ماركس والدِّين

فئة :  مقالات

ماركس والدِّين

ماركس والدِّين

4-1- الدِّين كاستلاب

منذ بداية مؤلَّف «حول الدِّين» الَّذي جُمِعَتْ فيه نصوص ماركس أساساً ثمَّ إنغلز بعد ذلك، والتَّأثير السِّيكولوجيُّ واضح لموقف الفيلسوف من الدِّين، ثمَّ لتفسير الدِّين سيكولوجيَّاً فيما بعد. في مقدِّمة أطروحته للدكتوراه الموسومة بــ «الفرق بين فلسفة الطَّبيعة عند ديمقريطس وفلسفة الطَّبيعة عند أبيقوروس»-فهو بهذه الأطروحة، إحيائيٌّ ينخرط في النَّهضة الَّتي عرفتها أوروبا أواخر القرن 14م وبداية القرن 15م في إحياء كلِّ ما هو إغريقيٌّ رومانيٌّ-. يذكر ماركس أنَّه أضاف في ملحق كتابه نقداً لمجادلة بلوتارك لِلَاهوت أبيقوروس؛ لأنَّ المجادلة تبسط على نحو مذهل كيف يتصرَّف الفكر لاهوتيُّ النَّزعة إزاء الفلسفة، ومدى خطورة وجهة نظر بلوتارك الَّتي تجعل الفلسفة تمثُل أمام محكمة الدِّين. ويعتمد ماركس في نقده للمجادلة تلك على مقطع من مؤلَّف الفيلسوف ديفيد هيوم «بحث في الطَّبيعة الإنسانيَّة» يُبيِّن فيه أنَّ الفلسفة عزيزة سامية مثل مَلِكٍ، وأنَّ من الهوان أن نرغمها على الدِّفاع عن نفسها أمام أبنائها من الفنون والعلوم الَّتي يحنقهم وجودها، كدفاع الملك عن نفسه أمام رعاياه الَّذين يتَّهمونه بالخيانة العظمى، ثمَّ يقرِّر ماركس أنَّ الفلسفة لها قلب هو الحرِّيَّة، ومادامت حيَّة فستصرخ مع أبيقوروس في وجه الخصوم: «ليس الكافر مَن يحتقر آلهة الجمهور وإنَّما الكافر مَن يتبنَّى تصوُّر الجمهور عن الآلهة»، ويرى ماركس أنَّ الفلسفة تقف دائماً ضدَّ كلِّ آلهة السَّماء والأرض الَّذين لا يعترفون بالوعي الإنسانيِّ إلهاً أسمى لا يتحمَّل أي منافس. وشهادتها هي شهادة بروميثيوس: «بكلمةِ، أنا أكره جميع الآلهة، فهم مدينون لي وبسببهم أُعَامَلُ معاملة جائرة». وأخيراً يعتبرُ ماركس بروميثيوس هو أنبل قِدِّيسي تاريخ الفلسفة وشهدائها لأنَّه توجَّه بالقول إلى هرمس خادم الآلهة: «تأكَّدْ أنِّي لن أستبدل عبوديَّتك بمصيري البائس. إنَّني أفضِّل أن أبقى مكبَّلاً في هذه الصَّخرة على أن أكون خادماً أميناً ورسولاً لـ'زيوس' أب الآلهة! هكذا يحسن أن نُجابه المتكبِّرين بكبريائهم»[1].

وهو -أي ماركس- بهذه المعاني مُفكِّر أنواريٌّ يُعْلِي من شأن الوعي والتَّفكير والعقل على حساب الدِّين والتَّقاليد، ويُقدِّرُ غالياً ثمن الحرِّيَّة عوض الخضوع لكبرياء المتكبِّرين وخدمتهم حتَّى لو كانوا آلهة.

أمَّا في مقالة «نقد فلسفة الحقوق عند هيغل»، الَّتي نُشرت في الحوليَّات الفرنسيَّة- الألمانيَّة بباريس عام 1844، فقد عبَّر ماركس أبلغ تعبير عمَّا يمكن إدخاله في سيكولوجيَّة الدِّين بقوله: «الإنسان الَّذي لم يجد في واقع السَّماء الوهميِّ -حيث كان يبحث عن الإنسان الأعلى [السُّوبرمانيِّ]- إلَّا انعكاساً أو صورة لذاته، لن يكتفي بعد ذلك بأن لا يجد سوى مظهر ذاته وحسب، سوى اللَّاإنسان، وإنَّما يبحث هنا بالضَّرورة عن حقيقته الواقعيَّة»[2].

هذه عمليَّة وعي مقلوب، أراد الإنسان -المسيحيُّ والألمانيُّ خاصَّة- أن يبحث عن كائن أقوى في عالم السَّماء؛ فارتدَّ له البحث في نتيجة هي انعكاس ذاته وصورة ذاته في مظهرها، وليس في حقيقتها. وغدَا من الضَّروريِّ أن يبحث عن ذاته الحقيقيَّة، وحقيقته الواقعيَّة، ليس في عالم السَّماء، بل في عالم الأرض؛ ليس في عالم الدِّين، بل في عالم الدَّولة والمجتمع؛ لأنَّهما ينتجان الدِّين كوعي مقلوب للعالم. وهذه مرحلة أولى في تصحيح الوعي المغلوط، الَّذي يقرُّ بأنَّ «الدِّين هو الَّذي يصنع الإنسان، وأنَّ الدِّين هو وعي الذَّات والشُّعور بالذَّات لدى الإنسان الَّذي لم يجد بعْدُ ذاته، أو الَّذي فقدها... الدِّين هو النَّظريَّة العامَّة لهذا العالم، خلاصته الموسوعيَّة، منطقهُ في صيغته الشَّعبيَّة، موضع اعتزازه الرُّوحيِّ، حماسته، تكريسه الأخلاقيُّ، تكملته الاحتفاليَّة، عزاؤه وتبريره الشَّاملان.. إنَّه التَّحقيق الوهميُّ للكائن الإنسانيِّ»[3].

ما دام الدِّين يصنع الإنسان المغترب عن ذاته أو الفاقد لها، فهو يتَّخذ منه مرجعاً نظريَّاً له لرؤية العالم، وإطاراً جامعاً يلمُّ شتات معارفه، ومنطقاً شعبيَّاً لتفكيره، ومصدراً لافتخاره وحماسته وأخلاقه واحتفائه، وموئلاً يرجع إليه ليبرِّرَ ما عجز عن إدراكه، أي في كلمة واحدة تحقيق وهميٌّ له، أي إدراكٌ وفكرٌ وحكمٌ وتأويلٌ لا علاقة له بالحقيقة، ولا بالواقع. ومن ذلك أنَّ «الإنسان هو الَّذي يصنع الدِّين في مختلف تجلِّياته النَّفسيَّة (الاغتراب)، والاقتصاديَّة (بيع صكوك الغفران)، والسِّياسيَّة (الحلف المقدَّس للدُّول المعادية للثَّورة ضدَّ الحركات التَّقدُّميَّة في أوروبا بعد الانتصار على نابليون عام 1815 والتزام الدُّول الأوروبيَّة بالحفاظ على الملكيَّة والدِّين المسيحيِّ وحماية بلدانهم من الهزَّات الثَّوريَّة)»[4].

تبدأ المرحلة الثَّانية في تصحيح الوعي المغلوط للدِّين بعد إدراك أنَّ الدِّين هو سبب التَّعاسة والشَّقاء، وهو أنين الكائن المعذَّب ووادي دموع المخلوق المحروم، وتعبير روحيٌّ فوقيٌّ عن عالم بلا روح وبلا قلب في ظلِّ ظروف اجتماعيَّة لا تعرف الرَّحمة، يستعمله القائمون على هذا العالم وعلى المجتمع كمخدِّر للشُّعوب، لمنحهم سعادة وهميَّة. إنَّه سلاسل مقيِّدة للإنسان قد غطّت بزهور وهميَّة؛ أي إنَّه استلابٌ ذاتيٌّ في هيأة مقدَّسة تُثبت بقناع، غرضه تجميد الإنسان في مرحلة ما قبل سنِّ الرُّشد.

إن هذه الأفكار، الَّتي تضرب بعُمقها في قلب علم النَّفس المرَضيِّ، والَّتي سيعبِّر عنها ماركس بأسلوب جدليٍّ وفاتن أخَّاذ، هي الَّتي سيجد من خلالها الحلَّ لتصحيح الوعي المغلوط للدِّين في المرحلة الثَّانية، على طريقة علماء النَّفس الاجتماعيِّ وعلماء الاجتماع. يقول ماركس في وصف تلك الأفكار: «إنَّ التَّعاسة الدِّينيَّة هي، في شطرٍ منها، تعبير عن التَّعاسة الواقعيَّة - وهي، من جهة أخرى، احتجاج على التَّعاسة الواقعيَّة - الدِّين زفرة المخلوق المضطهَد، روح عالم لا قلب له، كما أنَّه روح الظُّروف الاجتماعيَّة الَّتي طرد منها الرُّوح.. إنَّه أفيون الشُّعوب»[5].

أمَّا المرحلة الثَّالثة في تصحيح الوعي، فهي ما يُعبِّر عنه أحياناً بإلغاء الدِّين. يقول ماركس: «إنَّ إلغاء الدِّين، من حيث هو سعادة وهميَّة للشَّعب، هو ما يتطلَّبه صُنع سعادته الفعليَّة. أنْ تطلبَ تخلِّي الشَّعب عن الوهم حول وضعه هو أنْ تطلبَ التَّخلِّي عن وضع بحاجة إلى وهم»[6].

ويعبِّر ماركس عن إلغاء الدِّين أحياناً كثيرةً بـ «نقد الدِّين»؛ فهو يقول: «نقد الدِّين هو بداية نقد وادي الدُّموع، الَّذي يؤلِّف الدِّين هالتَه العليا (...) إنَّ نقد الدِّين يدمِّر أوهام الإنسان، لكي يفكِّر، ويفعل، ويكيِّف واقعه بصفته إنساناً تخلَّص من الأوهام، وبلغ سنَّ الرُّشد لكي يدور حول نفسه؛ أي حول شمسه الواقعيَّة»[7].

أمَّا عن هذا النَّقد على طريقة علماء النَّفس الاجتماعيِّ وعلماء الاجتماع، فماركس يرى، منذ البداية، أنَّ نقد الدِّين هو الشَّرط الممهِّد لكلِّ نقد لإزالة عالم الوهم؛ عالم ما وراء الحقيقة؛ أي: عالم السَّماء، ليتأتَّى -بعد ذلك- التَّحوُّل إلى عالم الحقيقة؛ أي عالم الأرض. و«بذلك، يتحوَّل نقد السَّماء إلى نقد الأرض؛ ونقد الدِّين إلى نقد الحقوق؛ ونقد اللَّاهوت إلى نقد السِّياسة»[8]، وهذه هي مهمَّة التَّاريخ الَّتي تضطلع بها الفلسفة الَّتي تخدم التَّاريخ، بعد أن يتمَّ فضح الشَّكل المقدَّس للاستلاب الذَّاتيِّ للإنسان، وينزع القناع عن الاستلاب الذَّاتيِّ في أشكاله غير المقدَّسة.

إنَّ الاستلاب -في هذه الدَّلالة- هو حالة الفرد الَّذي تُكْرِهُه شروط اقتصاديَّة وسياسيَّة ودينيَّة على ألَّا ينتمي إلى ذاته؛ فيصير عبداً للأشياء، وللآخرين الَّذي يتألَّبون ضدَّه؛ فلا يَعُود مِلكاً لنفسه، بل لغيره الَّذين يأْلفون إخضاعه وإذلاله وامتلاكه، وهو هنا مسلوب الإرادة، فاقد الوعي، مشلول الحركة كَمَن تناول مخدِّراً أخرجه عن حالته الطَّبيعيَّة، فأصبح كالمريض العقليِّ الَّذي يُعرَّفُ عادة بكونه «ذلك الفرد الَّذي لا يسلك بكيفيَّة عاديَّة داخل جماعته الاجتماعيَّة، الَّتي يصير 'غريباً' عنها بفعل مرضه العقليِّ»[9].

وهناك الاغتراب عن الذَّات، وعن المجتمع، وعن التَّاريخ، وعن العالم؛ هذا الأخير يمكن إدخاله في الفصام، الُّذي يُعرَّف «كمرض عقليٍّ حادٍّ، خاصِّيَّته فقدان العلاقة مع الواقع، وانحطاط عميق للصِّلة البين-الإنسانية كسبب في اللَّاتوافق الاجتماعيِّ للفرد... إنَّه ينعزل عن العالم الخارجيِّ؛ لأنَّه محبط، ويخلق لنفسه -في مقابل ذلك- عالمه الخاصَّ الّذي يُشكِّله على هواه، حيث يكون فيه هو الأقوى»[10].

ودونما توغُّل في تحليل معالم تثبت الفرد الدِّينيَّ في مرحلة ما قبل الرُّشد، ينبغي التَّنبيه إلى أنَّ ماركس لم يكن همُّه، ولا موضوعه، الدِّين بإطلاق، وإنَّما هو الدِّين المسيحيُّ، وداخل هذا الدِّين العقيدة الكاثوليكيَّة الَّتي جَنَت على النَّاس وعلى العلماء، وعرَّضَتهم لمحاكم التَّفتيش، وارتكبت في حقِّهم الجرائم -أمَّا العقيدة البروتستانتيَّة، فلا يكيل لها هذا النَّقد اللَّاذع، بل يعدُّها مرحلة في تحرُّر الإنسان-. كما لم يكن هاجسه كلَّ العالم، أو على الأقلِّ العالم الأوروبيَّ، وإنَّما هو ألمانيا؛ ألمانيا زمانه، المتخلفة على كلِّ الصُّعُد مقارنة مع غيرها، وخاصَّة فرنسا الثَّورة، وفرنسا حقوق الإنسان، الَّتي سبق لهيغل أن افتتن بها، ومدحها. وبالمثل لم يكن هدف ماركس هو نقد الدِّين لأجل إلغائه، وإنَّما يزيحه ليخلي المكان للفلسفة؛ ليس فلسفة الفلاسفة المنظِّرين أو الأساتذة، بل فلسفة البروليتاريا كسلاح لانعتاق الألمان، وتحويلهم ممّا دون البشر إلى مستوى البشر. يقول ماركس: «إنَّ ما نبسطه الآن، وهو إسهام في هذا العمل، يستهدف بادئ ذي بدء بالنَّقد لا الأصليِّ، بل نسخة ما، الفلسفة الألمانية في الدَّولة والحقوق، وذلك بسبب وحيد، وهو أنَّه يتعلَّق بألمانيا»[11]؛ لأنَّ الأمر يتعلَّق بمفارقة تاريخيَّة بين واقع أوروبا وواقع ألمانيا. يذهب ماركس أبعد حين يقرُّ بأنَّه لو أنكر وضع ألمانيا عشيَّة 1843حين كتب هذا النَّقد، فإنَّه سيجد نفسه -حسب التَّقويم الفرنسيِّ- في عام 1789 بالكاد، أو أبعد من ذلك. إنَّ ألمانيا تعيش عهود الرَّجعيَّة، ولا فائدة من حماسة بعض السُّذَّج المحبِّين لأصولهم التِّيوتونيَّة بالوراثة، وإنَّما لا بُدَّ من إعلانها «حرباً على الأوضاع الألمانيَّة؛ فهي دون مستوى التَّاريخ، ودون مستوى أيِّ نقد، ولكنَّها تبقى موضوع نقد.»[12].. هذه الحرب تبدأ بالدِّين كإيديولوجيا، ثمَّ تنتقل إلى السِّياسة ومَن يمثِّلها. يقول ماركس: «إنَّ الإيديولوجيَّات الألمانيَّة للدَّولة العصريَّة، الَّتي تغفل الإنسان الواقعيَّ، لم تكن ممكنة إلَّا بقدر ما تغفل الدَّولة العصريَّة بالذَّات إنسان الواقع، أو لا تُرْضي الإنسان الكلِّيَّ إلَّا بصورة وهميَّة»[13].

لذلك، تتطلَّب إزالةُ الوهم مواجهةَ الدَّولة في ألمانيا سلاحاً نقديَّاً في صورة قوَّة نظريَّة تتحوَّل إلى قوَّة مادِّيَّة لَمَّا تستحوذ على الجماهير؛ أي لَمَّا تتأسَّس على براهين واقعيَّة، على مقاس الإنسان؛ ولَمَّا تصير جذريَّة، وتمسك بالأشياء من جذورها. ولا جذر إلَّا الإنسان؛ فهو المنطلَق، وهو الغاية، وليس الدِّين. فالإنسان هو الأسمى والأعلى، وكلُّ مَن يحول دون هذه الحقيقة فهو ضدُّ الإنسان[14].

إنّ القوَّة النَّظريَّة لإزالة الوهم هي الفلسفة، والجماهير الَّتي استحوذت عليها هي البروليتاريا، وهما مَن يستطيعان صنع الثَّورة في ألمانيا؛ وبالتَّالي انعتاق الإنسان الألمانيِّ كرمز لانعتاق الإنسان؛ إذ ذاك يبدأ فجر الانبعاث الألمانيِّ، الَّذي عليه أن يستمدَّه من فرنسا الحرِّيَّة والثَّورة واحترام الإنسان. وقد عبَّرَ ماركس مرَّة أُخرى عن هذا بأسلوب جدليٍّ أخَّاذ. يقول: «إنَّ الفلسفة تجد في البروليتاريا أسلحتها المادِّيَّة، كما تجد البروليتاريا في الفلسفة أسلحتَها الفكريَّة (...) إنَّ تحرُّر ألمانيا الوحيد الممكن عمليَّاً هو تحرُّرها على أساس النَّظريَّة الَّتي تنادي بأنَّ الإنسان هو الكائن الأسمى للإنسان ذاته (...) في ألمانيا لا يمكن تحطيم أيِّ شكل من أشكال العبوديَّة إلَّا بتحطيم كلِّ أشكال العبوديَّة (...) لا تستطيع أن تصنع ثورة دون أن تصنع الثَّورة الَّتي تقلب كلَّ شيء رأساً على عقب (...) إنَّ رأس هذا الانعتاق هو الفلسفة، وقلبه هو البروليتاريا»[15].

إن ماركس في هذا النَّصِّ -وفي غيره- ثوريٌّ جذريٌّ، ضدَّ إيديولوجيا العصر الوسيط؛ أي: الدِّين، وضدَّ سياسة الاستبداد الَّتي تُمثِّلها الملكيَّة في ألمانيا، والَّتي تتسلَّط على الشَّعب الألمانيِّ. والبديل هو الفلسفة الواقعيَّة، الَّتي تُخرج الشَّعب من الوهم والعبوديَّة، بفضل طبقة البروليتاريا؛ ذلك أنَّ «الإمكانيَّة الأكيدة للانعتاق الألمانيِّ توجد في تكوُّن طبقة ذات قيود جذريَّة، طبقة من المجتمع المدنيِّ ليست طبقة المجتمع المدنيِّ، فئة تُشكِّل ذوبان كلِّ الفئات... هذا الذَّوبان للمجتمع المتحقِّق في طبقة مفردة هو: البروليتاريا»[16].

هذا ما ينبغي فهمه في علاقة الدِّين بالثَّورة والبروليتاريا. فالبروليتاريا هي طبقة من المجتمع المدنيِّ ذابت فيها كلُّ الفئات الاجتماعيَّة. هنا لم يخالف ماركس أستاذَه هيغل في دور المجتمع المدنيِّ، لكنَّه أضفى عليه الصِّفة الثَّوريَّة لتغيير المجتمع والدَّولة الألمانيَّة، وتحقيق الفلسفة، وتصالح الوعي مع الذَّات ومع الواقع، وإلغاء أشكال الوعي الَّتي تُكرِّس عبوديَّة الإنسان، وتجعله مُستلَباً ومغترِباً.

4-2- الدِّين كعلاقة عاطفيَّة:

اعتمدنا في هذه الفقرة على مؤلَّف فريدريك إنغلز «لودفيغ فيورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكيَّة الألمانيَّة»، إلَّا أنَّه يُذكِّر دائماً بفضل ماركس من جهة، وبعلاقته هو وماركس بفيورباخ من جهة أخرى؛ إذ يقول: «بدا لي أنَّ علينا دَيْنُ شرف ينبغي أن نفيه بالاعتراف بلا تحفُّظ، [يتعلَّق] بالتَّأثير الَّذي مارسَه خلال فترة جيشَانِنا وعلى نحو أعمق من أيِّ فيلسوف آخَر بعد-هيجيلي، [هو] فيورباخ علينا»[17].

وبتعبير آخَر: ما كان يمكن للمرء أن يتحوَّل مِن هيغيليٍّ إلى ماركسيٍّ، ومن مثاليٍّ مُطلَق إلى مادِّيٍّ تاريخيٍّ، دون أن يكون قد تمَّ انصهاره في القناة الفيورباخيَّة، وتطهيره داخل فُرنها ليصبح معدناً أصيلاً على طريقة الماركسيِّين. وقد كتب ماركس، في دفتر قديم، الأطروحات الإحدى عشْرة حول فيورباخ كملاحظات رُشِقَت بسرعة على الورق لكي يتمَّ إعدادها، وإنضاجها فيما بعد، لولا أنَّ الموت حال دون إتمام ذلك -كما يعترف إنغلز نفسه-.

وبهذا المعنى، فماركس هيغليٌّ شابٌّ، وفيورباخيٌّ ينتمي إلى الجناح اليساريِّ في المدرسةالهيغيليَّة، الَّتي عرفت التَّصدُّع ما بين 1830 و1840، وخرج منها هؤلاء الَّذين ناضلوا ضدَّ إقطاعيَّة الملك فريدريك غيوم الرَّابع، وضدَّ التَّزمُّت الأرثوذكسيِّ؛ بالذَّهاب مباشَرةً إلى تحطيم الدِّين التَّقليديِّ والدَّولة القائمة[18].. هكذا كتب دافيد ستراوس «حياة يسوع» عام 1835، وقدَّم فيه المسيح لا كإله، بل كشخصيَّة تاريخيَّة سامية، وعدَّ حكايات الإنجيل أساطير لا واعية خرجَت من الجماعات المسيحيَّة الأولى. ثمَّ ظهر كتاب فيورباخ «جوهر المسيحيَّة»، الَّذي عدَّ فيه الدِّين علاقة عاطفيَّة بين قلوب البشر فيما بينهم، ما تزال تبحث حتَّى اليوم عن حقيقتها في انعكاس وهميٍّ للواقع بواسطة إله واحد أو آلهة متعدِّدة.. هي انعكاسات وهميَّة للصِّفات الإنسانيَّة، تجدها الآن مباشرة، دون وسيط، في الحبِّ، وعبَّرَ عنها بالقول: «إنَّ المراحل الإنسانيَّة لا تتمايز عن بعضها إلَّا بتغيُّرات من نوعٍ دينيٍّ، ليس من حركات تاريخيَّة عميقة، إلَّا الحركات الَّتي تذهب حتَّى القلب الإنسانيِّ... إنَّه -أي القلب- جوهر الدِّين»[19].. هذا التَّفسير للتَّاريخ بالدِّين والحُبِّ لم يَرُقْ لإنغلز -مثلما لن يروقَ لماركس كما سنرى-.

وعندما يتعلَّق الأمر بالدِّيانات العالميَّة، أو الدِّيانات الكونيَّة الكبرى الموجودة حتَّى زمانها، وهي البوذيَّة والمسيحيَّة والإسلام، يقول إنغلز: «إنَّ انعطافات تاريخيَّة كبيرة لم تكن مترافقة مع تغيُّرات من نوع دينيٍّ إلَّا بقدر ما تدخل في الحساب الأديان العالميَّة الثَّلاثة الموجودة حتَّى الآن: البوذيَّة والمسيحيَّة والإسلام»[20]. أمَّا لما يتعلَّق الأمر بديانات قديمة لقبائل وأُمم، فإنَّها تندثر بتحطُّم تلك الأمم والقبائل خاصَّة. ويزيد تأكيد إنغلز على المسيحيَّة والإسلام، وهو بصدد اعتراضه على فيورباخ بالقول: «فيما يخصُّ المسيحيَّة والإسلام بوجه خاصٍّ، نلاحظ أنَّ الحركات التَّاريخيَّة الواسعة تأخذ طابعاً دينيَّاً»[21].

إلَّا أنَّه ما يفتأ معترضاً على فيورباخ، الَّذي يُفسِّر الدِّين على شاكلة الفيلولوجيِّين، انطلاقاً من الاشتقاق اللُّغويِّ للكلمة، الَّتي تحدَّرَت من اللَّاتينيَّة Religare، والَّتي تفيد الوصل والرَّبط والاتِّحاد بين البشر على أساس التَّجاذب والحنوِّ والحبِّ والجنس؛ هذا الأخير الَّذي به يرفع فيورباخ الحبَّ والاتِّحاد الجنسيَّ إلى مصافِّ الدِّين. و«على هذا، يصبح الحبُّ الجنسيُّ -في النِّهاية- أحد أرفع الأشكال، إن لم نقل الأرفع، لممارسة دِينه الجديد»[22].

وينتج عن هذا الأساس، لدى فيورباخ، نظريَّته في السَّعادة، الَّتي تستحضر الغيريَّة بكلِّ أبعادها؛ من تقدير واحترام وتعاطف وإحساس بمعاناة الغير، وهو مِمَّا لا يروق الماركسيِّين، وإنغلز على رأسهم؛ إذ يقول: «إذا أردْنا أن نُرْضي ميلَنا إلى السَّعادة، يتعيَّن علينا أن نُقدِّرَ بصورة صحيحة نتائج أفعالنا، ومن جهة أُخرى أن نعترف بنفس الحقِّ في الميل إلى السَّعادة لدى الآخَرين. إنَّ التَّقييد الإراديَّ العقلانيَّ، فيما يتعلَّق بنا نحن، والحبَّ -الحبُّ دوماً !- في علاقتنا مع الآخرين، يشكِّلان -بالتَّالي- القاعدتين الأساسيَّتين للأخلاق لدى فيورباخ، الَّتي تنبع منهما كلُّ القواعد الأُخرى»[23].

إنَّ فيورباخ الَّذي عاش ما بين 1804 و1872، وقد جاء كتابه «جوهر المسيحيَّة» عامَ 1841 للانتصار للطَّبيعة والإنسان، وما دونهما لا شيء، والَّذي نقد فيه الدِّين باعتباره علم إنسان مقلوب؛ أي إنَّ كلَّ ما حُرم منه الإنسان على هذه الأرض يسقطه على عالم مفارق؛ وبالتَّالي فكلُّ ثيولوجيا هي أنثروبولوجيا مقلوبة، وعلينا أن نقلبها ونهتمَّ بالإنسان؛ فهو قلب كلِّ دِين وليست الآلهة[24]، لينتهي إلى ديانة الحبِّ -مثلما انتهى أوغست كونت إلى ديانة البشريَّة، ومثلما نظَّر المتصوِّفة لعقيدة الحبِّ الإلهيِّ، ومثلما ختمَ إدغار موران مؤلَّفه السَّادس عن الأخلاق بالحبِّ- بقوله (أي موران): «إنَّ الإيمان الأخلاقيَّ هو حُبٌّ لكن من الواجب الأخلاقيِّ أن ننقدَ العقلانيَّة داخل قلب الحُبِّ. كما أنَّ العلاقة بين الحُبِّ والعقلانيَّة ينبغي أن تكون مثل اليين واليانغ yin et yang... فهذا الحُبُّ هو الَّذي يُعلِّمنا كيف نصمد أمام فظاعات العالم، وأن نعرف ماذا نختار وماذا نرفض، وأن نكون شجعاناً لنعيش اليقين كاللَّايقين. إنَّه علاج للكرب وجواب على سؤال الموت، ومواساة. ولهذا قال باراسلس Paracelse: 'كلُّ طبٍّ هو حُبٌّ'، ونضيف نحن خاصَّة: 'كلُّ حُبٍّ هو طِبٌّ'»[25].

لا يتَّسع المقام لمناقشة تأسيس الدِّين على الحبِّ من لدن ماركس وإنغلز، وتفسير التَّاريخ به كذلك، مع تعويضهما الحبَّ بالاقتصاد والظُّروف السِّياسيَّة للمجتمع؛ ولا لمناقشة تحول ماركس من موقف رفض الدِّين إلى موقف ارتداد؛ كما حاول توضيح ذلك الباحث السُّوسيولوجيُّ رشدي فكّار؛ إذ يقول: «إنَّ ماركس في مرحلته الأولى(ماركسيَّة المنطلق والأصول) تبنَّى أساساً مبدأ الرَّفض للدِّين لا رفضاً فلسفيَّاً ولكن رفضاً سياسيَّاً، حيث انبرى لدوره في بنية المجتمع ووصفَه بأنَّ له دوراً سلبيَّاً، وقف إلى جانب المستغِلِّ، وصنَّفه بين الإيديولوجيَّات الاستلابيَّة الَّتي تمارسها البنية الفوقيَّة للمجتمع كمخدِّر تبريريٍّ»[26].

ويعزو الباحث المذكور تغيير موقف ماركس بالنُّضج ابتداءً من 1844؛ فماركس الشَّابُّ كان إيديولوجيَّاً مُتحمِّساً، يكتب تحت تأثير الهيغيليِّين الشُّبَّان من اليسار، وبدافع من الظُّروف السِّياسيَّة القمعيَّة في ألمانيا، وغيرة من فرنسا. أمَّا ماركس النَّاضج العالِم، فقد استفاد من قراءات علماء الاجتماع في فرنسا وغيرها، وبالأخصِّ سان سيمون، ثمَّ انبرى للرَّدِّ على كثير من المفكِّرين الألمان؛ أمثال جران وشتاين في موضوع الإلحاد، وكتب: «الإلحاد لا معنى له؛ لأنَّه إنكار للإله بلا مُبرِّرات، اللَّهُمَّ إذا كان الهدف أن يحلَّ الإنسان محلَّه»، بل ذهب ماركس إلى تبرئة الاشتراكيَّة «من هذه الشَّطحات التَّجريديَّة الجوفاء، والمضاربة على الإله»[27]، مثلما كتب ماركس رسالة مشهورة وجَّهَها إلى البابا؛ لكونه رفض الدُّخول في الحِلف المقدَّس، وهنَّأه على موقفه الَّذي ينطلق من إيمان ووجدان أصيل عميق، ثمَّ تثمينه لموقف رجل الدِّين (مانزر) في حرب الفلَّاحين، وثناؤه على دوره الخلَّاق الواعي كرجل دينٍ ثوريٍّ ومُصلِح. ويذهب ماركس بعيداً عام 1874 -أي بعد ثلاثين عاماً من موقفه الارتداديِّ من الدِّين عام 1844- ليكتب، بأسلوب ساخِر، عن الملحدين البلانكيِّين؛ أتباع لويس أوجست بلانكي، الَّذين كانوا يُصرُّون على تحويل النَّاس إلى ملاحِدة عبر توزيع الفتاوى؛ حيث قال: «إنَّ الإلحاد قد عاش وقته، إنَّه تعبير سلبيٌّ لا يعني شيئاً بالنِّسبة للاشتراكيِّين الأصلاء. إنَّ المعنيَّ عندهم ليس هو إنكار الإله، وإنَّما تحرير الإنسان»[28].

ويرى فكار أنَّ غارودي نفسه عاد إلى هذا النَّصِّ، واستشهد به ليُبرِّئ ماركس من التَّطرُّف، ويفتحه على الحوار[29].

في المنحى نفسه، يذهب الباحث عزمي بشارة، ويرى أنَّ الدِّين كان يدخل في اهتمامات ماركس الشَّاب على غرار الهيغليِّين الشَّباب الَّذين كانوا يرون أنّ نقد الدِّين هو البداية لكل نقد اجتماعيٍّ وسياسيٍّ واقتصاديٍّ. أمَّا ماركس النّاضج الَّذي كتبَ الرأسمال، فلم يعد الدِّين يشكِّل له موضوعاً ذا بالٍ، وحتَّى الفقرات الَّتي كتبها عن الدِّين لا تتعدّى أكثر ممَّا يكتبه تلميذ من تلامذة الأنوار، وأنَّه يبقى مديناً فيما كتبه عن الدِّين لفيورباخ. يقول عزمي بشارة: «تبدو مقاربة ماركس العقليَّة للدِّين تبسيطيَّة، وهو لم يولِ هذا الشَّأن أهمِّيَّة كبرى إلَّا في أيَّام الشَّباب، ولم يُخرج في اعتباره 'نقد الدِّين مقدِّمة لأيِّ نقد' عن بقيَّة الهيغليِّين الشَّباب إلَّا بتأكيده أنَّ نقد الدِّين قد أُنجز، وما عاد هو المهمَّة الفكريَّة الملحَّة. وهو في الواقع لا يجدِّد في موضوع الدِّين مقارنة بإنتاج لودفيغ فيورباخ الفلسفيّ. فما قاله عن الدِّين سبقه إليه فيورباخ باعترافه. الله عند فيورباخ هو جوهر الإنسان الحقيقيّ، وهو العقل والإرادة والمحبَّة. لكنَّه إنسان الواقع المغترب عن حقيقته، والمُسْقَط في عمليَّة تجاوزٍ إلى عالم آخر كإله»[30]. ولأنَّه يأسر الإنسان في واقعٍ اغترابيٍّ ويَقْلب وعيه، فلا يقف الدِّين عند كونه مجرّد إيديولوجيا، بل هو الإيديولوجيا بامتياز؛ «لأنه في رأيه، يَنْشُرُ في عالم التمييز الطبقيِّ دفئاً وحميميَّة، أو يجعل الإنسان مستعدّاً لتقبُّل الظلم، والتسليم بتوزيع مراتب المجتمع الهرميَّة، وتقسيمها كأنها أقدار إلهيَّة. وفي الحالتين، تطمس الإيديولوجيا الدِّينيَّة وعي العامل، ووعي المستغلَّين والمقموعين عموماً، وتَلُفُّه بالضَّباب»[31].

وبالنِّسبة إلينا، لا يتوفَّر المجال لتحليل هذه المسألة، أو البتّ فيها، ما دام موضوعنا ليس هو ارتداد ماركس عن الإلحاد، وعن الاهتمام بالمسألة الدّينيِّة وداخلها بالله في مرحلة نضجه، وإنَّما هو إبراز دور الخوف والوهم في نشأة الدِّين، مع التَّنبيه إلى أنَّ فيورباخ سيؤثِّر في فرويد مثلما أثَّر في ماركس.

[1] - كلُّ هذه الإحالات المذكورة في هذه الصفحة هي من كتاب ماركس وانجلس حول الدِّين، ترجمة ياسين الحافظ، دار الطَّليعة، بيروت، ط2، 1981، ص ص12-13

[2] - ماركس، كارل، نقد فلسفة الحقوق عند هيغل، ضمن كارل ماركس وفريدريك انجلس، حول الدِّين، م. س، ص33

[3] - ماركس، كارل، نقد فلسفة الحقوق عند هيغل، م. س، الصفحة نفسها.

[4] - المرجع نفسه، ص29

[5] - المرجع نفسه، ص33

[6] - المرجع نفسه، ص34

[7] - المرجع نفسه.

[8] - المرجع نفسه.

[9] - Henri Piéron, vocabulaire de la psychologie, p.14 (Aliéné).

[10] - Norbert Sillamy, Dictionnaire de la psychologie, op.cit., pp.235-236 (psychose).

[11] - ماركس، كارل، نقد فلسفة الحقوق عند هيغل، م. س، ص34

[12] - المرجع نفسه، ص35

[13] - المرجع نفسه، ص39

[14] - المرجع نفسه، ص40. وانظر أيضاً ص44

[15] - المرجع نفسه، ص ص44-45

[16] - المرجع نفسه، ص44

[17] - انجلس، فريدريك، لودفيغ فيورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكيَّة الألمانية، ضمن المرجع السَّابق، ص162، قارنَّاه بالنُّسخة الفرنسيَّة: Friedrich Engels, Ludwig Feurebach et la fin de la philosophie classique allemande, suivi de Karl Marx, Thèses sur Feurbach, Editions du progrès, Moscou, 1979, p.6

[18] - انجلس، فريدريك، لودفيغ فيورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكيَّة الألمانية، ص168 وFriedrich Engels, Ibid, p.19

[19] - المرجع نفسه، ص178

[20] - إنجلس، فريدريك، لودفيغ فيورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكيَّة الألمانية، المرجع نفسه، ص179

[21] - المرجع نفسه، ص180. لكنَّ جهل ماركس وانجلس بالإسلام، وبمحمَّد، والقرآن، يظهر خاصَّةً في مراسلتهما عام 1853و 1855. انظر بصفة خاصَّة الصفحات 93-97 من المرجع نفسه.

[22] - المرجع نفسه، ص178

[23] - المرجع نفسه، ص182. إنَّ نقداً لاذعاً آخَر وجَّهه ماركس على طريقته لآباء الكنيسة، ولأساقفة بريطانيا بخصوص صداقة هيوم وآدم سميت.. موت الأوَّل دون توبة من الإلحاد، وعدم تحوُّل سميث إلى المسيحيَّة، واتِّهام الكهنة بالشَّغِّيلة غير المنتِجة. انظر المرجع نفسه، ص ص104-106

[24] - يلاحظ الباحث كازانوفا أنَّ إنغلز أشار إلى أنَّ «دراسة فيورباخ بعنوان «جوهر المسيحية»، لئن لاقتْ استحساناً كبيراً لدى صدورها، وأحدثتْ على قرَّائها تأثيراً تحريريّاً لدى صدورها، وعلى الهيغيليين اليساريين بالتأكيد، فلأنَّها قد عبَّرتْ بأبسط المفردات وأقلِّها غموضاً عن تجربةٍ كانت واسعة الانتشار، ولكن غير موصوفة بالألفاظ. تقوم هذه التَّجربة على أنَّ جوهر المسيحيَّة هو البشريَّة، وأنَّ اللاهوت هو الأنثروبولوجيا، وأنَّ موضوع الدِّين، أي الله، مجرَّد تعبيرٍ عن جوهر الإنسان...، وبالتَّالي، استنتج فيورباخ أنَّ الدِّين هو الكشف المهيب عن كنوز الإنسان المخفية، وتجلِّي أفكاره الحميمة، والبوح الصَّريح بأسرار عشقه»، انظر: خوسيه كازانوفا، الأديان العامَّة في العالَم، ترجمة قسم الُّلغات الحيَّة والتَّرجمة في جامعة البلمند، والمنظَّمة العربيَّة للترجمة، بيروت، 2005، ص50

[25] - Edgar Morin, la méthode 6: Ethique, Seuil, Paris, 2004, p.231

[26] - فكّار، رشدي، في الماركسيَّة والدِّين (من ماركسيَّة الرَّفض إلى ماركسيَّة الارتداد عبر الحوار والاجتهاد)، مكتبة المعارف، الرِّباط - مكتبة وهبة، القاهرة، 1977، ص22

[27] - الأقوال لماركس، وردت في المرجع السَّابق، ص22

[28] - القول دائماً لماركس، أورده رشدي فكار في كتابه المذكور، ص24

[29] - المرجع نفسه.

[30] - بشارة، عزمي، الدِّين والعلمانية في سياق تاريخي، الجزء الأول: الدِّين والتديُّن، المركز العربيُّ للأبحاث ودراسة السيَّاسات، الدوحة، قطر، 2013، ص284

[31] - بشارة، عزمي، الدّين والعلمانية في سياق تاريخي، الجزء الأول: الدِّين والتديُّن، م. س، ص286