حلقة نقاش حول كتاب "الإسلام السّياسي ومفهوم المخاطر" لفريد بن بلقاسم
فئة: أنشطة سابقة
انتظمت بمقرّ مؤمنون بلا حدود للدّراسات والأبحاث وجمعيّة الدّراسات الفكريّة والاجتماعيّة، بتونس العاصمة، يوم الجمعة 18 أكتوبر، حلقة نقاش وحوار حول كتاب "الإسلام السّياسي ومفهوم المخاطر" للأستاذ فريد بن بلقاسم بحضوره، وقراءة في الكتاب قدّمها الأستاذ مصطفى التّواتي، وأدار اللّقاء الأستاذ فيصل شلّوف.
وقدّم الأستاذ مصطفى التّواتي، فكرة عامّة حول الكتاب، الذي ينقسم إلى جزأين؛ جزء عالج فيه الكاتب مسألة التّحدّيات والمخاطر، وجزء عالج فيه الاستجابة أي ما يتطلّب هذا الوضع من عمل لتجنّب الاستسلام لهذه المخاطر. وبيّن أن ذلك يتنزّل ضم المقاربات التي اهتمّت بالإسلام السّياسي وبحث فيه، وقد بوّبها إلى ثلاثة أصناف أساسيّة؛ ومن بينها من اعتبرت أنّ الإسلامويّة ظاهرة مرضية قائمة على الوهم، ومن اعتبرتها طفرة ارتبطت بظروف معيّنة سرعان ما تزول وبحثت في ما بعد الإسلامويّة، ومقاربة أخرى تدرج الظّاهرة في إطار ردود الفعل الطبيعيّة عن التّهديدات ذات الصّبغة الهوويّة. وبين هذه المقاربات تبرز رؤية هذا الكتاب الذي يرى صاحبه أنّ هذه المقاربات وإن كانت هامّة إلاّ أنّها تبقى منقوصة ولا تقدّم النّتيجة المرجوّة لأنّ ظاهرة الإسلام السّياسي لا تقتصر على مستوى النّظريّات وإنّما هي فاعلة في الواقع ومؤثّرة فيه، وهنا تندرج مسألة التحدّيات والمخاطر. وأشار إلى أنّ الإسلام السّياسي يطرح تحدّيات عمليّة ويثير عديد المخاطر التي تستوجب البحث والمعالجة وعدم الاكتفاء بتفسيرها.
وطرح المتدخّل بعض الأفكار حول القضايا التي يعالجها الكتاب، وانطلق منها حتّى يبيّن جانبين رأى أنّهما أساسيّان في النّظر إلى مسألة الإسلام السّياسي؛ يتعلّق الجانب الأوّل بالدّور المتنامي الذي لعبه الغرب في نشأة الحركات الإسلاميّة وتنامي خطرها وامتدادها في العالم العربي والإسلامي، ويتعلّق الثّاني بالدّور الذّاتي الذي لعبه المسلمون أنفسهم في علاقة بفهمهم للإسلام ولنصّهم التّأسيسي. وقال إنّ ظاهرة الإسلام السّياسي تفسّر حالة الوهن والضّعف التي انتهت إليها الشّعوب العربيّة الإسلاميّة ما تركها عرضة للتّدخّل الغربي، إضافة إلى تنامي الاستبداد في المنطقة ورعاية الغرب لهذه الأنظمة الاستبداديّة، وفشل النّمط التّنموي. واعتبر أنّ التجارب العربيّة لم تنجح في تلافي المخاطر وفشلت في الإجابة عن التّحديات وأنّها خلقت تحدّيات أخرى؛ لأنّها ركّزت على دور الغرب، وهو في الظّاهر السّبب المباشر لردود الفعل الإسلامويّة، ولكن الغرب ساهم في تأسيس الإسلام السّياسي منذ نشأته للوقوف أمام المد الشّيوعي ولإعادة بناء الخلافة العثمانيّة المتوافقة مع سياسات الغرب في المنطقة. واعتبر أنّ التّنظيمات الإسلامويّة وجدت في سبيل ذلك العون الكبير من البلدان الغربيّة التي احتضنت قيادات إسلاميّة بارزة ومكّنتها من تكوين امبراطوريّات ماليّة ضخمة. وأشار إلى ما اعتبر أنّه مفارقة متعلّقة بالدّور الذي لعبه الغرب ضدّ مبادئه الأساسيّة المتعلّقة بحقوق الإنسان من جهة ومع مبادئه المصلحيّة المتعلّقة بغايات عمليّة وسياسيّة ليس لها علاقة بالمبادئ الكونيّة التي يدافع عنها. معتبراً أنّ الغرب تحرّكه المصالح وتتحكّم فيه النّزعات العرقيّة المعادية للعرب.
واهتمّ التّواتي في بيان القسم الثّاني، من اهتمامات الكتاب بمسألة الاستجابة، معتبراً أنّ أهم الاستجابات التي يجب أن يبادر بها العرب والمسلمون هي المراجعات الأساسيّة التي ينبغي أن تتمّ في مستوى تجديد الفكر الدّيني وتحديد منهجيّة جديدة لقراءة القرآن، وضرورة الفصل بين المعاني الرّوحيّة التي عبّر عنها القرآن وبين الفقه الذي هو من عمل البشر. وقال " إنّ الأوان آن للتّعامل مع هذه القضية بكلّ شجاعة وجرأة"، وفسّر ذلك بأنّ القرآن يتضمّن الكثير من الإشارات التي يمكن فهمها على أنّها عدم قبول بالغير وعداوة معه، لذلك لا بدّ من صيغة جديدة للتّعامل مع النّص القرآني والتّخلي عن الكثير من الأفكار العدائيّة المتضمّنة فيه، وعرض من ثمّ العديد من النّقاط التي تتعلّق بنزول القرآن والظّروف التي حفّت بذلك مثل نزوله منجّماً في آيات وانقسامه بين الفترة المكّية والفترة المدنيّة وانتقاله من المشافهة إلى التّدوين. وبيّن الفارق بين الفترة المكّية والفترة المدنيّة، واعتبر أنّ القرآن المكّي مرتبط بالإيمان والعقيدة وليس فيه إشارات إلى أحكام ولا يشير إلى قضايا تاريخيّة متّصلة بالزّمن وبالأحداث وإنّما يتعلّق بجملة من القيم الإنسانيّة الكبرى، وبيّن أن الفترة المدنيّة من القرآن مرتبطة ببداية تكوّن جماعة سياسيّة لذلك فهو يتعرّض لمسائل اليومي ولواقع الصّراع التّاريخي بين أطراف متعدّدة تحكمها مصالح متباينة. وأشار بعد ذلك إلى مشكل التّدوين وما خلّفه لدى المسلمين من تماهي بين المصحف والقرآن، والحال أنّ المصحف خضع إلى الفعل البشري من خلال مروره بعمليّتي الحفظ والجمع انتهاءً إلى التّدوين، وهو ما حجب الكثير من المعاني الإيمانيّة التي جاء القرآن من أجل تكريسها، في ظلّ العنف الذي مارسته الدّولة على النّص، وعدم مناعته من التّوظيف السّياسي لأغراض سياسيّة وتاريخيّة مترابطة.
ورأى المتدخّل بناءً على ذلك كلّه أنّ على المسلمين اليوم أن يميّزوا بين قرآن العقيدة وقرآن الشّريعة لأنّ التّشريعات التي جاءت في القرآن المدني هي تشريعات ظرفيّة مرتبطة بأحداث معيّنة وأشخاص معيّنين قد زالوا، وقال "إنّ الإسلام ليس ديانة تشريع"، واعتبر أنّ النّقلة النّوعية التي أحدثها الإسلام قياساً ببقيّة الدّيانات السّماويّة الأخرى هي أنّه قطع مع مفهوم الشّريعة. ودلّل على ذلك بعمليّة ختم النّبوّة على اعتبار أنّ الإسلام قد اعترف بأنّ الإنسان قد ترشّد وأنّه أصبح عاقلاً وبإمكانه أن يتولّى شؤونه الدّنيويّة بنفسه ولا يحتاج إلى تشريع سماوي ليفعل ما يراه صحيحاً وإنّما هو يحتاج فقط إلى سبيل روحي يغذّي لديه فكرة الإيمان.
وعقب الأستاذ فريد بن بلقاسم على ما تقدّم بالإشارة إلى أنّ فكرة الاهتمام بالإسلام السّياسي ومفهوم المخاطر كان دافعها الأساسي ما عرفته المنطقة العربيّة إثر ثورات الرّبيع العربي، وصعود تيّار الإسلام السّياسي إلى الحكم خاصّة في تونس ومصر والمغرب، وبروز التّنظيمات المتشدّدة، وبالنّظر أيضاً إلى أنّ مراقبة هذه التّحوّلات هي من مهام البحث الأكاديمي الذي عليه أن يواكب ما يحصل في المنطقة من منظور البحث العلمي الأكاديمي.
واعتبر أنّ الاهتمام السّابق بالمسألة في الغرب يركّز على التّيار السّلفي الجهادي على حساب التّيارات الأخرى، ومن بينها التيار الإخواني الذي يعتبرون أنّه يمكن أن يتماشى مع ما يطلبه الغرب، وقال إنّها دراسات تنظر إلى المسألة من منظور المصلحة الغربيّة، وبيّن أنّه حاول من خلال بحثه أن ينظر إلى القضيّة من منظور مصالح الدّول العربيّة، وهو ما عمل على بيانه من خلال المخاطر التي تتهدّد المنطقة العربيّة أساساً. وبيّن أنّ هذا المفهوم يُستعمل بشكل خاص في مجال دراسات الأمن القومي التي تفرّعه إلى فرعين أساسيّين؛ هما أوّلاً التحدّيات وثانياً المخاطر، على اعتبار أن كل ما يتّصل بالأفكار والايديولوجيا يشكل تحدّيات بينما كل ما يتعلّق بالأفعال والممارسات في أرض الواقع يمثّل المخاطر، وأشار إلى أنّ الإسلام السّياسي له وجهان؛ الأوّل إيديولوجي وبالتّالي فإنّه يندرج ضمن التّحدّيات، والثّاني ممارساتي حركي وبالتّالي فإنّه يتعلّق بالمخاطر.
وبيّن من ثمّ أنّ الإسلام السّياسي ظاهرة لها العديد من العوامل من قبيل الاستعمار والوهن أمام الغرب والتحدّيات المتصلة بالهوية والاستبداد وفشل الخيارات التّنموية وفشل التّحديث، ولكنّه اعتبر أنّ المحضن الأساسي الذي أنشأ الحركات الإسلامويّة هو المحضن الثّقافي والذّهني والتّربوي، لذلك فأفكار الإسلام السّياسي تلقى رواجاً لدى المتقبّل العادي. وطرح بعض ما تقوم عليه الأيديولوجيا الإسلامويّة، وهو ما أسماه النّواة الصّلبة للإسلام السّياسي، وأوّلها شموليّة الإسلام وثنائيّة الإسلام الصّحيح والإسلام النّقص، ولخصها في ستّ نقاط أساسيّة وهي مفهوم الحاكميّة ومفهوم الشّريعة ومفهوم الولاء والبراء ومفهوم الجهاد ومفهوم الخلافة والموقف من المرأة.
وبيّن في سياق ذلك ما يقوم عليه الوجه الحركي للإسلام السّياسي وهو ما يمثل المخاطر، من خلال التّركيز على نماذج من الممارسة السّياسية للإسلاميّين بعد وصولهم إلى الحكم في عدد من البلدان العربيّة قبل ثورات الرّبيع العربي وبعده. وقدّم أمثلة عن ذلك في مجالات متعدّد تمثل أطر الممارسة السّياسية ومجالاتها المباشرة في الدّولة. وأكّد على الخلط الكبير الذي رافق تجارب الإسلاميّين بين الجانب الأيديولوجي وجانب الممارسة، وقال إنّهم لم يصلوا إلى المواءمة بين تصوّراتهم القديمة وما تتطلّبه المجتمعات التي صعدوا فيها إلى الحكم من حاجيّات أساسيّة سواء في مستوى الحرّيات والدّيمقراطيّة أو في مستوى الاستجابة لتطلّعات النّاس حول قضاياهم المعيشيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة.