نحو أفق قرائي منفتح للنص القرآني
فئة : أبحاث محكمة
نحو أفق قرائي منفتح للنص القرآني
محسن بــــوخــــار
"إن القرآن حمال ذو وجوه".
علي بن أبي طالب
”إن الأثر لا يخلد لكونه يفرض معنىً وحيدا على أناس مختلفين، وإنما لكونه يوحي بمعان مختلفة لإنسان وحيد“.
رولان بارت
مقدمة:
قد لا يكون من باب المجازفة القول إن "القرن الحادي والعشرين إما أن يكون قرنا دينيا أولا يكون"، كما ذهب إلى ذلك أندري مالرو في أحد تنبؤاته؛ ذلك أن الإنسان بوصفه ذلك الكائن الذي لا ينفك عن نقص في كينونته، هو في توق وشغف أبديين يطلب كماله الوجودي، والدين، بما هو طاقة روحية متجددة، يعد المَعين الذي تستقي منه الروح البشرية المعنى لإرواء ظمئها الأنطولوجي. لذلك ما تزال حاجة الإنسان إلى المقدس ملحة، "فلا معنى للحياة من دون المقدس، مثلما لا تطاق الحياة، حينما تتسع حدود المقدس لتبتلع كل ما هو دنيوي وتخلع على الدنيوي لباسا دينيا".[1] فليس من اليسير الاستجابة للظمأ الأنطولوجي للمعنى الذي يخترق الزمن المعاصر بقوة، ظمأ ينفجر في مظاهرَ وتجليات وأشكال وُسِمت بـ"عودة الديني"، وهي عودة تتهم، من جهة، الحداثةَ التي لم تستطع أن تحل محل الأديان والثقافات الروحية الموروثة في إرواء ذاك الظمأ، رغم نجاحاتها المتعددة في الرقي بالوضع البشري على المستويات الاقتصادية والتكنولوجية والقانونية والاجتماعية، مثلما تتَّهم، من جهة ثانية، الحضارات التقليديةَ التي لم تستطع أن تطوِّر بُنَاها الأساسية بما يجدد من روحها المتعالية الكونية ضمن المعطيات التاريخية المستجدة في العالم الحديث.
لعل هذا العجز المزدوج هو ما يفسر، بعض التفسير، عودة "الديني" بأشكال يغلب عليها طابع التشدد والانغلاق والعنف والتقوقع الهوياتي؛ لكونها عودةً انفجرت حيال إهمال الحداثة الغربية لهذا الظمأ، مع انحسار المسارات التقليدية وقصورها عن إروائه. لذا يقتضي الدين اليوم، بما هو تجربة بشرية لعلاقة معيشة مع المطلق، تأملا وتفكيرا متعدد المداخل والمقاربات من أجل استعادة توهجه الروحي المنتج للمعنى، لا استعادتَه في طقوسيته وشكلانيته اللتين تترجمان بحثا يائسا وبائسا عن معنى هارب.
إن عودة سؤال الدين في الأوساط الفلسفية الغربية، إذاً، ليست عودة للسؤال الديني بالمعنى الطقوسي واللاهوتي، بل هي عودة للسؤال الإيماني والروحي (spirituel) بما هو سؤال يسعى إلى إرواء ذلك الظمأ الأنطولوجي، أو قل الظمأ إلى معانقة المقدس؛ ذلك لأن وجود الإنسان وجود مفتقر إلى ما يثريه، وهو كائن متعطش دوما إلى ما يُرويه. بهذا المعنى، فالدين يُستدعى اليوم في الغرب من أجل الاستلهام الروحي والقيمي والأخلاقي لا من أجل التأطير التشريعي للمجتمع، والذي حسمت فيه ومعه الحداثةُ الغربية. من هنا، فالدين حين يُعاد التفكير فيه اليوم في الغرب، فباعتباره خزانا للمعنى، وهو ما يخالف عودة الديني في المجتمعات العربية والإسلامية بما هي عودة للشعائري والطقوسي والأيديولوجي المتشكل في قلب المجتمع، والذي يؤطره عقل أرثوذوكسي مأزوم ومختنق، خلق تباينا بين المصلحة والدين، ومفارقة صارخة بين الفكرة الدينية وصيرورتها في الواقع. بهذا المعنى، تفرض هذه العودة للديني بشكل قوي في الفضاء الاجتماعي والسياسي، تأملا وتفكيرا نقديا لسؤال الدين، باعتباره ظاهرة إنسانية، تفرض نفسَها، اليوم، على كل مشتغل في الحقل العلمي والأكاديمي. من هنا يأتي انهمامنا وانشغالنا بتيمة الدين بشكل عام والنص الديني بنحو خاص؛ ذلك أن ما يشهده العالم اليوم من تهديدات إرهابية وحروب دينية ومذهبية تجري باسم الدين وباسم السماء من قبل سدنة وحراس المقدس (le sacré)، يدفعنا إلى مساءلة الظاهرة الدينية منظورا إليها من زاويا متعددة: فلسفية وسوسيوتاريخية وسيكولوجية وأنثروبولوجية ...، حيث يقع النص الديني في قلب المساءلة تلك، محاولين بذلك مقاربته اعتمادا على ما ولدته الثورات المعرفية المعاصرة، وما حملته في جوفها من مناهج جديدة، وما كشفت عنه تطبيقات تلك المناهج في علوم المجتمع والإنسان من غنى وخصوبة هائلين، ومن نتائجَ معرفية تفتح للفكر آفاقا جديدة.
تندرج ورقتنا البحثية هذه في إطار ما يوسم بالإسلاميات النقدية[2]، بوصفها الميدانَ الدراسي الذي يعتني بـدراسة ومقاربة الظاهرة الدينية، والنص الديني على وجه الخصوص، من منظور تاريخي نقدي. بهذا المعنى، فالإسلاميات النقدية تُعد المدخلَ المعرفي والمنهجي والإبستيمولوجي الذي يسعفنا في إلقاء مزيد من الضوء على الخطاب الديني، لكونها تعتمد مقاربة متعددة المناهج، للتفكير في صلات النص الديني بمحيطه وسياقه التاريخي، وتسمح بإبراز العلاقة الإشكالية القائمة بين النص الديني ومتلقيه، مثلما تعمل على توضيح العلاقة الجدلية الكائنة بين النص الديني بوصفه خطابا وبين تمثلاته من لدن القارئ، وبين أفكاره التي ينطوي عليها وصيرورتها في الواقع. كما تضطلع الإسلاميات النقدية بمَهمة إبستيمولوجية تقوم على الكشف عن الاستعمالات والتلاعبات الإيديولوجية بالنص الديني، من قبل الموظفين له والدارسين لإشكالاته.[3]
وحدَها الإسلاميات النقدية، إذاً، بحُسبانها ذلك الحقلَ الدراسي العلمي المنفتح على مكتسبات المعارف والمناهج الحديثة، تسعفنا في الانفلات من قبضة تلك النظرة المثالية والجوهرانية (essentialiste) للنص الديني، كما تسمح لنا، بالتبعة، بالتحرر من تلك القراءات الأرثوذوكسية والحرفية له.
- في انبثاق إشكالية تأويل وقراءة النص القرآني:
ليس جديدا القولُ إن ميلاد إشكالية تأويل النص القرآني وقراءته ليست وليدة اليوم، بل هي تبلورت منذ جمعه في مصحف، أو قل بلغة أركونية، منذ وضعه في مدونة رسمية مغلقة، وهي إشكالية ليست مرتبطة بمنطوقه؛ أي بما هو نص فحسب، كما يبدو للوهلة الأولى، بل هي وثيقة الصلة بجملة المقاربات والمناهج التي تُوُسلت في قراءته وفهمه وتأويله، وهي المناهج التي كانت وما تزال، بالضرورة، شديدةَ الصلة بمنسوب تطور العلوم في كل عصر، فضلا عن كونها ظلت مندرجة تحت السقف الإبستيمي الحاكم لها. إن التعاطي مع النص القرآني فهما وتفسيرا وتأويلا ليس قضية حديثة العهد، كما أومأنا إلى ذلك سابقا، بل هي مسألة عرفت أولى إرهاصاتها بعد غياب النبي محمد، المؤول الأول للنص القرآني، وما عرفه الواقع والمجتمع الإسلامي من متغيرات ومستجدات، فضلا عما حمله التثاقف الحاصل بين العرب والعجم من معارف وعوائد... جل هذه العوامل دفعت المسلمين إلى العودة إلى النص القرآني من أجل استنطاقه ومساءلة آياته مستشكلين أحكامَه ومتشابهَه... لذلك كانوا في مسيس الحاجة إلى ابتداع الآليات والمناهج الكفيلة بتحقيق فهم أمثلَ للنص القرآني وأحكامه، وهو ما مكن المسلمين من إنشاء ما سمي بعلوم القرآن وبروز مناهج التفسير والتأويل الكلاسيكية وظهور علوم اللغة وأصول الفقه... لذلك، نجد أن التعاطي مع النص القرآني بدأ، أولاً، بربطه بعلمَيْ المكي والمدني والناسخ والمنسوخ وبأسباب النزول في إشارة لا تخلو مما تشبع به المسلمون الأوائل من حس واقعي وتاريخي في التعاطي مع النص القرآني فهما وتأويلاً. كما انتُسجت العلاقة بالنص التأسيسي، أعني النص القرآني، اعتمادا على التفسير بالأثر المنقول لتجسيد الوفاء لحرفه، وعلى الرأي المعقول لفك غموضه والتباساته، وعلى التأويل الكلامي لرفع تناقضاته ومفارقاته، وعلى الفلسفي البرهاني لرأب تصدعاته وملء فراغاته، على الصوفي الإشاري لعبور ظاهره قصد الوقوف عند باطنه ... إن هذا التعدد المنهجي في مقاربة النص الديني وقراءته، يحملنا إلى الدفع بالقول إن تعدد قراءة النص القرآني في العصور الأولى بعد وفاة النبي، فرضت نفسها بسبب من صيرورة الواقع المتغير والتباسات النص وبياضاته واختلاف قارئيه ومناهجهم ومصالحهم ورؤاهم...
إن المتتبع اليقظ لمسألة قراءة النص الديني في الفكر العربي، الحديث والمعاصر، يلحظُ أنها مسألة ارتبطت، حكماً، بسؤال المنهج؛ ذلك أن التفكير في النص القرآني بوصفه موضوعا للبحث، لا يستقيم إلا بواسطة منهج/مناهجَ يُقرأ به/بها، وهو ما يعني أن مسألة القراءة تلك اختلفت وتعددت بسبب اختلاف المنهج/ المناهج المتوسلة. ومثلما كان السؤال المنهجي يفرض ذاته في قراءة النص الديني، كان للسؤال الإيديولوجي نصاب وافر من الحضور في تلك القراءة، قبل أن يقل منسوب حضور الإيديولوجي لصالح المطلب المعرفي في القراءة/ات المتأخرة للنص الديني.
شكل الفكر العربي الحديث والمعاصر في بداياته قطيعة إبستيمولوجية على مستوى مناهج قراءة النص الديني؛ ذلك أن انفتاح وانبهار العرب على الثورة المعرفية المتولدة من رحم العلوم الإنسانية والاجتماعية مكنتهم من الاطلاع على مناهجَ ومقاربات ثرية وخصبة فتحت آفاقا جديدة في التفكير في النص الديني، وقد كان المنهج التاريخي الفيلولوجي أولى المناهج التي اعتُمدت في التعاطي مع النص القرآني من قبل الدارسين العرب المنشدين إلى الدراسات الاستشراقية، وهو "المنهج الذي يعتمد طريقة الفحص اللغوي للنص، والتنقيب في مصادر المفاهيم والأفكار التي تؤسسه".[4] وقد برع نصر حامد أبو زيد في قراءته للنص القرآني باعتماده المنهج الهيرمينوطيقي القائم على فرضية مؤداها أن "الدلالة والمعنى جملة مركبة من علاقات الخطاب والتلقي، مثلما تفترض أن للمعنى المتولد شروطاً تتغير بتغير نوع الخطاب، وأسلوبه وظروف التلقي، وبنياته الثقافية والرمزية."[5] وقد كان عبد المجيد الشرفي في جملة من تميزوا في توظيف المنهج التاريخي النقدي، بوصفه المنهج الذي يتوسل "طريقة في قراءة الموروث، الديني، تشدد على تاريخيته المعرفية والفكرية...، وإلى عدم الجنوح للخلط بين أزمنة المعرفة، أو الانجرار إلى نزعة إسقاطية في الأحكام والاستنتاجات، مثلما تشدد على الصلة بين أي حكم أو نص أو فكرة، والظروف التاريخية والسياقات الموضوعية التي وردت فيها."[6] وقد شكل المنهج التحليلي النقدي أحد أبرز المناهج غنى وخصوبة لكونه يعتمد مقاربة متعددة المستويات بقيامه على طريقة تحليل الخطاب في مستوياته اللسانية – السيميائية، والأنثروبولوجية، والتاريخية، وهو المنهج الذي تأنق في توظيفه واستثمار ممكناته محمد أركون في قراءته للنص القرآني.
- الإشكالية:
إن الحفر التاريخي الذي قمنا به في مسألة التعاطي مع النص الديني، وتتبعنا للمسار الكرونولوجي لتلك المسألة في الفكر العربي الكلاسيكي الحديث والمعاصر، يُفضي بنا إلى القول إنها مسألة تطرح إشكالية كبرى مدارها على قراءة النص الديني وتأويله، وهي الإشكالية التي يمتنع إدراك نسقها الخاص وفهم أسسها وخلفياتها وما تنطوي عليه من مفارقات ورهانات، من دون وضعها في نطاق شروطها الموضوعية: أعني انشدادها إلى الشرط الإبستيمي والتاريخي والإيديولوجي. ينتج من هذا القول إن ما من نص، بما في ذلك النص الديني، يمكن اعتباره نصا في ذاته بلغة كانط، بل النص، حكماً، في معناه المعاصر، يمتلك هويته بوجود من يتصل به قراءةً وتمثلا. فالنص لا يقول نفسَه بنفسه، كما يطلعنا بذلك الدرس الهيرمينوطيقي، وإنما يتم بناء معناه من العلاقة التي يقيمها القارئ معه. القراءة، إذاً، مرتبطة حكماً بالتأويل، ومن ثم تصير موضوع رهان بين من يجعلها استجلاء للمعنى "الأحادي" و"الحقيقي" للنص المقروء، وبين من يفتحها على ”تعددية“ المعنى و”تناسليته“، بل و”لا نهائيته“. فالقراءة الأحادية قراءة ميتافيزيقية؛ ذلك أنها تعتبر المعنى أحاديا وثابتا، فهو في منظورها معطى أول. لذلك، فالقراءة بما هي استنطاق للنص المقروء هي ثمرة علاقة جدلية بين القارئ بوصفه ذاتا مشروطة بمحددات إبيستيمية وسوسيوتاريخية وسيكولوجية... وبين النص بحسبانه فضاء مفتوحا له بنيته الخاصة التي تسمح بتجاوز منطوقه قصد استكناه منطقه؛ ذلك أن النص، وإن كان قطعي الدلالة بالمعنى الفقهي، لا يقول نفسه، كما أشرنا إلى ذلك سابقا، أو قل إنه ليس ناقلا أمينا يؤدي وديعة المعنى إلى القارئ؛ لأن المعنى في نهاية الأمر حصيلة تفاعل الذات القارئة، بكل فاعليتها ونشاطها ووعيها ولاوعيها، وبين الموضوع المقروء الذي لا يقدم المعانيَ البكر في صفائها وشفافيتها... فالنص، إذاً، أي نص، غير قراءته وتأويله... وأي مماهاة بينهما فعل غير معرفي. وبما أن النص هو في قلب التاريخ، وليس فوقه ولا خارجه، فمتلقوه، إذ يمارسون فعل القراءة والتأويل، يمارسونه في سياق من الضغوطات، والإكراهات، والصراعات، والحاجات، والمصالح، وفي شروط معرفية وثقافية محددة بتاريخيتها الخاصة، وبالتالي يأتي بناء معنى النص من قبل متلقيه متلونا ومتأثرا بتلك الشروط المعرفية التي تحدد سقف المعارف المتاحة للناس في كل عصر، وفي ظل السياقات التاريخية التي تسمح بالقول إن "قارئ النص نفسَه تختلف قراءاته له من زمن لآخر، ومن ظروف لأخرى؛ لأن فعل قراءته فعل تاريخي متغير بتغير الشروط الاجتماعية والمعرفية والنفسية"[7]، مثلما تأتي قراءته مكتنزة بثقل المصالح والأيديولوجيات التي تدخل في لعبة بناء المشروعية السياسية واستملاك السلطة. ولأن التاريخ تطبعه سمة التغير والتحول في الوقائع والأحداث، ولأن التضارب في المصالح والرؤى من سمات بناء أية لحظة من لحظات التاريخ، ينتج من ذلك أن قراءة/ات المتلقين للنص، وتأويلاتهم له، تأتي، بالضرورة، متعددة ومختلفة. لذلك نجد الكثير من الدارسين الحداثيين عمدوا إلى التمييز بين المتعالي في النص الديني وقراءاته التاريخية، فذهبوا إلى التمييز بين "الظاهرة القرآنية" و"الظاهرة الإسلامية"، وبين "النص المؤسس" و"النصوص الثانوية"، وبين "الإسلام المعياري" و"الإسلام التاريخي"... وسواها من التمييزات التي ترمي إلى التمييز بين النص القرآني بما هو نص وحياني منفتح على مختلف المقاربات والقراءات وأشكال الفهم والتحيين، وبين شكل معين للفهم تجلى في التاريخ في زمن محدد. نحن، إذاً، إزاء تنسيب للقراءة لا تنسيب للمقروء، وإزاء محاولة للتمييز بين الفعل البشري في القراءة والفهم، وبين النص المتعالي المطلق في هويته والمتعالي في كينونته والمنفتح والمتجدد في معانيه.
- لم نقرأ القرآن بعد...!
بوسعنا المجازفة بالقول، إذن، إننا لم نقرأ القرآن بعد... ذلك أن على كل جيل أن يَمثل أمام النص القرآني مثلما يمثل أمام المرآة، ليتعلم كيف يتأمل فيها قسمات وجهه، أو قل ليتعرف من خلاله الحكمة التي تليق بزمانه. يمكن اعتبار النصوص العظيمة والاستثنائية بمثابة مرايا لا منتهية وخالدة، لكونها تمتلك القدرة على مصاحبة الناس على مر العصور، قادرة على منحهم فهما جديدا في كل عصر، مثلما أنه لا يمكننا القبض على ”حقيقة“ النص، فوحده النص الميت يُعرف حق المعرفة؛ لأنه يُقرأ قراءة وحيدة ونهائية. أما النص الذي يتمتع بالأصالة والفرادة، فهو دوما يمتلك حداثته وراهنيته، وهي ذات الفكرة التي شدد عليها الفيلسوف مارك ألان أواكنان ذات تأمل عميق، ذاهبا إلى أن كل نص عظيم لا يمكن استنفاذ معانيه، لكونه يتجدد بالنسبة إلى كل قارئ في كل قراءة جديدة، وهو ما يوضحه بقوله: "في الواقع، ليس النص هو ما يتم فهمه، بل القارئ يفهم ذاته بذاته"[8]. بهذا المعنى، سنحاول الرجوع إلى النص القرآني، ليس رجوعا إلى معنى تشكل، بنحو قبلي، في النص القرآني ذاته، بقدر ما هو رجوع إلى فعل القراءة الخلاق الذي يعرف كيف يفتح النص بوصفه مرآة للحاضر والمستقبل.
إن كل قراءة متجددة وخلاقة للنص القرآني، إذاً، تقتضي الوعي بكون القراءات بلا نهاية وحد لانعدام القراءة الخاتمة؛ ذلك أن النص القرآني منفتح على مخاطَبين لانهائيين في الزمان والمكان، وأن القراءات تلك محدودة ومنشدة إلى سقفها المعرفي؛ أي إنها مرتبطة بمعارف إنسانية ما تفتأ تطور من أدواتها ومناهجها. لذلك، فالجمود على فهومات وتأويلات متوارثة وصاية وحجر على كل قارئ للنص القرآني. لذلك فالقراءة الخلاقة المنشودة تقوم على جدلية "تجعل حدود العقل والإيمان متحركة بما يجدد من معقولية الإيمان ويوسع من دائرة العقل بشكل دائم"[9]. أو إن شئنا القول إن هذه الجدلية تتأسس على العمل على "تعقل" الإيمان وتوسيع "العقل".
إن تلك القراءة بهذا النحو، تحررنا من السياج الوضعاني الذي تنحصر فيه المقاربة التاريخية المغلقة، والتي تريد حصر الخطاب القرآني في أفقه الأنثروبولوجي، مجمدة دلالات "الخطاب" و"مفاهيمه" في شبه الجزيرة العربية خلال القرن السابع الميلادي، ضمن مجتمع قبلي ذي أعراف متصلة بالخصوصيات الجغرافية والأنثروبولوجية للعرب في محيطهم المخصوص. إن المقاربة التاريخية الدوغمائية تجعل من النص القرآني نصا تاريخيا انتهت صلاحيته عند القرن السابع للميلاد، وتفرض التعامل معه فقط كوثيقة تاريخية، حيث تزعم أن تغير الظروف والمخاطبين وسياق التنزيل موجب لسلب كل فعالية عن النص القرآني. إن هذا المقترب التاريخي النقدي بهذا النحو يرفع عنه كل حيادية، ذلك أنه يلغي من حسبانه مكونا أساسيا في النص الذي يقاربه وهو البعد الميتافيزيقي والأفق الروحاني، الذي لا تملك هذه المقاربة أدوات ومناهجَ كفيلة بتحليله بحياد، مثلما لا تحوز قدرة على صوغ أفق ميتافيزيقي بديل يضطلع بالوظائف الأنطولوجية والمعرفية والثقافية لذلك المكون.
تزعم المقاربة التاريخية النقدية، أيضاً، أن النص القرآني ظل سجين سياق تنزيله ومحددات انبثاقه السوسيوتاريخي، فيما بعده الإيتيقي والأخلاقي والميتافيزيقي من شأنه أن يمنحه كونية ما فتئت تتغير آفاقها التاريخية، وتتجدد عبر تجدد التلقي التاريخي للنص القرآني، إذ بوسع النص القرآني الحفاظ على قدرته التوليدية، وطاقته في إنتاج التاريخ معرفيا واجتماعيا وثقافيا وفنيا من خلال تجدد قراءاته، مع الإقرار بالمنطلق التاريخي الذي احتضن لحظة انبثاقه دون أن يسجنه في إحداثياته الزمانية والمكانية كما تذهب إلى ذلك المقاربة التاريخية الدوغمائية، والتي تلغي كل قدرة للنصوص الاستثنائية على اختراق الأزمنة والأمكنة بما تحويه من قيم كونية عابرة للتاريخ.
إن نقدنا لهذه المقاربة التاريخية للخطاب القرآني، لا يعني أننا مع إعدام الحس التاريخي في مقاربة النص الديني، فالاقتراب التاريخي هنا أساسي، بل وضروري للتمييز بين المتعالي والتاريخي المرتبط برهانات سوسيولوجية ومعرفية وأنثروبولوجية واقتصادية متغيرة. لذلك ينصب نقدنا أيضا على القراءة السلفية لكونها تتوسل المقاربة الحرفية التي تلغي التاريخ من حسبانها، متبنية فهوما تاريخية بشرية مماهية بينها وبين المتعالي.
إن القراءة التي ننشدها هي القراءة التجديدية، وهي قراءة نزعم أنها مبدعة وخلاقة، بحسبانها القراءة التي ما تفتأ تجدد من أدواتها ومناهجها ومعارفها على النحو الذي يمكنها من التقاط المتعالي والمطلق في النص القرآني، وبناء هذا الالتقاط ضمن معقولية زمان ومكان المتلقي وآفاق إبستيميته، بما يعني إعادة امتلاك دائم ومتجدد للنص، وليس إلغاءه باسم الصيرورة. هاهنا يبدو الفرق جليا بين القراءة التجديدية المنفتحة والقراءة التاريخية النقدية المغلقة التي تنسف التعالي ولا تأخذ في الحسبان الأفق الروحاني للنص؛ ذلك هو المأزق الإبستيمولوجي الذي يخترق المقاربة التاريخية النقدية للنص القرآني.
إن القراءة المنفتحة التي ندعو إليها لا تلغي التاريخ ولا الشروط الأنثروبولوجية التي تحكم تلقي الخطاب القرآني عند انبثاقه في سياقه الأول، لكنها تؤكد أن هذا الخطاب لا يفتأ يتجاوز نفسه بما يتيحه من قدرة على الانفتاح خارج نطاقه الأنثروبولوجي وخارج حدوده اللغوية والتاريخية؛ ذلك أنه يمزج التاريخ بالتعالي، والمتحول بالثابت، وهو ما يسمح للقارئ بالتقاط ذلك التعالي بنحو متجدد في التاريخ المتغير. هذه الجدلية العميقة، والتي تتيحها القراءة المنفتحة، هي التي تسمح بتجاوز المأزق المزدوج الذي تقع فيه القراءة التاريخية المغلقة بمنهجها الوضعاني والقراءة الحرفية المغلقة بمنهجها اللاتاريخي. بعيداً، إذاً، عن القراءة الحرفية الجامدة على فهم واحد للنص وعن القراءة التاريخية الإقصائية المبددة والمهدرة للمتعالي والمطلق للنص القرآني، ثمة أفق ثالث من شأنه أن يحررنا بنحو مزدوج من مطبات القراءتين الحرفية والتاريخية؛ أفق قوامه بلورة مقاربة تأويلية ترفض الحرفية والتبديدية مستوعبة التعالي والتاريخ في مقاربة النص القرآني؛ ذلك أن عظمة النص القرآني كامنة في قدرته على أن يتجاوب مع كل عصر وفق شروطه التاريخية، وأن يخاطب كل البشر تبعا لسقفهم المعرفي. إن مقاربة بهذه الملامح، تقتضي ضرورة الانفتاح على العلم في مختلف تجلياته المعرفية، مع ضرورة تطوير أدوات النقد الإبستيمولوجي لهذه المعارف قبل استثمارها في البحث وإنتاج الفهم. إن هذه القراءة المنفتحة، بهذا الأفق، بما هي قراءة مبدعة وخلاقة، وحدها، فيما نزعم، قادرة على امتلاك الكفاءة على التقاط المتعالي في النص القرآني، وبناء هذا الالتقاط ضمن معقولية زمان ومكان المتلقي وآفاق إبستيميته، بما يعني إعادة امتلاك دائم للنص، وليس إلغاؤه باسم التحول والصيرورة.
- في مشروعية قراءة النص القرآني اليوم:
أمام فكرة إعادة قراءة النص القرآني، بما يجعل منه نصا يليق بزماننا[10]، يجد الوعي الإسلامي نفسه أمام جملة من التساؤلات التي تقلقه، والتي لا تجد لها أجوبة تشبع نهمه المعرفي وتروي ظمأه الأنطولوجي. لا يقبل الوعي الديني المحافظ الفكرة ويرفضها رفضا مطلقا معتبرا إياها ضربا من الهرطقة والحمق، معتبرا أن النص القرآني سيفقد بذلك هويته وماهيته، مفضلا بذلك البقاء وفيا لقراءته الحرفية واللاتاريخية، مبديا بذلك نوعا من المقاومة حيال كل قراءة تاريخية بنفس نقدي للنص القرآني. بالمقابل، يبدي الوعي الديني المنفتح نوعا من الحاجة الماسة إلى إعادة قراءة النص القرآني متسائلا: كيف يمكن فهم وقراءة النص القرآني اليوم؟ ووفق أي معايير وبأي أدوات ومناهج؟ غير أن تفكيرنا، إزاء هذه الأسئلة، سينصب على تساؤلين أساسين: الأول سيركز على مشروعية فكرة إعادة قراءة النص القرآني، وهل هي فكرة تفرض ذاتها بإلحاح اليوم؟ وهل نحن، المسلمين، بحاجة اليوم إلى صوغ قراءة جديدة للنص القرآني؟ وهل يحق لنا المساس بـ"قدسية النص القرآنيّ"؟
التساؤل الثاني ينتج عن الأول، وهو تساؤل ينصب على المنهج/ المناهج. فإذا كان من الضروري إعادة قراءة النص القرآني، فبواسطة أي منهج / مناهج ينبغي القيام بذلك؟ يمكننا القول للوهلة الأولى، إن الديني لا يمكن تحويله إلا بواسطة الديني نفسه، إذ معه يصير ممكنا إعادة فتح صفحة جديدة من الوحي القرآني. بقي أن نحدد المقاربة/ المقاربات الأكثر خصوبة ونجاعة لمواجهة السؤالين السابقين. يقول أرخميدس: "امنحوني نقطة ارتكاز وسأتمكن من رفع العالم". من أجل العثور على نقطة الارتكاز القادرة على اقتلاع الوعي الديني الإسلامي من جموده ووثوقيته انطلقنا من الوقائع التالية:
لم يعد النص القرآني اليوم، بالنسبة إلى العديد من المجتمعات الإسلامية، حتى الأكثر التزاما بنحو حرفي بتشريعاته، المرجع والمصدر الوحيد للتفكير والقيم وآمال المسلمين؛ ذلك أن الحداثة الغربية بدأت تُشكل وتصوغ وتصنع الوعي الديني الإسلامي، الذي صارت تتنازعه رؤيتان للعالم ومنظومتان من القيم: جنة الله وجنة الـ هنا والآن، احترام التشريع الإسلامي والرغبة في اختيار نمط وجوده وحياته، التعلق بالتقليد والحاجة إلى الانعتاق منه... يمنحنا هذا الواقع الأساس، زاوية النظر ونقطة الارتكاز التي نبحث عنها: نحن، المسلمين، اليوم صرنا مواطنين كونيين "citoyens du monde"، ولم يعد بمقدورنا رفض هذه الحداثة التي تشكل وتصنع، كل يوم، رؤيتنا للعالم ونمط وجودنا المادي. فئة عريضة من المسلمين اليوم يبدون مقاومة كبيرة للتغيير إزاء صدمة وواقع الحداثة. والحال، أننا هنا نزعم أن تفكيرا ووعيا مغايرا بوسعه أن يكون ممكنا وناجعا: ينبغي القبول والإقبال على الحداثة خاصة قيمها الإنسانية: (الحرية، المساواة، التسامح). هاهنا نقطة الارتكاز التي ستمنح النص القرآني أدوات ومناهج لفهمه وقراءته قراءة تليق بزماننا. النص القرآني، إذاً، إزاء فعلين معرفيين يعدان المدخلين الأساسين لإعادة قراءته من جديد: أولهما إعادة قراءته بما يوافق منظور حقوق الإنسان اليوم، وثانيهما محاولته المساهمة في حل إشكالية الإنسان الحديث المتمثلة في أزمة المعنى... حين يتم القيام بهذا الفعل المزدوج حينها، وحينها فقط، سيمكننا إنجاز قراءة للنص القرآني تليق بزماننا. و، سيكون الوشج بين "أنوار الإسلام" و"أنوار الحداثة" نوعا من التحقق بما ورد في الآية القرآنية من سورة النور: {نور على نور}[11]. لذلك يحتاج "مثل هذا الأفق إلى عمل تنويري كبير؛ قوامه عمل نقدي مزدوج بلغة الكبير عبد الكبير الخطيبي؛ نقد لكل ما يطمس "أنوار الإسلام" في القراءات الانغلاقية والتعصبية والتحجرية، والتي اختزلت رحابة الدين في فهم تاريخي معين، وماهت بينه وبين روح الدين، مغلقة أفهام النص ومحجرة على عقول المؤمنين وقلوبهم، حيث جعلت كل نزوع للتحرر من هذا الحجر، وكل نزوع لرفع القصور والوصاية؛ أي كل نزوع للتنوير نزوعا لمغادرة دائرة الدين وأرض الإيمان.[12] إن أول ما يقتضيه هذا الفعل التنويري هو القيام بجهد تفكيكي نقدي للمدونة التفسيرية الإسلامية الكلاسيكية، في أفق تحييد كل المفاهيم والمسبقات والمسلمات التاريخية التي تنزع عن نفسها بعدها البشري والنسبي لتستعير صوت المطلق، وتحتكر النطق باسم السماء، فيما هي لا تعدو أن تكون محاولة فهم بشري محدود بحدود زمانه ومعرفته وأدواته ووعيه ولاوعيه...، ومن ثم لا يمكنها قط أن تستنفد المتعالي والمطلق، أو تمتلك بنحو كامل ونهائي ومطلق ومغلق معانيه. بالمقابل نحن في حاجة ماسة إلى القيام بذات المقترب التفكيكي النقدي للحداثة الغربية لفضح وتعرية أشكال التحريف والزيغ للأبعاد التنويرية في الحداثة نفسها باعتبارها مشروعا لم يكتمل بعد؛ ذلك أن الوعود واليوتوبيات ذات النزعة الإنسانوية لم تتحقق بعد. فإذا كان بوسعنا أن نحدد طبيعة العالم اليوم، فيما وراء طابعه الوضعاني، بالنسبة إلى وعي حديث، يمكننا استعارة صورة "السراب" لوصفه بنحو دقيق؛ ذلك أنه يصعب علينا اليوم أن نعتبر كل ما نراه اليوم حولنا وما نعيشه واقعا حقيقيا، حيث يبدو لنا كل شيء فارغا وبدون معنى كأن حياتنا محض مسرحية من نسج الخيال. هذا الطابع اللاواقعي لعالم اليوم نبه وانتبه إليه فلاسفة الارتياب: نيتشه، فرويد وماركس (les philosophes du soupçon)، والذين بينوا، أن أرضنا، بشكل من الأشكال، بدأت تهتز تحت أقدامنا. كان نيتشه أول من أشار إلى الشك الذي أمسى يخترق الإنسان المعاصر، والذي لم تعد له أية ثقة في اليوتوبيات الكبرى: الله، الحق، الحقيقة والعدالة مفاهيم أضحت فارغة من كل معنى، حيث أمسى الاعتقاد فيها فقط من أجل مواجهة صمت العالم وخواء المعنى. بعد ذلك انبرى فرويد ليزيد من حدة ذلك الشك مبينا أن وعينا أشبه بثقب أسود لا قرار ولا نهاية له. إن هذه المنطقة المعتمة التي تشكل لا وعينا هي بمثابة عدم مستقر في قلب كينونتنا. ليأتي أخيرا ماركس مؤكدا أن ما نتطلع إليه من عدالة سياسية يخفي في الحقيقة لاعدالة الفئات الضاغطة في الحقل السياسي. مع فلاسفة الشك والارتياب، إذاً، أمسى الواقع مَعرضا للسراب. منذ ذلك الحين طال ليل العدمية، حيث لم يعد للإنسان اعتقاد في أي شيء؛ لأنه لا يجد أمامه ولا خارجه غير السراب. هكذا جعلتنا الحداثة في وضع تخلت فيه عنا من دون أن تنقدنا من أزمة المعنى. لكن، أليس هناك اليوم شيء آخر غير السراب، فينا أو خارجنا؟ يتعين علينا اليوم محاورة الخطاب القرآني أملا في أن يكون خطابا راهنيا لنا، وحكمة تليق بزماننا.
بوسعنا، في البداية، أن نلحظ أن القرآن يمنح وضعا خاصا لمسألة "السراب"، والذي يعد هاهنا، على نحو غريب، وبشكل رمزي فرصتنا غير المسبوقة. وبشكل أدق، فالقرآن يتوجه إلى الإنسان الذي يكون في مواجهة "سراب في قلب أرض منبسطة": {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً، حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ}[13]. بعبارة أخرى، فالإنسان حين يتحقق أن آماله ووعوده ليست إلا سرابا وأنه "بحاجة إلى الماء"؛ بمعنى أنه لم يعد يملك أي غذاء روحي ولا أخلاقي ولا فكري، حينها فقط ينكشف أمامه المطلق والمتعالي ويكون أمام الله وجها لوجه.[14] وهي ذات الفكرة التي نبه إليها ابن عربي في تأويل عرفاني بديع، معتبرا أن الله لا يتبدى وينكشف إلا في غياب الأشياء التي نعتمد عليها. الشرط الأساس للولوج، إلى المتعالي، إذاً، هو هذا الوضع الأخلاقي المقفر والمتعطش إلى الامتلاء بما يروي ظمأه الأنطلوجي، حيث يجد الإنسان نفسه عاريا ومتروكا لمصيره، بدون أي سند، لوحده في هذا الوجود الذي فقد فيه كل معنى. حينما يصبح صمت العالم مطبقا، وحين يكف عن الاستجابة لنداءاتنا، وحين نجده فارغا من كل معنى، حينها فقط يتبدى الله، عبر الخطاب القرآني، بكرمه وعونه. لم يعد الوجود، إذن، كاووتيكيا (chaotique)فقط، بل أمسى صامتا، رغم ذلك فالعمى الذي تجد الحداثة نفسها غارقة فيه اليوم، لا يمكننا تأويله بوصفه كارثة إنسانية، بل يمكننا النظر إليه بنحو إيجابي، باعتباره الشرط الأساس لنزول العطاء والكرم الإلهي. والحال أن الإنسانية اليوم، أمست عارية فاقدة لكل معنى واتجاه، حيث يجد المطلق له موطئ قدم لينكشف ويتبدى. بهذا النحو يمكن للقرآن الكريم أن يكون حكمة تليق بزماننا. إذا كان الوجود، إذن، يبدو لنا مثل السراب، فلأنه المكان المفضل لظهور المطلق.
إن مثل هذا العمل الحفري النقدي والتأويلي المبدع من شأنه أن يساعدنا على اختراق الطبقات التفسيرية المتكلسة، التي تحجب عنا ما يقوله النص القرآني فعلا بفعل أنقاض الأفهام التاريخية والبشرية التي حلت محله، واختطفت عنوان القداسة ومشعل التعالي منه، حتى بدا للبعض أن القرآن الكريم لم يعد يملك طاقة تنويرية لأهل زماننا، ولا قدرة راهنية على إضاءة أسئلتنا واحتياجاتنا الوجودية هنا والآن.
لم يجرؤ الوعي الإسلامي، بعد، على خوض تجربة الالتزام الأخلاقي الحر الذي يسمح بإعادة النظر في كل شيء. ما زلنا ننتظر ديكارت المسلمين الذي سيجعل، على نحو ما قام به الفيلسوف الفرنسي، مبادئه الأكثر قداسة التي تلقاها منذ طفولته محل شك وريبة. كم من المسلمين اليوم بوسعه التحرر من الطاعة العمياء للدوغمائيات (Les dogmes) بواسطة فعل فلسفي نقدي على نحو راديكالي مثلما فعل ديكارت بخصوص كل ما اعتقده صحيحا دون أدنى مناقشة؟ هي ذي الخطيئة الكبرى للفكر الإسلامي التي حكمت عليه بالثبات والاجترار، والتي منعته من أن يكون بحوزته تراث نقدي يستحق هذا الوسم. والدليل هو ما دعاه أركون بـ"السياج الدوغمائي"، والذي لا يجرؤ أي مفكر بالمغامرة فيما وراءه.
إن القراءة التي نقترح التعامل بها مع النص القرآني، مستلهمين النفس الإقبالي[15] في قراءته للنص القرآني، تتأسس على جدلية المعرفة والتجربة، أي العمل على عقد حوار بين الموروث المعرفي الإسلامي وفتوحات المعرفة الفلسفية والعلمية الحديثة في ضوء القرآن وإشاراته المفتوحة على إعادة البناء والصياغة في أفق إنساني كوني. وهنا، نسجل أن هذه المقاربة الإقبالية المستلهِمة للأفق العرفاني في التلقي القلبي للنص القرآني بوصفه "دائم التنزل"؛ هذه المقاربة بهذا الأفق المنهجي، وبغض النظر عن مخرجاتها ونتائجها المعرفية، تنقذنا، كما أنقذت إقبال، من مأزقين مؤرقين؛ مأزق "القراءة الحرفية" الجامِدة على ظاهر النصّ، والتي ترفض كل تجديد في أفق التّلقي، وتعتبر أن معنى النص تنزَّل مرة واحدة وكفّ عن إلهام العقول والقلوب بمعاني متجددة، وفي هذا طبعًا خنقٌ للنص القرآني ونسفٌ لكينونته وكونيته؛ مثلما تنقذنا المقاربة تلك من مأزق آخر هو مأزق "القراءة التاريخية" الجامدة على التاريخ، والتي تحصر معاني الوحي في الإطار الزماني والمكاني العربي القبَلي في الجزيرة العربية خلال القرن السابع للميلاد، وترى أن كل ذهاب بمعاني النص خارج هذا الإطار هو إسقاط لا تاريخي على نص الوحي وسياقه اللساني والأنثربولوجي المخصوص. ومثل هذا المأزق هو الذي جعل مفكرا مثل داريوش شايغان يقول: "إن محمد إقبال، المتشبع من برغسون ونيتشه سيقوم ببهلوانيات فكرية واسعة لكي يوفق بين التقدم والقرآن."
في حين أن الأمر، وكما نرى، لا يتعلق بإسقاط معان دخيلة على نص الوحي؛ بل بفهم آخر للعلاقة مع النص القرآني باعتباره مصدر ينابيع معرفية يتواشج فيها الإدراك الباطني والإدراك الحسي والإدراك العقلي، وأن الأمر يتعلق بنص وحياني ينطلق من التاريخ، لينفصل عنه على مستوى توليد المعاني والقيم والمعنى الأنطولوجي، حيث يظل هذا النص دائمَ التنزُّل على قلب المتلقي يفهمُه بحسب أسئلته ورهاناته المتجددة، وهو ما يتحقق للقارئ كلما جدد من قدرةِ استلهامِه واستمداده الروحي من النص، وكلما جدَّد من أدوات قراءته وأسئلته التي يطرحها على النص. إنه تلق قرآني يجدِّدُ امتلاك النص في السياقات المتغايرة بعد فهمه ضمن شروط تخلُّقهِ النسقية والسياقية...".
إن كثيرا من المفكرين الذين اشتغلوا على قراءة النص القرآني متوسلين المناهج الحديثة لم يكلفوا أنفسهم عناء الفحص المعرفي والإبستمولوجي للخلفيات الفلسفية المؤطرة لتلك المناهج، مثلما لم يضطلعوا بالعمل النقدي الضروري على مفاهيم تلك المناهج لتمييز الإيديولوجي والتاريخي في تلك الأدوات من الإبستمولوجي والمعرفي. وبعبارة أدق: لم يطرح هؤلاء على أنفسهم سؤال "النقد الإبستمولوجي" للأدوات والمفاهيم والمناهج الحديثة المراد إعمالها في النص القرآني. وذلك قبل توظيفها في الاقتراب من نص ديني له خصوصيته في التكوين والتشكل وغائياته في التلقي والاستقبال، رغم تجليه في لغة بشرية محكومة ببنياتها النحوية والصرفية والبلاغية والرمزية والسياقية، ورغم انبثاقه في التاريخ بمشروطيته الاجتماعية والاقتصادية والجغرافية والثقافية.
تضعنا هذه الورقة البحثية، إذن، أمام إشكاليات جوهرية يبرزها فعل القراءة:
كيف تعاطى الوعي الديني الإسلامي الحديث مع النص القرآني؟ وما السر وراء غنى وضخامة الإنتاج التفسيري للنص القرآني لدرجة صرنا معها نتحدث عن مدونة تفسيرية للنص المؤسس قائمة بذاتها؟ وما هي أبرز ملامح هذا الوعي الإسلامي حين تعامل مع النص القرآني من حيث رؤيته للإنسان والعالم؟
كيف يمكننا، اليوم، التعاطي مع النص القرآني، وما شكل العلاقة التي في وسعنا أن نقيمها معه؟ ووفق أية قراءة يمكننا تناوله ومقاربته؟ وما طبيعة الآليات والمناهج التي ينبغي توسلها لإلقاء مزيد من الضوء عليه؟ أية فلسفة تسمح لنا ببلورة وعي نقدي، وتملك حسّا تاريخيا في مقاربتنا النصَ الديني، بشكل يجعلنا ننفلت من هيمنة القراءات الأرثوذوكسية والدوغمائية للنص الديني، وعلى النحو الذي يسمح لنا بالتحرر من القراءة الأوحدية المؤسسة لإمبريالية المعنى، ويتيح لنا بالمقابل الاستفادة من فتوحات الثورة المعرفية التي عرفتها علوم المجتمع والإنسان وما تولد منها من مناهج تحليل الخطاب ومقاربات ثرية تفيد في إضاءة النص الديني للكشف عن مستويات عديدة منه؟
وهل في توظيفنا لآليات الفكر الغربي في فهم النص الديني خرق لحقيقة النص وماهيته، بحسبانه نصا مختلفا عن باقي النصوص الأدبية...؟ ألا يوجد تناقض في مثل هذه الحالات بين المنهج والحقيقة، أي بين ما يحمله النص الديني من حقيقة، وما تنطوي عليه المنهجيات الغربية من تأويل وحفر وتنقيب؟ أم إن في تفكيكه وتشريحه ضمانا لاستكناه حقيقته والكشف عن مستويات وأبعاد ومناطقَ بكر لم تُطرق فيه بعد، سعيا لنزع البداهة وأردية القداسة عنه؟
هل بوسع النص القرآني أن يقبل قراءة واحدة تصلح لكل زمان ومكان؟ ألا تنطوي القراءة الأوحدية للنص الديني على رغبة في الاستيلاء على النص الديني، وبالتالي احتكار قراءته وتأويله وفرض القراءة الدوغمائية له؟ ما منشأ هذا التعدد في قراءة النص الديني؟ أليست كل قراءة مشروطة بشروطها الموضوعية؟ ألا تشكل القراءة المتعددة للنص الديني كسرا لذلك السياج الدوغمائي الذي أحاط به العقل الإسلامي نفسَه رغبة في التحرر من تلك النظرة المثالية والجوهرانية (essentialiste) للنص الديني؛ وذلك بإعمال أدوات وآليات تحليل الخطاب والمناهج المعاصرة التي تولدت من الثورة المعرفية لعلوم الإنسان والمجتمع؟ وبعبارة جامعة: ما الذي فعلته الحداثة بالوعي الإسلامي في علاقته بالمقدس والنص المؤسِّس؟
- نحو أفق منفتح لقراءة النص القرآني...
تفضي بنا إشكالية بحثنا إلى الدفاع عن أطروحة قوامها بناء استراتيجية معرفية ذات بعد إبستيمولوجي ونقدي، تهدف إلى استشكال المفهوم الكلاسيكي للخطاب/ النص القرآني الذي تشكل وتبلور في وعي المسلمين، معتمدين على ثالوث مفاهيمي، استعرناه من الأدوات المعرفية التي اشتغل بها محمد أركون: الزحزحة، التجاوز، والتخطي، والذي يسعف في مساءلة هذا المفهوم، أي النص القرآني، ونقده وزحزحته بغية تجاوزه قصد استيعابه وتمَلكه النقدي، أي زحزحة المفهوم الكلاسيكي للخطاب القرآني، قبل أن يصير مدونة مغلقة بتعبير أركون؛ لأن هذا المنظور الكلاسيكي للخطاب القرآني، باعتباره كلام الله المتعالي، لا يهم الباحث في الحقل التاريخي والفلسفي والأنثروبولوجي، بقدر ما يعني المؤمن والتيولوجي، إنه مفهوم قائم على القداسة والتعالي بشكل ينفي عنه انشداده للشروط الموضوعية التي تنزل ونشأ فيها. إننا هنا نشدد على ضرورة التمييز بين ثلاثة مستويات أساسية في التعاطي مع الخطاب القرآني: كلام الله المتعالي باعتباره ”أم الكتاب“، ”القرآن“، و”النص القرآني“، فالنص القرآني نفسُه يقيم ذات التمييز بين تلك المستويات، على اعتبار أن القرآن (récitation) يقوم على تلاوة وترديد ما تم سماعه بوفاء، وبين ”أم الكتاب“ باعتباره الكلام الإلهي اللامتناهي، وبين ”النص القرآني“ بما هو تلك المدونة المغلقة، والتي عليها مدار مساهمتنا البحثية. إن هذا النوع من التمييز بين تلك الأبعاد؛ أي البعد المتعالي والبعد الشفهي والبعد الكتابي، في التعاطي مع الخطاب القرآني، يمنعنا من السقوط فيما يمكن تسميته بــ”صنمية النص“ l’idolâtrie du texte))، حتى لا نجعل النص القرآني مطابقا لكلام الله المتعالي؛ ذلك أن كلام الله المتعالي لا يمكن حصره في الخطاب البشري، وإلا كف الله عن أن يكون متعاليا، وهي المغالطة التي يقع فيها من يعتبر النص القرآني مطابقا للقول الإلهي، ذاهبا إلى عد تفسيره وفهمه وقراءته للنص القرآني مطابقا بنحو كلي للقصد الإلهي، مما يضفي على هذا الفهم البشري النسبي قدسية تضاهي قدسية الكلام الإلهي المتعالي. هذا التمييز بين تلك الأبعاد الثلاثة يضفي المشروعية على قراءتنا، بما هي محاولة لجعل النص القرآني موضوعا للتفلسف، تروم فهم ودراسة القول الإلهي لحظة تألسنه وتأنسنه؛ أي بوصفه حدثا لغويا وظاهرة إنسانية. أو لنقل إننا نعتبر النص القرآني، بما هو فضاء نصي مغلق، حدثاً وفعلا إنسانيا بامتياز، رغم الإقرار بمصدره الإلهي، فالكلام الإلهي بهذا المعنى، لا يمكن أن يقدم نفسه للبشر بنحو مباشر ومطلق، وإنما يتم ذلك عبر وسيط لغوي يجعل منه قابلا للتأويل والقراءة، وبالتالي إمكانية إدراكه وفهمه عن طريق التأويل بوصفه خطابا يحيا بالاستعارة والمجاز. نشدد أيضا على ضرورة استشكال مفهوم النص في المجال التداولي العربي الإسلامي الكلاسيكي، فدال النص ينص على الوضوح والانكشاف؛ فهو بهذا المعنى يرادف الوضوح، إذ لا مجال لتأويلِ وبيانِ ما هو بذاته بيِّن وجلي. والحال أن هذا التعريف الكلاسيكي للنص، قد يكون ذا جدوى في ظل إبستيمية العصور الوسطى، لكنه لم يعد، اليوم، إجرائيا وليس له من جدوى في سياق التحول المعرفي، الذي شمل أيضا مفهوم النص، والذي شهده الوعي الحديث. ففي ضوء إبستيمية الحداثة، أضحى النص مقترنا اقترانا ماهويا بالتأويل وبفعل القراءة، إذ ليس ممكنا افتراض نص ناطق بذاته، في غَناء عن أي فعل قرائي. لذلك فالقراءة النقدية للمفهوم الكلاسيكي للوحي تروم تجاوز المفاهيم والمقولات والرؤى الثيولوجية التي جعلت من النص الديني "ميتوس" عبر تحنيطه وتنميطه في قوالب دوغمائية، قصد اجتراح مدلولات ومعان جديدة لمفهوم النص الديني في ظل السياقات والتحولات المعرفية التي يشهدها الفكر الإنساني المعاصر. وحدها القراءة النقدية قادرة على بلورة وعي تأويلي قوامه التسلح بالحس التاريخي والنقدي والإبستيمولوجي في تناولنا النص القرآني وتجاوز تلك القراءة المثالية والأسطورية له... ولما كان التأويل هو الوجه الآخر للنص، كما ذهب إلى ذلك نصر حامد أبو زيد، فإن أطروحتنا، أيضا، تروم أشكلة المفهوم القديم للتأويل، بوصفه المفهوم الذي لم يعد قادرا على تقديم أجوبة أكثر نجاعة عن التساؤلات والتحولات التي يعرفها السياق المعاصر، ما يُلزمنا بمراجعة تعاطي وعينا مع مفهوم التأويل في صيغته الكلاسيكية. ولعل من أظهر التحولات المعرفية المرتبطة بإشكال فهم النص الديني، تلك التي يعبر عنها بعمق مفهوم "القراءة" لا بما هي فعل مرتبط بالقول، "أي إنها مجرد سياق إضافي خارجي يضاف إلى النص، بل باعتبارها فعلا إبستيمولوجيا" يلغي المادة المكتوبة ليتمكن من روح النص، ويُسمع صوته، إنها بمثابة عملية تقوم بفك الشفرات (décodage)، وكشف الأسرار وتعرية الرموز..."[16]؛ ذلك أن هذا المفهوم الحديث للقراءة واحد من منجزات الحداثة الفكرية، إذ لم يكن ممكنا أن يعتبر القدماء ما أنجزوه من "تفسيرات" و"شروح" و"تأويلات" للنص الديني الإسلامي قراءات بالمعنى الحديث؛ أي إنها إمكانات من إمكانات الفهم لها حُجيتها الاستدلالية، لكنها لا تلغي قراءات أخرى تنطلق من منطلقات مغايرة، وتمتلك حجية منطقية معتبَرة وإن كانت نتائجها مختلفة"[17]؛ ذلك أن الحقيقة، وفق المنظور المعاصر، ليست واحدة، بل هي متعددة بتعدد زوايا مقارباتها وسياقات ومناهج مقاربيها، وهو الأمر الذي يفضي بنا إلى القول إن الإقرار بالتعدد والتباين، الضروري، الحاصل في قراءة النص الديني هو ثمرة وعي حديث، لم يكن في وسع إبستيمية ما قبل الحداثة أن تحتويه وتقره. وعليه، فالقراءة، بالمعنى المعاصر، "لا تتحقق إلا من خلال وجود نظرية فلسفية هرمينوطيقية لفهم النص..؛ وهو ما كان معدوما لدى القدماء؛ لأن طرح فلسفة للمعنى وبناء نسق خاص بسؤال الفهم يتجاوز القواعد اللغوية والبلاغية وينظر بوعي في طرائق تعدد الفهم، كان ضمن دائرة اللامفكر فيه في العصر الوسيط، ومن ثم فالوعي الحديث هو الذي يكشف عن خلفيات تلك التفسيرات، ويسعى إلى بناء النسق النظري القرائي الخفي الذي تصدر عنه، والذي يحدد موجهات تلك التفسيرات وسقفها المعرفي..."[18]. بهذا المعنى، يمكن أن يشكل هذا التحول الإبستيمولوجي، الذي يعكسه هنا مفهوم "القراءة"، مدخلا رئيسا لاستشكال فهم النص الديني اليوم.
إن أطروحتنا، إذاً، بسعيها نحو استشكال المفهومين الكلاسيكيين للنص الديني والتأويل كما استقرا في وعي القدماء، تتغيا زحزحة الدلالات التي استقرت في قلب هذين المفهومين، قصد اجتراح بدائل لهما في ضوء التحولات الفلسفية والمعرفية في عصرنا، وفي ضوء ما نروم بلوغه من أهداف.
تتوخى أطروحة بحثنا، في قلب الاستراتيجية المعرفية التي تقوم عليها، الدفاع عن جملة من الفرضيات التي تشكل، مجتمعةً، بؤرة مساهمتنا البحثية، والتي يمكن أن ندرجها على النحو التالي:
أولى هذه الفرضيات تقوم على فكرة فحواها أن تناول النص القرآني بالدرس والتحليل بروح موضوعية وبنفَس نقدي، بعيدا عن كل نزعة تبجيلية ودغمائي، يقتضي إعمال مقاربات متعددة المناهج تنهل من فتوحات الثورة المعرفية المتحصلة في علوم الإنسان والمجتمع، مع ضرورة تطوير أدوات النقد الإبستمولوجي لهذه المعارف قبل استثمار وتوظيف ممكناتها في البحث وإنتاج الفهم. إن مقاربة بهذه الملامح والسمات من شأنها أن تستوعب المتعالي والتاريخي في التعاطي مع النص الديني وفهمه، على نحو يسهم في إنتاج حوار مبدع وخلاق بين التاريخ والتعالي يضمن تلقيا متجددا للوحي غير متناقض مع مقتضيات المعقولية المنتجة والفعالة التي تقتضيها صيرورة التاريخ، مثلما تستدعي أيضا الانفتاح على التجربة الدينية بما هي تجربة روحية لها منطقها الإيماني الخاص في توليد وإنتاج المعنى... إن من شأن هذا المقترَب التعددي (approche multidisciplinaire) في تناول النص الديني أن ينتج تيولوجيا عقلانية معاصرة تحررنا من النزعة اللاتاريخية التي تحكم علاقتنا بالنص الديني، في أفق بناء فهم معرفي عقلاني للنص الديني يجعله معاصرا لنا على مستويات الفهم والإدراك، ومتساوقا مع سياقه التاريخي ونظامه المعرفي الحداثي، مثلما تحررنا من كل نزوع عدمي روحي عبر الإبقاء على مضمونه الروحي ووظيفته في إنتاج المعنى.
تشدد الفرضية الثانية على أن كل توسل بمناهج وآليات الفهم المعاصر في مقاربة النص الديني هو سعي إلى أشكلة problématisation)) وزحزحة transgression)) وتجاوزdépassement) ) المفهوم الكلاسيكي للوحي/ الخطاب القرآني، ومفاهيم القداسة والتعالي التي قام عليها، وهذا يقتضي النظر إليه بما هو خطاب تأنسنَ وتألسنَ لحظة تشكله في مدونة رسمية مغلقة، إذا استعرنا لغة محمد أركون، بوصفه ظاهرة لا تكاد تختلف عن باقي الظواهر الإنسانية والاجتماعية؛ ذلك أنه في قلب التاريخ خاضع لمنطقه وصيرورته، مشروط بإحداثياته الزمانية والمكانية... وبحسبانه نصا له كينونته المستقلة، أو قل واقعةً خَطابية لها منطقها وحقيقتها الخاصة، ذلك أن النص الديني يوظف آليات خاصة في توليد المعنى مثلما له استراتيجيته المختلفة في توظيف الدلالة، فضلا عن كونه نصا يحيا بالاستعارة والمجاز...
تنطلق الفرضية الثالثة من فكرة مؤداها أن مفهوم الحقيقة، كما تشكل وتبلور في ظل إبستيمية الحداثة وما بعدها، مفهوم يحيل على التعدد والاختلاف بدل التجانس والتطابق... وبالتالي، فالقول بتعددية فهم النص الديني وباختلاف القراءات في التعاطي مع النص القرآني، قول يندرج تحت هذا السقف الإبستيمي الحديث، ذلك أن النص الديني، وفق هذا المنظور، "لا تكمن أهميته في كونه يروي الحقيقة أو يتطابق معها، بل تكمن بالدرجة الأولى في حقيقته هو، أي في رؤيته للوجود وفي آلية إنتاجه للمعنى"[19]، مثلما يعكس هذا التعدد والتباين في القراءة تنوعا في المداخل والمقاربات والمناهج المتوسَلة في النظر إلى النص القرآني تفرضه طبيعة النص ذاته.
تسعى الفرضية الرابعة، والتي تشكل جوهر ومنتهى أطروحتنا، لرسم ملامح أفق قرائي يقوم على بلورة إيمان عقلاني منفتح على فتوحات الثورة المعرفية، مثلما ينبني على إنتاج المعنى الوجودي لإرواء الظمأ الأنطولوجي للروح في آن؛ ذلك أننا نلحظ ضربا من التقاطبية الحدية بين القراءة "الحرفية الإيمانية" والقراءة "التاريخية الوضعانية" في التعاطي مع النص القرآني، فالأولى قراءة لا تاريخية على النحو الذي يجعلها تماهي مماهاة مطلقة بين الوحي المتعالي والوحي التاريخي، بما هو شكل من أشكال الفهم الذي تجسد في التاريخ وخضع لمنطقه وصيرورته، مما يجعل من هذه القراءة قراءة مسكوكة جامدة على تحيين تاريخي محدد للوحي المتعالي، فتَعُد ذلك التحيين التاريخي متعاليا في ذاته. أما الثانية، فتقع في نوع من العدمية الروحية، ذلك أنها تتنكر لمستوى أنطولوجي أساس يشكل بعدا رئيسا في ماهية الإنسان، وهو البعد الروحي بما هو بعد ينتج ويثري كينونة الإنسان...
ثمة مسار آخر، في نظرنا، من شأنه أن يحررنا من مطبات تينك القراءتين؛ اللاتاريخية والوضعانية، مسار مازال في طور البناء والتشكل يسعى لبلورة وتأسيس قراءة منفتحة مبدعة وخلاقة يمكن وسمها بـ "القراءة العقلانية الروحانية" بوصفها قراءة تفيد من منجزات القراءة العقلانية التاريخية للوحي بنفَس نقدي، مثلما ترفض القراءة الحرفية للنص الديني، فضلا عن كونها قراءة تستحضر البعد الروحي للإنسان، باعتباره حاجة ملحة ضمن الحاجات الأنثروبولوجية لمن يمكن وسمه بـ"الإنسان الديني" (Homo religiosus).
إن ما يميز الخطاب القرآني هو تلك الخاصية الفريدة التي تنتمي، في أحد وجوهها، إلى ما سماه محمد إقبال ”العالم القديم“، لا من حيث مصدره وبنيته فحسب، بل أيضا من حيث اشتماله على عديد المظاهر التي هي بنات بيئتها، وفي وجه آخر، إلى ”العالم الحديث“ ”باعتبار الروح الذي ينطوي عليها“[20]. فالحاجة إلى مرجعية غيبية ميتافيزيقية، وورود العديد من التصورات الميثية (représentations mythiques) وتكريس جملة من القيم والممارسات الاجتماعية، كل ذلك يعكس ”نظرة إلى العالم“ لا تختلف اختلافا جوهريا عن تلك السائدة عند العرب ولدى جميع سكان المعمورة طيلة قرون عديدة، والتي يستحيل فرضها اليوم على من فرضت المستجدات التي طرأت على الحضارة الإنسانية في مختلف مجالاتها تغييرها تغييرا جذريا وقلبها أحيانا رأسا على عقب.
والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح اليوم: هل أراد الخطاب القرآني أن يقف بالإنسان عند حد معين لا يتجاوزه؟ وهل سعى فعلا إلى وسم ما أمر به وأرشد إليه بالإطلاقية؟ أم إنه، على العكس من ذلك، سعى إلى أن يفتح للإنسان آفاقا رحبة تجعله يتحمل المسؤولية كاملة فيما يتعلق بنمط عبادته وطرائق تنظيم شؤون حياته كلها. هاهنا ينبغي الإفصاح عن الوجه الثاني للخطاب القرآني، وهو الوجه الذي طمسه التاريخ وأنكر طاقته الإبداعية.
إنه ذات المعنى الذي أشار إليه محمد إقبال في ومضة مكتنزة ومضيئة بقوله: ”إن النبوة في الإسلام لتبلغ كمالها الأخير في إدراك الحاجة إلى إلغاء النبوة نفسها، وهو أمر ينطوي على إدراكها العميق لاستحالة بقاء الوجود معتمدا إلى الأبد على مِقود يقاد منه، وأن الإنسان، لكي يُحصل كمال معرفته لنفسه، ينبغي أن يُترك ليعتمد في النهاية على وسائله هو“. إن هذه الحاجة إلى إلغاء النبوة واعتبارها الدرجة التي تبلغ بها النبوة كمالها ليست ”ختما للنبوة من الداخل“، بما هو ختم يجعل من صاحبه أسيرا داخل الإطار الذي ينتمي إليه، لا سبيل له إلى الخروج منه وتجاوزه بأي شكل من الأشكال. إن الإمكانية الأخرى لفهم ”ختم النبوة“ بالمعنى الإقبالي، هي ختم لها من الخارج؛ أي إن هذا الختم يضع حدّا نهائيا لضرورة اعتماد الإنسان على مصدر في المعرفة ومعيار في السلوك مستمَدَّيْن من غير مؤهلاته الذاتية. إنه تدشين لمرحلة جديدة في تاريخ البشرية لا يحتاج فيها الإنسان، وقد بلغ سن الرشد، إلى من يقوده ويتكئ عليه في كل شيء.
إن قراءة النص القرآني من قبل أي قارئ كان، سواء من يكتشف عالمه للوهلة الأولى أو من اعتاد التعامل مع بنيته، تخلق لديه نوعا من الالتباس والاستشكال؛ ذلك أن بنية النص القرآني بنية قائمة على ما سماهُ الشيخ الأكبر في توصيفِ كتاباته بـ"التبديد"؛ ويسميه البعض اليوم بـ”اللانسقية“. فمع النص القرآني، نحن لسنا إزاء ”نص“ نسقي مغلَق، له بداية ووسط ونهاية؛ أو استهلال وعقدة وحل؛ أو أطروحة ونقيضها ثم تركيب، أو مقدمات وتحليل واستخلاصات؛ نحن لسنا إزاء مقدمات منطقية وبناء استدلالي متماسك يفضي إلى نتائج محددة. لذلك، فالعقل المُنَظَّم و"المنطقي"، قد يُعيد بناء المادة القرآنية وفق "بنيته المنطقية"؛ لكنه لا يستنفد الآفاق والمسارات والمسالك والقراءات الممكنة للنص القرآني، بحُكم ما يطبع النص من "قفز" و"تنوع" و"تناثر[21]". أو قل بحكم "بنيته اللانسقية". ولذا، حين يقرأ كثير من الغربيين اليوم النص القرآني مترجَما، يجدون عنتا في التواصل معه[22]؛ لأنه يقع خارج مألوفِ تقاليد الفهم في تعقلاتهم وقراءاتهم، ومن ثم يكونون دوما في حاجة إلى ترجمات تفسيرية تعيد "بناء" المعاني بشكل يحقق "استيعاب" النص القرآني في معقولية القراءة وتقاليدها النسقية. وتزداد صعوبة التعاطي مع النص القرآني ومحاولة فهمه، بالنسبة إلينا، نحن المعاصرين، كما يذهب إلى ذلك محمد أركون:
"بالنسبة إلى وعي حديث معتاد على تتبع استدلال منطقي، دعاء، وصف، سرد متضمن في نصوص مشكلة وفق تصميم صارم، يصدمنا النص القرآني بنظامه اللانسقي..."[23]. بهذا النحو الذي تشكل به النص القرآني إذاً، يصعب، على كل قارئ، الولوج إلى عالم النص بسبب غرابته ولغته الكلاسيكية، التي لا تسمح بالدخول إليه وفهمه خاصة بالنسبة إلى وعينا المشكل وفق أطر ثقافية مختلفة تماما. إن هذا الميسم اللانسقي يترجم طبيعة "العقلانية القرآنية"، بما هي فعل عقلي دينامي، "إنها عقلانية تتبدى في أسلوب من علاماته "التشذير" و"القفز" في المواضيع، و"التنويع" في الأساليب، والمزج بين الأمكنة والأزمنة، والجمع بين آفاق وسياقات ضمن مجاورات تحتفظ بسرية علائقها الدلالية التي تشكِّل موضوع استكشاف لا نهائي... حيث "تجعل هذه الخصيصةُ ذاتُها من "عقلانية" النص القرآني أفقا كونيا منفتحا على إعادة القراءة وإعادة البنينة وإعادة التشكيل "النسقي" وفق المعقوليات المتجددة للقراء المتجددين عبر تعاقب الأحقاب وتوالي الأزمنة وتغير العصور المعرفية، وهو ما يعني أن خصيصة "اللانسقية" واحدةٌ من معالم انفتاح النص القرآني على تعدد إمكانات البنينة والصياغة النسقية، حيث تتحقق هذه البنينة وهذه الصياغة بما يلائم المعقوليات المتجددة والصائرة والمتحولة حسب الأزمنة المعرفية المتغايرة. وهذه واحدة من علامات أبدية النص القرآني وتعاليه؛ إذ النصُّ النسقي المغلَق مهدَّدٌ بالتاريخية، فيما النص اللانسقي المفتوح يملك قدرة على محاورة المخاطَبين المختلفين تاريخيا، ومن ثم تصبح هذه الخصيصة علامة من علامات تعالي النص على مستوى الأسلوب، وضمانة من ضمانات مخاطَبةِ النصِّ للناسِ كافة في مختلِف الأزمنة والأمكنة، وبتغاير إبستيميات القراءة ومنطلقات استنطاقها. بهذا النحو، لا يفتر الوحي عن التنزل على عقول وقلوب المخاطَبين، ولا يكف الله عن مخاطبة الإنسان بالوحي الدائم؛ لدرجة يمكن معها القول: إذا كان للنص القرآني من معالم "إعجازية" خالدة، فهذه واحدة من أبرزها؛ أن يكون متعاليا ومطلقا في التاريخ المتغير والنسبي؛ وذلك عن طريق الانفتاح الدائم على إعادة الصياغة النسقية المتجددة، ومن ثم إعادة القراءة، حسب أسئلة وانشغالات وأدوات ومحددات كل عصر من العصور المعرفية المتناسخة.
إن تغيير مكان القراءة يتيح اكتشافا متجددا للمنطق الداخلي للنص القرآني. بعبارة أخرى، إن ما يعتبر "لا نسقية" من قبل العقلانية المنطقية النسقية الخارجية، يعد حاجبا عن قراءة خصوصية النسيج القرآني الذي يتيح بعلائقه الداخلية الخاصة المحتفية بالتشذير والتبديد، إمكان بناء هيرمينوطيقي لأنساق قرآنية داخلية لا نهائية، وتعد القراءة "الكاووسية" لعبد النور بيدار واحدة منها...بشرط أن نعيد النظر في مفهوم النسق نفسه، لفهمه خارج دائرة الانغلاق التطابقي لمفهوم النسق، وجعله مثلا يستوعب الاختلاف، بل التناقض ولا يعتبره مبددا لهوية النسق...المطلوب، إذاُ، هو الاجتهاد في اكتشاف أدوات ومفاتيح قرائية لفهم التشكيلات الخطابية القرآنية، وجدلياتها، ومن ثم اكتشاف تلك التشكيلات وفق معقوليات ما تفتأ تتجدد. وهذا عمل يستلزم الإقامة في جدلية الداخل والخارج في العلاقة مع النص القرآني، بحيث تسعف المناهج المستجدة في المساعدة على اكتشاف أدوات قرائية قرآنية، يتيح النص القرآني إمكانها...وهنا سيفتح التشذير والتبديد النص للدخول إليه من أبواب متفرقة. هاهنا، بوسعنا استلهام نموذج "القراءة" التي قدمها عبد النور بيدار في كتابه "نحو إسلام يليق بزماننا"[24]، حيث ذهب إلى أن تلك اللانسقية في النص القرآني هي المعادل الموضوعي اليوم للكاووس الذي يخترق المجتمعات الغربية ما بعد الحداثية، حيث تشكل تلك الخصيصة أمراً ملهِما للمعنى في سياق تبديد المعنى المميِّز لزمن ما بعد الحداثة. ولعل هذه الخصيصة هي التي تجعل اليوم القراءة العرفانية الأكبرية المنفتحة والمنشرحة للنص القرآني[25]، والمبثوثة في كتابة تبديدية منسجمة مع لا نسقيةِ الوحي المجموع في مدونة مغلقة؛ تجعل تلك القراءة متوافقة مع الأفق ما بعد الحداثي الذي يحتفي بالكتابة الشذرية التي تشذِّر الزمان، وتجعله لا خطيا، بل زمانا دائريا، وتنفر من الخطية والاتجاهية الأحادية إلى نوع من "العود الأبدي" بالمعنى الفلسفي المعاصر.
خاتمة:
إذا كانت اللانسقية، إذاً، هي ما يسم النص القرآني، فكيف لا يكون هذا النظام "الفوضوي" الذي يحكم بنيته أكثر التباسا واستشكالا بالنسبة لوعينا الحديث. ألا يمكن، على العكس من ذلك النظر بنوع من المماثلة بين هذه البنية الكاووسية (structure chaotique) للنص المقدس وبين فوضانا الداخلية؟ إن انفتاح النص اللانهائي وتشظيه يشكل، في الآن ذاته، كرمه وعطاءه غير المسبوقين لنا، نحن المعاصرين؛ لأنه يدل بنحو رمزي على نظامنا الكاووسي. لذلك، ولأجل استجلاء كاووس العالم المعاصر، يتعين علينا التفكير والتأمل في هذا النوع من اللانظام الذي يمنحنا إياه النص القرآني. فانطلاقا من تعرجاته والتواء مساراته، تكراراته المفاجئة وغير المتوقعة وخروجه عن موضوعاته التي يعالجها، يبدو وكأنه كُتِب خصيصا لإنسان العصر الحديث؛ ذلك أننا اليوم إزاء نص مقدس تم تشكيله وفق مبدأ الكاووس الذي يخترق تجربتنا نحن وعالمنا المعاصر على حد سواء. إن فوضاه، وانفلاته من قبضة التوقعات، وطريقته في خلق المفارقات والتناقضات، وفي كونه دائم التشكل... تجعل منه نصا عظيما يليق بزمننا الحالي. لكون بنيته، بذلك النحو، تعكس تماما مفارقات النفس البشرية والسباق الأعمى الذي تعرفه المجتمعات المعاصرة. يمنحنا النص القرآني، بكرم لا مثيل له، المثال المقدس لوجودنا ولما نعيشه، لأجل ذلك يستحق أن يكون قرآنا كريما مثلما بوسعه أن يكون طوق نجاة للحداثة الغربية.
للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا
_______________________________________________________________
قائمة المصادر والمراجع
*-القرآن الكريم برواية ورش
أ- الكتب
- عبد الإله بلقزيز، نقد التراث، ص 68، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، نونبر 2014
- -------، الديني والدنيوي: نقد الوساطة والكهنتة، منتدى المعارف، الطبعة الأولى، بيروت، 2018
- عبد الله العروي، "السنة والإصلاح"، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2008
- عبد الجبار الرفاعي، إنقاذ النزعة الإنسانية في الدين، مركز دراسات فلسفة الدين- بغداد، الطبعة الثانية، 2013
- علي حرب. نقد النص، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء ـ بيروت الطبعة: الرابعة 2005.
- محمد أركون، “قراءات في القرآن“، ترجمة هاشم صالح، دار الساقي، بيروت، 2017
- محمد إقبال، تجديد التفكير الديني في الإسلام، دار الكتاب المصري، القاهرة، 2011
- محمد التهامي الحراق. إني ذاهب إلى ربي / مقاربات في راهن التدين ورهاناته. دار أبي رقراق، الرباط، ط 2016
- محمد التهامي الحراق، "في الجمالية العرفانية...من أجل أفق إنسي روحاني في الإسلام"، دار أبي رقراق، الرباط، 2020
ب- المقالات
- عبد القادر بودومة، النص وآليات القراءة. http://www.aljabriabed.net/n45_11bouduma.htm
*- المراجع الأجنبية
- "Comment lire le Coran ? ",préface à la traduction du Coran de Kasimirski, Flammarion,1970
- Abdennour Bidar. Un islam pour notre temps. Éditions du Seuil. 2004
- Marc-Alain Ouakin, Le Livre brûlé, Lieu Commun, Paris, 1986.
[1] د. عبد الجبار الرفاعي، إنقاذ النزعة الإنسانية في الدين، مركز دراسات فلسفة الدين- بغداد، الطبعة الثانية، 2013
[2] د. عبد الإله بلقزيز، سلطة النص، سلطة التأويل: من أجل إسلاميات نقدية. من المحاضرة التي ألقاها الدكتور عبد الإله بلقزيز بدعوة من مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث بصالون جدل الثقافي التابع للمؤسسة بمدينة الرباط. المغرب بتاريخ السبت 13 مايو 2017.
[3] نفسه. ص 4
[4] د. عبد الإله بلقزيز، نقد التراث، ص 68 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، نونبر 2014)
[5] نفسه. ص 70
[6] نفسه. ص 71
[7] د. عبد الإله بلقزيز. سلطة النص، سلطة التأويل: من أجل إسلاميات نقدية. ص 6
[8] Marc-Alain Ouakin, Le Livre brûlé, Lieu Commun, Paris, 1986, p.88
[9] د. محمد التهامي الحراق. مباسطات في الفكر والذكر.. دار أبي رقراق، الرباط، ط 2019، ص. .19
[10] Abdennour Bidar. Un islam pour notre temps. Éditions du Seuil. 2004
[11] Abdennour Bidar. Un islam pour notre temps. p 14
[12] د. محمد التهامي الحراق. مباسطات في الفكر والذكر.. دار أبي رقراق، الرباط، ط 2019، ص. .30
[13] سورة النور، الآية 39.
[14] Bidar Abdennour; « Un islam pour notre temps »; p.103
[16] عبد القادر بودومة. النص وآليات القراءة. http://www.aljabriabed.net/n45_11bouduma.htm
[17] د. محمد التهامي الحراق. إني ذاهب إلى ربي / مقاربات في راهن التدين ورهاناته. ص. 30. دار أبي رقراق، الرباط، ط 2016
[18] د. محمد التهامي الحراق. نفسه. ص 32
[19] علي حرب. نقد النص. ص 14
[20] محمد إقبال، تجديد التفكير الديني في الإسلام، دار الكتاب المصري، القاهرة، 2011، ص 144
[21] عبد الله العروي، "السنة والإصلاح"، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2008، ص.74
[22] محمد أركون، “قراءات في القرآن“، ترجمة هاشم صالح، دار الساقي، بيروت، 2017، ص.82
[23] "Comment lire le Coran ? ",préface à la traduction du Coran de Kasimirski, Flammarion, 1970, page 11
[24] Abdennour Bidar; « Un islam pour notre temps »; p.98-99
[25] محمد التهامي الحراق، "في الجمالية العرفانية...من أجل أفق إنسي روحاني في الإسلام"، دار أبي رقراق، الرباط، 2020، ص. 36-37.