حسن حنفي: "الشيوعي الإخواني" العصيّ على التصنيف
فئة: أنشطة سابقة
مع كل ذكر يوافق شخصية من عيار المفكر المصري حسن حنفي، يقف الذاكر بين حيرة وتعجب وانبهار في الحين ذاته، من نتاج فكري حقيقي صنعه ومازال يعمل على تطويره هذا المفكر العربي اللامع، غير عابيء بركام التقوقع الفكري الذي يعصف براهن الفكر العربي الإسلامي.
حسن حنفي، الذي كرمته مؤسسة "مؤمنون بلا حدود" في افتتاح مؤتمرها الثاني بمدينة مراكش، بدأ حياته متعاطفاً ومنتمياً لجماعة الإخوان المسلمين، لكنه ما لبث أن تحول نحو الأطروحات الحداثية ودراسة الواقع الإسلامي وتفحصه، بين منتقد ومصحح ومنظر، ثم مؤسس مجموعة من الهيئات الفكرية العربية، لأجل صناعة مشروعات فكرية عربية حديثة.
عُرف حنفي بتنظيره القوي والقويم للإسلام اليساري الذي أسماه البعض ممن عارضوه بالخليط الأيديولوجي، وتكرر الأمر ذاته في "مقدمة في علم الاستغراب" الذي سعى فيه إلى نقل الخطابة السياسية إلى مستوى الخطاب العلمي الرصين، مشدداً على أن علم الاستغراب ليس فقط علماً نظرياً، بل هو ممارسة عملية لجدل الأنا والآخر، وتحرر الأنا، ثقافياً وحضارياً وعلمياً، من هيمنة الآخر.
سيرة حسن حنفي، العصيّ على التصنيف، والذي يطل على أبواب عقده الثامن، يمكن اختصارها أيضاً بين ألقاب ألصقت به وتهم كادت تثقله عن العطاء، بين لقب "الشيوعي الإخواني" الذي قال يوماً عنه بأن المخابرات المصرية تصنفه تحته، وبين موجات التكفير التي سلطت عليه من أكبر الهيئات والشخصيات الدينية في مصر وخارجها، وكذا مصادرة مؤلفاته بدعاوى الإلحاد وإنكار وجود الله والقرآن!.
يصف كثير ممن يعرفون المفكر حنفي، بأن فاعليته جاءت مع إقباله على الحياة، مع إشراقة شمس عام 1935، وهو ذات العام الذي عرف ثورة شعبية في مصر على نظام الملكية آنذاك والاستعمار الانجليزي. خرج حسن حنفي إلى الوجود، معلناً انطلاق ثورة فكرية على التزمت الأيديولوجي، الذي يشكل امتداداً لأي ثورة شعبية ضد الفساد الإداري.
كانت التجربة التي قضاها حسن حنفي في أحضان الفكر الإخواني وهو يدرس بالمستويين الثانوي والجامعي، كافية لأن يأخذ بعدها على عاتقه تحليل الواقع الإسلامي بفكره وحمولاته، ووضعه على مشرحة التقويم، بمؤلفاته وأطروحاته التي غيرت مجرى فكره ومجرى فكر كثير ممن تشبعوا بعلومه عبر حدود العالم.
مؤلفاته عديدة أبرزها "من النقل إلى الإبداع" و"الفكر الغربي المعاصر"، "التراث والتجديد"، "من العقيدة إلى الثورة". وله مساهمات مميزة في التنظير للإسلام التقدمي، عضدّها بتأسيس منتدى الجاحظ بتونس كواحد من أهم المنابر الفكرية العربية في مجال التجديد الفكري.
وفي واحد من حواراته العاصفة، قال حنفي: أنا أدعو إلى الرؤية الإسلامية وإلى اليسار الإسلامي. وأعتبر نفسي امتداداً للتيارالإصلاحي الذي يقف على رأسه جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا وحسن البنا وسيد قطب.
ولما سئل باستغراب عن وجود اسم سيد قطب، أكد حنفي: أنا تلميذ لسيد قطب، ولكنني تلميذ سيد "العدالة الاجتماعية"، لا سيد "معالم في الطريق" الذي خرج تحت تأثير أجواء السجن والتعذيب والقمع.
وتابع حنفي بعد صمت قليل: لو دخلتُ السجن لكتبت "معالم في الطريق"، ولو سافر سيد قطب إلى فرنسا، ولم يدخل السجن لكتب "من العقيدة إلى الثورة".