مفهوم العدالة في النظرية الليبرالية عند جون رولز: بين سياسة التدبير في المثالية الأخلاقية وسياسة التبرير في الواقعية السياسية - الاجتماعية
فئة : مقالات
مفهوم العدالة في النظرية الليبرالية عند جون رولز:
بين سياسة التدبير في المثالية الأخلاقية وسياسة التبرير في الواقعية السياسية - الاجتماعية
ملخص البحث:
تعرف السياسة على أنها فن تدبير المدينة وفق نماذج مثالية تتصف بالنظام والاتساق، وهي النماذج التي يمكن أن نسمها بسمة الطوباوية أو بصيغة أدبية بسمة اليوتوبية أو المدينة الفاضلة، حيث تتحقق العدالة والحرية والمساواة والتعاون، فأن نفكر سياسيا انطلاقا من هذه المثالية معناه أن نفكر في المأمول، والتفكير في المأمول معناه استشراف ممكنات مستقبل يسود فيه الخير وتنتشر فيه مبادئ العدالة، بمعنى التفكير في ما ينبغي أن يكون بالقوة، وهو تفكير معياري، ومنه فالتدبير كمفهوم سياسي لا يتأتى إلا بوجود تخطيط، والتخطيط لا يتأتى إلا بوجود نموذج، ووجوده هو ما يقذف بالأخلاق في قلب السياسة، فإذا أردنا أن نتصور مفهوم العدالة سياسيا وجب أن نؤسسه أخلاقيا، والتأسيس الأخلاقي للعدالة يرتكز على أرضية فلسفية – ميتافيزيقية تنزع منه براقع المصلحة والمنفعة، وتجعله نقيا خالصا.
وتعرف السياسة على أنها فن تبرير الأنظمة القائمة وفق نماذج افتراضية تستند إلى الواقع، وهي النماذج التي يمكن أن نسمها بسمة الواقعية الاجتماعية والسياسية، حيث تضطلع المؤسسات الاجتماعية والسياسية القائمة بدور تحقيق العدالة والحرية والمساواة عبر تبرير هذه المفاهيم وتسويغها، على اعتبار أن أفراد المجتمع لا يملكون دراية عنها، فأن نفكر سياسيا انطلاقا من هذه الواقعية معناه أن نفكر في المسؤول، والتفكير في المسؤول معناه استحضار وسائل وأدوات تحقيق الخير، باعتبارها أساس الخير كله، وهي المؤسسات الاجتماعية والسياسية، فهي المسؤولة عن تحقق العدالة، بمعنى أن التفكير ينصب على ما هو كائن بالفعل، وهو تفكير اعتباري، ومنه فالتبرير كمفهوم سياسي لا يتأتى إلا بوجود توزيع عادل، والتوزيع العادل لا يتحقق إلا بوجود مؤسسات عادلة، ووجودها هو ما يقذف بالمنفعة في قلب السياسة، فإذا أردنا أن نتصور مفهوم العدالة سياسيا وجب أن نؤسسه اجتماعيا، والتأسيس الاجتماعي للعدالة يرتكز على فرضية العقد الاجتماعي، وهي فرضية فلسفية سياسية لا ميتافيزيقية[1] قمينة بأن تنقض المثالية والطوباوية السياسية لتنقذ الواقعية الاجتماعية والسياسية القائمة على التبرير.
والملاحظ أن تاريخ الفلسفة السياسية يتأرجح بين فكرين أساسيين: فكر يستند إلى سياسة التدبير والمزاوجة بين الأخلاق والسياسة، ونجد مثالا له في جمهورية أفلاطون، حيث هذا الأخير ينشد نظاما سياسيا مثاليا مأمولا، وفكر يستند إلى سياسة التبرير والمزج بين المنفعة والسياسة، ونجد مثالا له في الفلسفات السياسية المعاصرة، حيث الغلبة من نصيب الواقع السياسي والاجتماعي.
وسنسعى من خلال هذا المقال إلى النظر في مفهوم العدالة في النظرية اللبرالية عند رولز، ليس من أجل عرض نسق هذا الفيلسوف، وإنما بغية فحص حضور ثنائية التدبير والتبرير، وثنائية المثالية الأخلاقية والواقعية السياسية – الاجتماعية في متنه الفلسفي، على اعتبار أن هذا المزج لم يحضر على امتداد تاريخ الفلسفة السياسية الكلاسيكية منها والمعاصرة، والوقوف عند الاستثناء كفيل بأن يبرز لنا أهمية البحث.
تقديم:
إن تاريخ الفلسفة السياسية هو تاريخ تضارب جيلين بارزين من التصورات التي نظرت في هذا المجال، بين جيل كانت معظم تصوراته سابحة في الخيال والطوباوية تتوخى تأسيس مجتمع تحكمه سلطة وتعمه مبادئ الحرية والمساواة والعدالة والديمقراطية؛ وذلك من أجل صون كرامة أفراده، وقد غطت هذه التصورات المثالية حيز كبيرا من تاريخ الفلسفة السياسية، بداية من اللحظة اليونانية مع أفلاطون وأرسطو، مرورا بفلسفات العصور الوسطى، والتي حاكت النماذج المثالية على مستوى الواقع، لكن سرعان ما اضمحلت هذه التصورات في مستنقع الواقع السياسي الخبيث، والذي يتسم بالصراع والتطاحن من أجل السلطة، مع كل ما يعتور هذا التنافس لبلوغ سدة الحكم من عنف واضطهاد واغتيال، باتت معها الضرورة ملحة لتأسيس فكر سياسي يساور خبث الواقع ومكره، وهو ما تجسد مع جيل جديدة تقوى مع اللحظة المكيافيلية، حيث قام ماكيافيللي في كتابه "الأمير" بتقديم العديد من التوجيهات للحاكم، من أجل بلوغ الحكم والحفاظ عليه؛ وذلك بمجابهة جميع فصائل الناس التي بطبيعتها ميالة للعنف، وأن يتصف بالقوة والمكر والود مع ما تقتضيه الضرورة؛ أي أن يكون حربائيا في التصرف مع حاشيته ورعيته.
إن هذا الفكر السياسي الواقعي قد امتد إلى فلسفات لاحقة وشمل فلسفة الأنوار مع روسو واسبينزا وجون لوك، لكنه توقف مع اللحظة المعاصرة، حيث دار جدال على نطاق واسع حول المفاهيم السياسية؛ وذلك من أجل تحيينها وتبيئتها وفق ما يمليه العصر من تغيرات جذرية مست بكافة المستويات، فلا يكفي أن تكون النظرية السياسية محكمة البناء ومتسقة مع القيم المؤسسة لها، بل عليها أيضا أن تتقيد بشروط الإنجاز وأن تتطابق مع الوقائع الكبرى للمجتمع ولسيكولوجية الأفراد، حتى لا تكون طوباوية مجافية لواقع المجتمع، ومتضاربة مع هذه السيكولوجية، وأكثر المفاهيم جدلا في هذا السياق، مفهوم العدالة، والذي بالرغم من تناوله في الفلسفات الكلاسيكية إلا أنه مع الفلسفة السياسية المعاصرة شهد تحولات انتقالية أضفت عليه غموضا ولبسا، ومرد ذلك إلى ثلة من الفلاسفة الذين تناولوه من زوايا متعددة؛ إحدى هذه الزوايا يمكن أن نصنفها على أنها مثالية كما في نموذج النظرية الليبرالية بوصف العدالة إنصافا عند جون رولز، وهي النظرية التي نهلت من معين بعض التصورات المثالية حول مفهوم العدالة، والتي يطبعها مزج بين السياسة والأخلاق لكنها لم تقطع مع الجانب الواقعي منها، لكون رولز قد ربط العدالة بالمؤسسات الاجتماعية عبر تكليفها بالتوزيع العادل.
وانطلاقا مما سبق، تخامرنا مجموعة من الأسئلة والإشكالات المتعلقة بمفهوم العدالة عند رولز وهي: ما العدالة؟ ما معنى العدالة بوصفها إنصافا؟ وكيف يمكن للنظرية الليبرالية أن تحتضن مفهوم العدالة؟ وما الطابع الذي اصطبغ به هذا المفهوم في خضمها؟ وما أوجه مثاليتها وأين تتجلى؟
1. العدالة في ضوء النظرية الليبرالية عند جون رولز:
مفاهيم أساسية: العدالة، المجتمع حسن التنظيم، البنية الأساسية، الوضع الأصلي، حجاب الجهل
شكلت نظرية العدالة عند رولز عودة إلى الأصول المثالية التي وسمت الفلسفة السياسية في العصور الكلاسيكية، حيث أفصح على ضرورة المزج بين اليوتوبيا والواقع في الفلسفة السياسية، باعتبارها - أي اليوتوبيا - سبرا لحدود الإمكان السياسي العملي، وأملنا في مستقبل مجتمع يقوم على الاعتقاد بأن العالم الاجتماعي يسمح بنظام سياسي لائق، على الأقل، فيكون حصول نظام ديمقراطي عادل بصورة معقولة، وإن ليس كاملا[2]، وفي هذا السياق يتحدث رولز عما يسميه باليوتوبيا الواقعية قائلا: "تكون الفلسفة السياسية يوطوبيا واقعية عندما توسع آفاق ما نعتبره عادة حدودا للإمكانية السياسية العملية، وإذ تفعل ذلك، تجعلنا على وفاق مع وضعنا السياسي والاجتماعي، يتوقف ما لدينا من أمل في مستقبل مجتمعنا على الاعتقاد بأن العالم الاجتماعي يسمح بأن توجد ديمقراطية دستورية عادلة معقولة كعضو في مجتمع شعب عادل معقول"[3]، الأمر الذي يقود بدوره إلى تكوين السؤال الجوهري التالي: أي مفهوم للعدالة أكثر ملاءمة لمجتمع ديمقراطي؟
1. 1. التأسيس الأخلاقي للعدالة: بحث في إمكان التحقق بالقوة عبر سياسة التدبير ومفهوم المجتمع حسن التنظيم
إن البحث عن الإمكان هو عينه بحث عن المثال، والممكن حصوله هو الممكن تحقق مسببات حصوله، فإذا توفرت هذه المسببات، فلا مندوحة من أن النظام الذي انبثق منها سيكون من طبيعتها، ومن هنا فإذا تهيأت الأرضية الاجتماعية المناسبة وتخصبت بمبادئ الحرية والمساواة والإنصاف وتخويل الحقوق والواجبات، فإن ذلك يسفر مباشرة على إنتاج نظام سياسي قادر على تسوية أمور المواطنين وجعلهم في حالة من التجانس والتعاون والتضامن، وهذه من بين الأهداف العملية التي سطرها جون رولز لمشروعه، أي توفير أساس فلسفي وأخلاقي مقبول للمؤسسات الديمقراطية، وبالتالي التوجه إلى السؤال عن كيفية فهم دعاوى الحرية والمساواة، ولإصابة هذا الهدف، ننظر في الثقافة السياسية العامة لمجتمع ديمقراطي، وفي تقاليد التأويل الخاصة بدستوره وقوانينه الأساسية، طلبا لأفكار مألوفة معينة يمكن صياغتها في مفهوم للعدالة السياسية[4]، وهو ما يخدم هيكل المجتمع الحسن الانتظام المصمم لتعزيز رفاهية أعضائه، واعتبر رولز فكرة هذا المجتمع مثالية، لكنه يؤمن بقدرتها وكفاءتها في أن تفيد كمفهوم للعدالة عمومي ومشترك، عندما ينظر إلى المجتمع كنظام تعاوني بين مواطنين أحرار ومتساوين من جيل إلى آخر، وأن ملاءمة مفهوم العدالة لـ "مجتمع حسن التنظيم société bien ordonnée" يوفر معيارا مهما يفيد في مقارنة المفاهيم السياسية للعدالة، وفكرة المجتمع الحسن التنظيم تساعد على صياغة ذلك المعيار، وأيضا على تعيين الفكرة المركزية المنظمة للتعاون الاجتماعي[5].
وقد جعل رولز العدالة في قلب الكائن الأخلاقي، باعتبارها ملكة أو حسًّا، وهو ما يحيلنا إلى العقل العملي الأخلاقي او مفهوم السلام الدائم الذي استلهمه رولز من كانط[6]، حيث العدالة متاخمة للأخلاق تساهم في تفعيل المجتمع والحفاظ على استقراره، على اعتبار أن الطبيعة قد قدرت أن نكون أحرارا متساوين مع الآخرين ومتآلفين اجتماعيا، في إطار علاقة صداقة ومحبة وثقة[7]، ويغرف رولز هنا من وعاء بعض فلاسفة القرن الثامن عشر، حيث تتبدى النظرية اللبرالية[8] في نطاق أضيق يمثله جون لوك تركز على الحرية الشخصية والمساواة السياسية.
كان التطور ناجما، قبل كل شيء، عن الإقرار بأهمية البنى الاجتماعية والاقتصادية، بالتساوي مع المؤسسات السياسية والقانونية، في صوغ حيوات الناس ونوع من القبول التدريجي بالمسؤولية الاجتماعية، وحين وجه الاهتمام الأخلاقي نفسه إلى هذه البنى (الاجتماعية والاقتصادية)، كانت النتيجة تحجيما للمثال الاجتماعي الليبرالي وتصورا موسعا للعدالة، وبالفعل، فإن استخدام عبارتي((عادل)) و((غير عادل)) لوصف الأفعال والقوانين الفردية وحسب، بل لوصف مجتمعات وأنظمة اجتماعية واقتصادية برمتها، هو أحد التجليات الحديثة نسبيا لهذا التغير الحاصل في النظرة، وليبرالية رولز هي التحقق الأكمل الذي نتوفر عليه إلى الآن لتصور العدالة، هذا لدى مجتمع منظور إليه جملة، حيث جميع المؤسسات التي تشكل أجزاء من بنية المجتمع الأساسية خاضعة وجوبا للتقويم بنوع من المعيار المشترك[9].
يقر رولز أن مؤسسات المجتمع أو كما يسميها "البنية الأساسية structure de base" تقع في صلب نظريته العدالة كإنصاف والمنشودة في أي مجتمع ديمقراطي؛ لأنها تؤثر على "أهداف المواطنين وطموحاتهم وخلقهم، وأيضا على فرصهم وقدرتهم على الاستفادة منها، وهي آثار منتشرة وحاضرة منذ بداية الحياة"[10]. فما هي هذه البنية أو هذه التركيبة الأساسية ولماذا التركيز ينصب عليها في المتن الرولزي؟ على سبيل المثال، فإن مؤسسة الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والأسواق التنافسية هي عناصر مهمة للتركيبات الاقتصادية في بعض المجتمعات، فيما تتبنى مجتمعات أخرى الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج واقتصاديات الهيمنة، كما أن الدساتير السياسية في بعض الدول تمنح حماية قانونية لحرية الفكر، فيما تقمعه وتكبحه دساتير أخرى، وتعتبر العائلة التي تتكون من زوج وزوجة واحدة مؤسسة اجتماعية أساسية في بعض المجتمعات، فيما كان تعدد الزوجات في العائلة في مجتمعات أخرى يعتبر منذ قرون من التنظيمات الاجتماعية الأساسية للمجتمع.
يقول رولز في كتابه نظرية العدالة مقدما مثالا عن البنية الأساسية: "نذكر أنه يمكن لكنائس أن تحرم الهراطقة، لكنها لا تقدر أن تحرقهم، فهذا المانع كان لتأمين حرية الضمير (...) نذكر أنه لتأسيس مساواة بين الرجل والنساء في المشاركة في عمل المجتمع، وفي الحفاظ على ثقافته، وفي إعادة إنتاج نفسه عبر الزمن، هناك حاجة لإدخال شروط في قانون الأسرة، حيث لا يقع عبء حمل الأطفال وتنشئتهم وتعليمهم بصورة أثقل على النساء فيقضي على مساواتهم المنصفة في الفرص"[11].
فعندما يحدد رولز البنية الأساسية كموضوع رئيس تتناوله نظريته في العدالة، فهو في الواقع يتبنى وجهة نظر أن العدالة هي السمة الأولى والأكثر أهمية من سمات البيئة الاجتماعية، فبرأيه، تطبق فكرة العدالة بالأساس على المظاهر الأساسية للبيئة الاجتماعية التي تتحدد من خلالها الامتيازات أو حالة الحرمان من الامتيازات في المجتمع من دون أن تحدد طبيعة العلاقات بين الناس[12].
وإذا كانت الفكرة الجوهرية لنظرية رولز في العدالة تتضمن النظر إلى المجتمع كمنظومة للإنصاف في التعاون الاجتماعي بين أشخاص أحرار ومتساوين، فإن السؤال البارز الذي تطرحه تلك النظرية هو: وفقا لأي شروط يحصل هذا التعاون؟ هل يحصل داخل المجتمع كمشروع تعاوني يماثل شراكة تجارية، أو "مسعى للتعاون يهدف إلى تحقيق مكاسب مشتركة"[13]، ولكن كيف تحصل هذه الشراكة؟ وأين تنشأ؟
1. 2. التأسيس السياسي والاجتماعي للعدالة: بحث في المفترض عبر سياسة التبرير ومفهوم الوضع الأصلي وحجاب الجهل
نلمع أولا إلى أن ظروف العدالة لا تتجسد دائما، فليست الطبيعة كريمة إلى حد أنها تمنح البشر كل ما يريدونه، من دون الحاجة إلى العمل والتعاون الاجتماعي أو ربما كانت يد الطبيعة أحيانا قاسية تصفع البشر وتجبرهم على خوض صراعات من أجل البقاء تتسم بالنزعة العنصرية التي تستبعد أي تعاون اجتماعي، إن ظروف العدالة هي تلك الظروف التي لا نتمتع فيها بوفرة غير محدودة مما نطمح إليه ولا حرمان بالغ.
لا يمكن تصور مجتمع فردي، يعيش فيه الفرد مستقال عن النسق العام الذي نشأ فيه ونما بسببه؛ لأن ذلك كفيل بأن يقذفه خارج المجتمع لكونه لا يقوم بأي دور يساهم في تقوية الشراكة الاجتماعية وتغليب المصلحة العامة، إن المنافع والخيرات تنشأ نتيجة تحالفات وشراكات اجتماعية تكاثف الجهود من أجل توزيعها بشكل عادل بين جميع المشاركين المساهمين في تمتين بناء المجتمع عبر دورهم الفعال، ليس فقط في النسيج الاقتصادي والمادي كما يذهب إلى ذلك آدم سميث، وإنما تتضمن كذلك وسائل استمتاع من نوع غير اقتصادي لا يمكن أن تتحقق إلا بالتساند والتكافل والتعاون مع الآخرين، مثل الاستمتاع الذي نشعر به من خلال الاشتراك في لعبة تتطلب عددا من المشاركين أو من الصداقة، ولكن لغرض الحصول على هذه المنافع دون غيرها، المنافع التي تنشأ من جهود مشتركة بين المشاركين، فنحن نحتاج إلى مبادئ تحدد الحصص الصحيحة التي يتم توزيعها. لذلك فجميع الناس في الأحوال الاعتيادية، حسب رولز، سيستفيدون بشكل أفضل من خلال المشاركة في مشروع تعاون اجتماعي مما لو كان كل واحد منهم يعيش بمفرده اعتمادا على جهوده الخاصة؛ ذلك لأن النتائج التي تتمخض عن مشروع التعاون الاجتماعي هي المنافع، وليست الأعباء، وتخضع الأشياء التي تنتج من التعاون الاجتماعي إلى مبادئ العدالة الاجتماعية كما سنرى.
إن خوض رولز في قضية العدالة الاجتماعية لم يكن بداعي الترف المعرفي، بل كان نتيجة لرغبته في تغيير التصورات المنفعية البراغماتية المهيمنة على النقاشات التي ما فتئت تدور بشكل مكثف حول المؤسسات الاجتماعية والسياسات، حتى أدى ذلك إلى إقصاء مناهج التفكير البديلة، وهي التصورات التي ظهرت في أوروبا مع جيرمي بنثام وتمددت إلى الولايات المتحدة لتلقى إشعاعها هناك مع بيرس وجيمس وغيرهم.
يركز جيرمي بنثام (1748 - 1832) Jeremy Benthamعلى مبدأ السعادة الأعظم الذي يدور حول فكرة أن ما يسعى الناس إلى بلوغه دائما يتمثل في تحصيل أكبر قدر من السعادة، وبناء عليه حصرت وظيفة القانون ضمان أن أي شخص، بسعيه إلى السعادة، لن يمس حقوق أقرانه في السعي ذاته؛ لأن قدرا أكبر من السعادة يطال عددا أكبر من الناس تلقائيا من دون تدخل أو تخطيط، وهنا تكمن أصول العلاقة بين النفعية واللبرالية؛ إذ أصبح ذلك مبررا وتأصيلا لمبدأ ((دعه يعمل))[14]، أي اقتصاد السوق، من حيث هو منظومة تلقائية التنظيم، وتبلورت مع آدم سميث في مزاعمه عن اليد الخفية؛ أي إننا لسنا بحاجة إلى دولة ومجتمع في توزيع الثروة؛ لأن ذلك يتأتى بطريقة تلقائية، وبفعل يد خفية، وأن تقسيم العمل هو العامل الرئيس لثروة الأمم، وهذا التصور قد شمل ليس فقط النفعيين، وإنما حتى الليبراليين الجذريين مثل هايك وفريدمان، بيد أن رولز ينتقد هذا الطرح مؤكدا على ضرورة تدخل الدولة من أجل تقويض العنف والظلم وتحقيق العدل التوزيعي الذي يصفه بول ريكور بـ "المنفعة المنزهة من أي غرض"[15].
فالخلاف إذن مع بنثام[16] قائم في الفلسفة التي بمقتضاها ينطلق القانون، لا فيما يحدده القانون في مرحلة لاحقة، ولعل في هذا ما يمكن عده مدخلا تبريريا مهما حين الدفاع عن الطرح الرولزي في جعله الحريات والحقوق الإنسانية الأساسية موضوع مبدأ العدالة الأول والأولى كما سنرى لاحقا، وفي عده ثابتا لا يقبل المساومة ولا المقايضة. لذلك سنحلل القضية من منطلق الحق، إذا كان بنثام يعتبر أن ما يجب أن نسعى إليه هو السعادة، وبذلك تنمحي معه جميع الاعتبارات الأخلاقية للعدالة، وبما أن رولز يرى أن سعي الإنسان لا يجب أن ينحو نحو السعادة، وإنما نحو الحرية باعتبارها عماد العدالة بما هي نقيض للظلم، نطرح سؤالا: أيهما أقرب إلى الإنسان وأقر في عقله، قولنا إن شخصا يناضل من أجل بلوغ سعادته، أم قولنا إنه يكافح من أجل نيل حريته؟ هل حق الإنسان في الحرية حق، أم السعادة هي الحق؟
1. 2. 1. مفهوم الوضع الأصلي:
ربما لا غرو أن الإجابة ترجح القول الثاني، من دون أن يعني ذلك إغفال أهمية السعادة، لا أنه تظل تعبيرا عن واقع الحال البشري السائد والأقرب إلى الغريزة بالمعنى الواسع. أما الحرية، فتبدو أقرب إلى الطبيعة الإنسانية بالمعنى الأكثر تجاوزا للمعنى الغريزي، ومنها قد تتحقق السعادة؛ أي إن تحقيقها سيعبد الطريق أمام تحقيق هذا المبتغى، وبصفته ليبراليا يركز رولز مبدئيا على الحرية، ويؤكد أنه لا يمكن أن تحد الحرية إلا باسم الحرية. إنها حرية حقيقية لا صورية فحسب كما عند الليبراليين الذين سبق ذكرهم خصوصا فريديريك هايك؛ بمعنى أنها متوافقة مع السمة الأساس للعدالة الاجتماعية: حرية الوصول إلى ما يسميه الأصول الاجتماعية الأولية أو الوضع الأصلي la position originelle[17]، هذا الوضع لا يعني الحالة الأولى للمجتمع البشري التي ظهرت في تاريخ مبكر من عمر البشرية، بل هو حالة غياب الطبقات والامتيازات الطبقية، وهذا الغياب هو أساس العدالة والحالة المناسبة التي تجعل من الاتفاقات الناتجة عنه منصفة، والذي يستند على منهج يتخيل أن المجتمع يتأسس على اتفاق بين أفراده تتحدد من خلاله الشروط الرابطة التي تجمع بينهم، ويتجلى الهدف من هذه العملية في استنباط مجموعة مبادئ للعدالة الاجتماعية تركز على طرق توزيع المكاسب في المجتمع، بعد أن يجري اتباع هذه المبادئ، يمكن استخدامها في مرحلة ثانية من إعادة التدوير، أو ما يسميه راولز ب ((العرف الدستوري la coutume constitutionnelle)) لغرض اختيار نوع التركيبة الأساسية للمجتمع وهي التركيبة التي تبنى على صرحها القوانين، وتقوم عليها السياسات.
وتجدر الإشارة إلى أن نموذج الوضع الأصلي يستمد جذوره من نظرية العقد الاجتماعي مع روسو ولوك وكانط...[18]، بيد أن رولز ارتقى بفكرة العقد إلى مستوى عالي من التجريد، ففي عمق هذا العقد تكمن الفكرة الأساسية لمجتمع حسن التنظيم يفهم فيه الأشخاص على أنهم أحرار ومتساوون يتعاونون وفق شروط منصفة كما حددها تصور العدالة، فالعقد يتوسط المثل العليا المجردة للتعاون المنصف بين أشخاص أحرار ومتساوين ومبادئ جوهرية للعدالة. إنه يقدم المضمون الكامن في ذلك المثل الأعلى الديمقراطي.[19]
ينزاح رولز في أحايين كثيرة إلى براغماتية خافتة قليلة الحضور، تتمثل في أن المنافع والخيرات المحددة مسبقا في شروط افتراضية نموذجية تصبح جزءا من الحق المسبق، وهنا مكمن اختلافه مع النفعية الكلاسيكية سواء مع بنثام أو جون ستيوارت مل، التي تترك تحديد المنافع والخيرات وتمييزها لكل سلوك فردي أو اجتماعي فعلي بعينه من دون القلق حيال ما يعتري ذلك من نسبية وتنوع وتناقض شديد سببه غياب الشروط التعاقدية النموذجية التي من شأنها الموازنة والترجيح العقلاني بين المنافع والخيرات ومراعاة مصالح الجميع والمساواة بينهم والحرص على إنصافهم؛ فكل طرف من أطراف الوضع الأصلي يجهل موقعه خارجه، وهو مدفوع بالتالي، إلى الحرص على مساواة نفسه بالآخرين، حتى أقلهم موقعا وانتفاعا، وعلى الاتفاق على الحق والعدل ابتداء، وقبل أي إجراء تال، سياسيا كان أو اجتماعيا او اقتصاديا، الأمر الذي لا يتوافر في كل لحظة من لحظات الواقع الفعلي للناس[20].
1. 2. 2. مفهوم حجاب الجهل:
لذلك نجد رولز في كتابه العدالة كإنصاف يميز بين المعقول والعقلاني كسبيل لحياكة نسيج مجتمع منصف قائم على التعاون الاجتماعي، حيث إن الأشخاص المعقولين "يكونون مستعدين لاقتراح المبادئ التي يحتاج إليها لتعيين ما يمكن أن يراه الجميع شروطا منصفة للتعاون، أو يكونون راضين بالمبادئ عندما يقترحها آخرون، وأن عليهم احترام وتقديس هذه المبادئ ولو كان ذلك على حساب منافعهم ومصالحهم، ومنه فالدستور السياسي والقوانين تكون عادلة حين تكون قابلة للموافقة عليها من جانب أشخاص معقولين أحرار من موقع حق متساو وتشريع سياسي قائم على المساواة[21]، وما يعتبر غير معقول هو العكس من كل هذا، حيث الشخص يقترح أي مبادئ، ويلتزم بها، وينتهكها إذا ما اقتضت منفعته ذلك، وهذا هو العقلاني بالنسبة إلى رولز[22]. وهنا وجب العودة إلى مسألة الوضع الأصلي عند رولز، حيث إنه يرى أن الأطراف في هذا الوضع تمتاز بالتفكير العقلاني؛ بمعنى أنها تفضل أن يحصل أفراد المجتمع الذين تمثلهم على نصيب كبير، وليس على نصيب قليل من مكاسب التعاون الاجتماعي، فحقيقة وصف الأطراف بالعقلانية لا تقتضي أن تتصف تلك الأطراف، أو أفراد المجتمع الذي تمثلهم بالأنانية، ربما يرغب أولئك الأفراد، على سبيل المثال، في استثمار نسبة من حصصهم لتحقيق غايات تعود بالنفع على الآخرين، والواقع أن هذه العقلانية تتبدى في رغبة هذه الأطراف في التوصل إلى اتفاق مع الأطراف المقابلة وفقا لشروط الإنصاف، ومن أجل المساعدة على ضمان عقلانيتها، يطلب منا رولز تخيل أن الأطراف ضمن الوضع الأصلي تضع ما يسميه بـ "حجاب الجهل le voile d'ignorance"[23]، الذي يمنعها من التعرف على القدرات والأوضاع الاجتماعية؛ لأن هذا النوع من المعرفة ربما يجعل تلك الأطراف تميل إلى المساومة للحصول على مكاسب بعيدة عن الإنصاف[24]، على سبيل المثال، إذا كان ممثل طرف معين يعلم أن الفرد الذي يمثله يتمتع بذهنية فكرية استثنائية، ربما يطالب بمبادئ عدالة استثنائية من شأنها أن تحقق مصالح ذلك الإنسان الموهوب[25]، وهكذا فإن القرار حول مبدأي العدالة، سواء الحرية أو التوزيع يجرد من التاريخ، يصبح لا تاريخيا أي إنه افتراضي[26]؛ بمعنى أنه محض إنشاء وتجريد، لكنه أساس للتجريبي المرتبط بالدولة والتشريع لضمان الحريات والتوزيع العادل للمنافع والخيرات الأولية، والتي يقسمها رولز إلى قسمين: أولا خيرات توزعها المؤسسات الاجتماعية مباشرة مثل الدخل والثروة والسلطة والحقوق والحريات ويسميها خيرات اجتماعية أولية، ثانيا خيرات طبيعية أولية كالصحة والذكاء والقوة وسعة الخيال والمواهب الطبيعية التي لئن تأثرت بطبيعة المؤسسات الاجتماعية لا توزع مباشرة من قبلها[27].
وعطفا على ما سبق، نستنتج أن رولز يتوخى تأسيس نموذج تعاقدي ينطلق من التجريد العقلي بهدف التأسيس للتجريبي المعني بتجاوز أوجه قصور الماضي والحاضر، ومظالمهما باتجاه العدالة المؤسسة على الحق في المستقبل، فهو ينطلق من التجريد إلى المأمول، بالاستفادة من معطيات الحاضر الاجتماعية والسياسية[28].
2. مبادئ تأسيس العدالة عند رولز: الحريات الأساسية والمؤسسات الخلفية
يقترح رولز، لتحقيق العدالة تحقيقا مثاليا، مبدأين عامين[29] يمثلان جوهر الدستور الليبرالي العادل، ويشكلان كلا متكاملا، حيث يكون لأولهما أولوية سبق وتحقق على الثاني الذي يكتسب شقه الأول الأولوية ذاتها على الشق الثاني، وهما كالتالي:
المبدأ الأول: "لكل شخص الحق ذاته والذي لا يمكن إلغاؤه، في تشكيلة من الحريات الأساسية المتساوية الكافية، وهذه التشكيلة متسقة مع نظام الحريات للجميع ذاته"[30].
المبدأ الثاني: "يجب أن تحقق ظواهر اللامساواة الاجتماعية والاقتصادية شرطين: أولهما يفيد أن اللامساواة يجب أن تتعلق بالوظائف والمراكز التي تكون مفتوحة للجميع في شروط مساواة منصفة بالفرص، وثانيهما يقتضي أن تكون ظواهر اللامساواة محققة أكبر مصلحة لأعضاء المجتمع الذين هم أقل مركزا (وهذا هو مبدأ الفرق)"[31].
1. 2. الحريات السياسية والحقوق الأساسية:
أما المبدأ الأول، فقد وجه له رولز عناية كبيرة؛ وذلك لكونه مرحلة قبلية للمرحلة التي تليها ولا يمكن تجاوزها إلا باستنفاذها وتنفيذها، فحين يؤكد جون لوك على الدستور كقوة مكونة، فإن رولز يضع المبدأ الأول؛ أي الحريات والحقوق الأساسية في نطاق المبادئ الجوهرية للدستور، ولها الأولوية على قضايا التوزيع والفرص، وبما أنها في قلب الدستور فإنها تستدعي قدرا من التدخل من طرف الدولة، ولا يعارض رولز هذه المسألة كما ذكرنا سابقا في جداله مع النفعيين والليبراليين الجذريين، وما يعتمده رولز في ذلك يتمثل في استقراء السائد في الأنظمة الديمقراطية وفي الاستدلال الذي من شأن نتائجه تأكيد قيم الحرية والمساواة الكامنة فيها، الشيء الذي لا يستقيم إلا بالبحث في أي من الحريات يوفر الظروف السياسية والاجتماعية الجوهرية للتطور[32]، وهذا يقتضي تدخل المؤسسات الاجتماعية التي يدرجها رولز في البنية أو التركيبة الأساسية، وهنا نكون داخل نطاق المبدأ الثاني، فالمبدأ الثاني هو الذي يحقق متطلبات المبدأ الأول، وبهذا يكون المبدآن متكاملين في تحقيق العدالة في عملهما معا؛ فالحريات السياسية تؤمن للمواطنين المتناظرين في الاستعدادات الرفص ذاتها على صعيد التأثير في السياسات العامة وشغل مواقع فيها، بغض النظر عن طبقتهم الاجتماعية والاقتصادية، وفي هذا السياق، تقتضي الأولوية تأكيد وجوب عدم مقايضة الحريات والحقوق الأساسية بالمنافع الاجتماعية والاقتصادية؛ لأن ذلك يعتبر من عمل مبدأ الفرق وهو الذي يقوم بعملية تنظيمها، مهما كان حجم الأثر المترتب عن ذلك المجال الاقتصادي او النفع الاجتماعي العام؛ إذ لا يمكن وضع حد أو إنكار حرية أساسية لا في سبيل حريات أساسية أخرى وليس بغية الحصول على خير عمومي أفضل[33]، كما في المقاربة الرعائية عند كارل بوبر. ومن الحريات التي حددها رولز ودعا إلى صونها وحمايتها حرية الفكر وحرية الضمير وحرية الانضمام إلى رابطة والحريات الشخصية مثل عدم التعرض للاعتقال العشوائي وحقوق التقيد بشرعية القانون والمحاكمة العادلة، ومن الحريات السياسية نذكر حق التصويت وحرية الصحافة[34]، وهنا نطرح سؤالا: أي المؤسسات الأكثر قدرة على ضمان الحرية الديمقراطية والمساواة؟
يجيب رولز قائلا: "قد لا تستطيع الفلسفة السياسية فعل أي شيء في هذا الصدد سوى تلطيف حدة الصراع في المواقف بشأن ذلك، لكن ذلك دأب الأفكار والتصورات بصفة عامة، فحتى تلك القناعات الأكثر رسوخا يمكن أن تتطور باطراد الزمن، فلقد أصبح التسامح الديني سائدا اليوم ولم يعد للاضطهاد الديني أو للادعاءات الكهنوتية ما يبررها. وبالمثل، لم يعد الاسترقاق، الذي اعتبر دائما أصل الحرب الأهلية عندنا، مقبولا لأنه جور في ذاته. وعلى الرغم من أن بعض آثاره لا تزال قائمة ضمن بعض السياسات الاجتماعية والمواقف غير المعلنة، فلا أحد مستعد للدفاع عنه أو لتبريره. يتمثل غرضنا ها هنا في تنظيم تلك القناعات من قبيل الاعتقاد في قيمة التسامح الديني أو رفض الاسترقاق وكل الأفكار والمبادئ الأساسية التي تنطوي عليها بصفة ضمنية بشكل منسجم ومتسق ضمن تصور سياسي للعدالة، فمثل تلك القناعات تمثل مرتكزات ثابتة لا يستهان بها بحيث ينبغي على كل تصور معقول أن يأخذها بعين الاعتبار"[35].
يولي رولز اهتماما خاصا للحريات السياسية، ويؤكد أن أفراد المجتمع العادل يجب أن يحصلوا على قيمة منصفة من هذه الحريات، ما يعني أن كل فرد ينبغي أن يكون في وضع يؤهله لممارسة هذا الدور المؤثر في اتخاذ القرارات العامة مثل أي فرد آخر. فالحرية إذن هي شيء غير محدود بطبيعته، يجب أن تسطر له حدود باستمرار، وهذه الحدود بموجب القانون هي المساواة، كما أن هذه الأخيرة لا تعد كافية لإقامة العدالة الحقيقية في المجتمع مادامت سلطة الدولة هي بحكم الطبيعة غير متناسبة وتفوق كثيرا سلطة الأفراد، ومادامت سلطة الأغنياء وبحكم الطبيعة غير متناسبة وتطغى على سلطة الفقراء، وهكذا دواليك، وهذا ما يتهدد الحرية باستمرار، وعلى العكس من ذلك، فإذا مبدأ الحرية ليس مكتفيا بذاته، فمتى أطلق للحرية العنان ضاعت المساواة، ومتى غابت المساواة فقدت الحرية الإيجابية.
2. 2. المؤسسات الخلفية:
إن ما يميز المبدأ الثاني عن المبدأ الأول هو عدم صلته المباشرة بجوهر الدستور، فعلى الرغم من أن مبدأ الفرص هو جوهري دستوريا، فإن الشق الأول من المبدأ الثاني كشقه الثاني لا يعد دستوريا على الرغم مما يرجى منه في تحقيق ما يفوق المبدأ الدستوري القائل بوجوب الحفاظ على الحد الأدنى الاجتماعي الذي يوفر الحاجات الأساسية (دولة الرعاية عند كارل بوبر)، لكن ذلك لا يعني أن ما يميز الأول عن الثاني يتمثل في تعبيره، بعكس الآخر، عن قيم سياسية، فكلاهما متشابه ومتكامل؛ لأن البنية الأساسية التي ينطبق كلا المبدأين عليها تقوم بدورين متكاملين؛ الأول يعين الحريات الأساسية المتساوية للمواطنين وتؤمنها ومنه تؤسس دستورا عادلا. أما الثاني، فهو توفر المؤسسات الخلفية للعدالة الاجتماعية والاقتصادية لتحقيق المبدأ اللبرالي للمشروعية بالتأسيس على المفاهيم والقيم السياسية المرتبطة به[36]؛ أي بما يحقق الإرادة العامة التي تتجلى في التسويغ العام والتوازن الفكري والإجماع المتشابك وصولا إلى تعاقد اجتماعي سياسي بشأن مبادئ العدالة بصفتها مبادئ دستورية بالنسبة إلى أولها وتشريعية بالنسبة إلى ثانيها[37].
لتوضيح الفرق بين المبدأ الأول والثاني، من حيث العلاقة بالدستور والتعبير عن القيم السياسية، يقسم رولز مراحل التعاقد إلى:
المرحلة الأولى: وفيها يتواضع الأطراف على مبادئ العدالة خلف حجاب كثيف من الجهل، الذي لا يبد أن يشف تدريجيا كلما تقدمت المراحل؛ لأنها تتدرج في مدى صلتها بمعطيات الواقع والتجربة.
المرحلة الثانية: وهي مرحلة المؤتمر الدستوري التي يطبق فيها المبدأ الأول؛ إذ تظهر الحقوق والحريات الأساسية في موضع الصدارة من الدستور.
المرحلة الثالثة: هي تشريعية وفيها تسن القوانين وفقا لما يجيز الدستور وكما تتطلب وتسمح مبادئ العدالة.
المرحلة الرابعة: وفيها تطبق القوانين والقواعد من قبل الإداريين ويتبعها المواطنون وتفسر من قبل القضاء، وهنا يندرج المبدأ الثاني.
إن المبدأ الثاني يعلق بأصالة اتساق الحرية والمساواة الاجتماعية من منظور الاقتصاد السياسي، وتحديدا بطبيعة ارتباط عملية توزيع القيمة بمستوى توليدها، بعبارة أخرى، التوزيع المتساوي لكعكة ذات حجم صغير ينتج رفاها اجتماعيا أقل كثيرا من التوزيع اللامتساوي (على أساس الكفاءات والجهد المبذول) لكعكة ذات حجم مضاعف. ففي غياب أنظمة تحفيزية فاعلة قائمة على الحرية أو المبدأ الأول، من هو الأكثر إنتاجا يصبح الأقل إنتاجا، ولن يوجد في نهاية المطاف، ما يمكن اقتسامه أو إعادة توزيعه[38].
يسوق رولز حجة إلى جانب حجة العقد الاجتماعي الافتراضي للدفاع عن هذا الطرح وتسويغ مبدئه في التوزيع العادل للموارد المادية، تتمثل الأولى في الفكرة الحدسية التي نجدها رائجة في المجتمعات الليبرالية حول المساواة في الحظوظ، ومفادها أن هذه المساواة تمكن الأفراد من تحديد مصائرهم بأنفسهم واختيار ما يريدون أن يفعلوه وأن يكونوه، لا أن تملي عليهم ذلك ظروف وجودهم، وتؤكد هذه الحجة أن مبدأ الفرق يحقق هذه الفكرة على نحو أفضل من المبادئ الأخرى لتوزيع الموارد، وتنطلق من التصور الشائع للمساواة في الحظوظ، الذي يؤكد أن الناس لن يقبلوا بتفاوت في الدخل والنفوذ، إلا إذا كان نتاج تنافس نزيه حول المراكز الاجتماعية التي تنتجه، فلا يناقض مقتضى العدل أن يتجاوز دخل شخص معدل الدخل الفردي في مجتمع ما، إذا كان ذلك لا يخل بمقتضى المساواة العادلة في الحظوظ؛ أي لم يحرم أحد من فرصة الحصول على تعليم جيد أو وظيفة أو مورد للدخل، بسبب انتماءه الاجتماعي أو عرقه أو دينه أو طبقته أو طائفته أو جنسه .. وسيظل تفاوت مثل هذا عادلا، سواء استفاد منه الأشخاص الأقل امتيازا من غيرهم أم لا[39]. وبالتالي، فهذا المبدأ ينص على عدم تبرير أو تسويغ حالات التفاوت الاجتماعي والاقتصادي إلا إذا كانت في مصلحة الأفراد الذين يحصلون على أقل المكاسب في المجتمع.
يعد الشق الأول من المبدأ الثاني بسيطا نوعا ما، لكونه يركز على تكافؤ الفرص، والذي يستلزم أن تتاح المواقع أو المناصب أو الأدوار في المجتمع، والتي تقتضي الحصول على مكاسب متفاوتة، للتنافس بإنصاف على أساس تكافؤ الفرص، ويكفل هذا المبدأ توفير التعليم للجميع، من بين معايير أخرى، لكن مبدأ الفرق أو الاختلاف وهو الشق الثاني من المبدأ الثاني يعتريه شيء من التعقيد والغموض، وتوضيحه هو الذي سيخول لنا إمكانية فض النقاش الذي بدأناه سابقا بين النفعيين ورولز.
إن ما يهمنا في مبدأ الفرق الذي وضعه رولز ليس جانبه النظري، وإنما ما يرتكز عليه من جوانب إجرائية تتوخى تحقيق العدالة التوزيعية، وبالتالي فهذا المبدأ هو الأنجع والأكفأ وفق المفاهيم التأسيسية للعدالة كإنصاف، وفيها يتمظهر بشكل جلي هذا الذي نسميه إنصافا في العدالة، وتتمثل وظيفته في توضيح توقعات الأكثر والأقل انتفاعا من الناتج الذي يأتي من التعاون، مهما كان حجم هذا الناتج؛ لأن المسألة ليست مسألة حصص كما في المفاهيم النفعية، وإنما عملية تعاونية نسبية مستمرة لا تتعامل مع ثروة محددة في لحظة زمنية ما، كما أنه يربط، في خطه المبياني المنحني[40]، بين فائدة الأكثر والأقل انتفاعا، وهذا يعكس عند رولز إمكانية تغطية التفاوتات الاجتماعية الحاصلة بحجاب يظهر منها فقط ما يجسد العدالة كإنصاف أي الجانب الذي يعود بالخير على المواطنين الأكثر فقرا أو الأقل حظا وانتفاعا.
وهنا نستحضر بول ريكور الفيلسوف الفرنسي الذي اعتبر أن المجتمع يستحيل وجوده دون الأفراد الذين يشاركون في توزيع الحصص، يقول: "إن الأفراد لا يستقيم لهم وجود اجتماعي دونما قاعدة للتوزيع تمنحهم مكانة داخل المجتمع، وهنا تتدخل العدالة بوصفها فضيلة للمؤسسات المشرفة على جميع عمليا التوزيع (...) أن يتسلم كل فرد على حدة حقه، ضمن حالة معينة من حالات التوزيع ... وفي الطرف الآخر من تاريخ الإشكال نصطدم بالمحاولة ذاتها عند جون رولز سعيه إلى إنقاذ المعادلة بين العدالة والمساواة ضمن التوزيعات المتفاوتة، عبر اللجوء إلى أن استعاضة نمو امتياز الأوفر حظا بتقليص ممكنات تعثر الأكثر حرمانا، ذلكم هو المبدأ الثاني للعدالة عند رولز، الذي يكمل مبدأ المساواة أمام القانون"[41].
خلاصة تركيبية للعدالة كإنصاف عند جون رولز:
لا تقتصر أهمية الطرح الرولزي لمفهوم العدالة على صياغة مفهمة جديدة تنافي جل التصورات التي سبقتها، وإنما تكمن أهميته كذلك في بناءه لنسق فلسفي يدور حول مفهوم بعينه، وهذا يعتبر استثناء في تاريخ الفلسفة السياسية، حيث انطلق رولز في بنائه هذا من تصورات مثالية أعقبها بـ "أجرأة" المفهوم. إن التصور المثالي يتعلق بنموذج الوضع الأصلي الذي استقاه من نظرية العقد الاجتماعي وحاكى كل من كانط وجون لوك، والذي يفترض مواطنين أحرارا متساوين حياديين حيادا مطلقا؛ أي إنهم يجهلون أي معرفة بأحوالهم ومجتمعهم، وهذا ما يسميه بحجاب الجهل، وتتم إزالة هذا الحجاب بمجرد إقرار مبادئ العدالة، والتي تتمثل في مبدأين؛ الأول هو مبدأ الحريات الأساسية، ودعا من خلاله رولز إلى عدم المساومة على هذه الحريات من أجل الحصول على منافع معينة، ألن يقود ذلك مباشرة للوقوع في الأنانية، لذلك تتدخل المؤسسات الاجتماعية والمنضوية في البنية الأساسية للمجتمع في تنظيم هذه المنافع وتقويض الحريات التي لا تتماشى مع أسس الديمقراطية، والتي نحن في غنى عنها ولسنا بحاجة إليها، وهذا يسقطنا في دائرة المبدأ الثاني المتعلق بالمساواة، والتي تنشطر إلى شطرين حسب الشروط التي تقتضيها؛ أولها تكافؤ الفرص في الحقوق والواجبات، وثانيها وهو الأهم، مبدأ الفرق أو الاختلاف، والغاية منه إنصاف أكثر الأشخاص حرمانا داخل المجتمع عبر منحهم الحقوق، سواء في التعليم أو الوظيفة... ما يضمن لهم الاندماج داخل سيرورة التعاون الاجتماعي، حيث المنفعة الشخصية تغيب. وتتكفل المؤسسات بمهمة التوزيع العادل للخيرات والمنافع وتعويض الأشخاص الأكثر حرمانا والتقليص من حدة التفاوتات الاجتماعية ولو بتلطيفها وجعلها عادلة لا تضر بأي طرف من أطراف المجتمع. وفي هذا التوزيع أي في المبدأ الثاني للعدالة يكمن الجانب الإجرائي لمفهوم العدالة عند رولز. لذلك أمكننا القول، إن الجانب المثالي من مفهوم رولز يعكس حسه الفلسفي؛ لأنه متح من العقد الاجتماعي ونقض التيار النفعي. أما الجانب الإجرائي لمفهوم العدالة كإنصاف، فيطغى عليه الحس السوسيولوجي، وهو الأصل في قوة التحليل الرولزي. إن رولز بهذا النسق الفكري الضخم، والذي جمع فيه ثلة من المفاهيم التي لا يمكن الاستغناء عن أي منها؛ لأنه سيؤدي إلى إسقاط الكل، قد لبى نداء الألم الذي يتكدر به المجتمع، من التفاوتات الاجتماعية والتطاحنات المصلحية التي نهشت في جسده ومزقت نسيجه ونخرت مفاصله، فوضع رولز إزاء ذلك الثقة في الفرد من خلال الوضع الأصلي ليبدد هذه الصراعات، وسحب الثقة منه بعد ذلك ليمنحها للمؤسسات في آخر المطاف، وهنا نطرح سؤالا، هل فعلا لهذه المؤسسات المصداقية الكاملة لمقارعة حالة اللاعدالة في المجتمعات؟ ألا يمكن اعتبار هذه المؤسسات في حد ذاتها عاملا لتفاقم التفاوتات الاجتماعية؟
بيبليوغرافيا
1. جون رولز، العدالة كإنصاف، إعادة الصياغة، ترجمة حيدر حاج إسماعيل، من منظمة الترجمة العربية، 2009
- جون رولز، اللبرالية السياسية، ترجمة نوفل الحاج لطيف، جداول للنشر والترجمة والتوزيع، بيروت، ط 1، 2022
3. جون رولز، قانون الشعوب وعودة إلى فكرة العقل العام، ترجمة محمد خليل، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2007
4. مراد دياني، حرية – مساواة – اندماج اجتماعي، نظرية العدالة في النموذج الليبرالي المستدام، من المركز العربي للأبحاث والسياسات، 2014
5. صمويل فريمان، اتجاهات معاصرة في فلسفة العدالة، جون راولز نموذجا، ترجمة فاضل جتكر، من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2015
6. ديفيد جونستون، مختصر تاريخ العدالة، ترجمة مصطفى ناصر، من سلسلة عالم المعرفة 2012
7. برتراند راسل، حكمة الغرب ج 2، ترجمة فؤاد زكريا، من عالم المعرفة، 2009
8. بول ريكور، الحب والعدالة، ترجمة حسن الطالب، مكتبة الفكر الجديد 2013
9. محمد عثمان محمود، العدالة االجتماعية الدستورية في الفكر اللبرالي السياسي المعاصر، بحث في نموذج رولز، من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات 2014
10. CHAIM PERELMAN. DE LA JUSTICIA. Traduccion de RICARDO GUERRA; CENTRO DE ESTUDIOS FILOSÓFICOS UNIVERSIDAD NACIONAL AurrÓNoMA DE MÉXICO
11. ويل كيمليشكا، مدخل إلى الفلسفة السياسية المعاصرة، ترجمة منير الكشو، دار سيناترا للنشر بتونس، 2010
[1] جون رولز، اللبرالية السياسية، ترجمة نوفل الحاج لطيف، جداول للنشر والترجمة والتوزيع، بيروت، ط 1، 2022، ص 80
[2] جون رولز، العدالة كإنصاف، إعادة الصياغة، ترجمة حيدر حاج إسماعيل، من منظمة الترجمة العربية 2009، ص 90
[3] جون رولز، قانون الشعوب وعودة إلى فكرة العقل العام، ترجمة محمد خليل، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2007، ص 31
[4] جون رولز، العدالة كإنصاف، إعادة الصياغة، ص ص 91 - 92
[5] جون رولز، العدالة كإنصاف، إعادة الصياغة، ص ص 97 - 98
[6] يفيد رولز هنا من فكرة كانط عن العدالة العالمية والسالم العالمي في كتابه مشروع للسالم الدائم وقد استقى منه مفاهيم عديدة منها: العقد الأصلي، قانون الشعوب، والذي سيكون أحد كتبه، والذي نص فيه على أن الحكومة العالمية ستكون حكومة طغيان عالمي قمعي أو إمبراطورية هشة ممزقة بحروب مدنية مستمرة عندما تحاول المناطق والثقافات المنفصلة أن تكسب استقلالها السياسي.
انظر: جون رولز، العدالة كإنصاف، إعادة الصياغة، ص 101 – 104
[7] مراد دياني، حرية – مساواة – اندماج اجتماعي، نظرية العدالة في النموذج اللبرالي المستدام، من المركز العربي الأبحاث و
السياسات، 2014، ص ص 92 - 93
[8] يميز رولز بين الليبرالية بوصفها فلسفة تؤسس الحياة في كونها أيديولوجية شاملة، وبين الليبرالية التي هي مبدأ سياسي فقط، وإذا كانت الفلسفة الليبرالية الشاملة تنطلق، في تحديدها لما ينبغي أن يكون عليه النظام الاجتماعي والسياسي، من تصور مسبق عن طبيعة الفرد والحياة الخيرة، فهي تدافع عن الترتيبات السياسية باسم جملة من المثل الأخلاقية، نجد أن الليبرالية السياسية – عند رولز – لا تقبل ولا ترفض أي عقيدة شاملة خاصة، فهي تقر أن لهذه العقائد حقها في البحث عن الصدق الديني والأخلاقي والفلسفي، لكنها تفضل أن تكون على الحياد من النزاعات الجدلية المتزمتة، وتتجنب اعتماد أية نظرة شاملة معينة.
انظر: عارف عادل مرشد، العدالة كمفهوم سياسي عند جون رولز، مؤسسة مؤمنون بلا حدود
رابط المقالة:
[9] صمويل فريمان، اتجاهات معاصرة في فلسفة العدالة، جون راولز نموذجا، ترجمة فاضل جتكر، من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2015، ص 89
[10] جون رولز، العدالة كإنصاف، إعادة الصياغة، ص 99
[11] جون رولز، العدالة كإنصاف، ص 100
[12] ديفيد جونستون، مختصر تاريخ العدالة، ترجمة مصطفى ناصر، من سلسلة عالم المعرفة 2012، ص 242
[13] ديفيد جونستون، مختصر تاريخ العدالة، ص249
[14] برتراند راسل، حكمة الغرب ج 2، ترجمة فؤاد زكريا، من عالم المعرفة، 2009، ص 364
[15] بول ريكور، الحب والعدالة، ترجمة حسن الطالب، مكتبة الفكر الجديد 2013، ص 43
[16] جون رولز، العدالة كإنصاف، ص 14
[17] مراد دياني، حرية – مساواة – اندماج اجتماعي، ص 90
[18] جون رولز، العدالة كإنصاف، ص 96
[19] صمويل فريمان، اتجاهات معاصرة في فلسفة العدالة، ص ص 120 - 121
[20] محمد عثمان محمود، العدالة الاجتماعية الدستورية في الفكر اللبرالي السياسي المعاصر، بحث في نموذج رولز، من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات 2014، ص 121
[21] CHAIM PERELMAN. DE LA JUSTICIA. Traduccion de RICARDO GUERRA ; CENTRO DE ESTUDIOS FILOSÓFICOS UNIVERSIDAD NACIONAL AurrÓNoMA DE MÉXICO ; p 49
[22] جون رولز، العدالة كإنصاف، ص 94
[23] جون رولز، العدالة كإنصاف، ص 107
[24] جون رولز، العدالة كإنصاف، ص 108
[25] ديفيد جونستون، مختصر تاريخ العدالة، ص 252 - 253
[26] جون رولز، العدالة كإنصاف، ص 109
[27] ويل كيمليشكا، مدخل إلى الفلسفة السياسية المعاصرة، ترجمة منير الكشو، دار سيناترا للنشر بتونس، 2010، ص 95
[28] محمد عثمان محمود، العدالة الاجتماعية الدستورية في الفكر اللبرالي السياسي المعاصر، ص 106
[29] جون رولز، العدالة كإنصاف، ص 148
[30] المرجع نفسه، ص 148
[31] المرجع نفسه، ص 148
[32] جون رولز، العدالة كإنصاف، ص 152
[33] محمد عثمان محمود، العدالة الاجتماعية الدستورية في الفكر اللبرالي السياسي المعاصر، ص 204
[34] جون رولز، العدالة كإنصاف، ص 151
[35] جون رولز، اللبرالية السياسية، ص 78
[36] جون رولز، العدالة كإنصاف، ص 154
[37] محمد عثمان محمود، العدالة الاجتماعية الدستورية في الفكر اللبرالي السياسي المعاصر، ص 207
[38] مراد دياني، حرية – مساواة – اندماج اجتماعي، ص 197
[39] منير الكشو، نظرية جون رولز في العدالة التوزيعية ونقادها، من مجلة تباين 2021، العدد 36، ص 56
[40] انظر الرسم المبياني من كتاب العدالة كإنصاف، جون رولز، ص 178
[41] بول ريكور، الحب والعدالة، ص ص 41 - 42