هل نظريّة المجاز محلّ خلاف؟


فئة :  ترجمات

هل نظريّة المجاز محلّ خلاف؟

هل نظريّة المجاز محلّ خلاف؟

روبرت ك. غارسيا

ترجمة: حاتم الهادي السالمي

يضبط مايكل لوكس تمييزاً مهمّاً بين «المجاز» و«الشّكل» (في الفصل الأوّل من هذا المجلَّد)، ولذا، يتمثّل هدفي في هذا الفصل في استجلاء دلالة هذا التّمييز. وسيكون من المفيد، قبل عرض طروحاتي الرئيسة، إعطاء لمحة مؤقّتة عن اختلاف المجاز/الشّكل، وكذا شأن بعض المصطلحات.

وتُعدّ كلٌّ من المجازات والأشكال «خصائص مميّزة» من جهة كون أسس الميزة فيهما غير قابلة للاشتراك؛ ذلك أنّ المجازات والأشكال هي أسس الميزة؛ إذ إنّه بفضل الحصول على مجاز (شكل) فإنّ الكائن يُميَّز بطريقة ما.

وعلى سبيل المثال، إنّ كائناً يكون كرويّ الشّكل بحكم امتلاكه مجاز الكرويّة (الشّكل)، ومن ثمّ إنّ المجازات والأشكال غير قابلة للاشتراك على النّحو العامّ الآتي: عندما تكون (f) عبارة عن مجاز، أوْ شكل، وإذا كان شيء (O) به (f) في وقت (t)، فمن ثمّ لا شيء يختلف تمام الاختلاف عن (O) له (f) في (t). على سبيل المثال، إذا وُجد كائنان كرويا الشّكل متمايزان (a وb) في (t)، فإنّ كرويّة (a) وكرويّة (b) مختلفتان عدديّاً، حتّى لو كانتا متماثلتين غاية التّماثل من النّاحية النوعيّة. (في المقابل، وفقاً لنظريّة الكليّات، تكون الخاصيّات قابلة للاشتراك، وتكون كرويّة (a) وكرويّة (b) متطابقتان عدديّاً). وهكذا، يمكن بلورة الفرق الأساسيّ بين المجاز والشّكل على النّحو الآتي:

إذا كانت كرويّة شيء ما هي شكل، فإنّ الكرويّة في حدّ ذاتها ذات شكل كرويّ؛ وأمّا إذا كانت كرويّة الشيء عبارة عن مجاز، فإنّ الكرويّة ليست كرويّة في حدّ ذاتها. وفي الواقع، يُعدّ الشكل شيئاً ممَيّزاً بشكل فرديّ، في حين أنّ المجاز هو خاصيّة واسمة وسماً متفرّداً.

إنّ مفهوم الشّكل، للوكس، مفهوم جديد نسبيّاً، بينما مفهوم المجاز يتوافق مع ما يفكّر فيه معظم الفلاسفة المعاصرين عندما يستخدمون مصطلح «استعارة». وأنا أوافق على وجود مفهومين مختلفين تمّ ضبطهما بوساطة التّمييز. ومهما يكن من أمر، فعلى الرغم من أنّني كنت أعتقد سابقاً في أنّ مفهوم الشكل جديد، فإنّني أعتقد الآن خلاف ذلك.

وعلى نحو ما سأوضّح أسفله، فمفهوم الشّكل وقع الاشتغال به سابقاً في الأدب. ويمكن القول، في الواقع، إنّه المفهوم السائد «للمجاز». ومن ثمّ، إنّ تفريق لوكس بين «مجاز» و«شكل»، إنّما هو أفضل توصيف بوصفه تفريقاً بين مفهومين مختلفين للمجاز. ولكن للأسف، إنّ استخدام «مجاز» و«شكل» لوسم الاختلاف قد يكون مضلّلاً. وفقاً لذلك، أعرض أسفله مصطلحي مجاز مُحوِّر (بالنّسبة إلى «مجاز» لوكس) ووَحدة مجاز (بالنّسبة إلى «شكل» لوكس)، وإذا لم يكن مزيد من التّوصيف ينبغي قراءة المجاز ونظريّة المجاز بوصفهما شيئيْن محايديْن يقعان بين مفهومي المجاز.

وسأبيّن، فيما يأتي، كيف أنّ تمييز لوكس له أهميّة بعيدة المدى. أوّلاً، يطرح التّمييز بارتياح عن قرب «مسألة» الغموض والتناقض في الأدب، كاشفاً عن تصوّريْن مختلفتين اختلافاً جذريّاً لنظريّة المجاز. ثانياً، يركز التّمييز على التحديّات الفريدة التي تواجه كلّ من نظريّات المجاز الناشئة، ومن ثمّ وضع موضع سؤال المزيّة المزعومة لنظريّة المجاز-وبوقوفها على المسافة نفسها من خصومها، فإنّ نظريّة المجاز قادرة على «استعادة وجهات نظر هذه الآراء والحفاظ عليها». وفي النهاية، يشير الاختلاف إلى أنّ نظريّة «المجاز» هي محلّ اختلاف.

تتمثّل أهدافي، في القسم الأوّل، في توضيح الفرق بين مفهومين للمجاز، وملاحظة الفروق الأكثر جوهريّة التي تتضمنها. وأنا أنجز ذلك، إذاً، من خلال النظر في العلاقات المتداخلة بين نظريّة مجاز الحزمة واثنتين من أنطولوجيّاتها غير العلائقيّة المتنافسة ذات المقولة الأحاديّة: الاسميّة الصارمة ونظريّة الحزمة الواقعيّة. وأنا، هاهنا، أفكّر في الاقتراح القائل إنّ نظريّة حزمة المجاز تتحكّم في موضع لطيف جذّاب، إذا جاز التّعبير، بين الاسميّة الصارمة ونظريّة الحزمة الواقعيّة، التي تدمج بشكل فريد نقاط القوّة، وتتجنب نقاط ضعف هذه الآراء المتنافسة. وفي خاتمة المطاف، أنا أتصوّر وجود نظريتيْ مجاز مختلفتين اختلافاً جوهريّاً يشغلان هذا الموضع. وسأبيّن، في القسم الثاني، كيف يفسد تمييز هذه النظريّات لطف الموضع.

1. تقسيم الموضع الجذّاب:

سأبدأ هذا القسم بتفصيل العلاقات المتداخلة بين نظريّة الحزمة الواقعيّة، والاسميّة الصارمة، ونظريّة حزمة المجاز. ولوضع النقاط على الحروف، أبدأ بضبط مبدئيّ لكلّ من وجهات النظر هذه. ومن قِبل أنّه سيكون من المفيد مقارنة نظريّة حزمة المجاز مع هاتين النظريتيْن الأخرييْن التقليديتين، فسأعرضهما في المقام الأوّل. وسأمضي قُدماً في ضبط تمييزين أساسييْن. فهذه الفروق تضع في الإطار بوصلة منطقيّة ستُسخّر لتقديم التمييز بين مجازات الوحدة والمجاز المحور.

1.1. العلاقات المتداخلة في صفوف الأنطولوجيات التّأسيسيّة ذات المقولة الأحاديّة:

إنّ نظريّة الحزمة الواقعيّة، مثلها في ذلك مثل ما يُسمّى، إذاً، الأنطولوجيّات التّأسيسيّة الأخرى تأخذ في الاعتبار طبيعة الكائنات الملموسة عبر تصوّرها أنها ذات بنية ميتافيزيقيّة؛ ذلك أنّ كائناً ملموساً يقع بناؤه، حيث يكون متطابقاً مع مجموعة من الخصائص، أين يتمّ تفسير هذه الخصائص على أنّها كليّات. وعلاوةً على ذلك، يوجد مدافعون جُدد (مثل أوليري، وهوثورن وكوفر 1998) عن وجهة النّظر هذه، ولكن برتراند راسل في مؤلّفه (بحث في المعنى والحقيقة) (1940) ربّما كان مثالهم الأكثر شهرة. لاحظ أنه وفقاً لهذا الرّأي، تمتلك الأجسام الملموسة مكوّنات ميتافيزيقيّة، وجميع هذه المكوّنات هيكليّات.

وعلى خلاف ذلك، فالاسميّة الصارمة تنفي وجود خصائص. فمن وجهة نظرها، لا يوجد سوى أشياء ملموسة مثل الأشخاص، أو البطاطا، أو الإلكترونات. وفضلاً عن ذلك، تلحّ على أنّ التّقدير المناسب لطبيعة هذه الأشياء قد يكون ضمن هذا الإطار التفسيريّ المحدود؛ إنّها تقتصر، في حقيقة الأمر، على مصدر تفسيريّ واحد فحسب؛ الكائن الملموس نفسه متّخذاً كلّاً، أيْ كياناً بسيطاً غير مبنيّ بناء ميتافيزيقيّاً. كما تضيف بأنّه يمكننا تفسير طبيعة كائن ملموس دون التسليم بخصائص من أيّ نوع، سواء كانت خصائص معيّنة (مجازات) كليّات (أرسطيّة) محايثة، أوْ كليّات (أفلاطونيّة) متعالية. فهذا الضّرب من الرأي قد يُسند إلى و. ف. أو كوين (1954)، ولديه مدافعون جدد (على سبيل المثال ديفيت 1980، بارسونز 1999). وحسب الاسميّ الصارم، إذا كنا نريد واضعاً للحقيقة، بالنّسبة إلى جملة «هذه التفاحة حمراء»، فنحن بحاجة فقط إلى الإشارة إلى التفاحة نفسها باعتبارها معطى ميتافيزيقيّاً بسيطاً لا غنى عنه.

إنّ نظريّة الحزمة المجازيّة تُطلب لبلوغ حلٍّ وسط يجمع بين الأنطولوجيات المتنافسة أعلاه، وعادةً ما نُقل عن الفلاسفة الاستماتة في الدفاع عن هذا الرأي، الذي يشمل ديفيد وليمز (1953)، وكايث كامبل (1990)، وبيتر سيمونز (1994)، ودوغلاس إيرينغ (1997، 2011)، وحنّا صوفيا مورين (2002)، وبعض مذاهبه المألوفة هي على النّحو الآتي: توجد خصائص، والخصائص مجازات، وهي أجزاء؛ («كونها جزءاً» هو موضوع مثير لبعض الغموض، ولكن عادة ما تعني شيئاً مثل «لا يمكن أنْ يتضاعف في اللحظة نفسها» أوْ «من غير الممكن أنْ يكون موجوداً بصفة كليّة في أكثر من مكان واحد غير متداخل في الوقت نفسه»). الخصائص هي مكوّنات ميتافيزيقيّة أساسيّة للأجسام الملموسة؛ ذلك أنّ كلّ مكوّن ميتافيزيقي هو خصيصة. ويتمّ تمييز الشيء الملموس كما هو بحكم تمتّعه بخصائص باعتبارها أجزاء ميتافيزيقيّة. تؤكّد كلّ من نظريّة الحزمة الواقعيّة ونظريّة حزمة المجاز وجود الخصائص، ومع ذلك، بالنّسبة إلى نظريّة الحزمة المجازيّة، فالخصيصة لا يمكن أنْ تُمثّل تمثيلاً مضاعفاً. فإذا كان هناك كرتان مستديرتان متمايزتان، فإنّ منظّرة المجاز تلحّ على وجود استعارتين مختلفتين عدديّاً للاستدارة، واحدة في (أوْ لــــ) كلّ كرة. وفي الواقع، بناءً على وجهة نظرها، إنّ المجاز هو النّوع الوحيد من المكوّنات التي تتضافر (عبر «الضغط») لتشكيل كائن ملموس. ولكن المجازات يأخذ بعضها برقاب بعض كذلك (عبر التّشابه) لتكوين كليّات بديلة، أوْ أقسام الخصيصة؛ أيْ مجموعات من المجازات المتشابهة. تعمل هذه المجموعات على توفير القيم الدلاليّة للمصطلحات المفردة المجرّدة، مثل «الاحمرار» و«المثلّثيّة/الشكل المثلثيّ». أمّا الأخير، على سبيل المثال، فسيسم مجموعة من المجازات التي تتشابه في كونها مثلّثيّات. ويوجد المزيد حول هذه الفكرة فيما سيأتي. ويمكننا، الآن، عقب ملاحظتنا العلاقات المتداخلة بين وجهات النظر أعلاه النظر في الفضل المزعوم لنظريّة الحزمة المجازيّة. ووَفْقاً لبعض المنظرين البارزين لنظريّة المجاز، فإن إحدى مزايا نظريّة المجاز مستمدّة من تلك الحقيقة المتمثّلة في أنّها تقف، بشكل لا لَبْسَ فيه، على المسافة نفسها بين الأنطولوجيات المتنافسة ذات المقولة الأحادية. وتعليقات مورين هي تمثيليّة يعبّر عنها قولها:

«ببساطة، عندما يتفكّر المرء في المشكلات التي واجهت محاولات تطوير الأنطولوجيات ذات المقولة الواحدة دون المجازات، يجد، على الأقلّ، للوهلة الأولى، هذه الأمور غير بادية أن تكون مشاكل لا بدّ أنْ تواجهها النظريّة التي تتضمّن فقط مجازات. يواجه أنصار الاسميّة الكلاسيكيّة المقولة الواحدة ذاتها -الاسميّون، أي الذين يفترضون فحسب وجود أشياء ملموسة معيّنة [أي الاسميّون الصارمون] - مشكلة عند محاولة تقدير ما نحيل عليه بوصفه 'خصائص' هذه الأشياء. ويظهر الأمر كما لو أن الأشياء الملموسة ببساطة غير مبنيّة تماماً، وغير ملموسة تماماً، لدرجة تجعلها المكوّنات الأساسيّة للعالم. ومن ناحية أخرى، يبدو أنّ هناك صنفاً من الواقعيّين المناصرين للمقولة الواحدة الكليّة [الواقعيّون منظّرو الحزمة]، الذين يفترضون وجود كليّات فقط، يواجه مشكلة عند محاولة التّعامل مع العناصر الملموسة في العالم. إنّ الكيانات الأساسيّة المفترَضة من قبل واقعيّ- الكليّة تتحوّل ببساطة إلى كونها كليّة للغاية؛ حيث تسمح لنا بالتّعامل مع الوجود الواضح للأشياء الملموسة. ويبدو أنّ نظريّة المجاز تملأ الفجوة بين هذين الموقفين. فالمجاز جزئيّ، ومن ثمّ هو مناسب للتعامل مع الأشياء الملموسة، ولكنّه أيضاً نوعيّ، ومن ثمّ هو مناسب للتّعامل مع الخصائص. هذا كلّه يشير إلى أنّ آفاق نظريّة المجاز ذات المقولة الواحدة جيّدة بشكل غير عاديّ» (2002: 6). وقد أعرب آخرون عن أفكار مماثلة حول فضائل نظريّة المجاز؛ ذلك أنّ الادّعاء العامّ، هاهنا، يبدو على هذا النّحو: نظريّة المجاز أسمى من الاسميّة الصارمة، ونظريّة الحزمة الواقعيّة كليهما؛ لأنّ تصوّرها للأشياء الملموسة يتضمّن نقاط القوّة مع تجنّب مواطن الوهن في هذه الآراء. إنّ حجّة مورين تستحقّ مزيداً من التّدقيق. فالمشكل مع نظريّة الحزمة الواقعيّة تأسيساً على رأيها، يكمن في أنّ «كياناتها الأساسيّة... تتحوّل ببساطة إلى كليّة للغاية، حيث تسمح لنا بالتّعامل مع الوجود الواضح للأشياء الملموسة». وتعتمد مزايا هذا الادّعاء على ما تعنيه مورين بكائن «ملموس». وعلى الرغم من أنّ الأمر ليس واضحاً تمام الوضوح، فإنّه من المفترض أنْ يكون تفكيرها أنّ هذه الكائنات «ملموسة» من جهة كونها أجزاء؛ أيْ إنّها ليست نوعاً من الأشياء التي يمكن أنْ توجد وجوداً كليّاً في عدّة أماكن. فعلى سبيل المثال، في هذه اللحظة هذه الورقة هي هنا بالكامل، وليست في أيّ مكان آخر. وإلى حدّ الآن يخبرنا مُنظِّر الحزمة الواقعيّة أنّ الشيء الملموس لا يزيد عن كونه حزمة من الكليّات؛ أيْ كلّ واحدة منها يمكن أنْ تكون متضاعفة تضاعفا كليّاً في المكان. وهكذا، بناء على هذه القراءة، يتمثّل المشكل مع نظريّة الحزمة الواقعيّة في صعوبة بيان سبب لماذا حزمة تتألّف من كيانات تتضاعف بالكامل في مواقعها لا تكون هي نفسها مضاعفة بالكامل في موقعها. إذن، فالمشكل هو أنّ الكليّات لا توفّر نظريّة حزمة واقعيّة بموارد كافية لتأسيس خصوصيّة الأشياء الملموسة. ومن ثمّ، فإنّ الاضطراب الحاصل في نظريّة الحزمة الواقعيّة ماثل في اعتبارها جميع العناصر المكوّنة للحزمة كليّات، وحتّى إذا كان من المفتَرض أنْ تكون الحزمة نفسها مفردة. وفي المقابل، تعدّ نظريّة الحزمة المجازيّة جميع المكوِّنات في حزمة ما أجزاء/أفراد؛ لذلك ليس من المستغرب أنْ تكون الحزمة نفسها مفردة. ولذلك، تُعدّ نظريّة الحزمة المجازيّة أفضل من نظريّة الحزمة الواقعيّة عندما يتعلّق الأمر بتأسيس خصوصيّة الكائنات الملموسة. وكما هو الشأن مع نظريّة المجاز لا تتأسّس الاسميّة الصارمة على الخصوصيّة. إنّها تتّخذ الخصوصيّة على كونها حقيقة أوليّة حول الكائنات الملموسة، وتنكر أنّ هذه الكائنات لها أيّ أجزاء ميتافيزيقيّة -أقل بكثير من أيّ أجزاء كليّة قدْ تهدّد خصوصيّة الكائن. فالخلل في الاسميّة الصارمة هو ما إذا كان يمكن تصوّر الظّاهرة التي تطال طبيعة الأشياء الملموسة تصوّراً شافياً ضافياً. في الحقيقة، توجد دواع تجعلنا نعتقد أنّ الاسميّة الصارمة ضعيفة تأسيساً على هذه النتيجة. فخللها على نطاق واسع نابع من رفضها وضع أيّ شيء إلى جانب الأشياء الملموسة، مثل بداهات ميتافيزيقيّة. فهي، من ناحية، ترفض افتراض أيّ بنية ميتافيزيقيّة جوهريّة، ومن ثمّ رفض ما يُسمّى الأنطولوجيا التّأسيسيّة. ومن ناحية أخرى، ترفض افتراض أيّة مصادر غير محايثة للميزة، ولا سيّما المتعالية، ومن ثمّ رفضت ما يسمّى الأنطولوجيا العلائقيّة. وعلى خلاف ذلك، فإنّ مُنظِّر الحزمة المجازيّة يقدّر الميزة عبر تبنّي الأنطولوجيا التأسيسيّة التي يكون فيها للكائن الملموس مميّزات فرديّة، مجازات، باعتبارها أجزاء ميتافيزيقيّة.

ومع ذلك، فإنّ كلّاً من الاسميّة الصارمة ونظريّة الحزمة الواقعيّة لها نقاط قوّة، ويقال إنّ هذه القوّة متجسّدة في نظريّة الحزمة المجازيّة.

وفقًا لجورج مولنار إنّ الأمر الصحيح حول الاسميّة الصارمة كونها تمتنع عن «التحرّك غير المبرّر وغير الضروريّ [المتمثّل في افتراض] أنّ ليس من الأجزاء أكثر من الأجزاء» (2003: 24). وأمّا ما هو صحيح عن الواقعيّة، فقوامه «أنّ الواقعيّة عبر إدراج الخصائص ضمن محتويات العالم غير القابلة للاختزال تسمح لنا ببناء تفسيرات صلبة لحقائق الإسناد والسببيّة أوْ الصلة الاسميّة، التي تمّ حظرها من قبل الاسميّة الصارمة» (2003: 24). ومن المفترض أنْ يحافظ منظّر الحزمة المجازيّة بشكل فريد على ما هو صحيح في شأن هذه الآراء. أوّلاً، تتخّذ النظريّة الكيانات الأساسيّة خصائص (مثل الكليّات)، ولكنّها مفردة (على عكس الكليّات، ولكن مثل الأشياء الملموسة للاسميّ الصارم). وثانياً، تتّخذ كائنات ملموسة ليتمّ بناؤها (على نقيض تلك الكائنات الموصولة بالاسميّ الصارم) من كيانات أكثر أساسيّة (مثل الكائنات الموجودة في نظريّة الحزمة الواقعيّة).

1.2. نوعان من نظريّة المجاز:

هكذا يقال إنّ نظريّة المجاز فريدة من نوعها في قدرتها على استعادة رؤى كلٍّ من نظريّة الحزمة الواقعيّة والاسميّة الصارمة (Molnar 2003: 23). غير أنّ الفكرة القائلة إنّ نظريّة الحزمة المجازيّة تحتكر موقعاً دقيقاً بين أنطولوجيات المقولة الأحاديّة المنافسة لها هي موضع تساؤل عبر تمييز لوكس المجاز من الشّكل، أوْ ما أسمّيه المجاز المحوِّر ووَحدة المجاز؛ ذلك أنّ التّمييز يبيّن وجود نظريّتيْن في المجاز مختلفتيْن في الأساس بين نظريّة الحزمة الواقعيّة والاسميّة الصارمة. وعلى هذا، سأبيّن أنّ لطف المنزلة المزعومة التي تشغلها نظريّة المجاز هي وهم، نتيجة الخلط بين وحدات المجاز والمجازات المحوّرة. إنّه بوسعنا أنْ نتبيّن وجود مجال لمفهومين للمجاز، وذلك بضبط تمييزين تقليديين وأساسيين: الجزئيّ/الكليّ هذا التّمييز الأوّل، والكائن/الخصيصة هذا التّمييز الثاني. ولسوء الحظّ، غالباً ما يتمّ استخدام المصطلحات المتعارضة لتسمية هذه الفروق، وأحياناً يقع استخدام مصطلح واحد ليسع أكثر من مفهوم واحد مناسب. ولقد اخترت، فيما سيأتي، ما أعدّه علامات مناسبة، ولكنّني لست مهتمّاً كبير اهتمام بالدفاع عن ملاءمة الفروق التي أنجزوها، وعن مصداقيّتها. وعلى نحو ما سنرى، من المفترَض أنْ يكون كلا النّوعين من المجاز جزئيّاً. ومن ثمّ، من المهمّ بغية توضيح الاختلاف بينهما، التّركيز على التمييز بين الجزئيّ/الكليّ أقل من التّركيز على التمييز بين الكائن/الخصيصة.

إنّ التّمييز الجزئيّ/الكليّ في الأدب عادةً ما يُضبط بمصطلحات موصولة بما إذا كان شيء ما يمكن أنْ يتضاعف في الموقع. ومن هذا المنطلق، من المحتمَل أنْ تكون الكليّات متعدّدة المواقع بالكامل في أماكن غير متداخلة في الوقت نفسه، في حين أنّ الأجزاء ليست كذلك (انظر كامبل1990: 12 وأوليري هوثورن وكوفر 1998: 211-12). وسأستمرّ في استخدام التمييز على هذا النّحو. إنّ التّمييز بين الكائن/الخصيصة يتعلّق بما يطلق عليه ج. أ. كافير وجون أوليري هوثورن «عدم قابليّة التنبّؤ -في مثل هذه الحالة فالماهية الفرديّة ليست مقولاً (غير متأصّل في) عن أيّ شيء؛ حيث إنّ الخصائص هي مقول (متأصّل في) الماهيات» (1999: 11). وقد يقول المرء إنّ هذا التّمييز يسم الاختلاف بين مواضيع خطابنا وما نقوله عنها. ومع ذلك، فإنّ وضع هذا التمييز على هذه الشّاكلة يمكن أنْ يضلّل المرء بالاعتقاد بأنّ التمييز إنّما هو تمييز لغويّ، أوْ لا يمكن تبريره، على الأقلّ، إلا باستدعاء البنية اللغويّة، أو استخدام اللّغة. إنّ رؤية لوكس للتّمييز ليست مضلّلة بهذه الطريقة؛ فحسب لوكس، التّمييز الكائن/الخاصيّة يغطّي الفجوة التصنيفيّة بين خاصّية ومالك الخاصيّة (انظر: الفصل الأوّل من هذا الكتاب). ولسوء الحظّ، يحتاج هذا التفسير أيضاً إلى شيء من التّجويد.

أولاً، لن يجدي نفعاً القول إنّ الكائن هو ببساطة مالك خصيصة. فإذا ثمّة خصائص، ويمكن القول، حينئذٍ، إنّ بعض الخصائص هي نفسها مالكة لخصائص. فمن المعقول، على سبيل المثال، التّفكير في أنّه إذا يوجد شيء مثل الاحمرار، فإنّ الاحمرار له خاصيّة كونه لوناً. ولكن، على أقلّ تقدير، يجب أنْ يَستوعب تمييز الكائن/الخاصيّة تلك الأنطولوجيات التي توجد بها مثل هذه الخصائص ذات النظام الأعلى. (ومن ثمّ، إنّ خصائص الترتيب الأوّل التي تحتوي على خصائص ذات الترتيب الأعلى ليست كائنات أصليّة، على الرغم من أنّها تضطلع بوظيفة كائنات بالنّسبة إلى تلك الخصائص ذات التّرتيب الأعلى).

ويوجد قلق ثانٍ أكثر أهميّة يتعلّق بنظرة لوكس للتّمييز. فقد يوحي مفهومه «مالك لخاصيّة» أنّه من المستحيل أنْ توجد كائنات ولا توجد «معها» خصائص. ولكن، على الأقل بالنّسبة إلى أهدافنا، لا ينبغي أن يكون للتمييز هذا الاستتباع، من قبل أنّه سيطرح، إذاً، السؤال ضدّ الاسميّة الصارمة التي سوف تصرّ على أنّ أنطولوجيّتها ممتلئة تماماً بالكائنات، أين تلك الكائنات تُميَّز حقّاً، على الرّغم من عدم وجود خصائص أوْ ميزات في حدّ ذاتها. ويدّعي، بعبارة أخرى، أصحاب الاسميّة الصارمة وجود كائنات لا وجود خصائص. فهذه النّقطة مهمّة بشكل خاصّ لتمثّل مفهوم الوحدة المجاز. وينكر، على النّحو الذي سنرى، وفي اتّجاه المعنى المهمّ، كلٌّ من الاسميّ الصارم ومنظّر وحدة المجاز وجود خصائص، بينما يصرّحون بوجود كائنات مميَّزة.

ولحسن الحظّ، توجد طريقة لتحديد التّمييز الذي ينبغي أنْ يناسب أغراضنا. فقد اتّخذ بعض العلماء الميتافيزيقيين على نمط تقليديّ مفهوم الخاصيّة على أنّه أحد المفاهيم الأساسيّة الذي يتمّ تقديمه تقديماً نمطيّاً عبر التأشير. وقلْ نحن مدعوّون إلى تدبّر التّفاح الطريّ والأملس الموجود فوق الطاولة. نلاحظ ملاسة وطراوة باعتبارها مميَّزة من تلك التي هي نفسها ملساء وطريّة.

وهكذا، نلاحظ خصائص أوْ ميزات التفّاحة، ونلاحظ التفّاحة المميَّزة بسمكها. فهذا الأمر الأخير ليس ميزة أوْ خاصيّة، ولكنّه شيء مميّز أو مخصوص. وعلى هذا النّحو نصل إلى التّمييز المفهوميّ المناسب؛ إذْ يوجد من ناحية مفهوم خاصّية (ميزة، نوعيّة، وما إلى ذلك). ويوجد، من ناحية أخرى، مفهوم لشيء هو مميَّز، ولكنّه ليس في حّد ذاته خاصيّة أوْ ميزة. وسأطلق على المفهوم الأخير مفهوم كائن.

فهذه الطريقة لتحديد التمييز تسمح للاسميّ الصارم بالتأكيد أنّ الكائنات فقط توجد. وبالإضافة إلى ذلك، لا يعني إلقاء هذه النظرة على التّمييز أنّ خصيصة ما لا يمكن أنْ تكون هي نفسها مميَّزَة. إنّها تتفق مع وجود بعض المعنى الذي تكون فيه الكرويّة شكلاً، والشجاعة فضيلة... إلخ.

يتمثّل الهدف حتّى الآن في لفت الانتباه إلى تمييزين مهمّيْن؛ تمييز الكليّ/الجزئيّ، وتمييز الكائن/الخاصيّة. لذا تولّد هذه الفروق المفاهيم المعقدّة الأربعة الآتية: كليّ-خصيصة، وجزء-خصيصة، وجزء-كائن، وكليّ-كائن. ومن ثمّ، إنّ التمييزيْن الكائن/الخصيصة والكليّ/الجزئيّ يشكّلان مربّع البوصلة المنطقيّة الآتية:

كليّ جزئيّ

مربع 3 كائن - كلّي

مربع 1 كائن -جزء

مربع 4 خصيصة- كلّي

مربع 2 خصيصة- جزء سأستدلّ بهذه البوصلة لأشير إلى الفوارق الأساسيّة بين الاسميّة الصارمة ونظريّة الحزمة الواقعيّة، ونظريّة المجاز المحوّر، ونظريّة وحدة المجاز. سأشير أوّلاً إلى مواطن الاتفاق ومواضع الخلاف بين نظريّة الاسميّة الصارمة ونظريّة المجاز المحوّر. وسأناقش، بعد ذلك، نظريّة وَحدة المجاز وأظهر كيف تَسقط في الفضاء النظريّ بين التصوّريْن الأخيرين.

يكمن الاتّفاق الأساسي بين الاسميّة الصارمة ونظريّة المجاز المحوّر في القدرة على وضع مصطلحات التمييز الكليّ/الجزئيّ. يتفق كلا التصوّرين على أنّ الجانب الكلّي لهذا التمييز له بالضرورة امتداد فارغ، وهم بذلك يؤيّدون الجز آنيّة الصارمة، وهي المذهب القائل بوجود أجزاء فقط ضرورةً؛ لذلك يتفقون على أنّ المربّعيْن الثالث والرابع فارغان. ومع ذلك، فبينما يتفق الاسميّ الصارم ومنظّر المجاز المحوّر على أنه لا توجد إلا أجزاء، فإنّهما يختلفان بشأن أنواع الأجزاء الموجودة.

ويصرّ الاسميّ الصارم على أنّه في صفوف الأجزاء توجد فقط كائنات، في حين يعتقد منظر المجاز المحوّر أنّه في صفوف الأجزاء يوجد معاً كائنات وخصائص. وبمعنى آخر، يعتقد الاسميّ الصارم أنّ المربّعات (2 و3 و4) فارغة، في حين يعتقد مُنظِّر المجاز المحوّر أنّ المربّعين (3 و4) فقط هما فارغان.

وبالنّسبة إلى الاسميّ الصارم، تندرج جميع الكيانات في المربّع الأوّل، وتكون مبدئيّاً ممَيَّزة تمييزاً داخليّاً كثيفاً؛ حيث يمكن تمييز كلّ كيان منها بطرائق شتّى. لنفترضْ أنّ كرة معيّنة هي مفردة، فسيُقال إنّ الكرة ذات لون محدّد وحجم محدّد وشكل محدّد، فهي، من ثمّ، كائن مميَّز تمييزاً داخليّاً كثيفاً. (وبالطبع، فإنّ الاسميّ الصارم سينكر بأنّها مرتهنة بوجود إمّا خصائص عبّرت عنها تلك المحمولات، أوْ إمّا ببعض نوع البنية الميتافيزيقيّة الكائنة في الكرة). وأمّا بالنسبة إلى مُنظِّر حزمة المجاز المحوّر، فالكيانات في المربع الأوّل تُبنى، بأيّ حال من الأحوال، انطلاقاً من أكثر الكيانات الأساسيّة ميتافيزيقيّاً في المربّع الثاني. وهذا يعني أنّ الكائنات الفرديّة تتكوّن بالكامل من خصائص جزئيّة، أوْ لنقل بشكل أكثر تخصيصاً، تتكوّن من ميزات جزئيّة محدَّدة تحديداً تامّاً. وبالرّجوع إلى مثال الكرة، قد يقول منظّر المجاز المحوّر إنّ للكرة عديداً من الخصائص المكوّنة، مثل الاحمرار القرمزي والكرويّة، اللّذين هما جنباً إلى جنب مع المجازات الأخرى للكرة الأخرى، يميّزان بشكل كثيف الكائن/الكرة.

ويمكننا، الآن، أنْ نلاحظ أنّ هناك اختلافين أساسيين بين الاسميّة الصارمة ونظريّة المجاز المحوّر، وأنّ هذين الاختلافين مدارهما على التّمييز الكائن/الخاصيّة. بادئ ذي بدء، بينما ينكر الاسميّ الصارم وجود خصائص، فإنّ منظّر المجاز المحوّر يصرّح بوجود خصائص وبأنّ تلكم الخصائص تؤسّس الأرضيّة الميتافيزيقيّة للوجود. ثانياً، بينما يؤكد الرأيان كلاهما وجود كائنات، فإنّ الكائنات أساسيّةٌ ميتافيزيقيّاً في الاسميّة الصارمة، في حين أنّ الكائنات مبنيّة بناء ميتافيزيقيّاً (من خلال المجازات) ومن ثمّ مشتقّة من نظريّة المجاز المحوّر. إنّ الكيانات الأساسية للاسميّ الصارم هي أجزاء، ولكنّها أيضاً هي كائنات؛ أيْ إنّها كائنات مميّزَة ولكنّها ليست بميزات. وإنّ الكيانات الأساسيّة لمنظر المجاز المحوّر التعديل هي أجزاء، ولكنّها ليست كائنات؛ إنّها ميزات. فكلّ كائن بالنسبة إلى مُنظِّر المجاز المحوّر يُنشأ إنشاءً كاملاً من الجزئيّات الأساسيّة، ولا سيّما من خلال خصائص معيّنة. لذا، فالكائن، على وجه التّخصيص، هو حزمة من المجازات ذات الحضور المشترك. لذلك، من المناسب وصف المجاز المحوّر باعتباره «الجزء المميَّز بكثافة إلى أقصى حدّ»، من قِبل أنّ كلّ مجاز محوّر يمنح الكائن (الذي هو مكوّن منه) ميزة واحدة مخصوصة محدّدة تحديداً كاملاً. أوْ لنقل، بتعبير آخر، كلّ مجاز محوّر يميّز كائناً ما بطريقة واحدة محدّدة تحديداً كاملاً. وتأسيساً على وجهة نظر المجاز المحوّر، على سبيل المثال، إذا كان كائن ما كرويّاً، فذلك بسبب وجود مجاز كرويّة بوصفه مكوّناً؛ حيث لا يكون ذلك المجاز ذاته كرويّاً.

لهذا يوجد الكثير من التناقض في نظريّة الاسميّة الصارمة ونظريّة المجاز المحوّر. فنحن، الآن، في موضع تدبّر نظريّة وَحدة المجاز، التي تشغل الحيّز النظريّ بين الرأيين الأخيرين. وفي الواقع، على النحو الذي سنتبيّنه، تُعدّ نظريّة وَحدة المجاز أقرب في روحها إلى الاسميّة الصارمة من نظريّة المجاز المحوّر. وما أسمّيه هنا وَحدة المجاز يقدمّه لوكس تحت مصطلح «الشّكل» في هذا المقطع:

«قد يقترح المرء أنطولوجيا اسميّة لها ذرات ميتافيزيقيّة، وهي ما يمكن أنْ نطلق عليه 'أشكال'، في حين أنّ المجازات هي خصائص جزئيّة؛ أشياء مثل هذا الاحمرار، وهذا الشكل المثلثيّ، هذا الشحوب؛ فالأشكال هي مفردات رقيقة؛ أشياء مثل هذا الشيء الأحمر الفرديّ، وهذا الشيء المثلّث الفردي، وهذا الشيء الشاحب الفردي. لذا، سيكون الزعم أنّ الأشياء المألوفة هي حزم من الأشكال الموجودة». (انظر: الفصل الأوّل من هذا الكتاب).

لإصلاح مفهوم وحدة المجاز (الشّكل)، لنتذكّر المربّع الأوّل الذي يقدّم مفهوم الكائن-الجزء؛ ذلك أنّ وحدة المجاز هي كيان أساسيّ يقع في المربع الأوّل. غير أنّ وحدة المجاز ليست الكائن المميّز تمييزاً كثيفاً عند الاسميّ الصارم. فوحدة المجاز، بالأحرى، هي كائن مميَّز بشكل فرديّ، أوْ رفيع إلى أقصى حدّ.

ويمكننا أنْ نحصل على فكرة أفضل عن مفهوم وحدة المجاز بتدبّر عاقبة فشل الاسميّة الصارمة. بالنسبة إلى الفيلسوف الذي يعترف بهذا الفشل، ولكنّه يريد تقديم تفسير كافٍ عن طبيعة الكائنات الملموسة، إن الخطوة الطبيعيّة تتمثّل في توسيع موارد المرء التفسيريّة عبر استدعاء شيء ما، فضلاً عن الكائن الملموس نفسه الذي يقع اعتباره بمنزلة كلٍّ غير مبْنِيّ ميتافيزيقيّاً، ومن ثمّ، إنّ إحدى الطرائق لتوصيف الفرق بين التصوّرين من نظريّة المجاز كامنة في المصطلحات المتعلّقة بمدى استجابتها لفشل الاسميّة الصارمة. لذا يستجيب، باختصار، مُنظِّر المجاز من خلال اتخاذ خطوة واحدة بعيداً عن الاسميّة الصارمة، في حين أن مُنظِّر المجاز المحوّر يتّخذ خطوة إضافية ثانية.

تتمثّل الخطوة الأولى، التي يتخذها مُنظِّر المجاز المحوّر، في تبنّي الأنطولوجيا التأسيسيّة؛ فهي تضع المكوّنات الميتافيزيقيّة داخل الكائن الملموس. والخطوة الثانية التي يتّخذها هي تفسير هذه المكوّنات باعتبارها تنتمي إلى مقولة مختلفة عن مقولة الكلّ، أو كائن ملموس. إنّها تعتبر المكوّنات منتميةً إلى مقولة الخصائص. وفي الحقيقة، هذه خطوة كبرى دالّة جدّاً، فهي أبعد ما يكون عن الاسميّة الصارمة مقارنة بالخطوة الأولى؛ لأنها تمنح شيئاً ما للواقعيّ التقليديّ؛ ذلك أنّ مقولة الخاصيّة بحاجة إلى أنْ يتمّ نشرها بعد كلّ شيء. وفي الواقع، تكشف هذه الخطوة الثانية فجوة بين الكائن الفرديّ الملموس الذي لا غنى عنه وخصائصه المكوّنة له التي لا غنى عنها. وعلى الرغم من أنّ هذا المكان ليس بالمكان المناسب لمناقشتها، يمكن القول إنّ هذا النوع من الفجوة يثير تحديّات بالنّسبة إلى نظريّة المجاز المحوّر (لنقاش هذه الفكرة، انظر غارسيا 2009، 2014ب وم. س أ)، وهذا هو بالضبط نوع الفجوة الذي يقلق لوكس في الشاهد أعلاه.

في المقابل، لا تتّخذ منظّرة وحدة المجاز إلّا خطوة واحدة فقط تتجاوز الاسميّة الصارمة؛ إنّها مثل مُنظِّر المجاز المحوّر، تتبنّى أنطولوجيا تأسيسيّة، ومن ثمّ تفترض مكوّنات أكثر أساسيّةً من الناحية الميتافيزيقيّة يتمّ انطلاقاً منها بناء كائنات ملموسة. ولكن، على نقيض منظّر المجاز المحوّر، فإنها تقوم بهذا بلا تنازل للواقعيّ؛ أيْ دون اتّخاذ الخطوة الإضافيّة في بناء تلك المكوّنات على أنّها خصائص، بل وتعدّ المكوّنات الأساسيّة كائنات. ومن المؤكّد، أنّ هذه المكوّنات ليست الكائنات المميّزَة تمييزاً كثيفاً يلائم المنطق السليم؛ بل يمكننا، بالأحرى، وصفها باعتبارها كائنات مميّزَة ذات بعد وحيد، أوْ باعتبارها كائنات مميّزَة رقيقة إلى أقصى حدّ. ومع ذلك فوحدة المجازات هي كائنات. وفي تقدير مهمّ تشبه وحدة المجاز كائنات الاسميّ الصارم؛ فكلّ منهما هو كائن ذو طابع مميَّز وليس بميزة. وبتعبير آخر، يرفض كلّ من الاسميّ الصارم ومنظّر وحدة المجاز ملأ أيّ مربع عدا المربع الأوّل. ولاحظْ أنّ الخطوة الوحيدة التي اتخذها مُنظِّر وحدة المجاز لا يبدو أنّها تكشف فجوة تصنيفيّة بين كائن ملموس ومكوّناته؛ أيْ كلاهما كائن، وكلاهما من المربّع الأوّل، واختلافهما يكمن في درجة سمك طبيعتهما. وعلى سبيل المقارنة، لاحظ أنّ الأجزاء الأساسية للاسميّ الصارم هي أيضاً كائنات؛ أيْ إنّها كائنات مميَّزة، لكنها ليست ميزات في حدّ ذاتها. ولكن الأجزاء الأساسيّة لمنظّر المجاز ليست كائنات؛ أيْ إنّها خصائص، أوْ ميزات (وهذا يتّسق مع الخصائص «التي لها» ميزة رسميّة كأن تكون جزءاً، أوْ أنْ تكون خاصيّة). وهكذا، بينما تتّفق الاسميّة الصارمة ونظريّة وحدة المجاز على أنّ جميع الكيانات تقع في المربع الأوّل، فإنّ المنظّر الأخير قد يقول إنّ بعض عناصر المربع الأوّل تتكوّن من عناصر أخرى من المربّع الأوّل. وفي ما يتعلق بنظريّة وَحدة المجاز، بينما يُعدّ كلّ شيء كائناً مخصوصاً، فإنّ الكائنات الملموسة (كائنات -مخصوصة ممَيّزة تمييزاً كثيفاً) تتشكّل بوساطة وحدات المجاز (كائنات -مخصوصة مميَّزة تمييزاً رقيقاً). وبهذا المعنى تمتلك نظريّة وحدة المجاز في روحها مزيّة أنْ تكون أقرب إلى الاسميّة الصارمة مقارنة بنظريّة المجاز المحوّر. ولاجتناب الخصائص تماماً، فإنّ نظريّة وحدة المجاز تقّدر أنّها أكثر شموليّةً لشكل الاسميّة من نظريّة المجاز المحوّر. (في الواقع، في موضع من المواضع، أزعم أنّ نظريّة وحدة المجاز تهدّد بالانحدار إلى الاسميّة الصارمة). ولتوضيح هذه الاختلافات، تدبّرْ على أيّ نحو تنظر نظريّة حزمة المجاز في كلّ طريقة تفكير مدارها على المجازات. وتأمّل فيما نودّ عادةً وصفه باعتباره جسمين كرويّين صلبيْن، سَمِّهما أوربو (Orbo) وأوربا (Orba). وفي النظريّتين كلتيهما، كلّ واحد من هذين الكائنين يتكوّن بالكامل من المجازات. على سبيل المثال، أوربو (Orbo) لديه صلابة (1) وكرويّة (1)، في حين أنّ أوربا لديه صلابة (2) وكرويّة (2) (تعمل هذه الرّموز باعتبارها منبّهاً على أنّ هذه الميزات -الأسس غير قابلة للمشاركة). وفي كلتا النظريّتين، يتشكّل أوربو وأوربا بشكل متماثل بفضل أنّ كرويّة (1) وكرويّة (2) ذواتا وجود متماثل بالتّحديد؛ إذْ تختلف النظريّات على النّحو الآتي: فمن ناحية أولى، تقول نظريّة المجاز المحوّر إنّ كرويّة (1) ليست كرويّة في حدّ ذاتها، وإنّ صلابة (1) ليست في حدّ ذاتها صلبة. وبشكل أعمّ، لا يُعدّ أيّ مكوّن من مكوّنات أسس الميزات في أوربو كائناً في حدّ ذاته. وبدلاً من ذلك تسير هذه المكوِّنات معاً بطريقة أوْ بأخرى (عبر «التّجميع») لتشكّل كائناً. وهكذا، اعتماداً على نظريّة المجاز المحوّر، الكائنات غير موجودة في تأسيس الوجود. ومن ناحية أخرى، تقول نظريّة وحدة المجاز إنّ كرويّةَ (1) كرويّةٌ وإنّ صلابةَ (1) صلبةٌ. وهكذا، يتكوّن أوربو بالكامل من كائنات أساسيّة ذات ميزات رفيعة متضمّنة ما يمكن وصفه بشكل أكثر دقّة، حسب لوكس، على أنّه الشيء الكرويّ (1) والشيء الصلب (1). وفضلاً عن ذلك، فأوربو هو كائن غير أساسيّ؛ إنّه كائن لأنّ أجزاءه هي أشياء، ولكنّه كائن غير أساسيّ لأنّه مميَّز تمييزاً اشتقاقيّاً، بحكم كون مكوّناته (مبدئيّاً) مُميَّزة. وهكذا، اعتماداً على نظريّة وحدة المجاز، فإنّ الأجسام العاديّة ذات السمات المكثفة لها سماتها اشتقاقيّاً بفضل تلك الأجسام الرفيعة المميَّزة ذات الطابع الأوليّ التي تشغل أساس الوجود.

2. توتّر الموضع الجذّاب:

لقد بيّنت حتّى الآن أنّ هناك نظريّتيْ مجاز مختلفتين اختلافاً جذريّاً يحتلان الحيّز النظريّ بين الاسميّة الصارمة ونظريّة الحزمة الواقعيّة. إنّ التّفريق بين وحدة المجاز والمجاز المحوِّر يثير التساؤل حول الادّعاء الذي يتمّ تقديمه، في بعض الأحيان، باسم نظريّة المجاز، وذلك على وجه التّحديد عبر احتلال الموضع الدّقيق، بشكل منفرد، بين خصومها؛ كما أنّ نظريّة المجاز قادرة على «استعادة بريق هذه الرؤى والحفاظ عليها». ويتمثّل هدفي، في هذا القسم، في بيان أنّ دقّة هذا الموضع قد توتّرت من خلال الانقسام بين نظريّة وحدة المجاز والمجاز المحوّر. ولإنجاز ذلك، سأناقش مشروعين كانا أساسيين في تطوير نظريّة المجاز، ما أسمته مورين بناء الأشياء (في القسم 2.1) وبناء أقسام الخاصيّات (في القسم 2.2). وفيما يتعلّق بكلّ قضيّة، أهفو إلى عرض شيئين. أوّلاً، أنّ التفريق بين وحدة المجاز والمجاز المحوِّر يعكس التناقض والغموض على نطاق واسع داخل نظريّة المجاز. ثانياً، أنّ التّوضيح يثمر في صورة أوضح للتّحديات الفريدة التي تواجه كلّ تصوّر من نظريّة المجاز.

2.1. التّحديّات المتعلّقة ببناء الأشياء:

أنتقل الآن إلى القضايا المتعلّقة بتصوّر المجاز النظريّ للكائنات الملموسة، أوْ «الأشياء»، فهدفي، هاهنا، مزدوج. أوّلاً، أهدف إلى توضيح وجود غموض ناتج يكتنف مفهوم المجاز؛ أيْ غموض يعيّن اختلاف المحوّر/الوحدة؛ لأنّ منظّري المجاز كانوا أقلّ وضوحاً في شأن الدّور (الأدوار) التي من المفترض أنْ تنهض بها الركائز في الأنطولوجيات المتنافسة. ثانياً، يوضّح هذا التمييز أنّ نظريّات المجاز الناشئة هذه لها نقاط قوّة ونقاط ضعف مختلفة عندما يتعلّق الأمر بمهمّة «بناء الأشياء». في الواقع، يبدو أنّ كلّ وجهة نظر تواجه تحديّات كبيرة، وأنّ هذه التحديّات قد تمّ حجبها عن طريق خلط نوعي المجاز.

ولقد بيّن كايث كامبل أنّ بوسع أنطولوجيا المجاز الاستغناء عن الأجزاء المجرّدة، وحجته هي أنّ الأجزاء المجرّدة غير مرغوب فيها، وغير ضروريّة. فهي غير مرغوب فيها لأنّه يُعتقد أنّها غامضة، أوْ قائمة على المفارقة، وهي غير ضروريّة على أساس أنّ الدور الذي يُفترض أنْ تضطلع به يمكن أنْ تؤدّيه المجازات. فلنطلق على الادّعاء الأخير أطروحة التكافؤ؛ إذْ يمكن القول إنّ أطروحة التكافؤ مثيرة للاهتمام فقط إذا كانت مصحوبة بأطروحة كون المجازات هي ميتافيزيقيّاً بسيطة. ويبدو أنّ مورين (2002: 101-15)، على أيّ حال، تعترف بهذه النقطة (ومع ذلك راجع جون بيكون (1995: 2)، الذي يبدو أنه يريد أنْ يبقى محايدًا في هذا الصدد). ولْنسمِّ الأطروحة القائلة إنّ المجازات بسيطة أطروحة البساطة. وعلى غرار ما أقرّ كريس دالي (1997) بأنّه ما لم يكن المجاز بسيطاً، فسيعدّ المفردة المجرّدة النائبة عن الكليّ المركّب بمنزلة مجاز، وفي هذه الحالة تفشل نظريّة المجاز في تمثيل بديل حقيقيّ للآراء المتنافسة. في الواقع، يُقال إنّ الفضل النظريّ لنظريّة المجاز يتمثّل في حقيقة أنّ ما يعدّه الواقعيّ معقّداً يتكوّن من جزئيات مجرّدة موصولة بكليّ (كيانات مختلفة مقوليّاً تنهض بأدوار متمايزة)، يتّخذه منظّر المجاز على كونه مجازاً بسيطاً (كيان مفرد يضطلع بأدوار متعدّدة)، ولا تتمتّع نظريّة المجاز بهذه المزيّة الأوليّة إلّا إذا كانت الاستعارات بسيطة. ومهما يكن من أمر، سأفترض أطروحة البساطة في ما يأتي.

يشير مُنظّر المجاز البسيط، من خلال أطروحة التكافؤ، إلى الأدوار المختلفة البسيطة التي تنهض بها العناصر في المفردة المجرّدة النائبة عن الكليّ. وعلى هذا النّحو، تمّ تقديم مفهوم المجاز وتعريفه جزئياً من جهة الأدوار التي من المفترَض أنْ تضطلع بها الأجزاء المجرّدة. ولسوء الحظّ توجد، على الرغم من ذلك، اختلافات فيما يتعلق بما يُفترض أنْ تكون عليه هذه الأدوار. وهذا يؤدي إلى غموض يتّصل بطبيعة المجاز؛ ذلك أنّ إيجاد حلّ للغموض يؤدّي إلى التمييز بين المجازات المحوِّرة ووحدة المجاز.

إن كتابة كامبل ليست مؤثِّرة دائماً للتمييز بين نوعَي المجاز؛ إذْ توحي لغته، في بعض الأحيان، بأنّه كان يأخذ في ذهنه في الاعتبار المجازات المحوّرة، وعلى سبيل المثال، كامبل مرتاح لتوضيح نظريّته من خلال الحديث عن استعارة الشجاعة واستعارة كونه من آكلي الخيزران، ولكن من الصعب أنْ نرى كيف يمكن أنْ تكون هذه الاستعارات بمنزلة وحدة مجاز. وإذا كان الأمر كذلك، فسيتمّ التخلّص من استعارة الشجاعة نفسها لأداء الأعمال البطوليّة في ظروف معيّنة، واستعارة أكل الخيزران ستكون في حدّ ذاتها قادرة على تذوّق النباتات ومضغها. ومع ذلك، على العموم، إنّ المفهوم الغرضيّ في كتابات كامبل يتمثّل في مفهوم وحدة المجاز، وقد أكّد كامبل هذا التفسير في محادثة. إنّ أحد المواضع المثيرة للاهتمام أيْن يمكن أنْ يُساء فهم كامبل، بوصفه مفترِض المجازات المحوّرة، هو دفاعه عن أطروحة التكافؤ؛ إذْ يقول إنّه من المفترَض أنْ تنهض الركائز الأساسية بدور واحد فقط، ألا وهو التّخصيص. وهذا الأمر، على نحو ما سنرى، يؤدي بطبيعة الحال إلى التفكير في أنّ الاستعارات إنّما هي مجازات محوِّرة. إنّ كامبل، في سياق المقطع التالي، بصدد مقارنة نظريّة حزمة المجاز بالأنطولوجيا التأسيسيّة ذات المقولتين المتنافستيْن، والتي تعدّ أنّ كائناً ما يتكوّن من جزء مجرّد وكليّات. وبناء على مثل هذا الرّأي، ينهض الجزء المجرّد بوظيفة حاسمة في بناء خصوصيّة الكائن، وهي وظيفة لا يمكن أنْ تنهض به كليّاته. ويقرّ كامبل بأنّ نظريّة المجاز تتطوّر اعتماداً على مثل هذا الرأي؛ لأنّ الدور التخصيصيّ الذي يمكن أنْ تنهض به الخصائص المكوّنة (لأنّها أجزاء) يجعل الأجزاء المجرّدة غير ضروريّة:

«إنّ [جزءاً مجرّداً] هو متضلّع في الخصوصيّة: إنّه يقع تقديمه في النظريّة على أساس أنّه هو الذي يؤدي دور التخصيص وليس غيره... المجازات هي مخصوصة، ولكنّها ليست أجزاء مجرّدة ودورها مزدوج؛ هو أنْ تكون سمات مخصوصة» (1990: 58).

ويتّضح في بقيّة هذا المقطع أنّ كامبل يفكّر في الخصوصّية؛ بمعنى أنْ تكون غير قابلة للتّكرار (أيْ غير قابلة للتّمثيل المتضاعف، أوْ غير قابلة للمشاركة)، أوْ أنْ يكون لها موقع فريد الأبعاد (تفهم هنا على نطاق واسع؛ حيث تشمل الموقع إمّا في الزمان والمكان أو إمّا في بعض نظائر الزّمان والمكان). وهكذا، يجادل كامبل في أنّه إذا كانت الخصائص المكوّنة أجزاء/ مفردات، فيمكنها، من ثمّ، تأسيس كلّ من ميزة الكائن العادي وخصوصيّته، ومن ثمّ فإنّ الجزء المجرّد غير الاقتصاديّ والمربك لا لزوم له. وبناءً على هذا الفهم للرّكائز، يُفترض أنْ تنهض بدور واحد فقط، ألا وهو دور التّخصيص. أطروحة التكافؤ، إذاً، تبلغ مبلغ الادعاء أنّ المجازات، لأنّها استعارات مخصوصة، تقيم حقيقة مفادها أنّ حزمة المجازات غير قابلة للتَّكرار. ومن ثمّ، بناءً على هذا الفهم للرّكائز، إذا كان يتحتّم التفكير في الاستعارة بوصفها مركّباً مختزَلاً للركائز النّائبة عن الكليّ، فإنّ المجازات، حينئذٍ، هي خصائص بسيطة غير قابلة للتّكرار، أوْ هي مجازات محوّرة.

صحيح أنّ بعض الفلاسفة، الذين عدّوا أنّ كائناً عاديّاً يكون مكوَّناً من كليّات وركائز، قد طرحوا هذه الرّكائز من أجل تأسيس خصوصيّة الكائن. ولكن، يوجد سبب آخر كامن وراء افتراض الفلاسفة للركائز: وذلك من أجل توفير موضوع نهائيّ للخصائص. إنّه كيان مميَّز بخصائص. الفكرة، هاهنا، قوامها أنّه ما لم يوجَد، في المرّكب، مكوّن ليس له خاصيّة؛ أي غير مشتقّ أوْ مميَّز بخصائص مكوّنة لهذا المركّب، فإنّ المرّكب نفسه ليس بمستطاعه، حتّى اشتقاقيّاً، أنْ يُميَّز من جهة الطرق المحدَّدة بوساطة تلك الخصائص التأسيسيّة. فمن المفترَض أنْ تنهض المفردة المجرّدة بهذا الدور؛ في نطاق ما ذُكر أعلاه حول الاختلاف بين الخاصيّة والكائن، فإنّ المفردة المجرّدة هي كائن؛ أيْ إنّها ليست بخاصيّة مميَّزة. وقد يبدو الزّعم بأنّ مفردة مجرّدة مميّزَة أمراً مفاجئاً، إن لم يكن متناقضاً، من قِبل أنّه يُفتَرض على نطاق واسع احتمال أنْ تكون مفردة مجرّدة شيئاً لا يمتلك أيّ خصائص. ولكن هذا الافتراض خاطئ، ويمكن القول إنّه يتبع هامش (!) منجَز بوساطة ويلفريد سولارس (1963 أ: 282، 1) الذي يتمّ فيه تصوير المفردات المجرّدة بهذه الطريقة. ومع ذلك، من المفترَض أنْ يُكذّب تجريد المفردة المجرّدة حقيقة أنّه لا توجد أيّ خصائص التي لها بالأساس أيّ خصيصة، أو ليس لها بالأساس أيّ خصيصة على الإطلاق. وعلاوةً على ذلك، لا يفضي تجريد مفردة مجرّدة إلى فشل المفردة المجرّدة في إرضاء أيّ وصف. وعلى الأرجح، فإنّ المحمولات هي مُرضيَة بالضرورة عبر مفردة مجرّدة تتمسّك بأنّ المحمولات لا تسمّي خصائص مجسّمة. وهكذا، فالمحمولات «كونها مفردة مجرّدة» و«كونها لا تملك خصائص بشكل أساسيّ» (وما إلى ذلك) لا تعيّن خصائص. فجيمس بورتر مورلاند، وتيموثي بيكافانس (2003) كانا قد طوّرا نظريّة المفردات المجرّدة على امتداد هذا المسار. ولكن، الغاية، هنا، لا تتمثّل في الدّفاع عن تماسك المفردات المجرّدة، ولكن الغاية بالأحرى تكمن في أنّ كامبل مخطئ في الاعتقاد بأنّ المفردات المجرّدة من المفترَض أنْ تؤدي «الدور التخصيصيّ وليس غيره»؛ ذلك أنّه يوجد دور آخر من المفترَض أنْ تنهض به الأجزاء؛ أيْ على وجه التّحديد تلك التي ليس لها خصيصة مالك الخصائص، والتي لها خصائص بمعنى أنّها مميَّزة بها. وقوام الفكرة أنّه، على سبيل المثال، عندما يكون الجسم الكرويّ هناك أكثر من مجرّد كروّية، فيوجد أيضاً شيء كرويّ شيء محدّد بطريقة كرويّة. وباختصار، يوجد، على الأقلّ، دَوْران تُوظّف المفردات المجرّدة لتنهض بهما: أوّلاً، من المفترَض أنْ تجعل المفردة المجرّدة، في المركّب الكليّ للمفردة المجرّدة النائبة، ذلك المركّبَ غيرَ قابل للتّكرار (أي غير قابل للمشاركة أو غير قابل للتّمثيل المضاعف). ثانياً، من المفترَض أنّ المفردة المجرّدة الواقعة في مركب كليّ نائب عن مفردة مجرّدة تكون مميَّزةً بالكليّ الموجود في المركّب. والحاصل هو كما يأتي: وفقًا لأطروحة التكافؤ، يمكن أنْ تنهض المجازات بالأدوار التي يمكن أنْ تضطلع بها المفردات المجرّدة. ومن ثمّ، إذا اعتقدنا أنّ المفردات المجرّدة تضطلع فحسب بالدور الأوّل، فعندئذٍ، من خلال أطروحة التكافؤ سنُساق إلى الاعتقاد في الاستعارات على أنّها مجازات محوِّرة. وفي هذا الإطار من التّفكير، على سبيل المثال، تعدّ استعارة الكرويّة مخصوصة فحسب، على اعتبار أنّها خصيصة غير قابلة للاشتراك. ومع ذلك، إذا اعتقدنا أنّ التفاصيل المجرّدة تنهض بالدورين كليْهما، فعندئذٍ، سنفكّر عبر أطروحة التكافؤ في الاستعارة بوصفها كياناً غير قابل للاشتراك، و(عبر أطروحة البساطة)، باعتبارها كياناً مميَّزاً تمييزاً أوليّاً؛ أيْ عبارة عن وحدة مجاز. وعلى هذا الطراز من التّفكير، فاستعارة الكرويّة أمر مخصوص باعتبارها في حدّ ذاتها (تجريديّاً) كائناً كرويّاً.

نجمل، فنقول، يشير كامبل إلى الأدوار البسيطة المختلفة التي تنهض بها المفردات المجرّدة بشكل خاصّ في مركّب كليّات تجمع مفردة مجرّدة. وبهذه الطريقة، تمّ تقديم مفهوم المجاز و/أوْ تعريفه جزئيّاً من جهة الأدوار التي من المفترَض أنْ تنهض بها المفردات المجرّدة. ومع ذلك، توجد خلافات بشأن ما يفترَض أنْ تكونه هذه الأدوار. والنتيجة الحاصلة هي الغموض الذي يكتنف تمييز وحدة المجاز من المجاز المحوِّر، الذي يمثل تصوّرين من نظريّة المجاز. فنحن، الآن، في وضع أفضل يسمح لنا بفهم نقاط القوة والضعف المختلفة لهذين التصوّرين عندما يتعلقّ الأمر بمهمّة «إنشاء الأشياء».

وعلى نحو ما لاحظنا، إنّ الدور المهمّ الذي أنيط بعهدة المفردات المجرّدة للقيام به هو أنْ تكون مميَّزة أوْ مخصَّصة. ويبدو واضحاً أنّ شيئاً ما يجب أنْ ينهض بهذا الدور، وإلّا فلن يكون هناك شيء (لنقلْ) كرويّ. وعلى خلفيّة العناء النّاجم عن الفشل في تفسير حقيقة فكرة مورين القائلة إنّ هناك كيانات مميّزَة، يبدو أنّ منظّر المجاز الذي يرفض المفردات المجرّدة يقع تحت طائلة ضغط كبير ليقرّ بأنّ المجازات تنهض بهذا الدور. وهذا يعني أنّ الباحثة المذكورة تتعرّض إلى إكراهات من أجل اعتبار الاستعارة بسيطة، وناهضة بالدور الذي هو مميَّزٌ بوساطة خصيصة من الخصائص، ومن ثمّ يبني الاستعارة بوصفها كائناً بسيطاً ميتافيزيقيّاً، وكائناً منفرداً مخصَّصاً، أوْ وحدة مجاز. ويبدو أنّ هذا الضغط النظريّ لاحظه ديفيد أرمسترونغ:

«إنّ المزيّة المهمّة تلك التي [المجازات المحوّرة مع الركائز] لها موقف حول تصوّر حزمة المجازات تتمثّل في أنّها تبعدنا عن فكرة أنّ الخصائص [الاستعارات، في هذه الحالة] تشبه الأشياء. فالخصائص موجودة، وهي كيانات، ولكنّها ليست بأشياء. بدلاً من ذلك، فهي طرق تكوّن الأشياء» (1997 ب: 25).

وعلى نحو ما توحي به استطراداتي، فإنّني في هذا المقطع أرى أنّ أرمسترونغ يأخذ في الحسبان نظريّة في تضاعيفها تكون المجازات المحوّرة مصحوبة بركائز، وهي وجهة نظر يتبنّاها للظفر بمزيّة عدم بناء الاستعارات بوصفها أشياء (أي اعتبار الاستعارات وَحدة مجازات). وفقاً لذلك، لا تنهض الاستعارات، بالنسبة إلى منظّر المجاز الذي يتخّذ الاستعارات على كونها مجازات محوّرة، بالدور الثاني المذكور أعلاه بالنّسبة إلى المفردات المجرّدة. لذا، فالاستعارات هي الميزات أوْ الخصائص بدلاً من كونها الكيانات التي هي مميَّزة أوْ مخصَّصة. ولكن، إذا لم تضطلع الاستعارات بالدور الثاني، فمن المفترَض أنْ يقوم نوع آخر من الكيانات بذلك. ومن ثمّ، يواجه مُنظِّر المجاز المحوّر ضغطاً هائلاً لقبول شيء مثل المفردات المجرّدة، أوْ الركائز.

والنتيجة هي أن منظّر المجاز يبدو أنّه يواجه اختياراً يقع بين رأيين:

(TT1) اعتبار الاستعارات وَحدة مجاز غير مصحوبة بمفردات مجرّدة.

(TT2) اعتبار الاستعارات مجازات محوّرة مصحوبة بمفردات مجرّدة.

تمثل الأرقام الموجودة في المختصرات حقيقة أنّ (TT1) هو عبارة عن مقولة أنطولوجية واحدة، في حين أنّ (TT2) عبارة عن مقولتين أنطولوجيتين. بالنسبة إلى (TT1)، إن اختيار وحدة المجاز له مزايا جعلِ المفردات المجرّدة غير ضروريّة، وتجنّب الأنطولوجيا متعدّدة المقولة. ومع ذلك، على نحو ما سأناقش أدناه، فإنّ هذا الرأي لا يخلو من المبالغة. وسنرى، على نحو دقيق، أنّ افتراض كون الاستعارات هي وحدة مجاز من شأنه أنْ يجعلها عرضة لاعتراضات أنموذج غودمان. ولنتدبّر الآن (TT2)، يبدو أن العديد من منظرّي المجاز يجدون المفردات المجرّدة إمّا غامضة بشكل غير مقبول وإمّا غير متّسقة اتّساقاً واضحاً. ومع ذلك، فإنّ قبول الرّكائز إلى جانب الاستعارات هو بالتحديد ما يبدو أن مايكل لابوسير (1994) وكلود برنار مارتان (1980) يوصيان به لأسباب يمكن القول إنّها مماثلة للأسباب التي وقع أخذها في الاعتبار هنا. وبالطبع، للقيام بذلك يجب التخلّي عن حلم الأنطولوجيا أحاديّة المقولة.

باختصار، فيما يتعلّق بمهمّة «بناء الأشياء»، فإنّ وحدة المجاز والمجازات المحوّرة لها مظاهر قوّة وضعف مختلفة؛ ذلك أنّ الخلط بين النوعين من المجاز معاً قد حجب التحديّات التي تواجه كلّ نوع منهما.

2.2. التحديّات المتعلّقة ببناء أقسام الخصيصة:

سأدرس، في هذا القسم، كيف يحمل تمييز وحدة المجاز من المجاز المحوّر مسألة ثانية كانت أساسيّة في تطوير نظريّة المجاز: بناء أقسام الخصيصة. إنّ قسم الخصيصة في نظريّة المجاز هي قسم مشابه لقسم الاستعارات، حيث يتمّ تعريف الانتماء إلى القسم من جهة درجة التّشابه. وبشكل أكثر تحديداً، فإنّ قسم المجموعة (S) من المجازات هو قسم الخصيصة، إذا كان (1) كلّ عضو في المجموعة (S) يشبه كلّ عضو آخر في المجموعة (S) بدرجة معيّنة، و(2) لا توجد استعارة ليست عضواً في المجموعة (S) تشبه كلّ عضو في المجموعة (S) إلى تلك الدرّجة من الشبه (مانلي 2002: 77). وفقاً لوليمز وكامبل، يمكن لأقسام خصيصة المجاز أنْ توفّر القيم الدلاليّة بالنّسبة إلى المصطلحات المجرّدة، مع اجتناب كلّ من كليّات الواقعيّ المبهمة والاعتراضات القويّة التي أثارها نيلسون غودمان ضدّ اسميّة قسم الكائنات المتشابهة. ومن ثمّ تنهض أقسام الخصيصة بدور مهمّ في نظريّة المجاز، وهو دور وصفه ديفيد مانلي على النّحو الآتي: «بشكل عامّ، كلما كانت لدينا حاجة غير قابلة للاختزال للإحالة على (أوْ كميّة أعلى) خصيصة، وجدنا قسماً من الكائنات يُدعى «قسم الخصيصة» «مناسب ليكون موضوع خطابنا» (2002: 75). ومع ذلك، على غرار ما سنرى، فإنّ الاختيار بين وحدة المجازات والمجازات المحوّرة له بالغ الأثر على ما إذا كانت نظريّة المجاز، وعلى أيّ نحو يمكن أنْ تكون، منيعة ضدّ اعتراضات غودمان. في الواقع، سوف نرى أن نظريّة وحدة المجاز تكون أكثر تأثّراً بهذه الاعتراضات من نظريّة المجازات المحوّرة، بيد أنّ اختيار المجازات المحوّرة له ضريبة كبيرة.

وسأنظر لبيان ذلك الأمر في تحدّي ديفيد مانلي للادّعاء القائل إنّ أقسام خصيصة منظّر المجاز محصَّنة ضدّ اعتراضات غودمان. ولأنّ المساحة للخوض في هذه المسألة مضبوطة، فأهدافي ستكون هي أيضاً كذلك. لذا، فليس في نيّتي تقديم كلّ حجج مانلي، ولا تقييم أيّ منها بطريقة شاملة. وبدلاً من ذلك، سأناقش الحجج التي بمقتضاها يكون التمييز بين وحدة المجاز والمجازات المحوّرة الأكثر تناسباً. وسنرى أنّ مانلي يبدو غير واعٍ بهذا التمييز؛ ذلك أنّه يعدّ استعارات ستاوت، ووليمز، وكامبال كائنات مميّزة تمييزاً رقيقاً، أوْ يعدّها وحدة مجازات. ومع ذلك فالافتراض العماد أنّ الاستعارات هي وحدة مجاز ليس وجيهاً؛ إنّه برهان أساسيّ في أغلب اعتراضاته على نظريّة المجاز. وفضلاً عن ذلك، سنجد أنّ هناك أسباباً للشكّ في أنّ اعتراضات مانلي ستكون قويّة، إذا تمّ إعادة صياغتها لتناسب المجازات المحوّرة.

الهدف الأساسي لاعتراضات مانلي هو ما يسمّيه التصوّر «القياسيّ/ النمطيّ» لنظريّة المجاز الذي فيه يظهر الأمران الآتيان:

(i) كلّ استعارة هي مجاز محدّد.

(ii) أقسام الخصيصة إنّما هي أقسام تشبه الاستعارات، وليست جميع أقسام الخصيصة مبنيّة على أساس تشابه كلّي مع الاستعارات؛ فبعضها يتشكّل من تشابه غير دقيق أوْ فضفاض (مانلي 2002: 82).

يبدو مانلي، وهو يتّخذ النظرة القياسيّة كي يقبل بــــــــ (i)، واضعاً في ذهنه ما يقول عنه كامبل هو «مبدأ يلاقي قبولاً حسناً»؛ مبدأ التّحديد المطلق (PAD): يقول كامبل «لا يمكن أنْ يكون لأيّ شيء ميزة قابلة للتّحديد دون امتلاك على وجه التّدقيق سمة واحدة محدّدة تحديداً تامّاً [تحت طائلة ذلك القابل للتّحديد] ...» (1990: 83-84).

الإضافات الموضوعة بين معقوفتين لم يضفها كامبل، وإنّما من المفترض أنّها كانت ضمنيّة؛ من دونها يمنع مبدأ التّحديد المطلق كلّ شيء من أنْ يكون له أكثر من ميزة محدّدة بالكامل؛ إذْ يعبّر مبدأ التحديد المطلق عن الفكرة البدهيّة القائلة إنّ لا شيء يمتلك ميزة فقط قابلة للتّحديد للقول: كونه ملوَّناً ما لم يوجد بعض ظلال اللّون المحدّدة تحديداً تامّاً، مثل اللّون القرمزي الأزرق. هذا مبدأ معقول للغاية. وما يثير الاهتمام هو أنّ كامبل يسحب مبدأ التحديد المطلق، ليس على الأشياء الملموسة العاديّة فحسب، ولكن على المجازات كذلك. وانطلاقاً من مبدأ التحديد المطلق يستدلّ بأنّه «لا توجد... محدّدات طليقة بلا قيد» (1990: 84)، ممّا يعني بوضوح تأكيد ما يمكن أنْ نسمّيه التحديد المطلق للمجازات (ADT): بمقتضاه توجد الاستعارات المحدّدة تحديداً تامّاً فحسب؛ ولا توجد مجرّد استعارات يمكن تحديدها.

فقبول مبدأ التحديد المطلق للمجازات هو ما يجعل تصوّراً من نظريّة المجاز «معياريّاً»، حسب مصطلحات مانلي.

ولكن لاحظ أنّ مبدأ التّحديد المطلق يتضمّن التحديد المطلق للمجازات، إلّا إذا تمّ تفسير الاستعارات على أّنها وحدة مجاز. فمبدأ التحديد المطلق يمنع وجود الكيانات التي لها مجرّد ميزة قابلة للتّحديد.

ومن الواضح تماماً أنّ كامبل يفكّر في أنّ استعارة محدّدة، مثل «مثال اللون» ينبغي أنْ تكون هي في حدّ ذاتها ملوَّنة، ولكن ليست، بأيّ حال، ملوّنة بأيّ طريقة مخصوصة. ستكون ملوّنة، ولكن، بطريقة ما، لا قرمزيّة، ولا زرقاء قرمزيّة، ولا... إلخ. ومن ثمّ، في رفض الاستعارات القابلة للتّحديد فقط، يشتغل كامبل اشتغالاً واضحاً بمفهوم وحدة المجاز. ويفكّر مانلي أيضاً في الاستعارات على هذا النّحو. ومن الجليّ، في كلّ مقالاته، أنّه يفكّر في الاستعارات بوصفها كائنات مميّزَة تمييزاً رقيقاً، وهذا واضح من خلال اعتراضاته، وأيضاً من كيفيّة وصفه لأمثلته من الاستعارات (2002: 84-85):

* بعض استعارات اللّون هي مائلة إلى الحمرة، وبعضها مائل إلى الزّرقة، وبعضها أصفر باهت.

* وحيث إنّ (A) هو شكل استعارة لمثلّث متساوي الأضلاع، فإنّ (A) هو نفسه متساوي الأضلاع.

* وحيث إنّ (B) هي شكل استعارة لمربّع، فإنّ (B) نفسها لها جوانب عموديّة، وكذلك زاوية داخليّة مستقيمة.

ومن المؤكد أنّ مانلي يؤوّل أفكار كلّ من كامبل ووليمز على نحو معقول، وكما هو مبيّن أعلاه، فإنّ المفهوم الغرضيّ، بالنّسبة إلى هذين الفيلسوفيْن معاً، هو مفهوم وحدة المجاز. ومن ثمّ، على غرار موقفهما، إنّ اعتراضات مانلي تستهدف منظّر وحدة المجاز. وفيما يأتي سأفكّر فيما إذا كان بإمكان منظِّر المجازات المحوِّرة تفادي اعتراضات مانلي، أوْ التصدّي لها على الأقلّ.

اعتراض مانلي الأوّل على نموذج غودمان يتمثّل في مشكل المصاحبة (CP):

«إنّ جوهر مشكل المصاحبة هو أنّ أقسام التشابه تخلط بين الصفات الممَيَّزة حدسيّاً... تقع نظريّة المجاز المعياريّ فريسة لمشكل المصاحبة التي تتعلّق بالامتداد المشترك بين الصفات الخاصّة والعامّة. فلنتفكّر في عالم مُمْكن حيث تكون جميع الكائنات حمراء. وهاهنا تلتقي أقسام استعارات اللّون وقسم استعارات الأحمر بالتّحديد. وفي العالم الواقعيّ، بطبيعة الحال، هما ليسا كذلك. ولذلك، يبدو أنّ مُنظِّر المجاز أفلح في التّمييز بين الاحمرار/ الحمرة والتلوّن. ومع ذلك، في عالم ممكن مقيّد، إنّ هذه الفروق تسقط في الخاصيّة نفسها، ولكنّها بالضرورة خصائص مميَّزَة، من قِبل أنّ الأشياء يمكن أنْ تكون ملوّنة دون أنْ تكون حمراء» (2002: 82-83). ولْنطلق على هذا العالم الممكن المقيّد اسم «روبي». لاحظ أنّ مبدأ التّحديد المطلق، في حدّ ذاته، في روبي، لا يتضمّن وجود قسم واحد للخصيصة فقط، ومن ثمّ نكون إزاء مشكل المصاحبة. وبدلاً من ذلك، فإنّ التّحديد المطلق للمجازات هو الذي يؤكّد وجود قسم واحد للخصيصة فقط. وبعبارة أخرى، إنّ روبي يمثّل مشكل المصاحبة فقط، إذا لم يكن هناك مجازات قابلة للتّحديد.

ولاحظْ أنّه بوسع منظّر المجازات المحوِّرة، الذي يقبل مبدأ التّحديد المطلق، إنكارُ التّحديد المطلق للمجازات باستمرار. على سبيل المثال، يمكن لهذه المنظّرة، بما يتواشج مع التّحديد المطلق للمجازات، أنْ تعدّ «عبارة» روبي محتوية على كلّ من استعارة الاحمرار واستعارة التلوّن؛ ذلك أنّ وجود مجازات محوِّرة للألوان يتوافق مع مبدأ التّحديد المطلق، لأنّها ليست ملوّنة على الإطلاق؛ فمجاز التّلوين ليس ملوَّناً، تماماً كما أنّ مجاز الاحمرار ليس أحمر، وكذا مجاز الكرويّة ليس كرويّاً. وعلى هذه السبيل، يمكن لمنظّر المجاز المحوّر أنْ يعدّ «عبارة» روبي محتوية معاً على مجاز محدّد تحديداً تامّاً ومجاز قابل للتّحديد، وفي حالة كهذه سيكون هناك التنوّع المطلوب لأقسام الخصيصةّ، ومن ثمّ لا يوجد مشكل المصاحبة. وبطبيعة الحال، سوف تتهمّ منظّرة مجاز كهذه بأنّها تملأ أنطولوجيّاتها بعناصر زائدة عن الحاجة. وقد يكون لهذا الاتهام بعض المزايا. ولكن بالنّظر إلى أنّ تقديم ما هو قابل للتّحديد هو أيضاً استجابة طبيعيّة لمعارضة مانلي الآتية (المجموعة الناقصة)، فسأرجئ مناقشة التّهمة الزائدة. وسنكتفي، بالنّسبة إلى الوقت الرّاهن، بملاحظة أنّه إذا كانت وحدة المجازات القابلة للتّحديد غير متناسقة، فلن يكون لمنظِّر وحدة المجاز حتّى خيار أنْ يكون مبالغاً في التّفكير على هذا النّحو.

ويعرض مانلي مشكل المجموعة الناقصة (IC) على النّحو الآتي:

«يتمثّل جوهر المجموعة الناقصة في أنّ مقياس بناء أقسام التشابه يفشل في جمع كلّ وفقط الأشياء ذات خاصيّة معيّنة معاً... فكّرْ في عالم به ثلاثة أشياء فقط: مثلّث متساوي الأضلاع، ومربّع، ومثلّث له زاوية قائمة (وللتّبسيط، هي أشكال متساوية). لنسمّ مجازات الشّكل لهذه الأشياء على التّوالي (A) و(B) و(C). وفقًا لنظريّة الاستعارة القياسيّة، ستقع (A) في مختلف أقسام التّشابه، واحد من الأقسام بالنّسبة إلى كلّ خصيصة يمكن تطبيقه على المثلّث متساوي الأضلاع، وبذلك يجب أنْ تكون خصيصة المثلثيّة قسم من مجازات التشابه الحرّ، واحدة منها هي (A) (الشيء نفسه صحيح بالنسبة إلى توازي الأضلاع والتشكّل). والآن، يشبه، بشكل حدسيّ، كلّ من هذين الشكلين المجازين بعضه بعضاً: (A وB) كلاهما متساوي الأضلاع، و(A وC) كلاهما مثلثيّ، و(B وC) لكل منهما جوانب عموديّة (وزاوية داخليّة). ولا أحد من هذه المجازات، مع ذلك، يتقاسم أيّاً من هذه الصفات المذكورة مع المجازيْن الآخرين كليهما؛ لذلك لا يمكن بناء أيّ من الخصائص المشترَكة بوصفها قسمَ خصيصة من بين اثنين فقط من مجازات الشّكل في هذا العالم» (2002: 82، 84-85). ويحتوي العالم، الذي يصفه مانلي، على ثلاثة أشياء؛ لذلك سنسمّيه «ثلاثيّ» في ثلاثيّ؛ لأنّ كلّ مجاز يشبه الاثنين الآخرين بالدّرجة نفسها (الحرّة)، ويوجد على وجه التّحديد قسم تشابه واحد، وله المجازات (A وB وC) بوصفها أعضاء. ولا يوجد، من ثمّ، قسم خصيصة مناسب لــــ (كيْ ينهض بدور) المثلثيّة، ولا تساويّة الأضلاع، أوْ التّعامديّة. ومن ثمّ، إنّ المشكل بالنسبة إلى نظريّة المجاز القياسيّ هو أنّ «شروط بناء أقسام التشابه» ليست كافية بمنزلة لإنتاج أقسام الخصيصة المرجوّة (2002: 85).

ويتّخذ مانلي «الردّ المثير» الآتي:

«ضع المجازات في كلّ المستويات العامة، ثمّ تبعاً لذلك خذ (A، وB، وC) لتكون بناءً مركّباً من المجازات الأكثر جوهريّة. اعتبر (A)، على سبيل المثال، مبنيَّة من «مثلثيّة، ومتساوي أضلاع، ومن أشياء أكثر كالمجازات، من قِبل أنّنا وجدنا أنّ (A) يمكن أنْ تشبه شكل مجازات أخرى في وجوه مختلفة» (2002: 85).

لاحظ أنّ هذا الرأي يفترض مجازات قابلة للتّحديد، ومن ثمّ يرفض التّحديد المطلق للمجازات (ولهذا فهو ليس تصوّراً «قياسيّاً» من نظريّة المجاز). وسيعمل هذا الردّ أيضاً على حلّ مشكل المصاحبة، من قبل أنّه بناء على هذا الرّأي، سيحتوي روبي على كلّ من المجازات المحددة والقابلة للتّحديد، وفي هذه الحالة سيكون هناك التنوّع المطلوب لأقسام الخصيصة. ولمناقضة الردّ أعلاه، يثير مانلي مؤشّر الزيادة. «إذا توجد استعارة للتّربيع، فقد يبدو أنّه لا لزوم لاستعارات الأشكال المستطيلة والمربّعة أيضا» (2002: 85). وبتوسّل طريقة من الإجابة، أودّ أنْ أبيّن، أساساً، على أيّ نحو يمثّل مؤشّر الزيادة تحديّاً يمكن القول كبيراً ومختلفاً لمنظّر وحدة المجاز أكثر من منظّر المجاز المحوِّر.

وللبدء، تجدر الإشارة إلى أنّ فكرة وحدة المجاز القابلة للتّحديد تجريديّاً تبدو غير متماسكة. إذا كان الأمر كذلك، فإن مُنظِّر وحدة المجاز يَمنع من استكشاف الأهميّة المحتملَة للمجازات القابلة للتّحديد واستخدامها. وعلى الرغم من وجود هذه النّقطة، يبدو أنّ مؤشّر الزيادة له قوّة مختلفة على كلّ نوع من نظريّة المجاز. فلتتدبّرْ مربّعاً (كائناً ملموساً) وهو موجود في الثلاثيّ. لنطلق عليه عبارة «رباعيّة». فالرباعيّة هي حزمة من المجازات. وإذا وُجدت وحدة مجازات يمكن تحديدها، إذاً يبدو أنّ هناك تضاعفاً للكائنات المشكَّلة، وكلّها تقع، في أماكن مختلفة، على امتداد الهرم تحت «المشكَّل» القابل للتّحديد، وكلّها تقع في المكان؛ حيث تتمركز الرباعيّة. داخل الرباعيّة، على سبيل المثال، سيكون هناك شيء مشكَّل، وشيء مستطيل، وشيء مربّع؛ وهذه أشياء غير متطابقة. ولذلك، في أيّ مكان تكون فيه الرباعيّة سيكون هناك العديد من الأشياء المشكّلة، ليست بالضبط نسخاً مطابقة للأصل، ولكن، إذا جاز التّعبير، هي نسخ مطابقة بدرجات متفاوتة من التّصميم، وهذا سيكون طرازاً، بالأحرى، غريباً فيه شطط. فافتراض المجازات المحوّرة القابلة للتّحديد لا يفضي إلى هذه النتيجة. وإذا وُجد هذا الضّرب من المجازات، فإنّ الكائن الوحيد المشكّل في منطقة الرباعيّة هو الشّكل الرباعيّ المحدّد بالكامل؛ لذا لن يكون هناك تضاعف للكائنات المشكّلة. ولا يتمثّل هدفي، هاهنا، في تقديم ردّ شامل على مانلي، ولا في الاحتجاج بأنّ منظِّر المجاز يجب أنْ يفترض المجازات المحوّرة القابلة للتّحديد؛ بل هدفي المقصود هو ما يأتي: فيما يتعلّق بمشروع بناء أقسام الخصيصة، تطرح مشكلات المصاحبة والمجموعة الناقصة طرحاً موغلاً في الدلالة تحديّات أكبر بكثير بالنسبة إلى نظريّة وحدة المجاز مقارنة بنظريّة المجاز المحوّر، وكذلك هو شأن الاختيار بين وحدة المجاز والمجازات المحوّرة يثير تحدّياً ذا دلالة.

3. الخلاصة:

إن التفريق بين المجازات المحوّرة ووحدة المجاز يفضي إلى تصوّرين مختلفتين اختلافاً جوهريّاً من نظريّة المجاز، ويبرز، بجلاء، التحديّات الفريدة التي تواجه كلّ منها. ففيما يتّصل بمشروع بناء الأشياء، يواجه مُنظِّر المجاز المحوِّر إكراهات كبيرة للتخلّي عن نظريّة حزمة المواد، وتبنّي أنطولوجيا تصنيف متعدّدة المقولة، التي يتضمّن كلّاً من المجازات والرّكائز. وعلى النقيض من ذلك، إنّ الطموح بالنّسبة إلى الأنطولوجيا أحاديّة المقولة، أوْ إلى نظريّة الحزمة، يتحقّق بشكل أفضل من خلال اعتبار المجازات مميّزَة تمييزاً مبدئيّاً، ومن ثمّ تبنّي نظريّة وحدة المجاز. وفيما يتعلّق بمشروع بناء أقسام الخصيصة، فمن المفترَض، على وجه التّحديد، أن المجازات هي عبارة عن وحدة استعارات تؤدي إلى مشاكل المجموعة الناقصة والمصاحبة. لهذا، فنظريّة المجاز المحوّر مؤهَّلة بشكل أفضل لمواجهة هذه التحديّات. وعلى هذا النّحو، إنّ التّفريق بين المجازات المحوّرة ووحدة المجاز يثير التساؤل حول ميزة مزعومة لنظريّة المجاز، وذلك من خلال تبوُّؤ المنزلة الوسط بين أنطولوجياتها المنافسة المكوّنة من مقولة أحاديّة؛ أيْ نظريّة الاسميّة الصارمة ونظريّة الحزمة الواقعيّة، تتضمّن نظريّة المجاز نقاط القوّة بشكل فريد، وتتجنّب مواطن الوهن في تلك الآراء. وبعد الفحص الدّقيق، نظريّة المجاز هي محلّ خلاف.