كتاب: "الإرهاب الغربي" روجي كارودي
فئة : قراءات في كتب
كتاب: "الإرهاب الغربي" روجي كارودي
كتاب الإرهاب الغربي، من تأليف روجيه غارودي، ترجمة سليمان حرفوش، دار كنعان للدراسات والنشر، دمشق، سوريا، الطبعة الأولى 2007م. يضم الكتاب سبعة فصول، ويغطي 365 صفحة، ومن أهم فصول الكتاب نذكر: الغرب حادث عارض، عصر النهضة ولادة وحوش الغابة، يمكن العيش بصورة مغايرة.
فكرة الكتاب
ارتبط مصطلح الإرهاب بثقافات مختلفة باستثناء الغرب؛ فمختلف وسائل الإعلام والمنظمات والهيئات الدولية في الغرب وخارج الغرب، ترى أن لفعل الإرهاب صفات لها علاقة بمجال خارج المجال الأوروبي وخارج الثقافة الأوروبية، فالتقدم والتحضر والعلم والمعرفة وغيرها من المواصفات تصدق على السياق الأوروبي، بينما الإرهاب صفة تصدق على الآخر المختلف، وقوة هذا الكتاب أنه لم يحصر موضوع الإرهاب في جهة دون أخرى؛ فهو صفة لا يقتصر على ثقافة دون أخرى، والأكثر من ذلك فالإرهاب أنواع وأشكال، مما يجعل من الحضارة الغربية حضارة لا تعلو عن صفة الإرهاب، بل إن الغرب له إرهاب يخصه دون غيره تبعا للسيرورة الثقافية في علاقة الغرب بذاته وبغيره من الحضارات والشعوب.
يعري كتاب الإرهاب الغربي الغرب ويكشف عن وجهه البشع، وهو بهذا يفتح باب النقاش في مختلف المسلمات والقناعات التي تختزل الغرب في العلم والأنوار، وترى فيه النموذج الكامل الذي يعلو على النقد، وهي بهذا تغطي بوعي أو بدونه عن منزلقاته وآفاته والحروب التي كان سببا فيها من أجل مصلحته الخاصة، حتى ولو كان ذلك على حساب الإنسانية، يصف المؤلف طريق إرهاب الغرب على لسان الغربيين بقوله: "الطريق لنا نحن الغربيين مرسومة بصورة تامة. إنها طريق الهيمنة، والتي اتخذت لنفسها اليوم اسم العولمة تعود جذورها إلى آلاف السنين منذ أسطورة شعب الله المختار المعللة لإبادة جميع الشعوب الأخرى. وصولا إلى الإمبراطورية الرومانية التي كانت تزعم أنها تضم داخل تخومها (حدودها) كل العالم المعروف آنذاك. وما أطلقت عليه أوروبا اسم حضارة، كما لو كانت الحضارة حكرا عليها، كي تشرعن الرق واستعمار الشعوب الأخرى. واليوم عمد قادة الولايات المتحدة رسالتهم بأنها القدر الجلي، وهي رسالة مفادها الإمساك برسالة العالم، من أجل إرساء وبناء عولمة؛ أي منظومة وحيدة خاضعة لما سماه أحد منظريهم بالقانون الإلهي للسوق".[1] إنها ربوبية السوق، فلا يهم عدد القتلى والحروب التي تندلع هنا أو هناك مادام الأمر يتعلق بالمصالح الاستراتيجية للدول الغربية وغيرها من الدول الكبرى لتأمين مصالحها، بهدف الحصول على البترول وكل المواد الأولية. هذا الوضع عبر عنه الكاتب بقوله: "وأراني تائها أتجول وسط حطام إنسانية قوامه أسلحة نزداد مواصفاتها التقنية يوما بعد يوم من أجل تدمير العالم، بالإضافة إلى ألعاب إلكترونية تجارية من أجل تجريده من معناه" فهذا الكتاب ما هو إلا صرخة ومساهمة من بين تلك المساهمات التي حاولت التفكير بطريقة مخالفة في نظرتها إلى الحضارة والواقع والإنسان، بالرغم من التعتيم والتهميش والإقصاء الذي تتعرض له؛ لأنها تدعو الناس جميعا للبحث "معا عن الأفق الجديد الذي يمكن أن ينبلج منه النهار نحن نزرع حبات لا غير من أجل المستقبل كي نعيش حياة مختلفة كي نعيش"[2]. لقد كان القرن العشرين أكثر قرون التاريخ دموية، ولا أحد بإمكانه أن يخفي هذا الأمر، والعالم اليوم متخم حتى النهاية بالفضلات النووية وأسلحة الدمار الشامل التي تهدد الإنسان في الحاضر والمستقبل؛ أليس طريق السلاح والحروب هو نفسه طريق الإرهاب؟ أليس من يملك بيده كل هذا السلاح يمتلك الإرهاب؟
النهضة الأوروبية
تعد مرحلة النهضة الأوروبية مرحلة تاريخية مهمة في تاريخ الغرب؛ فهي فترة انتقال من العصور الوسطى إلى العصور الحديثة، وهي القرون ما بين الرابع عشرو السادس عشر، وقد ارتبطت النهضة في أوروبا بظهور التيارات الثقافية والفكرية والفنية خاصة في إيطاليا وبعدها فرنسا وإنكلترا... وكل البلاد الأوروبية، فعصر النهضة له أثر مباشر على مختلف مجريات الحياة الاقتصادية والاجتماعية في أوروبا، في مجال الفن والعمارة وتكوين العقل الحديث بالعودة إلى المثل العليا والأنماط الكلاسيكية، وقد واكبت هذه الفترة اكتشاف أراضي وشعوب جديدة كما واكبتها حركة الإصلاح الديني في أوروبا، فضلا على الاكتشافات العلمية من أهمها اختراع العالم الألماني يوحنا غوتنبرغ المطبعة، وتطوير الأسلحة النارية. لا شك في أن نقطة الانطلاق والتحول في الغرب قد بدأت مع عصر النهضة، فالغرب في وجوده الحديث مدين لذلك الزمن، وهو زمن تحول إلى أسطورة لا تقبل النقد.
يتخطى المؤلف كل الصور الجميلة حول عصر النهضة في أوروبا، بهدف قراءته من جديد، ففي تقديره فمجمل الأمور بهدف فهمها وتحليلها بالضرورة إرجاعها إلى بداياتها، بداية الغرب إذن تعود إلى عصر النهضة، فموضوع الإرهاب الغربي في نظر الكاتب يستمد جذوره من عصر النهضة؟ وفي نظر المؤلف فـ"أسطورة النهضة الأوروبية تخفي وراءها تدهور القيمة الإنسانية، وهي في حقيقة أمرها ولادة للسوق على مذهب التوحيد، وعلى أساس صنمية المال وانكسار العالم بفعل النهب الكولونيالي والتمحور المتعاظم حتى في أوروبا بين قطبي أولئك الذين يملكون وأولئك الذين لا يملكون"[3] فأهم ما جاءت به النهضة الأوربية هي اختصار كل شيء في نظام السوق، فنظام القيم يحدده السوق؛ فالمادة سابقة عن القيمة، وقيمة الإنسان تعرف بما يملك، وهي قيمة من خارج ومفصولة عن ذاته؛ إذ يستمدها من الأشياء فهي أولى قدرا وشأنا من الإنسان الذي بالإمكان سحقه والتضحية به من أجل الحصول على مادة الذهب والذهب هنا يعود على كل شيء مرغوب فيه.
بداية طريق الإرهاب
هذا التحليل الذي يقول به المؤلف، وهو يعيد قراءة تاريخ النهضة الأوروبية، يستمد كل أدلته وحججه من الواقع والأحداث والتاريخ الذي صنعه الغرب في علاقته بالآخر منذ القرن الخامس عشر، "فمنذ 1492م لحظة غزو أمريكا من لدن أوروبا، هناك الكثير ممن أدركوا معنى البربرية الجديدة للغرب الذي كان ولازال يعتبر نفسه على أنه الحضارة الوحيدة الممكنة المحملة بالحداثة، ويبدو جليا أن الغرب منذ تلك اللحظة من الشرخ التاريخي قد سلك الطريق الخاطئ"[4] من أجل توسيع البحث وعرض الأدلة على همجية الغرب وإرهابه للهنود الحمر في أمريكا وسحقهم بالكامل يستحضر المؤلف الكثير من النصوص والشهادات والوقائع التي كتبها غربيون أنفسهم، وهم غير راضين عن الوضع. فجريمة سحق الهنود الحمر في أمريكا من أجل الحصول على الأرض والذهب، كانت هي البداية بالنسبة إلى الغرب، وهذه البداية رسمت طريق الغرب في خروجه إلى العالم، وهو خروج مصحوب بالحديد والنار والدم بحثا عن الذهب بدلا من الإنسان، وهو الطريق نفسه الذي مر من آسيا وإفريقيا، وهو الطريق نفسه الآن في فلسطين والشرق الأوسط.
والسؤال هنا من أين للغرب هذه الأنانية المفرطة التي تجعله يرى في نفسه أن له الحق في إبادة الآخرين؟ هل يستمد تلك القناعة من الواقع أم من التاريخ أم من القوة...؟
يرجع المؤلف كل أنانية الغرب إلى المعتقد الديني الخاطئ الذي تم تطويعه واستثماره في خدمة أهداف ومصالح الغرب؛ فالاعتقاد بفكرة "شعب الله المختار"، وهي فكرة يتضمنها العهد القديم أوحت إلى الإنجليز لحظة و"صولهم إلى البر الأمريكي بمعاملة الهنود كمعاملة العماليق فيما مضى، وألقى هذا التصور أحد الباباوات للبحث حول ما إذا كان للهنود أرواح [والذي يؤكد هذا أنه في القرن 19م تم استقدام بعض الهنود الحمر وبعض من الأفارقة السود، وتم عرضهم إلى جانب الحيوانات ليتفرج عليهم الأوروبيون] فباسم المبدأ نفسه، مبدأ الاختيار الإلهي تمارس الولايات المتحدة الاستعمار بداية، ومن ثم الإخضاع الشامل لقوانينها تحت ذريعة القدر الساطع للشعب المختار الجديد"[5] أنانية الغرب إذن في نظر المؤلف ترتبط بانحراف في المرجعية الدينية عند الغرب؛ وذلك بقراءتها قراءة خاطئة تجعل منها نصوصا تعلي من قيمة الصراع والحرب باسم الإله، حيث تتحول كل مشاريع الغرب بهدف هيمنة على الآخرين إلى أمر إلهي، في وقت يدعي فيه الغرب أنه قطع بالكامل مع الدين، صحيح قطع معه من جهة سلطة الكنيسة، ولكن جدد صلته معه من جهة تبرير كل جرائمه، فبدلا من الحديث عن الخلافة في الأرض (الطبيعة) سار الإنسان في صراع مع الطبيعة، وبدل تعاون وحوار الإنسان مع أخيه الإنسان، سار الغرب يرى في نفسه المتحضر وغيره متخلف، وهي قناعة تم استخلاصها من فكرة شعب الله المختار كما هي في العهد القديم، وهذا ما يبرر به الغرب كل حروبه بشكل معلن وغير معلن بشكل واع وغير واع.
في القرنين العشرين والواحد والعشرين، تعيش البشرية على إيقاع مجتمع السوق، وهو مجتمع محكوم بالسباق والتسابق في كل شيء، إلى درجة أنه لم يعد فيه للإنسان أي وقت ولو بقليل للتأمل في واقعه وفي ذاته وفي مستقبل العالم؛ "لقد أدى خلق مجتمع محكوم بالسباق والتنافس بين البشر ضمن إطار السوق إلى أيديولوجية أرست دعائم تلك الممارسة، وبدلت التصور السابق للعلاقة بين البشر والطبيعة بين الإنسان والإنسان بين الإنسان والله"[6]؛ فالعلاقة بين البشر اليوم تم اختزاله في المنفعة المادية لا غير، والعلاقة مع الطبيعة هي علاقة هدر واستغلال بمعزل عن العقل حتى ولو كلف ذلك مثلا اجتثاث كل الغايات وتجفيف كل مياه باطن الأرض وانقراض مختلف الكائنات... واليوم كثيرة هي المنظمات العالمية التي تدق ناقوس الخطر في الحفاظ على البيئة. أما علاقة الإنسان بالله، فهي أمر منسي إلى درجة يظن فيها البعض أن الإنسان بدماغه بمقدوره أن يتحول إلى إله.
[1] روجيه غارودي، الإرهاب الغربي، ترجمة سليمان حرفوش، دار كنعان للدراسات والنشر، دمشق، سوريا، الطبعة الأولى 2007م ص.51
[2] نفسه، ص.38
[3] نفسه، ص.140
[4] نفسه، ص. 143 (بتصرف)
[5] نفسه، ص.47
[6] نفسه، ص.140