هل حقّاً قرأ الغذّاميّ كتاب: كل ما يعرفه الرجال عن النساء أم هذا كل ما يعرفه الغذامي عن الكتاب؟


فئة :  قراءات في كتب

هل حقّاً قرأ الغذّاميّ كتاب: كل ما يعرفه الرجال عن النساء أم هذا كل ما يعرفه الغذامي عن الكتاب؟

هل حقّاً قرأ الغذّاميّ كتاب: كل ما يعرفه الرجال عن النساء

أم هذا كل ما يعرفه الغذامي عن الكتاب؟

يُعدّ الدكتور عبد الله الغذّاميّ من أكثر نقّاد الأدب والثّقافة إثارة للجدل والإشكال في عالمنا العربيّ. ولا غرابة في ذلك من مثقّف يميل إلى الاختلاف وينفر من المشاكلة والتّشابه، هكذا يصّرح، وعن هذا التّوجّه يدافع مستخدماً كلّ ما لديه من أدوات بيانيّة ونقديّة وعدّة ثقافيّة؛ بل يقول عن نفسه: "وأنا الرجل الذي ديدنه المغامرة والاقتحام" (اليد واللسان، ص131)، ويرى أنّ التخاصم طريقاً مَلَكيّاً (أو حصرياً) إلى تحقيق التفاعل الثقافيّ الصحيح؛ فيقول- مرّة أخرى- مؤكّداً على هذه الفكرة: "والسّيّئ حقّاً هو أن تمرّ الفكرة دون تفاعليّة. والتّخاصم تحديداً هو ما يصنع حيويّة التّفاعل" (حسابه على تويتر. تاريخ: 19/ 7/ 2018م.)

وعليه، فلا عجب من هكذا ناقد فذّ أن يُعلن موت النقد الأدبيّ وانتهاء وظيفته وانتفاء فائدته، ويتحوّل عنه إلى نقد جديد سمّاه النقد الثقافيّ الذي هو غير نقد الثقافة بحسب رأيه، وطلب إلينا أنّ نيمّم شطر نقده هذا، ساجدين خلفه وهو يؤمُّنا في صلاة تقديسيّة لهذا الرّب النقديّ الجديد تحت محراب توجيهاته وابتهالاته. وإذا كان منطق الصيرورة يقول: إنّ العجبَ لن يأتي بغير العجب والغرابةَ تنجب الغرابةَ؛ فلا غرابة أن يأتي نقد الغذّاميّ الثقافيّ بما يثير العجب، وتٌنجبَ لنا رؤيته النقديّة الجديدة من المقولات التي تسفّه الثقافة العربية وتناط سنامها طعناً وقتلاً، فيعلن أنّ الشعر العربيّ قد جنى على الأمّة وعلى تكوينها الفكريّ والسلوكيّ، ثمّ يُتبِع تلك المقولات بتفريعات وتحليلات لا تخلو من شيطان التفاصيل.

ولقد أجاد -حقّاً - الدكتور الغذّاميّ وبلغ مبتغاه في إثارة الجدل حول مقولاته، ونجح في صناعة التخاصم وإدارته، ابتغاء تحقيق التفاعل المنشود في ذهنه لبلوغ المجد الثقافي وريادته، غير أنّه كان دائماً سبّاقاً إلى ابتداء الجدل واصطناع التخاصم، وحريصاً على تحريكه كما يريد له ويرسم، وكان يتجنّب التخاصم الذي يكون مبدوؤه ورسمه من الآخرين.

ولأنّ الدكتور الغذّاميّ كان يتشكّى قائلاً: "وكم كنت أشكو في الماضي من أنّ ما أقوله من قول لا يجد أُناساً تسائلني عليه" (الموقف من الحداثة، ص83- 84)، وعليه، يحقّ لنا أو يجب علينا أن نستجيب لشكواه؛ فنسائله عن إحدى حكاياه:

فمن الإحالات الغريبة المثيرةِ للتّساؤل والعجب، هي إحالته في بعض كتبه إلى كتاب (كلّ ما يعرفه الرّجال عن النّساء/Everything men know about women) تأليف آلان بيس (Allan Pease)، وهو كتاب مغلّف بورق أبيض شفّاف جميل. هكذا أورده الغذّاميّ، وأطنب في الحديث عنه؛ فذكرَ أنّه في أستراليا صدر هذا الكتاب، وصاحب الكتاب له شهرة عالميّة، كما يذكر الغذّاميّ، والكتاب يحمل تصنيفاً عالميّاً، ومسجّل في عدد من المكتبات العلميّة والمؤسّسات الجامعيّة، وعليه اسم المؤلّف، وحقوقه العلميّة والماليّة مرصودة عالميّاً. ويضيف: لكنّك بعد أن تشتري الكتاب ستكتشف أنّه كلّه ورقات بيضاء لا شيء مكتوب فيها؛ لقد ذكر الدكتور الغذّاميّ ذلك التوصيف وكرّره في أربعة مواطن من كتبه ومقالاته، وهي: (ينظر: اليد واللسان، ص ص70- 71. كذلك: الجهنيّة، ص173. أيضاً: الثّقافة التّلفزيونيّة، ص130. كذلك مقال له في: جريدة الرّياض. تاريخ 18/3/2010م). وربّما في مواطن أخرى عدا تلك.

والغرابة أنّ الغذّاميّ قال إنّه لآلان بيس أو بيز(Allan Pease)، وهو كاتب أستراليّ ولد سنة(1952م). ولكنّ الكتاب ظهر بعد ذلك على الشّابكة العنكبوتيّة (موقع ويكيبيديا)، وصار ممكناً شراءه وتحميله من موقع أمازون، حيث تظهر صورة الغلاف باللغة الإنجليزيّة يحمل اسم المؤلّف (ألن فرانسيس/Allen Francis))، وهو طبيب نفسيّ أمريكيّ، ولد سنة(1943م)، وذو مكانة أكاديميّة وشهرة عالميّة تفوق مكانة الكاتب الأستراليّ وشهرته. ولقد ذكرت جريدة (الوطن) الكويتيّة، (تاريخ31/12/2016م)، أنّ الكتاب طُبع طبعات متعدّدة (20 طبعة)، ونسبت الجريدة في مقالها الكتابَ إلى (فرانسيس) وليس إلى (بيس)...!

فلا يمكن أن يكون في الأمر شبهة مصادفة في العنوان؛ لأنّ الكتاب كما ذكر الغذّامي مسجّل دوليّاً؛ وعليه: فلو حصلت هذه المصادفة، فلن يكون تطابقاً في العنوان وحسب، بل في العنوان والمضمون والمنهجيّة (باعتبار أنّ البياض يغطّي كلا النسختين)؛ فهذه سرقة حَرْفيّة كاملة وموصوفة لا تجوز في أعراف حقوق الملكيّة الفكريّة، خاصّة وأنّ الكاتب الأسترالي مشهور وموثوق، وحاليّاً تصدر له كتب تحقّق مبيعات عالية بالمشاركة مع زوجته، فمن المحال أن يصدر منه هكذا فعل...!!

فهل اطّلع الغذّامي على الكتاب، الذي قال إنّه أحد الذين اشتروه؟

وكيف يُصرّ الغذّاميّ على اسم المؤلّف، وهو الذي يُفترض أنّه يجيد اللغة الإنجليزيّة، وقد حصّل درجاته العلميّة الأكاديميّة بهذه اللغة، وفي جامعات تنطق بها؟!

والأمر لا يمكن أن يعود إلى خطأ مطبعيّ، أو سهو من جانب الغذّاميّ؛ لأنّه ذكره غير مرّة وفي أكثر من كتاب ومقال...!!!