قراءة في كتاب ميريام ريفو دالون: "هل يجب علينا تخليق السياسة؟"

فئة :  قراءات في كتب

قراءة في كتاب ميريام ريفو دالون: "هل يجب علينا تخليق السياسة؟"

قراءة في كتاب ميريام ريفو دالون:

"هل يجب علينا تخليق السياسة؟"[1]

ملخص

هذه الورقة قراءة في كتاب ميريام ريفو دالون: هل يجب علينا تخليق السياسة؟ الذي تحاول فيه طرح إشكالية العلاقة بين السياسة والأخلاق في الفلسفة السياسية الحديثة والمعاصرة، منطلقة من الظروف الفرنسية الراهنة -(آنذاك)-. تطرقت الفيلسوفة الفرنسية إلى عدة نقاط شديدة الأهمية، مثل: طبيعة الفعل السياسي وخصوصية ميدان السياسة داخل الشرط الحداثي؛ العلاقة بين الأخلاق والسياسة؛ معايير الفعل السياسي؛ مشكلة الشر في الفعل أو ما سمته "تراجيديا الفعل"؛ مكانة "الأزمة" في الفلسفة السياسية الحديثة، وغيرها من المواضيع التي توسعت في تحليل بعضها، وأوجزت في البعض الآخر لدرجة التلميح أحيانا، وكل هذا كان داخل مدى السؤال الذي اختارته عنوانا لمؤلفها: هل يجب علينا تخليق السياسة؟

تمهيد

أدى صعود حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف، لأول مرة منذ تأسيسه في النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية الفرنسية لسنة 2002 إلى ردود فعل عنيفة، سواء لدى المواطنين أو لدى النخبة السياسة، بعد إقصاء الوزير الأول آنذاك ليونيل جوسبان ممثل الحزب الاشتراكي بحلوله في المرتبة الثالثة خلف جاك شيراك وجون ماري لوبين، وإعلان انسحابه من الحياة السياسية بصفة نهائية.

كانت هذه الانتخابات بمثابة صدمة عنيفة؛ فمن جهة كان صعود اليمينيين وسقوط اليسار أمرًا غير متوقع، ومن جهة أخرى كان يتزايد داخل المجتمع الفرنسي تصور عام، بموجبه تكون السياسة بشكل عام وممارسوها بشكل خاص محط احتقار وتبخيس. فالمواطن الفرنسي أمام هذا الثلاثي المكون من شيراك ولوبين وجوسبان، على سبيل المثال، يرى أن لكل منهم هناته، فشعار لوبين واليمين المتطرف عامة يمكن أن يصاغ في جملة "كلهم فاسدون"، وفي هذا استغلال للغضب وعدم الرضى الشعبي على الطريقة التي يتم بها تدبير الشأن العام، وكان هذا التوجه الشعبوي لليمين المتطرف يهدد صورة السياسة والديمقراطية، ناهيك عن مواقف لوبين السياسية المثيرة للجدل، وعن الأصول التاريخية لانبثاق حزب الجبهة الوطنية سنة 1972[2]، بينما يرى الشارع الفرنسي في جاك شيراك الرئيس المحتال الذي استغل نفوذه واستخدم الأموال العمومية من أجل مصالح شخصية[3]. أما في ما يتعلق بالوزير الأول ليونيل جوسبان، فقد حول التوجه اليساري صوب الأخلاق، كل هذا أعاد إلى الواجهة التصور الثنائي المانوي الذي يقيم تعارضاً بين الخير/الشر، الفضيلة/ الرذيلة...

ينطلق الكتاب الذي نروم تقديمه في هذه الورقة، والصادر في نفس السنة (2002)، من هذه الظروف التاريخية للمجتمع الفرنسي، التي ساد فيها -بحسب تعبير الكاتبة- شعور بـ"أن الأزمة السياسية قد وصلت إلى الذروة"[4]، حيث تم في النهاية تفادي صعود اليمين المتطرف بالتصويت بكثافة لصالح جاك شيراك، مع أن هذا الأخير كان مساهما في تفشي التصور القدحي للسياسة والعمل السياسي في البلاد.

حاولت ميريام ريفو دالون من خلال هذا الكتاب الذي عنونته: هل يجب علينا تخليق السياسة؟ أن تسوّغ الفعل السياسي، وأن تنأى به عن التوجهات الشعبوية المتصاعدة شيئا فشيئا في الأوساط الغربية عموما وفي الوسط الاجتماعي الفرنسي بشكل خاص؛ إذ كانت هذه الأخيرة بموقفها السلبي من هذا الميدان برمته، تقوض أسس وإمكانية قيام مجتمع سياسي، وبذلك تهدد فكرة العيش المشترك، أو تطالب بتخليق السياسة وتنادي بضرورة توفر الفضائل الأخلاقية في الأشخاص والقرارات السياسية. لكي تحقق هذه الغاية عادت ريفو دالون إلى لحظات بعينها من التاريخ الفرنسي[5] ومن تاريخ الفلسفة السياسية، لتبرز خصوصية ومميزات ميدان السياسة وعلاقته بالأخلاق العامة للمجتمع، وتبين العلاقة الإشكالية التي تربط هذين المفهومين خاصة في الفترة الحديثة.

آثرنا العودة إلى هذا الكتاب؛ لأننا نعتقد بأنه يمثل –إلى حد ما- خلاصة فكر الفيلسوفة الفرنسية كما قدمته مجموعة من مؤلفاتها السابقة، كما يمثل نواة لما سوف تطوره في أعمال لاحقة. وقد تطرقت إلى عدة نقاط شديدة الأهمية، مثل: طبيعة الفعل السياسي وخصوصية ميدان السياسة داخل الشرط الحداثي؛ العلاقة بين الأخلاق والسياسة؛ معايير الفعل السياسي؛ مشكلة الشر في الفعل أو ما سمته "تراجيديا الفعل"؛ مكانة "الأزمة" في الفلسفة السياسية الحديثة، وغيرها من المواضيع التي توسعت في تحليل بعضها وأوجزت في البعض الآخر لدرجة التلميح أحيانا؛ وكل هذا كان داخل مدى السؤال الذي اختارته عنوانا لمؤلفها: هل يجب علينا تخليق السياسة؟

سوف نتطرق إلى بعض أهم هذه النقاط، متتبعين الموضوعة الأساس المتمثلة في العلاقة الإشكالية التي تربط السياسة بالأخلاق، لذلك سوف ننطلق من أهمية هذه العلاقة داخل الشرط الحداثي من خلال الفصل الذي قام به ميكيافيلي بين الفضيلة الأخلاقية والفضيلة السياسية؛ ثم بعد ذلك ننظر في خصوصية الفعل السياسي؛ وأخيرا نعرج على الإيتيقا الخاصة بالفعل السياسي، وعلى تراجيديا الفعل بشكل عام.

الفضيلة السياسية

إذا كانت الحداثة السياسية، التي تُرجع غالبا إلى لحظة ميكيافيلي، تتجلى أساساً في التمييز الذي أجراه بين المعايير الأخلاقية المشتركة للمجتمع وبين مقتضيات النشاط السياسي؛ فإن هذا التمييز نفسه يرجع إلى ملاحظته بأن الفلسفة السياسية كانت تخلط بين بعدين متمايزين عن بعضهما، فعوض أن تركز جهدها على ما هو موجود فعلا، تحاول أن تنظر من منظورها الخاص إلى ما يجب أن يكون. ترى ميريام ريفو دالون، في مقال نشر قبل سنة من كتابها الذي نباشره الآن مستندة على قراءتي كل من موريس ميرلوبونتي وحنة أرندت[6]، أن الهوة التي أقامها ميكيافيلي بين الفلسفة السياسية و"الواقع الفعلي" تعد ذات بعدين: فهي من جهة ذات بعد ووظيفة نقديين و"نوع من آلة حرب ضد التقليد المشكِّل للفلسفة السياسية". ومن جهة أخرى، تسمح بإعادة التفكير في الطبيعة الفعلية للسياسة، وبإعطائها معنى ومحتوى "إيجابيين"[7].

في المقابل، تشير الكاتبة إلى الربط الذي يقيمه جون جاك روسو بين الأخلاق والسياسة في كتاب إميل أو في التربية؛ إذ يرى أن الذي يسعى إلى دراسة هذين المفهومين/الميدانين في معزل عن بعضهما البعض، لن يفهم أيا منهما[8]، من هنا نكون أمام انفصال واتصال في نفس الآن؛ أي إننا نجد أنفسنا أمام علاقة إشكالية تطبع التفكير الحديث بهذا الصدد، "ففي كلتا الحالتين، يتعلق الأمر بالتفكير في علاقة"[9]، وبالتالي بالتمييز بين أمرين مختلفين لكن مع ذلك بينهما ارتباط ما، فالسياسة ليست هي الأخلاق، والعكس أيضا، الأخلاق ليست هي السياسة، وهذا لا يعني أنهما مستقلتين تماما عن بعضهما، ولا أن إحداهما يمكن أن تختزل في الثانية. موقف الحداثة من الأخلاق والسياسة هو ما يدفع الكاتبة إلى العودة إلى لحظتها المؤسسة في ميدان السياسة.

لم يختزل ميكيافيلي السياسة، من خلال الفصل بينها وبين الدين والأخلاق، في نوع من الممارسة التي لا تسعى سوى إلى نجاعة براغماتية، ولو كان الأمر كذلك، فإنه لن يكون سوى "الصيغة الكاريكاتورية التي تم تقديمها تحت مسمى 'الميكيافيلية'"[10]، والتي بحسبها لا تعدو السياسة عن كونها مجموعة من السلوكيات والإجراءات والحيل الهادفة إلى الخداع والتلاعب بغية بلوغ غايتها المتمثلة فقط في العملية والنجاعة بغية الاحتفاظ بالسلطة. وفق هذا التصور، لن تتجاوز إضافة ميكيافيلي كونها فصلا واعترافاً بوجود فرق بين "المثالية الأخلاقية" أو الدينية و"الواقعية السياسية"، بيد أن ريفو دالون ترى عكس ذلك، ففن الحكم لا يجب أن يختزل في هذا التصور الضيق؛ لأن ما يقوله ميكيافيلي فعلا بعيد كل البعد عما يقدم تحت اسم "الميكيافيلية"، ولا يهدف إلى تعليم الأمير ولا الناس أن يكونوا سيئين وأشرارا ولا أن يكونوا لا أخلاقيين، كما لا يريد أن يخبرنا بأنهم كذلك بالطبيعة.

ما أراد ميكيافيلي قوله فعلا، هو أن هناك هوة سحيقة بين المدينة- الدولة المثالية التي يتم تخيّلها والتنظير لها في أعمال فلاسفة السياسة وبين المدينة -الدولة الواقعية؛ أي إن هنالك هوة بين الرغبة وتحقيقها. ولا يمكننا، بحسب الكاتبة، أن نفهم موقفه في معزل عن الشرط التاريخي الذي عاش فيه.

رأى ميكيافيلي ضرورة إبعاد الفعل السياسي عن منظور ديني يريد أن يقيم تطابقاً بين غايات المدينة السماوية المتمثلة في (مملكة الله، والخلاص)، وغايات المدينة الأرضية الواقعية ذات المتطلبات المميزة؛ لأن السعي إلى تحقيق (القدس) السماوية La Jérusalem céleste على الأرض هو في عمقه فعل معاد للسياسة ومناقض لها Anti- politique، ويتجاهل التذبذب الذي يسم سلوكات وقضايا الإنسان. تقدم ريفو دالون مثالا على ذلك المحاولة الإصلاحية للمبشر الدومينيكاني سافونارولا Jérôme Savonarole الذي رأى أن إصلاح فلورنسا وتخليصها مما كانت تتخبط فيه من فساد وتخلف يستوجب مناهضة السلطة الدنيوية، وإقامة مملكة الله على الأرض، بالتالي يجب إصلاح أخلاق الرعية وتخليق المؤسسات، ما يجعل شرط الإصلاح السياسي هو الإصلاح الروحي والأخلاقي، بيد أن ميكيافيلي استشعر خطورة المزج بين هذين البعدين، فمن يدعي أنه يقيم السياسة على أسس أخلاقية لن يكتفي بالقوانين الخارجية التي تنظم الدولة، وسوف يسعى إلى إصلاح الضمائر والنوايا ومطاردة (المنافقين)، لذلك ترى الكاتبة أن هذا المزج بين الأخلاق والدين والسياسة وعدم الاكتفاء بالقوانين الخارجية يؤدي إلى استبداد هو الأسوأ من نوعه: "استبداد الفضيلة الأخلاقية" التي تدعي بأنها مبدأ كل المعايير المنظمة للوجود الإنساني.

ما يجعل نقد ميكيافيلي -لانحلال وذوبان ما هو سياسي فيما هو ديني وأخلاقي- يكتسي سمة الراهنية، بحسب الكاتبة، هو كونه يحذرنا من تقبل وتصديق الاعتقاد المتهافت الذي يرى أصحابه بأن تحقق المشروع الحداثي المتمثل في استقلال ميدان السياسة قد جعل هذا الانحلال غير ممكن، بيد أن التاريخ الفرنسي يقدم مثالا عن استبداد الفضيلة الأخلاقية وتحويل النشاط السياسي إلى مشروع أخلاقي، من خلال النزعة اليعقوبية Jacobinisme مجسَّدة في حكم روبيسبيير Robespierre، إذ استعمل هذا الأخير الفضيلة الأخلاقية ومحاكمة الضمائر والنوايا وإقامة تعارض (مانوي) بين الرذائل والفضائل، ذريعة لحرب شرسة ومطاردة لا تني لمن اعتبرهم (منافقين)، ما أدى إلى المحاكم الثورية التي وصفت بـ(الإرهاب) La terreur.

تعود ريفو دالون، من أجل إبراز الإشكال الذي يمثله الشرط الحداثي بهذا الصدد، إلى لحظة مونتسكيو الذي يميز أيضا بين الفضيلة الأخلاقية والفضيلة السياسية في كتابه روح الشرائع، حيث يرى أن هذه الأخيرة ضرورية لاستمرار العيش المشترك. فما يميز الفضيلة السياسية ليس كونها بحثا عن صفاء ونقاء النوايا والضمائر، بل كونها استعدادًا وجاهزية دائمين لدى القادة والمواطنين لتفضيل المنفعة المشتركة على المنفعة الخاصة، إلا أن هذه الجاهزية ليست أمرا بديهيا وعفويا، إذ خلافا للجمهوريات القديمة التي كان المواطن يعطي فيها شكلا للوجود المشترك من خلال المساهمة في السلطة عن طريق ديمقراطية تشاركية Participative، فإن الحداثة بالأولوية المعطاة فيها للحرية الفردية تجعل التوافق بين المصالح الشخصية للأفراد والمنفعة العامة أمرا صعب المنال. لا يعني هذا أن الإنسان الحديث سيء أو شرير بالمقارنة مع مواطن الجمهوريات القديمة، بل يعود ميله صوب الانهمام بالذات عوض الانهمام بالعالم والفضاء المشترك إلى اختلاف التعريف الذي يعطى للحرية في هاتين الفترتين. تعرّف الحرية في الفترات القديمة بكونها مساهمة في السلطة، وبحسب هذا التعريف يحدث تناغم بين المصلحة الفردية وبين المنفعة العامة؛ أما في الفترة الحديثة فالحرية أكثر ارتباطا بالفردانية، إذ تختزل في ظل القوانين التي تحمي الأفراد في حرية فردية شبه منفصلة عن الوجود المشترك.

على الرغم من هذا التمايز بين ميداني الأخلاق والسياسة في الفترة الحديثة، فهناك نقاط التقاء بينهما، مثلما يمكن أن نستشف من مؤسسات ومبادئ التربية التي تستهدف المواطنين من قبيل التربية على المواطنة والسياسة. السؤال الذي يجب أن نطرحه إذن، هو ما الأخلاق الخاصة بميدان السياسة؟ إذ، بحسب ريفو دالون، مهما بدت الدعوة إلى فضيلة سياسية أمرا نوستالجيا بعد اتضاح الصعوبات التي يطرحها الشرط الحداثي، فإنها مطلب ملح وضروري، ويمكن أن يفيدنا الإرث الفلسفي الكانطي في محاولة تحقيقه، لكن بشرط أن نحيط بما يقصده كانط بالأمر الأخلاقي.

يرفض كانط طرحين: الأول يحاول أن يختزل السياسة في الأخلاق، ويريد أن يلج إلى دواخل المواطنين ورجال السياسة ليعرف نواياهم ومكنونات ضمائرهم؛ والثاني يختزل الأخلاق في السياسة، ويحاول أن يحقق مشروعا سياسيا ذريعته أن الإنسان شرير بالفطرة، ولا يمكن إصلاحه إلا بأن نفرض عليه التصرف وفق نسق أخلاقي معين. كلا هذين الطرحين يوصل إلى الاستبداد، سواء "من منظور المستبد الذي يدعي أنه يعرف ما هو جيد بالنسبة إلى رعاياه أكثر منهم؛ أو من منظور المستبد الذي يدعي أنه يسعى إلى إعادة إحياء الإنسانية وصنع إنسان جديد"[11]؛ ففي الحالتين معا يتم إلغاء استقلالية وحرية الإنسان وإعلان عدم قدرته.

في المقابل يقدم كانط طريقة ثالثة، هي طريقةُ "سياسة أخلاقية"، "لكن 'الأخلاق' في هذه العبارة لا تعني الفضيلة الذاتية، بل تعني 'الحق' Le droit بما هو مطلب مطلق يؤسس لإمكانية قيام المجتمع السياسي"[12]؛ أي إن الاهتمام في الميدان السياسي لن ينصب على معرفة حسن أو سوء النوايا، بل يكتفي بتوافق الفعل في بعده 'الخارجي' مع الأمر المطلق للعقل العملي، فـكانط لا يقصد بالحق المؤسسات القانونية، إنما "تحديد العادل وغير العادل الذي يؤسس للتنظيم السياسي"[13]. ما قام به كانط في نظر ريفو دالون، هو أنه "أعطى للسياسة حدودًا هي في نفس الوقت شروط ممارستها"[14]، وهذه الحدود متمثلة في اكتفائها بما يظهر وتركها لما هو داخلي خاص بالفرد.

الطبيعة الظاهرية للسياسة

تستخدم ميريام ريفو دالون نتائج مقالها حول قراءتي ميرلوبونتي وحنة آرندت لـميكيافيلي، لتثبت بأن الفعل السياسي يحتكم لما تسميه الطبيعة الظاهرية للسياسة La nature phénoménale de la politique، فبالعودة إلى كتاب الأمير، قد يُختزل نصح ميكيافيلي لأميره بأن يبدي بعض الخصال (مثل الكرم والرحمة والشجاعة...) حتى وإن لم تتوفر فيه، في ما تدعيه الميكيافيلية؛ أي إن الأمير يجب أن يلجأ إلى الخداع والتدليس لكي يحافظ على السلطة.

غير أن هذه القراءة تبقى قاصرة عن فهم ما يقصده ميكيافيلي فعلا، وتُجمِلُ كل مجهوده في العبارة الشهيرة القائلة إن الغاية تبرر الوسائل. لكن في واقع الأمر، يجب أن ندرك أن الأمير بما هو إنسان لا يمكن أن يحوز كل تلك الصفات دفعة واحدة، ولا أن يكون دوما شفافا مع ذاته ومع الآخرين، ما يجعل الشفافية بوصفها توافقا تاما بين ما هو نفسي جواني مع الأفعال والتصرفات الظاهرة، مجرد وهم بعيد كل البعد عن الواقعية الفعلية للفعل بحكم التعقيد الذي يسم الوضع البشري، بينما لا تنفصل واقعية الفعل السياسي عن التمثل، لأنه يمارس في فضاء عمومي أي في فضاء الظهور.

صحيح أن هذه الطبيعة الظاهرية للسياسة تضعنا دوما أمام إمكانية الخداع والتدليس والحيلة، لكنها مع ذلك تفترض ظهورًا حقيقيًّا سابقا عن هذا التظاهر الزائف "مثلما يفترض الغلط الصواب"[15]، فالأمير يختار، مثله مثل باقي البشر داخل المجتمع، ما يريد تقديمه للآخرين؛ لأن كل الناس في المجتمع يختارون ما يريدون أن يستحضره الآخر عنهم في تمثلاته. أما الشفافية الكاملة، فهي وهم؛ لأنها تستدعي معرفة تامة بالذات وتوافقا معها، كما تستدعي كذلك معرفة تامة بالآخر، وهذا أمر غير ممكن. كما أن اختزال الصفات التي يبديها الأمير أو رجل السياسة عامة في كونها مجرد تلاعب ورذيلة أخلاقية، يعد إفقارًا لفضاء الظهور، بينما هذا الفضاء في الواقع هو كل ما نستطيع رؤيته[16] والتحقق منه، وبناء عليه لا يجب أن نحاكم رجل السياسة سوى على ما هو باد أمام أعيننا، لا أن نبحث عن استخلاص نيته لمعرفة صلاحها من عدمه. إضافة إلى هذا، لا يعد أمير (ميكيافيلي) مخادعا حين يبدي خصالا لا يمتلكها، بل يبين ذلك وعيه بأن ذاته ليست ملكا له، فالسلطة التي لديه ليست شيئا يمتلكه كما تدعي التعريفات التقليدية، بقدر ما هي علاقة؛ أي إنه في موقع سلطة بفعل العلاقة التي تربطه برعاياه، لذلك تتشكل صفاته بواسطة آراء هؤلاء الرعايا ولا تنفصل عن الطريقة التي يستحضرونه بها في أذهانهم.[17]

تستلزم الطبيعة الظاهرية للسياسة استبعاد الأحكام الأخلاقية من قبيل "النفاق" أو "الخداع" أو غيرها، لأنها مرتبطة بمستوى آخر هو مستوى الأخلاق المتعارف عليها. أما معيار الفعل السياسي، فلا ينفصل عما يظهر في الفضاء العمومي، ولا يحاسب رجل السياسة عن سلوكياته، إلا بحسب هذا المعيار بوصفه "إنسانا عموميا"، كما لا يجب أن يطلب منه التخلي عن حياته الخاصة، بل الأجدى أن مطالبته بالانهمام بالعالم بوصفه فضاء مشتركا.

إيتيقا المسؤولية وإيتيقا القناعة

ترى ريفو دالون أن الطبيعة الظاهرية للسياسة تجعل هذا الميدان يحتكم للايقين، ومن تم يرفض التقسيمات التبسيطية بين الخير والشر والفضيلة والرذيلة، مما يجبر السياسة على الخروج عن الأحكام الأخلاقية المحضة، ويدفعها لتنخرط في إيتوس Ethos خاص بها؛ إذ بسبب هذه الطبيعة التي تتسم بها السياسة بوصفها تفاعلا بين الذوات، بكل ما بين هذه الأخيرة من عنف وتوافق، ونزاع واعتراف، يكون الفعل السياسي غامضا ومعقدا وغير قابل للتكميم والضبط.

يعود غموض الفعل السياسي وصعوبة تحديده إلى ارتكازه على الواقع الملموس، فهو يأخذ في الاعتبار الظروف التاريخية التي يحدث فيها؛ أي إنه "مرتبط بمتغيرات زمانية"[18] متخليا بذلك عن متطلبات أي إيتيقا كونية، بالتالي هناك كما تقول ريفو دالون: "حقيقة زمانية للفعل السياسي"[19] تجبر الفاعل على المخاطرة والمبادرة مستبعدا الرؤية التبسيطية التي تقيم تعارضا بين أخلاق كونية وبين براغماتية سياسية جوهرها التلاعب والخداع وغايتها النجاعة، فالسياسة تكون مدمرة أحيانا إذا اختزلت في تطبيق الأوامر الأخلاقية المحضة، كما تكون مدمرة أيضا إذا اختزلت في البحث عن النجاعة، حيث إن الوسائل التي يستعملها السياسي والغايات التي يتوخاها من هذا الاستعمال، تكون معروضة في البعد العمومي الظاهر، وبذلك تكون عرضة لأحكام المواطنين الأخلاقية. إذن مع أن الفعل السياسي ينزع البعد الجوهري عن مفهومي الخير والشر، إلا أنه يحتكم لإيتوس خاص به يراعي خصوصية ميدان السياسة، ويضع في الحسبان عرضية الخير والشر التي تسم الفعل الإنساني بشكل عام.[20]

تستثمر ريفو دالون أعمال ماكس فيبر، وخاصة المحاضرة التي قدمها أمام رابطة الطلبة الليبيراليين في ميونخ سنة 1919 تحت عنوان السياسة بوصفها مهنة، لكي تبرز الفرق بين نوعين من الإيتيقا: الأولى هي إيتيقا المسؤولية والثانية هي إيتيقا القناعة.

  • إيتيقا المسؤولية Éthique de responsabilité: هي التي يعمل بها بالضرورة رجل السياسة، فبحسبها يجب عليه أن يأخذ في الاعتبار أنه في شروط تاريخية فريدة لها مميزات خاصة، تفرض عليه أن يدرس جيدا الخطوات والقرارات التي سوف يقوم بها وأن يصبو إلى نتائج معينة يتوقعها مسبقا، رغم أنه يعلم بأن الاحتمالات التي يضعها تجعل العلاقة بين الوسائل والغايات إشكالية؛ لأن الوسائل التي يستخدمها يمكن ألاّ تكون مقبولة من وجهة نظر الأخلاق العامة، وأنها قد تستدعي استخداما معينا لــ(الـشر) من أجل بلوغ منفعة عامة. باختصار يمكن أن نقول إن رجل السياسة يضع نصب عينيه النتائج المحتملة والوسائل التي توصل إليها، قبل قيامه بالفعل، مخاطرا بألّا يتم الأمر كما يتوقعه، لكنه يتحمل مسؤولية أفعاله، فهو يعلم مسبقا أن الفعل السياسي بشكل خاص والفعل الإنساني بشكل عام لا يصل إلى الكمال والمثالية التي يتصورها الفاعل وينظّر لها.
  • إيتيقا القناعةÉthique de conviction : هي التي ينطلق منها الفاعل (الأخلاقي)، بما أنه يتصرف بالتوافق مع قناعة مسبقة، دون أن يبالي بالنتائج التي قد توصل إليها تصرفاته وأفعاله، فهو يضع قناعة معينة (دينية أو أخلاقية أو علمية...) فوق كل اعتبار آخر، ما يدفع ريفو دالون إلى نعت هذه الإيتيقا بأنها لا كونية a-cosmique؛ أي إنها لا تنتمي إلى هذا العالم بما أنها تتعالى عنه ولا تبالي بما سوف توصل إليه من عواقب. لا يعني هذا أن صاحب إيتيقا المسؤولية عقلاني لأنه يتوقع نتائج فعله مسبقا ويختار أفضلها، وأن صاحب إيتيقا القناعة ليس عقلانيا لأنه لا يبالي بالنتائج، بل يعني أن هذا الأخير يرفض اعتباطية العالم ولاعقلانيته، لذلك يرفض على سبيل المثال مواجهة الشر بالشر معطيا قيمة مطلقة لقناعته (الخيرة)، غير أنه في المقابل لا يبالي بالآخرين الذين سوف يتحملون عواقب أفعاله، ولا يعتبر نفسه مسؤولا عنها لأنه تصرف بحسب ما تمليه قناعته. مثلا يمكن أن يقول بعد رؤية النتائج الكارثية لفعله بأنها (مشيئة الله أو القدر، أو أنه فعل ما يجب فعله)!

تراجيديا الفعل

هذان النوعان من الإيتيقا، ليسا سوى نموذجين مثاليين لا نصادفهما في الواقع الملموس؛ فالوضع البشري بتعقيده لا يسمح لصاحب إيتيقا المسؤولية بالتعالي عن قناعاته بإطلاق، كما لا يسمح لصاحب إيتيقا القناعة بأن يتجاهل عواقب أفعاله دفعة واحدة. ترى ريفو دالون أن ما كشف عنه ماكس فيبر هنا هو الإشكال المركزي للحداثة المتمثل في اللاتحديد و"تعددية القيم التي تسم الكون منزوع السحر للمجتمعات الحديثة"[21]، ففي ظل غياب نسق رمزي موحد، سواء كان نسقاً أسطوريًّا أو دينيًّا أو حتى حقوقيًّا، لا يمكن للإنسان أن يعطي معنى أحاديا للعالم الذي يعيش فيه، وبذلك يتأرجح الفعل الإنساني بين هذين الطرفين (المسؤولية والقناعة)؛ إذ لا وجود لمعيار كوني وحيد يغطي كل النشاطات الإنسانية، وهذا ينطبق أيضا على معيار العقلانية العلمية، لأننا نعلم منذ لحظة ماكس فيبر أن الفعل العقلاني في بعده القيمي يفترض مرجعية مثالية ينطلق منها، وهذه المرجعية -(أو النموذج المثالي)- نفسها ليست عقلانية. لكن هذا لا يعني بأن إيتيقا القناعة وإيتيقا المسؤولية لا تمتان للعقلانية بصلة أو أن الأفعال التي تتخذهما مرجعا عرضية تماما.

ينتج عن هذا أن الفعل السياسي، حتى إن كان صادرا عن "التنظيم الأكثر عقلانية"[22] في المجتمع السياسي المتمثل في دولة الحق، لا يمكن أن يكون مثاليًّا، وأن يتعالى عن العنف والعرضية، سواء تعلق الأمر بالعنف المؤَسِّسِ للدولة أو العنف الذي تحتكره لتقصي العنف في الوسط الاجتماعي (ما يضعنا أمام المفارقة التالية: "السياسة والحق يجب أن يضعا حدا للعنف، لكن لكي يقوما بذلك، لا يوجد أحيانا سبيل آخر غير العنف"[23])؛ أي إن استخدام الشر يكون ضروريًّا أحيانا لضمان المنفعة العامة والتعايش المشترك. بالتالي نكون مع ماكس فيبر أمام إشكال أعمق هو إشكال الفعل الإنساني الموزع بين "الرغبة" في موقفين –كما تقول ريفو دالون مستعيرة تعبير ريمون آرون[24]-، فمن جهة يطمح الإنسان إلى تحقيق نتائج معينة من وراء فعله، ومن جهة أخرى يسعى إلى الإخلاص إلى قناعاته الذاتية.

تعود ريفو دالون إلى تراجيديا أنتيغون لـسوفوكليس –التي ترى فيها نقلة من حكم الآلهة إلى حكم الإنسان-، لكي توضح لنا ما تسميه: تراجيديا الفعل، والمتمثلة أساسا في عجز الإنسان عن جعل أفعاله تبلغ الكمال؛ لأنه دوما موزع بين بعدي المسؤولية والقناعة، فللفعل تكلفة تتلخص في جزئيته وانحيازه الدائمين، وأحيانا في عماه؛ إذ يضرب صفحا عن التفكير العقلاني الذي يتناسب مع الحدث.

إذا كانت أنتيغون بطلة إيتيقا القناعة، لأنها ترى في مواراة جثمان أخيها واجباً أخلاقيًّا ودينيًّا لا محيد عنه، مهما كانت العواقب التي سوف تترتب عنه؛ فإن كريون في المقابل يعد بطل إيتيقا المسؤولية، لأن هدفَه هو تحقيق الأمر المطلق للمدينة التي ترى في بولينيس عدوا لها، غير أن أنتيغون وكريون لا يمثلان بإخلاص هذين النوعين من الإيتيقا؛ فالأولى تعرف أن لفعلها عواقب وخيمة، والثاني مقتنع بالأمر المطلق للمدينة، وكلاهما ينخرطان فيما تصفه ريفو دالون بالعمى المزدوج -(لأن كليهما يضيق مجال رؤيته بحسب المبدأ الذي ينطلق منه)- لكن الضروري للقيام بالفعل الإنساني، حيث إن الشرط الأول الذي يتطلبه القيام بهذا الفعل، وما يجعله ممكنا هو الاختيار بين هذين القطبين (القناعة والمسؤولية). من هنا كانت أخلاقية الفعل محكومة بأن تكون تراجيدية "لأنها تستوجب ضرورة وجودية للاختيار"[25] ولأن هذا الاختيار منذور دوما لأن يكون جزئيًّا ومنحازًا.

على سبيل الختام:

أزمة الديموقراطية

إذا كانت أخلاق الإنسان بوصفه فاعلا هي إيتيقا المسؤولية كما يعلن ريمون آرون، فإننا يجب ألّا نأخذ هذا المعطى بعفوية ونظرة تبسيطية، فتطبيق هذه الإيتيقا يفترض إقصاء لكل أخلاق "صورية" تؤطر المجتمع وتخضع أفراده إلى قوانين معينة تؤطر أفعالهم[26]. تثبت ريفو دالون بدورها بأن التفكير في إيتيقا المسؤولية وممارستها يضعان المرء أمام عدة صعوبات ومفارقات، حيث تخضع أفكاره وأفعاله لامتحان "الواقع ولحظة الاختيار"[27]؛ لأن ضرورة الاستعجال بالفعل تتعارض غالبا مع تراتبية الغايات المتوخاة، وهذا ما تبينه الانتخابات الرئاسية الفرنسية لسنة 2002، فالتصويت بكثافة لـجاك شيراك في الدور الثاني يمكن أن يفسر بالرجوع إلى المسؤولية التي استشعرها المواطنون وبحسبها منعوا لوبين من الوصول إلى كرسي الرئاسة، لكن في المقابل النظرة التشاؤمية التي تجلت في الاحتجاجات وخيبة الأمل تجاه القرارات السياسية عامة نابعة من إيتيقا القناعة.

تعد هذه العودة إلى الخطاب الأخلاقي وإلى محاولة تخليق السياسة، بالنسبة إلى الكاتبة ظاهرة غامضة صارت تطبع الأنظمة الديموقراطية الغربية منذ انهيار الأنظمة الشمولية، كأن انتهاء الحرب الباردة قد أدى إلى حرمان الديموقراطيات من "آخرها" الذي كان يلعب دور المحدد لمعاييرها، ما أعاد إلى السطح إشكالا دلاليا يكمن في صعوبة تحديد معنى الديموقراطية، و"ما الذي نتحدث عنه حين نتحدث عن الديموقراطية؟"[28] هل المقصود هو مجموع الآليات والمؤسسات التي تشكل أدوات نظام سياسي؟ أم المعايير الأخلاقية المرتبطة باحترام حقوق الإنسان؟

بالنسبة إلى الكاتبة يسعنا القول إن "الأزمة" عنصر يدخل في تكوين وبنية النظام الديمقراطي، إنها ليست أمرًا عرضيا يمكن تجاوزه ببساطة، فالديموقراطية من جهة بتخليها -في صيغتها الحديثة داخل عالم منزوع السحر يشكل فيه الإنسان عالمه المشترك- عن كل تأسيس يرجع إلى مبادئ متعالية، لم تعد تملك ضمانات مطلقة لأسسها، ومن جهة أخرى هناك شك جوهري دائم في صميم النشاط الديموقراطي، لأن استبعاد المطلق يدفع إلى التسليم بنسبية ولا تحديد الغايات السياسية، وبقبول نسبية فكرة المنفعة العامة نفسها في ظل تعددية المعايير باختلاف مكونات المجتمع.

ينتج عن أزمة الديمقراطية صراع توجهين: الأول شعبوي، يرى السياسة من منظور تبسيطي ويدعو إلى إعادة تخليقها، وهذا التوجه ينتظر من السياسة أن تحل كل المشاكل المطروحة دفعة واحدة. ويتم استثمار هذه الرؤية من طرف بعض الأحزاب التي تستعيد الثنائيات التي سبقت الإشارة إليها؛ والثاني يدعو إلى إفراغ ميدان السياسة من الأخلاق وإقصاء الخطاب الأخلاقي تماما، ما يؤدي إلى طرح مشكلة القيم التي يجب أن تنطلق منها القرارات والأفعال السياسية في ظل تعددية القيم ومكونات المجتمعات.

توقفنا ريفو دالون في كتابها على الصعوبات المتعلقة بالعلاقة بين الأخلاق والسياسة، وتجعلنا ندرك بأن مهمة السياسي ليست في متناول الجميع، لكنها تجعلنا ندرك أيضا أننا جميعا كائنات سياسية، ما يعني أن المواطنين –خاصة في الأنظمة الديمقراطية- مسؤولون إلى جانب رجال السياسة عن الطريقة التي تدبر بها شؤون الدولة[29]. لذلك، لا يجب أن نفهم من ضرورة تخليق السياسة محاولة اختزالها في الأخلاق، ولا محاولة توجيهها لتحقيق مشروع أخلاقي، بل يجب أن نعي جيدا بأن الفعل السياسي يحتكم إلى إيتيقا المسؤولية وإلى ميدان خاص به، له معاييره الخاصة، وكل ما يسعنا فعله هو: "تربية الناس باستمرار على الديموقراطية لكي يلجوا العالم المشترك".[30]

 

مصادر ومراجع

أعمال ميريام ريفو دالون:

ü  Revault d'Allonnes, M. (2001). Peut-on parler philosophiquement politique?: Merleau-Ponty et Hannah Arendt lecteurs de Machiavel. Dans G. Sfez, & M. Senellart, L'enjeu Machiavel (pp. 179-198). Paris: Presses Universitaires de France.

ü  Revault d'ALLONNES, M. (2002). Doit-on moraliser la politique? Paris: Bayard "coll.Le temps d'une question".

ü  Revault d'Allonnes, M. (2012). La crise sans fin: Sur l'expérience moderne du temps. Paris: Seuil.

مراجع:

ü  Aron, R. (1959). Préface de Raymond Aron. Dans M. weber, Le savant et le politique (J. Freund, Trad., pp. 9-69). Paris: Plon.

ü  حنة آرنت. (2016). حياة العقل: الجزء الأول: التفكير. (أ. نادر السنوسي، المترجمون) وهران/ بيروت: ابن النديم للنشر والتوزيع/ دار الروافد الثقافية: ناشرون.

مراجع رقمية:

ü  Kauffmann, G. (2016, 04 18). Les origines du Front national. Consulté le 1 19, 2024, sur Cairn.info: https://doi.org/10.3917/pouv.157.0005

ü  TF1info, L. r. (2019, septembre 26). Les "affaires" de Jacques Chirac, premier président condamné par la justice. Consulté le 1 19, 2024, sur TF1 Info: https://www.tf1info.fr/politique/les-affaires-de-jacques-chirac-premier-president-condamne-par-la-justice-2133311.html

[1] أشرف على هذه القراءة: د. يوسف السيساوي.

[2] للاطلاع على معلومات حول الأصول التاريخية لانبثاق جزب الجبهة الوطنية (Front national) اليميني المتطرف، وعلاقته بالإيديولوجيا الفاشية، نحيل على مقال غريغوار كوفمان المعنون أصول الجبهة الوطنية:

- Kauffmann, G. (2016, 04 18). Les origines du Front national. Consulté le 1 19, 2024, sur Cairn.info: https://doi.org/10.3917/pouv.157.0005

[3] TF1info, L. r. (2019, septembre 26). Les "affaires" de Jacques Chirac, premier président condamné par la justice. Consulté le 1 19, 2024, sur TF1 Info: https://www.tf1info.fr/politique/les-affaires-de-jacques-chirac-premier-president-condamne-par-la-justice-2133311.html

[4] Revault d'ALLONNES, M. (2002). Doit-on moraliser la politique? Paris: Bayard « coll. Le temps d'une question ». p.6

[5] يمكن هنا أن يطرح سؤال الجدوى من العودة إلى التاريخ إذا كانت الإشكالات التي تريد الكاتبة معالجتها ذات راهنية، والإجابة على هذا السؤال تكمن -إضافة إلى كون البعد التاريخي يدخل في تكوين نسيج اللحظة الراهنة ويستمر في الحضور فيها، وإضافة أيضا إلى ما يمكن أن يقدمه التاريخ من معطيات تساعدنا على فهم راهننا- فيما تقدمه الكاتبة في مؤلفها الموسوم بــالأزمة التي لا نهاية لها، حيث تقول إن التاريخ كما يقدمه كوزليك Kosellek "ليس فقط نظرة ملقاة على الماضي، بل هو أيضا نظرة صوب المستقبل. إنه فعل اجتماعي، بتعبير أدق هو بناء يقام بواسطة مجمع معين (وفيه) هدفه توجيه رسالة إلى الأجيال القادمة. هل يستطيع مجتمع ما ألاّ يتصور مصيره وتوجه أفعاله؟ هل يستطيع العيش دون 'معنى' للتاريخ؟ المسألة ليست إبستيمولوجية فقط، ولا تتعلق فقط بالسمة المتعالية للعلاقة بين التجربة/ الانتظارات، بل هي مسألة متعلقة باستمرار العالم المشترك وبقائه في الديمومة."

- Revault d'ALLONNES, M. (2012). La crise sans fin: Sur l'expérience moderne du temps. Paris: Seuil. p. 139

[6] تشير ميريام ريفو دالون في مقالتها الموسومة بـهل يمكننا الحديث عن السياسة فلسفيا؟ ميرلوبونتي وحنة أرندت قارئين لميكيافيلي، إلى أن كل من حنة أرندت وميرلوبونتي اعتبرا أن الفلسفة قبل ميكيافيلي ظلت منخرطة في نوع من التنظير البعيد عن الواقع، حيث تقول موضحة بأن الحديث فلسفيا عن السياسة قبل ذلك ليس بالأمر البديهي: "إذا لاحظنا، كما فعل ميرلوبونتي، بأن 'سياسة الفلاسفة'، هي تلك التي لا يمارسها أحد. إنها إذا أردنا، هوس فلسفي لكنه في العمق ذو نتائج تطبيقية قليلة. [...] وإذا خامرنا الشك، كما تفعل حنة آرندت، أن معظم الفلسفات السياسية، منذ أفلاطون ومنذ ذلك الحدث الافتتاحي الذي شكله موت سقراط، كان موضوعها هو الهرب من هشاشة القضايا الإنسانية والتنظير، داخل 'صلابة الهدوء والنظام'، لـ'لشكل الأفضل للحكم' قصد رؤية أكثرها مواءمة للنشاط الفلسفي"، فإن التفكير فلسفيا في السياسة يطرح عدة إشكالات أهمها مسألة الانفصال بين التنظير والممارسة.

- Revault d'ALLONNES, M. (2001). Peut-on parler philosophiquement politique ? Merleau-Ponty et Hannah Arendt lecteurs de Machiavel. Dans G. Sfez, & M. Senellart (dir.), L'enjeu Machiavel (pp. 179-198). Paris: Presses Universitaires de France. p. 179

[7] Ibid., p. 181

[8] Revault d'ALLONNES, M. (2002). Doit-on moraliser la politique ? Op.cit., p.22

[9] Ibidem.

[10] Ibid., p.23

- تميز الكاتبة بين Être machiavélique و Être machiavélien، حيث أن العبارة الأولى تحيل على النزعة الميكيافيليةLE machiavélisme التي تختزل إلى حد كبير فكر ميكيافيلي في بعده السلبي المجسد في ضرورة أن يكون الأمير (متحايلا، منافقا، شريرا، ولا أخلاقيا) همه الوحيد هو الاحتفاظ بالسلطة، أما العبارة الثانية فتحيل على فهم أوسع لفكر الفيلسوف، وللبعد التجديدي الذي جاءت به أعماله. بعبارة أخرى ميكيافيلي الذي تحيل عليه العبارة الثانية، ليس ميكيافيليا بالمعنى الذي تقدمه العبارة الأولى.

[11] Ibid., p.38

[12] Ibid., p.39

[13] Ibid., p.40

[14] Ibidem.

[15] Revault d'ALLONNES, M. (2001). Peut-on parler philosophiquement politique ? Merleau-Ponty et Hannah Arendt lecteurs de Machiavel. Op.cit., p. 185

[16] عادت الكاتبة في مقالها السابق الذكر (في كتاب الرهان ميكيافيلي) إلى الفصل الأول من كتاب حنة آرندت: حياة الفكر -الذي نحيل هنا على ترجمته العربية- حيث تقول آرندت: "ففي العالم الذي نلجه، وقد ظهرنا من نقطة مجهولة، والذي سوف نرحل منه نحو وجهة مجهولة، فإن الوجود والظهور متناغمان"*. ركزت ريفو دالون في نفس المرجع على تمييز آرندت بين se montrer و se présenter، يمكن وصف التجلي والظهور في العبارة الأولى بأنه طبيعي أو عفوي، أما في العبارة الثانية فتقديم النفس هو ظهور اختياري، أي أن المرء يختار ما يريد أن يبديه لمن حوله، ما ينتج عنه أن العمق الذي تتجدر فيه السياسة هو السطح الظاهر. تجدر الإشارة هنا إلى البعد الجمالي للوجود المشترك حيث يفترض دوما متفرجا.

- Cf. Revault d'ALLONNES, M. (2001). Peut-on parler philosophiquement politique ? Merleau-Ponty et Hannah Arendt lecteurs de Machiavel. Op.cit., pp. 183-186

-*حنة آرنت. (2016). حياة العقل: الجزء الأول: التفكير. (أ. نادر السنوسي، المترجمون) وهران/ بيروت: ابن النديم للنشر والتوزيع/ دار الروافد الثقافية: ناشرون. ص 31.

[17] Revault d'ALLONNES, M. (2002). Doit-on moraliser la politique ? Op.cit., p.54

[18] Ibid., p.66

[19] Ibidem.

[20] Ibid., p.67

[21] Ibid., p.74

[22] Ibid., p.75

[23] Ibid., p.76

[24] Ibid., p.77

[25] Ibid., p.80

[26] Aron, R. (1959). Préface de Raymond Aron. Dans M. weber, Le savant et le politique (J. Freund, Trad., pp. 9-69). Paris: Plon. p. 32

[27] Revault d'ALLONNES, M. (2002). Doit-on moraliser la politique ? Op.cit., p.81

[28] Ibid., p.83

[29] تعود الكاتبة في مقالتها الموسومة بـالانهمام بالعالم والانهمام بالذات إلى تمييز كارل ياسبرز بين أربعة أنواع من الإدانة، للإجابة عن سؤال "عن ماذا نحن مسؤولون؟"، هناك أولا الإدانة المتعلقة بالجريمة والتي يحاكم فيها فرد واحد أمام القضاة، ثم الإدانة السياسية التي يكون المذنبون فيها 'رجال الدولة' والمواطنون على حد سواء، تليها الإدانة الأخلاقية التي يكون المرء مذنبا فيها أمام ضميره وأمام الآخر، وأخيرا الإدانة الميتافيزيقية وهي ذات مدى أوسع لأن الفرد فيها يكون مذنبا حيال أي ظلم حصل في العالم حتى دون أن تكون له أية علاقة مباشرة به.

- Revault d’Allonnes, M. (2001). Souci du monde et souci de soi. Cités5, (pp.31–42). p.39. (Consulté le 1, 30, 2024)

http://www.jstor.org/stable/40620738

[30] Revault d'ALLONNES, M. (2002). Doit-on moraliser la politique ? Op.cit., p.90