جلسة حواريّة بين عزيز العظمة ومحمّد الشّريف فرجاني حول: "العلمانيّة: تمثّلاتها ومقارباتها"
فئة: أنشطة سابقة
انعقدت بمقر مؤسّسة مؤمنون بلا حدود للدّراسات والأبحاث وجمعيّة الدّراسات الفكريّة والاجتماعيّة بتونس العاصمة، يوم السّبت 13 أفريل، جلسة حواريّة بين الأستاذين عزيز العظمة ومحمّد الشّريف فرجاني حول: "العلمانيّة: تمثّلاتها ومقارباتها"، أدارها الأستاذ نادر الحمّامي.
أشار محمد الشّريف فرجاني بداية إلى تنوّع المقاربات حول العلمانيّة في الغرب، بين ماهوية وأخرى فلسفيّة مفهوميّة، ومن بينها المقاربات التي تعتبر العلمانيّة استثناءً فرنسيّاً، والمقاربات التي تعتبرها استثناءً غربيّاً نجم عن المسيحيّة الغربيّة دون المسيحيات الأخرى عبر صراع طويل بين الكنيسة والسّلطة السّياسية، والمقاربات التي تعتبر أنّ العلمانيّة استثناء مسيحي مطلق، انطلاقاً من فهم "أعطِ لقيصر ما لقيصر ولله ما لله"، وبيّن أّن هذه المقاربة الأخيرة تنطلق من مقولة "اللائكيّة"، على اعتبار أن "اللاّئكي" في المفهوم المسيحي هو رجل الدّين المسيحي غير المنتظم في إطار الكنيسة الكاثوليكية، وأنّ هؤلاء المؤمنين من خارج المؤسّسة الكنسيّة شكّلوا تيّاراً بداية من القرن التّاسع عشر أطلقوا عليه تسمية "اللائكيّة"، وأنّ هذه التّسمية تعود في أصلها إلى الثّقافة اليونانيّة، وتستعمل لتسمية الشّعب بدون تحديد عرقي أو ديني أو ثقافي أو سياسي أو اجتماعي، وأنّ ما يقابل الشّعب بهذا المفهوم هو حراس التقاليد (الإكليروس).
وأكّد فرجاني على أنّ المهم من هذه التّفاصيل المفهوميّة بيان السّيرورات التّاريخيّة والاجتماعيّة والثّقافيّة للعلمانيّة، وصولاً إلى فهم التّمايز الذي يقيمه المفهوم بين رجال الدّين وسلطة الكنيسة، وبيّن أنّ مفهوم اللائكيّة كان منطلقاً لهذا التّمايز، وتطوّر من خلال الاندراج في سيرورات متنوّعة، إلى أن أصبح يعني في الاستعمال الحديث والمعاصر العلمانيّة المتطرّفة القائمة على الفصل التّام بين الدّيني والسّياسي، والحال أنّ منطلقاته كانت إيمانيّة، ولم تكن تعني ما يخالف الإيمان، بل تعني ما يخالف سلطة الكنيسة.
وبيّن فرجاني أنّ انتصار العلمانيّة في فرنسا كان في ظلّ حماية الجمهوريّة التي تضمن حرّية المعتقد وإقامة الشّعائر الدّينيّة ولا تتبنّى أيّ مذهب ديني. وخلص إلى اعتبار أنّ ذلك ساهم في انبثاق علمانيّات مختلفة ومتنوّعة وأنّها كانت وليدة سياقاتها الخاصّة فهماً وتنظيراً وممارسة، وأنّ السّيرورات التّاريخيّة كان لها دور كبير في إنتاج ذلك التّمايز بين الأنساق، ممّا انتهى إلى تعدّد النّماذج العلمانيّة.
وتناول عزيز العظمة الكلمة فعلّق على استعمال كلمة العَلمانية (بفتح العين) معتبراً أنّ الاستعمال المتحقّق في اللّغة العربيّة هو العِلمانيّة (بكسر العين)، وأنّه يلحّ على هذا الاستعمال ما لم يحدث ما يقنعه بخلاف ذلك. ثمّ علّق على ما يروّج له بعض المناوئين للعلمانيّة من اعتبار الإسلام علمانيّا بطبعه وألاّ حاجة فيه لفصل الدّيني عن الدّنيوي، لأن لا كهنوت في الإسلام، وأكّد في المقابل خلافه مع هذا التصوّر، من منطلق الإقرار بأن كلّ دين لا بدّ له من كهنوت، أي فئة من النّاس تقوم على رعاية الدّين وحماية حدوده، حتى يستمرّ تاريخيّا، وأنّ الإسلام لا يشكّل استثناءً في هذا الجانب.
ومن هذا المنطلق أكّد العظمة على أنّ الفصل بين الدّيني والدنيوي جائز في جميع الأديان وفي مختلف العصور، ولا معنى لتخصيص الفصل بالدّين المسيحي دون باقي الأديان، استناداً إلى عبارة من إحدى رسائل بولص، والحال أنّ هناك نصوص مسيحية أخرى تؤكّد على ضرورة إخضاع السّياسة إلى الدّين. معتبراً أن ردّ قضيّة الفصل بين الدّين والدّنيا إلى حضارة بعينها، يندرج في سياق نظرة ماهويّة، تعتبر أنّ للدّين أسساً واضحة ومحدّدة منذ البداية، وتنكر السّيرورات التّاريخيّة التي تعرفها جميع الأديان.
وعرّج العظمة على مفهوم "الحداثة" ودوره في بناء سياقات العلمانيّة، بما هي مسألة قائمة في الاستعمال أوّلاً، ولا علاقة لها بمفاهيم ما قبْليّة أو دينيّة جامدة، ما يجعلها متطوّرة بشكل متواصل، قائلاً بأن العلمانيّة لا تعني سطوة غير المتديّنين على جملة الوظائف التي كانت تقوم بها المؤسسة الدّينية، وإنما تعني إنتاج نوع آخر من الوظائف الاجتماعيّة التي تحقّق للمفهوم معنى تطوّريّا خاصّاً به، تنتج عنه عمليّة تحوّل فعليّ في مستويات ثلاثة هي؛ المستوى المؤسّسي من خلال التّحوّل من مركزيّة الدّين إلى مركزيّة المجتمع، والمستوى السّياسي من خلال التحوّل من سلطة الدّيني إلى سلطة السّياسي، والمستوى العقلي/ المعرفي من خلال تحوّل التّفكير في شؤون المجتمع والكون والطّبيعة ضمن أطر جديدة لا علاقة لها بالمعطى الدّيني.