نشأة الهرمينوطيقا في الفكر الغربي


فئة :  مقالات

نشأة الهرمينوطيقا في الفكر الغربي

نشأة الهرمينوطيقا في الفكر الغربي

أتت لفظة الهرمينوطيقا Hermeneutics من الفعل اليوناني Hermeneuein، ويعني «يفسِّر»، ومن الاسم Hermeneia، ويعني «تفسير»[1]، ويرتبط لفظ «(hermenea)، من حيث الاشتقاق، باسم الإله هرمس (Hermes)، وسواء كان الاشتقاق ليس له أصلاً تاريخيا، أو كان له أي أصل تاريخي، فإن دلالته تكمن في تحديد المهمة التي يقوم بها 'الهرمانيوط' (hermeneut)، وتماهيها مع مهمة ذلك الإله؛ أي بوصفه رسولاً (angelos)، وخصوصا كونه رسولاً بين الآلهة والبشر»[2]، ففي المعتقد اليوناني لا يعد هرمس إلهاً ولا بشراً، بل روحاً ينقل رسالة الآلهة إلى البشر، كما ينقل أشياء معينة من البشر إلى الآلهة، وهذا ما يقصد بأن دلالة لفظ الهرمينوطيقا تتماهى مع وظيفة هذا الرسول angelos، حيث إنه بمنزلة وسيط بين العوالم[3]، وهذا ما يمكن أن يقال عن الهرمينوطيقا إنها القواعد المنهجية التي يمكن من خلالها صناعة مساحة مشتركة مع النص تمكن من وجود سبل إلى فهم ما به من معنى. وينسب اليونانيون اكتشاف اللغة والخط إلى الإله «هرمس»، وهما وسيلتا نقل الأفكار والمعاني إلى الآخرين؛ وعليه كانت مهمته الأساسية التفهيم، والتي تلعب فيها اللغة دور البطولة بطبيعة الحال[4]. ويشير غادامير Gadamer (1900-2002) إلى أن مهمة هرمس -كما تطرحها الثقافة الإغريقية- تشبه إلى حد كبير مهمة المؤول Heremeneus، كون التأويل الموضوعي يعد نقلاً وإيضاحاً لعبارات غريبة ومبهمة وغير معروفة لدى الثقافة المستقبلة، وجعلها ألفاظاً جليةً ومفهومةً للجميع[5].

والهرمينوطيقا Hermeneutics لا تعني التفسير، بل هي ما يمكن أن نطلق عليه قانون أو آلية التفسير أو منهج التفسير[6]، أو كما يراها نصر حامد أبو زيد «هي معضلة تفسير النص بشكل عام، سواء أكان هذا النص تاريخياً، أم نصّاً دينياً. والأسئلة التي تحاول الإجابة عنها -من ثم- أسئلة كثيرة معقدة ومتشابكة حول طبيعة النص وعلاقته بالتراث والتقاليد من جهة، وعلاقته بمؤلفه من جهة أخرى. والأهم أنها تركز اهتمامها بشكل لافت على علاقة المفسر (أو الناقد في حالة النص الأدبي) بالنص»[7]. فالهرمينوطيقا في مرحلتها المنهجية خاصة منذ دلتاي يمكن عدّها ببساطة القواعد والإشارات العامة لتقنين وتنظيم عملية التفسير، وهي ما يمكن أن يطلق عليه منهج التفسير.

إن التفكير الإنساني لم يتطرق إلى وضع نظرية وقواعد للتفسير حتى القرن السابع عشر، وإذا كان للفظة الهرمينوطيقا Hermeneutics تداول في كتابات عديدة منذ أفلاطون وأرسطو وصولاً إلى العصر الحديث، فإنها لم تطرح بمفهومها المعاصر وبدأ التفكير فيها بهذا الشكل (كنظرية للتفسير) وظهور دراسات منتظمة ومترابطة تحت فرع الهرمينوطيقا قبل القرن السابع عشر، ويذكر غادامير أن أول ظهور للفظة الهرمينوطيقا -كمنهج للتفسير- كان في عنوان كتاب (جون كونراد دانهاور Johann Conrad Dannhauer) عام 1654 (*)، وعدّت كلمة التأويل سمة هذه العصور، خاصة مع ظهور النزعة المنهجية في الفكر الإنساني وتشكل المفهوم الحديث للعلم والمنهج، وأصبح الوعي المنهجي مسألة لا تنفك عن المفهوم الحديث للهرمينوطيقا[8].

وعلى الرغم من أن شلايرماخر Friedrich Schleiermacher (1768-1834) يعد أبا الهرمينوطيقا الحديثة، حيث إنه جعلها فنّاً مستقلاً بذاته عن أي مجال من المجالات المعرفية الأخرى، وحرص على وضع معايير عامة ضرورية لعملية الفهم[9]، فإن هناك تجارب تسبقه في هذا الخصوص. فهذا كلادينيوس Chladenius ينادي بتأسيس مبحثٍ منفصلٍ للتأويل يتميز عن كلٍّ من فقه اللغة (الفيلولوجيا) ونقد النصوص، وكان السؤال الأساسي الذي يشغله هو: هل بالإمكان وضع قواعد أو أحكامٍ لعملية التأويل؟ وجوابه المبدئي الذي حاول بكل جهده أن يبسطه ويتوسع فيه هو كما يتوقع كل من آلَم بالروح المناهجية السائدة في عصر التنوير، قال: «نعم، فإذا ما اتبعنا مجموعةً من القواعد السديدة، فمن الممكن أن نصل إلى التفسير الصحيح والكامل»[10] كما يعد بعض الباحثين كرستيان فولف Christian von Wolff مساهماً بشكل كبير في العمل على استقلال الهرمينوطيقا وتطويرها، حتى عُدّ تاريخ الهرمينوطيقا في القرن التاسع عشر، إما رفضاً لمبادئ فولف أو تطويرها[11]. والواقع أن أغلب المشتغلين بالهرمينوطيقا يعدّون شلايرماخر واضع الأسس النظرية للهرمينوطيقا، فيصرح غادامير أن «المهمة التي يتطلع إليها شلايرماخر هي بالضبط فرز إجراء الفهم، فيحاول أن يجعله منهجاً مستقلاً قائماً بذاته»[12]. وقد كان فكر شلايرماخر وجهوده ينصبان على محاولة تنظيم عملية الفهم واستخلاص قواعدها وتحويل عملية الفهم إلى عملية منظمة؛ وذلك بتنظيم الملاحظات المتفرقة في وحدة مترابطة منهجياً؛ فالفهم في نظره تابع لقوانين وقواعد بإمكان الإنسان اكتشافها وصياغتها وبلورتها واتباعها، فمن الممكن أن يصطلح البشر على قواعد منهجية تنظم عملية الفهم تجعل منها عملية أقرب إلى الموضوعية من الذاتية. لهذا لم تتوقف جهوده عن اكتشاف القوانين وصياغتها، بل كان يرمي إلى أن يعمل على نشأة علم منهجي للفهم؛ بإمكانه أن يرشدنا إلى استخلاص المعنى من النص بالتأويل[13].

لقد وضع شلايرماخر الحدود الفاصلة بين العلم المنظم من الناحية المنهجية وتلك المجالات والعلوم التي يطبق فيها هذا المنهج. فقد وضع التمايز بين منهج وقواعد الفهم وعملية الفهم ذاتها، فلم تعد الهرمينوطيقا تعني التفسير، كما كانت في التاريخ المعرفي، بل أضحت تمثل الآلية التي تسير وفقها عملية استخلاص وفهم المعنى من النص؛ إذ لم يعد يُنظر إلى الهرمينوطيقا على أنها مجال تابع للاهوت أو الأدب، أو تفسيراً لكليهما، بل إنها أصبحت تمثل فن الفهم[14].

ولأن الحاجة هي المحرك للفكر الإنساني بصفة عامة؛ فلابد أن تكون الهرمينوطيقا جواباً أو صدى لحاجة ألحت على الفكر الإنساني، مما دفعته إلى العمل على إيجاد منهج يعمل على تقنين وتسيير عملية الفهم والتفسير. وقد ظهرت الحاجة إلى وجود منهج وقواعد للتفسير مع ظهور نزعة الاستقلال عن الكنيسة في عصر التنوير، ومحاولات الحد من سلطة رجال الكنيسة، وظهور نزعة التفكير العلمي التي عملت على تراجع التفكير الخرافي وتبدي السمة المنهجية التي عُرف بها هذا العصر. في هذا السياق، وجد العقل الإنساني (في هذه البقعة) نفسه أمام تحديات عديدة من أهمها؛ تقنين ومنهجة عملية التفسير، ومحاولة تحجيم العنصر الذاتي داخلها، لضمان عدم وقوع النص الديني تحت أهواء رجال الدين الذين نصبوا أنفسهم مالكين لحقيقة النص. ومثلت عملية التقنين هذه جزءاً كبيراً من آليات الحد من سلطتهم المتفشية داخل الاجتماع الإنساني في هذا العصر.

إن حديث كانط حول عجز الإنسان عن إدراك الأشياء في ذاتها، والكشف عن دور الذات في الحكم، حيث إنها تضفي ما بداخلها على الأشياء حتى تراها كما يتبدى لها[15]. وما قدمه كانط من نقد لملكات العقل، حوٌل الأنظار إلى إبستمولوجية المعارف الإنسانية، وواجه العديد من المفكرين قضية بناء المعرفة الإبستمولوجية (التي لا تحمل ميلاً أو تحيزاً)، وطُرحت تساؤلات عديدة عن المعرفة المناسبة لفهم النصوص، والمقصود بفهم النص[16] وظهرت محاولات تحديد وفهم علاقة المفسر بالنص، وهي كانت مهملة داخل الدراسات الإنسانية منذ أفلاطون حتى العصر الحديث، فكان للمؤلف وعلاقته بالنص دور البطولة في الدراسات الأدبية حتى العصر الحديث[17].

الهرمينوطيقا بوصفها فَنِ تجنب سوء الفهم

استثمر الفيلسوف ورجل اللاهوت المسيحي شلايرماخر جهوده للإجابة عن سؤال «ما المقصود بفهم النص؟» وأفضت محاولاته إلى القول بضرورة وجود علم ومنهج يدرس ويسيِّر عملية الفهم تبعاً لقواعد مرضية للعقل الإنساني، تعمل على تحجيم الدور الذاتي في فهم النص واتساع المساحة الموضوعية في عملية التأويل. وقد ركز شلايرماخر على قضية فهم النصوص، كون الإنسان يقع في أغلب محاولات الفهم - خاصة فهم النصوص- في سوء فهم. مما جعله يقدم مشروعه مرتكزاً على كيفية تجنب سوء الفهم، وعمل على وضع قواعد وقوانين تحكم عملية فهم النصوص. فلم ينظر «إلى عقبات الفهم وإخفاقاته على أنها عرضية، وإنما عناصر أساسية يجب تجنبها مقدما، لذلك يعرف التأويلية بأنها 'فن تجنب سوء الفهم'»[18] وتحاول هرمينوطيقا شلايرماخر تفادي سوء الفهم، وتضييق حدود العنصر الذاتي، وهي المعنية بحدِّ ورسمِ عملية الفهم وصياغة قوانينها.

وتشمل قوانين وقواعد المنهج المتبعة لتجنب سوء الفهم جانبين: أولهما الجانب الموضوعي في النص، وتمثله اللغة كقاسم مشترك ما بين المؤلف والمؤول، والجانب الآخر هو سيكولوجية المؤلف، لمحاولة إدراك كنه النص والوصول إلى حقيقته من خلال خلق قاعدة مشتركة بين المؤلف والمؤول. ولكي تأتي محاولة فهم النص بثمارها في جانبيها الموضوعي والذاتي، يرى شيلايرماخر «الحلَّ الإيجابي متمثلاً في مجموعة من القواعد النحوية والسيكولوجية للتأويل»[19] فتمثل القواعد النحوية التأويل اللغوي، فهي تعطي الحدود والبنية التي يعمل من خلالها الفكر وتؤطر العملية الفكرية، حيث إن اللغة هي الفكر في صورته المنطوقة. ولم يغفل شلايرماخر الدور السياقي في فهم النص؛ فالتأويل السيكولوجي يتجه صوب إدراك فردية المؤلف وعبقريته، ومن ثم يتطلب اندماجاً وفهماً وجدانياً مع المؤلف، وإعادة معايشة للمواقف الذهنية للمؤلف للوصول إلى الحقيقة الكامنة في النص[20]، بل إنه يقول بالتماهي مع المؤلف، والتماهي لا يعني التساوي بل الاندماج، ويصرح شلايرماخر بأن الهدف فهْم الكاتب أكثر مما فهم نفسه[21]. ولا يُفهم من هذا أنه يحاول دراسة الدوافع والبواعث السيكولوجية للمؤلف، بل هي بمنزلة عملية استحضار فكر المؤلف داخل المؤول للوصول إلى ما يقصده في النص.

وقد أصل شلايرماخر لعلم الهرمينوطيقا، كعلم ومنهج مستقل يعمل على دراسة النصوص كافة، وأخرج الهرمينوطيقا من السياق اللاهوتي، فلم تكن هناك هرمينوطيقا عامة، بل أفرع متباينة، كالهرمينوطيقا الفيلولوجية، واللاهوتية، والقانونية. وكانت الهرمينوطيقا الفيلولوجية عبارة عن مجموعة من القواعد والإرشادات المعدة لحوادث لاهوتية ولغوية بعينها، خالية من أي ترابط منهجي[22]. لهذا يعد شلايرماخر أول من وضع أولى لبنات البناء الهرمينوطيقي (فن الفهم). فنجد أنه «في عبارة افتتاحية لمحاضراته في الهرمينوطيقا يقول: 'الهرمينوطيقا بوصفها فن الفهم لا وجود لها كمبحثٍ عام، فليس هناك غير كثرةٍ من الأفرع الهرمينوطيقية المنفصلة'، وهو بذلك يعلنُ في جملة واحدة، عن هدفه الأساسي: تأسيس هرمينوطيقا عامة بوصفها فن الفهم»[23]. وبالرغم من أنه كان في جزءٍ منه لاهوتياً، فإنه عمل على وجود علم يدرس عملية فهم النص في ذاتها بعيداً عن ماهية النص (تشريعياً، دينياً، أدبياً). مما يجعله يؤكد أن فن التأويل واحد في ماهيته، ويسمح هذا بأن يطور كل مجال أدواته النظرية الملائمة لمشكلاته الخاصة[24].

وعملية الفهم عند شلايرماخر عملية دائرية، وهي عبارة عن جدل بين النص ككل ومكوناته؛ فلا يمكن فهم الجملة بمعزل عن السياق العام للنص، كما أن النص بمعناه الكلي يتوقف على الجملة، وكذا المفردة لا يمكن فهمها بمعزل عن الجملة، وتعتمد الجملة أيضا في بناء معناها على المفردة، فهي عبارة عن علاقة جدلية بين الجزء والكل، فكل منهما موضحة ومكملة للأخرى[25]، فهي بمنزلة عملية حوارية بين المؤول والنص، وشريطة الحوار وجود قاعدة مشتركة، فلا يمكن أن ينتج حوار بين فردين يتحدثان لغتين مختلفتين، لابد أن يتعلم أحدهما لغة الآخر ويستحضر معاجمها معانيها خلال الحوار، وعلى هذا يوجب حوار المؤول مع النص أن يستحضر لغته ومفرداته وسياقاته حتى يتمكن من الوصول إلى حقيقته[26]. فمن خلال قراءة جزء من النص يمكن للمؤول أن يكوِن تصوّراً كلّياً عن النص، وكلما تقدم في قراءة النص يفرض النص تصوراً آخر، ويتغير المعنى بطبيعة الحال، فالعملية التأويلية تعد عملية دائرية تنتقل من التصورات بين الكل والجزء.

الهرمينوطيقا بوصفها فهماً للحياة

بعد وفاة شلايرماخر تراجعت الهرمينوطيقا إلى طور الهرمينوطيقا الفيلولوجية، واللاهوتية والقانونية، ولم تستقر كمنهج لتنظيم عملية فهم النص كما أرادها شلايرماخر. وفي أواخر القرن التاسع عشر، عرف الفكر الإنساني نمطاً وشكلاً آخراً للهرمينوطيقا على يد الفيلسوف الألماني فيلهلم دلتاي Wilhelm Dilthey (1911-1833)، بوصفها ركيزة تقوم عليها العلوم الإنسانية[27]، ومنهجاً لفهم التاريخ كلياً، بل إنه يوسعها لتصبح منهجاً للعلوم الإنسانية[28]؛ فعلى حد قول عبد الرحمن بدوي: «سعى دلتاي إلى إيجاد ثورة 'كوبرنيكية' في علوم الروح (ما يسمى الآن العلوم الإنسانية)؛ وذلك بتأسيس علم تجريبي بالظواهر الروحية (= العقلية)»[29]، فخرج بها من حيز النصوص إلى تأويل التاريخ الإنساني ككل (من إيماءات، وعلامات، وأفعالٍ تاريخية، وصياغات قانونية، وأعمال فنية، وأدبية.....)[30]. وكما قال عادل مصطفى: «كان هدف «دلتاي Dilthey» تشييد مناهج للوصول إلى تأويلات «صائبة موضوعياً» لـــــــ'تعبيرات الحياة الداخلية'»[31].

وقد انطلقت هرمينوطيقا دلتاي من الخبرة الواقعية والعينية، لا من التأمل النظري؛ فالنص عند دلتاي لا يعبر بالضرورة عن ذات المبدع بقدر ما يعبر عن الظروف التاريخية والاجتماعية التي شكلت الواقع الذي تجسد في تجربة المبدع[32]؛ وعليه فعمليات فهم الإبداعات الفردية «ليست العمليات الباطنة في الشاعر، بل الرابطة التي أُبدعت في هذه العمليات، وإن كانت منفصلة عنها»[33]، فلم يكن الإنتاج المعرفي للإنسان سوى تجل للظروف والتفاعلات الاجتماعية، معبراً عن واقعه التاريخي. فتجربة الحياة عند دلتاي تظهر في أكثر أشكالها اكتمالاً ومثالية لدى الفن بوجه عام والأدب بوجه خاص. إن الفكر والفعل الإنساني لا يحملان الخصوصية ولا العمق اللذين يحملهما الفن تجاه تجربة الحياة، والفكر والفعل الإنساني تجليات لتجربة الحياة بطبيعة الحال، ولكنهما يفتقدان قوة وحيوية الفن[34]. وقد تجاوز دلتاي صيغة التعامل مع النص كغاية في ذاته يحاول فك طلاسمه وفهمه، إلى عًدّه معبراً عن الغير وعن الظروف الاجتماعية والسيكولوجية والتاريخية التي أنتجته، ومن هنا يعد النص ذاته علامة في هرمينوطيقا دلتاي[35].

إذا كانت العديد من النظريات ترى أن العلوم الإنسانية تقف عند حد تحليل الأطر الاجتماعية والعادات والتقاليد، ودور مؤسسات الدولة والأحداث التاريخية، فإن دلتاي يتجاوز هذا الأمر، فالهدف من العلوم اللاإنسانية لديه هو كيفية تشكل العالم بأفضل صورة من خلال أنشطتنا الإنتاجية بمختلف أنواعها[36]. وهدفها مرهون بمعرفة الإنسان ودوافعه، واحتياجاته، وفهم الحياة ومتطلباتها. ولا يمكن أن يكون الإنسان في حالة اغتراب تام عن الآخر؛ فالآخر يحاول تقديم نفسه من خلال العلامات (النصوص والإيماءات والأحداث، ....)، وتحاول الأنا الوصول إلى مراد هذه العلامات وفهمها[37]، وما من وسيلة لفهم أنفسنا وفهم الحياة أفضل من دراسة التاريخ، فمن خلال التاريخ يأتي فهمنا لأنفسنا وللحياة، وتتمثل إشكالية فهم الإنسان في محاولة استرداد وعيه التاريخي[38]، فالتاريخ يحمل الذات والموضوع في آن واحد بالنسبة إلى الإنسان؛ فهو من صنع يده، وهو أيضاً موضوع دراسته؛ فالمعرفة التاريخية يتحد فيها العنصر الخارجي والعنصر الباطني[39]. ويتجلى الفكر الإنساني في التاريخ، ويعدّ الأفراد ألسنة التاريخ والمعبرين عنه بالكلمة المكتوبة، وعلى الإنسان الالتزام بالعملية الإبستمولوجية تجاه التاريخ وبذل المحاولات الجاهدة التي تحول دون الانحراف الأيديولوجي في تفسير التاريخ، وعليه يتحتم وجود نظرية للتفسير تناشد المعرفة مستعينة بالنطق؛ محاولة قراءة الإنسان وتجلياته في التاريخ، والتي تعد عنصراً أساسياً -إن لم يكن رئيساً- في العلوم الإنسانية لدى فيلهلم دلتاي[40]. ومن ثم، فقد دَرَس العلوم الإنسانية مرتكزاً على تاريخية الوجود اللاإنساني: فالإنسان ينشأ داخل المجتمع والتاريخ، فهو كائن تاريخي مقيد بالزمان، يوجد في فترة زمنية محددة، ويتحدد وجوده من خلال التفاعلات الاجتماعية التي هي الأخرى تاريخية[41]. ويرى دلتاي أن عالم الإنسان من عمل الإنسان، فهو يتشكل من علاقات الأفراد ببعضهم؛ ومعنى هذا أن المعرفة مشروطة تاريخياً[42]، ونسبية بالنظر إلى فترة وسياق نشأتها.

ويُعرِّف الفهم على أنه «عملية إدراك الحقائق الروحية من وراء العلامات المستقبلة من قبل حواسنا»[43]، فالفهم هو: محاولة قراءة ما خلف العلامات لإدراك الحقائق المكنونة داخلها، وكما يقول بول ريكور: كان ينظر إلى التاريخ «كوثيقة الإنسان الكبيرة، كأهم تعبير عن الحياة»[44]؛ ومن ثم تعدّ رحلة فهم الإنسان لنفسه بمنزلة جولة هرمينوطيقة داخل التاريخ، وبناءً على هذا يتخذ دلتاي تأويل التاريخ أساساً فلسفياً لعلوم الروح (الدراسات الإنسانية). ويرفض دلتاي تبني وميل بعض النظريات لإقامة العلوم الروحية (الدراسات الإنسانية) على مناهج وطرائق تفكير العلوم الطبيعية[45]، وفقاً لاختلاف طبيعة كل منهما.

ومن هنا يمكن أن يقال عن هرمينوطيقا دلتاي إنها «نظرية لتفسير الحياة الداخلية»؛ أي نظرية لتفسير كل ما أتى به ويأتي به الإنسان. ويلتفت إلى الدور التاريخي في المعرفة الإنسانية، ويعمل على إعادة تسويغ العقل التاريخي[46]، ووضع كيفية ومنهج للمعرفة التاريخية وإثبات إمكانها، وعلى نطاق أوسع منهجة العلوم الروحية[47]. لذلك تعدّ الهرمينوطيقا (نظرية الفهم) الأساس المنهجي الذي تقوم عليه العلوم الإنسانية؛ فالفهم (Verstehen) عند دلتاي هو عملية شرح وتحليل كل ما يتلقاه الإنسان والربط بين أجزائه وتأويله[48]. وفق تعبير بول ريكور تعدّ هرمينوطيقا دلتاي «إدراك الكائن لتاريخه الكوني، كونية الكائن»[49].

ويعدّ دلتاي أول من قام بتعميم مفهوم الهرمينوطيقا على العلوم الإنسانية، وقد سعى كما قال: «ريمون أرون (*) Raymond Aron» إلى إقامة (فلسفة الإنسان ككائن تاريخي)[50]، فالفهم وفقا لما سبق سرده من تعريفات هو: محاولة إدراك وتفسير الحياة من خلال التاريخ، فالحياة عنده تتبدى وتظهر فيما ينتج الإنسان، والفهم ليس غاية في ذاته، بل إنه وسيلة لمحاولة ترتيب الحياة وتوظيفها على أفضل صورة ممكنة بالنسبة إلى العقل الإنساني. وتكون نظرية الفهم (الهرمينوطيقا) بمنزلة منهج تبنى عليه العلوم الروحية الخاصة بفهم الحياة، وتعدّ أساساً معرفياً ترتكز عليه العملية الإبستمولوجية.

الهرمينوطيقا كوجود

وإذا انتقلنا إلى الهرمينوطيقا عند هايدغر Martin Heidegger (1889-1976)، فإنها تتخذ معنى أكثر شمولية، فلم تعد تعمل على تفسير النصوص كما صاغها شلايرماخر، أو فهم الحياة من خلال التاريخ وما وراء النص كما تحدث عنها دلتاي. فهايدغر يقدم التأويل بوصفه ديناً فلسفياً، فالهرمينوطيقا عنده «كشفاً عن حقيقة أو معنى ظواهر الوجود الإنساني»[51] ومهمة الفيلسوف تتحدد لديه في إيضاح معنى الوجود من خلال الإشارة إلى الموجودات[52]. من هنا تعد مهمة التأويل واجباً على كل إنسانٍ واعٍ في العالم، لا سيما الفيلسوف بطبيعة الحال. فقد كان هايدغر يبحث عن طريقةٍ يمكن للمرء بها أن يكشف النقاب عن الوجود ذاته، لا عن مجرد أهوائه وتحيزاته وأيديولوجيته؛ فالوجود عنده لا يقبل البرهان، بل الإيضاح والكشف، والأشياء تظهر عنده من خلال عمليات الفهم والتأويل[53].

فحقيقة أو معنى الظواهر الإنسانية لا تكون واضحة ومعطاة لنا بصورة مباشرة، ومن ثم فهي بحاجة إلى تفسير (نشاط هرمينوطيقي) والحقيقة عند هايدغر «أليثيا» (aletheia)، وتعني حرفياً (اللاتحجب) أو كشف الحجاب[54]. من هنا تعد عملية التفسير تمثل السماح للحقيقة بأن تظهر أو تتكشف وتخرج من حالة التحجب[55]، فتصبح الهرمينوطيقا عند هايدغر بمثابة منهج لإحضار الموجود من تحجبه، عن طريق التفسير الذي يقوم على الوصف[56]. وافتقاد الإنسان الدائم إلى حقيقة الوجود المتحجبة، يجعله يسعى دوما نحو اكتمالها[57] من خلال معرفة الظواهر والأدوات من حوله، وتتم العملية المعرفية من خلال السماح للأشياء بأن تظهر وتتكشف.

هنا تنحو هرمينوطيقا هايدغر منحىً فينومينولوجياً، ويطلق عليها هايدغر الفينومينولوجيا التأويلية، ولا يفهم من هذا أنها أحد افروع فينومينولوجيا أستاذه «إدموند هوسرل Edmund Husserl (1859-1938)»، بل إنها أكثر من ذلك؛ فهايدغر يعود إلى الجذور اليونانية للفظ فينومينولوجيا Phainomenology ويرى أنه مكون من جزئيين Phainomeno و Logos، والجزء الأول من الكلمة يشير إلى الأشياء التي تظهر في الضوء أو المعرضة للضوء، والذي جعله اليونانيون مكافئاً لما هو كائن، فهو يعني تلك الأشياء العيانية التي يمكن للإنسان تعينها وتحددها من خلال الضوء في مكان وزمان محددين.

أما نصف الكلمة الآخر Logos، فيري هايدغر أنها تدل على الكلام، وليست على الفكر. إنها بمثابة إظهار وانكشاف للفكر من خلال ترجمته في صور كلامية منطوقة أو مكتوبة، بل إن الأشياء نفسها تظهر من خلال اللغة، فهي تعني «ترك الشيء يظهر»[58]، ويلخص عادل مصطفى معنى الفينومينولوجيا في فكر هايدغر بأنها تعني أن «نترك الأشياء تظهر على ما هي عليه دون أن نُقحم عليها مقولاتنا الخاصة»[59]، والفينومينولوجيا بهذا المعنى تعد فينيومينولوجيا هرمينوطيقية، فالفهم لم يعد قائماً على المقولات والوعي الإنسانيين، بل هو ظهور الشيء وانكشافه.

والإنسان عند هايدغر ليس موجوداً حرّاً حرية كاملة، بل إنه موجود متعين، مقيد بالحيز الأنطولوجي الذي وجد فيه، وعلى مدى هذا الوجود، يكون فهمه محدداً للوجود المكتمل[60]. فالفهم الإنساني يمثل القدرة على التعامل الحياتي من خلال ممكنات وجوده وحيزه، وقدرته على إدراك الوجود في سياق العالم الحياتي الذي وجد فيه الفرد؛ فالفهم ليس موهبة خاصة أو قدرة معينة على الشعور، بل إنه شعور متأصل مصاحب لكل إنسان[61]، فهو عبارة عن شكل من أشكال الوجود في العالم، وعليه يكون ممثلاً للوجود الإنساني من جانب إدراك الظواهر والموجودات[62]، فالفهم إذن الإنساني ليس فهماً ثابتاً لا يتغير، بل إنه مقيد تاريخياً بظروف تكوينه من خلال الخبرة في مواجهة الظواهر عبر التاريخ[63]. ويتكون المعنى لدى الفرد مما يلقاه من خبرات، ويصنع للإنسان مرجعية يكون قادراً من خلالها على فهم ما يلقاه مباشرة، باعتباره يحمل رسالة أو معنى ما. ويكون لهذا الفهم جذور تكوَن من خلالها، كحدث عمل على انكشاف شيء ووضوحه، ويمثل الحدث انفتاحاً معيناً على العالم حسب هايدغر[64]. فمن غير المقبول أن يوجد الفهم في الفراغ وإلا ماذا يفهم؟، فمن الضروري وجود حاجة ما للفهم في سياق تاريخي وجغرافي محدد؛ فالفهم عاجز عن الوجود من فراغ أو في ظل غياب أرض مشتركة ويستحيل تكوينه في غياب الخبرات السابقة، يقول هايدغر صراحة: «التأويل ليس على الإطلاق فهماً بلا فروضٍ مسبقة لشيءٍ ما معطى مقدما»[65]. فعلى حد قول الباحث المصري سعيد توفيق: «أن كل تفسير يحدث على أساس من فهم الوجود بطريقة سابقة..... -حتى التفسير العلمي- يكون مرتبطاً بالموقف المعين الذي يوجد فيه المفسر، فالمفسر محكوم على الأقل بالشرط الأنطولوجي لوجوده؛ أي محكوم بزمانيته»[66].

وإذا كانت الهرمينوطيقا قد أصبحت -في فكر هايدغر المتأخر- تمثل الوجود، فإن الكشف عن هذا الوجود في هذه المرحلة، كان من خلال معالجة ظواهر الفن، واللغة والشعر وتحليل النصوص[67]. والنص عند هايدغر يعتبر مشاركة في الحياة، فنلتقي به متسائلين، لا بانفتاح صامت، بل لقاء محدد بالزمان والمكان، ويرفض هايدغر اعتبار العمل الفني شيئاً معزولاً عن العالم -وإلا كان مناقضاً لنفسه- ولكن ماثل فيه، ويفصح عن نفسه من خلال العمل الفني، والعمل الفني مستقل له وجوده الخاص[68]. فقد اعتبر هايدغر العمل الفني ظاهرة معاشة[69].

والوجود الإنساني في مجمله وفقاً لفكر هايدغر هو سعي نحو الموت، فــ «الدازاين» (*) أو الإنسان لا يكتمل وجوده إلا بالموت؛ فالموت هو الوجود المكتمل للإنسان[70]. ويعرف هايدجر الموت على أنه «بلوغ الموجود الذي لم ينته نهايته»[71]؛ فالموت عند هايدغر نهاية الهرمينوطيقا، والحياة الإنسانية بالنسبة إليه عبارة عن رحلة هرمينوطيقية، يسعي الإنسان من خلالها إلى فهم وجوده بفهمه لأجزاء العالم، فالعالم عنده عبارة عن أجزاء مترابطة ببعضها البعض[72]. العالم والفهم أجزاء لا انفصام لها من البنية الوجودية للإنسان[73]، فالفهم عبارة عن رحلة اكتشاف العالم، والعالم يعبر عن نفسه من خلال الفهم بتكَشفه للإنسان. وعلى جانب آخر، يرى هايدغر أن الإنسان هو الجسر الذي تعبر عليه الأشياء من التحجب إلى الانكشاف؛ فالحقيقة تتبدى وتظهر من خلال الأعمال الإنسانية، فيكون الإنسان هو حامل الرسالة، هو مالك مفتاح الوجود، والمفصح عنه، فكل كلام يقوله يعتبر تأويلاً للعالم، وكل فعل هو تأويل وتكشف للعالم[74].

لقد وضع هايدغر الهرمينوطيقا موضع الفلسفة، وجعلها أداة استقبال العالم/ الوجود بالنسبة إلى الإنسان، مما جعل هرمينوطيقا هايدغر تتسم بالطابع الأنطولوجي، فهي بمثابة رحلة الإنسان الوجودية[75] التي يحاول من خلالها بناء ذاته ومعرفتها، من خلال الخبرة التي تتكون من عملية تكشف الحقائق، ومحاولاته للتكيف مع الاختيارات والظروف الحياتية، من خلال الخبرة التي تكونت ولازلت قيد التكوين حتى الموت. وأيضاً يعد الإنسان أداة هرمينوطيقية يظهر من خلالها العالم، كما ذكرنا سلفاً. وهذا ما يدفع هايدغر للقول إن الوجود الإنساني وجود نحو الموت؛ فالإنسان كل يوم يحاول فهم وجوده وتتكشف الحقائق أمامه منتظراً تكشف حقيقة الموت.

الهرمينوطيقا الفلسفية (مجاوزة الاغتراب)

يتبع غادامير التصور الأنطولوجي عن الهرمينوطيقا برفضه أي نظرية ترى الهرمينوطيقا فناً أو منهجية[76]، ولكنه يجعل منها محاولة لفهم العلوم الإنسانية على ما هي عليه وإدراك العلاقة بين العلوم الإنسانية وبين تجربة الإنسان في العالم، فهو يعتبر عملية الفهم عملية مجاوزة للمنهج، لأن المنهج يقدم إجابات لتساؤلات وفروض معدة مسبقاً، ولكنه يتجاوز المنهج إلى دراسة عملية الفهم في ذاتها[77]. فيلتقي بأستاذه هايدغر بأنه لا يحصر الهرمينوطيقا في نطاق النص أو في العلوم الإنسانية، بل إنه يرمي بها إلى مطلق الفهم، وأنها معنية بدراسة الفهم فقط دون إقحام منهج فيه، يعمل على أدلجة العملية وتنميطها، ويرفض طرح موضوعية العلوم الإنسانية، فيرى أن «العلوم الإنسانية ترتبط بالرقة والدقة وفن الممارسة الذاتية أكثر منه بمناهج مطبقة وقواعد صارمة»[78] والذاتية التي يتحدث عنها غادامير تمكننا من القول إن الهرمينوطيقا الغاداميرية تسعى إلى بناء وعي نقدي بتناهي الإنسان ونسبيته.

نشأت هرمينوطيقا غادامير كأسلوب في التفكير متحرر من شتى النزعات المذهبية، يعترف بإنسانية الحقيقة؛ بمعنى أنها تظل حقيقة بالنسبة إلى قائلها مرهونة بالمحيط الاجتماعي والتاريخي والسياسي، وليست حقيقة في ذاتها. وعليه يرفض كل النزاعات الدوجماطيقية التي تدعي امتلاك الحقيقة الموضوعية. ومن ثم عدها العديد من الباحثين ترياقاً مضاداً للدوجماطيقية أكثر من كونها فلسفة، فهي تهدف في المقام الأول إلى تذويب المواقف المتصلبة والمتحجرة سريعة التجمد[79].

والهرمينوطيقا عند غادامير هي محاولة لاجتياز الاغتراب تجاه شيء ما، فهو يقول: «عندما ينعدم الانسجام، فإننا نتكلم عن إخفاق الفهم»[80]، فإن الحاجة إلى الفهم والتفسير تنشأ مع غموض الشيء وعدم وضوحه. ويتحدث القديس أوغسطين عن العهد القديم، بأن غياب المعنى المعقول يستدعي تأويلاً تاريخياً[81]، ويقول: «تعود كلمة الهرمينوطيقا كما نعلم إلى مهمة المؤول التي هي مهمة تأويل شيء غير مفهوم والتواصل معه؛ لأنه يكون بلغة أجنبية، حتى لو كانت لغة إشارات ورموز الآلهة.... ولمؤول ما هو مكتوب، مثل مؤول القول الإلهي أو الإنساني، مهمة التغلب على الغرابة وإزالتها وجعل تمثله ممكنا»[82]. فعندما يستعصي على الإنسان فهم ومعقولية شيء ما، تنشأ علاقة الاغتراب بين الفرد وهذا الشيء، ولا حيلة للفرد حينها إلا محاولة الفهم والتأويل، لنشأة علاقة الانسجام بينه وبين الشيء المعني بالتأويل.

ورأى غادامير أن العصر الذي يعيش فيه يتسم بالتعقيد والاغتراب اللذين يتمخض عنهما محاولات إنتاج الانسجام والألفة، ومن ثم يرى أن «المجال الهرمينوطيقي ذاته لا يمكن أن يبقى محدوداً في نطاق العلوم الهرمينوطيقية الخاصة بالفن والتاريخ، ولا حتى نطاق التعامل مع النصوص، ولا كذلك في مجال خبرة الفن ذاتها بالتبعية. فعمومية المشكلة الهرمينوطيقة -التي أدركها شلايرماخر من قبل- هي مسألة تتعلق بكل ما يكون قابلا للتعقل؛ أي بأي شيء وكل شيء يمكن للموجودات البشرية أن تسعى للوصول إلى اتفاق عليه، وحيثما يبدو أن الوصول إلى تفاهم أمر مستحيل، بسبب أننا نتحدث لغات مختلفة. إن ذلك يعني أن الهرمينوطيقا لم تنته من مهمتها بعد. وهنا تفرض المهمة الهرمينوطيقية ذاتها بكل جديتها؛ أعني بوصفها مهمة لإيجاد لغة مشتركة»[83]، فمهمة الهرمينوطيقا عند غادامير تفسير وتوضيح الشيء كما هو، وليس توضيح ما يشير إليه؛ لأنه في هذه الحالة يتجاوز الأمر نطاق قراءة شيء ما، إلى ما يشير إليه؛ أي إنها بمثابة ترجمة للشيء غير المفهوم إلى المفهوم[84]. ويحدد مهمة المؤول قائلاً: «فمهمتنا هي أن نفسر شيئاً ما حينما يكون معناه ليس مطروحاً بوضوح، أو حينما يكون ملتبساً»[85] وتتسم علاقة الفهم والتأويل بالتعقيد، وتزداد صعوبة وتعقيداً، كلما اتسعت الفجوة بين المؤول والشيء المعنى بالتأويل، وتقلصت المساحة المشتركة بينهما، وتتقلص المساحة المشتركة بينهما كلما تباعدت المسافة التاريخية، حيث تختلف الظروف التاريخية للشيء المعنى بالتأويل والمؤول، واللقاء بينهما أصبح هشّاً ومتصدعاً[86].

ودائرة الفهم عند غادامير تختلف عنها عند كل من شلايرماخر، ودلتاي، بوصفها علاقة صورية بين الكل وأجزائه، ولكنه يصرح في كتابه فلسفة التأويل قائلاً: «فإننا نصف حلقة التأويل كعلاقة جدلية بين 'تكهن' دلالة الكل وتفسيره اللاحق من قبل اللاحق»[87]؛ فالفرد هو ابن الظروف الاجتماعية والسياسية المعاصرة له التي تكون فكره على كل حال، من هنا ينطلق الفرد بفهم مسبق، لتأويل وفهم النص أو الشيء، ويكون لديه تصور (تكهن) عن الشيء المنوط بالفهم، وكلما تعمق فيه وازدادت علاقة الألفة بينه وبين هذا الشيء، وتقلصت علاقة الاغتراب واتسعت المساحة المشتركة بينهما، كلما وضح النص أو الشيء، وعلا صوته أمام المؤول، فقد يكون كما تصور المؤول، وقد يختلف، وقد يشترك في نقاط ويختلف في أخرى[88]، فعلى حد قوله: «كل فهم للنص يفترض أن تكون هذه العملية في الفهم موجهة من طرف الافتراضات المتعالية، والتي ينبغي أن يبحث فيها عن الأصل في علاقة أهداف النص بالحقيقة»[89]. لهذا تتسم هرمينوطيقا غادامير بأنها ترياق للفكر الدوجماطيقي، حيث إنه لابد أن يسمح الفرد للنص بأن يفصح عما في داخله، وألا يفرض رؤيته وتوجهه الخاص على النص.

هرمينوطيقا ما وراء الرمز

درس بول ريكور Paul Ricœur (1913-2005) الفكر الهرمينوطيقي لكل من سبقوه؛ فدرس أشكال الهرمينوطيقا عند شلايرماخر ودلتاي وهايدغر وغادامير وغيرهم، ولم يقتصر أسلوبه على تبني أحد هذه الأشكال دون غيره، ولكنه دمجها كلها في طريقته الهرمينوطيقية[90]. فتعتبر هرمينوطيقا بول ريكور بشكلٍ ما ردّاً على هرمينوطيقا غادامير الجدلية، فكان من الطبيعي أن يظهر الاتجاه المضاد للامنهجية التي وضعها غادامير للهرمينوطيقا، وتقع محاولة ريكور ضمن الفلاسفة المهتمين بإقامة نظرية موضوعية في التفسير. ويسعي ريكور إلى إقامة منهج للتفسير يمكن من خلاله الوصول إلى الموضوعية في التفسير[91]، فيقول: «ما يريده النص هو أن نخضع أنفسنا في معناه؛ أي -تبعا لمفهوم آخر للمعنى- في نفس الاتجاه... نحن مدعوّون إلى تصحيح مفهومنا الأولي للتأويل والبحث، من جانب عملية التأويل الذاتية كفعل على النص، عن عملية تأويل موضوعية يقوم بها النص»[92]، وإذا كانت القواعد التي يمكن من خلالها إنتاج تخمينات (تأويلات) صحيحة على النص في غياب شبه تام، أو غير متفق عليها، فيعوض عنها مناهج للتصديق على تلك التخمينات التي نقوم بها[93].

وفي كتابه «رمزية الشر» يذهب ريكور إلى أن التعبير عن الشر عادة ما يكون رمزياً، ويوضح أن أساطير الخلق والتكوين هي في أصلها تفسير لوجود الشر في العالم. وتمخض عن اهتمامه برمزية الشر اهتمامه باللغة الرمزية ووسعها لتشمل رموز الحلم والرموز الثقافية، ومن ثم اهتمامه بالتأويل وتوسيعه ليشمل جميع تقنيات التحليل النفسي الفرويدي[94]. ومن ثم ينصب اهتمام ريكور على تفسير الرمز، ويتعامل مع الرمز بطريقتين؛ أولهما، يعتبر الرمز فيها نافذة يطل منها على المعنى، فيعتبر النص هنا وسيطاً شفافاً يعبر عما وراءه. ويتم اعتباره حقيقة زائفة في الطريقة الثانية يجب تجاوزها للوصول إلى المعنى الكامن وراءه، ويمثله كل من فرويد وماركس ونيتشه، وتعد وظيفة التأويل في هذه الحالة إزالة المعنى السطحي الزائف وصولاً إلى المعنى الصحيح الباطني[95]. فلقد عمل كل من ماركس، ونيتشه، وفرويد، على الوصول للمعنى الحقيقي للعقيدة الكامن وراء المعنى الزائف، وهو الممثل للرمز. وبدأوا رحلاتهم في الارتياب والشك في الحقائق الظاهرة ومن ثم يتجاوزونها إلى المعنى الحقيقي الكامن وراءها، فتجاوز ماركس موضع العقيدة الروحي السامي، إلى وظيفتها لتعميم الأحوال غير الإنسانية، وجعل البؤس أكثر احتمالاً، لذلك رآها أفيون الشعوب.

أما نيتشه Friedrich Nietzsche (1844-1900)، فرأى أن العقيدة تهدف إلى رفع الضعفاء إلى القوة، وجعل الضعف فضيلة، فهي بمثابة ملجأ للضعفاء. ويراها فرويد أنها بمثابة وهم يحتاج فيه المرء إلى قوة عليا (أب- إله) ليحظى بالسكينة في مواجهة المصاعب[96]. تمثل هذه المحاولات -بالنسبة إلى ريكور- محاولات فهم وتنقية الواقع من الزيف والتشويه وصولاً إلى حقيقته. وحاول ريكور تقديم الهرمينوطيقا على أنها محاولة مجاوزة الفهم الزائف للنص والوصول إلى حقيقته من خلال تأويل الرموز التي يحملها النص[97].

وإذا كان تفسير الرموز عند فرويد ونيتشه وماركس، ينصب على الرموز بمعناها العام، إلا أن الرمز الريكوري يعبر عنه باللغة، فهو يصرح قائلاً: «يعبر كل فهم عن نفسه أولا ودائما في اللغة... ولذا، فإنه ليس من العبث أن يبحث المرء في الجانب الدلالي عن المحور المرجعي لمجموعة الحقل الهرمينوطيقي»[98] فالعملية الهرمينوطيقية تنصب على اللغة، فالهرمينوطيقا عنده تنحصر داخل النص اللغوي خلاف هرمينوطيقا هايدغر وغادامير. فالتأويل عنده «هو الفهم حين يطبق على تعبيرات الحياة المكتوبة»[99] واللغة عند ريكور تختلف عما هي في الفهم البنيوي، فهي ليست بالنظام المغلق من العلاقات الذي لا يدل على شيء خارجه. فاللغة في نظره لا تتكلم ولكن الناس يتكلمون، فاللغة في تعريفه هي «الشفرة -أو مجموع الشفرات- التي ينتج المتحدث استنادا إليها رسالة معينة»[100] والمتكلم هو الذي يختار من بين هذه الإشارات اللغوية واحدة دون سواها وينظمها في شكل علائقي، ليكون منها خطاباً من صنع المتكلم[101]. وكذا يطبق ريكور هذه النظرية على مستوى النص المكتوب، ولكنه ينبه على أن النص المكتوب، رغم خضوعه في فترة التكوين تحت تصرف الكاتب، إلا أنه يحمل في طياته استقلاله من حيث المعنى؛ فالنص المكتوب يغدو فور كتابته -لدى ريكور- صوتاً مستقلاً منفصلاً عن المؤلف وموقفه[102]. ومن ثم تصبح مهمة المفسر هي النفاذ إلى عالم النص وحل مستويات المعنى الكامن فيه، الظاهر والباطن، الحرفي والمجازي[103].

وتمثل عملية صناعة المعنى نقله من الفهم إلى التفسير، ثم نقله من التفسير إلى الاستيعاب. في البداية يكون هناك تصور ساذج للنص ككل، ومن ثم يكون هناك استيعاب (نمط معقد من الفهم) تدعمه إجراءات تفسيرية، إلى أن ينتهي للوصول إلى المعنى[104] وتتخذ هذه العملية شكلاً دائرياً؛ بمعنى أن تخمينات ما عن النص كلية تظهر وتكتسب ضمانة عند التعرف على الأجزاء، والعكس صحيح فعند تفسير التفاصيل نصل إلى المعنى الكلي[105]. والمعنى عند ريكور لا يعني قصدية المؤلف؛ إذ يصرح بأن هرمينوطيقاه عاجزة عن الوصول إلى قصدية المؤلف، ويقول: «علينا أن نخمن معنى النص؛ لأن قصد المؤلف بعيد عن متناول أيدينا... وسوء الفهم ممكن، بل لا يمكن تحاشيه»[106]، بل يعني محاولة تجنب سوء الفهم، ومحاولة الإنصات الجيد للنص ويتم هذا من خلال ما يسمى بالارتياب الازدواجي الذي يطبقه القارئ على نفسه (هل أقوم بإقحام معنى ما على النص؟) ومن ثم يطبقه النص (هل يقول النص هذا حقا)، وكلا القطبين صحيح وضروري، إذا شئنا أن ننصت إنصاتاً جيّداً لما يقوله النص[107]. ولا سبيل لتفادي التأويل الخاطئ والمبتسر إلا بتحري الارتياب الموصول في العملية التأويلية، فهو يحرص على التوتر القائم بين السيادة المطلقة للنص والسيادة المطلقة للقارئ، في عملية التأويل واستخلاص المعنى الموضوعي الكامن خلف رموز النص.

هكذا نشأت الهرمينوطيقا في الفكر الغربي كمحاولة لتحجيم سلطة رجال الكنيسة ومنهجة عملية التفسير، ليتعاطى مع المتطلبات العلمانية، وكإحدى آليات خلخلة سلطة رجال الكنيسة، ومطلباً متناغماً مع الظروف التاريخية التي أفضت إلى ظهور الحاجة إلى تفاعل النص الديني مع الواقع، فسعى إلى إيجاد تفاعل للنص الديني مع الواقع واحتياجاته. وقد تطورت، تبعاً لتطورات العصر والعلوم الإنسانية وتفرعاتها، وحاولت الحد من العنصر الذاتي، ومنح النص المساحة التي يتمكن من خلالها الحديث عن نفسه. ولا يعني هذا أنها خالية تماماً من الانحياز، فهذا أمر غير مقبول على المستوى الواقعي، لكنها حاولت الحد من التفسيرات المغرضة، التي تسعى عادة لتثبيت سلطة ما، أو خلخلة سلطة ما، كما يمكننا القول إن الهرمينوطيقا خضعت لمراحل تكون عديدة كانت كل مرحلة معبرة عن حاجة زمانها والأفق الابستيمي الذي يحكمها، ولكنها تبلورت كمنهج وعلم يتم تناوله بالدراسة والفحص والإضافة، ولها مردودها على الواقع بكل تأكيد، هكذا كانت الهرمينوطيقا في الفكر الغربي الأوروبي، وهي إلى اليوم تعمل على بناء نسقها وتنتقد السابق وتضيف ما لديها.

[1] - مصطفى (عادل)، فهم الفهم (مدخل إلى الهرمنيوطيقا: نظرية التأويل من أفلاطون إلى غادامير)، مؤسسة هنداوي سي أي سي، المملكة المتحدة، 2017، ص15

[2] - موسوعة الهرمنيوطيقا ج1، جونزاليس (فرانشيسكو)، الهرمنيوطيقا في الفلسفة اليونانية، ترجمة محمد عناني، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2018، ص44

[3] - المرجع السابق، الموضع نفسه، أيضاً، فاطمة إسماعيل، مقالات في فلسفة التأويل، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 2019، ص143

[4] - Palmer, Richard E, Hermeneutics, NorthWestern University Press, 1969, pp12-13. Routlege Encyclopedia of philosophy, Ed by Edward Greg, volume 4, 1998, p385

[5] - غادامير (هانز غيورغ)، فلسفة التأويل (الأصول - المبادئ - الأهداف) ط2، ترجمة محمد شوقي زين، الدار العربية للعلوم منشورات الاختلاف، الجزائر، المركز الثقافي العربي، الرباط-المغرب، 2006، ص61

[6] - موسوعة الهرمنيوطيقا ج1، ملباس (جيف) Jeff Malpas، مقدمة الهرمنيوطيقا والفلسفة، ص23- 27. سعيد توفيق، في ماهية اللغة وفلسفة التأويل، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، 2015، ص76

[7] - أبو زيد (نصر حامد)، إشكاليات القراءة وآليات التأويل، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، مؤمنون بلا حدود، بيروت، 2014، ص13

(*) كان اسم كتاب دانهاور «الهرمنيوطيقا القدسية أو منهج تفسير النصوص» Hermeneutica sacra sire methodus exponendarum sacrom litterarum

[8] - غادامير (هانز غيورغ)، فلسفة التأويل، سبق ذكره، ص ص63-64

[9] - مبروك (أمل)، دراسات في الفلسفة المعاصرة، أم القرى للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 2017، ص 272

[10] - مصطفى (عادل)، فهم الفهم، سبق ذكره، ص48

[11] - موسوعة الهرمنيوطيقا، بايزر (فردريك)، ص111

[12] - غادامير (هانز غيورغ)، الحقيقة والمنهج، سبق ذكره، ص272

[13] - مصطفى (عادل)، فهم الفهم، سبق ذكره، ص61

[14] - المرجع السابق، ص62

[15] - إبراهيم (زكريا)، كانط، ط2، مكتبة مصر، القاهرة، د.ت، ص211. راجع أيضاً، مجدي عز الدين سعد حسن، من نظرية المعرفة إلى الهرمنيوطيقا، جامعة النيلين - كلية الآداب، مجلة آداب النيلين، مج1، ع3، أكتوبر 2011، ص ص131-132

[16] - الشبستري (الشيخ محمد مجتهد)، قراءة بشرية للدين، ترجمة أحمد القبانجي، منشورات الجمل، بيروت، 2009، ص ص9-15

[17] - أبو زيد (نصر حامد)، إشكاليات القراءة وآليات التأويل، سبق ذكره، ص ص13-16

[18] - غادامير (هانز غيورغ)، الحقيقة والمنهج، سبق ذكره، ص271

[19] - مجدي عز الدين حسن، ليس ثمة تأويل موضوعي في مضمار الأديان، الحوار المتمدن، العدد: 3670- 17/3/2012

[20] - المرجع السابق.

[21] - غادامير (هانز غيورغ)، الحقيقة والمنهج، سبق ذكره، ص280

[22] - مصطفى (عادل)، فهم الفهم، سبق ذكره، ص56

[23] - المرجع السابق ص55 راجع أيضاً، غادامير، الحقيقة والمنهج، سبق ذكره، ص272

[24] - المرجع السابق، ص55

[25] - المرجع السابق، ص57

[26] - مصطفى (عادل)، فهم الفهم، سبق ذكره، ص62 راجع أيضاً، فاطمة إسماعيل، مقالات في فلسفة التأويل، سبق ذكره، ص177

[27] - مصطفى (عادل)، فهم الفهم، سبق ذكره، ص ص65-66

[28] - غادامير (هانز غيورغ)، الحقيقة والمنهج، سبق ذكره، ص ص287-288، و312

[29] - بدوي (عبد الرحمن)، موسوعة الفلسفة ج1، ص475

[30] - مصطفى (عادل)، فهم الفهم، سبق ذكره، 66

[31] - المرجع السابق، الموضع نفسه.

[32] - أبو زيد (نصر حامد)، إشكاليات القراءة وآليات التأويل، سبق ذكره، ص26

[33] - Dilthey, w. The Formation of the Historical World in the human sciences, selected Works, vol. 3,eds. R. A. Makkreel and F. Rodi, Princeton: Princeton University press. 2002.pp.107 نقلاً عن: موسوعة الهرمنيوطيقا.ج1، ماكريل (أ. رودلف)، ديلثي: الهرمنيوطيقا والكانطية الجديدة، ص168

[34] - أبو زيد (نصر حامد)، إشكاليات القراءة وآليات التأويل، سبق ذكره، ص26

[35] - ريكور (بول) من النص إلى الفعل: أبحاث التأويل، ترجمة محمد برادة، حسن بورقية، ط1، عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، القاهرة، 2001، ص66

[36] - موسوعة الهرمنيوطيقا - ج1، ماكريل (أ. رودلف)، ديلثي : الهرمنيوطيقا والكانطية الجديدة، ص168

[37] - ريكور (بول)، من النص إلى الفعل: أبحاث التأويل، سبق ذكره، ص64

[38] - مصطفى (عادل)، فهم الفهم، سبق ذكره، ص68

[39] - قارة (نبيهة)، الفلسفة والتأويل، ط1، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، 1998، ص51

[40] - المرجع السابق، ص250

[41] - بدوي (عبد الرحمن)، موسوعة الفلسفة، ص476

[42] - المصدر السابق، الموضع نفسه. راجع أيضاً، غادامير، الحقيقة والمنهج، سبق ذكره، ص315

[43] - Dilthey,w. Hermeneutics and the Study of History, Edited, with an introduction, by Rudolf A. Makkreel & Frithjof Rodi, Princeton University Press, Princeton, NJ, 1996, PP236

[44] - ريكور (بول)، من النص إلى الفعل: أبحاث التأويل، سبق ذكره، ص63

[45] - المرجع السابق، الموضع نفسه.

[46] - غادامير (هانز غيورغ)، الحقيقة والمنهج، سبق ذكره، ص312

[47] - جواق (سمير)، دلتاي وصياغة التأويلية كأساس منهجي للعلوم الإنسانية، مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، الرباط، 5 يوليو 2016، ص5

[48] - موسوعة الهرمنيوطيقا - ج1، ماكريل (أ. رودلف)، ديلثي: الهرمنيوطيقا والكانطية الجديدة، ص157 راجع أيضاً، غادامير (هانز غيورغ)، الحقيقة والمنهج، سبق ذكره، ص314

[49] - ريكور (بول) من النص إلى الفعل: أبحاث التأويل، سبق ذكره، ص66

(*) ريمون آرون (بالفرنسية: بالإنجليزية: (Raymond Aron)) فيلسوف وعالم اجتماع فرنسي، ولد 14 آزار سنة 1905 في مدينة باريس وتوفي سنة 1983

[50] - قارة (نبيهة)، الفلسفة والتأويل، سبق ذكره، ص51

[51] - توفيق (سعيد)، في ماهية اللغة وفلسفة التأويل، سبق ذكره، ص79

[52] - بدوي (عبد الرحمن) موسوعة الفلسفة، ج2، ص ص600-601

[53] - مصطفى (عادل)، فهم الفهم، سبق ذكره، ص126

[54] - توفيق (سعيد)، في ماهية اللغة وفلسفة التأويل، سبق ذكره، ص79

[55] - المرجع السابق، ص79

[56] - توفيق (سعيد)، الخبرة الجمالية (دراسة في فلسفة الجمال الظاهرتية)، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت الحمراء، 1992، ص83

[57] - المرجع السابق، الموضع نفسه.

[58] - مصطفى (عادل)، فهم الفهم، سبق ذكره، ص121-125

[59] - المرجع السابق، ص125

[60] - أبو زيد (نصر حامد)، إشكاليات القراءة وآليات التأويل، سبق ذكره، ص32 راجع أيضاً، بوشنسكي (إ.م)، الفلسفة المعاصرة في أوروبا، ترجمة عزت قرني، سلسلة عالم المعرفة، ع.165، الكويت، 1992، ص281

[61] - مصطفى (عادل)، فهم الفهم، سبق ذكره، ص127

[62] - نصر حامد أبو زيد، إشكاليات القراءة وآليات التأويل، سبق ذكره، ص33

[63] - مصطفى (عادل)، فهم الفهم، سبق ذكره، ص125-126

[64] - موسوعة الهرمنيوطيقا، ج1، فارين (إنجو)، هايدجر التحول الهرمنيوطيقي، ص216

[65] - نقلاً عن، عادل مصطفى، فهم الفهم، سبق ذكره، ص133

[66] - توفيق (سعيد)، في ماهية اللغة وفلسفة التأويل، سبق ذكره، ص80

[67] - توفيق (سعيد)، الخبرة الجمالية، سبق ذكره، ص83

[68] - أبو زيد (نصر حامد)، إشكاليات القراءة وآليات ااتأويل، سبق ذكره، ص ص33-34

[69] - إبراهيم (زكريا)، فلسفة الفن المعاصرة، مكتبة مصر، القاهرة، 1988، ص218 (*) الدازاين Dasein تعبيرٌ ألماني يعني حرفيّاً، «الوجود هناك» و«هايدغر» قد استخدمه لتعبير عن الوجود الإنساني المتعين، وهو وجودٌ مدمجٌ في علاقةٍ وجدانية بالأشخاص والأشياء المحيطة. نقلاً عن، عادل مصطفى، فهم الفهم، سبق ذكره، ص123

[70] - بوشنسكي (إ.م)، الفلسفة المعاصرة في أوروبا، سبق ذكره، ص278

[71] - هايدجر (مارتن)، نداء الحقيقة، ترجمة عبد الغفار مكاوي، دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة، 1977، ص84

[72] - المرجع السابق، ص ص57-59

[73] - مصطفى (عادل)، فهم الفهم، سبق ذكره، ص130

[74] - المرجع السابق، ص144

[75] - موسوعة الهرمنيوطيقا، ج1، جاندر (هانز هيلموث)، جادامر عالمية الهرمنيوطيقا، ص268

[76] - المرجع السابق، الموضع نفسه.

[77] - أبو زيد (نصر حامد)، إشكاليات القراءة وآليات التأويل، سبق ذكره، ص ص28-29

[78] - غادامير (هانز غيورغ)، فلسفة التأويل، سبق ذكره، ص15

[79] - توفيق (سعيد)، في ماهية اللغة وفلسفة التأويل، سبق ذكره، ص ص73-74

[80] - غادامير (هانز غيورغ)، فلسفة التأويل، سبق ذكره، ص41

[81] - المرجع السابق، ص42

[82] - غادامير (هانز غيورغ)، الحقيقة والمنهج، سبق ذكره، ص666

[83] - Gadamer, philosophical Apprenticeship, trans. Robert R, sulivan (Cambridge: Massachusetts, 1985, p.180 نقلاً عن سعيد توفيق في ماهية اللغة وفلسفة التأويل، ص86

[84] - غادامير (هانز غيورغ)، تجلي الجميل، ترجمة سعيد توفيق، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 1997، ص163-166

[85] - المرجع نفسه، ص166

[86] - غادامير (هانز غيورغ)، الحقيقة والمنهج، سبق ذكره، ص687

[87] - غادامير (هانز غيورغ)، فلسفة التأويل، سبق ذكره، ص50

[88] - المرجع السابق، ص ص50-53

[89] - المرجع السابق، ص51

[90] - موسوعة الهرمنيوطيقا، ج1، جان جرواندان، ص289

[91] - أبو زيد (نصر حامد)، إشكاليات القراءة وآليات التأويل، سبق ذكره، ص44

[92] - ريكور (بول)، من النص إلى الفعل (أبحاث التأويل)، سبق ذكره، ص120

[93] - ريكور(بول)، نظرية التأويل (الخطاب وفائض المعنى)، ترجمة سعيد الغانمي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2003، ص124

[94] - مصطفى (عادل)، فهم الفهم، سبق ذكره، ص265

[95] - أبو زيد (نصر حامد)، إشكاليات القراءة وآليات التأويل، سبق ذكره، ص44

[96] - مصطفى (عادل)، فهم الفهم، سبق ذكره، ص270

[97] - المرجع السابق، ص271

[98] - ريكور (بول)، صراع التأويلات (دراسة هرمنيوطيقية)، ترجمة منذر عياشي، م. جورج زيناتي، دار الكتاب الجديد المتحدة، طرابلس، 2005، ص42

[99] - ريكور (بول)، نظرية التأويل، سبق ذكره، ص120

[100] - المرجع السابق ص25

[101] - أبو زيد (نصر حامد)، إشكاليات القراءة وآليات التأويل، سبق ذكره، ص46

[102] - مصطفى (عادل)، فهم الفهم، سبق ذكره، ص273

[103] - المرجع السابق، ص ص46-47

[104] - ريكور (بول)، نظرية التأويل، سبق ذكره، ص121.

[105] - المرجع السابق، ص125

[106] - ريكور (بول)، نظرية التأويل، سبق ذكره، ص ص122-123

[107] - مصطفى (عادل)، فهم الفهم، سبق ذكره، ص271