مصطفى حجازي: علم النفس الإيجابي... إطلاق لطاقات الحياة
فئة : حوارات
يُعدّ الدكتور مصطفى حجازي أحد الأسماء الوازنة في الساحة الثقافية والعلمية في العالم العربي، فهو مفكر من وزن ثقيل، ومحلل نفسي أغنى الساحة الثقافية منذ وقت مبكر بكتاباته القيّمة والعميقة، نذكر منها: "التخلف الاجتماعي: مدخل إلى سيكولوجيا الإنسان المقهور، الإنسان المهدور: دراسة تحليلية نفسية اجتماعية، الشباب الخليجي والمستقبل: دراسة تحليلية نفسية اجتماعية، الصحة النفسية: منظور دينامي تكاملي للنمو في البيت وفي المدرسة، حصار الثقافة: بين القنوات الفضائية والدعوة الأصولية، علم النفس والعولمة: رؤى مستقبلية في التربية والتنمية، إطلاق طاقات الحياة: قراءات في علم النفس الإيجابي. أمّا على مستوى الترجمة فيحقّ أن نذكر من أعماله: "الكلام أو الموت"، و"لماذا العرب ليسوا أحراراً"، والتحليل النفسي: علماً وعلاجاً، وقضية للمحلل النفسي المصري مصطفى صفوان[1]، "علم النفس التطوري" لدافيد باس، "معجم مصطلحات التحليل النفسي" لجان لابلانش وجان برتراند بونتاليس. في كتابه القيّم "إطلاق طاقات الحياة: قراءات في علم النفس الإيجابي" يدعو مصطفى حجازي الفاعلين في الثقافة والعلوم الإنسانية إلى أجرأة النظريات العلمية الغربية خاصة في مجال علم النفس حتى تصبح في خدمة الإنسان العربي عوض الاكتفاء بالترويج النظري لتلك العلوم، مع الوعي بحدودها مادامت قد نشأت في تربة مختلفة عن تربتنا. إنّ مهمة الباحث والعالم اليوم هي توظيف تلك المعارف لفهم خصائص إنساننا التي تكونت عبر تاريخ طويل من الفعل السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي لتصبح قادرة على خدمة قضايا إنمائنا.
يعرّف مصطفى حجازي علم النفس الإيجابي بأنّه فرع جديد من فروع علم النفس مازال في بدايته التي لم تتعد عشرين سنة (ظهر في سنة 1998 على يد مارتن سليغمان رئيس الرابطة الأمريكية لعلم النفس الإنساني)، ويسعى هذا العلم إلى اكتشاف الإيجابيات وأوجه الاقتدار وتنمية الإمكانات لدى الفرد والجماعة، وقد نشأ ردّاً على المبالغة في التركيز على أوجه الاضطرابات النفسية والعقلية خاصة في علم النفس المرضي الذي حوّل علم النفس عموماً في أذهان الناس إلى مرادف لما هوغير طبيعي وغير سوي، مع تجاهل أوجه القوة والعافية وطاقات النماء والانطلاق.
إنّ الأطروحة المركزية لهذا العلم هي أنّه في مقابل أوجه الاضطراب والقصور والتشاؤم واليأس لدى الإنسان، هناك أوجه للصحة والقدرة والتفاؤل والأمل الصانع للمصير، فعلاج الاضطراب لا يكفي، لأنّه يحتاج إلى تنمية طاقات الإنسان وفتحها بل تفعيلها أمام الإيجابيات.
يتكوّن الكتاب من ثمانية فصول تسعى إلى تقديم قراءات في علم النفس الإيجابي قصد الاستفادة من معطياته ومحاولة توظيفها في مشروع إطلاق طاقات إنساننا وإمكاناته.
يستعرض الفصل الأول الأسس التي قام عليها هذا العلم الجديد ومختلف منطلقاته وتوجهاته ومجالات اهتماماته الراهنة. وبما أنّ هذا العلم قد نشأ في أمريكا، أي في تربة حقق فيها المجتمع الكثير من الأساسيات التي توفر سعادة الإنسان وازدهاره اجتماعياً واقتصادياً، فقد خصّص المؤلف الفصل الثاني لإطلاق طاقات الإنسان العربي التي تعرضت للهدر والقمع سواء عند الكبار أو عند الشباب، حيث السلطة في المجتمع مازالت استبدادية لا تهتم بنوعية الإنتاج وقدرته التنافسية كما هو الأمر في الدول المتقدمة، وهذا ما جعل المؤلف يعتبر أنّ الغايات الأساسية لعلم النفس الإيجابي هي إطلاق تلك الطاقات من عقالها.
يبحث الفصل الثالث في مقومات علم النفس الإيجابي باعتباره تفكيراً قادراً على إيجاد الحلول وفتح السبل في مقابل التفكير السلبي الذي ينشأ عن الانسداد والعطالة والاستكانة، وينطبق ذلك على الأفراد والجماعات، كما يدعو مصطفى حجازي في هذا الفصل إلى الحذر من أخطار الاستسلام لهذا النوع من التفكير الذي يسيطر بسهولة على وعي الإنسان طامساً بذلك ما تتضمنه القضايا والوقائع من إمكانيات إيجابية.
الفصل الرابع خصصه مصطفى حجازي للبحث في التفاؤل والأمل الفاعل، انطلاقاً من تعريف التفاؤل وتحويله من بحث الطبع المتفائل إلى عرض أسلوب التفسير المتفائل ومقوماته وصولاً إلى التدريب على التفاؤل، هذه العملية الأخيرة تتمّ من خلال برامج معروفة تتصدى لنزعة التشاؤم المنتشرة في مجتمعاتنا، لذلك يكون التفاؤل هو سبيل النهوض إلى العمل.
يعالج الفصل الخامس موضوع الدافعية الجوانية الأصيلة في مقابل الدافعية البرانية التي تدفع الإنسان إلى التحرك والنشاط بتحفيز القوى الخارجية، أمّا الدافعية الجوانية فهي عبارة عن نزوع داخلي إلى الانخراط في مهمات تشكل تحدياً كبيراً لتحقيق أهداف محددة، ويحلل الفصل القضايا التي تطرحها هذه الدافعية وتدرجها وشروط تنميتها.
أمّا موضوع الفصل السادس فهو التلازم بين الاقتدار الإنساني وإطلاق الطاقات الحية وتفعيلها، وهذا التفاعل هو شرط ملزم للإمساك بزمام المصير والقدرة على صناعته، وتكمن أهمية الاقتدار في الحاجة إلى التمرد على العجز الذي فرضته الأنظمة الاستبدادية على الإنسان العربي من أجل ضمان استمرار سلطتها واستحواذها على البلاد والعباد.
ويعالج الفصل السابع إشكالية القيادة من منظور علم النفس الإيجابي، ويقصد بها القيادة التحويلية التي تنمي الإدارة عن طريق تدريب المديرين وإدارة الأنشطة الشبابية، مستعرضاً التحوّل من الرئاسة إلى القيادة التحويلية عبر إطلاق الفاعلية الذاتية والجماعية، ممّا يضمن التنمية المستدامة للمؤسسات والمجتمع.
أمّا الفصل الثامن فيحلل الانفعالات الإيجابية وتلازمها مع التفكير الإيجابي والتي تكون بدورها قابلة للتدريب، ممّا ينعكس إيجاباً على الصحة الجسدية والنفسية إضافة إلى بناء مقومات الفاعلية والاقتدار.
عموماً فإنّ هذا العمل الرائد يسعى إلى نفض الغبار قصد الخروج من التاريخ الراكض نحو الضوء وصناعة التاريخ الحي الذي يحدد المصير ويحقق إنسانية الإنسان. إنّ النظرة الإيجابية للذات وللعالم أصبحت شيئاً مطلوباً من أجل استعادة الثقة بالنفس الفردية والجماعية، قصد استدارك ما فات من تأخر وركود طال جميع مناحي الحياة اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، خاصة مع طلائع الربيع العربي الذي سيساهم حتماً في تحريك هذا الاستدراك وبناء الذات من أجل الانطلاق في عصر التنوير العربي المأمول.
ويعتبر مصطفى حجازي هذا الكتاب امتداداً لعملين سابقين هما: "سيكولوجيا الإنسان المقهور" و"سيكولوجيا الإنسان المهدور"، حيث حاول فيهما الوقوف عند معيقات التنمية الذاتية والجماعية وسبل تحرير الإنسان العربي، من خلال استرداد حق القول والكلام للكشف عن الحقيقة الذاتية، وبالتالي التحرر من الاستلاب الذي تمارسه عليه المكبوتات النفسية التي هي الوجه الآخر للقهر السياسي والاجتماعي والثقافي. فعندما يتحرر الإنسان من الداخل يسترد ذاته الأصلية وينفتح على الرباط الإنساني ويعترف بالآخر انطلاقاً من الاعتراف بالذات، وهو أساس كلّ تحرير سياسي واجتماعي.
لقد ترسخت بنيات الاستبداد في هذه المجتمعات من خلال تحالف ثلاثي: التجريم والتحريم والتأثيم. أي من خلال الاستبداد السياسي والأصوليات الدينية والعصبيات القبلية. فالاستبداد السياسي يمارس التجريم من خلال أجهزته القمعية التي تحارب كلّ تمرد وخروج عن الطاعة. كما يتعزز هذا الاستبداد من خلال التحريم الديني الذي يسيطر على النفوس ويخضعها لسلطته. ويتكرس الاستبداد كذلك عبر حكم العصبيات العشائرية القبلية مقابل الحماية وتأمين المصالح. إنّ العلاقات الاستبدادية الناجمة عن هذا الثالوث تولد علاقات أخرى تنتشر في البيت والمدرسة والمسجد والعمل والنشاط العام لتنتج لا وعياً ثقافياً يساهم بدوره في ترسيخ الاستبداد.
لا سبيل أمام الإنسان العربي من أجل تخطي هذه المحنة سوى تبني مؤسسة العقل ومؤسسة العلم حتى يجد نفسه أمام فرصة حقيقية لتنوير ذاته بوعيه ولإنتاج علمانيته وحداثته، وإلا سيظل لصيقاً بمؤسسة البداوة ومؤسسة إفتاء الأحاديث وما ينجر عنها من استغلاق سياسي يستبدل المتعدد بالواحد الأوحد، وذلك حتى يتسنى لنا الخروج من النفق المظلم نحو شساعة المجتمعات العربية الموحدة التي تستثمر خيراتها لخدمة أبنائها، وتجاوز حالة التشتت والانقسام التي أفرزت كيانات متفرقة تهدر هويتها العربية كما تهدر أموال النفط خارج أرض العرب. إنّ معركة الإصلاح والتحول صعبة ومعقدة وفي الوقت نفسه تحتاج إلى مجهودات جبارة.
كتابات الدكتور مصطفى حجازي جديرة بالقراءة والـتأمل في القضايا المهمة التي تطرحها، والتي يمكن النظر فيها على ضوء ما تعرفه المجتمعات العربية اليوم من أحداث متسارعة يصعب على الباحث الراصد أن يتوقع نتائجها، لكن على الأقل يستطيع أن يتسلح بالمعرفة الدقيقة من أجل متابعة ما يجري بعيداً عن ضوضاء الإعلام والتحليلات المتسرعة والمستهلكة في الميديا الحديثة.
وفي هذا الحوار نحاول الإحاطة بوضع التحليل النفسي في المجتمعات العربية، مع الوقوف عند بنى الاستبداد (التجريم، التحريم، التأثيم)، التي تحول دون تحرير الإنسان العربي وتحقيقه لتنميته الذاتية والجماعية.
المهدي مستقيم: أريد في مستهل هذه المقابلة أن تحدثنا عن مجيئك إلى التحليل النفسي؟
ـ مصطفى حجازي: لا بدّ في البداية من توضيح. فعلى الرغم من مروري بتجربة تحليلية امتدت أكثر من ثلاث سنوات على يد محللين نفسيين مشهود لهم، إلا أنني لست محللاً نفسياً، وبالتالي فأنا لا أمارس التحليل العلاجي.
على أنّني مستوعب بقدر جيد لتقنيات التحليل نظراً للخبرة التي عشتها. كما أنّني مستوعب لنظريات التحليل النفسي الفرويدي واللاكاني. وقد قمت بترجمة أعمال تحليلية نفسية هامة أبرزها: معجم مصطلحات التحليل النفسي، كما أنجزت مؤخراً ترجمة العمل الهام للمحلل اللاكاني الأبرز مصطفى صفوان، بعنوان: التحليل النفسي: علماً وعلاجاً، وقضية. وهو يمثل ثمرة ممارسة امتدت أكثر من ستين سنة في التحليل النفسي العلاجي والتعليمي والإشراف على المحللين المتدربين في باريس. وهو من أهم الكتب التي تعرض لحركة التحليل النفسي الفرويدي وقضاياها وصراعاتها وطموحاتها وانشقاقاتها. كما يعرض لمسيرة لاكان الحافلة في تجديد قراءة فرويد وتأصيل أفكاره، وما تعرضت له حركته بدورها من سجالات وصراعات ومآزق.
ولكن بالإضافة إلى تدريس هذه الأدبيات التحليلية، إلا أنّ الأبرز في وضعي هو محاولة توظيف التحليل النفسي في كتاباتي التي تدرس خصائص إنساننا العربي. فمنذ بدء ممارستي للتعليم الجامعي تمثل همّي في تجنب إعادة إنتاج نظريات مستوردة بحالتها الخام، كما وضعت انطلاقاً من خصائص الإنسان والمجتمع الغربي الصناعي، ولخدمة فهمه وتأهيله وتسييره وصيانة طاقاته. وهو ما يمثل في تقديري الوظائف الأربع لعلم النفس. يقوم التحليل النفسي بوظيفتين من هذه الوظائف الأربع؛ وهما الفهم لخصائص هذا الإنسان وصيانة طاقاته من خلال التقنيات العلاجية. وعليه لا بدّ لنا نحن علماء النفس العرب من الإقلاع عن مجرد تكرار هذه النظريات واعتبارها تنطبق بحرفيتها على الإنسان العربي في واقعه وخصائصه. لا بدّ من دراسة جادة لكيفية تبيئتها لخصائص عالمنا وإنسانه. أمّا ما يبدو للقارئ من أنّني محلل ممارس فإنه يعكس محاولاتي لتوظيف هذا العلم في كتاباتي عن إنساننا، إضافة الى ما قمت بترجمته من أعمال.
المهدي مستقيم: ما هو الوضع الذي يوجد عليه التحليل النفسي في المجتمعات العربية اليوم؟
ـ مصطفى حجازي: لست في وضع الخبير المخول لإعطاء فكرة دقيقة وشاملة عن ممارسة التحليل النفسي عربياً. إنّما من المعروف أنّ حضوره محدود ونوعي، ولم يحدث اختراقات كبرى من حيث الانتشار. ويعود شطر من ذلك إلى طول فترة إعداد المحللين النفسيين وكلفتها المالية العالية بشكل غير عادي من ناحية، وإلى طغيان التقنيات العلاجية المستوردة من أميركا تحديداً، وتطبيقها كذلك بحالتها الخام. وأبرزها العلاجات السلوكية قصيرة المدة وسهلة الممارسة التي تعالج مشكلات سلوكية جزئية. وراهناً هناك تقنيات العلاج المعرفي سهلة التعلم والممارسة، وقصيرة المدة بدورها. وإضافة الى عوامل الرواج تلك، فإنّها تعتبر الأكثر تلاؤماً مع مواقف الأفراد والأسر العربية التي تبحث عن حلول سريعة وملموسة لمشكلات السلوك والعلاقات، بدون الخوض في أعماق النفس التي مازالت تعتبر من المحرّمات التي لا يجوز طرحها للبحث والاستقصاء.
أمّا الموقف الاجتماعي الثقافي من التحليل النفسي فسيتم التوقف عنده في الإجابة عن الأسئلة اللاحقة.
المهدي مستقيم: في المجتمعات العربية الإسلامية باستثناء بعض المحاولات الجادة التي أقدم عليها مصطفى صفوان، مصطفى حجازي، فتحي بن سلامة، مالك شبل، عدنان حب الله، يتمّ الاكتفاء بالترويج للتحليل النفسي كمادة مترجمة. هل يمكن القول إنّ المرحلة التي يعيشها التحليل النفسي في مجتمعاتنا تشبه إلى حد ما المرحلة التي ترجم فيها العرب الفلسفة اليونانية؟
ـ مصطفى حجازي: التحليل النفسي وأدبياته المتوفرة في السوق العربية جلّها مترجمة، ما عدا ما أشرت إليه بسؤالك، وهي أقرب ما يكون إلى الاستثناءات. إلا أنّ المشكلة الأخطر ليست في الترجمة العلمية والدقيقة، وإنّما هي تكمن تحديداً في النقل غير الدقيق لنتف عامّة من هذه النظريات التحليلية ومفاهيمها الأساسية. وهو نقل يقوم به نفر من غير الاختصاصيين سواء من أساتذة الجامعة أو الكتّاب. وهم في الواقع ندر أن يكونوا مستوعبين جيداً لما ينقلون، هذا إذا لم ينقلوه عن سواهم من غير المستوعبين للنظرية والتقنية التحليلية النفسية. وتكون النتيجة تكرار معلومات فضفاضة ومجتزأة لا يكاد يكون لها صلة بالأصل. ذلك هو على الأقل جلّ ما ينشر ويدرس في الجامعات العربية الشرقية، حيث تمّ تعريب علم النفس. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الحال في المغرب العربي وأقطاره هو أفضل وأكثر علمية ودقة حسب علمي، وبدون أن يكون بإمكاني التعميم في هذا المجال.
المهدي مستقيم: هل يمكن ممارسة التحليل النفسي بغير اللغة التي ظهر بها؟
ـ مصطفى حجازي: موضوع هذا السؤال هو مثار جدل ثار حيناً من الزمن عندنا وفي الغرب. إنّما الواقع أنّ فرويد ذاته والمحللين الأوائل الذين شكلوا حلقته المقربة مارسوا التحليل بغير لغته الأم وهي الألمانية (كما هو معروف)، وخصوصاً باللغتين الإنجليزية والفرنسية. وكان فرويد نفسه يقوم، بعدما ذاعت شهرته، بالتحليل باللغة الإنجليزية لمن بدؤوا بالتوافد على عيادته من أميركا وإنجلترا.
إلا أنّ القضية النظرية التي تطرح على هذا الصعيد، ممّا يجعل تساؤلك مبرراً، تتمثل في أنّ اللاوعي المبني كلغة، حسب تعبير لاكان الشهير، هو مبني كلغة الأم المحكية تحديداً. وأنّ مجازاته وكناياته تشتغل بناء على هذه اللغة وتراثها وقصصها وأساطيرها ومخيالها. وهو ممّا يتعذر أو يصعب على الأقل التعبير عنه سواء باللغة الفصحى أم بلغة غير لغة الأم. يشكل هذا الأمر شيئاً من قصور التعبير عن غنى اللاوعي ولغته الأصلية. وقد يكون من الطريف والمفيد علمياً أن يقوم فريق من المحللين ثنائيي اللغة بدراسة متعمقة لهذه القضية.
المهدي مستقيم: من المعلوم أنّ التحليل النفسي فرع من المعرفة يؤسس مسألة الذات والآخر على منابع الكلام في أوج عصر العلوم، فكيف للعرب أن يرهبوا اتباع هذا السبيل العلمي، وأن يخشوا استخدامه منهجاً وأداة في الفكر الديني تحت ذريعة أنّه علم "غريب"، "يهودي"؟
ـ مصطفى حجازي: كانت تهمة العلم اليهودي تقضّ مضجع فرويد منذ البداية. ولذلك بذل جهوداً كبيرة لتوسيع نطاق الحلقة الضيقة المكونة من المحللين الأوائل الذين تحلقوا حوله في فينا، وكان جلهم من اليهود. كان يدعو منذ البداية إلى استقطاب أنصار من المحللين غير اليهود (السويسريين والإنجليز والهولنديين....). كما أنه جهد إلى تكوين حركة تحليلية نفسية ذات مدى عالمي، تمثلت في النهاية في الرابطة الدولية للتحليل النفسي، وفروعها من الروابط المحلية في كل بلد. ولقد جهد كثيراً لتنصيب يونغ السويسري على رأس هذه الرابطة (وهو غير يهودي، لتكريس الطابع العلمي العلماني للتحليل النفسي). كان ذلك قبل انشقاق يونغ عنه وتأسيسه لمذهبه الخاص المعروف باسم "علم النفس التحليلي". ولا بدّ في هذه المناسبة من إنصاف فرويد عربياً وإسلامياً. كان فرويد يقرّ بأنه يهودي أوروبي ليس إلا. وكان من أشدّ الرافضين للحركة الصهيونية وإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين التي قال إنّ لها أصحابها من العرب المسلمين والمسيحيين، وبالتالي لا يجوز الاعتداء على حقوقهم الوطنية. وإذا كانت الحركة الصهيونية تبحث عن إنشاء وطن قومي لليهود فما عليها إلا أن تبحث عن أرض في أفريقيا أو سواها من التي ليس فيها سكان أصليون. كما أنّ أحداً لم ينتقد الدين اليهودي وأساطيره بمثل ما فعل فرويد في كتابه الأخير، قبل مماته، بعنوان موسى والتوحيد.
أمّا خشية العرب والمسلمين من التحليل النفسي فلا تمثل تهمة يهوديته سوى المبرر السطحي لهذه الخشية وهذا الموقف المضاد. المسألة المسكوت عنها هنا تتمثل تحديداً في الموقف من استكشاف الذات الإنسانية والغوص في أعماقها. ذلك أنّ هذا الاستكشاف يفترض تمتع الإنسان العربي المسلم بذاتيته الفردية وخصوصياتها وحريتها الجوانية، وهو ما يتعارض، بل يتناقض مع المعتقد الديني المتزمت الذي لا يعترف أصلاً بالفردية والخصوصية وبالتالي الذاتية وأعماقها، بل يجعل الصدارة للجماعة، ويحظر الخوض في حميميات الذات وخصوصياتها (ممّا يشكل موضوع التحليل النفسي) لصالح دغمائية التعاليم الدينية المسقطة فوقياً والتي تجعل الفرد مجرد أداة لها. قدّم الشاعر والمفكر أودنيس تحليلاً بالغ الغنى لهذه الحالة، وكيف أنّها تلغي إنسانية الإنسان الفرد والمتفرد لصالح عضو الجماعة المسلمة أو أخواتها.
إنّها ليست مسألة رهبة من كشوف التحليل النفسي، بل هي خشية من زعزعة السلطة الدينية التي تريد أن تكون كليّة ومطلقة على الأتباع، وهي مسألة حرص على استتباب الهيمنة على النفوس والأقدار، ممّا يؤسس للاستبداد السياسي والثقافي في مختلف أشكاله الشائعة في بلادنا.
المهدي مستقيم: هل هناك إمكانية للتعايش بين التحليل النفسي والعلاج الشعبي في المجتمعات العربية الإسلامية؟
ـ مصطفى حجازي: لقد سبق طرح هذا السؤال على المحلل الكبير مصطفى صفوان، ونحن نتماشى مع ما قاله بهذا الصدد. التحليل النفسي يمارس أساساً مع الشرائح الوسطى والمثقفة والجامعية المعتادة على الاستبطان الذاتي والتعبير بالكلام عن قضاياها الذاتية. ولذلك فإنّ جمهوره، سواء الغربي منه أو العربي، هو من هذه الشريحة السكانية أساساً. وهو مازال جمهوراً محدوداً عددياً في العالم العربي نظراً لطول مدته التي لا تقل عن سنة، وبالتالي كلفته العالية. أمّا العلاج الشعبي الذي يتناول علاج مشكلة محددة سلوكية أو علائقية أو حتى نفس ـ جسدية فهو قصير المدة والكلفة عادة، ويأتي بمثابة ممارسة برانية يلعب فيها المريض دور المتلقي الذي لا يقوم بأي مبادرة، بينما العلاج التحليلي يترك المبادرة كليّاً للمريض حيث يكون هو اللاعب (كما يقول لاكان) والمحلل هو المواكب. ونتيجة لهذا التوزيع للأدوار يتحرر المريض من السلطة الفوقية القمعية. وهو ما يجعل التحليل وسيلة ناجعة للتحرر الداخلي.
المهدي مستقيم: بما أنّ الدين يبني أسواراً محاطة بأسلاك دوغمائية شائكة أمام أسرار الحياة والموت، والتحليل النفسي يجعل ميدان اشتغاله تحليل الرموز الدينية والكشف عن أسرارها ودلالاتها. هل يمكن القول إنّه ثمّة تناقض جوهري بين الدين والتحليل النفسي؟
ـ مصطفى حجازي: هناك تناقض ما بين الدين المتزمت الذي يبالغ في فرض تحريماته، بما يقيد العقل والنفس من الداخل، وبين التحليل النفسي الذي يشتغل أساساً على التحرير النفسي الداخلي. يبرز التناقض بوضوح في حالة نظم التطرف الديني المتزايدة الانتشار في عالمنا العربي، والتي لا تعرف من هدف سوى الإخضاع والاتباع، وإلا فتهمة الكفر والضلال جاهزة. أمّا الدين بما هو مسألة إيمانية جوانية فلا يتناقض مع التحليل النفسي.
المهدي مستقيم: ورد في مقال لجيلبير غرانغيوم بعنوان "أشكال اللقاء بين الإسلام والتحليل النفسي" ترجمة حسن قبيسي ما يلي: "بقدر ما نلاحظ مدى اغتناء عالم الفكر الأوروبي بإسهامات التحليل النفسي، نكتشف إلى أيّ حد بقي العالم العربي يقاومها بشدة. أكيد أنّ التحليل النفسي يمارس كبقية الفكر الأوروبي إغراء قوياً. إلا أنّ محاولات تأسيس الممارسة العلاجية والبنيات الفكرية أو التعليمية المطابقة له لم تأتِ بنتائج تذكر. وهذا ما يفسّر رواج الفكرة القائلة إنّ ثمة تناقضاً جذرياً بين الإسلام والتحليل النفسي. وبما أنّ التسويغ في هذه الحالة شيء ضروري، فإنه يشار ضمن هذه الثقافة إلى الثقل المهيمن الذي تمثله الجماعة بالنسبة إلى الفرد. ويشار كذلك إلى البنيات التي تتعلق بالدين واللغة، مع التشديد على الميزة الغريبة التي ورثها التحليل النفسي عن أصوله. "ما تعليقك؟
ـ مصطفى حجازي: لقد سبقت الإجابات عن الأسئلة السابقة إلى تبيان هذه المسألة. وليس هناك من تناقض إلا ما بين التفسيرات الفقهية المتحجرة للدين وبين التحليل النفسي الذي يشتغل على التحرر الداخلي.
المهدي مستقيم: بالنظر إلى تزايد الفتاوى الدينية في المجتمعات الاسلامية، كيف يمكن للتحليل النفسي أن يساعدنا على تفسير البواعث والدوافع اللاواعية لهذه الظاهرة؟
ـ مصطفى حجازي: موجة الفتاوى التي تدّعي امتلاك سلطة تأويل النص الديني واحتكارها، بواعثها سلطوية تسلطية في المقام الأول، ولا أعتقد أنّها ذات بواعث لا واعية. فاحتكار تأويل النص هو في الواقع احتكار للسلطة والتسلط على الناس، كما يقول صفوان. وتشتد هذه الظاهرة مع حالات التقهقر والانحطاط كما حدث بعد انحطاط الدولة العباسية في أواخر أيامها.
وكلما زاد التقهقر والانحطاط تعاظم التزمت الديني وانتشار التحريم وتقييد العقول والنفوس. ويتمثل المخرج من ذلك في تقديري في تأسيس مشروع مجتمعي تنموي عام، بما يتضمن من نهضة فكرية وثقافية تخدم احتياجات تنمية الإنسان. هناك تلازم إذاً ما بين فترات النهوض وتزايد مجال الحريات الفكرية والانفتاح والتسامح الديني، والعكس صحيح.
المهدي مستقيم: هل تتفق مع الفكرة القائلة إنّ الدعوات السلفية التي تنادي بضرورة العودة إلى الأصل تتضمن إحالات إلى الطور الطفولي للإسلام عندما كان قوياً ومنتصراً؟
ـ مصطفى حجازي: الدعوات السلفية متعددة الدوافع. إنّها في شكلها الديني المحض مجرد رفض للواقع المتردي الذي يعيش حالة من الفساد والانحطاط وتفشي الغبن والمظالم، من قبل نظم حكم استبدادية تصادر الثروات الوطنية وكأنّها ثروات خاصة، وتمارس صنوف القهر والهدر على المواطنين. وهي في شكلها هذا نوع من تكفير الواقع القائم والهروب إلى زمن السلف الصالح، في حالة بحث عن الفردوس المفقود. وكأنّ هناك إمكانية لإلغاء الزمن والعودة قروناً إلى الوراء. إنّها تبحث عن استعادة أسطورة النقاء التي تعتبرها مميزة للسلف الصالح.
والواقع هو أنّ هذه البواعث ليست سوى الآلية الذاتية للسلفية، بينما البواعث الحقيقية تكمن في مكان آخر. هذه السلفية هي الأداة التي نشرتها قوى الهيمنة العالمية على مقدرات الشعوب المقهورة بدءاً بـ "بن لادن" في أفغانستان، وصولاً إلى ما يجري على امتداد العالم العربي. فداعش، نجم ساحة التطرف راهناً، ليست سوى صنيعة الـ C.I.A. ولو أنّ قوى الهيمنة تدعي محاربته. داعش وسواها من ظواهر استفحال التطرف الديني ليست سوى أداة تفتيت الكيانات الوطنية، لنهب مقدراتها وإفقاد الكيانات الوطنية لمناعتها الداخلية بالتواطؤ مع قوى الاستبداد، وبذلك تعيش إسرائيل بسلام لألف عام.
المهدي مستقيم: هل يمكن إرجاع احتكار الدين للتأويل والحياة في مجتمعاتنا إلى عدم أجرأة التحليل النفسي وتخصصات أخرى تابعة له؟
ـ مصطفى حجازي: لقد سبقت الإجابة عن هذا السؤال. فالمسألة لا تختص بتراجع جرأة التحليل والعلوم الإنسانية، بل إنّ هذا التراجع ذاته هو نتيجة مباشرة لمحاربة هذه العلوم وتحويلها إلى علوم شكلية محظور عليها بحث قضايانا الاجتماعية والسياسية بالعمق اللازم ووضع اليد على المشكلات الفعلية. ولذلك فإنّ نطاق المحظور والحجر يتزايدان راهناً على اختصاصيي العلوم الإنسانية في عالمنا العربي. وهنا يقوم التواطؤ في فرض هذا الحظر ما بين قوى الاستبداد وقوى الأصولية وقوى الهيمنة الأجنبية.
المهدي مستقيم: أين تتجلى راهنية التحليل النفسي بالنسبة إلى مجتمعاتنا العربية، خصوصاً بعد الانتفاضات التي شهدتها في السنين الأخيرة؟
ـ مصطفى حجازي: تتعلق المسألة براهنية العلوم الإنسانية في مجموعها (التحليل، وعلوم النفس والاجتماع، والأنتربولوجيا، والإعلام، والمعلوماتية، والاقتصاد وسواها)، وقيامها بدراسات جادة وجريئة متكاملة المذاهب (pluridisciplinaires) لدراسة واقعنا وخصوصاً واقع الشباب العربي. إنّنا بحاجة لإنشاء علم جديد هو علم الشباب يطرح كل قضاياه وصولاً إلى إطلاق طاقاته الحية باعتبارها الرصيد الاستراتيجي المستقبلي لحياة مجتمعاتنا.
المهدي مستقيم: أوضحت أثناء تقديمك للترجمة العربية لكتاب مصطفى صفوان لماذا العرب ليسوا أحراراً أنّ الحراك العربي الذي شهدته الدول العربية مؤخراً، قد حرّك الطاقات الحيّة التي كانت مختزنة، والتي اعتقد الحكام المتسلطون على الرقاب بأنّهم أخمدوها بواسطة آليات القمع والترهيب، وبدأ الناس يسعون إلى استرجاع حقوقهم واستدراك ما فاتهم من فرص، فسقطت بعض رموز الاستبداد، وظهر أنّ هناك فجراً جديداً قادماً يبدّد الظلمة التي عاشتها هذه المجتمعات منذ عقود. لكنّ تطور الأحداث بيّن بالملموس أنّ التغيير ينبغي ألا يقتصر على إسقاط الحكام المستبدين، لأنّ الأمر يتعلق ببنيات استبدادية أكبر منهم، بل هي التي تسندهم وتكرّس قمعهم وقهرهم للشعوب. إنّ المعركة كما تقول طويلة النفس، لكن ينبغي خوضها من أجل الكشف عن تلك البنيات الراسخة سياسياً وثقافياً واجتماعياً ودينياً. كما أنّ بناء المستقبل لا يتمّ دون هدم تلك القلاع البالية وصولاً إلى استرجاع كيان الإنسان العربي وحقه في الوجود. هلّا حدثنا عن هذه البنيات الاستبدادية الراسخة سياسيًا واجتماعياً وثقافياً ودينياً، التي تحول دون تحقيق التنمية الذاتية والجماعية؟
ـ مصطفى حجازي: هذا حديث طويل ومتشعب ويذهب في العمق تاريخياً، ولا يمكن إجماله في بضعة أسطر. طاقات الحياة موجودة دائماً، وخصوصاً عند الشباب الذين تجدد فيهم ذاتها. الحياة لا تشيخ مع الكبار الذين يشيخون ويؤزّلون تسلطهم على البلاد ومقدراتها. إنّهم يشكلون أحد المعوقات الأساس أمام النهوض. أمّا الانتكاسات التي شهدها الربيع العربي فهي مفهومة. ذلك أنّه من قبيل التفكير السحري الاعتقاد بإمكانية الخلاص الإعجازي بمجرد تحركات الشباب والجماهير. لا بدّ من معارك طويلة لتصفية هذا الإرث الثقيل والمديد من التخلف والسلفية والاستبداد. ولا بدّ من كشف قوى الإعاقة التي ترسّخت في مجتمعاتنا بعد قرون من الانحطاط؛ وهو مشروع جارٍ عملنا عليه. ويكفي التذكير بأنّ الثورة الثقافية في أوروبا، التي واكبت الثورة الصناعية، استمرّت لأكثر من قرنين من الزمان وصولاً إلى القضاء على البنى المجتمعية الإقطاعية والمحكومة من قبل الكنيسة والحكم الإلهي.
المهدي مستقيم: هل يمكن القول إنّ هذا الاستبداد الخارجي في كلّ أشكاله وصوره هو نتيجة حتمية للاستلاب والكبت الداخلي الجوّاني الذي يعيشه الفرد في مجتمعاتنا؟
ـ مصطفى حجازي: كلا، بل الأصح القول إنّ كلاً من الاستبداد الخارجي والكبت الجواني هما وجهان لعملة واحدة، ويتبادلان التعزيز. فالقمع الداخلي للطاقات الحية سوف يهيّئ السبيل لإنشاء عقول متزمتة ونفوس خاضعة ممّا ييسر عمليات الاستبداد الخارجي. على أنّ قوى الاستبداد تتجاوز إلى حد بعيد قوى العطالة الذاتية المصاحبة للقمع الداخلي وما يصاحبه من اضطرابات نفسية. فالاستبداد حين يبلغ حد الطغيان السياسي لا ينجح ويستتب إلا حين يتمكن من تقييد القوى الحية الداخلية، وليس مجرد ضبط السلوكات الخارجية. المستبد ينجح حين يصبح في داخلنا ويشتغل انطلاقاً من هذا الموقع الداخلي. هنا يصبح الإنسان رقيباً على ذاته، وصولاً إلى الخضوع المختار الذي تحدث عنه دي بوسييه.
المهدي مستقيم: ماذا على الإنسان العربي أن يفعل حتى يجد نفسه ويحدّد وجوده الخاص؟
ـ مصطفى حجازي: ليس هناك من وصفة جاهزة تصدر عن شخص فرد أيّاً كان جواباً عن هذا السؤال. إنّه مشروع مجتمعي نهضوي عام ينخرط فيه الفرد ضمن الجماعة. وبانتظار ذلك على إنساننا وخصوصاً الشباب أن يحموا أنفسهم ضدّ القهر والهدر، وأن ينمّوا سبل إطلاق طاقاتهم الحية، كما اشتغلنا عليه في ثلاثيتنا المعروفة: الإنسان المقهور، والإنسان المهدور، وإطلاق طاقات الحياة. يمكن أن يتسلح شبابنا بمعطيات هذا الكتاب الأخير الذي وضع خصيصاً لهم، والذي تصادف العمل عليه تحديداً مع انطلاقة ثورة الياسمين التونسية. وقد قمت من جانبك مشكوراً بعرض تلخيص متقن لمختلف فصوله. على شبابنا ألا يترك اليأس يتسلل إلى النفوس، فاليأس غير مسموح به في زمن الشدائد. إذ إنّ التفكير الإيجابي والأمل الفاعل اللذين يبتكران الحلول يشكلان عدّة المجابهة. هناك دوماً إمكانات ومخارج خفيّة يجب التنقيب عنها واستثمارها. ولا بدّ لشبابنا من الاقتناع بأنّهم هم طاقات الحياة المتجددة، وأنّ هذه الطاقات إن خبت فترة فإنّها لا تموت، بل هي جاهزة دوماً للتحرك والانطلاق.
ذلك ما يبنيه تاريخ الأمم التي نهضت من تحت ركام الهزائم والدمار، وذلك ما يبنيه نجاح ثورات الشعوب رغم عدم التكافؤ الهائل مع قوى العدوان. فطاقات الحياة هي المورد الرئيس للنماء والإبداع وصناعة المصير، حيث يجد الإنسان ذاته ويصنع هويّته ومكانته.
[1]ـ يُعدّ الدكتور مصطفى صفوان أحد الأسماء الوازنة في الساحة الثقافية والعلمية في العالم العربي، فهو مفكر من وزن ثقيل ومحلل نفسي ينتمي إلى المدرسة اللاكانية (نسبة إلى جاك لاكان). وقد أغنى الساحة الثقافية بكتاباته وترجماته، وعلى رأسها ترجمته لكتاب فرويد العمدة: "تفسير الأحلام"، الذي عدّه كثير من الباحثين بأنّه متفوق على الترجمة الفرنسة لكتاب مؤسس التحليل النفسي. كما ارتبط اسمه بترجمة كتاب "العبودية المختارة" لبويسي، وترجمته لمسرحية شكسبير إلى اللغة المصرية العامية. إضافة إلى عدد من المصنفات والمحاضرات العلمية في مجالات الفكر واللغة والثقافة والتحليل النفسي، مثل كتاب: "الكلام أو الموت" و"إشكاليات الفكر العربي المعاصر".