلانية الكهربائية، والعقلانية الميكانيكية، ثم إقليم الكهرو-ضغطية.

وعلى هذا الأساس، تبنى مقاربة العقلانيات الإقليمية التي تهدف إلى الفهم المتخصص والدقيق لكل علم من العلوم، وبالتالي تجاوز العقلانية الكلاسيكية الكلية، باعتبارها غير قادرة على تغطية كل جهويات العلم، على أساس أن هذا الأخير ليس واحد، بل يضم في داخله تخصصات دقيقة تسعى نحو الدقة والصرامة.

فضلا عن ذلك، نجد حضور تصور جديد لمفهوم العقل، فإذا كان العقل في التصور الكلاسيكي يتحلى بمبادئ ثابتة، فمع باشلار ليس هناك شيء ثابت ما دام العلم ينفي ذاته باستمرار. وإذا كانت الفلسفة الكلاسيكية لا تأخذ من العلم إلا ما يخدم نسقها، فإنها مع الإبستمولوجيا الباشلارية تحررت من الأيديولوجيا، وأصبحت تشكك في مبادئها لتتطابق مع العلم، مما يحقق لها الاستمرارية والواقعية العلمية، لتصبح بذلك فلسفة منفتحة لا منغلقة، ذات منهج جدلي لا أحادي، يدمج المتعدد في الواحد.

 

قائمة المراجع والمصادر:

                    ¾        غاستون باشلار، العقلانية التطبيقية، ترجمة بسام الهاشم (لبنان: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1984).

                    ¾        بيير فاغنير، الفلاسفة والعلم، ترجمة يوسف تيبس، مراجعة الحبيب الحباشي (المنامة، مملكة البحرين: هيئة البحرين للثقافة والآثار، 2019).

                    ¾        توفيق بن ولهة، الجدل في فلسفة العلوم عند غاستون باشلار (المغرب: أفريقيا الشرق، 2015).

                    ¾        غاستون باشلار، تكوين العقل العلمي مساهمة في التحليل النفسي للمعرفة الموضوعية، ترجمة خليل أحمد خليل (لبنان: المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1982).

                    ¾        محمد الوقيدي، فلسفة المعرفة عند غاستون باشلار، الإبستمولوجيا الباشلارية وفعاليتها الإجرائية وحدودها الفلسفية (بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1980).

[1] بيير فاغنير، الفلاسفة والعلم، ترجمة يوسف تيبس، مراجعة الحبيب الحباشي (المنامة، مملكة البحرين: هيئة البحرين للثقافة والآثار، 2019) ص20

[2] بيير فاغنير، الفلاسفة والعلم، المصدر نفسه، ص18

[3] بيير فاغنير، الفلاسفة والعلم، المصدر نفسه، ص30

[4] توفيق بن ولهة، الجدل في فلسفة العلوم عند غاستون باشلار(المغرب: أفريقيا الشرق، 2015) ص5

[5] بيير فاغنير، الفلاسفة والعلم، مصدر سابق، ص 644

[6] غاستون باشلار، العقلانية التطبيقية، ترجمة بسام الهاشم (لبنان: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1984) ص 27

[7] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص ص 28-29

[8] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 31

[9] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 31

[10] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 32

[11] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 33

[12] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 34

[13] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 35

[14] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 38

[15] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 40

[16] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 41

[17] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 45

[18] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص ص 58-59

[19] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 59

[20] غاستون باشلار، المصدر نفسه ص 62

[21] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 68

[22] غاستون باشلار، تكوين العقل العلمي مساهمة في التحليل النفسي للمعرفة الموضوعية، ترجمة خليل أحمد خليل (لبنان: المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1982) ص187

[23] غاستون باشلار، العقلانية التطبيقية، مصدر سابق، ص72

[24] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 75

[25] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 76

[26] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 80

[27] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 83

[28] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 85

[29] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 86

[30] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 88

[31] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 95

[32] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 95

[33] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 97

[34] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 100

[35] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص ص 102-103

[36] بيير فاغنير، الفلاسفة والعلم، مصدر سابق، ص 642

[37] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 117

[38] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 135

[39] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 138

[40] بيير فاغنر، الفلاسفة والعلم، مصدر سابق، ص 645

[41] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص: 140

[42] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 149

[43] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص ص 151-152.

[44] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص ص 50-51

[45] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص ص 169-170

[46] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 175

[47] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 185

[48] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 187

[49] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 188

[50] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 190

[51] محمد الوقيدي، فلسفة المعرفة عند غاستون باشلار، الإبستمولوجيا الباشلارية وفعاليتها الإجرائية وحدودها الفلسفية (بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1980) ص 109

[52] محمد الوقيدي، المصدر نفسه، ص 130

[53] غاستون باشلار، العقلانية التطبيقية، مصدر سابق ص 192

[54] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 204

[55] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 223

[56] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص ص 236-237

[57] بيير فاغنير، الفلاسفة والعلم، مصدر سابق، ص 656

[58] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 240

[59] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 246

[60] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 248

[61] غاستون باشلار، تكوين العقل العلمي مساهمة في التحليل النفسي للمعرفة الموضوعية، مصدر سابق، ص 130

[62] غاستون باشلار، العقلانية التطبيقية، المصدر نفسه، ص 250

[63] غاستون باشلار، تكوين العقل العلمي مساهمة في التحليل النفسي للمعرفة الموضوعية، مصدر سابق، ص 52

[64] غاستون باشلار، العقلانية التطبيقية، المصدر نفسه، ص 259

[65] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 260

[66] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 266

[67] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص ص 292-293

[68] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 295

[69] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 297

[70] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص ص 298-299

[71] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص ص 300-301

[72] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 306

[73] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 332

*يتم ذكر هذا العالم في الوسط العلمي والإبستمولوجي بالاسم دون النسب.

[74] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 333

[75] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص ص 336-337

[76] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 338

[77] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 341

[78] غاستون باشلار، المصدر نفسه، ص 343

[79] غاستون باشلار المصدر نفسه، ص 355