الذات والنسق: مساءلة البنى الأولوية لمنزلة المعقولية في فلسفة هيغل
فئة: كتب
سيدفع بفيلسوف معاصر من طينة ميشيل فوكو (M. Foucault) إلى اعتبار هيغل علامة فارقة في تاريخ الفكري البشري عامة، والفلسفة القارية خاصة؟ وذلك عندما حدّث وقال: «لا يعْدو أن يكون عصرنا هذا، كما يشي بذلك المنطق أو الإبستمولوجيا، أو كتابات ماركس أو نيتشه، مجرّد محاولة للانفلات من قبضة هيغل». وبهذا حقّ القول إنه استوى أن تفكّر مع هيغل أو ضده، ولكن لا يمكن التفكير دونه. ولئن شئنا أن نسبر أغوار هذا القول الفوكوي، ونفصّل في المقاصد التي تُجملها هذه القولة، أمكن القول إن الحضور الكثيف والأثر الثقيل الذي مارسه الفكر الهيغلي على جملة التصورات الفلسفية التي أعقبت طوره، وهو يُتمّم الشطر الأخير من لبنات الفكر الحديث، ليطلّ عبر منعرج فكري طريف على مدارج الفكر المعاصر، يشي بأنّ فكره يستوثق من عناصر الفكر الحديث، بقدر ما يكتنز في رحمه المخاضات التي سكنت التفكير الفلسفي المعاصر، وهو بذلك يضع قدماً راسخةً في معمعة الفكر الحديث، وفي الوقت نفسه يضع قدماً أخرى في المعارك الفكرية التي ستهُبُّ على الفكر المعاصر، وتدبّ في صميم الإشكالات العملية التي خاضت فيها –وما زالت تفعل- مختلف التصورات الفلسفية الراهنة. قد لا تعوزنا الأدلة، ونحن نعاين منزلته الفكرية، ووقع أفكاره على موجات التفكير الماركسي، أو في التصورات الأنطولوجية لدى كيركغور بدءاً، ولدى هايدغر لاحقاً، أو في التوجه الفينومينولوجي الذي جذّر معالمه الفيسلوف إدموند هوسّرل، أو في المنهج التأويلي الذي قعّده جورج هانز غادامر على نحو فلسفي. ومن يعاين المُنجز الفكري، الذي جاد به رواد النظرية النقدية (مدرسة فرانكفورت)، ستتّضح له قيمة وحجم الحظوة الفكرية الفائقة التي يتنزّلها الفكر الهيغلي في السبك الفكري الذي طبع هذا التوجّه من الجيل الأول (ث. أدورنو، م. هوركهايمر، ه. ماركيوز...) إلى الجيل الجديد الذي لا يزال على دأب حثيث حريص أشدّ الحرص على تحيين المدوّنه الفلسفية الهيغلية، وبالأخص في شقّها العملي برفقة المشارب الفلسفية التي تُنصّب أصول القول الهيغلي حكماً لها فيما هي مُقبلة عليه من تأصيل النظر للمشكلات العملية التي تطوّق مجرى المجتمعات الراهنة؛ كما نعاين ذلك لدى يورغن هابرماس، وبصورة بارزة لدى فيلسوف الاعتراف أكسل هونيث (Axel Honneth