هوامة الهوية وآليات الصراع في العالم العربي
فئة : مقالات
في ظلّ الطفرات غير المحكومة بنسق، ثمّة مدارات جديدة تبزغ، ومعها تظهر موجة من البحث عن الأصول، بكلّ رمزيتها، وأنظمتها العلاماتية، وهي تحاول اختلاق أو تذكّر هوياتٍ أو سردياتٍ لها أصول جديدة تتجاوز ما هو مهمّش في واقعها. فالاختلاق أو التذكر يمضي إلى صناعة هوية أو هويات متشدّدة في واقعنا الاجتماعي، والسياسي، والعقائدي، ما جعل مشكلة الهوية، اليوم، تُعدُّ من أعقد المشكلات التي تواجه، في العصر الراهن، الكثير من الشعوب والمجتمعات الحديثة ذات الأصول القديمة حقيقةً، أو مُختلَقَةً، أو حتى تلك التي تفتقد الانتماء الحضاري القديم، على حدّ سواء. وقد يُردُّ هذا إلى أهميّة العامل الثقافي، بوصفه نسقاً مهمّا من أنساق الخطاب السياسي.
فالهوية الثقافة منظومة أو مجموعة من الأنساق والظواهر الاجتماعية، التي تشكّل ثوابت في حياة الإنسان. من خلال الاتصال والتبادل تُظهر الذاكرة لها سردياتها، التي تحيلنا إلى أماكن وأزمنة ترتبط بالماضي المستعاد في الرواية الأسطورية، أو النصّ المقدّس، أو الحوليات التاريخية.
لكنْ، يبقى هناك، في المقابل، لدى الفرد (وهو يتعامل مع سلطة الجماعة، وسرودها في التذكّر، من أجل استيعابه، واستيعاب أفراد الجماعة) النسيان والتذكر الحرّ بتمهيد الطريق للانفلات من الجماعة والبقاء خارجها، وهما آليتان مهمتان في مقاربة ضروب الاختزال.
يمكن تعريف الهوية للجماعة «بأنّها الشيفرة التي يمكن للفرد، عن طريقها، أن يعرف نفسه في علاقته بالجماعة الاجتماعية التي ينتمي إليها، والتي عن طريقها يتعرّف إليه الآخرون، باعتباره منتمياً إليها»[1]. فإن البحث التكويني في مفهوم الهوية، في الدراسات الغربية، يمكن رصده من خلال ولادة مفهوم الهوية؛ وهذا يعود مباشرة إلى المعنى اللغوي الإنجليزي للمفهوم، فهو مشتقّ من الكلمة اللاتينية (identitatand)/ أو identitas)) وتعني الهوية، وهي، بدورها، مستمدّة من (identidem)، التي تعني «مراراً»، «وهذا يعني حرفياً: نفس، ونفس، ونفس، وهكذا مراراً».
وغنيّ عن القول أنّ معنى «التشابه» يجب أن يكون مفهوماً أنه، في هذا السياق، يقترن بمفهوم الهوية، بدلاً من معنى «المماثلة».
وتتضح دلالة التشابه، أيضاً، في المعنى السوسيولوجي للهوية، الذي يظهر في الهيكلية التقليدية لوظيفية الأنثروبولوجيا؛ إذ يأتي معنى الهوية بطريقة تُفهم على أنّها متجذّرة تاريخياً وثقافياً مع الصورة الذاتية لمجموعة من الناس كانت، في الغالب، قد رسمت خطها عبر اتصالها بالمجموعات الأخرى من الشعوب. ويرتبط هذا المعنى من الهوية بالمفاهيم الأنثروبولوجية الأخرى؛ مفاهيم مثل: النظرة، والقيمة، والروح. وأخيراً، وليس آخراً، الثقافة...، التي تقترح نوعاً معيّناً من التجانس بين أفراد المجتمع. وكان الرأي أن هوية الأفراد تعكس هوية مجموعة ما وثقافتها.
كما ذُكر أعلاه، كان من المفترض أنّ هوية الأفراد تشير إلى هوية المجموعة التي ينتمون إليها، وهو ما يتسق مع النظريات الأنثروبولوجية حول العلاقة بين الشخص والجماعة، أو المجتمع، الذي يَعتبر أنّ مجموعة من الناس تشترك في الهوية نفسها؛ ذلك لأنها مشتركة في التاريخ نفسه. وعليه يكون المجتمع الذي ينتمون إليه مجتمعاً صلباً وغير قابل للتغيير.
النتيجة، التي يمكن استخلاصها من هذه الرحلة الوجيزة في الأنثروبولوجيا، والتي تقدّم تفسيرات للعلاقة بين الثقافة والشخصية، أو بين الثقافة والهوية، هي أنّ هذه المفاهيم، بتحليلها على المستويين الاجتماعي والفردي، كانت تشترك في الافتراضات نفسها من التشابه والاستقرار.
ففي السنوات الأخيرة، التركيز على التجانس الأنثروبولوجي والديمومة قد سقط تدريجياً في حالة من الفوضى، للأسباب نفسها أيضاً؛ فقد كانت مفاهيم الثقافة والهوية تناقش بشكل مكثّف، وكذلك العلاقة بين الاثنين. وقد تعرّض مفهوم الهوية لانتقادات كثيرة، ليس لافتقاره إلى القوّة التفسيرية فحسب، بل، أيضاً، للمفارقة، السردية المتعلقة بمفهوم الهوية، التي هي من سمات عصر العولمة المعاصرة؛ إذ لم يكن من الممكن أن تفهم على أنّها التعبير عن التجانس الاجتماعي، أو تمثيلٌ للحقائق الثابتة[2].
في المقابل، ظهرتْ مجموعة من الدراسات تحاول تجاوز التوصيف الليبرالي عن الهوية الفردية، فإنّها ترى أنّ الفرد يوجد، دائماً، في وضعيّة اجتماعيّة وثقافية معيّنة، ويخضع، دائماً، لتجربة ثقافية تمنح وجوده معنىً، وأنّ الفرد، بقدر ما هو كائن ذاتي يتمتّع بقدرات شخصية، هو، في الوقت نفسه، كائن موضوعي؛ لأنّه عضو وعنصر في جماعة معيّنة تساعده على تشكيل هويته في الوقت نفسه.
يرى تايلر أنّ المجتمعات، التي تعرف تعدّداً ثقافياً، يصبح فيها الاعتراف حاجةً ضرورية وملحّة، وذلك بالنظر إلى العلاقة القائمة ما بين الاعتراف والهوية، فالهوية شيء أشبه بالإدراك الذي يمتلكه الأفراد حول أنفسهم، والمميّزات الأساسية التي تحدّدهم بوصفهم كذلك[3].
أمّا على مستوى العالم الثالث، فيقدّم لنا الباحث الهندي أمارتيا صن تصوّرين عن الهوية؛ الأوّل إيجابيّ، فيما الثاني سلبيّ. أمّا الأوّل، الذي أكدته الدراسات في مجال الرأسمال الاجتماعي، فإنّ الهوية المشتركة مع الآخرين، في الجماعة الاجتماعية نفسها، يمكن أن تجعل حياة الجميع تسير بشكل أفضل كثيراً في هذه الجماعة؛ لهذا يُنظر إلى الشعور بالانتماء إلى جماعة إنسانية ما بوصفه أحد مصادر الثروة. لكنْ، مثلما يمكن أن تكون الهوية مصدراً للثراء والدفء، يمكن أن تكون مصدراً للعنف المروّع. وبهذه الصفة الثانية للهوية المتأزّمة، حيث يمكن أن تكون الهويّة «أداة قتل مروّعة، وبلا رحمة في حالات كثيرة، يمكن لشعورٍ قويٍّ ومطلقٍ بالانتماء، يقتصر على جماعة واحدة، أن يحمل معه إدراكاً لمسافة البعد والاختلاف عن الجماعات الأخرى. فالتضامن الداخلي لجماعة ما يمكن أن يغذّي التنافر بينها وبين الجماعات الأخرى»[4].
أمّا حول تجليات الهوية في الواقع العربي، الذي يعيش تحولات الربيع العربي، وما يرتبط به من صراعات، فقد تحوّلت الهويّة إلى إشكاليّة تكشف عن المشكلة المتضمّنة في العنف والإرهاب، فهذه المشكلة بحاجة إلى تحليل فكريّ ونقديّ، من خلال طرح الأسئلة، وتحليل النصوص المؤسسة لها، وتفكيك الوقائع التي قادت إلى تضخّم المشكلة، وتحوّلها إلى وعيٍ مأزوم يهدم التعايش، ويحيله إلى خراب، ويفكّك الروابط القارّة، ويزيلها. فالوعي المأزوم وليد مهيمنات وأطياف تشكّل ضاغطاً وإرغاماتٍ على الوعي من أجل اتخاذ القرارات؛ فهذه الإرغامات تمثّل ضاغطاً في تشكّل الوعي الثقافي، وبنية استجابة أيضاً، من خلال الردود إيجاباً أو سلباً، وهذا أمر مرتبط في علاقة الذات بالتراث أو بالآخر، واللغة الصراعيّة، وما يصاحبها من أطياف تتحول إلى سلسلة الحضور المنمّطة. ولما كان ظهور الطيف عابراً ومفاجئاً، فإنّه لا يحدّد بالزمن، ليس هذا الزمن.. يدخل الشبح، يخرج الشبح، يعود ثانية.
ومن هنا، تغدو الهوية الرهان، لكونه يعكس أهميّة طرح المشكلة (الهوية)، التي أصبحت تعبر عن راهنيةٍ تكشف عن واقعنا بكلّ رهاناته، واقعنا الذي نعيشه الآن، والذي يدفعنا إلى ضرورة طرح هذه المشكلة بحثاً عن حلول، وتفكيكاً للمهيمنات الضاغطة على واقعنا، من أجل استعادة الثقة.
نجد من الضرورة تفكيك «هوامة الهوية»، التي تحوّلت إلى مقولة إيديولوجية دوغمائية، وذريعة من أجل المحافظة على مصالح المهيمنين على الأمور، الذين يجدون في الهوية المأزومة تعبيراً عن مصالحهم وامتيازاتهم، وهذا الأمر يخلق قصوراً معرفياً له آثاره السلبية على النخب السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، في رهاننا، ما يؤدي إلى الانقسام المجتمعي على أساس الهويات الفرعية، بين دور الدولة القائم على كبح جماح الهويات، أو الاعتراف بها، من خلال مقولة التعددية الدينية والإثنية، وبين المواقف الثقافية لدى المثقفين العرب، سواء أكانوا ليبراليين، أم قوميين، أم ماركسيين، فهم جميعاً يأخذون موقفاً يقوم على نفي الهويات الدينية. فالليبراليون «يفهمون انتماء الفرد إلى جمعيّة مذهبية أو دينية على أنّه تأكيد لحضور الجماعة، وتعميق لمركزيّتها على حساب الفرد»[5]. لكننا، على الرغم من تلك المواقف، نجد أنّ للثقافة دوراً فاعلاً لا يمكن تحجيمه بالنفي، أو اصطناع هوية مركزية للدولة تلفيقية ترضي الجماعة الحاكمة، لكنّ هذا لا ينفي أنّ الثقافة تبقى، ببعدها الدينامي، عملية تطوّر المهارات الذهنية والمعنوية، سواء ما يتعلق منها بالفنون والآداب، أم ما يتعلق بالمهارات التقنية، فهي لا بدّ من أن تقوم على الثقة بالذات، والانفتاح الحواري التعددي صوب الآخر، تثاقفاً حوارياً، دون أن يعني، بالضرورة، تقليداً أو نسخاً. إنما تبدأ الهزيمة لدى الأمم عندما تشرع بالتقليد، ومحاولات الاستنساخ، فالثقافة، وتدخّل الاستلاب الفكري.
بعد كلّ هذا، الثقافة، في نظر مالينوفسكي، جهاز فعّال يمكّن الإنسان من الانتقال إلى وضع أفضل، ويواكب المشكلات التي تواجهه في بيئته. ومن ثمّ، الثقافة هي القدرة على التكييف والتطور في مواجهة الإنسان مع الطبيعة. ويعرّفها تايلور: هي ذلك الكلّ المركب الذي يشتمل على المعرفة، والعقائد، والفن، والأخلاق، والقانون، والعرف، وكلّ القدرات والمهارات الأخرى التي يكتسبها الإنسان، من حيث هو عضو في المجتمع؛ أي أنّ الثقافة، هنا، هي تجارب اجتماعية تحوّل إلى منظومات سلوكية قيمية، وعادات، ومعارف، ومهارات، وهي، من ثَمّ، تجارب قابلة للزيادة والتجاوز نحو الأفضل؛ لأنّها تبقى تاريخية، ومرتبطة بالبيئة، التي ظهرت داخلها استجابة لتلك التحديات، ومن ثَمّ هي تأويل وتحويل لعلاقة الإنسان بالله، وبالمحيط الطبيعي والاجتماعي. فالثقافة، حسب هذا الفهم، وعي حضاري وافق التقاء الآفاق، وانصهارها بين الماضي والحاضر صوب المستقبل، وهذا لا يتحقّق إلا بتلك الرؤية التعددية الحوارية، التي تتجاوز وهم الهوية، وتنفتح باتجاه الآخر، سواء أكان التراث، أم الآخر الحداثوي، أم ما بعد الحداثة؛ هذا التحوّل، الذي أصاب الفكر في منطق الثبات، حيث الطبائع الثابتة، والمرايا العاكسة، إلى منطق التحوّل الذي يجري فيه تهشيم المرايا لإعادة تشكيل الموضوعات، وهذا هو شأن منطق التفكيك، الذي يريد القول: غايات الخطاب هو أن نميّز ما يقوله، أو ما يحاول قوله.
وفي هذا يقول علي حرب: فهويتنا لا تسبقنا، إنما هي محصّلة الأحداث التي تُنسَج منها حياتنا، وهذا هو حال الفكر الذي يتغيّر بتغيّر العالم؛ إذ لا يمكن التعاطي مع أفكار قديمة تأولتْ لزمان غير زماننا؛ لهذا، نحن بحاجة إلى تأويلات جديدة عبر تجاوز الممارسات، التي خلفتها الخطابات الاجتماعية والسياسية السابقة، التي أثّرت في الوعي السياسي الراهن؛ أي لا بد من حالة تناسب بين الثقافة والفكر السياسي بوصفه جزءاً من كلٍّ ثقافي له سلوكياته، ورهانه، فالأفكار ليست مجرّد صور ومرايا، بقدر ما هي استراتيجيات معرفية لفهم العالم، والتعاطي معه، تحويلاً، وتأويلاً، وتفكيكاً. فالتفكير، كما يرى شرابي، يحمل رؤية قادرة على تمكين الذات من اختراق ذاتها، لتعمل على تفكيكها وتحليلها.
فالهوية، في أبسط تعريف: إدراك فردي وجمعيّ، ومن ثمّ، الهوية تستهدف إقامة علاقة حوارية بين الذات الفردية والذوات الاجتماعية، والثقافية، والكونية، وعلى هذا الأساس، تكون الهوية على أساسين:
إمّا أن تكون وعياً فردياً نقدياً يخضعها للمراجعة المستمرة، فتوصف بأنّها «حوارية»، وإما أن تكون خارج النقد الفرديّ والمراجعة، ومتعالية، فهي، بهذا التوصيف، «صراعية»، ومن ثَمّ يشعر الفرد إزاءها بالاستلاب بحقّ الآخرين؛ لأنّها تحتكر إنتاج الحقيقة وتفسيرها؛ إذ يُوصف الوعي، هنا، بالزائف، ما له دلالة الخاصة، كما يقول عباس المرشد. فهو يعني سكون الآخر في الذات، وتغييب إدراك الذات لنفسها، ما يخلق علائق متنوّعة، لكنّها ليست مدركة، حيث تُمحى الذات، وتغيُّب إدراك الذات لا يحضر بصورته الواقعية، وإنّما عبر تمثّلات وسرديات تُعلي من شأنه إلى درجة عالية جداً. وهذا الوهم القائم على محو الذات يتجسّد في ذوبان شخصية الفرد داخل الجماعة (القبيلة التي تركّز على علاقة الدم)، فإنّ هذا الاعتماد يولّد فرداً يقوم على العصبية، فاقداً للاستقلالية، معتمداً في سلوكه على المرجعية، خوفاً من الخطأ، وطلباً للأمان، وهذا السلوك نجده يتناسل داخل الطائفة، أو الحزب، أو الجماعة الثقافية؛ إذ يتولّد سلوكاً يعتمد على الإخفاء والكبت للمشاعر الفردية، وهذا السلوك قاد، بالضرورة، إلى أخلاقيات الإذعان للسلطة، التي بات نظامها السياسي ورئيسه الرهان الأكبر الذي يكبت المشاعر، والاحتياجات، والطموحات، ما خلق سلوكاً سياسياً مرتهناً للفرد، يعظّمه بشكل مغرّر، ومعه يُقدّس المرجعيات الجمعية العرفية ورموزها وانتهاج سلوك من جل الالتماس، والتظلّم، والترجّي. قاد هذا إلى تعاظم سلطة المؤسسة على حساب الحقوق الفردية، والحريات الشخصية، حتى أصبحت الهومة الأكبر في سلوكه (أي الفرد) الذي يقصي ذاته، ويرتهن لأخلاقيات الإذعان، والتقليد، والتمثل، ما قاد تلك المؤسّسات، وعلى رأسها المؤسسات السياسية، إلى الهيمنة، والإقصاء للحريات الفردية، فاستبدّت بقدرات الأمور الاجتماعية، والسياسية، والثقافية، عبر سياسة الردع البوليسية، والتخوين، والتكفير لكلّ فرد جامح، في نظرها، يُطالب بالتغيير، والتجديد، والحريّات.
من هنا، نحن بحاجة إلى تفعيل دور الإدراك والعمل، دون تغييبه في أحداث التحويل، والمغايرة، وإبداء النقد. وكما يقول هيدغر: البداية ليست خلفنا إنما هي أمامنا؛ أي لا يكفي السير في الطريق نفسه، وأن نتصوّر بدايةً، بل المسألة تكمن في أن نعرف كيف تكون البداية. عندما لا يتمكّن نظامٌ من حلّ مشكلات يُصادفها، فليس عليه إلا أن يموت، أو (وهذا يحصل)، أن يخلق ميتاً. نظام؛ أي نظام أكثر غنى، أكثر قوةّ عبر طريقة تحويلية. لهذا السياسة، اليوم، مشغولة بالتكتيكات والاستراتيجيات، من أجل اقتناص السلطة وممارساتها. أكثر السياسيين مشغولون بالمسألة القانونية أكثر ممّا هم مشغولون بالمسألة الشرعية، بمعنى أن الخطاب السياسي ليس مشغولاً بالمشروعيات المتعالية؛ بل بالبعد العقلاني اليومي، الذي يستجيب لهذا المتغير.
انطلاقاً من هذه الرؤية التحويلية، التي هي بمثابة أطروحة، هذا العمل، الذي يتّسم بالتنوّع المعرفي والإيديولوجي، ينشد هدفاً مركزياً قوامه رصد الواقع المأزوم، من خلال مفردة الهوية، بوصفها لحظة تحتاج إلى الرصد، وتحديد طباعها وأفكارها، والإشكاليّة وتركيبتها التي وردت فيها، باعتبار هذه الإشكالية واحدة، على الرغم من تنوّعها وتشظّيها؛ لأنّ هناك الكثير من الروابط المنطقية والمعنوية الرابطة، والتي تجعل منها تحتلّ راهنية ضاغطة على الواقع بكلّ تجلياته؛ ولن تنفع عملية تغييب تلك المشكلة، أو التعالي عليها، أو تصديرها، عبر ادّعاء المؤامرة، فهي جزء حاضر من واقعنا، تحتاج إلى تحليل، وكشف الأسباب، سواء كانت مسكوتاً عنها، تحول السلطات دون مناقشتها، وتفرض عليها التحريم، أو التعتيم، أم من اللامُفكَّر فيه، كونها خارج المنهجيات الإيدولوجية الشمولية، التي كانت لا تجد في هذه المشكلة إمكان النظر أو الرصد، ومن ثمّ هي لا مُفكّر فيها ضمن تلك الأطر المعرفية والإيديولوجية. تأتي هذه المحاولة من أجل المساهمة في تقديم حلول، وتخليق عالم أكثر قدرة على المواجهة بما يمتلكه من علمية وموضوعية.
مسرد الهوامش والمراجع
- الشامي، رشاد عبد الله، إشكالية اليهودية في إسرائيل، عالم المعرفة، الكويت، 1997م.
- بغوره، الزواوي، الهوية وسياسة الاعتراف شارل تايلر أنموذجاً، مجلة الموقف للبحوث والدراسات في المجتمع والتاريخ، العدد 9، 2014م.
- صن، أمارتيا، الهوية والعنف، ترجمة سحر توفيق، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 2008م.
- كاظم، نادر، خارج الجماعة، مؤسسة الأيام للنشر، المنامة.
Toon van Meijl, CULTURE AND IDENTITY IN ANTHROPOLOGY: REFLECTIONS ON‘UNITY’ AND ‘UNCERTAINTY’ IN THE DIALOGICAL SELF, International Journal for Dialogical Science Copyright 2008by Toon van Meijl, Fall, 2008. Vol. 3, No. 1.
[1] الشامي، رشاد عبد الله، إشكالية اليهودية في إسرائيل، عالم المعرفة، الكويت، 1997م.
[2] Toon van Meijl, CULTURE AND IDENTITY IN ANTHROPOLOGY: REFLECTIONS ON‘UNITY’ AND ‘UNCERTAINTY’ IN THE DIALOGICAL SELF, International Journal for Dialogical Science Copyright 2008by Toon van Meijl, Fall, 2008. Vol. 3, No. 1, 165-190.
[3] بغوره، الزواوي، الهوية وسياسة الاعتراف شارل تايلر أنموذجاً، مجلة الموقف للبحوث والدراسات في المجتمع والتاريخ، ع 9، 2014م، ص 196م.
[4] صن، أمارتيا، الهوية والعنف، ترجمة سحر توفيق، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 2008م.
[5]- كاظم، نادر، خارج الجماعة، مؤسسة الأيام لنشر، المنامة، ص 11