كتاب: البينية في الأكاديميا العربية والإسلامية، تأليف علي الصالح مولى


فئة :  قراءات في كتب

كتاب: البينية في الأكاديميا العربية والإسلامية، تأليف علي الصالح مولى

كتاب: البينية في الأكاديميا العربية والإسلامية، تأليف علي الصالح مولى

 فكرة الكتاب

الكتاب يحمل عنوان: "البينية في الأكاديميا العربية والإسلامية" من تأليف علي الصالح مولى، إصدار دار مؤمنون بلا حدود للنشر، بيروت، ط.1، بيروت، مؤمنون بلا حدود، 2023م.

يدل لفظ البينيَّة على وقوع شيء بين شيئين أو أشياء، وقد يكون ذلك حسًّا أو معنى. أما الدراسات البينيَّة، فهي مختلف الأبحاث والدراسات التي تعنى بالبحث في علاقة العلوم بعضها مع بعض، فتداخل العلوم وتكاملها مسألة قديمة حديثة، إلا أن التخصص اليوم قد جعل من البينية أمرا مستبعدا عند البعض إغراقا ومبالغة منهم في التخصص الذي هم عليه، فتكامل العلوم وحضور العلوم البينية في حقل تخصص معين أمر مألوف وساري به العمل، فمثلا علم البلاغة متصل بغيره من العلوم والمعارف الأخرى، كعلم النحو والصرف، وعلم الأصوات، وعلم الدلالة، وعلم العَروض، والثقافة، والتاريخ، والمنطق والفلسفة...إلخ، وهو الأمر نفسه مع أصول الفقه ومع الفقه ومع مختلف العلوم في الثقافة الإسلامية التي تعرف تشابكا معرفيا فمختلف العلوم تتحول إلى علوم بينية بالنسبة إلى علوم أخرى.

العلوم البينية أو المعرفة التي تعنى بالبينية وتكامل العلوم والمعارف اليوم، وتقوم على رؤية مفادها الاعتماد على استحضار مختلف العلوم في تفسير الظواهر الإنسانية والطبيعية؛ لأن العلوم في أصولها وجذورها الأولى متداخلة ومترابطة وقد استفاد العلماء على مر العصور من هذا التداخل، بل إن المعرفة لا تثمر وتأني أكلها إلا من خلال ذلك التداخل والتكامل الذي يشكل مدخلا منهجيا في سد مختلف الثغرات العلمية. ومن المعروف أن العلوم في الثقافة الإسلامية كانت في الأصل متكاملة فيما بينها، وبعضها يحضر بشكل علني وبين في البعض الآخر، ولكن لما اتسعت المتون، ولأسباب ليس هذا مجال ذكرها، قد عرفة المعرفة الإسلامية انشطارا معرفيا بين ما سار يسمى بالعلوم الشرعية وما سار يسمى بالعلوم العقلية، كأن العلوم العقلية من فلسفة ومنطق ورياضيات وفلك...لا حضور لها في العلوم الشرعية والعكس صحيح. وقد سبب هذا الانشطار في مشكلات فكرية من جهة الفهم لكثير من الناس خاصة في زماننا هذا الذين ارتبطوا بالعلوم الشرعية وأعطوا بالظهر للعلوم العقلية، إلى درجة أنهم لم يولوا اهتماما لمختلف العلوم والتخصصات في مجالات العلوم الحقة والعلوم الإنسانية اليوم؛ لأنهم رأوا فيها بأنها علوم عقلية، بينما كل همهم هو العلوم الشرعية التي يفهمونها فهما مختلا، ففهمها لا يستقيم إلا بربطها بالعلوم العقلية، وفي هذا السياق تأتي أهمية العناية بالمعرفة والعلوم البينية.

فالتعويل على "الدراسات البيْنيّة اليومَ كبير نظراً إلى الإمكانات التي تتيحها أمام الباحثين الراغبين في فتح المَعابر بين الاختصاصات وتنمية المهارات البحثيّة وإغناء المعرفة بما يستطيع كلّ علم أو منهج أنْ يُسْهِمَ به في هذا الإطار. ولا جدال في أنّ الدراسات العربيّة تأخّرتْ كثيرا في فتْح المعابر بين الاختصاصات والإفادة من المناهج المتاحة في تنوّعها وتَعدّدها لمقاربة الوقائع والنصوص والأفهام".[1] وهذا التأخر في تقديرنا في جزء منه يعود لطبيعة الاضطراب الذي حصل في نظم المعرفة ومصادرها، بدءا من أواخر القرن التاسع عشر، الزمن الذي ارتبط فيه العالم الإسلامي والعربي بالنظام المعرفي الغربي، الذي كرس مفهوما آخر خاصا به لنظام المعرفة ومصادرها، وهو نظام يتميز بالقطع بشكل نهائي مع مصدر الوحي؛ إذ اكتفي بالحس والتجربة، وقد اتسع هذا المنهج في مختلف الجامعات في العالم الإسلامي، وقد لزم الأمر وقتا لترتيب مختلف القضايا والإشكالات الناتجة عن ذلك، ففي النصف الأخير من القرن العشرين ظهرت مشاريع علمية في المكتبة العربية الإسلامية تعنى بدراسة هذا الإشكال وبالعمل على تجسير الصلة بين التراث وعلومه وعلوم العصر، وقد خلقت بذلك مجالا واسعا للمعرفة والعلوم البينية.

فصول الكتاب

فالكتاب الذي بين أيدينا فهوم محاولة بحثيّة "جاءت لِتَكون لبنةً من لبنات أخرى تَعْمَلُ على إدراج مساريْ الشرعيّات والإنسانيّات تحت سقف المقاربة البيْنيّة، وهي محاولة واجدَةٌ مشروعيّتَها العلميّة في انكبابِها على معالجة موضوعها انطلاقاً من إشكاليّة مركزيّة نَصُوغها في هذا السؤال المركبّ تركيباً ثلاثيّاً: ما العوائق المنتصبة في وجه تشبيك العلوم الدينيّة والعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة؟ وما الإمكانات المتاحة لتذليلها؟ وما الوسائل التي تُيسّر هذه المهمّة؟"[2]

يضم الكتاب خمسة فصول، وهي: الفصل الأول بعنوان: تقاطع الاختصاصات...مقدّمات إبستيمولوجيّة وإشكاليّة، وهو استكشاف لما في الأفق البيْنيّ من إمكانات لمزيد تحسين الجدوى الإبستيمولوجيّة والمنهجيّة من مقاربة القضايا المراد بحثُها بناءً على فرضيّة ترى أنّه بالإمكان أنْ نجعل أيَّ مادّة بحثيّة متوفّرة على قابليّة أنْ تكون فضاءً خصباً للبحث البينيّ. مع العلم بازدياد الطلب على البحث البينيّ لدى الجماعات العلميّة اليوم لن تكون له نتائج نوعيّة قادرة على إحداث تغييرات جوهريّة في الأكاديميا العربيّة في باب الإنسانيّات إنْ لم يقع جرّ المعرفة الدينيّة المُنتَجة بالآليات والمنهجيّات التقليديّة إلى قلْب المعالجات البيْنيّة. فقد وجدنا اليومَ باحثين من مشاربَ علميّة متنوّعة يراهنون على خوض هذه التجربة من أجل فكّ العزلة عن المعرفة الدينيّة وإقحامها في مجرى المعارف الأخرى، وما يدفعهم إلى ذلك هو إيمانُهم بوجود مشتركات أو تقاطعات مطموسة أو مستبعَدة لسبب ما، وبأنّ النجاح في الكشف عنها يعطي للمعرفة الدينيّة الفرصةَ حتّى تَغْنَمَ ممّا لدى غيرها من العلوم من أدوات ومَداخل ومنهجيّات قادرة على الإضافة والتجديد.[3]

الفصل الثاني بعنوان: العلوم الدينيّة والعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة.. تأمّلات في البينيّة المهدورة. يرى المؤلف من خلال هذا الفصل بأن عمليّات التشبيك بين العلوم الدينيّة والعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة لم تُنْجَزْ في إطار إستراتيجيا معرفيّة وحضاريّة تستهدف النهوض بواقع المسلمين والتحرّرَ من التبعيّة ومَخاطرها، وإنّما جاءت في سياق صراعات التموقع بين الجماعات العلميّة، وفي إطار توظيف المعرفة لغير الأغراض الأصليّة الموضوعة لها.

فالواقع اليوم في أمس الحاجة إلى تمكين الوجدان الإسلاميّ المعاصر مِن أجوبة فَرَضَتْها أسئلة جديدة مَصْدَرُها حضارة العالَم الحديث الوضعانيّ والمُعَلْمن. والإقرار بأنّه ليس بإمكان علوم الدين أنْ تظلّ منغلقة على نفسها وظيفةً ومنهجاً في السياق الحداثيّ المُعَولَم، وبأنّ علوم الإنسان والمجتمع لن تكونَ في خدمة المجتمعات الإسلاميّة إنْ ظلّت مجرّدَ معارفَ تقنيّةٍ مدرسيّة معزولة عن هموم الناس وقضاياهم.[4]

الفصل الثالث بعنوان: علم الكلام والهرمينوطيقا.. أيّ رهان؟ يقترح المؤلف من خلاله التعاطي مع علم الكلام بكونه ؤفقاً تطبيقيّاً يستهدف من خلاله النظر في إمكانات سَحْبه من الحيّز العقائديّ الذي نشأ فيه، واستدراجه إلى منطقة تقاطع الاختصاصات عسى أنْ نظفَرَ بفائض القيمة الذي يُوفّره الرهان على البيْنيّة.

الفصل الرابع بعنوان: النسويّة الإسلاميّة ومغامرة التأويل. يدعو المؤلف من خلال هذا الفصل إلى العناية الخطاب النسويّ وذلك، بِدراسة كيفية تَوظيفَ الخطاب النسويّ أدواتٍ وعلوماً من حقول معرفيّة متعدّدة. فهو خطاب يَقترح على المسلمين مَداخِلَ إلى القرآن غيرَ مُجَرَّبَة عند مَن امتهنوا الدراسات القرآنيّة من علماء الدين التقليديّين، ويبشّرُ بأنّ الاستناد إليها كفيلٌ ببلورة رؤية تجديديّة للإسلام تنهض أساساً على تَمكين المرأة من المنزلة التي حُرِمتْ منها بسبب استئثار القراءة الذكوريّة بالتفسير وإنتاج القيم الاجتماعيّة التي تكرِّس التمييز بين الجنسيْن.

الفصل الخامس، وهو بعنوان: نحو إعادة بناء المجال الديني.. من البينيّة إلى الصهر. حذر المؤلف من تزييف عمليّات البيْنَنة المُلاحَظ في كثير من الخطابات التي يَعمَد أصحابُها إلى انتزاع بعض مفردات من هذا العلم أو ذاك والزجّ بها في كلام قديم لفظا وإحالةً. ويُخيَّلُ لمتلقّي الخطاب أنّ العبور من زمن إلى زمن، ومن ثقافة إلى ثقافة، ومن إبستيميّة إلى إبستيميّة قد تمّ بنجاح، والحقيقة أنّ العبور الناجع لا يكون إلّا بقطائع فعليّة تحصل في مستوى الوعي بأنّ لكلّ فكر سياقاً ومعقوليّة وعمراً، وبأنّ مَنْ اختارَ أنْ يبقى ثابتاً في مكانه مكتفياً بحراسة ما وَصَله من الأقدمين لا يلومَنّ غيرَه إنْ تَجاوَزه. فدَسُّ مُعْجَمٍ حديث في نسيج خطاب متوقّف في الزمان بسبب توقّف الحضارة التي يتكلّم بلسانها عن الحركة الإبداعيّة غيرُ ذي صلة بالبينيّة وإنْ أغرى ظاهره بها. مثلا، ما أورده علي الورديّ في هذا السياق ممّا ينبغي الانتباه إليه؛ لأنّ فيه بياناً لشروط العبور البيْنيّ: "يحاول بعض المتحذلقين من رجال الدين ادّعاء التجديد فيما يكتبون ويخطبون، وتراهم لذلك يحفظون بعض الألفاظ والمصطلحات الحديثة يتلقّفونها من المجلّات والجرائد المحليّة، ثمّ يكرّرونها في كلامهم إذْ يحسبون أنّهم بهذا قد صاروا 'مجدّدين'. ويحلو لبعضهم أن يقال عنه إنّه جمع بين القديم والحديث، ثمّ يرفع أنفه مغروراً بهذا العلم العجيب الذي وعاه في صدره"[5]. وأضاف مدقّقاً: «ينبغي أن يفهم هؤلاء أنّ التجديد في الفكر لا يعني التمشدق [كذا] بالمصطلحات الحديثة. إنّه بالأحرى تغيير عامّ في المقاييس الذهنيّة التي يجري عليها المرء في تفكيره»[6].

أهداف الدراسات البينية

تكامل المعرفة:

بربط وتكامل المدارس الفكرية للوصول إلى نتائج وفهم متكامل بين مختلف قطاعات المعرفة، والمساهمة في اخراج المعرفة من دائرة التجزيئي الذي يحصل معه التعارض والتضارب والتصادم، إلى دائرة الفهم الكلي الذي يحصل معه التوافق والتعاون والتآلف.

الارتقاء بالحوار الحضاري والثقافي:

قد تفيدنا المعرفة البينية اليوم في تجديد النظر في مصادر ونظم المعرفة في بعدها الكوني والإنساني، فالمعرفة الوضعية قد افلحت في دراسة المادة ولكن، أثبتت التجربة بأن العالم بما فيه الإنسان، لا يمكن اختزاله في المادة فقط، فهو أوسع وأكبر من ذلك، فبالضرورة أن ينظر الى الانسان اليوم بكونه كائن روحي، وتجاوز المعرفة الوضعية التي تصر على اختزاله في ما هو طبيعي.

الإبداع في طرائق التفكير:

وذلك بتطوير القدرة على عرض القضايا ومزج المعلومات ووجهات النظر والافتراضات.

[1] مقدمة الكتاب

[2] مقدمة الكتاب

[3] مقدمة الفصل الأول من الكتاب

[4] الفصل الثاني من الكتاب

[5] علي الوردي، مهزلة العقل البشري، (بيروت: دار كوفان للنشر، 1994)، ص: 9

[6] نفسه، الصفحة نفسها.