هل هناك توراة أخرى غير التي نعرفها؟ عن لماذا يعادي اليهود السامريين

فئة :  مقالات

هل هناك توراة أخرى غير التي نعرفها؟ عن لماذا يعادي اليهود السامريين

هل هناك توراة أخرى غير التي نعرفها؟

عن لماذا يعادي اليهود السامريين

يدرس اليهود عددًا من الكتب الدينية كالكتاب المقدس اليهودي (التناخ)، والتلمود، والزوهار، ولكن تعد التوراة أو أسفار موسى الخمسة هي الجزء الأهم على الإطلاق في الكتابات اليهودية ككل وفي التناخ تحديدًا. ونسخة التوراة الأكثر شيوعًا تُعرف بالنص الماسوري، وهي النسخة العبرية الأكثر موثوقية للتوراة. ولكن، ليست النسخة الوحيدة للتوراة. فثمة نسخة أخرى يعود تاريخها لنفس الفترة التي كتبت فيها النسخة الماسورية. وتعود هذه النسخة إلى جماعة السامريين أو الإسرائيليين السامريين، وهي جماعة يعود تاريخها العرقي والديني إلى إسرائيل القديمة؛ لأنها عاشت بالتزامن مع الشعب اليهودي القديم.

ويعتبر السامريون أنفسهم شعب الله الحقيقي، وأصحاب التوراة الحقيقية، كما أنهم لا يؤمنون بأي أسفار أخرى غير الأسفار الخمس لموسى استنادًا إلى ما جاء في تثنية: "ولم يَقُمْ مِنْ بَعدُ نبـيٌّ في إِسرائيلَ كموسى الّذي عرَفَهُ الرّبُّ وجها إلى وجه" (تثنية ١٠:٣٤). وتعامل السامريون مع هذا النص على نحو حرفي، مما قادهم إلى حذف باقي الأسفار النبوية والأدبية من كتابهم المقدس، لإيمانهم بأن الله لم يكلم أنبياء سوى موسى. أما عن كتب التفسير والليتروجيات، فلديهم كتبهم الخاصة التي تعتمد فقط على الأسفار الخمسة.

ومن المسلم به أن القدس/أورشليم هي المدينة الأكثر قداسة لاحتوائها على الهيكل الذي بناه سليمان ليكون بذلك مركزًا لعبادة الله، ومع ذلك، يرى السامريون أنه قد شُيّد في المكان الخطأ، وأن المكان الصحيح للهيكل هو جبل جرزيم، الواقع بالقرب من شكيم القديمة، على بعد حوالي 30 ميلاً شمال القدس في الضفة الغربية. وتعود أصول هذا الاعتقاد إلى النص السامري للتوراة الذي يحتوي على وصية خاصة بتشييد مذبح على جرزيم من حجارة كبيرة مطلية ومكتوب عليها كلمات التوراة، عقب الوصايا العشر مباشرة، ولا نجد هذه الوصية في النسخة الماسورية من التوراة. ويذكرنا هذا بما قالته المرأة السامرية في القصة الشهيرة لمقابلة المسيح والمرأة السامرية، "آبَاؤُنَا سَجَدُوا فِي هذَا الْجَبَلِ، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنَّ فِي أُورُشَلِيمَ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُسْجَدَ فِيهِ" (يوحنا 20:4)، وهي بذلك تشير إلى الجدل الأهم بين اليهود والسامريين.

ويتفق اليهود والسامريون في تعريف أنفسهم كأحفاد يعقوب/إسرائيل، وينسبون أصلهم تحديداً لسبطي أفرايم ومنسى في الشمال، وهما ذرية يعقوب من ابنه يوسف. أما باقي اليهود، فينسبون أنفسهم لمملكة يهوذا في الجنوب. ولذلك، ليس من قبيل الصدفة أن اللقاء بين المسيح والمرأة السامرية حدث عند بئر يعقوب، "بِقُرْبِ الضَّيْعَةِ الَّتِي وَهَبَهَا يَعْقُوبُ لِيُوسُفَ ابْنِهِ" (يوحنا 4: 5-6).

وتوجد العديد من الاختلافات الأخرى بين نسختي التوراة، اليهودية والسامرية، وصل عددها إلى 6000 اختلاف، حسب المؤرخ بينيامين تيسيديكا، يمكن تصنيفها إلى اختلافات لغوية بسيطة، واختلافات جوهرية تغير من مضمون النص.

واعتبر الباحثون النسخة السامرية مجرد نسخة لاحقة للنسخة الماسورية، أجرى عليها السامريون بعض التعديلات فحسب. ولكن، في القرن التاسع عشر، ومع المخطوطات الجديدة المكتشفة، أعاد الباحثون تفكيرهم بخصوص تاريخ النسخة السامرية، لما تحويه من أوجه تشابه متعددة مع الترجمة السبعينية ومخطوطات البحر الميت. فالترجمة السبعينية، وهي ترجمة يونانية صدرت في القرن الثاني قبل الميلاد، تتفق مع النسخة السامرية في أكثر من 6000 قاسم مشترك، وبذلك هي أقرب للتوراة السامرية، إذا قارناها بالنص الماسوري اليهودي. ويتضح كذلك أن مخطوطات البحر الميت أيضًا تعد أقرب للنسخة السامرية. كما عثر الباحثون على قطعة وسط مخطوطات قمران من تثنية 27: 4 تتفق مع النص السامري، ويرجع تاريخها إلى حوالي 175 قبل الميلاد، وقد اجتذب هذا الاكتشاف اهتمامًا كبيرًا في الدراسات الكتابية الحديثة. فالنص الماسوري يقول: "حِينَ تَعْبُرُونَ الأُرْدُنَّ، تُقِيمُونَ هذِهِ الْحِجَارَةَ الَّتِي أَنَا أُوصِيكُمْ بِهَا الْيَوْمَ فِي جَبَلِ عِيبَالَ." أما النص السامري "وعند عبوركم نهر الأردن تقيمون هذه الحجارة التي بها أنا أوصيكم اليوم، على جبل جرزيم."

هذا الاكتشاف فريد من نوعه ليس فقط لأن النص عُثر عليه مكتوبًا بالخط اليهودي الحشموني، الذي لم يستخدمه السامريون مطلقًا عند كتابة التوراة، ولكن أيضًا لأنه عُثر عليه في قمران بين النصوص اليهودية، ومع ذلك فهو يتفق مع الأسفار السامرية؛ فحتى إن افترضنا أن سامريًا كتب هذا النص بالخط الحشموني، لا يمكننا أن نعرف كيف وصل النص إلى الطائفة اليهودية في قمران التي بطبيعتها كانت معارضة لجبل جرزيم السامري.

ولم يصل العلماء لإجابة قاطعة بخصوص النسخة الأقدم للتوراة، لكن ما أجمعوا عليه هو تنوع الكتاب المقدس اليهودي، واعتبار النسخ في مجملها اجتهادات متزامنة لنقل تاريخ الشعب الإسرائيلي وديانته للأجيال اللاحقة.

ووفقا للمؤرخ السامري بينيامين تيسيداكا، فقد "بلغ عدد السامريين الإسرائيليين 1.500.000. وقد تعرضوا للاضطهاد والقتل بسبب ممارسة شعائرهم الدينية القديمة على يد اليونانيين، والرومان، والبيزنطيين، والعرب، والصليبيين، والمماليك، والعثمانيين. وبحلول عام 1919، لم يتبق سوى 141 سامريًا. وازداد عدد السامريين اليوم إلى أكثر من 800 شخص، يعيش نصفهم في حولون (جنوب تل أبيب) والنصف الآخر في جبل جرزيم" بالضفة الغربية.

أما عن دمج السامريين في إسرائيل حديثًا، فلم يحدث بهذه السهولة. ففي عام 1970، غيرت إسرائيل قانون العودة الصادر في عام 1951، ليشمل أطفال الزيجات المختلطة ولكنه لم يعترف بالسامريين كيهود. وقضت المحكمة الحاخامية العليا في منتصف الثمانينيات بأنه يجب معاملة السامريين كالأمم (من لا ينتمون إلى اليهودية/ من ليسوا من شعب الله). وفي عام 1992، أصبح هذا قانونًا رسمياً؛ لأن السامريين الإسرائيليين لم يولدوا لأمهات يهودية ولا يتبعون الديانة اليهودية.

في المقابل، رفع السامريون دعوى قضائية ضد وزارة الداخلية الإسرائيلية، واستندت قضيتهم إلى أنهم هم الممثلون الحقيقيون لشعب إسرائيل القديم. وفي النهاية، تم التوصل إلى نوع من التسوية، وألغت المحكمة قرارها لعام 1992 وجنى السامريون فوائد قانون العودة. وأولئك الذين عاشوا في الضفة الغربية فقط مُنحوا الجنسية الإسرائيلية مع الاحتفاظ ببطاقات هويتهم الفلسطينية. هؤلاء السامريون يتحدثون العربية والعبرية معًا، ويفضلون التعايش السلمي المحايد وسط الصراعات السياسية بين اليهود والفلسطينيين، كما يشاركون في الانتخابات الفلسطينية والإسرائيلية، ولديهم مقعد في المجلس التشريعي الفلسطيني، ويتطلعون إلى السلام بين الطرفين.

 

مراجع

“Variants in the Samaritan Pentateuch of the Hebrew Bible as compared to the Masoretic Text” by Sharon Sullivan Dufour. Eastern Michigan University. 2009

Jews and Samaritans The Origins and History of Their Early Relations by Gary N. Knoppers

“The Last of Good Samaritans”. BBC. https://www.bbc.com/travel/article/20180828-the-last-of-the-good-samaritans

“Who Are the Samaritans” https://www.youtube.com/watch?v=tRrFrx8-wEg&t=160s

"رغم عدم إشراكهم في الحياة السياسية.. لماذا يشارك السامريون في الانتخابات الإسرائيلية؟" مقال للجزيرة https://www.ajnet.me/politics/2021/3/17/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%AD%D9%82-%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D9%88%D9%86%D8%B7%D9%85%D8%AD