محاضرة: "الاستشراق والفقه الإسلامي"

فئة: أنشطة سابقة

محاضرة: "الاستشراق والفقه الإسلامي"

أبو بكر بن أحمد باقادر: الفقهاء مطالبون بالانفتاح على المنهجيات الحديثة


خصص اللقاء الثاني من لقاءات "صالون جدل للفكر والثقافة" لمحاضرة بعنوان "الاستشراق والفقه الإسلامي"، ألقاها الأنثربولوجي السعودي أبو بكر بن أحمد باقادر، وذلك زوال يوم الثلاثاء الموافق لـ24 سبتمبر الجاري، في لقاء أطره الباحث يونس الوكيلي، رئيس قسم "الدراسات الحداثية للدين" بمؤسسة "مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث".

ارتحل المحاضر في أكثر من مناسبة مع مضامين مجموعة من مؤلفات وائل حلاق، منوها في مطلع المحاضرة بتميز بعض المدارس الاستشراقية الأوروبية التي طلقت خيار نقد المسلمين مقابل تبنيها معرفة أحوال المسلمين، وطبيعة أنماط التفكير في إطار استفادة الدول الأوروبية من هذه الأعمال البحثية، وهذا ما تطرقت إليه باقتدار أعمال الراحل إدوارد سعيد، الذي توقف عنده المحاضر في أكثر من مناسبة.

منذ هذه الحقبة، يضيف باقادر، لم تعد الأعمال الاستشراقية حول المسلمين جدلية أو نقدية، على الأقل بالنسبة لهذه المدارس، وإنما أصبحت تعرف بمواقف المسلمين من أجل ضبطها وتوجيهها لاحقا، ملخصا ومنتقدا اختزال هذه المدارس في التاريخ الإسلامي في ثلاث فترات، هي: فترة التشكل أو التمرين، والتي اعتبر الغرب أن المسلمين كانوا فيها عالة على الفقه اليوناني؛ ثم فترة ثانية وصفتها هذه المدارس بأنها فترة كمون، وذلك، يضيف باقادر، رغم المجهود الفقهي الكبير الذي ميزها (وتجسد على الخصوص في كثرة أعمال التعليقات والشروح والمقاصد)، ثم فترة معاصرة، كان فيها المسلمون عالة على الفقه الغربي المتقدم، مؤاخذا على الباحثين العرب والمسلمين تبنيهم لهذا التقسيم الاختزالي.

وعرج المحاضر على مشروعه الموسوعي الذي سيصدر قريبا، حيث سيتناول فيه قضايا الوقف وقانون الأسرة، ونشأة المذاهب الفقهية، والفقهيات التطبيقية، ونشأة أصول الفقه عند السنة والشيعة، ومجلد مخصص لمعالم الفقه في إطار الدولة القومية، بسبب التحولات التي طرأت على الفقه الإسلامي بالانتقال من الحديث عن الفقه الشافعي والفقه الحنفي نحو الفقه المغربي والتونسي وغيره...

توقف المحاضر أيضا عند تميز مؤسسة القضاء في التاريخ الإسلامي، وهو التميز الذي لم ينتبه إليه أغلب المستشرقين، منوها بأعمال الحلاق التي خلصت إلى أن قيام مؤسسة القضاء جهازاً منظماً ومستقلا وفي مستوى إرساء أصول الفقه، لم يتأسس إلا بعد مرور قرون من الزمان، بما تطلب المرور عبر تفعيل الاجتهاد داخل المذاهب (اختلاف الفقهاء)، وضبط الأمور والاجتهادات بالمسطرة، عبر ما سمي بكتب الشروط (حالة الأندلس مثلا)، وتأسيس تنافس كبير بين الفقهاء أسهم في دينامية هذه الاجتهادات (أصول الفقه).

الموسوعة التي حررها أساسا مستشرقون غربيون إلا أنها، في رأي المحاضر، غنية ومفيدة للمشتغلين في الفقهيات، مطالبا أهل الفقه بالاستفادة من العلوم الاجتماعية، ما دام المسلم بشكل عام، يعتقد أن علاقته مع ربه تبقى سوية، طالما كان ما يقوم به الفقه في تناغم مع الشريعة، وما دام التعريف الكلاسيكي والشهير للفقه يفيد بأنه عبارة عن إنزال النصوص على أرض الواقع.

ودعا باقادر الفقهاء المعاصرين إلى تأسيس حوار مع المنهجيات الحديثة، وليس تبني خيار القطيعة السائد اليوم، أو اجترار الاجتهادات القديمة القائمة على منطق العنعنة دون أن تصل إلى ما يريد الفقيه المعاصر قوله من كثرة هذه الاستشهادات.

واختتم باقادر محاضرته بالتأكيد على أن قوة العالم الإسلامي تكمن في فقهه، منتقدا وجود "جيش" من الباحثين العرب المعاصرين الذين يصرون على اختزال المدونات الفقهية القديمة في كونها مجرد كتب صفراء، لأن الأمر ليس كذلك، ومستشهدا في هذا الصدد بتميز أعمال الغزالي وابن رشد التي كانت سباقة في الإبداع والاجتهاد، ولم تكن مجرد كتب صفراء، مشيرا في هذا الصدد إلى أن الإسرائيليين اليوم يعتبرون من أكثر المشتغلين على التراث الفقهي عند المسلمين، وعلى اللغة العربية في آن قصد تطوير الفقه واللغة العبريين.