نقد العقل العربيّ: زمن الثّقافة ولاشعورها
فئة : مقالات
تتجلّى ملاءمة رؤية الجابري لتاريخ العقليّات مع الزّمان الحوليّاتي المتعدّد الأبعاد والنّسبيّ، في نظرته إلى زمان الثّقافة من جهة، ثمّ في عدّها تجليًا من تجلّيات اللّاشعور من جهة أخرى، إنّ الزّمان مع أحد رواد الجيل الثّاني من مدرسة الحوليّات (فرناند بروديل)، لم يكن واحدا مطلقًا؛ إنّما نظر إليه نظرة نسبيّة، فمع بروديل نحن مع - ما يسميه أحد المتخصّصين في كتابات بروديل - "ابتكار للأزمنة المتعدّدة"[1]، وإذا تمعّنا في مجمل فكر عابد الجابري، وتمثّله للتّاريخ الثّقافيّ، سنضطّر إلى القول: إنّه تاريخ يعيد نفسه في كلّ جيل، إنّه - من هذا المنظور - زمان دوريّ، لكنّ دوريّته هذه تحدث في أمد طويل، هكذا؛ فالزّمن التّقليديّ ذو التّذبذبات القصيرة، غير حاضر - البتّة - في دراسته للثّقافة الّتي شكّلت العقل العربيّ، وفي المقابل؛ يدغم في نظرته للتّاريخ زمانين؛ زمانًا دوريًّا يكرّر نفسه بما يجعله يتراءى كما لو كان زمانًا طويلًا، وهي الفكرة ذاتها الّتي نصادفها في رؤية بروديل، يقول أحدهم: "والجدير بالذّكر في هذا الصّدد: هو أنّ الدّورات والبيدورات والأزمات، إذا تكرّرت باستمرار، ولم تسفر عن تحوّل نوعيّ، تندرج في البنية وتصير مكوّنا أساسيًّا من مكوّناتها"[2].
في ذات السّياق؛ يقرّر عابد الجابري: "إنّ زمان الثّقافة، أيّ ثقافة، ليس هو - بالضّرورة - زمن الدّول والحوادث السّياسية والاجتماعية، وأنّ الزّمن الثّقافيّ لا يخضع لمقاييس الوقت والتّوقيت الطّبيعيّ والسّياسيّ والاجتماعيّ؛ لأنّ له مقاييسه الخاصّة"[3]، نلمس في هذا القول وعيًا حادًّا بتعدّد الأزمنة، وفصلًا واضحًا بين الزّمن الثّقافيّ والسّياسيّ، فحدوث تغييرات على المستوى السّياسيّ، ونشوء دول على أنقاض أخرى، وهو أبعد ما يمكن تصوّره في التّغيير السّياسيّ، لا يستتبعه حدوث ما نسمّيه في فلسفة العلوم: "قطيعة إبستيمولوجيّة"؛ أي القطع مع أنماط التّفكير السّالفة، وتشكيل أنساق ثقافيّة جديدة.
الفارق الّذي يمكن رصده هنا؛ اقتران التّاريخ السّياسيّ والاجتماعيّ - في رأي الجابريّ - وعدّهما مندرجين في زمن واحد، بينما يفصل فرناند بروديل بينهما؛ فيصنّف التّاريخ الحدثيّ السّياسيّ في الزّمن القصير، ويدرج التّاريخ الاجتماعيّ في الزّمن الدّوريّ، والحال أنّ مردّ هذا الفارق إلى ما يضفيه كلّ من بروديل والجابري على مفهوم الاجتماعيّ، وبينما تشير عند بروديل إلى الأسعار في المجال الاقتصاديّ، الّتي تعرف ما يشبه حلقات دوريّة مغلقة من الارتفاع والهبوط، نخمّن أن يقصد الجابريّ بالاجتماعيّ؛ الأحداث المعتادة الّتي تحدث في المجتمعات بشكل دائم، إنها - بالتّالي - مجرّد تاريخ حدثيّ، مثلها مثل الأحداث السّياسيّة والقرارات والمشاريع السّياسيّة، من هذه النّاحية؛ فهي لا تختلف إلّا من حيث الفاعل في التّاريخ السّياسيّ، والفاعلُ السّياسيّ: هو الّذي يكون وراء تلك الاهتزازات والارتدادات والتّذبذبات، بينما يمسّ الحدثُ الاجتماعيّ المجالَ العامّ.
على أنّ دوريّة الزّمن الثّقافيّ تبدو واضحة لا تحتاج إلى مزيد بيان، في إحدى العبارات الّتي انتقاها واستعارها الجابري من تراثنا الإسلاميّ القديم، لوصف طبيعة الحركة الّتي يتّسم بها الحراك الثّقافيّ العربيّ، إنها "حركة اعتماد"، وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا المفهوم من ابتكار المتكلّم المعتزلي إبراهيم النّظّام، ويفيد - من حيث مضمونه - تلك الحركة المتوتّرة المتكرّرة بشكل آليّ، الّتي تبتعد عن نقطة الانطلاق، لكنّها لا تفتأ تعود إليها، من هنا؛ فهي نقلة بشكل من الأشكال، إلّا أنّها ثابتة - عمومًا - تعيد نفسها باستمرار، يقول الجابري في شبه يقين: "أكاد أقرّر أنّ الحركة في الثّقافة العربيّة، كانت وماتزال، حركة اعتماد لا حركة نقل، بالتّالي؛ فزمانها مدّة، وبعدها السّكون لا الحركة، وهذا على الرغم من جميع التّحركات والاهتزازات الّتي عرفتها"[4].
ومادام الزّمن الثّقافيّ العربيّ لم يعرف تطوّرًا حقيقيًّا، نتفهّم الحملة الّتي يقودها الجابري ضدّ التّصنيف الثّقافيّ، تبعاً للدّول المتعاقبة، أو حتّى اتّباعًا للتّصنيف الزّمنيّ الّذي يعبّر عن مركزيّة أوروبيّة، أعني؛ التّصنيف إلى قديم ووسيط وحديث معاصر[5]، فإنّه في المقابل؛ يورد مفاهيم من علم النفس، يستعين بها من أجل تقريب رؤيته لتحديد طبيعة التّاريخ الثّقافيّ، ومن المعلوم في مدرسة الحوليّات؛ أنّ التّاريخ الذّهنيّ أو تاريخ العقليّات هو تاريخ اللّاشعور، ففي البداية الثّقافة العربيّة الّتي تستقرّ في غياهب لاشعور كلّ منا، ليست سوى "ما يبقى عندما ننسى كلّ شيء"، ولهذا؛ يقول معقّبًا: "إذا قلنا إنّ العقل العربيّ: هو ما خلّفته وتخلّفه الثّقافة العربيّة في الإنسان العربيّ، بعد أن ينسى ما تعلمه في هذه الثّقافة لم نبعد عن الصّواب"[6].
ثمّ في إطار بسط التّرسانة المنهجيّة، يستحضر الجابري مفهومًا آخر، هو مفهوم اللّاشعور المعرفيّ، الّذي أخذه من الأبحاث السّيكولوجيّة لجون بياجيه، ويماهي بين هذه الثّقافة العربيّة؛ بل بنيتها اللّاشعوريّة، والدّلالة الّتي يضفيها بياجيه على اللّاشعور المعرفيّ، فإذا كان هذا الأخير: هو جملة العمليّات والنّشاطات الذّهنية الخفيّة؛ فإنّ اللّاشعور المعرفيّ هو "جملة المفاهيم والتّصوّرات والأنشطة الذّهنية الّتي تحدّد نظرة الإنسان العربيّ - أي الفرد البشريّ المنتمي للثّقافة العربيّة - إلى الكون والإنسان والمجتمع والتّاريخ"[7].
والجابري - كذلك - حين يعرف مفهوم النّظام المعرفيّ، يشير إلى أنّها جملة المفاهيم والتّصوّرات الّتي تشكّل للعقل العربيّ بنيته اللّاشعوريّة، وهو يعترف بمديونيّته للفيلسوف الفرنسيّ ميشيل فوكو؛ فالنّظام المعرفيّ بمثابة ما يُسمّيه ميشيل فوكو "إبستيميّة"، لكن لا يخفى أنّ ثمّة فروقات بين التّوظيفين؛ فبينما يجعل فوكو من الإبستيميّة خيطًا ناظمًا، يلمّ شتات التّمظهرات الثّقافيّة المختلفة في حقبة ما[8]، نرى الجابري يتحدّث عن أنظمة معرفيّة ثلاثة متزامنة، هي: النّظام المعرفيّ البيانيّ، والنّظام المعرفيّ العرفانيّ، ثمّ النّظام المعرفيّ البرهانيّ، إلّا أنّ الجابري ينزلق حين يعدّ النّظام المعرفيّ بنية لاشعوريّة، بينما يرى بعض الباحثين النّقاد؛ أنّ فوكو لم يُشر - قطعًا - إلى البنية اللّاشعوريّة.
والحقّ أنّ الّذي وظّف هذا المفهوم– البنية اللّاشعوريّة - هو؛ الأنثروبولوجيّ الفرنسيّ كلود ليفي ستراوس، تطالعنا - هنا - مفارقة أخرى سقط فيها ناقد العقل العربيّ، فليفي ستراوس يميّز بين فعل واعٍ وفعل لا واعٍ، لكنّ توظيف الجابري يتراءى بعيدًا جدًّا عن تمييز ليفي ستراوس، فالأخير حدّد هذا التّمييز، عندما كان بصدد تحديد الفروق بين عمل المؤرّخ والإثنولوجيّ، فالأوّل: إذا كان يدرس المجتمعات ذات التّقاليد الكتابيّة، اعتمادًا على الوثائق المكتوبة، نلفي الإثنولوجي - في المقابل - حين يدرس المجتمعات البدائيّة الّتي لا تاريخ لها، يحاول جبر هذا النّقص من خلال دراسة البنية اللّاشعوريّة، الثّاوية وراء تقاليدها وعاداتها وطقوسها الجماعيّة، بأن يُعدّ الفرد في المجتمعات البدائيّة يتّبع هذه الطّقوس على نحو لا شعوريّ، يقول ليفي ستراوس: "إنّ ما نأخذ على عاتقنا بيانه، هو أنّ الفارق الأساسيّ بين التّاريخ والإثنولوجيا، ليس في الموضوع، ولا في الهدف، ولا في المنهج، فموضوعهما واحد، هو: الحياة الاجتماعيّة، وهدفهما واحد: هو تفهّم أفضل للإنسان، وواحد - أيضًا - منهجهما، وإن على تفاوت بينهما في التّركيب المزجيّ بين إجرائيّات البحث، وأكثر ما يكون تمايزهما، في اختيار المنظومات التّكميليّة: فالتّاريخ ينظّم معطياته بالإحالة إلى التّعابير الواعية، والإثنولوجيا تنظمها بالإحالة إلى الشّروط اللّاواعية للحياة الاجتماعيّة"[9]؛ فهل يعدّ الجابري عندما يماهي بين النّظام المعرفيّ والبنية اللّاشعوريّة الثّقافة العربيّة ثقافة بدائيّة؟ التّقاليد الكتابيّة تكذّب ذلك بشكل بدهيّ، ثمّ إنذ الجابري نفسه في مستهل كتابه، حين يقارن بين العقلين؛ العربيّ واليونانيّ - الأوروبيّ، يعترف ضمنيًّا أنّ هذه الحضارات الثّلاث بلغت شأوًا من العقلانيّة، لم تبلغه تلك الحضارات الّتي وصمها بـ "السّحريّة".
لنعد ونقول: إنّ الزّمن الثّقافيّ، مثله مثل الزّمن اللّاشعوريّ، فكما أنّ هذا الأخير قابع في غياهب متوارية تعود إلى فترات زمنيّة بعيدة، هي فترة الطّفولة - كما قال فرويد - وقد تكون متساكنة وتنطوي على أحداث متباينة، استقرّت في شكل مكبوتات وتطلّعات وغرائز؛ فكذلك الشّأن مع الزّمن الثّقافيّ؛ إنّه لا يعترف بالزّمن الطّبيعيّ، ولا يدين له بمادّته الّتي تشكّل دوائره المتداخلة والمتموّجة، يقول ناقد العقل العربيّ: "إنّ زمن اللّاشعوريّ المعرفيّ، زمن متداخل متموّج، يمتدّ على شكل لولبيّ، الشّيء الّذي يجعل مراحل ثقافيّة مختلفة تتعايش في نفس الفكر، بالتّالي، في نفس البنية العقليّة، كما تتعايش - في غياهب اللّاشعور النّفسيّ - الرّغبات المكبوتة المختلفة الرّاجعة إلى أزمنة نفسيّة وعقليّة وبيولوجيّة مختلفة"[10].
وإذا كان هذا هو حاصل الثّقافة العربيّة، وذاك هو زمنها الثّقافيّ الّذي يفتقد بشكل كامل - كما يلاحظ الجابريّ - التطوّر الّذي يعكس عصورًا ثقافيّة متباينة بحدود واضحة، وكلّ نسق ثقافيّ يشكّل لاحقًا للسّابق، يتجاوزه ويقطع معه، وهذا ما يعبّر عنه حين يقرّر الآتي: "صحيح أنّنا نفصل بين العصر الجاهليّ، والعصر الإسلاميّ، وعصر النّهضة، ولكن هذا الفصل سطحيّ تمامًا، فنحن لا نعيش في وعينا ولا في تصوّرنا، مراحل من التّطور ألغى اللّاحق منها السّابق، ولا كأزمنة ثقافيّة تتميّز عن بعضها بميّزات خاصّة، تجعلها متّصلة أو منفصلة"[11]، إذا كانت هذه هي خارطة الثّقافة العربيّة؛ فإنّه - تبعًا للقاعدة الإبستمولوجيّة - الّتي تنصّ على أنّ طبيعة الموضوع؛ هي الّتي تحدّد طبيعة المنهج الّذي ينبغي توظيفه؛ فإنّ المنهج التّكوينيّ والتّاريخيّ، تكون له فائدة كبيرة حين نحفر في جينيالوجيا هذه الثّقافة؛ أي نبحث في بداياتها الّتي انبثقت منها، في علاقتها بالملابسات السّياسيّة والاجتماعيّة الّتي لابستها وأحاطت بها، ومع غياب معطى التّطوّر، وحضور ما يُسمّى حركة الاعتماد، الّتي وسمت الثّقافة العربيّة، يظلّ المنهج البنيويّ ضرورة من أجل الكشف عن البنيات الثّقافيّة، الّتي حالت دون تطوّر الثّقافة العربيّة، وخلقها لسائد فكريّ جديد يسهم في تغيير الأوضاع على المستويات؛ الاجتماعيّة والسّياسيّة في الوطن العربيّ، وبعبارة عبد الوهاب بوحديبة: "البنيويّة جنّ يلابس الثّقافة العربيّة؛ إذ في هذه الثّقافة بنيات أزليّة يجب الكشف عنها بأيّ ثمن"[12].
غير أنّ إعارة الاهتمام بالمنهج البنيويّ في دراسة تاريخ العقليّات، لا يعفي الباحث الّذي يأخذ مسافة من الرّؤى العلميّة لتجوهر العقل، من طرح سؤال البداية، بالتّالي، مقاربة تشكّل هذا العقل مقاربة تاريخيّة، تحاول أن تفهم كيف بدأ كلّ شيء، بعبارة ناقد العقل العربيّ يطرح بإلحاح على من يعدّ العقل منظومة من القواعد تتشكّل بانخراط هذه الملكة العقليّة، في تنظيم حقل معرفيّ ما، سؤال "الإطار المرجعيّ"؛ أي الحدث المعرفيّ الّذي سيرسم في حقبة تاريخيّة ما، منهجًا معيّنًا في بناء المعرفة كرؤية إلى العالم، والله، والكون، والإنسان، والتّاريخ، ..إلخ.
وقد لا يخفى أنّ تحديد هذا الإطار المرجعيّ، والبداية المفترضة الّتي سينبثق عنها العقل العربيّ، أعني؛ منهجيّته الأثيرة في التّعامل مع الأشياء الّتي تعترض طريقه، ليس بالمهمّة السّهلة، فكما يقول أحد النّقّاد: "الإطار المرجعيّ الثّقافيّ؛ هو - في الغالب - إطار لاشعوريّ يعي الوعي ولا يعيه الوعي"[13].
وبغضّ النّظر عن هذه الصّعوبة؛ فعابد الجابري ينطلق ممّا يسمّيه– تبعًا لبعض الباحثين - عصر التّدوين؛ هو اسم يطلقه على العصر الّذي انطلق فيه جَمْع العلوم وتدوينها، ومن المعلوم أنّ كلّ جمع أو تدوين؛ بل كلّ كتابة واعية بذاتها، وليست مجرد تلفّظ هذيانيّ يستبطن منهجًا يؤسّس للعقل نفسه، والحال؛ أن يكون عصر التّدوين هذا متوقّعًا في منتصف القرن الثّاني الهجريّ، قد حتّم على ناقد العقل العربيّ مناقشة ما قد يكون للعصر الجاهلي من دور في تكوين العقل العربيّ؛ إذ إنّ إغفاله سيكون ثغرة كبيرة، قد تسقط صرح مشروعه بأكمله، من هنا؛ فعابد الجابريّ لا يهمل العصر الجاهليّ؛ بل يشير إلى أنّ هذا العصر استُحضر في عصر التّدوين نفسه، خدمةً لأغراض إيديولوجيّة، هذا بعد أن كان إلى عهد قريب يحيل على فترة زمنيّة مرذولة في الوعي الجمعيّ الإسلاميّ، كما يفيد الاسم ذاته ذو الحمولة القدحيّة، من هنا؛ فتغيّر النّظرة إلى الجاهليّة، قد فرضته عوامل مرتبطة بتطوّر المجتمع الإسلاميّ، الّذي - بعد الفتوحات واحتكاكه بهويّات جديدة - سيواجه تحدّيات تفرض عليه إعادة النّظر في تلك الرّؤية الّتي أحدثها الإسلام عن العصر الجاهليّ، يقول الجابري: "إنّه من الضّروريّ الانتباه إلى أنّ صورة العصر الجاهليّ في الوعي العربيّ، لم تكن دومًا وليدة المعطيات التّاريخيّة وحدها، ولا نظن أنّها كذلك اليوم؛ بل كانت، ولا تزال، خاضعة لمتطلّبات تنتمي إلى الحاضر، حاضرنا نحن، أو حاضر من كان قبلنا"[14].
إنّ العصر الجاهلي لم يُمثّل كما كان بالضّبط، وهذا بطبيعة الحال، لا يسري على هذا العصر فحسب؛ بل كلّ كتابة تاريخيّة هي كتابة تقريبيّة؛ إنما أُعيد بالشّكل الّذي يسمح له بأداء وظيفة إيديولوجيّة؛ ففي أواخر العصر الأمويّ ستظهر حركة الشعوبيّة، الّتي ستشنّ حملة على العرق العربيّ، لذلك؛ فمِن باب الرّدّ على هذه الطّعون، ومن قبيل المفاخرة، ستُعاد صياغة التّاريخ الجاهليّ، إنها قد تكون البادرة الأولى من نوعها، التي سترسّخ في العقل العربيّ منهجيّة العودة إلى الماضي من أجل نيل الشّرعيّة، يقول الجابري ملخّصًا ما ناقشناه هنا: "إنّ بنية العقل العربيّ تشكّلت في ترابط مع العصر الجاهليّ، لكن لا العصر الجاهليّ كما عاشه عرب ما قبل البعثة؛ بل العصر الجاهليّ كما عاشه في وعيهم عرب ما قبل البعثة: العصر الجاهلي بوصفه زمنًا ثقافيًّا تمّت استعادته، وتمّ ترتيبه في عصر التّدوين"[15].
وقد لا يخفى - كذلك - أنّ زمن البعثة لم يشهد نشاطًا علميًّا بالمعنى الحقيقيّ للعلم؛ أي لم يكن هناك تدوين للمعارف وتنظيمها بشكل نسقيّ؛ بل كانت كلّ السّلطة المعرفيّة للنّبيّ الّذي يشرّع الحياة العامّة، وكانت الثّقافة شفهيّة بالأساس، لهذا؛ فعصر التّدوين - كما يقول جورج طرابيشي: "يدلّ أنّ ثقافة بعينها - هي هنا الثّقافة العربيّة الإسلاميّة - قد انتقلت في ذلك العصر؛ من طور شفاهيّ إلى طور كتابيّ"[16]، وهو إذ يصرّح بهذا الكلام، يصبو إلى التّقليل ممّا نسبه الجابري وغيره، من أهميّة عصر التّدوين بأنّه إطار مرجعيّ لتشكّل العقل العربيّ، لكن لنترك جانبًا هذا الاختلاف، ونتساءل: متى حدث ذلك بالضّبط؟
قبل الإجابة عن السّؤال، نسجّل أنّ مفهوم عصر التّدوين لم يكن من إبداع الأستاذ عابد الجابري؛ بل هو نفسه استعاره من مفكرين سابقين، ألمحوا إليه نوعًا من الإلماح، وممّن سبقه إليه من الباحثين؛ الأستاذ أحمد أمين في كتابه "ضحى الإسلام"، وهو الّذي انتبه إليه - كذلك - بالوقوف على نصّ وارد في كتاب "تاريخ الخلفاء" للإمام السّيوطيّ، وكما يشير أحد النّقّاد: "لم يكن أحمد أمين هو الوحيد من المؤرّخين في الأزمنة الحديثة، الّذي انتبه إلى أهميّة نصّ السّيوطيّ/ الذّهبيّ، واصفًا إيّاه أنّه نصّ مهمّ في تحديد السّنة الّتي بدأ فيها تدوين العلوم العربيّة في الإسلام"[17].
لننظر في نصّ السّيوطيّ هذا، كتب يقول: "في سنة ثلاث وأربعين ومائة، شرع علماء الإسلام في هذا العصر في تدوين الحديث والفقه والتّفسير؛ فصنّف ابن جريح في مكّة، ومالك الموطّأ في المدينة، والأوزاعي بالشّام، وابن أبي عروبة وحمّاد بن سلمة وغيرهما بالبصرة، ومعمّر باليمن، وسفيان الثّوريّ بالكوفة، وصنّف ابن إسحاق المغازي، وصنّف أبو حنيفة الفقه والرّأي، ثمّ بعد يسير صنّف هشيم واللّيث وابن لهيعة، ثمّ ابن المبارك وأبو يوسف وابن وهب، وكثر تدوين العلم وتبويبه، ودوّنت كتب العربيّة واللّغة والتّاريخ وأيّام النّاس، وقبل هذا العصر كان النّاس يتكلّمون من حفظهم، أو يروون العلم من صحف صحيحة غير مرتّبة"[18].
إنّ الجابريّ في تحليله لهذا النّص، وتفكيك المنطوق والمسكوت على حدّ سواء، يستحضر المنهجيّة الحديثة في قراءة النّصوص، وذلك بعدّه هذا النّصّ خطابًا، والخطاب بطبعه يعتمد آليتيْ؛ الكشف والسّتر، والإظهار والإضمار، إنّه يعرض أشياء في نفس الوقت الّذي يتعمّد إخفاء أشياء، وما يكشف عنه أو يخفيه يتحكّم فيه - في آخر المطاف - المرجعيّة الّتي ينتمي إليها الكاتب، يقول ناقد العقل العربيّ في هذا الصّدد: "من فوائد المنهجيّة الحديثة في قراءة النّصوص؛ أنّها تعلّمنا الانتباه، ليس فقط إلى ما ينطق به النّصّ، والكيفيّة الّتي نطق بها؛ بل توجّه اهتمامنا - أيضًا - إلى النّظر في ما سكت عنه النّصّ، والكيفيّة الّتي بها سكت"[19].
ما الّذي يكشفه النّصّ؟ وما الّذي يخفيه؟ ثمّ - قبل هذا وذاك - ما الّذي يشكّله عصر التّدوين بالنّسبة إلى العقل العربيّ؟
لنبدأ بما يخفيه النّصّ، وهو الأسهل والأوضح للإجابة؛ إنّ نظرة سريعة وخاطفة على تاريخ النّشاط الفكريّ العلميّ في الفكر العربيّ الإسلاميّ، إبّان بداياته الأولى، يدلّ أنّ هناك سكوت - فعلًا - عن بعض العلوم الّتي كان التّأليف قد ابتدأ فيها، وقطع أشواطًا متقدّمة، غير أنّنا نفاجأ بأنّ نصّ الإمام الذّهبيّ يهملها إهمالًا تامًّا، ولا يشير إليها البتّة، والحال؛ أنّ المرجعيّة السلفيّة الّتي ينتمي إليها الذّهبيّ، هي الّتي أملت عليه أن يسكت عن هذه العلوم والمعارف، الّتي كانت قد تطوّرت نوعًا من التّطور.
ومن جملة ما يرى الجابري أنّ النّصّ سكت عنه؛ تدوين العلم وتبويبه عند الشّيعة، ثمّ الحركة المعرفيّة الّتي كانت تنشط بشكل كبير في مجال علم الكلام، الّتي لم تكن منفصلة، كما أبانت مجموعة من الدّراسات عن الصّراع الّسياسيّ المحتدّ يومئذ[20]، وكذا؛ علوم الأوائل أو الفلسفة، وأهمّ ما غفل عنه النّصّ - حسب الجابري - هو التّدوين في السّياسة الّذي باشره يومئذ أحد المثقّفين من ذوي الجنسيّة الفارسيّة، العاملين في البلاط العباسيّ (ابن المقفع)؛ الّذي عمل على ترجمة الموروث الفارسيّ إلى اللغة العربيّة، وهذا العمل - في الحقيقة - لم يكن بريئًا أو نابعًا من فضول معرفيّ بحت، ورغبة في اطّلاع العرب على تقاليدهم وعاداتهم وآدابهم؛ بل إنه كان يسعى إلى ترسيخ قيم فارسيّة في الثّقافة العربيّة، لهذا؛ فلا يستبعد أن يكون هذا التّدوين العربيّ للعلوم الدّينيّة والعربيّة، كما يستشفّ الجابريّ، ردًّا في الاتجاه المعاكس، ومعاندة لهذا التّيار القوميّ الفارسيّ الصّاعد، للحدّ من انتشاره وتوسّعه، خاصّة، أنّ ابن المقفع هذا، كما يلفت الجابري، كان ذا خطاب علمانيّ، يقصد أنّه خالٍ من الدّين كسلطة معرفيّة للنّصّ المقدّس.
تعقيبًا على ما أشار إليه الجابري من علمانيّة خطاب ابن المقفع؛ فإنّنا - في الحقيقة - لا نخفي تحفّظًا كبيرًا على توظيف هذه المفاهيم المعاصرة، لتوصيف حال فكر ينتمي إلى عصر لم يكن يتنفس من داخل هذا البراديغم المعرفيّ؛ ففي هذه الاستعارات كثيرًا من التّجنّي والتّعسف، المثير لغير قليل من الاعتراضات؛ فمن جهة: لم يكن عزوف ابن المقفع عن توظيف النّصّ الدّينيّ صادرًا عن اعتبارات تقدّميّة بحتة، كما يحيل عادة مفهوم العلمانيّة؛ بل على العكس من ذلك تمامًا، كانت الغاية من هذا الإقصاء للنّصّ الدّينيّ، هي إقصاء حامله؛ أي عالم الدّين والفقيه، وقد يتبادر أنّ هذا كان هدف التّيار العلمانيّ في أوروبا؛ أي تنحية رجل الدّين، لكن هذا الاستنتاج سطحيّ للغاية، ويقف عند الظّاهر فقط؛ فابن المقفع كان - في الحقيقة - يريد تنحية الفقيه، ونقل السّلطة المعرفيّة إلى الحاكم/ السّلطان[21]، وعلى عكس التّجربة الأوربيّة؛ فالفقيه في التّجربة الإسلاميّة لم يكن مؤسّسة تمارس على المجتمع قمعًا، كما هو الشّأن بالنّسبة إلى رجل الدّين في أوربا؛ بل يمكن أن نقول: إنّه كان مدافعًا عن حقّ الرّعيّة ضدّ الحاكم المستبدّ، من هنا؛ نفهم صفحة المحن الّتي عانى منها الفقهاء بسبب مواقفهم المعارضة للسّياسيّ، ومن جهة أخرى؛ فإنّ مفهوم العلمانيّة له تاريخ، فقد ظهر في أوربا - تحديدًا - بعد عصر النّهضة، لملابسات اجتماعيّة وسياسيّة، هي: ذلك الصّراع بين المؤسّسة الدّينيّة الّتي تفرض قيودًا على الفكر، والتّيار الفلسفيّ العقلانيّ المتحرّر، ومن هنا؛ فإنّ إطلاقه على فترة لم تكن تعرف أي شكل من أشكال العلمنة، يُعد خطأً منهجيًّا، وقبل هذا، لا يمكن إغفال أنّ الجابري - نفسه - خصّص فصلًا كاملًا في مؤلَّفه "العقل الأخلاقيّ العربيّ"، ينافح فيه عن إبراز القيم الكسراويّة الّتي عمل ابن المقفع على إدخالها للمجال العربيّ، والفكرة المحوريّة في هذه المنظومة: هي المماهاة بين الحاكم والإله[22].
بعد هذا الاستطراد، لنعد فنقول: إنّ الجابري لا يرى أنّ عمليات التّدوين هذه، كانت على نحو متوحّد؛ أي بمبادرات فرديّة تشيح بوجهها عن ما يموج في المجتمع، وفي تجاهل تامّ لنوايا الآخر؛ بل إنّه عمل جدليّ يستحضر - دائمًا - الخصم الفكريّ، يقول ناقد العقل العربيّ في دوافع هذه الحركة الثّقافيّة التّأصيليّة، بأسلوب استفهاميّ: "ألا يكون عمل ابن المقفع مظهرًا من مظاهر استراتيجيّة عامّة، كانت تهدف إلى تأسيس الثّقافة في المجتمع الجديد، مجتمع الدّولة العباسيّة الفارسيّة - العربيّة، على موروث ثقافة غير الموروث العربيّ الإسلاميّ، ثمّ ألا تكون عمليّة تدوين العلم وتبويبه، الّتي حدّثنا عنها الذّهبيّ في النّصّ الّذي انطلقنا منه آنفًا، نوعًا من ردّ الفعل ضدّ الخطر الّذي كان يشكّله ابن المقفع وأمثاله من المؤلّفين العلمانيّين؟"[23].
ويشكّك أحد الباحثين - من وجوه عدّة - في أهميّة عصر التّدوين ذاته؛ فإذا كان الجابريّ يرفع هذا العصر إلى درجة الإطار المرجعيّ، الّذي تشكّل فيه العقل العربيّ، والّذي سيظلّ اللّاحقون أوفياء له ولمعالمه؛ فإنّ طرابيشي يردّ على هذه الدعوى من وجوه عدّة؛ فمن جهة: يلحّ على التّنصيص على أنّ التّدوين انطلق قبل ذلك، موردًا مجموعة من الشّواهد التّاريخيّة، الّتي تثبت عمليات التّدوين قبل التّاريخ الّذي يحدّده الجابري، انطلاقًا من نصّ السّيوطيّ/ الذّهبيّ، وحسب طرابيشي، وتبعًا لنصّ أورده الذّهبيّ نفسه في "تذكرة الحفّاظ"؛ فإنّ التّدوين المنظّم بدأ مع انقلاب العباسيين على الأمويّين، يقول: "إنّه لم يقع في عام 143هـ أيّ شيء مميّز، وعلى الأخصّ، أيّ انقلاب معرفيّ، وإذا لم يكن بدّ من حديث عن انقلاب؛ فهو - بلا أدنى شك - انقلاب العباسيّين على الأمويّين عام 132هـ"[24]، ثمّ يضيف طرابيشي مؤكّدًا هذا المعطى التّاريخيّ: "والحال أنّ عصر هذا الانقلاب السّياسيّ يتطابق - رجاليًّا - مع عصر الطّبقة الرّابعة، بموجب تحديد الذّهبيّ نفسه"[25].
ومن جهة أخرى؛ يميّز الجابري بين "التّدوين" و"التّبويب"؛ فالّذي حدث في ذلك العصر هو التّصنيف والتّنظيم، بعبارة أخرى: عرض المادّة العلميّة في أبواب منظّمة، يقول طرابيشي في هذا الصّدد: "واضح للعيان؛ أنّ المهيمن على النّصّ القصير، هو مصطلح التّصنيف الّذي يتردّد إحدى عشرة مرّة، في حين أنّ مصطلح التّدوين - نفسه - لا يتردّد سوى ثلاث مرّات، بينما لا يأتي ذكر التّبويب إلّا مرّة واحدة، ولو كان النّصّ يكفي بمفرده للنهوض شاهدًا على تمخّض عصر معرفيّ بعينه، لكان ينبغي أن نتحدث عن عصر التّصنيف، لا عن عصر التّدوين[26].
ومهما يكن من أمر هذه المناقشة؛ فإنّ الجابري يأبى إلّا أن يعدّ هذا العصر؛ هو الإطار المرجعيّ الّذي تشكّل فيه العقل العربيّ، فما حدث في هذا العصر، لم يكن مجرّد نقل بريء على الصّحف لما كان يُتداول حفظًا واستظهارًا؛ أي لِما كان محفوظًا في القلب وحده؛ بل يتعدّاه إلى وضع قوانين للعقل، وتسييجه بحدود معلومة، وهذا ما يصرّح به الجابري، عندما يقول: "لم تكن العمليّة تنحصر في حفظ الموروث الثّقافيّ العربيّ الإسلاميّ من الضّياع، وهذا ما تدلّ عليه كلمة تدوين، ولا في تصنيف هذا الموروث حتّى يسهل تداوله، وهذا هو المقصود من التبويب؛ بل إنّ العمليّة كانت - في الحقيقة - عمليّة إعادة بناء ذلك الموروث الثّقافيّ بالشّكل الّذي يجعل منه تراثًا وإطارًا مرجعيًّا لنظرة العربيّ إلى الأشياء؛ إلى الكون، والإنسان، والمجتمع، والتاريخ"[27].
ولهذا؛ فإنّ جواب السّؤال الّذي طالما طرحه الجابري في كتابه عن أي عقل سيدرس؟ وإلى أيّ حقبة ينتمي؟ يمكن الآن رفع الأقواس عنه، لنجابهه ونجيب عنه: إنّه العقل العربيّ الإسلاميّ كما تشكّل في عصر التّدوين، وهو الّذي يرى الجابريّ أنّه لم يحدّد آليّات التّفكير في المستقبل فقط؛ بل استعاد الماضي - كذلك - على نحو ما، وأعاد تشكيله، هكذا؛ يمكن القول، تجوّزًا: إنّ عصر التّدوين؛ هو سفينة– كما يحلو للجابري أن يقول - تسبح في الفضاء، ونحن قابعون داخلها، وهي تشكّل للتّابعين لها الإطار المرجعيّ الّذي يسمح لهم بتحديد الأشياء، وينظرون إليها من داخل هذه السّفينة العالقة في الفضاء، وكذلك هو العقل العربيّ، إنّه يدين لهذا العصر؛ فمعالمه الّتي هي ملامح له، تبلورت في ذلك العصر.
[1] محمّد حبيدة، كتابة التّاريخ: قراءات وتأويلات، دار أبي رقراق للنّشر والطّباعة، الرّباط، 2013، ص 68
[2] نفسه، ص 73
[3] عابد الجابري، تكوين العقل العربيّ، ص 39
[4] نفسه، ص 42
[5] ممّن نقد هذا التّصنيف- كذلك- الأستاذ محمّد حبيدة، انظر فصلًا بعنوان: "مفهوم ما قبل الاستعمار: من أجل تحقيب جديد"، في كتابه "بؤس التّاريخ"، يجمل رأيه، فيقول: "يمكن القول: إنّ الأمر يتعلّق- منذ انتشار الإسلام إلى مجيء الاستعمار- بمرحلة إسلاميّة طويلة الأمد، مرحلة ذات تقلّبات سياسيّة حقًّا، لكن ذات بنيات اقتصاديّة واجتماعيّة وثقافيّة شبه ثابتة، إن لم نقل: ثابتة"
محمد حبيدة، بؤس التّاريخ: مراجعات ومقاربات، دار الأمان، الرّباط، 2015م، ص 29
[6] الجابري، تكوين العقل العربيّ، ص 38
[7] نفسه، ص ص 40-41
[8] يقول طرابيشي في توضيح هذه المفارقة: "الإبستيميّة عند فوكو- من حيث هي بالتّعريف سلك ناظم لجماع المعرفة في عصر معين- ممتدّة في المكان، ومتحوّلة في الزّمان، أمّا عند الجابري، الّذي يقلب وظيفتها من توحيد المعرفة إلى تشطيرها وتبعيضها؛ فهي- على العكس- متغيّرة في المكان، وثابتة في الزّمان".
جورج طرابيشي، إشكاليّات العقل العربيّ، دار السّاقي، بيروت، 2011م، ص 280
[9] كلود ليفي ستراوس، الأنتربولوجيا البنيويّة (Anthropologie structurale)، منشورات بلون، باريس، 1974م، ص ص24- 25
[10] الجابري، نفس المرجع السّابق، ص 41
[11] نفسه، ص 44
[12] Abdelwahab Bouhdiba, Culture et société. (Tunis: Publications de l’université de Tunis. 1978). P 206.
[13] جورج طرابيشي، إشكاليّات العقل العربيّ، دار السّاقي، بيروت، ص 10
[14] عبد الجابري، تكوين العقل العربيّ، ص 58
[15] عابد الجابري، تكوين العقل العربيّ، ص61
[16] جورج طرابيشي، إشكاليّات العقل العربيّ، ص 14
[17] نفسه، ص 16
[18] جلال الدّين السّيوطي، تاريخ الخلفاء، دار المنهاج، بيروت، 2013م، ص 424
[19] عابد الجابري، تكوين العقل العربيّ، ص 65
[20] في هذا الصّدد، يمكن مراجعة الكتاب الآتي، على سبيل المثال لا الحصر:
حسن إبراهيم حسن، تاريخ الإسلام السّياسيّ والدّينيّ والثّقافيّ والاجتماعيّ، دار الجيل، بيروت، 1996م.
[21] لتفاصيل أكثر؛ يُنظر فصل "المضمون السّياسيّ لرسالة الصّحابة لابن المقفّع"، في:
عبد المجيد الصّغير، الفكر الأصوليّ وإشكاليّة السّلطة العلميّة في الإسلام، دار المنتخب، بيروت، 1994م، ص 133 وما بعدها.
[22] انظر: فصلًا بعنوان: "الموروث الفارسيّ وأخلاق الطّاعة"، في:
محمّد عابد الجابري، العقل الأخلاقيّ العربيّ: دراسة تحليليّة نقديّة لنظم القيم في الثّقافة العربيّة، مركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت، ط 6، 2014م، ص131 وما بعدها.
على سبيل التّمثيل؛ يقول في أحد المواضع: "إنّ ابن المقفع - وقبله عبد الحميد - كان المشرّع للدّولة الكسرويّة في بلاد الإسلام، وهي الدّولة الّتي ما زالت قائمة فيها إلى اليوم، باسم دين الإسلام في الغالب"، نفس المرجع، ص 194
[23] محمّد عابد الجابري، تكوين العقل العربيّ، ص 70
[24] جورج طرابيشي، إشكاليّات العقل العربيّ، ص 21
[25] نفسه. عن تحديد الذّهبيّ الّذي يشير إليه طرابيشي، يقول الإمام عن الطّبقة الرّابعة، الممتدّ عصرها بين 120 و140: "في عصرها- هذه الطّبقة- تحوّلت دولة الإسلام من بني أميّة إلى بني العباس؛ فجرى- بسبب ذلك التّحوّل- سيول من الدّماء، وذهب تحت السّيف عالم لا يحصيهم إلّا الله بخراسان والعراق والجزيرة والشّام، وشرع الكبار في تدوين السّنن وتأليف الفروع وتصنيف العربيّة، ثمّ كثر ذلك في أيام الرّشيد، وكثرت التّصنيفات، وألّفوا في اللّغات، وأخذ حفظ العلماء ينقص، ودوّنت الكتب، واتّكلوا عليها".
الذّهبي، تذكرة الحفّاظ، ص ص 158- 160. نقلًا عن: طرابيشي، إشكاليّات العقل العربيّ، ص ص 21- 22
[26] طرابيشي، إشكاليات العقل العربيّ، ص 23
[27] عابد الجابري، تكوين العقل العربيّ، ص 64