مقدمة في علم الكلام الجديد عبد الجبار الرفاعي


فئة :  قراءات في كتب

مقدمة في علم الكلام الجديد عبد الجبار الرفاعي

مقدمة في علم الكلام الجديد

عبد الجبار الرفاعي

موضوع الكتاب

يقرب الكتاب القارئ من معرفة علم الكلام من جهة نشأته، وموضوعه، والحاجة اليوم لعلم كلام جديد، ومدى طبيعة الاختلاف بين علم الكلام القديم وعلم الكلام الجديدة. وقد جاءت عناوين وموضوعات الكتاب كالتالي: علم الكلام. تجديد علم الكلام. علم الكلام الجديد هو الفهم الجديد للوحي، الفهم الجديد للوحي في الإسلام الهندي، إيقاظ المعنى الروحي والأخلاقي والجمالي للدين في علم الكلام الجديد.

فكرة الكتاب

يقربنا عبد الجبار الرفاعي من موضوع في غاية الأهمية في المجال التداولي الإسلامي، وهو مجال علم الكلام، وهو علم "تشكَّلتْ نواته الأولى في مناخاتٍ استفهاميةٍ اكتنفها جدلٌ وتأمُّل في مدلول آياتٍ قرآنيةٍ متشابهةٍ، تناولت مسائل حيوية كالإمامة، وحقيقة الإيمان، ومعنى القضاء والقدَر، وإثبات وجود الله، وتفسير معاني التوحيد، والصفات الإلهية. ويتفق الدارسون على أنَّ علم الكلام نشأ في فترة مبكِّرة في العقل الإسلامي، وكانت مجموعة من العوامل المحلية في الحياة الإسلامية من البواعث الأساسية لانبثاق هذا العلم، وقد تصدَّرت مسألة الخلاف حول «الإمامة» تلك البواعث، فور التحاق النبي الكريم ﷺ بالرفيق الأعلى، وما فتئت قضيةُ الإمامة تستأثر باهتمام العقل الإسلامي وقتئذٍ، حتى أضحت من أهم مسائل التفكير العقائدي في حياة المسلمين".[1]

لا شك بأن علم الكلام في الثقافة الإسلامية، حضر فيه ومن خلاله المنطق والفلسفة، كما أن هذا العلم قد أخذ تسميات أخرى من قبيل، أصول الدين، الفقه الأكبر، علم التوحيد. بمعنى العلم الذي يجعل قضيةَ التوحيد هي المحور ومنها تنبثق سائر المعتقدات، وهي تسمية للشيء بأشرف أجزائه، وقد جعل محمد عبده، هذا الاسم عنوانًا لكتابه في العقيدة «رسالة التوحيد». وقبل ذلك أَلَّف المتكلم المعروف أبو منصور الماتريدي كتابًا في الكلام سمَّاه «التوحيد»[2]

يختلف عصرنا وزماننا عن الزمن القديم من جميع الجوانب، الاجتماعية والواقعية والفكرية... وهذه مسألة بديهية، وقد ترتب عن التحول الفكري والحضاري للإنسان في الزمن الحديث الكثير من المستجدات التي جعلت تصور الانسان إلى العالم والوجود يختلف عما كان عليه القدماء؛ فالمعرفة العلمية اليوم ومستخلصاتها ونتائجها، قد تجاوزت بكثير مستخلصات ونتائج المعرفة العلمية قديما، ولا شك أن هذا الاتساع في المعرفة العلمية له انعكاسه على المعرفة الدينية؛ إذ عليها أن تنسجم وتتوافق مع المعرفة العلمية في نظرة الوجود والعالم والإنسان، وهو أمر يقتضي الحديث عن علم الكلام الجديد.

علم الكلام الجديد

يرى عبد الجبار الرفاعي أن "تجديد الدين يبدأ بتجديد علم الكلام، أي بداية للتجديد في الإسلام لا تبدأ بعلم الكلام، ومسلماته المنطقية والفلسفية، فإنها تقفز إلى النتائج من دون المرور بالمقدمات، تجديد الفقه مثلا ينبني على تجديد علم الكلام؛ ذلك أن قبليات ومسبَّقات أصول الفقه، الذي ينبني عليه الاستنباط الفقهي، ليست سوى مسلَّمات ومقولات لاهوتية، حقلها هو علم الكلام، ومما لا شك فيه أنه لا يمكن تخطي القراءة السلفية المغلقة للنصوص، وإنتاج قراءة تواكب العصر، ما لم يستأنف النظر بالبنية التحتية العميقة لإنتاج تفسير النصوص، تتخطى آليات النظر والفَهم المتوارثة".[3]

المتكلِّم الجديد يدرك جيدا أنَ مفهوم العقل في علم الكلام القديم يختلف عن مفهومه في العقلانية الحديثة؛ مع العلم أن علم الكلام يختلف ُعن فلسفة الدين؛ لأنه يرتبط بالوحي وتجديد فهمه.[4] وصيغة «علم الكلام الجديد» ظهرت للمرَّة الأولى عنوانًا لكتابٍ ألَّفه شبلي النعماني (١٨٥٧–١٩١٤م) وكان شبلي النعماني يتحدَّث العربيةَ والفارسيةَ والأرديةَ والتركيةَ والهندية. ولا يمكن الجزمُ بأنَّ النعماني أولُ مَن نحت مصطلح «علم الكلام الجديد» الذي أضحى عنوانًا للاتِّجاه الحديث في إعادة بناء علم الكلام، لكنه كان أولَ مؤلِّفٍ يؤلِّف كتابًا تحت هذا العنوان. فقد ألَّف شبلي النعماني كتابًا في علم الكلام أملاه على أحدِ تلامذته، وهو على سرير المرض، ونُشر في الهند في مارس 1903م. درج النعمانيُّ في هذا الكتاب مسائلَ جديدة مثل: الدين والعلوم الحديثة، حقوق الإنسان، مسألة الانتحار، حقوق المرأة، الإرث، والحقوق العامة للشعب، بموازاة مباحث: وجود الباري، والنبوة، والمعاد، والتأويل، وغير المحسوسات، كالملائكة والوحي وغيره.[5]

علم الكلام الجديد ينبني على الفهم الجديد للوحي

علم الكلام الجديد في نظر عبد الجبار الرفاعي يعني الفهم الجديد للوحي، فكل بصيرةٍ صافية تتذوَّق عذوبة صوت الله في الوحي، ويتكشفُ لها جمالُ تجلياتِ الأسماء الإلهية. الفهم الذي يتبناه الرفاعي للوحي لا يهدرُ البُعدَ الإلهي الغيبي المتعالي على التاريخ الذي ينطقُ به الوحيُ، على الرغم من توظيف هذا الفهم لشيء من أدواتِ فلسفة الدين وعلمِ الأديان المقارن وعلومِ الإنسان والمجتمع، للكشف عن البُعد البشري التاريخي في الوحي.

وجه الاختلاف بين علم الكلام القديم وعلم الكلام الجديد، أن علم الكلام القديم قد استغرق كل الوقت في معرفة حقيقة الذات والصفات، والقضاء والقدر...بينما علم الكلام الجديد بحث في طبيعة الإنسان، فمن يفتح أي كتاب من كتب العقيدة سيجده يغطي هذه الموضوعات التي كانت مصدر خلاف وجدال واسع بين المتكلمين، وقد كان لاختلافاتهم أثرها في الوعي والعقل المسلم، سلبا وإيجابا، ولازال ذلك ممتدا حتى وقتنا الراهن، بين من تراه متشددا في الانتساب لهذه الطائفة في الاعتقاد أو تلك، والغريب أن تجد الكثير من القنوات الموجهة للجمهور تخوض في نقاشات كلامية، تتعلق بالله وصفاته، وهل نراه يوم القيامة؟ أم يتعذر ذلك؟ وهل البعث سيكون أجسادا أم أرواحا؟ ما هي الصراط المستقيم يوم القيامة...؟ فكل هذه المواضيع وغيرها، كان لعلماء العقيدة فيها رأي، حسب مذاهبهم في الاعتقاد. والسؤال هنا ما الذي سيستقيده جمهور المسلمين في وقتنا الحاضر من مختلف هذه الموضوعات، التي تراهن على أجوبة قديمة، ارتبطت بأرضية ثقافية واجتماعية وواقع معرفي مخالف لطبيعة زماننا ولطبيعة التفكير فيه، ولطبيعة استشعاره للغيب وللدين.

لا يتوقَّف علم الكلام الجديد "عند حدود «معرفة الله وصفاته وأفعاله»، وما يتصل بها من مشاغل علم الكلام القديم، بل ينشغل أيضًا ﺑ «معرفة الإنسان»؛ لأنَّ الطريقَ إلى «معرفة الله» يمرُّ عبْر «معرفةِ الإنسان» نفسَه، وما يكتشفه من أسرار الطبيعة الإنسانيَّة"[6] ولا يعني هنا الرفاعي استغناءَ الإنسان عن الله؛ فالإنسان يفتقر في وجوده المتناهي المحدود إلى اتصالٍ بوجودٍ غنيٍّ لا نهائي لا محدود، وهو الله، وعندما لا يتحقَّق للإنسان مثلُ هذا الاتِّصال الوجودي يسقطُ في التيه والضياع والاغتراب والقلق والفزع.

علمُ الكلامِ الجديد "يعتمدُ العقلَ قبل النقل، وتخضع فيه مختلفُ المقولاتِ والقضايا لأحكام العقلِ وأدلته. العقلُ هو المرجعيةُ لاختبار الخطأ من الصواب، والمعيارُ الذي نقيس به صدقَ كلِّ قضية أو كذبها. العقلُ كائنٌ تاريخي يتغيَّر ويتطوَّر ويتكامل تبعًا لنموِّ وتراكمِ معقولاته كيفًا وكمًّا. بلغَ العقلُ الحديث مرحلةً متقدِّمةً في فهمِ الطبيعة والكشفِ عن قوانينها، والتعرُّفِ على الطبيعة الإنسانية، واكتشاف أعماقِ النَّفس الإنسانيَّة. نثقُ بالعقلِ الحديث، على الرغم من كلِّ النقد الذي صوَّبه له الفلاسفةُ منذ نيتشه، وجماعة مدرسة فرانكفورت، ومفكِّرو ما بعد الحداثة في الغرب. العقلُ الحديث يضيء لنا كلَّ يوم أفقًا جديدًا في مختلف مجالات العلوم والمعارف المختلفة، لينتقل بنا من الخطأ إلى الصواب، ومن الظلام إلى النور".[7]

ومن هذه الزاوية، يعترض عبد الجبار الرفاعي عما كتبه محمد عبده في كتابه "رسالة التوحيد" بأنه ينتمي إلى علم الكلام الجديد؛ "لأنه كان يفكِّر بذهنيةٍ كلاميةٍ قديمة، ويفتقر للحسِّ التاريخي، ولم يجتهد في بناءِ مفهومٍ للوحي خارج الذهنية التقليدية. علمُ التوحيد لديه هو الكلامُ التقليدي ذاته، كما وصفه عبد الله العروي بقوله: (لا شيء، غير بيان العبارة ووضوح الأسلوب، يميِّز علم التوحيد عند عبده وعلم الكلام التقليدي) يجد الدارسُ إسهامَ محمد عبده في علم الكلام في «رسالة التوحيد» التي استأثرت باهتمامٍ واسعٍ من دارسِي فكره، ووصفها بعضُهم بأنها محاولةٌ رائدةٌ في تأسيس علم كلام جديد، لكنَّ قراءةً متأنيةً لهذه الرسالة ترينا أنها تعبِّر عن موقفٍ من علم الكلام أكثر مما تعبِّر عن موقفٍ في علم الكلام."[8]

[1] عبد الجبار الرفاعي مقدمة في علم الكلام الجديد، مؤسسة هنداوي، عام 2024م، ص. 23 (بتصرف)

[2] نفسه، ص. 27

[3] نفسه، ص ص. 83-84

[4] نفسه، ص.121

[5] نفسه، ص. 104

[6] نفسه، ص.106

[7] نفسه، ص.108

[8] نفسه، ص.113