كتاب "في الليبرالية أصولها تحولاتها وعلاقاتها" مناف الحمد
فئة : قراءات في كتب
كتاب "في الليبرالية أصولها تحولاتها وعلاقاتها"
مناف الحمد
صدر عن دار مؤمنون بلا حدود كتاب بعنوان: "في الليبرالية أصولها تحولاتها وعلاقاتها" لمناف الحمد. الطبعة الأولى 2023م / من 466 صفحة.
فكرة الكتاب
تركز الليبرالية على الحرية الفردية، وحرية التفكير، والتعبير، والملكية الخاصة، والحرية الشخصية وغيرها. ويسعى هذا المذهب إلى وضع القيود على السلطة، وتقليل دورها، وإبعاد الحكومة عن السوق، وتوسيع الحريات المدنية؛ وذلك على أساس علماني، ويرى أنه مستقل بذاته في إدراك احتياجاته، وقد تطورت الليبرالية ابتداءً من القرن السادس عشر، ولازالت مناقشة الليبرالية في معظم الأعمال تجنح إلى اختزالها في جوهرها المفترض في الليبرالية الكلاسيكية انتصاراً لحرية الفرد.
هذا العمل هو محاولة لتفكيك وتحليل بنية مفهوم الليبرالية عبر مراحل تشكله التاريخية، وما طرأ على هذه البنية من تحولات تاريخية، والتشريح الخارجي لليبرالية عبر تسليط الضوء على علاقاتها المتداخلة مفهومياً وتاريخياً مع الدين والديمقراطية، وهو ما فرض اعتماد مناهج عدة كالتاريخي والبنيوي والمقارن. وقد اعتمد الباحث تصنيفاً لمراحل الليبرالية قسمها إلى: ليبرالية كلاسيكية، وحديثة، ومعاصرة، وجديدة، وهو تصنيف إجرائي كان الغرض منه تسليط الضوء على بؤرة التركيز في كل مرحلة مع تأكيد وجود نواة صلبة لليبرالية التي ظلت في منحى عن التحولات التي أصابتها، وتأكيد استحالة الفصل الصارم بين مرحلة وأخرى.[1]
فصول الكتاب
انطلق المؤلف في الفصل الأول من نقطة تشكل مفهوم (الليبرالية) جنيناً نتيجة عوامل مفهومية وتاريخية؛ وذلك عبر تحليل عوامل ظهور الفردية التي أسست لمفهوم الذاتية في سياق الحداثة وما تزامن مع ذلك من أحداث تاريخية منحت المفهوم بنيته الأساسية، ثم انتقل في الفصل الثاني إلى تفكيك بنية الليبرالية الكلاسيكية عبر تحليل نظريات آبائها المؤسسين، ومنعطف الثورة الفرنسية الذي ساهم أيضاً في تشكيل مفاهيم أساسية لفلاسفة ليبراليين لاحقين، ثم ناقش البحث أسباب أزمة الليبرالية الكلاسيكية قبل أن ينتقل في الفصل الثالث إلى الليبرالية الحديثة التي جاورت فيها بذور الجماعاتية مفاهيم الفردية، ويستعرض البحث نظريات أهم فلاسفة الليبرالية الحديثة. في الفصل الرابع يناقش البحث الليبرالية المعاصرة التي كان تركيز منظريها الأساسي منصبّاً على التعددية الثقافية وحقوق الجماعات. أما الفصل الخامس، فحاول فيه فهم أسباب ظهور الليبرالية الجديدة التي يعدها البحث انحرافاً مغالياً عن القيم الإنسانية لليبرالية في أشكالها السابقة بمحاولتها تسليع كل شيء. وفي الفصل السادس، انتقل البحث إلى محاولة فهم بنية الليبرالية عبر تحليل علاقتها بالديمقراطية وتوضيح مناطق التعارض بينهما، ويقدم مقترحات للتوفيق بينهما كما يعرض نظريتي رولز في الديمقراطية التعاقدية ونظرية هابرماس في النظرية التداولية والفروق بينهما. أما الفصل السابع، فيعرض تصوراًت جديدة لعلاقة الليبرالية بالدين، وهي علاقة تفضي حتماً إلى مناقشة علاقة الليبرالية بالعلمانية. وفي الفصل الثامن، يناقش البحث محاولات استنباط ليبرالية من جوف التراث الإسلامي عبر تحليل مفهوم الذات في كلا المنظومتين ومعوقات تبيئة الذات الليبرالية، وكشف المعوقات التراثية لانتشار الحريات الليبرالية، ثم بمحاولة مقاربة تصور الفكر الإسلامي المعاصر للدولة المدنية عبر مقاربة هذا الفكر لحكم القانون والمشاركة السياسية والحقوق السياسية والمدنية للمواطنين وتقييد سلطة الدولة، ثم ينتقل إلى مفهوم التعددية في الفكر الإسلامي المعاصر من منظور الليبرالية السياسية المعاصرة، ثم يقدم نقداً لهذا التصور. ويقدم الباحث في الفصل التاسع، وجهة نظر تحاول تجاوز المواقف السلبية التي تطالب بالتخلي عن الموروث الإسلامي، بسبب فواته وتجاوز المواقف الأيديولوجية التي تقدم خطابات دفاعية اعتذارية تقوم على جر الإسلام جرّاً تعسفياً إلى الاقتراب من المفاهيم الليبرالية؛ وذلك عبر مناقشة مفهوم الكلي الاسمي واقتراح كيفية استثماره، ومناقشة العلاقة بين الثيولوجيا الليبرالية والعرفان الإسلامي. وهذه السمة حديثة العهد تنفع في تبرئة الليبرالية من انحراف الليبرالية الجديدة، التي ألغت البعد الأخلاقي الكامن في قلب الليبرالية ومثلت تطوراً مغالياً من تطوراتها لا يقيم وزناً لأي قيمة إنسانية.[2]
مراحل اللبرالية
- الليبرالية الكلاسيكية: هي النواة الصلبة التي تدور في فلكها تجليات الليبرالية المختلفة، هي مفهوم الفردية، فإن الفردية تبقى الجوهر الذي لا يمكن لليبرالية أن تكون من دونه. هذا الجوهر يتجلى في صورته الأوضح في الليبرالية الكلاسيكية التي تتمحور حول الفرد: حريته واستقلاليته وحقوقه الأساسية الأخرى. وقد عرفت الليبرالية الكلاسيكية في نهاية القرن التاسع عشر أزمة كبيرة، بدا تحت وطأتها أن الأفكار الليبرالية التي تم ابتسارها ب 'سياسة 'دعه يعمل' من طرف الحكومات المحافظة عاجزة عن حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية؛ الأمر الذي اضطرها إلى إعادة هيكلة نفسها ما بين 1880 و1920 في أنموذج حديث قام على تعزيز المعتقدات الأساسية، إضافة إلى تعميم وتعزيز مبادئ تتعلق بالحرية الفردية وقيم المسؤولية الاجتماعية والتضامن والمساواة والصالح العام.[3]
- الليبرالية الحديثة: استدعت الليبرالية الحديثة الدولة للتدخل في المجال الاقتصادي لتدجين الإفراط السلبي للرأسمالية والسوق، كما طولبت الدولة من طرف الليبرالية الحديثة بالتدخل في المجال الخاص والمجتمع المدني كالصحة والتعليم، البطالة، علاقات العمل ونقابات العمال، وهو ما استدعى تخلياً عن العقيدة الليبرالية التي ترفض مبدأ تفويض السلطات وسمح بظهور وكالات إدارية مستقلة تقع تحت إدارة السلطات التنفيذية مثل الضمان الاجتماعي. فتحرير المواهب الفردية ومساعدتها على تنمية ذاتها من أجل الخير العام هو ما تهدف إليه الليبرالية الحديثة، وهو الكفيل بمواجهة الامتيازات الاجتماعية للولادة والنشأة والوضع الاقتصادي الموروث. في الوقت الذي كان فيه تدخل الدولة في الليبرالية الكلاسيكية لعنة يجب حماية الأفراد من اعتباطيته، راهنت الليبرالية الحديثة على قدرة الدولة على التصرف لمصلحة الجميع وأصبحت هي المعول عليها في تحقيق الرفاهية، وهو ما يجعل الليبرالية بعد الكلاسيكية سلف دولة الرفاه الاجتماعي.[4]
- الليبرالية المعاصرة: تأخذ الليبرالية المعاصرة التزاماتها من قيمها الأصلية لاحترام الأشخاص والاعتراف بشخصياتهم الأخلاقية؛ فهي لا تستطيع أن تكون متسرعة في عدّ كل عبارات الاعتراف والاحترام والتسامح في التقاليد الأخرى كفيلة بإنتاج التزام متساوٍ بالحيادية، وقيم الاعتراف والتسامح والاحترام هي عناصر حاسمة في عقيدة المواطنة، لكنّ ملأها بطريقة مرضية من منظور إسلامي يتطلب أكثر من فكرة أساسية عن «التعددية كقضاء إلهي». إنها تحتاج قيماً أخرى والتزامات أخلاقية أخرى.[5]
- الليبرالية الجديدة: دراسة الليبرالية الجديدة تقتضي إدراك سمتين أساسيتين وهما: إضفاؤها قيمة أسمى من أي قيمة لعالم الأعمال وعدها المال مقدساً، وتضييعها الحدود بين الخير والشر وإنكارها القيم المطلقة بربطها بنسبية أخلاقية تستدعي غموضاً أخلاقياً.[6]
من أوجه المشترك بين الليبرالية والإسلام
يرى المؤلف أن المشترك بين الإسلام والليبرالية هو مفهوم الفردية؛ فالفردية هي النواة الصلبة لليبرالية التي ظلت التحولات في بنية الليبرالية تدور في فلكها. أما في الإسلام، فإن الفرد هو المخاطب بالتكليفات ابتداء، وهو من يتحمل مسؤولية أفعاله لوحده عند اللقاء بخالقه: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً} [مَريَم/95] وهذا الاشتراك ليس بمفهوم المطابقة، بل بمفهوم الاختلاف بين المنظومتين؛ فبينما تطور الفرد عبر الانتقال إلى المواطن في الفكر الليبرالي لم يتحقق ذلك في الرؤية الإسلامية.
ومن أوجه المشترك بين المنظومتين مفهوم التنوع الذي تعالجه كل من المنظومتين بطريقة مختلفة؛ فبينما يعد في الفكر الإسلامي قضاء إلهياً، لا تكتفي الليبرالية بالإقرار به، وإنما تحاول أن تشتق منه نظريات للتعددية الثقافية تحاول أن تؤمن حقوق الجماعات المختلفة بالانطلاق من القاعدة الأساسية التي هي حقوق الأفراد.
[1] تمهيد الكتاب
[2] تمهيد الكتاب
[3] الفصل الثاني من الكتاب
[4] الفصل الثالث من الكتاب
[5] الفصل الرابع من الكتاب
[6] الفصل الخامس من الكتاب