حوار مع د.عماد أبو غازي (وزير الثقافة الأسبق): "نحن أمام تجمع إنساني مفعم بالتفاعل والتغيير الدائم..."
فئة : حوارات
الدكتور عماد أبو غازي: أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة، شغل منصب رئيس مجلس الإدارة المركزية للشعب واللجان بالمجلس الأعلى للثقافة لمدة عشر سنوات في الفترة من 1999 حتى 2009، وتولى أمانة المجلس الأعلى للثقافة من 2009-2011، وقد اختير وزيراً للثقافة بعد قيام ثورة 25 يناير في 5 مارس2011، غير أنه قدم استقالته في 20 نوفمبر 2011 بسبب سياسة المجلس العسكري في قمع المتظاهرين.
**- هل ترى أن الشخصية المصرية انتابها نوع من التغيير في الآونة الأخيرة بشكل أصبح يهدد مكوناتها؟
*- د.عماد أبوغازي: بداية عندي تحفظ على مصطلح الشخصية المصرية، ليس هناك شعب له شخصية مستقلة، هذا وهم يسببه التعصب القومى ونزعات العنصرية التي أعيدت صياغتها في القرن الماضي وانفجرت في وجه العالم على شكل نظريات أدت لظهور الفاشية والنازية، لكن يمكن القول إن هناك سلوكاً كان سائداً لسنوات في المجتمع المصري قد بدأ يتغير بعد الثورة، كان كسر حاجز الخوف هو أبرز سمات هذا التغير، وما تبعه من كسر لتابوهات عديدة، حيث وصل الانتقاد مثلا لشخص رئيس الدولة، هناك جرأة في النقد مع تجاوز كل الحدود في الممارسة... وكلها ظواهر جديدة في السلوك الجمعي للمصريين.
**- ولكننا دوما نتحدث عن الشخصية النهرية التي عاشت على ضفاف النهر واكتسبت سمات معينة تختلف عن الشخصية الرعوية...ألا يتعارض كلامك مع هذا التصور؟
*- د.عماد أبوغازي: الشخصية النهرية فكرة خرافية، لا يمكن تثبيت التاريخ في أسر الجغرافيا، هذه فكرة بعيدة عن الواقع، لا توجد شخصية نهرية لها مكونات ثقافية مختلفة عن غيرها، أنا أرفض فكرة النهر في مواجهة البدو...كل ما جاء عن شخصية مصر في كتابات جمال حمدان وغيره، أجد صعوبة في الاقتناع به أنا أقف موقفاً مغايراً لنظرية الشخصية القومية. الحاكم الفرعون، وهو يعيش في وادي النيل كان يحمل معه عصا الراعي. لا يوجد مكون ثقافي ممتد عبر التاريخ، شخصية الشعوب شيء نسبي ومتغير عبر الزمان، من الممكن أن أحدثك عن عشرات الشواهد التي تؤكد أن الشخصية المصرية شخصية خانعة، كما أسوق لك أيضاً عشرات الشواهد التي تؤكد أن الشخصية المصرية شخصية ثائرة! على امتداد التاريخ لا يوجد ثابت.
**- في هذا السياق هل يمكن أن نستبدل مصطلح الشخصية المصرية بمصطلح الثقافة المصرية؟
*- د.عماد أبوغازي: الثقافة المصرية نفسها متطورة وانتابها الكثير من التغير عبر مراحل التاريخ المختلفة. ليس هناك ثابت حتى في الثقافة.
**- إذن، أنت ترى التغيير صيرورة دائمة، هل ينطبق ذلك حتى على سلوك الشعوب؟
*- د.عماد أبوغازي: نعم، السلوك أيضا دائم التغيير، ومرتبط بوضع الدولة نفسه، إذا كانت الدولة في المركز، يكون هناك ازدهار حضاري وثقافي، وبالتالي يحدث تغير سلوكي، لأن الفائض دوما يتم توجيهه للداخل، بغض النظر حتى عن كون الحاكم مصرياً أم أجنبياً؛ ففي عصر الفاطميين كانت مصر هي مركز الحكم، فكان هناك ازدهار في فترات طويلة. أما إذا كنت تابعا، فإن الفائض يذهب للخارج وتنهار تباعا الأوضاع الحضارية والثقافية، هذه المتغيرات يتبعها تغير في مكونات الشعوب وثقافتها وسلوكياتها، الحضارة المصرية قامت على وحدة عناصر ومجتمعات إثنية متعددة، قامت الحضارة المصرية على الجمع بين هذه المجتمعات الإثنية، مصر قامت وحدتها على قبول الاختلاف وأية محاولة لفرض نمط واحد، سوف تؤدي للانهيار.
**- ولكن ذلك يصطدم بشكل مباشر مع المنادين بالروح المصرية في مواجهة المد السلفي...فهم يرون أن استدعاء ما يسمونه بالشخصية المصرية هو الحل لمواجهة الإسلاميين... ألا يصدمهم رأيك هذا؟
*- د.عماد أبوغازي: كل مجموعة من البشر تعيش في ظرف تاريخى معين لها ما يميزها بالتأكيد في الزمان والمكان، ولكن الظرف متغير وكذلك الزمان، حتى المكان يتعرض لعوامل جغرافية عديدة تغير من سماته باستمرار، الجماعة البشرية نفسها بداخلها تفاوت طبقي وفكري بشكل يصعب معه القول بشخصية المكان أو الشعب، هناك تفاعل دائم بين الشعوب، خلق نموذج عنصري بدعوى مواجهة المد السلفي ليس حلا على الإطلاق، أن تمارس نفس العنصرية لو فعلت ذلك.
**- إذن على امتداد التاريخ لا ترى ما يميز الشعب المصري عن غيره ولا حتى شكلا...الزي مثلا؟
*- د.عماد أبوغازي: الشعب المصري ليس له ما يميزه لا في الشخصية ولا في الزي، وكذلك سائر الشعوب، نحن أمام تجمع إنساني مفعم بالتفاعل والتغيير الدائم، في الجداريات المصرية القديمة ترى أزياء المصريين مختلفة، زي الفلاح نفسه متغير، في الرسوم التي ترجع إلى عصر الحملة الفرنسية تلاحظ مظهراً آخر لزي المصريين...كل شيء خاضع للظرف التاريخى، حتى الزي نفسه؛ فداخل البلد الواحد أكثر من عشرات الأنماط من الزي نختلق أوهاما نتجادل حولها، ليس هناك ثابت بل لكل جزء من المجتمع ظروفه وخصائصه.
**- الزي الآن إشكالية...مثلا صورة السلفي بزيه تعكس انطباع الآخرين تجاهه، كيف وصل ارتباط الصورة والفكرة بالزي؟
*- د.عماد أبوغازي: هناك جماعات تختار لنفسها زيا معينا تعتبره مقدسا كبعض الجماعات اليهودية والرهبان البوذيين والسيخ، كذلك يفعل السلفيون، هنا السلوك يدل على الانتماء والانضمام للجماعة، وهذا تقليد قديم، فعلها الوفديون في الماضي عندما كونوا تنظيم أصحاب القمصان الزرق، كذلك الزي العسكري يعنى أنك محارب في الجيش، الزي يعبر عن الانضواء تحت لواء جماعة له توجه معين، ولا يعكس شخصية الشعوب، هناك الأزياء الأفريقية مثلا، زي الأفريقي في عهد الاستعمار يختلف عن زيه بعد التحرر أزياء الهنود واليابانيين وغيرهم، هناك زي تاريخي إلى جواره كل تقاليع وصنوف الأزياء العالمية.
**- في عهد الحملة الفرنسية، استخدم الفرنسيون أحد الشوام ويدعى برتملي وكان يرتدي أزياء مزركشة كثيرة الألوان، فأسماه المصريون فرط الرمان، وكان برتملي هذا وجماعته بأزيائهم المختلفة يثيرون ريبة وتوجس المصريين، حتى أنهم هتفوا في ثورة القاهرة الثانية: "اللهم انصر السلطان واهلك فرط الرمان... ومع هذا تقبل المصري السلفي بجلبابه القصير وغطرته ولحيته وهيئته الغريبة...ألا ترى تناقضاً في التعامل مع الحالتين؟
*- د.عماد أبوغازي: على مدى آلاف السنين يأتى الغرباء، فرط الرمان يختلف نوعا عن السلفيين، كان عميلا للاستعمار والناس كانت ثائرة، أمام السلفي فرغم غرابته شكلاً عن المجتمع لكن الفكر السلفي قد تغلغلت أفكاره بشكل متدرج، السلفية لها أصولها الممتدة في التاريخ المصري منذ العصور الوسطى، أيام المماليك حدث صراع بين السلفية والصوفية وبين السلفية والسنية المعتدلة، هو فكر يصعد ويتراجع بشكل متفاوت، لكنه حين ينزل إلى الشارع ويبدأ في محاولة فرض وصايته على الناس يحدث الصدام... الرهان هو الناس.. هذا هو سؤال المستقبل... ولن ينجح هذا التيار في السيطرة... الناس قد تأخذ منه الخدمات وتنتخبه لكنها حين تصطدم مصالحها وحرياتها الشخصية معه، فإنها تسحقه.
**- كيف يستطيع الفرد العادى ان يفرز ويميز في ظل هذه الخطابات الوافدة والمؤدلجة؟
*- د.عماد أبوغازي: ليس هناك كتالوج للفرز، بل الممارسة وإحساس المجموع هي المحدد، الممارسة الفعلية هي أساس الاختيار، إذا تحسن وضعك بشكلٍ ملموس فأنت تؤيد والعكس، الاختيار السياسي هنا يؤثر على حياتك ومستقبلك نحن لن نخترع...التجربة هى المعيار وتحقيق الاستقرار هو رجاء الشعوب.. المواطن لا يختار اليسار أو اليمين، لأنه يراها جيدة بقدر ما يختار ما يحقق مطامحه، الناس تختار وإذا قمعتها تثور ولو بعد حين؛ فهي لن تقبل وضعاً لا يحقق احتياجاتها...الليبرالي واليساري وغيره كلها اتجاهات وافدة مثلها مثل السلفية، تصبح الممارسة هى المعيار هنا.
**- هل هناك تقاعس من اتجاهات معينة في المجتمع لمواجهة المد السلفي...الصوفية مثلا هل تقاعست؟
*- د.عماد أبوغازي: أنت في لحظة أزمة تاريخية غير مسبوقة في التاريخ المصري كل الأطراف مطلوب منها تقديم رؤاها والمشاركة، الصوفية حصل فيها انقسام لا زالت تعاني منه، تعددت الخطابات والحلول غير كافية وبلا تأثير...سيحكم التاريخ على الجميع...فقط لننتظر النتائج.