محن الوعي الإسلاميّ


فئة :  مقالات

محن الوعي الإسلاميّ

أّلّف ابن العرب (ت 333هـ) منذ أكثر من عشرة قرون كتاب المحن، وقدّم فيه كثيرا من أشكال القتل والعنف التي عاشها المسلمون طوال تاريخهم؛ ولعلّ اختياره مصطلح المحن نابع من اعتباره تلك الأحداث بلايا نزلت بخيار علماء الأمّة وأشرافها.[1] ولكنّ محنا أخرى أشدّ تأثيرا في تاريخ المسلمين حالت دون تقدّمهم. ففي الوقت الذي كانت فيه سفن "كولومبوس" تكتشف العالم الجديد، فاتحة أبواب العصر الحديث[2] كان المسلمون يغادرون الأندلس، ويعيشون آخر فصول مجدهم الضائع[3]. بدأت محنهم في التفاقم، ولم تعد مجرّد بلاء يلحق علماءهم، وإنّما صارت داء ينخر وعيهم الدينيّ ويؤبّد تخلّفهم.

1- محنة العقل السلطويّ:

يتبادل الحنابلة مع المعتزلة تهمة الإقصاء؛ فقد نقلت المصادر التاريخيّة الرسميّة بكثير من التّعاطف محنة الحنابلة وأسّست بطولة "أحمد بن حنبل" (ت 241هـ) في مواجهة القول بخلق القرآن. ولا يزال الحنابلة يؤسّسون عقيدتهم وشرعيّتهم انطلاقا من تلك المواجهة التي انتهت بنصرهم السياسيّ وفرض منطقهم. ولئن بدت المواقف المواجهة أضعف في بيان محنتها، فإنّ قراءات معاصرة قد بيّنت ما أصاب المعتزلة من محنة الإقصاء وإلجامهم عن علم الكلام بعد صدور نصّ العقيدة القادريّة. وكثير من أعلام المعتزلة تعرّضوا للتكفير والعنف، وحوكموا بسبب مواقفهم وأفكارهم. وقد اعتبرت بعض القراءات المعاصرة والحديثة العقيدة القادريّة محنة العقل الإسلاميّ الكبرى التي أدّت إلى انغلاق لاهوتيّ أسّس أرثوذكسية سنيّة لا تقبل الاختلاف وتغتال العقل.[4] ولكنّ تلك المواقف متأثّرة بخيبات العقلانيّة العربيّة الإسلاميّة ونجاح الغرب في تأسيس عقلانيّة ناجعة. وقد أتاحت لنا المسافة التاريخيّة التي تفصلنا عن تلك الحقبة اليوم أن نقّر بكلّ موضوعيّة أنّ الأزمة كانت في الحقيقة نابعة من قيام الفكر في ذلك الزمن على منطق السّلطة والإقصاء. فالمعتزلة زمن استقوائهم بالسّلطة السياسيّة انخرطوا في منظومة القمع التي مورست ضدّ الحنابلة. ولم يسعفهم وعيهم التاريخيّ بخطورة انقلاب المواقع وتحوّل الضحيّة إلى جلاّد. والحنابلة بدورهم تحوّلوا إلى موقع سلطويّ جعلهم يؤسّسون فكرا إقصائيّا وعقيدة دغمائيّة لا تقبل الاختلاف. ولعلّ ذلك ما جعل من قوّة الجدل الفلسفيّ والمنطق اليونانيّ وسيلة حربيّة استعملها علماء الكلام من أجل تبكيت خصومهم وقهر المختلفين معهم، وعطّل تحوّلها إلى آليّة لعقلنة الواقع.

إنّ من أسباب المحنة التي جعلت العلاقات بين الفرق الإسلاميّة تتّسم بالعدوانيّة ورفض الاختلاف هي هيمنة الفكر السّلطويّ الذي تسرّب من الوعي السياسيّ القائم آنذاك إلى الوعي الدّينيّ. فبنى الفكر تتناظر ويتأثّر بعضها ببعض. ولذلك، فقد وقع ترحيل المنطق السياسيّ إلى الفكر الدّينيّ، وانتقلت الفتنة من السياسة إلى الدّين. وانتقلت المعارك من ساحات الوغى إلى كتب افتراق الفرق. فكانت حرب الكلام على وقع الحسام. وقد أتاحت لهم أدوات المنطق اليونانيّ التي ترجمت كثيرا من الآليّات لنقاش الحقيقة وفرض المنطق الفلسفيّ على النقاشات الدينيّة. فقد كانوا أتباعا للسّاسة لا لمجرّد ولائهم، وإنّما باتّباع منطقهم. ولذلك فقد كانت محنة العقل كامنة في قيامه على منطق السّائس والمحارب لا منطق العالم. ولا تزال التبعيّة المنهجيّة التي وقع فيها كثير من العلماء ظاهرة في مواقف سياسيّين بثوب رجال دين أو رجال دين يتكلّمون لغة السياسة. فهاجس التحكّم في إرادة النّاس، وتصوّر الإله ملكا جائرا، إنّما هما انعكاس لمنطق سياسيّ قشره علميّ وباطنه سلطويّ، وهو ذاته الوعي الذي لا يزال ينتج أوهام الإسلام السياسيّ. "وها نحن اليوم نرى سيف التكفير والمنع مسلّطا على كلّ من يحاول التفكير الجدّي والعلميّ في وضعنا المأزوم، فتنْبري السّلطتان السّياسيّة والدّينيّة متحالفتين معا لِكَمّ كُلّ صوت يدعو إلى الخروج من أسر التّقليد، ويفتح الباب لدخول الهواء الذي يسعى لتحريك الأفكار الرّاكدة التي حاول مصلحون قبلنا تحريكها وتعرّضوا لسيوف التكفير."[5]

2- محنة الجهل المقدّس:

لقد شبّه كثير من المفكّرين المقدّس بالنّار لكونه طاقة تمنح المؤمنين به قوّة الاعتقاد في صحّة ما يؤمنون به. وإنّ من خصائص المقدّس أنّه يمنح المؤمنين به تعاليا يجعلهم يتصوّرون أنفسهم شعب الله المختار أو خير أمّة أخرجت للناس... ومادامت الفترة التأسيسيّة لكلّ دين محدودة في الزمن والمكان، فإنّ تلك الصّورة المرجعيّة المتخيّلة كثيرا ما تؤثّر في بنية الوعي الدّينيّ للجماعة المؤمنة، فتجعله قائما على الثبات. فتلك الفترة المرجعيّة لها وظيفة تأسيسيّة وتشريعيّة تمنحها القداسة والثبات. ولذلك، فقد ظهرت في جميع الأديان نزعات سلفيّة تحاول استعادة تلك اللّحظة التأسيسيّة والإيهام بأنّ الزّمن يزداد رداءة كلّما ابتعد عن تعاليمها ولا حلّ لمحنهم وأزماتهم إلاّ باسترجاعها.

لقد تأسّست الأصوليّة الإسلاميّة على هذه المسلّمة التي حاول أصحابها الإقناع بأنّ الحلّ يكمن في الإسلام، وهم يقصدون بالإسلام في هذا المقام اللّحظة التّاريخيّة التي مرّت، وهي حتما لا يمكن أن تستعاد، وأنّه لا يستقيم حال المسلمين إلاّ بشرع اللّه وهم يقصدون الأحكام القانونيّة التّي احتكم إليها القدامى نتيجة تأويلهم للنّصوص المقدّسة وانسجاما مع الواقع الذي عاشوه، وفي ظنّ دعاة الأصوليّة أنّ تلك الأحكام وصْفة جاهزة من زمن النبوّة تظلّ صالحة لكلّ زمان ومكان. وذهب بعضهم أبعد في اعتبار المجتمعات الإسلاميّة تعيش جاهليّة جهلاء وتحتاج إلى فتح جديد[6]. فتصوّروا أنفسهم المنقذين من الضلال وأعداءهم كفّار قريش، فحوّلوا الصّراع ضدّ الجهل والزيف والتخلّف الذي تردّت فيه مجتمعاتهم إلى صراع ضدّ متخيّل صنعوه في أذهانهم، وحاولوا الإقناع بأنّه المسؤول عن أزمة المسلمين مستعملين سلاح التكفير ضدّ خصومهم.

لقد سارت عجلة التقدّم سريعة في الغرب طوال تلك الفترة التي سيطر فيها المقدّس على وعي المسلمين وحوّل عقيدتهم إلى رؤية دوغمائيّة وطقوس شكليّة مفرغة من روح الفاعليّة والقدرة على تغيير الواقع؛ بل إنّ التصوّرات الجبريّة كانت مسؤولة عن ترسيخ رضا المسلمين بالمنزلة التي وهبها الله لهم وتأبيدا لخنوع لا يحمل مؤشّرات التغيير والثّورة.

ثمّ تواترت في الغرب ثورات وشهدت مجتمعاته حركيّة فكريّة وعلميّة وتحولات هيكليّة في السياسة والاقتصاد. ولم تكن أنوار الغرب لتصل الدّول الإسلاميّة إلاّ ضعيفة؛ فقد كان كثير من مثقفيهم يتصورون نور المقدّس كافيا لنهضتهم. بل تحوّل مفهوم المقدّس إلى تصوّر الحضارة الغربيّة مدنّسا شيطانيّا زادته أزمنة الاستعمار رسوخا في تصوّر كثير من المسلمين. ولم يكن الزّمن لينتظر المسلمين وَهُمْ يخوضون جدلهم الطّويل الذي لا يزال مستمرّا حول العلمانيّة والحضارة الغربيّة والدّيمقراطيّة. وبدت تلك الشعوب بطيئة الفهم والإنتاج. فلم تستطع اللّحاق بركب العلم ولا أن تتحوّل إلى منافس اقتصاديّ. وظلّت سياسات معظم الدّول الإسلاميّة في تبعيّة مطلقة للغرب. فغابت روح المبادرة وأفل نجم الفلسفة وكثر عدد الفقهاء وأشباه الفقهاء ممّن لا يزالون يتصوّرون أنفسهم حماة المقدّس وأئمّته.

تكمن محنة المؤمنين بالمقدّس في تعاليهم القائم على عناصر ميتافيزيقيّة ليست لها في كثير من الأحيان آثار واقعيّة ملموسة مثلما كان من قبل مرتبطا بالغلبة. ولهذا، فكثيرا ما يقيم المقدّس في وعيهم جدار فصل بين منظومة دينيّة لها كثير من الثوابت وبين مسارات علميّة متطوّرة ومتشعّبة. فأزمة الثبات في مواجهة واقع متغيّر كثيرا ما تؤدّي إلى الانغلاق اللاّهوتيّ وانسداد الآفاق المعرفيّة. وقد أدّت أيضا إلى تعوّد المجتمعات الإسلاميّة على السّلطة الاستبداديّة واستبطانها.

لقد بقي العلم الإسلاميّ متعلّقا حتّى وقت قريب بالنصّ القرآنيّ. ولذلك فقد أبّد تبعيّة المعارف على اختلافها للوعي النصوصيّ. وشيئا فشيئا تحوّلت منظومة التبعيّة من النصّ إلى الأوصياء عليه من العلماء الرّسميّين وأصحاب التأويلات التي عدّت صحيحة. ولئن تأثّر الفكر الدينيّ في العصر العبّاسي بالفلسفة اليونانيّة التي كانت سببا في نشأة فلسفة إسلاميّة، وتصوّف متأثّر بالفلسفة الأفلوطينيّة، فإنّ انتصار المنظومة الفقهيّة قد أفضى إلى تفسيق الفلاسفة وتكفير المتصوّفة وإبعاد المعتزلة وقمع الخوارج لينفرد أتباع الفرقة الناجية بساحة الوعي الدينيّ وتضيق آفاق الفكر بضيق المسالك المعرفيّة التي رسّختها الأرثوذكسية وحماها حرّاس المقدّس. وقد استقال البشر التفكير في المقدّس. فصار يعني الثبات والجمود والتبعيّة المطلقة لسلوك الأنبياء وصحابتهم، بل صار تسليما بسلطة الفقهاء وتطبيقا حرفيّا لتعاليمهم. فاستقالت عقول الأفراد وتحجّرت مواقف الفقهاء[7]... وكانت عصور الظلمات تسود ديار الإسلام والأنوار من حولهم تتّقد في العالم الغربيّ. ويظلّ السؤال الحائر تائها وسط صدمة الإحساس بتأخّر ركب التقدّم: "لماذا تأخّر المسلمون ولماذا تقدّم غيرهم[8]؟"

3- محنة العنف:

لا يخفى أنّ العنف عنصر هيكليّ في الحضارة الإسلاميّة، ومنذ عصر النبوّة كانت الغزوات ركنا رئيسا من أركان الوعي الدّيني الذي اعتبر جهادا في سبيل اللّه. ولم تتوقّف حروب المسلمين ضدّ خصومهم بعد موت النبيّ. فتواصلت حروب الردّة والفتوحات الإسلاميّة. وبقدر ما كان العنف وسيلة ناجعة لنشر الدّين والحفاظ على أركان الدّولة الإسلاميّة قديما أضحى اليوم عائقا يحول دون قيام اندماج حقيقيّ للوعي الإسلاميّ في منظومة الوعي الحداثيّ التي لا تعترف بالحدود. فقد اضطلع العنف الأصوليّ بدور سلبيّ تجلّى في قيام تصوّرات توهّم أصحابها أنّ أزمة المسلمين في العصور الحديثة يمكن أن تحلّ بنفس الوسائل القديمة. فكانت "الغزوات الجديدة" في مانهاتن ومدريد وباريس والعراق وسوريا ومصر وتونس وإندونيسيا ونيجيريا... وسائر دول العالم في شكل عنف لا يفرّق بين العسكريّ والمدنيّ. وينتهز أصحابه الفرصة للقتل والتشفيّ دون تحقيق أهداف استراتيجيّة واضحة أو إضافة شبر واحد لديار المسلمين أو تحقيق غنيمة؛ فهو عنف أعمى قد يقتل المسلم والمسيحيّ واليهوديّ في تفجير واحد. وقد يكتفي بقتل المسلمين المختلفين كالشيعة مثلا. والنتيجة أنّ صورة الإسلام في العالم الغربيّ صارت مرتبطة بالعنف والإرهاب وصار المسلم إرهابيّا حتّى تثبت براءته. ومن ثمار هذا العنف قيام فتن طائفيّة عمّقت محن المسلمين بدل حلّها في العراق وسوريا واليمن والقائمة مرشّحة للزيادة.

لعلّ الفرق الجوهريّ بين عنف المسلمين قديما وعنفهم الحديث أنّه كان عنفا تأسيسيّا له أسباب قوّته واستراتيجيّاته الواضحة ومجالاته، وهو عنف ينسجم مع طبيعة العنف القائم في ذلك العصر، متكافئ معه يستعمل أسلحة الخصوم وأساليبهم. ولهذا، فهو ليس بمنكر ولا عدّ في عصره عدوانا بل هو عنف شرعيّ. وقد كان في نظر أنصاره وخصومه إنجازا تاريخيّا أسّس دولة قويّة وحضارة كان لها أثرها في تاريخ الإنسانيّة. أمّا عنف المسلمين اليوم، فعنف عشوائيّ قبيح الهيئة لا أخلاق له، يمارس أصحابه القتل البشع الذي يدمّر بدل أن يؤسّس ويزرع الكراهيّة وينفّر من الإسلام بدل نشره ويخلق الأعداء بدل الأنصار.

قد تقوم الدّول العظمى بحروب تفوق في عدد ضحاياها ما يمكن أن تحصده أيدي الإرهابيين منذ أن نشأ فكرهم الأصوليّ وحتّى الآن، ولكن ثمّة بون شاسع بين من يروّج لحروب عادلة ونظيفة ويحسن إخراجها، فيجعل منها دفاعا عن الحرّية والديمقراطيّة وبين من يسبّب صدمة تلقّ وموجة استنكار بعرضه مشاهد قطع الرؤوس وحرق الأحياء. فقد يفوق أثر المشهد الواحد في الأنفس أثر أكبر الجرائم في التّاريخ كإلقاء القنبلتين الذرّيتين على "ناغازاكي" و"هيروشيما". فللعنف وسائلة العصريّة التي تحوّله إلى حرب متكافئة ضدّ خصوم يستعملون نفس الأدوات. ويمكن للعنف أن يكون صامتا ولكنّ نجاعته تكون أكبر في ترهيب العدوّ وتجنّب عدوانه. فامتلاك القوتين الأمريكيّة والسوفياتيّة السّلاح النوويّ جعل من الحرب باردة ولم يؤجّجها. فيكفي أن تلوّح دولة بأسلحة الرعب بدل استعمالها لتكتسب هيبتها. فهي أسلحة صنعت لترهب لا لتستعمل. ويمكن لكثير من الدّول أن ترتكب أفضع المجازر وتظهر حربها دفاعا عن الحرّية وحماية لأرواح الأبرياء من المفسدين في الأرض.

تكمن محنة الوعي الإسلاميّ في كون الأصوليّين توهّموا أنّ استعراض العنف يمكن أن يرهب أعداءهم ولكن العكس هو ما حدث. فقد أكسب ذلك العنف الغرب شرعيّة استعمال القوّة ضدّ من اعتبروا أعداء الإنسانيّة والحرّية. فعنف الأصوليين كان وبالا عليهم قبل أن يصير وبالا على الإسلام والمسلمين.

ليس العنف بمنكر؛ فهو حتميّة تاريخيّة يزيّنه القويّ ويحسن إخراجه. ولكن عنف الضعيف وبال علي. أمّا عنف القويّ، فسبيل لتحقيق مصالحة والدّفاع عن مقدّساته. وليصير عنف المسلمين ناجعا كان لزاما عليهم أن يمتلكوا أسباب القوّة علما وتحديثا. وحينئذ فستتحوّل محنة العنف إلى مصدر قوّة وتفوّق. "فإحدى الميزات الأساسيّة لكلّ حضارة هي الطريقة التي تدرك بها العدوانيّة وتنظّمها."[9]

قدّم المتطرّفون خدمة جليلة للغرب لم يكن يحلم بها؛ فقد حوّلوا أنظار العالم عن عنفه المنتشر والمتقدّم تقنيّا، ليصير رموز العنف الدّولي والإرهاب من المسلمين. ويتحوّل النقد من إدانة الغرب إلى التركيز على عنف المسلمين وتجاهل عنف غيرهم؛ فكانت محنة المسلمين فيمن تصوّروا أنفسهم حماة الإسلام، وهم في الحقيقة من شوّهوا صورته وحجبوا عنف الآخر بعنفهم. وتلك لعمري بعض المحن التي تخفي محنا أخرى راسخة في اللاوعي الجمعي.


[1] ابن العرب، كتاب المحن، (تحقيق يحيى وهيب الجبّوري)، ط1، بيروت، دار الغرب الإسلاميّ، 2006، ص 5

[2] يقول تودوروف: "وحتى وإن كان كلّ تاريخ يسمح لنا بفصل أيّة فترتين هو تاريخ اعتسافي، فإنّه لا يوجد تاريخ أنسب لتمييز بداية العصر الحديث من عام 1492م، العام الذي يعبر فيه كولومبس المحيط الأطلسي." فتح أمريكا، مسألة الآخر، (ترجمة بشير السباعي)، ط1، مصر، دار سينا، 1992، ص 11

[3] "وفي ليلة 29 صفر 897هـ/ أول كانون الثاني/ يناير 1492م بدأت قوات الملكين الكاثوليكيين احتلالها لحمراء غرناطة. ودخلها الملكان أخيرا في يوم 5 ربيع الأول/ السّادس من كانون الثاني/ يناير. وبهذا سقط هذا المعقل الأخير من معاقل الإسلام في الأندلس، وطويت صفحة من صفحات التاريخ لتبدأ إسبانيا مرحلة جديدة من حياتها." محمود مكّي، تاريخ الأندلس السياسي (92- 897هـ/ 711- 1492م)، ضمن كتاب: الحضارة العربيّة في الأندلس، ط2، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربيّة، 1999، ج1، ص 135

[4] اعتبر هاشم صالح مثلا أنّ نصّ العقيدة القادريّة مثّل انتصارا للأرثوذكسية ونهاية للتعدّدية العقديّة والمذهبيّة في العالم الإسلاميّ، وفرض على الجميع خطّا واحدا واعتقادا واحدا، هو التأويل الحنبلي للإسلام. وبدءا منه انتهى علم الكلام، أي الخطاب العقلانيّ عن الدّين الإسلاميّ، وانتهت الفلسفة بالطّبع، وبه يؤرّخ لهزيمة العقل في أرض الإسلام. انظر: هاشم صالح، الإسلام والانغلاق اللاّهوتيّ، ط1، بيروت، رابطة العقلانيين العرب/ دار الطليعة، 2000، ص 281. واعتبرت ناجية الوريمي بوعجيلة أنّ من نتائج انتصار الحنابلة في عهد المتوكّل نهاية تجربة الاختلاف والعودة إلى سياسة المؤتلف عليه، وهو ما قاد إلى مزيد من التّحامل على علم الكلام ومقولاته ومزيد الإعلاء لعلوم السلف وعلم الحديث في صدارتها. وبلورة الحدود المميّزة لأهل السنّة والجماعة بشكل ناجز ونهائيّ. انظر: ناجية الوريمي بوعجيلة، في الائتلاف والاختلاف ثنائيّة السّائد والمهمّش في الفكر الإسلاميّ القديم، ط1، دمشق/ بيروت، المؤسّسة العربيّة للتحديث الفكري/ دار المدى، 2004، ص 321

[5] نصر حامد أبو زيد، التجديد والتحريم والتأويل بين المعرفة العلميّة والخوف من التكفير، ط1، بيروت/ الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، 2010، ص 84

[6] يقول سيّد قطب: "إنّ المجتمع الجاهليّ هو كلّ مجتمع غير المجتمع المسلم وإذا أردنا التحديد الموضوعيّ قلنا إنّه هو كلّ مجتمع لا يخلص عبوديته لله وحده متمثلة هذه العبوديّة في التصور الاعتقادي وفي الشعائر التعبديّة وفي الشرائع القانونيّة." معالم في الطريق، ط6، مصر، دار الشروق، 1989، ص ص 88، 89

[7] لقد نبّه "رودولف أوتو" على الجانب اللاّعقلانيّ في المقدّس وتلك حقيقة لا ريب فيها، ولكنّ من آثار المقدّس على الأنفس أنّه يغتال الأسئلة العقلانيّة وأنّه يمكن أن يفضي إلى خنوع وتبعيّة مطلقة لتعاليم المقدّس ومواقف أئمّته. ويضطلع المدنّس في هذه الحالة بوظيفة حمائيّة، إذ أنّه يمنع كثيرا من الآراء العقلانيّة باسم حراسة المقدّس ودفع المدنّس. فإنّ "أكثر الحضارات بداءة لا تفرّق في لغتها بين الحظر النّاجم عن احترام القداسة وذاك الذّي يوحي به الخوف من الرّجاسة، حيث تدلّ اللفظة الواحدة على كلّ القوى الفائقة الطبيعيّة." انظر: روجي كايوا، الإنسان والمقدّس، (ترجمة سميرة ريشا)، ط1، بيروت، المنظّمة العربيّة للترجمة/ مركز دراسات الوحدة العربيّة، 2010، ص 57

[8] انظر: شكيب أرسلان، لماذا تأخّر المسلمون ولماذا تقدّم غيرهم؟، ط1، تونس، دار المعارف، 2006

[9] غاستون بوتول، من مقدّمة كتاب فاوستو أنطونيني، عنف الإنسان أو العدوانيّة الجماعيّة، ترجمة نخلة فريفر، معهد الإنماء العربي، 1989، ص ص 8، 9. (من كتاب: العنف، إعداد وترجمة محمد الهلالي وعزيز لزرق، ط1، الدار البيضاء، دار توبقال، 2009، ص ص 25، 26).