هل يمكن إعادة إنتاج التجربة التركية بتونس؟
فئة : أبحاث محكمة
الملخّص:
مثلت تجربة حزب العدالة والتنمية بتركيا AKP، بالنسبة إلى الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية مثل ألمانيا وأنجلترا، خاصة بعد أحداث سبتمبر 2001، نموذجًا يمكن تسويقه للعالم العربي والإسلامي لأنّ هذه الدول أصبحت تعتبر قسمًا من حلفائها من الأنظمة الديكتاتورية العربية لم تعد قابلة للإصلاح. وتمثل خطرًا على مصالحها الإستراتيجية. وهذا ما أعلن عنه وزير الدفاع الأمريكي سنة 2002 "إنّ التجربة التركية مثال يحتذ به في العالم العربي.." ولقد وفر الحراك العربي، الذي هز العديد من الدول مثل تونس، مصر، اليمن، ليبيا وسوريا، منذ 2010 إلى اليوم، إطارًا ملائمًا... لتزايد الحديث عن إعادة إنتاج التجربة التركية بهذه الدول.
وفي هذا السياق بالذات روج قادة حركة النهضة بتونس منذ ديسمبر2010 إلى حدود سبتمبر 2011، أنّ مشروعهم شبيه بالتجربة التركية، مما فاجأ العديد من الملاحظين بتونس العارفين بالدستور التركي العلماني، وكذلك لحزب العدالة والتنمية المتبني للعلمانية وقسم كبير من الإرث الكمالي، في الوقت الذي تتناقض فيه الأسس الفكرية الإخوانية لحركة النهضة مع ذلك. وهذا ما جعل الكثير من العارفين بالحركات الإخوانية يعتبرون ذلك مندرجًا ضمن سياسة "التمكين" والخطاب المزدوج للحركات الإخوانية التي تعتبر حركة النهضة بتونس إحدى روافدها.
وفي هذا السياق تعرضت للإشكاليات التالية:
- الخلفية التاريخية للحديث عن إعادة إنتاج التجربة التركية بتونس.
- حركة النهضة وصعوبة إعادة التجربة.
لقد تناولت بالدراسة ضمن الإشكالية الأولى، المبررات التاريخية التي انطلق منها بعضهم للحديث عن سهولة إعادة التجربة التركية بتونس، فبعض الدراسات انطلقت من التاريخ العثماني بتونس، بين 1574 و1881. ومن بينهم الباحث والصحفي المصري السيد حسنين هيكل الذي بيّن أنّ المنطقة العربية تتقاذفها ثلاثة مشاريع الأول أطلسي (الولايات المتحدة وحلفاؤها)، الثاني إيراني والثالث تركي وهو الأقرب إلى النجاح حسب اعتقاده، نظرًا للإرث التاريخي العثماني بتونس ومصر...
أما في القسم الثاني، فتعرضت إلى مظاهر (وخلفيات) إعلان حركة النهضة تبنيها للنموذج التركي، ومما توصلت إليه، أنّ هناك اختلافات عميقة بين حزب العدالة والتنمية وحركة النهضة، وأنّ تنكر الشيخ راشد الغنوشي لوعوده، التي أكد فيها أنّ برنامج حركته شبيه ببرنامج حزب العدالة والتنمية، تؤكد أنّ ترويج حركة النهضة للتجربة التركية كان جزءًا من ازدواجية خطابها. وبينت أيضًا أنّ من بين أسباب عدم إمكانية إعادة التجربة بتونس، الاختلافات الكبيرة على مستوى المسارات الانتقالية. والاختلافات الجوهرية على المستوى الفكري بين قادة حركة النهضة وقادة حزب العدالة والتنمية واختلاف أيضًا الظروف، كما أكدت ذلك انتخابات 2014.
إجمالاً، ما يمكن تأكيده هو أنّ للتحولات السياسية التي عرفتها تونس ولا تزال بيّنت أنّه من الصعوبة بمكان إعادة التجربة التركية، نظرًا للاختلافات الجوهرية بين الواقع بتركيا وتونس سواء على المستوى الداخلي أو بالنسبة إلى العلاقات الدولية. وفي ارتباط أيضًا بالاختلافات الجوهرية بين حزب العدالة والتنمية وحركة النهضة. فالأول حزب مدني أعلن أنّه حزب "علماني" ويعتبر هذه الأخيرة أداة لإرساء الديمقراطية، بينما قسم من حركة النهضة مازال محافظًا على جذوره الإخوانية. وبرز ذلك من خلال تشبثهم بحاكمية الله. والتباس موقفهم من المسألة الوطنية والعلمانية، التي دعا السيد الطيب أردوغان الإخوان بمصر وتونس، أثناء زيارته للدولتين سنة 2011 إلى تطبيقها بالدولتين، ممّا مثل صدمة لقادة النهضة والإخوان بمصر، وجعلهم يغيرون موقفهم من التجربة التركية، لأنّ قسمًا مهمًّا من النهضة وأغلب قواعدهم لا يخلف كثيرًا عن السلفيين.
بالرغم من صعوبة إعادة التجربة التركية بتونس، فإنّ التحولات الدولية وقوة المعارضة المدنية الديمقراطية، جعل حركة النهضة تشهد بعض التحولات، من خلال الموافقة على عدة فصول بالدستور ذات بعد علماني وديمقراطي، مثل حرية الضمير. وبرز هذا التحول من خلال ترحم راشد الغنوشي في أفريل 2015، على السيد الحبيب بورقيبة أحد قادة التحرير الوطني بتونس ومن أبرز مؤسسي الجمهورية الأولى، بعدما كفره سابقًا، فهل يصلي مستقبلاً على قبره مثلما فعل أربكان مع مصطفى كمال؟
للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا