التراسل بين النبي محمد ومعاصريه
فئة: كتب
إنّ ما ننشده من هذا البحث هو معرفة هذه الرسائل المحمّدية وربطها بالواقع السياسي والاجتماعي والدّيني والاقتصادي والحضاري، وإدراك مضامينها ونقدها والتعليق عليها، وذلك بتحديدها ووصفها وضبط أسبابها ونتائجها، ثمّ النظر في وضع الكتّاب والمرسل إليهم، وإنزالهم في سياقهم التاريخي والسياسي والدّيني والنفسي، فقد كان لهؤلاء دور في إغناء هذه الوثائق، وقد حاولنا التعريف بذلك الدور وفق سياق المبحث.
ويبدو أنّ مضامين رسائل محمّد وقع تفخيمها بفعل التراكم الزمني والنفحة الإيمانية المناصرة للإسلام والمسلمين والحضارة العربية والسنّة الإسلامية، يضاف إلى ذلك النفس المقدّس المبالغ فيه في تضخيم شخصية محمّد باعتبارها معصومة من الوقوع في الزلل، فعسر بذلك الفصل بين الدوال وبين الذات والموضوع المبحوث فيه، وبين الحقيقة والأسطورة، وقد انعكست هذه المياسم على طبيعة هذه الرسائل وأهميتها وأبعادها الحضارية وأنماط قراءتها، وعلى مدى صدق التفسيرات الموصولة بها وأنواعها.
إنّ قراءتنا لهذه الرسائل المحمّدية هي عبارة عن محاورة لها، وفهم للخطاب والسياقات التي وردت فيها دون الوقوع في أسرها، وهي محاولة منّا لمعرفة ماذا حدث زمن محمّد وقبله وبُعيده؟ وكيف يُمكن أن نتعامل مع أخبار الأمم القديمة وخاصة اليهودية والنصرانية وأساطير الفرس وخطبهم وأخبارهم التي تُعدّ من الأصول في الترسّل المحمّدي؟ وإلى أيّ حدّ استفاد محمّد من المواضيع الموصولة بأنساب العشائر وأخبار القبائل في الجزيرة العربية والتوّتر والمشاحنات التي عمّت العرب وغيرهم من الأجناس الأخرى قبل الإسلام؟ وإلى أيّ مدى أثرت هذه المقولات والأخبار والطبائع والسلوكات والذهنيات في شخصية محمّد ونفسيته ومساره الترسّلي؟