"مكافحة الكراهية" و"إهانة الرّموز"... قوانين تواجه العنف أم تشعله في مصر؟
فئة : مقالات
"مكافحة الكراهية" و"إهانة الرّموز"...
قوانين تواجه العنف أم تشعله في مصر؟([1])
بين الحين والآخر، ينتفض قانونيون ومغامرون، بعضهم ربّما من أصحاب النوايا الحسنة، ليصوغوا مشروعات قوانين مثيرة للجدل، بتوصية من جهات ومؤسسات دينية أو مجتمعية، بهدف العرض على مجلس النواب المصري لإقرارها واعتمادها، بعد طرحها للنّقاش الشعبي، ومن ثم تصبح هذه المشروعات قوانين ملزمة بعد التصديق عليها، ونشرها بالجريدة الرسمية.
مشروعان من مشروعات القوانين هذه أثيرا مؤخّرًا، ولا يزالان على مائدة البحث في مجلس النواب، الذي يبدو أنه يتردّد بعض الشيء في تمريرهما للاعتماد والمناقشة ومن ثم الإجازة، ربما لفرط الجدل الذي صاحبهما عند طرح بنودهما في وسائل الإعلام، بل لعلهما بدون مبالغة أشعلا حالة من اللّغط، لم يوقدها مشروع قانون من قبل.
هذان المشروعان هما: "مشروع قانون مكافحة الكراهية والعنف باسم الدين" بمصر، الممرّر من الأزهر إلى البرلمان، و"مشروع قانون إهانة الرموز والشخصيات التاريخية"، المقدم من النائب الدكتور عمرو حمروش أمين سر لجنة الشئون الدينية والأوقاف و59 نائبًا آخرين، والذي أحاله الدكتور علي عبدالعال، رئيس مجلس النواب، إلى اللّجان المختصة للتدارس.
إخماد العنف أم إشعاله؟
"هو مجرد مقترح، ورأي، ووجهة نظر لا تقيّد ولا تُلزم السلطة التشريعية المختصة"، توصيف لـ"مشروع قانون مكافحة الكراهية والعنف باسم الدين"، أطلقه محمد عبدالسلام؛ المستشار التشريعي والقانوني لشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، فيما يبدو نوعًا من إعطاء الفرصة للتراجع بشأن أخذ بنود القانون على نحو جدّي، أو إمكانية تطبيقه على أرض الواقع.
على أن المستشار عبد السلام نفسه، وهو رئيس لجنة إعداد مشروع القانون، يمضي مدافعًا عن المشروع المقترح من الأزهر الشريف، والذي أثارت بعض مواده الكثير من الانتقادات، خصوصًا المادة التي تقول: "لا يجوز الاحتجاج بحرية الرأي والتعبير أو النقد أو حرية الإعلام أو النشر أو الإبداع للإتيان بأيّ قولٍ أو عملٍ ينطوي على ما يخالف أحكام هذا القانون"؛ أي عند ارتكاب فعل أو سلوك يؤدّي إلى إثارة الكراهية أو العنف بين أبناء المجتمع، بما يوجب العقوبة.
وينبني دفاع ممثل الأزهر المستشار عبد السلام عن مشروع القانون على أن مبادئ حرية الرأي والتعبير تقيدها مبادئ عدم جواز الإضرار بالغير، والمساواة بين المواطنين، وعدم جواز التمييز أو التفرقة بسبب الدين، ومن ثم فإن تنظيم هذه الحريات لا يؤدي إلى الحض على الكراهية أو التفرقة والتمييز بسبب الدين هو "أمر مقبول دستوريًّا وإنسانيًّا"، من وجهة نظره، لحماية البلاد من الفتن، لأن الحرية المطلقة كما يرى هي "عنوان للانفلات الذى يضرُّ بالكافة، ويهدد تماسك المجتمع"، بحد تعبيره.
هل "مشروع قانون مكافحة الكراهية والعنف باسم الدين"، هو إخماد للعنف المنتشر في أرجاء الوطن بالفعل، كما يطمح الأزهر ومناصرو القانون، أم إنه سيقود إلى مزيد من العنف والقمع وتقييد الحريات، كما يرى منتقدوه؟ ما موقع نصوص مثل هذا القانون من المقبولية والمصداقية؟ ما مدى إمكانية خضوعه للتطبيق على أرض الواقع؟ هل يعدّ مشروع القانون توسيعًا لدائرة الحريات، أم يشتمل في بعض بنوده على نقيض الحرية من التقييد وتكميم الأفواه؟ هل بمقدوره بالفعل القضاء على العنف ومكافحة الكراهية؟
أسئلة تطرح نفسها بقوة على المشهد المصري، في ظل واقع مأساوي تهيمن كوابيسه على اللّحظة الراهنة، وتسوده الكراهية، ويزرع فيه العنف يومًا بعد يوم ألغامه المخبوءة وأشجاره المسمومة، وينتشر الإرهاب والتطرف، وتتنامى التيارات الهدامة والظلامية.
لقد مرّر الأزهر الشريف مشروع القانون إلى رئاسة الجمهورية بغرض مناقشته مجتمعيًّا وإقراره من جانب مجلس النواب المصري، أملًا في وضع حد للممارسات الخاطئة والمفاهيم المغلوطة، المنبنية على تصورات مكذوبة ومدسوسة للدين. لكن هذا المشروع أثار الجدل بين أوساط المجتمع، وبصفة خاصة بين جماعات المثقفين، والحقوقيين والقانونيين، على الرغم من الاتفاق على جوهر الفكرة، وعلى جدوى التحرك التشريعي الإيجابي في هذا المسار، لتكون مصر هي الدولة رقم 30 في العالم التي تتبنى تشريعات قانونية من هذا القبيل.
من المفترض، وفق صائغي "مشروع قانون مكافحة الكراهية والعنف"، أنه يواجه العنف الروحي مثلما أنه يجابه الإيذاء البدني، وفق مقولة الإصلاحي الأمريكي مارتن لوثر كينج "لا للعنف...ليس معناها تفادي العنف الجسدي فحسب، إنما تجنُّب العنف الروحي أيضًا"، وبحد تصوراتهم، فإن مشروع القانون المصري يأتي على غرار قوانين مكافحة العنف والإرهاب في دول العالم المختلفة؛ مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وأستراليا وكندا وغيرها.
يتضمن "مشروع قانون مكافحة الكراهية والعنف باسم الدين" في مصر فصولًا وبنودًا عدة، إذ يأتي الفصل الأول بعنوان: "أحكام عامة"، ومن مواده: مادة 1، التي تنص على: "في تطبيق هذا القانون يقصد بالكلمات والعبارات التالية المعاني المبينة قرين كل منها: الدولة: جمهورية مصر العربية، المجتـمع: المجتمع المصري، الأديان: اليهودية والمسيحية والإسلام، الكتب السماوية: التوراة والإنجيل والقرآن، دور العبادة: المساجد والكنائس والأديرة والمعابد والأماكن المرخصة للعبادة...
ويقصد بخطاب الكراهية: كل قول أو سلوك أو فعل علني يحرض على العنف أو يدفع إلى إثارة الفتنة المجتـمعية، والتـمييز: كل تفرقة أو استثناء بين الأفراد أو الجماعات على أساس الدين أو العقيدة أو المذهب أو الطائفة أو الملة أو العرق أو اللون، ووسائل العلانية والنشر: الوسائل المحددة بنص المادة 171 من قانون العقوبات المصري، والمؤسسات التعليـمية: الكيانات المعنية بالتعليم أيًّا كان نوعها أو طبيعتها".
يقصد بخطاب الكراهية: كل قول أو سلوك أو فعل علني يحرض على العنف أو يدفع إلى إثارة الفتنة المجتـمعية
وتوضح المادة 2 الهدف من هذا القانون من خلال تحقيق الأغراض الآتية: الحفاظ على نسيج المجتـمع وروابطه وقيم الإخاء والتسامح والتعايش بين أصحاب الديانات المختلفة في الدولة، إعلاء مبادئ المواطنة والمساواة أمام القانون وحرية العقيدة وحسن النية وقبول الآخر، منع التطاول على الذات الإلهية والأنبياء والرسل أو الكتب السماوية تصريحًا أو تعريضًا أو مساسًا أو سخرية، احترام الاختلاف بين العقائد واحترام المؤمنين بها، وعدم جواز اتخاذها مادة للتـمييز أو الإساءة أو السخرية، وقاية المجتـمع من محاولات غرس مفاهيم مغلوطة قد تباعد بين أفراده، وتمسّ حقائق دينهم بما يثير الكراهية.
وتذهب بقية مواد القانون من 3 إلى 5 إلى ما يلي: لا يخل هذا القانون بحقيقة اختلاف العقائد أو تعارضها أو حرية البحث العلمي فيها، أو حرية البحث العلمي في الأديان، ولا يجوز الاحتجاج بحرية الرأي والتعبير، أو النقد أو حرية الإعلام أو النشر، أو الإبداع للإتيان بأي قول أو عمل ينطوي على ما يخالف أحكام هذا القانون، وتسري أحكام هذا القانون على كل شخص يرتكب خارج إقليم الدولة فعلًا يجعله فاعلًا أو شريكا في الجريمة إذا وقع الفعل كله أو بعضه أو أنتج أثره في إقليم الدولة.
أما مواد الفصل الثاني "التجريم"، فتوضح كل ما يحظره ويقيده القانون على النحو التالي: لا يجوز طرح المسائل العقائدية محل الخلاف أو التعارض للنقاش العلني في وسائل الإعلام على نحو يدفع المؤمنين بها للتصادم أو العنف، ويحظر بأية وسيلة من وسائل العلانية والنشر المساس بالذات الإلهية أو الأنبياء أو الرسل، أو التحريض على ذلك، كما يحظر امتهان الأديان أو التعدي على أي من الكتب السماوية بالتغيير أو الإتلاف أو التدنيس.
كذلك يحظر نشر أو تكرار نشر أخبار أو صور أو حوارات أو أية مواد إعلامية، سواء كانت مرئية أو مقروءة أو مسموعة إذا كان نشرها يؤدي إلى الحض على الكراهية أو زيادتها أو تأكيدها أو تعميقها، ويحظر ممارسة أي فعل أو سلوك من شأنه التمييز بين أفراد المجتـمع ونشر الأفكار الداعية إلى ذلك، وتلتزم جميع المؤسسات التعليـمية بنشر ثقافة التسامح والإخاء واحترام عقيدة الآخر والمواطنة وآداب الاختلاف ونبذ الكراهية والعنف والتعصب والتـمييز على أساس الدين، كما تلتزم المؤسسات الإعلامية بصون ما تقدم وعدم الخروج عليه، ويعتبر الالتزام الوارد بالفقرة السابقة جزءًا لا يتجزأ من ترخيص ممارسة النشاط لهذه المؤسسات.
وبخصوص العقوبات، فإن الفصل الثالث من مشروع القانون يفصّل ذلك في عدة مواد تبرز تطبيق العقوبات على الجرائم الواردة بالقانون بين غرامة وحبس، فضلًا عن إلغاء الترخيص الممنوح للمؤسسات التعليـمية والإعلامية حال مخالفتها الالتزامات الواردة بالقانون، مع عدم الإخلال بالمسؤولية الجنائية، إذا ارتكب موظف عام أيًّا من الأفعال المحظورة الواردة بالقانون، إذ يجب على السلطة المختصة توقيفه عن العمل للمصلحة العامة لمدة 3 أشهر أو لحين الفصل في مسؤوليته التأديبية.
بعض مواد "مشروع قانون مكافحة الكراهية والعنف" جاء محل اتفاق، مثل ما يتعلق بحقيقة اختلاف العقائد أو تعارضها أو حرية البحث العلمي فيها أو حرية البحث العلمي في الأديان، وما إلى ذلك.
على الجانب الآخر، ثمة بعض مواد تثير مخاوف بشأن إساءة تفسيرها أو سوء استغلالها ربما من السلطة أو من القضاء من أجل فرض قيود أو تضييق الحريات وصولًا إلى تكميم الأفواه ومساءلة أصحاب الأقلام والمبدعين على بنات أفكارهم وربما خيالاتهم، كما في المادة التي تقول: "لا يجوز الاحتجاج بحرية الرأي والتعبير أو النقد أو حرية الإعلام أو النشر أو الإبداع للإتيان بأي قول أو عمل ينطوي على ما يخالف أحكام هذا القانون".
هل يبدو "مشروع قانون مكافحة الكراهية والعنف" مناصرًا للحريات بالفعل، وقادرًا على مواجهة العنف والكراهية، وقابلًا للتطبيق، أم إنه أقرب إلى الهلامية والضبابية، ومن الممكن استغلاله بشكل عكسي لفرض قيود جديدة؟
من جانبه، يدافع الأزهر الشريف عن مشروع القانون الذي أعده خبراؤه ومختصوه، ووافق عليه جميع أعضاء "هيئة كبار العلماء" بالأزهر، وتأتي قناعة الأزهر بأن مصر يجب أن تكون الدولة رقم 30 في العالم التي لديها قانون لمكافحة الكراهية والعنف انطلاقًا من أسباب عدة، منها: تجديد الخطاب الديني (وفق توجهات الدولة على وجه العموم)، والحرص على وحدة النسيج الوطني.
من الأهداف كذلك: إدانة الحض على الكراهية، وتجريم مظاهر العنف التي تمارس باسم الأديان، والحد من ملامح التعصب التي تروج لها الجماعات والتيارات المتشددة، وإعلاء مبادئ المواطنة والمساواة أمام القانون وحرية العقيدة وقبول الآخر، ومنع التطاول على الذات الإلهية والأنبياء والرسل والكتب السماوية.
وبموجب هذا القانون حال تطبيقه، وفق محمد عبد السلام المستشار التشريعي والقانوني لشيخ الأزهر، سيكون بالإمكان مواجهة الكراهية والتعصب والحد من تأثير الجماعات المتطرفة والتيارات المتشددة، فضلًا عن تحقيق التعايش المشترك بين أبناء الوطن ودعم قيم المواطنة.
يتسق ذلك مع ما ذكره الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر بشأن قدرة هذا القانون الجديد على تفعيل ونشر الخطاب المستنير ومواجهة الأفكار الخارجة عن سماحة الأديان، وإقرار ثقافة التسامح والحد من الأحقاد والكراهية والعنف باسم الدين. كما ذهب رئيس جامعة الأزهر السابق الدكتور إبراهيم الهدهد إلى أن "مشروع قانون مكافحة الكراهية والعنف" من شأنه إغلاق الباب في وجه ازدراء الأديان، وتعزيز التلاحم بين أبناء الشعب.
على الرغم من تلك التأكيدات والتطمينات من جانب الأزهر بشأن القانون، لا يزال فريق من المثقفين يبدون قلقهم وارتيابهم إزاء إمكانية تطبيق القانون على نحو عملي ومحايد من جهة، فضلًا عن الخوف من استخدامه على نحو عكسي من أجل خنق الحريات وتقييد الإبداع ووسائل التعبير المختلفة، خصوصًا تلك المادة: "لا يجوز الاحتجاج بحرية الرأي والتعبير أو النقد أو حرية الإعلام أو النشر أو الإبداع للإتيان بأيّ قول أو عمل ينطوي على ما يخالف أحكام هذا القانون".
من هؤلاء المتحفظين على بعض مواد القانون، ومنها المادة المتعلقة بحرية التعبير والإبداع، الناقد الدكتور صلاح فضل، الذي يذهب إلى أن تلك المادة قد تكون مدخلًا مباشرًا أو غير مباشر إلى تقييد حرية النقد والتعبير والإبداع والإعلام، والوصول بالخطاب الديني إلى مزيد من الجمود والتحجّر، وإيجاد بؤر ومسوّغات للتطرف والشذوذ الفكري والسلوكي، فضلًا عن أن الاتكاء على مثل هذا القانون قد يقود إلى تجريم الفكر وتقليص الاجتهاد ومصادرة الحقوق الأساسية للمواطنين، في حالة إساءة تطبيقه.
مخاوف أخرى بهذا الصدد عدّدها بعض المثقفين، منها ما يتعلق بـ"ادّعاء العلم"، فقد يعني هذا الاتهام طرح آراء معارضة لبعض الفقهاء، على سبيل المثال، بما يغلق باب التفكير والاجتهاد، وربما يجرمه.
ويرى الكاتب الدكتور محمد أبو الغار أن ثمة تناقضًا بين مشروع القانون، والممارسات التي يشهدها الواقع المصري، إذ تجري إهانة الديانة المسيحية في ميكروفونات الزوايا (المساجد الصغيرة) على سبيل المثال، ولا يحدث شيء، وفق كلامه، ويتحدث السلفيون في الفضائيات بما يسيء للأقباط، ولا ينتقدهم أحد.
إهانة الرموز التاريخية
مشروع قانون آخر شهده شهر نونبر من العام 2017، تحت عنوان: "إهانة الرموز والشخصيات التاريخية"، وقد تقدم به النائب البرلماني عمرو حمروش؛ أمين سر لجنة الشؤون الدينية والأوقاف و59 نائبًا إلى مجلس النواب، وأحاله الدكتور علي عبد العال رئيس مجلس النواب إلى لجان الشؤون الدستورية والتشريعية والإعلام والثقافة والآثار بالبرلمان.
ينص مشروع القانون في مادته الأولى على "حظر التعرض بالإهانة لأي من الرموز والشخصيات التاريخية، وذلك وفقًا لما يحدده مفهوم القانون واللائحة التنفيذية له"، وتوضح المادة الثانية أن "الرموز والشخصيات التاريخية هي تلك الواردة في الكتب، والتي تكون جزءًا من تاريخ الدولة، وتشكل الوثائق الرسمية للدولة، وذلك وفقا للائحة التنفيذية له".
أما المادة الثالثة، فتوضح عقوبات القانون، إذ "يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد على 5 سنوات، وغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد على 500 ألف، كل من أساء إلى رموز الشخصيات التاريخية، وفي حالة العودة يعاقب بالحبس بمدة لا تقل عن 5 سنوات ولا تزيد على 7 سنوات، وغرامة لا تقل عن 500 جنيه ولا تزيد على مليون جنيه".
وتشير المادة الرابعة إلى أنه "يُعفى من العقاب كل من تعرض للرموز التاريخية بغرض تقييم التصرفات والقرارات، وذلك في الدراسات والأبحاث العلمية"، وتوصي المادة الخامسة بنشر القانون في الجريدة الرسمية، على أن يُعمل به في اليوم التالي لتاريخ نشره.
يهدف مشروع القانون، وفق صائغيه، إلى حماية الرموز والشخصيات التاريخية من "العبث" لضمان "عدم خداع الشعب بتشويه صورتهم، والإضرار بالمجتمع وزعزعة الثقة لدى الشباب"، ويرى هؤلاء أن "قوى الشر" تسعى إلى زعزعة الثقة بالرموز، وإثارة الجدل حول شخصيات تاريخية، بما قد يؤدي إلى آثار خطيرة على المجتمع.
ويرى مراقبون أن باحثًا بعينه، هو الدكتور يوسف زيدان الأكاديمي التاريخي، وراء استصدار "مشروع قانون إهانة الرموز والشخصيات التاريخية"، وذلك بسبب عدد من المقالات والتصريحات تناول فيها زيدان بالانتقاد والهجوم شخصيات تاريخية من أمثال صلاح الدين الأيوبي، وأحمد عرابي، فانتفضت عشرات الأقلام للهجوم على زيدان، وتحول هذا الهجوم على زيدان إلى نواة فكرة لاستصدار مشروع قانون يجرّم التجرؤ على الرموز والشخصيات التاريخية.
يرى مراقبون أن باحثًا بعينه، هو الدكتور يوسف زيدان، وراء استصدار "مشروع قانون إهانة الرموز والشخصيات التاريخية
وقد وصف الدكتور يوسف زيدان القائد صلاح الدين الأيوبي بأنه "واحد من أحقر الشخصيات في التاريخ الإنساني"، وقال إنه أحرق مكتبة القصر الكبير التي كانت إحدى أهم المكتبات في العالم بدعوى سياسية معتادة حتى الآن هي مواجهة الفكر الشيعي، وذكر زيدان أن الأيوبي ارتكب جريمة إنسانية بمنع الفاطميين، الذين حكموا مصر 250 عاما، من التناسل، عندما قام بعزل الذكور بداية من المولود حتى الرجال في عمر 100 عام في منطقة بعيدًا عن السيدات، حيث لا يرون أنثى، من أجل أن يقطع نسلهم.
كذلك، وصف يوسف زيدان الزعيم السياسي أحمد عرابي بأنه "الرجل الذي جلب 70 عامًا من الاحتلال البريطاني على مصر"، منكرًا مظاهرة 9 من سبتمبر 1881 التي قال فيها عرابي للخديوي: "إننا لن نورث بعد اليوم"، قائلًا إن تلك المظاهرة لم تحدث من الأساس، وإن عرابي افتعل ثورته لمطامع شخصية رغبة منه في أن يحكم مصر، رغم عدم وجود ما يؤهله من قوة أو سياسة لحكم البلاد.
وعلى الرغم من أن "مشروع قانون إهانة الرموز والشخصيات التاريخية" قد يبدو متعارضًا مع الدستور المصري، الذي ينص في المادة 65 على أن "حرية الفكر والرأي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو الكتابة، أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر"، فإن مناصرين لمشروع القانون سارعوا بتأييده، بحجة حماية التاريخ.
النائب عمر حمروش؛ مفجر القانون؛ يشير صراحة إلى أن مقولات وتصريحات يوسف زيدان لها دور في إثارة التفكير في إيجاد مثل هذا القانون، للدفاع عن رموز من أمثال أحمد عرابي "الزعيم الوطني المناضل من أجل تحرير تراب هذا البلد". فيما ذهب الكاتب والبرلماني مصطفى بكري إلى أن تصريحات زيدان "هرطقة كلامية"، الهدف منها مسخ تاريخ مصر و"رموزها الوطنية التي دافعت وناضلت في مواجهة المستعمر".
أما المعترضون على "مشروع قانون إهانة الرموز والشخصيات التاريخية" فهم الأغلبية بطبيعة الحال في مجتمع المثقفين والقانونيين والحقوقيين، ومنهم المستشار رجائي عطية، الذي يرى مشروع القانون بمثابة سقطة تشكل خطرًا كبيرًا على الدولة، إذ لا يمكن لدولة أن تنجرف إلى وضع تشريع من أجل شخص قال كلامًا لا يرضي البعض، بحد وصفه.
ومن الأمور الفضفاضة في مشروع القانون تعريف "الرموز التاريخية"، فمن هم هؤلاء الرموز؟ ومن الذين يحددهم؟ كذلك، ما هي الإهانة؟ وما الأفعال التي تعد مساسًا بالشخصيات التاريخية؟ وماذا عن البحث العلمي والتاريخي الحر؟
واعتبر الباحث التاريخي الدكتور شريف يونس أنه ليس هناك رمز تاريخي، ولكنْ هناك شخصيات تاريخية، يجوز انتقادها وتقييم أدائها بطبيعة الحال، فهي مجال بحث عالمي دائمًا. ووصف الكاتب صلاح عيسى مشروع القانون بأنه "من عجائب التشريعات ومساخر القوانين"، متسائلًا "على أيّ أساس نختار الرموز الوطنية، التي يتكفل القانون بحمايتها، ويعاقب من يتطاول عليها أو ينتقدها أو يخلّ بمقامها؟!".
وأصدر "المركز القومي للترجمة"، التابع لوزارة الثقافة المصرية، بيانًا انتقد فيه "مشروع قانون إهانة الرموز والشخصيات التاريخية"، وقال الدكتور أنور مغيث رئيس المركز، إن هذا القانون المزمع تمريره "مقيد للحريات، ويعد حجرًا على حرية الفكر واختلاف وجهات النظر حول الحقب التاريخية". ومن جهته، وصف يوسف زيدان مشروع القانون بأنه "خطوة للوراء، من شأنها أن تجعل مصر أضحوكة العالم"، على حد تعبيره.
[1] نشر هذا المقال في مجلة ذوات الصادرة عن مؤسسة مؤمنون بلا حدود، عدد 51