في ثمانينية الإمام الصادق المهدى: مركز دال يفتح ملف العلاقات المصرية السودانية ويناقش الوسطية في الإسلام
فئة: أنشطة سابقة
وسط حضور كبير، نظم مركز "دال" للأبحاث والإنتاج الإعلامي التابع لمؤسسة مؤمنون بلاحدود، يوم الخميس الموافق 24 ديسمبر 2015 يوما بحثيا مكثفا تزامن واحتفالية ثمانينية رئيس الوزراء السابق والمفكر الإسلامي الصادق المهدي رئيس حزب الأمة السوداني، بمشاركة العديد من الباحثين والمفكرين من مصر والسودان.
وفي الجلسة الأولى، والتي جاءت بعنوان العلاقات المصرية السودانية تحدث الدكتور سامح إسماعيل مدير الأبحاث بمركز دال عن أهمية مشروع الإمام الفكري الذي يجمع ولا يفرق، ويؤسس لمنهج قائم على العدل والمساواة داخل منظومة الفكر الإسلامي، وأضاف الدكتور سامح أن فتح ملف العلاقات المصرية السودانية يأتي محاولة للربط بين عمل المراكز البحثية ومؤسسات المجتمع المدني للإيجاد قاعدة شعبية تستطيع عبر البنى التحتية الاجتماعية والمعرفية تجاوز ما تصنعه السياسة من خلافات وما تضعه من عراقيل، مستعرضا معطيات هذا الحراك المجتمعي المرجو، وجذوره الضاربة في تاريخ البلدين.
من جانبه، تحدث الدكتور هاني رسلان مستشار مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والخبير في العلاقات المصرية السودانية قائلاً :"سعيد بوجودى في الاحتفالية بثمانينية الإمام المهدي فهو مثقف وسياسي ومفكر ومفسر لكثير من الأشياء المربكة والشائكة في واقعنا العربي والإسلامي، والتي نحتاج أن نركز عليها في فترات التحول والتغير، ومن أبرز سمات الإمام المهدي تقبله للآخر وتسامحه وسعيه للتواصل مع كافة الأطراف".
وأضاف الدكتور هاني رسلان أن رسالة مركز دال تأتي استجابة حقيقية لتحدي اللحظة التاريخية المربكة والمفعمة بدعوات العنف والتطرف، ثم تطرق إلى ملف العلاقات المصرية السودانية، مؤكدا أن هذه العلاقات تم تناولها بصورة غير متعمقة ويتم التعامل معها دون إدراك حقيقي لتعقيداتها والاختلافات والتباينات بين العقلين المصري والسوداني؛ فالعقل المصري يختلف في رؤيته عن العقل السوداني، وذلك تبعا لتطور كل مجتمع وظروفه، والنظرة المصرية للسودان نظرة عاطفية في السياق الشعبي، لكنها معقدة على المستوى العام، فمصر دولة مركزية منذ قديم الأزل منصهرة ومتعايشة، رغم ما بها من تنوع، في حين أن السودان دولة قائمة على التعددية واللامركزية بصورة كبيرة عبر تاريخها، وما نشاهده اليوم من خلافات كبيرة حول سد النهضة وحلايب غيرها من القضايا التي تنذر بصدام قادم ستكون له نتائج مقلقة للغاية تدفعنا لضرورة مراجعة جذور هذه الخلافات".
وأشار الدكتور هاني إلى أن العلاقات المصرية السودانية في القرن العشرين تنقسم إلى ثلاث مراحل؛ الأولى مرحلة ما قبل الاستقلال، وهي مرحلة شائكة وتحتاج لمراجعة العديد من الأمور، والفترة الثانية هي مرحلة ما بعد الاستقلال، والتي شهدت فترات شد وجذب وفقاً للنظام الحاكم، وللأسف تسبب الخلاف بين عبد الناصر وجماعة الإخوان في الانعكاس على علاقة مصر بالسودان، وبخاصة في الفترة التي وصل فيها للحكم في السودان جماعات وأحزاب إسلامية تدور في فلك أفكار جماعة الإخوان، ومن هنا تم تصوير مصر كعدو ودولة للطاغوت، فكانت العلاقات مضطربة عندما تقوى هذه التيارات، ثم تعود للتواصل من جديد عندما يتراجع هذا التيار، مؤكدا أن عدد الطلاب السودانيين في الجامعات المصرية كان أكثر من عددهم في جامعة الخرطوم، وهذا مثال بسيط يوضح كيف كانت العلاقات بين البلدين في إطار من الأخوة والمسؤولية المشتركة.
وأكمل الدكتور هاني: هناك المرحلة الثالثة للعلاقات المصرية السودانية، وهي الفترة التي أعقبت انقلاب 1989 ووصول الإخوان المسلمين للحكم في السودان، وقد دفع نظام البشير بالعلاقات المصرية السودانية لمنطقة خطرة، وتعامل مع مصر كدولة معتدية ومحتلة لمنطقة حلايب، عندما قرر في عام 1991 التنقيب عن البترول والمعادن في منطقة حلايب بتصرف منفرد يحاول الدفع بمصر نحو مواجهه حتمية، وصناعة أزمة باعتبار مصر دولة احتلال في حين كانت قضية حلايب على مدار تاريخها قائمة على التوافق وليس على العداء بين الشعبين، ومن هنا أصبحت قضية حلايب أداة يستخدمها النظام السياسي السوداني للحشد الجماهيري واخفاء أزماته وإخفاقاته الداخلية، مطالبا مصر في نفس الوقت بالتعامل بمرونة في هذا الملف حتى لا ترتبك حياة القبائل التي تعيش في تلك المنطقة.
واختتم حديثه قائلاً: " أرى أن تبدي مصر مرونة في التعامل مع القضية من أجل الحفاظ على العلاقات مع الشعب السوداني وخاصة في ظل وجود نظام سياسي في السودان رسخ في عقل الشباب أن حلايب أرض محتلة وأخذت عنوة، ومن الضروري إعادة صياغة هذه الأفكار المغلوطة عن طريق المصالح المشتركة، وإلا ستكون النتائج مخفية على الجميع".
ومن جانبها، شاركت الدكتورة مريم الصادق المهدي نائب رئيس حزب الأمة " الدكتور هاني رسلان تأكيده على كون العلاقات المصرية السودانية معقدة وتحتاج إلى نظرة جادة، بعيدا عن النظرة شديدة التبسيط والغارقة في العاطفة التي يتعامل بها الكثيرون، هذه المراجعة للعلاقات المصرية السودانية في رأيها باتت ضرورة ملحة في هذه اللحظة الفارقة التي تمر بها المنطقة العربية، والتي تشبه انفجارا كبيرا أخرج كل الشياطين التي تسكن أوطاننا، في ظل تكريس لأوضاع اقتصادية واجتماعية غاية في الظلم، ومن هنا لم نعد في رفاهية الاكتفاء بالحديث عن الماضي والذكريات، ولكنا نحتاج لاستشراف المستقبل والحديث عن المصالح المشتركة.
وأضافت الدكتورة مريم " الأوضاع الجديدة في السودان ومصر تختلف تماماً عن الماضي، فنحن نعيش في عصر العولمة والخيارات المتعددة، فمنذ عقود كان السودانيون يشاهدون المسلسلات والأفلام المصرية، ويعرفون الكلمات المصرية بعكس الآن هناك خيارات متعددة من مسلسلات تركية وهندية وسورية وأمريكية، وقياساً على ذلك تغيرت أيضاً أمور سياسة واقتصادية ومعرفية في رؤية وتكوين الأجيال الجديدة، ولهذا فخطاب الماضي لم يعد يصلح للحاضر ونحتاج لإعادة تأسيس علاقتنا بصورة جديدة تناسب العصر الحالي، مؤكدة على كون السؤال المطروح في السودان عبر العقود الماضية هو مدى استقلالية السودان في قرارتها وسيادتها، وللأسف الدولة المصرية كانت تتعامل في السودان مع جماعات شمولية لا تحتمل العبء، وللأسف كانت هذه الأنظمة تستغل علاقتها مع مصر لقمع الشعب السوداني".
وأشارت الدكتورة مريم إلى أن مصر في مستوى تطور الدول العالمي في المركز 116 والسودان 166 وهذه مؤشرات خطرة، تؤكد على أن الدولتين لا بديل لهما عن التفاهم والتعاون، في كل القضايا وخاصة قضية سد النهضة وقضة حلايب، ففي قضية سد النهضة من يتأمل الأمر سيكتشف أن مياه النيل المستغلة فقط 10 في المئة، وبالتالي فالصراع ليس على الماء في حد ذاته بقدر ما هو صراع سياسي في غيبة من الوعي.
وأوضحت الدكتورة مريم إلى أنه يتوجب على مصر تفهم أن علاقة السودان مع إفريقيا مهمة أيضا، وهذه التوطيد للعلاقات السودانية الأفريقية من مصلحة مصر، ويجب أن تدرك مصر هذا، وتعمل وفقا له ووفقا للمصالح المشتركة، وعلينا أيضاً أن ندرك أهمية المصالح الاقتصادية ، فالتبادل التجاري السوداني مع مصر ضعيف للغاية وهذا يحتاج إلى مراجعة كبيرة.
ثم تحدثت الأستاذة أسماء الحسيني نائب رئيس تحرير الأهرام، ومدير الشؤون العربية أن العلاقات المصرية السودانية منذ فجر التاريخ تظل مرآة تعكس مدى المصالح المشتركة، وقدرة الشعبين على تجاوز أي خلاف، وأن تصدير صورة المحتل المتعالي كصورة نمطية للمصري في السودان أمر غير حقيقي، وأن المصريين ليسوا أحفاد الخديوي ولا أحفاد الدفتردار، وعلاقات الإخاء والمصاهرة تتجاوز المشهد الراهن، مستعرضة تاريخ العلاقات بين البلدين، ومحددة المعطيات التي تحتم نبذ الخلاف والتفاهم حول قضايا المصير المشترك.
من جانبها، أكدت الباحثة السودانية رشا عوض رئيس تحرير صحيفة التغيير على ضرورة حسم الجدل على القضايا الخلافية، وبناء قاعدة جماهيرية لديها مرونة تفتقدها الأجهزة الحكومية، والانتباه إلى دعوات التطرف والإرهاب التي باتت تؤرق الجميع، مؤكدة من منفاها رغبتها في العودة إلى وطن يتسع للجميع.
بعد ذلك، عقب الدكتور سامح إسماعيل على كلمات المحاضرين مثمنا ما ورد من طروحات، وما برز من رغبة حقيقية في تجاوز معادلة الخلاف الصفرية، مؤكدا هزلية الصراع بين شقيقين على مثلث حدودي لا تتجاوز مساحته 20ألف كيلومتر مربع، في حين لا تستغل مصر ولا السودان نحو ثلاثة ملايين متر مربع هي مساحة الدولتين استغلالا حقيقيا، داعيا إلى مبادرة باعتبار المثلث منطقة حرة ومفتوحة، كرمز للوحدة بين كل العرب، وتنمية المنطقة بعيدا عن صراع سياسي سخيف. بعدها استمع المحاضرون إلى كلمات المعقبين وأسئلة الضيوف.
وفي الجلسة الثانية التي جاءت بعنوان الوسطية في الإسلام، تحدث الباحث السوداني الحاج وراق قائلاً: "شهد السودان في السنوات الماضية واحدة من أكثر التجارب ألماً ودماراً، ونحن للأسف حتى الآن كمسلمين لم نكتشف القرآن ولم نعرف الآية التي تقول: "لا إكراه في الدين"، ولم نعرف أيضاً حديث النبي محمد القائل: "أنتم أعلم بشؤون دنياكم"، وفي هذا الصدد ثمن ما قام به الإمام المهدي من جهود كبيرة كرس لها حياته من أجل إحياء معنى الوسطية الإسلامية التي ترفض الرؤية الأصولية المتشددة والرجعية وتقاومها" .
وأضاف الحاج وراق: " الوسطية تؤكد على أهمية الدين في حياة الإنسان وحياة الأمة وأي حديث عن حرية وديمقراطية وتعددية وتطور للمجتمعات العربية لن يكون في رأيه إلا من خلال الدين، الذي يلعب دورا رئيسا في حياة شعوبنا، لذلك فالقضية التي يجب أن تشغلنا الآن هي التقاليد المرتبطة، والتي تحرم الأمة من إعمال العقول من أجل إنتاج فكر وممارسة جديدة تتلاءم مع الحاضر، ومن هنا جاء شعار "التجديد" بوصفه ركنا رئيسا في مشروع الإصلاح الديني، مستندا على ميراث من الممارسات النبوية والدعوات القرآنية التي تدعو لإعمال العقل والتطور وقبول الآخر والحرية والتعددية، فقد وضع النبي محمد ميثاقا يشبه كثيراً ما تنادي به مواثيق الأمم المتحدة، وكان هذا الميثاق هو صحفية المدينة التي تؤسس للدولة المدنية، وتكفل حرية الاعتقاد والمساواة والعدالة بين جميع سكان المدنية، لكن ما حدث بعدها من مواقف استثنائية في تاريخ الدولة الإسلامية، تمت إعادة بناء المنظومة المجتمعية، وفرضت بعض القيود والتصورات الاستثنائية، لكننا للأسف تركنا الأصل وما زالنا نعيش بالاستثناء حتى الآن، ونتعامل معه بوصفه جوهر الإسلام".
وفي السياق ذاته قال الباحث السوداني عبد المحمود أبو أن مشروع الصادق المهدي قائم بالأساس على مجموعة من المبادئ، وهي مقاصد الشريعة والحكمة والمصلحة والعقل والعدل، ومن النقاط المهمة أيضا في مشروع الإمام المهدي التميز بين الثوابت والمتغيرات، والالتزام بالتيسير في الفتوى والترغيب في الدعوة، ومراعاة الفوارق بين الناس والتوفيق بين الواجب والواقع".
كما تناول الباحث المصري بجامعة الأزهر الدكتور هاني محمود، مبادئ الوسطية في الإسلام، وقواعد الإخاء والرحمة والمساواة بين البشر، داعيا في كلمته إلى تجاوز كل دعوات الكراهية مستعرضا منطلقات الإسلام الوسطى كما يراه، داعيا إلى الانفتاح على كل المنهاجيات الحديثة التي تتعامل مع النصوص بلا حرج، رافضا كل دعوات التكفير حتى وإن ذهب الخلاف إلى مناطق قد تبدو بعيدة عن الدين وثوابته في رأي المتشددين.
وفي الجلسة الختامية، عقب الدكتور سامح إسماعيل على ما دار طيلة اليوم من نقاشات وحوارات ومحاضرات، موجها الشكر للمحاضرين وللحضور الكبير من الجانبين المصري والسوداني وللباحثين العرب والأفارقة الذين حضروا اللقاء، داعيا إلى تبنى المزيد من هذه اللقاءات التي تتسامى على الصراع والتناحر، وتدعو لأجواء من التسامح، وتدفع بالمزيد في نهر التنوير، شارحا رسالة مؤمنون بلا حدود في فتح المجال للجميع، وربط كل الجهد البحثي في المنطقة العربية، ليصبح التنوير سلاحا فعالا في مواجهة العنف والتطرف.
من جانبه، عقب رئيس الوزراء السوداني السابق الإمام الصادق المهدى، موجها الشكر لإدارة مؤمنون بلا حدود ومركز دال، داعيا إلى فتح مزيد من طاقات النور في عالمنا العربي لمواجهة الظلام.
وفي نهاية اليوم، أهدت اللجنة العليا لثمانينية الإمام المهدى درع التكريم لمركز دال، وسلم الإمام المهدي دروع التكريم للأستاذ عصام فوزى المدير التنفيذي للمركز والدكتور سامح إسماعيل مدير الأبحاث، والباحثين بالمركز حاتم زكي ومحمد الصادق وولاء عبد الهادي، وذلك على جهودهم في التنظيم وإدارة اليوم.