محاضرة: " نقد الفكر الديني"
فئة: أنشطة سابقة
في إطار افتتاح أنشطة "صالون جدل للفكر والثقافة" التابع لـ"مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث"، نظمت المؤسسة محاضرة تحت عنوان " نقد الفكر الديني" ألقاها المفكر السوري د.خالص جلبي، والذي يعتبر من رواد الفكر النقدي، حيث صدرت له في هذا الصدد، مجموعة من الاعمال، أهمها "في النقد الذاتي"، "الدرس الأفغاني".
استهلت المحاضرة بتعريف بالمفكر د.خالص جلبي، الذي شكر "مؤسسة مؤمنون بلا حدود" على الدعوة مشيرا إلى أمله في أن يكون جنديا من جنود المؤسسة، وأن يضع تحت تصرفها كل إمكانياته العلمية والفكرية، لما لهذه المؤسسة من دور كبير في نشر المعرفة وتنوير العقل.
في بداية المحاضرة، أكد الدكتور جلبي على أن موضوع الندوة موضوع حساس، ولكن لا بد من الوقوف عنده، لذلك أراد لهذه الأخيرة بأن تكون على شاكلة العصف الذهني أو ما يسمى باللغة الإنجليزية بـ"brain storming"
في نقده للفكر الديني، ركز المحاضر على السؤال الجديد/ القديم: لماذا تقدم الغرب وتأخر المسلمون؟ وانطلاقا من تجاربه الخاصة والعلمية، حاول المحاضر الإجابة عن هذا السؤال برصد مجموعة من العناصر التاريخية والثقافية التي تدخل في جدلية، لتؤسس معنى لهذا السؤال الكبير، معتبرا أن إشكالية تخلف المسلمين ليست بعلاقة رياضية يمكن حلها بجواب واحد، وإنما هي تتشظى في عناصر عدة أطلق عليها اسم "multifactoriel "
ولتوضيح آلية اشتغال هذه العناصر، انطلق الدكتور خالص جلبي من الواقع العربي الإسلامي مبرزا ما يعتريه من تراجع وتخلف عن ركب الحداثة والحضارة والمتجلية في كون العالم الذي نعيش فيه ليس من صنعنا على جميع المستويات: الاقتصادية، السياسية و التكنولوجية... ولتجسيد هذا التراجع في الحضارة العربية، استدل الدكتور خالص جلبي بآراء واجتهادات مالك ابن نبي، والذي اعتبر بدوره أن الحضارة الإسلامية انطفأت ما بعد مجتمع الموحدين.
بعد إطلالة عامة وبانوراميه على التاريخ العربي الإسلامي بناء على سلطان الزمان، والذي اعتبره الدكتور خالص السلطان الروحي الأول، أكد المحاضر على أن العالم الإسلامي أصيب بشلل عقلي بعد العصر العباسي الذي عرف استبدادا سياسيا كبيرا والذي أرجعه المحاضر إلى العامل الديني، مضيفا أن "وراء أي استبداد سياسي هناك استبداد ديني". في نفس السياق، وفي حديثه عن مفهوم الدين وعلاقته بالتنوير والتقدم، انتقل المحاضر عبر المراحل التي عرفها التنوير الغربي، وهي العقلانية، الاحترام والتسامح ثم الإنسانية. الغرض من هذا الانتقال التاريخي، يضيف جلبي، هو توضيح موقع التنوير الإسلامي اليوم في خارطة العالم الذي عرف تحولات عميقة، مؤكدا على أن التنوير الإسلامي يتطلب معرفة عميقة للذات عبر الطرح: أين نحن، من نحن وإلى أين نريد الذهاب. أي إن تحديد الإحداثيات التي ستتمكن من بوصلة التقدم لكي يأخذ الاتجاه الصحيح بات ضروريا.
كما أشار المحاضر كذلك إلى أننا في الوقت الراهن، يجب أن ندخل العالم المعاصر، وأن ندرك أهمية هذه المرحلة التاريخية من أجل خلق تيار تاريخي سيمكن من إعادة نسق ومعنى جديد لعالمنا الراهن. تأكيدا على هذه الضرورة، وجه الدعوة إلى ضرورة تأسيس مجموعة من مراكز الأبحاث والدراسات "think thank" من أجل النهوض بالفكر العربي الإسلامي.
وتميزت الجلسة بحضور ثلة من الباحثين والأكاديميين الشباب الذين أثروا النقاش بتدخلاتهم وتعقيباتهم وتساؤلاتهم.
وفي رده على محور المداخلات، أكد الدكتور خالص جلبي على أن الحل يكمن في الأدوات المعرفية، فأي تنوير عقلي يجب أن يعتمد على العلوم الإنسانية من أجل تأسيس انطلاقة معرفية جديدة في إعادة قراءة الموروث الديني الذي يشكل نواة الجسد الإسلامي، مؤكدا على أن عنصر التفكيك وحده غير كافي من أجل تحقيق معادلة ناجحة، بل العالم الإسلامي في حاجة لأكثر من ذلك من أجل نقد ذاتي بناء.