جلسة نقاش مع رجاء بن سلامة حول "مفهوم الثوابت في السجال الديني والسياسي الحديث والمعاصر"
فئة: أنشطة سابقة
نظّمت مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث وجمعية الدّراسات الفكرية والاجتماعية، بمقرّهما بتونس العاصمة، الأربعاء 27 شتنبر الجاري، جلسة نقاش مع دة. رجاء بن سلامة حول "مفهوم الثوابت في السجال الديني والسياسي الحديث والمعاصر"، بإدارة د. نادر الحمامي.
افتتح اللقاء بكلمة ترحيبية بالحضور، قدّمها د. نادر الحمامي، وأشار إلى أن موضوع الجلسة يتنزّل في إطار اهتمام بن سلامة بقضايا الحقوق والحرية والمواطنة، انطلاقا من اعتبارها مبادئ كونية غير قابلة للتجزئة. وذكر أنّها كانت تكتب في هذه المسائل منذ سنوات، وقد صدر لها كتاب في هذا الغرض بعنوان ''نقد الثوابت؛ آراء في العنف والتمييز والمصادرة''، وهو يتضمّن مقالا كانت قد كتبته منذ سنة 2004 حول حادثة قتل في المجتمع الأردني كانت ضحيّتها فتاة ذبحها أخوها ''غسلا للعار''، واستنتج الحمامي أن تلك الحادثة كانت منطلقا لإظهار فداحة ما يمكن أن تقترفه ''الثوابت'' في مجتمعاتنا من جرائم.
واستهلت من ثم دة. رجاء بن سلامة كلمتها بالإشارة إلى أن المدلولات الحديثة والمعاصر لكلمة ''ثوابت'' تختلف عن المدلولات القديمة، وأن الاستعمال الحديث للكلمة امتد إلى سياقات سياسية وقانونية، وشمل جميع التيارات السياسية من اليسار واليمين، في حين أنه كان يقتصر قديما على سياقات العلوم الصّحيحة والهندسة ورصد الكواكب والأفلاك، وأرجعت ذلك إلى وجود ''قاع سياسي مشترك'' ينتمي إليه السّاسة جميعهم.
وطرحت بن سلامة السّياقات التي كانت ولا تزال تُستعمل فيها كلمة ''ثوابت''، وهي سياقات ضد المساواة بين الرجل والمرأة؛ ومنها تحفّظات الدول العربية على اتّفاقية القضاء على جميع أشكال التّمييز ضد المرأة (CEDAW). واعتبرت أن كلمة ''ثوابت'' ليست كلمة عادية؛ فهي كأنّها شعار يُرفع، وتتوقف معه الإحالة، وهي بمثابة ''إشارة توقّف''، وعلامة إسكات للخصوم السّياسيين...
وقالت إن أوّل من استعمل الكلمة بهذا المفهوم الحديث، وفي غير سياقاتها القديمة، هم الإخوان المسلمون. وبالرّجوع إلى أدبيّات تنظيم الإخوان، بيّنت بن سلامة أن حسن البنّا أسّس لفكرة الثّوابت، وأن تلاميذه نقلوا عنه ذلك، وقالوا إن التمييز بين الثوابت والمتغيّرات أساس منهاجه، وألّفوا في ذلك العديد من الكتابات، ممّا أنتج فهما آخر لكلمة ثوابت، فأصبحت تعني الأمور التي يجب أن تبقى دون تغيير أو تبديل على مر الزمان والمكان. وقالت: ''إن ما فعلوه هو أنّهم أسقطوا على الأرض ما كانوا يعتقدون من ثبات الكواكب في السّماء''.
وبالتالي اعتبرت بن سلامة أن الثوابت أصبحت بمثابة القواعد الحاكمة على الأفراد والإطار الضابط لسلوكهم؛ وطرحت استنادا إلى ذلك مجموعة من التساؤلات حول تمييز الدعوة الإخوانية بين الثابت والمتغيّر، وكيف يمكن أن يبقى الثابت ثابتا والحال أن الذوات تراه وتدركه في ظروف متغيّرة؟ وإذا كانت الثوابت ثابتة بطبيعتها فما الذي أنتج الرغبة الإخوانية في مزيد تثبيتها؟ ...
وانتهت إلى تهافت الخطاب الدّعوي للإخوان الذي يقوم على ضرورة التمسك بالثوابت، معتبرة أن ذلك يعني أن الواقع الحالي هو في الوقت نفسه برنامجهم المستقبلي، وبذلك يصبح ''المنشود متطابقا تماما مع الموجود'' وخلصت إلى اعتبار ذلك استحالةً عقليّة، قائلة: ''لا وجود أصلا لثوابت في عالم متغيّر''، وأن الخطاب الأصولي يعاني من حالة مرضيّة تجعله يصرّ على إنكار الواقع وإنكار الصيرورة التاريخية. وبالتالي، ففكر الإخوان ليس سوى إنكار ممنهج لكل ركن من أركان الحداثة السّياسية والاجتماعية والعلمية، وقالت: ''إن الاخوان يحاولون أن يضعوا صخرة في كل نهر دافق''. ففي حين اقتضت الحداثة انفصال المجتمع عن السّلطة وانفصال الأخلاق عن القانون وانفصال الفضاء الخاص عن الفضاء العام... ما أدّى إلى أن الدولة الحديثة لم يعد بإمكانها التدخّل في الكثير من مظاهر حياة الأفراد الشخصية... فإن الإخوان المسلمين لا يزالون يصرّون على مقولات من قبيل ''النص صالح لكل زمان ومكان'' و ''الدّين شُمولي'' و ''الإعجاز العلمي في القرآن''... ووصفت بن سلامة ذلك بالمرض العقلي أو ''الماليخوليا''.
وتناول الكلمة بعد ذلك المتدخلون في النقاش، فعرضوا العديد من الأفكار التي تتجاوب مع ما طرحته بن سلامة حول مسألة الثوابت وعمق تأثيرها في المجتمعات العربية والإسلامية الحديثة، وما تفضي إليه من تحزّب وانقسام سياسي واجتماعي غير مثمر لا يؤدّي إلى مسالك آمنة بقدر ما يؤدّي إلى العنف السّياسي والاجتماعي وإلى انحسار الوعي بالحرّية الفردية في ظل هيمنة السياسة الثبوتية. كما طرح آخرون أفكارا معارضة لما جاء على لسان بن سلامة، واعتبروا أن الإقرار بنسبة ''الثوابت'' إلى طرف سياسي وإيديولوجي لا يمكن أن يخفي الكثير من الروافد الأخرى الفكرية والثقافية التي ساهمت في صناعة المفهوم وتوجيهه.